شعار الموقع

شرح كتاب الزكاة من سنن أبي داود_1 من بداية كتاب الزكاة - إلى بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةِ الْحُلِيِّ

00:00
00:00
تحميل
130

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إِلَى يوم الدين؛ أَمَّا بَعْد: 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمنا الله وإياه:  

9 - كتاب الزكاة 

1556 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ؟، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ، لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللَّهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.

 قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عِقَالًا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ.

قَالَ: عَنَاقًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَعْمَرٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا، وَرَوَى عَنْبَسَةُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: عَنَاقًا.

1557 - حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ حَقَّهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَقَالَ: عِقَالًا

(الشرح)

 بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛ 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الزكاة)، الزكاة في اللغة النماء والطهارة، يقال: زكا الزرع إذا نما وكثر، وشرعًا: مالٌ مخصوص يؤخذ من شخص مخصوص ويصرف في أشياء مخصوصة، مال سنوي يؤخذ من المسلم الذي عنده مال ويصرف المال في مصارف الزكاة الثمانية التي بينها الله تعالى في كتابه.

والزكاة فرضت في المدينة النبوية بعد الهجرة إلى النبي ﷺ، وجميع شرائع الإسلام إنما شرعت في المدينة، أما في مكة فإن الناس في مكة كانوا كفارًا، فالنبي ﷺ كان يدعو إلى التوحيد في هذه المدة الطويلة؛ حتى يثبت التوحيد ولم يشرع شيء إلا الصلاة فإنها شرعت قبل الهجرة بثلاثة سنين وقيل: بسنة فرضت، ولكن الأذان والجماعة إنما فرضت في المدينة، فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة؛ وكان للمسلمين كيان صار للمسلمين دولة فرضت شرائع الإسلام. 

فرض الأذان شرع الأذان وشرعت صلاة الجماعة ثم فرضت الزكاة فرض الصوم فرض الحج فرض الجهاد، وسائر الأحكام. 

واختلف العلماء في أول وقت فرض الزكاة، فقيل: في السنة الثانية من الهجرة، وهذا هو المشهور قبل فرض رمضان، قال بعضهم: إنه فرض في السنة التاسعة لكن هذا بعيد، الأقرب أنه في السنة الثانية. 

ويدل على ذلك حديث ضمام بن ثعلبة الذي أخرجه البخاري، وفي حديث وفد عبد القيس، في عدة أحاديث ذكرت الزكاة، وهذا كان في أوائل الهجرة. 

وهذا الحديث الذي هو حديث أبي هريرة الذي ذكره المؤلف حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي فهو حديث صحيح، وفيه أن أبو هريرة قال: (لما توفي رسول الله ﷺ، واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب)؛ يَعْنِي ارتد، ارتد بإنكار فرض الزَّكَاة؛ لِأَنَّ العرب ارتدوا بَعْدَ وفاة النَّبِيّ ﷺ وهم أنواع، منهم من أنكر نبوة النبي ﷺ فأنكر الموت وَقَالَ: لو كَانَ نبينًا ما مات، ومنهم من رجع إِلَى عبادة الأصنام والأوثان، ومنهم من منع الزَّكَاة، وَقَالَ: لا أؤديها إِلَّا إِلَى النَّبِيّ ﷺ . 

فقبائل العرب ارتدوا، فأبو بكر أجمع عَلَى قتالهم وتلكأ بعض الصَّحَابَة كعمر وغيره، قَالَ: كيف تقاتل النَّاس وهم يشهدون ألا إله إِلَّا الله، وَالنَّبِيّ ﷺ يَقُولُ:  أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَشهَدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله، لو منعوني عقالًا، وفي لفظ: عناقًا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه، وفي لفظ أَنَّهُ قَالَ: والله لأقاتلنهم ولو وحدي ما استمسك السيف بيدي. 

