بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عقيل عن بهية قالت: سمعت امرأة تسأل عائشة رضي الله عنها عن امرأة فسد حيضها وأهريقت دمًا، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم، فلتعتد بقدر ذلك من الأيام، ثم لتدع الصلاة فيهن أو بقدرهن، ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فهذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في إقبال الحيضة، وأن المرأة إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وإقبال الحيضة يحتمل إقبالها بالتمييز؛ لأنها تعرف بالتمييز، أو إقبالها بالعادة التي كانت تعرفها من الشهر وعدد الأيام التي تعرفها وتعرف مكانها من الشهر، فهذا الحديث سنده ضعيف؛ لأن فيه أبا عقيل وهو ضعيف، وكذلك بهية ضعيفة، وأما المرأة التي تسأل عائشة رضي الله عنها فلا يضر جهالتها؛ لأن بهية قد سمعت الحديث من عائشة وقد قالت: سمعت عائشة، فلم تنقل عن المرأة المجهولة وإنما نقلت عن عائشة لكن معنى الحديث: صحيح، وقد دل على معناه الأحاديث الصحيحة، فقد دلت على أن المرأة تجلس أيام عادتها إذا كان لها عادة تعرفها في الشهر، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز، والحديث وإن كان ضعيفًا لكن له شواهد ترتقي به إلى درجة الحسن، فالحديث حسن بشواهده، وهو دليل على أن المرأة إذا كان لها عادة فإنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، وتستثفر بثوب ثم تصلي، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز.
(المتن)
حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة، وقوله: (ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) الأختان: هم أقارب زوجة الرجل، يقال لهم: أختانًا، وأما أقارب الزوج يقال لهم: أحماء، والجميع يسمون أصهارًا.
والمعنى: أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: قريبة من زوجته؛ لأنها أخت زوجته، أخت زينب، وهذه المرأة وهي أم حبيبة رضي الله عنها معتادة، ويحتمل أنها مميزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: («إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي»).
والأصل: أن العادة مقدمة إذا كانت معروفة للمرأة، فإن كانت المرأة لا تعرف العادة ونسيتها فإنها تعمل بالتمييز، فإذا كان الدم أسود ثخينًا له رائحة جلست، وإذا كان أصفر أو أحمر رقيقًا فإن هذا دم الاستحاضة.
(المتن)
قال أبو داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استحيضت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها وهي تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي».
قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي، ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام.
(الشرح)
يعني: أنه ذكر تسعة عن الزهري بخلاف رواية الأوزاعي، فـالأوزاعي خالف تسعة من تلاميذ الزهري، وهم: عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة، فكلهم خالفوا الأوزاعي ولم يذكروا هذا الكلام، أي: جملة: («إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي الدم وصلي») وهذه الجملة لم يذكرها إلا الأوزاعي من تلاميذ الزهري, وأما التلاميذ الآخرون التسعة لم يذكروا هذه اللفظة.
(المتن)
قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
(الشرح)
يعني: وليس من لفظ حديث الزهري عن عروة، وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والمؤلف يريد بهذا أن يرجح رواية الأكثرين, وبيان أن الأوزاعي خالف تلاميذ الزهري على طريقة المتقدمين في تقديم رواية الأكثر على رواية الأقل.
(قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها) يعني نُسب اللفظ للزهري عن عروة, وإنما كأنه أراد أن يقول: وهم الأوزاعي في هذا والمتقدمون من المحدثين يقدمون الرواية الأكثر على الرواية الأقل.
وأما المتأخرون فإنهم يقولون: إن الزيادة من الثقة مقبولة، كالحافظ ابن حجر, والعراقي, والخطيب البغدادي وهو أول من تكلم في هذا، فيقبلون رواية الثقة إذا كانت روايته غير منافية لرواية الأكثر فإنها مقبولة، ولهذا يقول العراقي:
واحكم بقول ثقة في الأظهر.
وقال الحافظ ابن حجر في النخبة: وزيادة راويهما أي: الصحيح والحسن زيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، وأما المتقدمون كـالنسائي وأبي داود وجماعة فإنهم يقدمون رواية الأكثر، فلهذا المؤلف رحمه الله قدم رواية الأكثر وقال: إن هذه الرواية انفرد بها الأوزاعي عن الزهري، وخالف فيها تسعة من أصحاب الزهري, فدل على أنها ليست من رواية الزهري وإنما هي رواية حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وهذا البحث بحث في الصنعة الحديثية والمؤلف رحمه الله معنى بهذا
(المتن)
قال أبو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضًا: «أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها»، وهو وهم من ابن عيينة.
(الشرح)
يعني: زاد سفيان بن عيينة أيضًا في هذا الحديث: («أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها»)، يعني: أيام حيضها.
وفيه دليل لمن قال: إن الأقراء هي الحيض، ولكن قال المؤلف: إن هذه الزيادة: («أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها») وهم من ابن عيينة؛ لأنه انفرد بها.
(المتن)
وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه.
(الشرح)
يعني: حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه وهم، وهو الحديث الذي سيأتي، ويقرب من زيادة الأوزاعي في حديثه، فكما أن الأوزاعي زاد: («فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي») هذه لم يذكرها أحد من الحفاظ عن الزهري, وإنما انفرد بها الأوزاعي فتكون وهم وكذلك ابن عيينة.
(المتن)
وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه.
(الشرح)
يعني: حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه وهم، وهو الحديث الذي سيأتي، ويقرب من زيادة الأوزاعي في حديثه، فكما أن الأوزاعي زاد: («فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي») ووهم في هذا, فكذلك أيضًا حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء من الوهم يقرب من الوهم الذي زاده الأوزاعي في حديثه.
وعلى هذا تكون زيادة ابن عيينة وزيادة الأوزاعي وحديث محمد بن عمرو في كلها وهم، وكل منهم تفرد بما لم يذكره أحد سواه، فتكون ضعيفة، وهذا على طريقة المتقدمين، فوهم الأوزاعي في زيادته، ووهم ابن عيينة، ووهم محمد بن عمرو.
الطالب: (....).