فشرح الله صدر عمر لذلك وتبين له أن الصواب مَعَ أبي بكر ، وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى فقه أبي بكر وفهمه العظيم، فَإِنَّهُ فهم أن كلمة التوحيد لَابُدَّ لها من حقوق، وَهَذَا من حقوق كلمة التوحيد، من حقوقها أداء الصلاة وَالزَّكَاة، ومن لَمْ يصل وَلَمْ يزكِ لَمْ يأت بحقوقها. 

لَابُدَّ من الإتيان بحقوق التوحيد الصلاة وَالزَّكَاة والصوم والحج، فلا تتحقق كلمة التوحيد إلا بالأعمال، وَبِهَذَا تبين فقه الصديق ؛ لِأَنَّهُ في الرواية الأخرى، يَقُولُ النَّبِيّ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فهذه ما بلغت أبو بكر لو بلغته ما صار في إشكال، ولا بلغت عمر. 

وفي اللفظ الآخر: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فهذه الرواية صحيحة واضحة، وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى فقه الصديق ما بلغته هَذِهِ الرواية وَمَعَ ذَلِكَ فهم، فهم من كلمة التوحيد أَنَّهُ لَابُدَّ من أداء حقوقها. 

وقوله: (وكفر من كفر من العرب)، يَعْنِي من ارتد بإنكار فرض الزَّكَاة، أنكر الزَّكَاة كفر، أو منع الزَّكَاة ولو لَمْ يجحد وجوبها فَإِنَّهُ يعامل معاملة المرتدين ويقاتل. 

قَالَ الصديق : كيف تقاتل النَّاس؟ يَعْنِي المراد به المشركون وأهل الأوثان، فمن قَالَ: لا إله إِلَّا الله، يَعْنِي من قَالَ كلمة التوحيد وَهِيَ لا إله إِلَّا الله، والشهادة لمحمد ﷺ بالرسالة؛ لِأَنَّ كلمة التوحيد إِذَا أطلقت تدخل فِيهَا الشهادة الثانية؛ وَلِأَنَّ من لَمْ يشهد أن محمد رسول الله لَمْ تنفعه شهادة لا إله إِلَّا الله، فلابد من الشهادتين، شهادة ألا إله إِلَّا الله وأن محمد رسول الله. 

ولهذا قَالَ بعض العلماء: ولمن قَالَ لا إله إِلَّا الله؛ يَعْنِي وأظهر الإسلام، فَإِنَّهُ تترك مقاتله ولا يفتش باطنه هَلْ هُوَ مخلص؟ أم منافق؟ فَإِن هَذَا موكول إِلَى الله

فَإِذَا التزم بأحكام الإسلام في الظاهر فباطنه إِلَى الله، وَأَمَّا عمر كَانَ عمر قد حمل قوله: بِحَقِّهِا، عَلَى غير الزَّكَاة، فأجاب أبو بكر أَنَّهُ شامل للزكاة أَيْضًا، أو فهم عمر أن القتال للكفر، فأجاب الصديق بأنه لمنع الزَّكَاة، ولهذا احتج عمر عَلَى أبي بكر. 

وقوله: (ولو منعوني عقالًا)، اختلف في معنى عقالًا، قال المؤلف رحمه الله: قَالَ أبو عبيدة معمر بن المثنى: العقال صدقة سنة أو سنتين، وَهَذَا قول لبعض العلماء: أن المراد بالعقال زكاة عام. 

وَذَهَبَ الجمهور إِلَى أن المراد بالعقال هُوَ الحبل الَّذِي يربط به البعير، وَهَذَا هُوَ الأرجح، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عقالًا، يَعْنِي زكاة سنة أو سنتين، ولهذا قَالَ أبو داود: رواه رباح بن زيد ورواه عبد الرزاق عَنْ معمر عَنْ الزهري بإسناده؛ يَعْنِي بإسناده عَنْ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عَنْ أبي هريرة

قَالَ بعض شيوخ البخاري عقالًا، قَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي الشيخ الزهري، عقالًا، ورواه ابن وهب عَنْ يونس قَالَ: عناقًا.

 وقال أبو داود: وقال شعيب بن أبي حمزة، ومعمر الزبيدي، عن الزهري بإسناده في هذا الحديث: لو منعوني عناقًا، وروى عنبسة، عن يونس، عن الزهري في هذا الحديث، قال: عناقًا. 

والعناق هِيَ السخلة من الغنم وَهِيَ الَّتِي لَمْ تبلغ، الأنثى من ولد الماعز لَمْ تبلغ سنة، يَعْنِي حَتَّى ولو منعوني سخلة صغيرة. 

ثُمَّ قَالَ: (حدثنا ابن السرح، وسليمان بن داود، قالا: أنبأنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن الزهري في هذا الحديث قال: قال أبو بكر: إن حقه أداء الزكاة، وقال: عقالًا). 

بدل: عناقًا المقصود: أن بَعْضُهُمْ رواه عقالًا، وَبَعْضُهُمْ: عناقًا، العناق السخلة، والعقال إِمَّا زكاة سنة أو سنتين أو الحبل الَّذِي يربط به البعير. 

والله حفظ الإسلام وثبت الحق بثبات أبي بكر ، ولهذا يَقُولُ العلماء: ثبت الله الإسلام بأبي بكر  يوم الردة، وثبت الله الإسلام بأحمد بن حنبل يوم المحنة، يوم محنة خلق الْقُرْآن، لما تسلط الْمُعْتَزِلَة في زمن المأمون وكانت لهم ولاية القضاء، فألزموا النَّاس بالقول بخلق الْقُرْآن. 

ثبت الله الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السُّنَّة المعروف عِنْد النَّاس ثبت وامتنع من القول بخلق الْقُرْآن؛ حَتَّى ضربوه وسجنوه وسحبوه ويغمى عَلَيْهِ وَهُوَ ثابت؛ حَتَّى حفظ الله الإسلام بثباته وصموده

ولهذا يَقُولُ العلماء: ثبت الله الإسلام وثبت الله الحق بثبات أبي بكر يوم الردة وعزمه عَلَى قتالهم مهما كانت الحال ولو بقي وحده، وثبت الله الإسلام بأحمد بن حنبل يوم المحنة، وهو ثباته وإصراره عَلَى القول بأن الْقُرْآن كلام الله، وصبره عَلَى الأذى والضرب والسحب والسجن؛ حَتَّى أظهره الله. 

ولهذا قَالَ عمر : فوالله ما هُوَ إِلَّا أن رأيت الله قَدْ شرح صدر أبي بكر للقتال قَالَ: فعرفت أَنَّهُ الحق، (ما هُوَ إلا أن رأيت)؛ يَعْنِي علمت وأيقنت أن الله شرح صدر أبي بكر يَعْنِي فتحه ووسعه ولينه للقتال، معناه: يَعْنِي علمت أَنَّهُ جازم للقتال، لما ألقى الله سبحانه في قلبه من الطمأنينة لذلك، واستصوابه ذَلِكَ، قَالَ عمر: فعرفت أَنَّهُ الحق، يَعْنِي رأي أبي بكر وَهُوَ القتال. 

يَعْنِي أظهر من الدليل وإقامة الحجة، قَالَ: فعرفت أن ما ذَهَبَ إليه هُوَ الحق. 

قَالَ الخطابي: إن الرَّسُوْل ﷺ جعل آخر كلامه عِنْد وفاته قوله: الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ليعقل أن فرض الزَّكَاة قائم كفرض الصلاة، وأن القائم بالصلاة هُوَ القائم بأخذ الزَّكَاة. 

ولهذا قَالَ أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة وَالزَّكَاة، استدلالًا بِهَذَا مع سائر ما عقل من أنواع الأدلة. 