الشيخ: قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة, هذا ما لفظ الزهري, فدل على أنه وهم, نفى أن يكون من حديث الزهري.
(المتن)
حدثنا محمد بن المثنى قال: أخبرنا محمد بن أبي عدي عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: «أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه النسائي بإسناد حسن كمال قال المنذري، وفيه: بيان الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فدم الحيض دم أسود يعرف، ويعرف تروى بالوجهان: يعرَف، بفتح الراء على البناء للمجهول، أي: تعرفه النساء، وروي يعرِف بالكسر، أي: له عرف ورائحة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل الحكم، فقال: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلكِ)، وهذا الخطاب للمرأة، يعني: في وقت دم الحيض، (فأمسكي عليك الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي)، أي: فهو دم الاستحاضة (فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) أي: دم عرق، وهذه مميزة, ففيه العمل بالتمييز.
ويحتمل: أنها معتادة، ولكن الأظهر: أنها مميزة، فدل على أن: المرأة إذا كانت مميزة ولم تعلم عادتها فإنها تعمل بالتمييز.
وهذا الحديث سبق أن المؤلف رحمه الله قال: إنه فيه شيء من الوهم؛ لأنه تفرد به محمد بن أبي عدي عن الزهري فيكون فيه وهم.
(المتن)
قال أبو داود: وقال ابن المثنى: حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا به بعد حفظًا قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت (أن فاطمة كانت تستحاض) فذكر معناه.
(الشرح)
يعني يقول: أن ابن أبي عدي حدث به مرة من كتابه، وحدث به مرة أخرى من حفظه.
فلما حدث به من كتابه قال محمد بن أبي عدي: عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب، ولما حدث به من حفظه قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره من كتابه عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش، وجعله من حفظه من مسند عائشة, ولهذا تكلم العلماء في هذا الحديث.
وذكر ابن القيم رحمه الله أن ابن القطان قال: إن الحديث منقطع؛ لأنه انفرد به محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة، ورواه عن محمد بن عمرو محمد بن أبي عدي مرتين: إحداهما من كتابه، والثانية من حفظه.
والمؤلف رحمه الله رد هذا الحديث أيضًا, وقال ابن القيم رحمه الله: إن الحديث متصل.
فقد حدث به محمد بن عمرو من كتابه منقطعًا، وحدث به من حفظه متصلًا، فزاد عائشة، وهذا فيه نظر، ورد كلام ابن حزم هذا الحديث.
والمقصود: أن هذا الحديث فيه كلام، فالمؤلف أبو داود يرى أن فيه وهم، وقال ابن القطان: إن فيه انقطاع, وابن القيم يرى أن الحديث لا بأس به، وأن عروة بن الزبير يمكن أن يروي عن فاطمة ويروي عن عائشة، ولا يعتبر هذا وهمًا، وقال المؤلف رحمه الله: إن فيه وهم وهو يقرب من وهم الأوزاعي؛ لأن محمد بن عمرو تفرد فيه عن الزهري بما لم يذكره سواه.
(المتن)
قال أبو داود: وروى أنس بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في المستحاضة قال: إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي.
(الشرح)
هذا مروي عن أنس, رواه أنس ابن سيرين عن ابن عباس, والدم البحراني يعني: الدم الكثيف الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم، نسبة إلى البحر لكثرته وسعته، والبحر هو: التوسع والانبساط في الشيء، ومنه: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب فرسًا عاليًا وكان يقال: إنه يتأخر في المشي، فأسرع: «إن وجدناه لبحرًا»، يعني: واسع الجري، فقال هنا: إذا رأت الدم الكثير الغليظ فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي.
(المتن)
وقال مكحول: إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصل.
(الشرح)
هكذا مكحول يقول: أن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، بل يعرفنه بالتمييز، فدم الحيض دم أسود غليظ، منتن كريه الرائحة، فإذا ذهب هذا الدم الغليظ المنتن وجاء الدم الأصفر الرقيق فإنها تغتسل وتصلي.
(المتن)
قال أبو داود: وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت.
(الشرح)
وإقبالها يكون بالعادة إن كان لها عادة، فإن لم يكن لها عادة بالتمييز، فإذا أدبرت اغتسلت وصلت.
(المتن)
وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب: تجلس أيام أقرائها.
(الشرح)
يعني: أيام حيضها.
(المتن)
وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
(الشرح)
يعني: كما سبق، أنها تجلس في أيام عادتها.
(المتن)
قال أبو داود: وروى يونس عن الحسن: الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يومًا أو يومين فهي مستحاضة.
(الشرح)
يعني: إذا استمر بها الدم بعد انقضاء مدته المعلومة، فإنها تُمسك عن الصلاة يومًا أو يومين، ثم بعد ذلك هي مستحاضة.
(المتن)
وقال التيمي عن قتادة: إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل، قال التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين.
(الشرح)
يعني: أنقص الأيام التي زادت على أيام حيضها.
(المتن)
فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها، وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك.
(الشرح)
يعني: النساء تعرف هذا، وقوله: (إنها تجلس بعده يومًا أو يومين) ليس بوجيه، وإنما تجلس أيام أقرائها كما سبق.
ولا تزيد يومًا أو يومين إلا إذا كان فيه وصف دم العادة، أما إذا انتهى الدم الغليظ فلا تجلس يومًا أو يومين، فقول الحسن تجلس يومًا أو يومين إذا مد بها الحيض ليس بجيد، وكذلك قول التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين، وأما قول ابن سيرين: النساء أعلم، فهو أصح من قول الحسن، والمؤلف رحمه الله أكثر النقول عن السلف؛ لأن باب الاستحاضة باب عويص.
والخلاصة أن المستحاضة لها ثلاث حالات:
أحدها: أن يكون لها عادة معلومة من الشهر، فتجلس فيها، ثم تغتسل وتصلي.
الثانية: ألا يكون لها عادة، كأن تكون مبتدئة أو لها عادة ونسيتها فإنها تعمل بالتمييز، فتجلس إذا كان الدم أسود أو ثخينًا أو منتنًا أو أحمر شديد الحمرة، فإذا ذهب اغتسلت وصلت.
الثالثة: ألا يكون لها تمييز ولا عادة، وهذه تسمى متحيرة، فتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي.