واحتج بعض العلماء بِهَذَا الحديث عَلَى أن الْكُفَّار مخاطبون بالصلاة وَالزَّكَاة وسائر العبادات، وَأَنَّهُمْ مخاطبون بفروع الشريعة، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مقاتلين عَلَى الصلاة وَالزَّكَاة فقد عقل أَنَّهُمْ مخاطبون بها، فدل عَلَى أَنَّهُمْ مخاطبون بفروع الشريعة. 

واستدل بِهَذَا الحديث عَلَى أن الردة لا تسقط عَنْ المرتد الزَّكَاة الواجبة في أمواله، فلو ارتدوا فَإِن الزَّكَاة تؤخذ من أموالهم. 

ولما سأل العناق والعقال للعلماء فِيهِ كلام طويل، والمؤلف ذكر روايات عدة، ما هُوَ العقال؟ المشهور عِنْد الجمهور على أَنَّهُ الَّذِي يربط به البعير في يده، تربط به يد البعير، وَقِيلَ إن: المراد به زكاة سنة أو سنتين. 

وفي هَذَا الحديث من جهة السند الحديث رواه الزهري عَنْ ثلاثة شيوخ له، وهم: عبيد الله بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وأنس. 

والخطابي قَالَ في قوله: (لو منعوني عناقًا)، دليل عَلَى وجوب الصدقة في السخال والفصلان والعجاجيل، وأن واحدةً منها تجزئ عَنْ الواجب في الأربعين منها إِذَا كَانت كلها صغارًا، ولا يكلف صاحبها مسنة، يَقُولُ: لو كَانَت كلها صغار سخال وفصلان أو عجاجيل بلغت أربعين فإنها تؤخذ منها الزَّكَاة، ولا يكلف صاحبها بأن يأتي بمسنة. 

وَفِيهِ دليل عَلَى أن النتاج حوله حول الأمهات، فَإِذَا أنتجت الغنم صغارًا تكون حولها حول أماتها ولا يستأنف بها حول. 

لو كَانَ يستأنف بها حول لا يكون هناك سبيل لأخذ العناق، فكونه يأخذ العناق دليل عَلَى أَن حولها حول أمها، فالصغار حولها حول أمهاتها في الزَّكَاة. 

(المتن) 

بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

1558 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ.

(الشرح) 

هَذَا الحديث في باب ما تجب فِيهِ الزَّكَاة، هَذَا الحديث وَهُوَ حديث أبي سعيد أصل في بيان المقادير، ما يحتمل من الأموال المواساة، فهذا الحديث فِيهِ بيان المقادير وَهُوَ حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، ففيه بيان مقادير ما يحتمل من الأموال المواساة وإيجاب الصدقة فِيهَا، وإسقاطها عَنْ القليل الَّذِي لا يحتملها؛ لئلا يجحف بأرباب الأموال، ولا يبخس بالفقراء حقوقهم، وجعلت هَذِهِ المقادير أصولًا وأنصبة إِذَا بلغتها أنواع هَذِهِ الأموال وَجَبَ فِيهَا الحق. 

ففي الإبل النصاب خمس، ولهذا قَالَ:  لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، الذود الإبل، فالنصاب في الإبل خمس، فما كَانَ دون الخمس ليس فِيهِ زكاة، والمراد بالسائبة الَّتِي ترعى من البر، إِذَا كانت ترعى من البر أكثر الحول وبلغت خمسًا فإنه يزكيها صاحبها، في الخمس من الإبل شاة، كما سيأتي في الحديث في الخمس شاة، ولهذا فإنه في الخمس شاة وفي العشر شاتان، في الخمسة عشر ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه فَإِذَا بلغت خمس وعشرين فَهِيَ بنت مخاض قَدْ تم لها سنة. 

فإذًا هَذَا في مقدار الزَّكَاة في خمس من الإبل شاة، وما دون الخمس ليس فِيهِ زكاة، إِلَّا إِذَا أعدها للبيع، إِذَا أعدها للبيع والتكسب ولو واحدة إِذَا بلغت نصاب تزكى، تزكى زكاة التجارة، أَمَّا زكاة السوم فَلَيْسَ فِيهَا زكاة إِلَّا إِذَا بلغت خمس، وَأَيْضًا لَابُدَّ أن تكون سائمة، والسائمة هِيَ الَّتِي ترعى أكثر الحول، فَإِن كَانَ يعلفها فَلَيْسَ فِيهَا زكاة. 

إن كَانَ يعلفها نصف الحول أو أكثر ليس فِيهَا زكاة زكاة السوم، لكن لو أعدها للبيع والتكسب ففيها زكاة التجارة. 

قَالَ: وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، الأواق الفضة جمع أوقية فالنصاب في الأوقية خمس أواق والأوقية أربعون درهمًا، فيكون جميعهم مائتان في هذه الحال، أربعون في خمسة مائتان فيكون النصاب مائتا درهم؛ لِأَنَّ الأوقية أربعون درهمًا، فَإِن النصاب مائتا درهم. 

وإن تقدر الآن قدرت في عصرنا الحاضر في زماننا مائتا درهم تعادل: ستة وخمسين ريالًا فضة عربي سعودي، تعادل: ستة وخمسين ريال فضة، ليس ريال ورق ريال فضة، وينظر كم الريال الفضة بكم يباع، في الغالب أنه يباع بعشرة ريالات ورق، فتكون قريبة من ستمائة وسبعمائة، النصاب يَعْنِي إِذَا بقيت عنده سنة فَإِنَّهُ يزكيها، فالنصاب نصاب الفضة مائتا درهم. 

وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ؛ هَذَا نصاب الحب، الحب والثمار خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، فيكون الجميع ثلاثمائة صاع، إِذَا ضربت الوسق ستون صاعًا ستون في خمسًا بثلاثمائة، صاع من صاع النَّبِيّ ﷺ والصاع أربعة أمداد والمد ملء كفي الرجل المتوسط، الَّذِي يديه ليست بالكبيرتين ولا بالصغيرتين. 

إذًا فهذا الحديث فِيهِ بيان الأنصبة نصاب الإبل خمس ما كَانَ أقل فَلَيْسَ فِيهِ زكاة، نصاب الفضة مائتي درهم ما كَانَ أقل فَلَيْسَ فِيهِ زكاة، نصاب الحبوب والثمار خمسة أوثق، يَعْنِي ثلاثمائة صاع من صاع النَّبِيّ ﷺ، والذود هِيَ الإبل وَهُوَ اسم لعدد من الإبل، الذود ويقال للواحد: بعير. 

واستدل بِهَذَا الحديث من يرى أن الصدقة لا تجب في شَيْء من الخضروات؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ؛ لأنها لا توسق لا تكال ولا تدخر، الخضروات ليس فِيهَا زكاة، لقوله: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ؛ وَالَّتِي توسق هي الَّتِي تكال وتدخر، كالحبوب والثمار والتمور والبُر والأرز (.....) وغيرها مِمَّا يكال ويدخر، أَمَّا الخضروات فَلَيْسَ فِيهَا زكاة؛ لأنها ليست لا تكال ولا تدخر، وَإِنَّمَا الخضروات تباع وما يتحصل من الدراهم وحال عَلَيْهِ الحول يزكى. 

فهذا الحديث فِيهِ الدلالة عَلَى أن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب فيما يوسق ويكال من الحبوب والثمار، دون ما لا يكال من الفواكه والخضروات، وَعَلَى هَذَا عامة أهل العلم. 

وَقَدْ اختلف العلماء فيما زاد من الورق عَلَى مائتي درهم فهل فِيهِ زكاة؟ قَالَ أكثر العلم: ما زاد عَلَى مائتي درهم بحسابه ربع العشر بقدره قلت الزيادة أو كثرت، وَهَذَا مروي عَنْ الجماهير، وَذَهَبَ بعض أهل العلم إلى أنهم قَالُوا: لا شَيْء في الزيادة حَتَّى تبلغ أربعين درهمًا، وَلهَذَا ذَهَبَ الإمام أبو حنيفة، لكن الصواب أن الإنسان لو صار عنده سبعمائة يزكيها، زاد عن السبعمائة يزكيها بحسابها ربع العشر، تسعمائة فما زاد بحسابه، ولكن أبو حنيفة وجماعة قَالُوا: لا، ما زاد ليس فِيهِ شَيْء حَتَّى تبلغ أربعين أوقية وَهِيَ أربعين درهمًا. 