وهذا على حسب عادة نسائها، ممن يشابهنها سمنًا وخلقة من نسائها وأبناء جنسها، فإن كن يجلسن سبعة أيام جلست سبعًا، وأن كن يجلسن ستة جلست ستًا.
(المتن)
حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أخبرنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت أُستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش رضي الله عنها فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم؟ فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك, قال: فاتخذي ثوبًا، فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم.
قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ذكره، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصل ثلاثًا وعشرين ليلة أو أربعًا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما يحضن النساء وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إليَ.
قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل.
(الشرح)
وهذا حديث حمنة هذا حديث مشهور، وحمنة بنت جحش كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وزينب أم المؤمنين، وكل بنات جحش مستحاضات الثلاث.
وهذا الحديث مشهور فيه: بيان أن المتحيرة تتحير في علم الله؛ لأن ظاهرها أنها متحيرة، فتتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام.
والحديث فيه: عبد الله بن محمد بن عقيل، اُختلف في توثيقه وضبطه، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قيل: في حفظه بعض الشيء، والراجح: أنه ثقة مقبول إذا وافق الثقات، والحديث رواه الترمذي وغيره، وهذا الحديث مما وافق فيه الثقات، وكما قال ابن القيم رحمه الله: مداره على ابن عقيل، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ثقة صدوق، لم يتكلم فيه بجرح أصلًا، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديثه، وكان الترمذي يصحح له، وإنما يخشى من حفظه إذا اضطرب على الثقات أو خالفهم، أما إذا لم يخالف الثقات ولم ينفرد فيما ينكر عليه فهو حجة.
وقال البخاري في هذا الحديث: هو حديث حسن، وقال الإمام أحمد: هو حديث صحيح، وأما ابن خزيمة فإنه أعله، وقال: لا يصح؛ لأن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل، فالحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، في حفظه بعض الشيء، ولكن إذا وافق الثقات فلا إشكال فيه، وإنما الأشكال إذا خالف الثقات، وهنا قد وافق الثقات، وهو ثقة صدوق، وفيه: أن حمنة رضي الله عنها قالت: («يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنعت لك الكرسف»)، يعني: أصف لك الكرسف، وهو القطن تحتشي به، قال: («فإنه يذهب الدم»)، أي: يخفف الدم («فقالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوبًا, فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًا, فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم, قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان») والركضة: ضرب الأرض بالرجل حال المشي.
والمراد: أن الشيطان ركض، أو وجد طريقًا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وصلاتها، حتى أنساها عادتها, فهي ركضة من ركضات الشيطان, والأصل الحقيقة.
وبعضهم تأوله بأن المراد: أن الشيطان قد وجد طريقة إلى التلبيس عليها، أي: أنه ليس ركضًا حسيًا, والصواب: أن الأصل الحقيقة, الشيطان له مدخل للإنسان، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها أمرين، فقال: («سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم, قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثًا وعشرين ليلة أو أربعًا وعشرين ليلة وأيامها»).
وهذا هو الأمر الأول: أنها تتوضأ لكل صلاة، وتصلي كل صلاة في وقتها.
وتتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة نسائها، ومن يوافقها سنًا من نسائها؛ لأنها متحيرة؛ وليس لها تمييز ولا عادة فهي متحيرة.
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة أيام، وتصلي بقية الشهر وتصوم ثلاثًا وعشرين أو أربعًا وعشرين يومًا من الشهر.
وهذه الستة الأيام أو السبعة تجلسها على عادة نسائها إن عرفت أول مجيء الحيض جلست، وإلا جلست من أول كل شهر هلالي، ثم بعد ذلك تتحفظ وتتلجم وتصلي، وتفعل هذا في كل شهر.
ولذلك قال لها النبي: («وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن، ميقات حيضهن»).
والأمر الثاني قال: («فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر») يعني: أنها تجمع جمعًا صوريًا, وتغتسل في كل يوم ثلاث مرات, فتجمع الظهر والعصر وتغتسل لهما، وتجمع المغرب والعشاء وتغتسل لهما، وتغتسل للفجر.
فالأمر الأول: أنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة.
والأمر الثاني: أنها تغتسل في كل يوم ثلاث مرات، وتجمع جمعًا صوريًا.
فتؤخر الظهر إلى آخر وقتها وتعجل العصر في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معًا, وتؤخر المغرب إلى آخر وقتها وتعجل العشاء في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معًا.
وتغتسل للفجر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: («وهذا أعجب الأمرين إليَ») يعني: الاغتسال ثلاث مرات, وهذا من باب الاستحباب.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل فقال: فقالت حمنة: فقلت: هذا أعجب الأمرين إلي، فلم يجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله كلام حمنة.
(الشرح)
رواية عمرو بن ثابت قوله: («هذا أعجب الأمرين إليَ»)، لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جعله من كلام حمنة, هذه رواية عمرو بن ثابت عن ابن عقيل.
وأما الرواية الأولى: فإنها رواية زهير بن محمد وعبد الله بن عقيل وفيها: أن قوله: («هذا أعجب الأمرين إليَ») من كلام النبي.
(المتن)
قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضيًا، ولكنه كان صدوقًا في الحديث.
(الشرح)
كان صدوقًا في الحديث؟.
الطالب: زيادة في بعض النسخ.
الشيخ: فقول أبي داود: كان عمرو بن ثابت رافضيًا وذكره عن يحيى بن معين يعني ذكر أبو داود هذا الكلام –أي كونه رافضيا- عن يحيى بن معين، يعني: فلا يعول على قوله: قالت حمنة: («هذا أعجب الأمرين إليَ») والصواب أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصواب رواية زهير بن محمد عن ابن عقيل, وقد رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعول عليه, فالصواب: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء.
(الشرح)
وذلك لأن ابن عقيل فيه كلام، ففي حفظه بعض الشيء, ونُقل عن الإمام أحمد رواية أخرى أنه لا بأس به, كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله فقد قال: كان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق يحتجون بحديثه, وقال الإمام أحمد: هو حديث صحيح, وفي هذه الرواية قال: في نفسي منه شيء، وذلك من جهة حفظه؛ لأن في حفظه بعض الشيء, ولهذا قال الترمذي: حديث حمنة حسن صحيح.
(المتن)
باب: من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة.
حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي, قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة, وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي».
قالت عائشة: (فكانت تغتسل في حجرة أختها زينب) وكانت بنات جحش كلهن مستحاضات أم حبيبة وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة وكانت تحت طلحة بن عبيد الله، وزينب أم المؤمنين فكانت تجلس في مركن, والمركن: يشبه الإناء الذي يغسل فيها الثياب، ويشبه الطست.
والحكمة من كونها تجلس فيه: أنها إذا علت حمرة الدم الماء عرفت أنه دم استحاضة، فتخرج منه وتغتسل, وليس معناه: أنها تغتسل في هذا المكان الذي فيه الماء.
أما إذا لم تعلو حمرة الدم الماء فتعرف أنه دم حيض ولم يذكر هنا أنها تغتسل لكل صلاة، وسيأتي في الحديث الذي بعده.
(المتن)
حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عنبسة أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة.
(الشرح)
وهذا هو الشاهد للترجمة بقوله: باب: ما روي أنها تغتسل لكل صلاة.
الحديث: أنها كانت تغتسل لكل صلاة, ولكن هذا اجتهاد منها ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الواجب عليها أن تغتسل مرة واحدة عند انقطاع دم الحيض، فإذا انقطع دم الحيض اغتسلت, أو إذا كان لها تمييز أو انتهت العادة فإنها تغتسل مرة واحدة, هذا هو الواجب.
وأما اغتسالها لكل صلاة فقد فعلته هي تطوعًا، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي أمرها به هو أنها تغتسل عند انقطاع دم الحيض, وأما كونها تغتسل لكل صلاة فهذا اجتهاد منها، وليس بواجب, وعنبسة هذا الأقرب أنه عنبسة بن خالد, هل تكلم عليه عندك؟.
فإذا علت حمرة الدم الماء عرفت أنه دم استحاضة، فتخرج منه وتغتسل, وما جاء في بعض الروايات من الأمر بالغسل لكل صلاة فهو محمول على الاستحباب كما سيأتي.
(المتن)
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث, قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة.
(الشرح)
وهذا الإسناد لا بأس به, وفيه: أنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة, ففيه دليل على: أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وهذا من باب الاستحباب, فإن أحبت هي من نفسها فعلته، وإلا فليس بواجب عليها أن تغتسل لكل صلاة؛ لأن هذا فيه مشقة عليها.
(المتن)
قال أبو داود: قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها.
(الشرح)
يعني: جعل يزيد عروة مكان عمرة، والقاسم بن مبرور جعل عمرة مكان عروة، فقال: (عن عمرة عن عائشة)، فقد اختلفا في عروة وعمرة وكلاهما ثقة، وعنبسة جعله من مسند أم حبيبة, والقاسم جعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة، فهذا هو وجه كون المؤلف ذكر الاختلاف في هذا وبين الاختلاف.
(المتن)
وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة رضي الله عنها، بمعناه.
(الشرح)
يعني: أن معمرًا ربما حذف عائشة رضي الله عنها.
(المتن)
وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها.
(الشرح)
يعني: جعله من مسند عن عمرة عن عائشة, وروايته الأولى عن عروة عن عائشة.
(المتن)
وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة.
(الشرح)
أي: قال سفيان بن عيينة في حديثه: ولم يقل أي: الزهري إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل.
الطالب: وعنبسة بن خالد هو أبو عثمان مولى بني أمية عن عمه يونس وابن جريج، وعنه: ابن وهب وأحمد بن صالح, وقال: صدوق.
وقال أبو داود: هو أحب إلينا من الليث.
وقال أبو حاتم: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثِديهن.
قال ابن القطان: كفى هذا في تجريحه.
قال النسوي سمعت يحيى بن بكير يقول: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن موضعًا للكتابة عنه, كذا في الميزان والتهذيب.
قال ابن يونس: توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، قاله البخاري (....).
الشيخ: وعلى كل حال يحتاج هذا الكلام إلى توثيق.
الطالب: (....).
الشيخ: يعني: هذا اختلاف في توثيقه، ويحتاج إلى مراجعة خلاف النقاد.
(المتن)
وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة.
(الشرح)
أي: قال سفيان بن عيينة في حديثه: ولم يقل أي: الزهري وهذا هو الصواب أنها ما أمرها النبي أن تغتسل وإنما اغتسلت هي من نفسها
الطالب: وذكر أبو داود رحمه الله قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت: «إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، عن الدم؟ فقالت عائشة: فرأيت مركنها ملآن دمًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي».
قال أبو داود: ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها.
رواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة.
الشيخ: لعله يأتي في (....).
(المتن)
حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي, قال: حدثنى أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة».
وكذلك رواه الأوزاعي أيضًا, قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة.
(الشرح)
وهذا هو الصواب، أنها هي التي كانت تغتسل، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها بالغسل لكل صلاة» وساق الحديث.
(الشرح)
وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث, وفيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة, وهذا ضعيف, والصواب: ما سبق من أنها هي التي كانت تغتسل.
وأما هذا الحديث الذي فيه: أن النبي هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة فمن رواية محمد بن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس, فلهذا لا حجة في ما دل عليه: من أن النبي هو الذي أمرها بالغسل, وإنما هي التي كانت تغتسل كما دلت عليه الروايات السابقة الكثيرة.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير.
(الشرح)
يعني: هناك واسطة بينه وبين أبي الوليد, قال: (ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير) يعني: هناك واسطة بينه وبين أبي الوليد.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة» وساق الحديث.
(الشرح)
وهذا منقطع، كما قال: إن بينه وبين أبي الوليد واسطة, وفيه: أن النبي أمرها بالاغتسال فلا يصح؛ لأنه منقطع, فلا يصح الأمر بالغسل، وإنما هي التي كانت تغتسل.