(المتن) 

1559 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْساقٍ زَكَاةٌ وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ مَخْتُومًا.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «أَبُو الْبَخْتَرِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ»

1560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " الْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا مَخْتُومًا بِالْحَجَّاجِيِّ "

(الشرح) 

نعم هذا حديث أبي سعدي الخدري  كالحديث السابق،  كلهم من رواية أبي سعيد الخدري، هذه الطريق الثاني الطريق الأخرى عَنْ أبي البختري عَنْ أبي سعيد يرفعه إِلَى النَّبِيّ ﷺ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْساقٍ زَكَاةٌ  وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة مختصرًا،  لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْساقٍ، مثل الحديث الأول: خمسة أوسق أو أوساق بمعنى واحد، والوسق ستون مختومًا يَعْنِي معلمًا بعلامة. 

وفي الرواية الَّتِي بعدها «الوسق ستون صاعًا مختومًا بالحجاجي»، الحجاجي يَعْنِي مختومًا بعلامة الحجاج بن يوسف وَهِيَ ستون صاعًا بصاع النَّبِيّ ﷺ، وَإِنَّمَا ختم عَلَيْهِ الحجاج لأجل ضبط صاع النَّبِيّ ﷺ، وَكَانَ في ذَلِكَ الوقت يختم بالحجاجي يَعْنِي مختوم بعلامة الحجاج بن يوسف؛ لِأَنَّهُ كَانَ أمير العراق في ذَلِكَ الوقت فختم عَلَيْهِ بختمه لأجل الضبط. 

والحديث الأول قال أبو داود قَالَ: البختري لَمْ يسمع من أبي سعيد، وَعَلَى هَذَا فيكون الحديث منقطع، لكنه يكون شاهد للحديث الأول، الحديث الأول صحيح. والوسق ستون صاعًا 

والرواية الَّتِي بعدها رواية المغيرة قَالَ: «الوسق ستون صاعًا مختومًا بالحجاجي»، أخرجه النسائي وابن ماجة مختصرًا. 

وقوله: (عن عمرو بن مرة الجملي)، بفتح الجيم وميم نسبة إِلَى جمل بن كنانة. 

(المتن) 

1561 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا صُرَدُ بْنُ أَبِي الْمَنَازِلِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبًا الْمَالِكِيَّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلًا فِي الْقُرْآنِ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةً شَاةً، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا وَكَذَا، أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ»، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا

(الشرح) 

نعم والحديث السابق وهو حديث المختوم بالختم الحجاجي كما قال (.....) الحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقوله: «مختوم بالحجاجي»، يَعْنِي مختوم بعلامة الحجاج وَهِيَ ستون صاعًا، وَكُلّ صاع أربعة أمداد، وَكُلّ مد ملء كفي الرجل المتوسط، وَكَانَ في الأول يقدرون المد برطل وثلث عِنْد الحجازيين. 

وحديث عمران بن حصين قَالَ رجل لعمران بن حصين: «يا أبا نجيد»، أبا نجيد كنية عمران، كنيته أبا نجيد «إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في الْقُرْآن»، يَعْنِي هَذَا الرجل يَقُولُ لعمران بن حصين: تحدثونا بشيء بأحاديث ما وجدناها في الْقُرْآن.  

«فغضب عمران» من هذا «وقال للرجل»، يَعْنِي يبين له أن السُّنَّة وحيًا ثاني، وأنا نحدثك بما جاء في الْقُرْآن وجاء في السُّنَّة، وأن الْقُرْآن يأتي بأحكام مجملة وَتَأْتِيَ السُّنَّة تفصلها، فالسُّنَّة لها مع القرآن أحوال ثلاثة:  

أحيانًا تَأْتِيَ لتفصل ما أجمل في القرآن السنة. 