ولم يسمع المؤلف هذا الحديث من أبي الوليد الطيالسي مع كونه من تلامذته, وقد قال المؤلف: إن بينهما واسطة، ولم يذكرها, فدل على أن الحديث منقطع ضعيف, وإنما الثابت والمحفوظ أنها هي التي كانت تغتسل، كما في الأحاديث الصحيحة.
الطالب: وليست كل امرأة مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها، فهي لا تعرف موضعها ولا عادتها ولا وقت انقطاع الدم عنها.
الشيخ: وهذه هي المتحيرة، ولكن لا يجب عليها الغسل, وأما الغسل لكل صلاة فمستحب، إذا فعلته من نفسها, ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت الأمر منه فهو محمول على الاستحباب؛ لأن النبي لم يأمر المستحاضات بالغسل لكل صلاة؛ لأن فيه مشقة.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: «توضئي لكل صلاة».
(الشرح)
وهذا هو الصواب, ولكن أبو داود وجماعة يجعلون رواية عبد الصمد عن سليمان بن كثير: «توضئي لكل صلاة»، وهمًا؛ لأنه انفرد بها.
وأما رواية أبي الوليد الطيالسي عن سليمان بن كثير التي فيها الغسل لكل صلاة هذه منقطعة, لكن هذه لم يعقدها المؤلف لأنه انفرد بها.
(المتن)
قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد.
(الشرح)
ذلك لأن أبو داود يوثق الواسطة بينه وبين أبي الوليد، ويرجح قول أبي الوليد على قول عبد الصمد؛ لماذا؟ لأنه أقوى في الحفظ.
والصواب: أن عبد الصمد لم يهم؛ لموافقته النصوص التي فيها الأمر بالوضوء فقط, وإن كان أبو الوليد أقوى حفظًا, لكن رواية عبد الصمد موافقة للنصوص التي فيها أنها مأمورة بالوضوء لكل صلاة, وسيأتي أيضًا في الأحاديث الآتية أنها تتوضأ لكل صلاة أو لا تتوضأ؟.
(المتن)
حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر أخبرنا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي.
(الشرح)
وحديث أبي سلمة هذا إسناده حسن كما قال الشارح، وليس فيه علة, وقال ابن القيم رحمه الله: أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل؛ لأن زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم معدودة في التابعيات هذا كلام ابن القطان, فيكون الحديث مرسلًا، والمرسل ضعيف.
قال ابن القيم: ولكن هذا التعليل تعليل فاسد، فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمها وعن أم حبيبة، فليس منقطع ويكون حسن.
وقد اعتمد هذا الشارح، وعلى هذا فيكون النبي هو الذي أمرها أن تغتسل، فيكون الأمر محمولًا على الاستحباب، جمعًا بين الروايتين.
(المتن)
وأخبرني.
(الشرح)
هذا القائل يحيى.
(المتن)
وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هي أو قال: إنما هو عرق، أو قال: عروق».
(الشرح)
يعني: دم استحاضة فلا تترك له الصلاة، لأنه دم عرق، يعني: دم يخرج من انفجار العروق، ولا يخرج من الرحم, وعلى هذا فإذا رأت المستحاضة هذا الدم بعد الطهر، فإنها تغتسل وتتلجم وتتحفظ وتصلي, وسيأتي هذا أيضًا في الأبواب الآتية.
(المتن)
قال أبو داود: في حديث ابن عقيل: الأمران جميعًا, وقال: «إن قويت فاغتسلي لكل صلاة، وإلا فاجمعي».
(الشرح)
(بين الصلاتين) يعني: بغسل واحد.
(المتن)
كما قال القاسم في حديثه.
(الشرح)
وهذا الغسل من باب الاستحباب وحديث القاسم سيأتي في الباب الذي بعده.
(المتن)
وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم.
(الشرح)
يعني: أنها تغتسل لكل صلاة، أو تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.
(المتن)
باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي أخبرنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلًا، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلًا, فقلت لـعبد الرحمن: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء.
(الشرح)
وهذا الأمر على سبيل الاستحباب لا الوجوب، (فأُمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلًا) بدليل قوله في حديث حمنة لما ذكر الغسل والوضوء في كل صلاة: «وهو أعجب الأمرين إليَ» فهذا القول منه يدل على: أنه ليس للوجوب فيكون الغسل هذا من باب الاستحباب، وأما كونها تجمع بين الصلاتين فلأن الاستحاضة نوع من المرض، فتجمع إذا كان يشق عليها أن تصلي كل صلاة في وقتها.
وأما الغسل فهو مستحب, وإذا اغتسلت فهو أفضل وأقوى، وهو يزيد النشاط والقوة، وإلا فالوضوء يكفيها، وتغتسل إذا انتهى دم الحيض أو انقطع دم الحيض، أو انتهت أيام عادتها أو التمييز.
والحديث أخرجه النسائي, وقوله: يقول أي: شعبة لـعبد الرحمن: (عن النبي صلى الله عليه وسلم؟) يعني: هذا الحديث, قال: (لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم) بشيء متعلقة بأحدثك تقديم وتأخير, يعني: أن الحديث مرفوع.
وأن الآمر لها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه محمول على الاستحباب.
الطالب: وفي بعض النسخ: «لا أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء».
الشيخ: والأقرب الاستثناء، وأنه لابد منه.
(المتن)
حدثنا عبد العزيز بن يحيى أخبرنا محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: «إن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة, فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح».
(الشرح)
وهذا السند فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعن، ولكنه لو صح فإن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب, أمرها أن تغسل يعني: على سبيل الاستحباب.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن امرأة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها بمعناه.
(الشرح)
وهو متابع من ابن عيينة لـمحمد بن إسحاق، فـمحمد بن إسحاق مدلس لكن تابعه ابن عيينة فيشده، ويكون الأمر ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الأمر للاستحباب ليس للوجوب.
(المتن)
حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن سهيل يعني: ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: «يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن هذا من الشيطان، لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا واحدًا، وتغتسل للفجر غسلًا واحدًا، وتتوضأ فيما بين ذلك».
(الشرح)
وهذا الحديث قال المنذري: إسناده حسن، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل، ولكن هذا محمول على الاستحباب.
وقوله: (لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء) يعني: إذا رأت صفرة فوق الماء الذي تقعد فيه فإنها تظهر الصفرة فوق الماء فإنها حينئذ تصب الماء للغسل خارج المركن، وفائدة القعود لأنه يعلو الدم الماء لتمييز دم الاستحاضة من غيره، فإنه إذا علا الدم الأصفر فوق الماء فهي مستحاضة، وإن لم يعلو على الماء فهو حيض، وأما الغسل فيكون خارج المركن، والمركن هو: الإناء الواسع الذي يغسل فيه الثياب، ويسمى عندنا الآن الطست، والإدان.
(المتن)
قال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما اشتد عليها الغسل، أمرها أن تجمع بين الصلاتين.
(الشرح)
(أمرها أن تجمع بين الصلاتين) يعني: لما اشتد عليها الغسل لكل الصلاة، وقد سبق أنها هي التي فعلت هذا بنفسها، ولم يأمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين) هذه رواية ابن عباس.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه إبراهيم عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد.
(الشرح)
لأن الاستحاضة نوع من المرض فتجمع بن الصلاتين، وهذا هو الصواب: أنها تجمع.
الطالب: وإذا لم تصل المرأة وهي في دم الاستحاضة، فإنها تقضي الصلاة، فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فاطمة هنا بالإعادة؛ وهو دم استحاضة.
الشيخ: هذا مسكوت عنه ويُحمل عليه النصوص الأخرى.
(المتن)
باب: من قال: تغتسل من طهر إلى طهر.
حدثنا محمد بن جعفر بن زياد وأخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة.
(الشرح)
الترجمة قال: (باب: من قال: تغتسل من طهر إلى طهر) هذا هو الواجب، وهو الذي عليه الجمهور، وهو الصواب: أنها لا يجب عليها أن تغتسل إلا من طهر إلى طهر، والغسل عند كل صلاة محمول على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وهو ضعيف؛ لأن في سنده شريك القاضي، وهو سيئ الحفظ، وفي سنده أبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول، ففيه ثلاث علل: شريك القاضي فإنه لما تولى القضاء ساء حفظه، وأبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول عن أبيه عن جده، ولكن الحديث له شواهد كثيرة، في أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وما دل عليه الحديث ثابت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، يعني: الحيض، ثم تغتسل، يعني: بعد الطهر وتصلي والوضوء لكل صلاة, وأما الأمر بالغسل لكل صلاة فهو للاستحباب.
(المتن)
قال أبو داود: زاد عثمان: وتصوم وتصلي.
(الشرح)
الشيخ: يعني: الرواية الأولى: (تغتسل وتصلي)، وهنا زاد عثمان: (وتصوم وتصلي) وعثمان هو ابن أبي شيبة.
(المتن)
حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: «ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي».
(الشرح)
الحديث فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت وعنعنة الأعمش أيضًا، والأعمش وحبيب بن ثابت كلاهما مدلسان كما سيبين المؤلف رحمه الله وفي هذا قال: «ثم اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة»، فالوضوء لكل صلاة هو الذي ذهب إليه كثير من العلماء، وبعض العلماء يرى: أنها لا تتوضأ؛ لأن هذا الدم مستمر.
(المتن)
حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي أخبرنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة في المستحاضة: تغتسل تعني: مرة واحدة ثم توضأ إلى أيام أقرائها.
(الشرح)
وهذا هو الواجب عليها، أنها تغتسل مرة واحدة عند انتهاء مدة الحيض، ثم تتوضأ في أيام أقرائها حتى يأتيها الحيض مرة أخرى.
(المتن)
حدثنا أحمد بن سنان الواسطي أخبرنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(الشرح)
يعني: أنها تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها.
(المتن)
قال أبو داود: وحديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح.
(الشرح)
يعني: الأحاديث التي سبقت، فالحديث الأول: حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، والثاني: حديث الأعمش، وهو حديث عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت كذلك، والثالث: حديث أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج وهذه الأحاديث الثلاثة التي سبقت كلها ضعيفة.
فأما الأول: فكما سبق أن فيه ثلاث علل.
وأما الثاني: ففيه عنعنة الأعمش وعنعنة حبيب.
وأما الثالث: ففيه الحجاج، وكأنه الحجاج بن أرطأة.
فأما الحديث الأول فقد قصد المؤلف رحمه الله أن يضعف القول بالوضوء لكل صلاة، وأنها لا يجب عليها الوضوء لكل صلاة وحديث عدي له شواهد.
الطالب: وأيوب بن أبي مسكين صدوق له أوهام.
(المتن)
ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديث.
(الشرح)
يعني: حديث الأعمش هو الثاني من أحاديث الباب، وهو عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت.
(المتن)
أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش.
(الشرح)
يعني: أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش وأوقفه على عائشة، وأنكر أن يكون مرفوعًا.
(المتن)
وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعًا.
(الشرح)
بل جعله موقوفًا على عائشة.
(المتن)
وأوقفه أيضًا أسباط عن الأعمش موقوفًا عن عائشة.
(الشرح)
كذلك أيضًا أسباط عن الأعمش يعني موقوف على عائشة.
الطالب: وأيوب بن مسكين أو أبي المسكين هو التميمي أبو العلاء الواسطي، روى عن: قتادة وسعيد المقبري، وروى عنه: هشيم وإسحاق بن يوسف الأزرق ويزيد بن حرام، ووثقه أحمد والنسائي وابن عدي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، ولا يحتج به.
الشيخ: المؤلف ضعفه.
(المتن)
قال أبو داود: ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعًا أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة.
(الشرح)
أي: رواه ابن داود عن الأعمش مرفوعًا أوله وآخره ليس بمرفوع، وهو قوله: (والوضوء لكل صلاة).
(المتن)
ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة، في حديث المستحاضة.
(الشرح)
يعني: الحديث الثاني، حديث الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وقد خالفته رواية الزهري، ففي رواية حبيب بن أبي ثابت أمرها النبي أن تغتسل، فقال: (ثم اغتسلي لكل صلاة)، وفي رواية الزهري: أن الغسل من فعلها هي، وأنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة، وهذا يدل على ضعفه، والمؤلف قصده من هذا أن يضعف رواية: (والوضوء لكل صلاة) وأنها شاذة وغير ثابتة.