وأحيانًا تَأْتِيَ مبينة فتأتي مجملة وتأتي مفسرة. 

وَتَأْتِيَ مقيدة لما أطلق. 

وَتَأْتِيَ بأحكام جديدة كتحريم كُلّ ذي ناب من السباع، وَكُلّ ذي مخلب من الطير، هَذَا ليس موجود في الْقُرْآن، كَذَلِكَ أيضًا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها هَذَا في السُّنَّة. 

فهذا الرجل قَالَ لعمران: يا أبا نجيد تحدثنا بأحاديث ما نجدها في الْقُرْآن، فغضب عمران وَقَالَ: هَلْ الأحكام كلها في الْقُرْآن؟ الأحكام تؤخذ من الْقُرْآن وَالسُّنَّة، ويبين له أن الْقُرْآن يأتي بأحكام مجملة، فقال عمران للرجل: «أوجدتم في كل أربعين درهما درهما»، في القرآن في الزكاة، فيه الله تعالى قَالَ: أقيموا الصلاة وآتوا الزَّكَاة، لكن ما في الْقُرْآن أَنَّهُ في كُلّ أربعين درهم درهم، هَذَا في السُّنَّة.  

فقال عمران: أوجدتم في كل أربعين درهمًا درهمًا، أوجدتم مثلًا في الإبل في كل خمس شاة ولهذا قال: «ومن كل كذا وكذا شاة شاة، ومن كذا وكذا بعيرًا، أوجدتم هذا في القرآن؟ فقال الرجل: لا، قال: فعن من أخذتم هذا؟»، من أين أخذتم هَذِهِ الأحكام؟ «أخذتموه عنا»، نحن الصَّحَابَة «وأخذناه عن نبي الله ﷺ»، وذكر أشياء نحو هَذَا. 

فعمران أراد أن يبين لهذا الرجل أَنَّهُ لا ينبغي أن يَقُولُ مثل هَذَا الكلام، وأن الأحكام تؤخذ من الْقُرْآن ومن السُّنَّة، وَالسُّنَّة وحي ثاني، قَالَ الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم/3-4]. 

فقال عمر: تفصيل الأحكام موجود في السُّنَّة، الْقُرْآن قَالَ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [المزمل/20]. 

لكن هَلْ في الْقُرْآن أن الصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس صلوات ؟ هَلْ في الْقُرْآن أن صلاة الظهر أربع وصلاة العصر أربع وصلاة المغرب ثلاث؟ ما في، هَذِهِ جاءت في السُّنَّة، الله تعالى قَالَ: وَآتُوا الزَّكَاةَ [المزمل/20]. 

هَلْ في الْقُرْآن تفصيل الواجب في الذهب والواجب في الفضة الواجب في الحبوب والثمار؟ ما في هَذَا في السُّنَّة، وهكذا. 

فبين له عمران  ورحمه الله وغضب عَلَى هَذَا الرجل وبين له أن الأحكام تؤخذ من الْقُرْآن ومن السُّنَّة. 

نعم: 

(المتن) 

بَابُ الْعُرُوضِ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، هَلْ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ

1562 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ»

(الشرح) 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب العروض إذا كانت للتجارة، هل فيها زكاة)، جاء بالترجمة بالاستفهام؛ لِأَنَّ المسألة فِيهَا خلاف بين العلماء، وإن كَانَ قول الجمهور: أن عروض التجارة فِيهَا زكاة، لكن مراعاةً للخلاف قَالَ المؤلف: هَلْ فِيهَا زكاة؟ وترك الحكم لطالب العلم؛ حَتَّى يتأمل من النصوص ومن الأحاديث. 