(المتن)
وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس رضي الله عنهم.
(الشرح)
روى هذا الحديث عن عدي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس, وفي الأول أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير عن عائشة: توضئي لكل صلاة.
(الشرح)
(وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس) ومجالد هذا ضعيف وقَمير سبق هي امرأة مسروق، وهي مقبولة عن عائشة، وهذا موقوف على عائشة، وليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة رضي الله عنها: تغتسل كل يوم مرة.
وروى هشام بن عروة عن أبيه: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وهذه الأحاديث كلها ضعيفة.
(الشرح)
قصد المؤلف رحمه الله: أن يضعف الوضوء لكل صلاة.
(المتن)
وهذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث قَمير، وحديث عمار مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل.
(الشرح)
وهكذا المؤلف رحمه الله ضعف هذه الآثار، وقال: (كلها ضعيفة إلا حديث قَمير) حديث قمير مقبول، وحديث عمار مولى بني هاشم، الذي قال فيه: وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس، وكذلك حديث هشام بن عروة، قال: والمعروف عن ابن عباس الغسل, يعني: الوضوء.
والمؤلف رحمه الله يريد بهذا أن يضعف رواية الوضوء، وأن كل ما في الباب من الروايات ضعيفة إلا أثرين، أثر قمير وأثر هشام بن عروة، وقمير امرأة مسروق مقبولة.
فالمؤلف رحمه الله يرى أن رواية الوضوء لكل صلاة غير ثابتة، وعلى هذا للمرأة المستحاضة على هذا القول أن تصلي الصلاتين بوضوء واحد، ولو كان الدم ينزل عليها، إلا إذا أحدثت بغير الدم، مثل الريح أو بشيء آخر؛ لأن هذا حدث مستقل، ومثلها أيضًا من به سلس البول، أو حدث دائم، فهذا لا يوجب الوضوء، وإنما يوجب الوضوء حدث آخر، وأما هذا فلا لأنه مستديم ولا حيلة فيه، وفيه مشقة، والوضوء لكل صلاة ليس ثابتًا.
والقول المشهور عن جمهور العلماء: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، عملًا بهذا الحديث، وقد قال النسائي في حديث: «تتوضأ لكل صلاة»، أن هذا انفرد به حماد بن زيد، وهو ثقة، والذي عليه الفتوى الآن وعليه الجماهير: أنها تتوضأ لكل صلاة.
الطالب: إذا جمعت؟.
الشيخ: إذا جمعت تغتسل مرة واحدة, لكن لو قدرت تتوضأ لكل صلاة فتتوضأ لها (....) كان يفتي به الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ثم رجع أخيرا أنها لا تجب عليها الوضوء المستحاضة ومن له سلس البول إلا إذا حدث آخر وقد سمعته منه في آخر حياته الذي ذهب إليه أبو داود: أنها لا تتوضأ لكل صلاة وإنما تتوضأ مرة واحدة, ولا تجدد وضوئها إلا إذا أحدثت حدثًا آخر غير دم المستحاضة, بول أو غائط.
(المتن)
باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر.
(الشرح)
من ظهر بالظاء المعجمة، والفرق بينها وبين الترجمة السابقة: أن الترجمة السابقة: من طهر إلى طهر، وهذه من ظهر إلى ظهر، وفيها خلاف أيضًا في الترجمة: هل هي بالطهر؟ بعضهم رواها بالطهر، وبعضهم رواها بالظهر.
(المتن)
حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب.
(الشرح)
وهذا مرسل سعيد بن المسيب، وفيه: أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر، يعني: كل يوم مرة، وتتوضأ لكل صلاة، ولكن هذه الترجمة فيها كلام للشراح ولغيرهم، فبعضهم قال: إن قوله: من ظهر إلى ظهر خطأ، والصواب: أنها من طهر إلى طهر, وسيأتي يتكلم فيها أبو داود رحمه الله.
(المتن)
قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم: تغتسل من ظهر إلى ظهر.
وكذلك روى داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته عن قمير عن عائشة إلا أن داود قال: كل يوم، وفي حديث عاصم: عند الظهر، وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء.
(الشرح)
يعني: كلهم يرون أنها تغتسل مرة واحدة، من ظهر إلى ظهر.
(المتن)
قال أبو داود: قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر قال فيه: إنما هو من طهر إلى طهر، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: من ظهر إلى ظهر، ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: من طهر إلى طهر، فقلبها الناس: من ظهر إلى ظهر.
(الشرح)
(قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر قال فيه: إنما هو من طهر إلى طهر، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: من ظهر إلى ظهر) زادوا نقطة, (ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: من طهر إلى طهر، فقلبها الناس: من ظهر إلى ظهر) وهذا هو الأقرب، فالأقرب أنه لا يجب إلا من طهر إلى طهر، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل كل يوم، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند الطهر، وأما هذا مرسل سعيد بن المسيب، وقد دخل فيه الوهم.
(المتن)
باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر مرة.
حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا عبد الله بن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل وهو محمد بن راشد عن معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت.
(الشرح)
وهذا الحديث ضعيف فيه معقل الخثعمي، وهو أيضًا موقوف على علي، ولهذا قال المنذري: غريب.
والفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة تحديد الوقت، فالترجمة السابقة أنها من الظهر إلى الظهر، أي: تغتسل كل يوم قبل الظهر، وهذا الترجمة فيها أن الوقت غير محدد الوقت، فتغتسل كل يوم مرة، سواءً كان الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر.
وقوله: (واتخذت صوفة) يعني: تتخذ المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيت تتلجم به في فرجها؛ لتقطع جريان الدم، وتسترخي تشنج العروق الذي هو سبب لسيلان الدم، لكن هذا ضعيف، والصواب كما سبق أنها لا تغتسل إلا مرة واحدة عند الطهر، أيْ: إذا طهرت من الحيضة.
(المتن)
باب من قال تغتسل بين الأيام.
حدثنا القعنبي أخبرنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن محمد بن عثمان: أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل فتصلي ثم تغتسل في الأيام.
(الشرح)
وهذا موقوف على القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو قول له، ولا يظهر توجيهه، أيْ: هذا القول ليس له وجه أنها تغتسل في الأيام، وإنما الواجب كما سبق أن تغتسل مرة واحدة عند الطهر, أما أن تغتسل في الأيام ليس له وجه.
(المتن)
باب من قال توضأ لكل صلاة.
حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا ابن أبي عدي عن محمد يعني ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي».
(الشرح)
وليس فيه أنها تتوضأ لكل صلاة.
(المتن)
قال أبو داود: قال ابن المثنى: وحدثنا به ابن أبي عدي حفظًا، فقال: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة.
(الشرح)
وفي الأول حدث ابن أبي عدي من كتابه فقال عن محمد حدثني ابن شهاب عن عروة عن فاطمة, وهنا قال: عن عروة عن عائشة.
فالحديث الأول جعله من مسند فاطمة لما حدث به من كتابه، ولما حدث من حفظه قال عن عروة عن عائشة.
(المتن)
قال أبو داود: وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم عن أبي جعفر قال العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوقفه شعبة على أبي جعفر: توضأ لكل صلاة.
(الشرح)
هذا الحديث قال فيه أبو داود: وروي عن العلاء بالبناء للمجهول وشعبة فكلاهما رويا هذا الحديث عن الحكم عن أبي جعفر، فهو مرفوع في رواية العلاء، وأما في رواية شعبة فهو موقوف على أبي جعفر, وهذه سبق أنها تتوضأ لكل صلاة تكلم فيها, والأقرب أنها مرفوعة وأنها ثابتة، وأنه يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
(المتن)
باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث.
حدثنا زياد بن أيوب أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عكرمة قال: إن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت.
(الشرح)
والحديث ضعيف لأنه مرسل ومنقطع؛ لأن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة، وعلى هذا فالمراد بقوله: (فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت) المراد: رأت غير الدم؛ لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج؛ لأن الدم لا يفارقها, لكن الحديث ضعيف منقطع.
(المتن)
حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثني عبد الله بن وهب حدثني الليث عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءًا عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم فتوضأ.
(الشرح)
قول ربيعة يوافقه بعض العلماء من أنها ليس عليها وضوء إلا أن يصيبها حدث غير الدم؛ لأن الدم مستمر.
(المتن)
قال أبو داود: هذا قول مالك يعني ابن أنس.
(الشرح)
(هذا قول مالك بن أنس) وقول الخطابي وقول ربيعة شاذ، وليس عليه العمل، وبعضهم تكلم فيما قاله الخطابي فقال: فيه نظر؛ لأن مالك بن أنس وافق على هذا.
(المتن)
باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر.
(الشرح)
فهذه الأحاديث وهذه الأبواب مرتبط بعضها ببعض، ولا ينفصل بعضها عن بعض.
(المتن)
حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي، لكن بدون قولها: (بعد الطهر) أخرجه البخاري بعد الطهر والنسائي بدون قوله بعد الطهر وهذا الحديث صحيح، وفيه دليل على أن المرأة إذا رأت الطهر، ثم رأت بعده الكدرة أو الصفرة فإنها لا تعدها شيئًا، بل تتلجم وتتحفظ وتصوم وتصلي، فإذا رأت القصة البيضاء أو رأت الجفاف، ثم بعد ذلك جاءها الكدرة والصفرة فلا بأس، لكن الكدرة والصفرة في زمن العادة تعتبر من الحيض، ولهذا يقول العلماء: والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، لكن بعد العادة وانتهائها فلا تعتبر حيضًا.
(المتن)
حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية بمثله.
(الشرح)
وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم, روي عن علي أنه قال: ليس بمحيض فلا تترك الصلاة وهذا هو الصواب, وروي عن سعيد بن المسيب أنها إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت, وعن (....) أنها إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم صفرة أو كدرة يومًا أو يومين ولم يجاوز العشر فهو حيضها, وكذلك أيضًا إذا رأت الصفرة والكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يومًا, تجلس يوم أو يومين.
(المتن)
قال أبو داود: أم الهذيل: هي حفصة بن سيرين كان ابنها اسمه هذيل واسم زوجها عبد الرحمن.
باب المستحاضة يغشاها زوجها.
حدثنا إبراهيم بن خالد أخبرنا معلى بن منصور عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها.
(الشرح)
وهذا هو الباب الأخير الذي يتعلق بأحكام المستحاضة.
ومعنى يغشاها يعني: يجامعها، وذلك لأن الاستحاضة دم فساد كالبول والغائط، والحديث مرسل منقطع لأنَّ عكرمة لم يسمع من أم حبيبة كما قال المنذري.
(المتن)
قال أبو داود: قال يحيى بن معين: معلى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي.
(الشرح)
يعني: أنَّه كان يعمل بالاجتهاد والنظر ويترك النصوص فاعتبره أحمد قدحًا، ولم يعتبره غيره قادحًا، ويقال لأهل الكوفة والأحناف بأنهم أهل الرأي، ومن كبار أهل الرأي سفيان الثوري وهو إمام جليل حافظ، وهو يعادل شعبة، لكن الإمام أحمد رحمه الله لا يروي عنه؛ لأنه لا يعمل بالنصوص وإنما يعمل بالرأي.
(المتن)
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا عبد الله بن الجهم أخبرنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها.
(الشرح)
الحديث منقطع أيضًا، لأن عكرمة لم يسمع من حمنة كما قال المنذري، ولكن هذا معروف كون زوجها يجامعها؛ لأنها كانت تصلي، وكما قال بعضهم لما سئل: هل يغشاها زوجها؟ قال: نعم؛ لأنَّ الصلاة أعظم، لكن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف كلها منقطعة، لكن هذا معروف، لأن النبي أمرها بالغسل للصلاة، فإذا كانت تصلي فلا مانع من جماعها، والله تعالى يقول: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة/222]، ودم المستحاضة ليس بمحيض.
وأبو داود رحمه الله له عناية بأحاديث الاستحاضة وبيانها والآثار المنقطعة وغيرها، وهو يشبه البخاري في هذا؛ لأن البخاري يذكر الأحاديث المعلقة في الترجمة وأبو داود يذكرها بعد الحديث.