باب العروض جمع عرض مثل فلس وفلوس وَهُوَ المتاع، وَأَمَّا الدراهم والدنانير فيقال: إِنَّهَا عين، تسمى عين الدراهم تسمى عين، وما عداها يسمى عرض، فالدراهم والدنانير تسمى عين والعقارات والأراضي والأمتعة تسمى عرض والجمع عُرض. 

هَذَا عرض وَهَذِهِ عين، الذهب والفضة وما يقوم مقام الأوراق النقدية يسمى عين، والأراضي والعقارات والأمتعة تسمى عرض. 

ذكر المؤلف رحمه الله حديث سمرة بن جندب قال: «فإن رسول الله ﷺ كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع»؛ والحديث سكت عنه أبو داود ثُمَّ المنذري وصححه الحاكم، وتكلم فِيهِ غير واحد، والحديث في سنده جعفر بن سعد وشيخه خبيب فيهما كلام عِنْد العلماء، لكن ينجبر هَذَا الضعف بالشواهد. 

فيكون الحديث دليل عَلَى وجوب الزَّكَاة في عروض التجارة، قَالَ: «أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع»؛ يَعْنِي نهيئه للبيع يَعْنِي للتجارة. 

قَالَ بعض العلماء: وَفِيهِ دليل عَلَى أن ما ينوى به القنية لا زكاة فِيهِ، يَعْنِي ما يكون عِنْد الإنسان ينوي القنية فقط ليس فِيهِ زكاة. 

ما يستعمله الإنسان في بيته من الفرش وما يحتاجه من الأواني والأجهزة الَّتِي لم يعدها للبيع، والسيارات الَّتِي أعدها للاستعمال هَذِهِ ليس فِيهَا زكاة، إِنَّمَا الزَّكَاة فيما يعده الإنسان للبيع. 

وخبيب هَذَا فِيهِ كلام لأهل العلم، ولكن كما سبق ينجبر هَذَا الضعف بالشواهد والحديث دليل عَلَى وجوب الزَّكَاة في مال التجارة. 

ومن أدلة الوجوب أَيْضًا قول الله تعالى: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة/267]؛ ولهذا قَالَ مجاهد: نزلت في التجارة. 

وَقَالَ ابن المنذر: الإجماع قائم عَلَى وجوب الزَّكَاة في مال التجارة، وممن قَالَ بوجوبها الفقهاء السبعة، قَالَ: لكن لا يكفر جاحدها للاختلاف فِيهَا. 

فابن المنذر نقل الإجماع ولكن ابن المنذر يتساهل في نقل الإجماع، فَإِذَا نقل ابن المنذر الإجماع مقصوده قول الجمهور قول الأكثر، ابن المنذر والنووي وابن قدامة وغيرهم إِذَا نقلوا الإجماع وابن عبد البر يريدون به قول الأكثر. 

نعم: 

 (.....)  

ابن المنذر إِذَا قَالَ: أجمعوا عَلَى كذا، مقصوده قول الأكثر، اصطلاح له، إِذَا قَالَ أجمعوا يَعْنِي قول أكثر العلماء. 

 (.....) 

هذا قول الأكثر معروف اصطلاحه، نعم: 

وهذا يكون في كتاب الأوسط؟ 

نعم: وفي غيره، فابن المنذر إذا حكى الإجماع مراده قول الأكثر، وَكَذَلِكَ النووي وابن عبد البر وجماعة، وابن قدامة، أجمعوا عَلَى كذا المقصود يَعْنِي أجمع الأكثر. 

(المتن) 

بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةِ الْحُلِيِّ

1563 - حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، الْمَعْنَى، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟، قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ

1564 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَتَّابٌ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ.

1565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟، فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟، قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ.

1566 - حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْخَاتَمِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ كَيْفَ تُزَكِّيهِ، قَالَ: تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لأمرين:  

الْأَمْرِ الأول: تعريف الكنز. 

والْأَمْرِ الثاني: زكاة الحلي. 

قَالَ: (باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)، ما هُوَ الكنز الَّذِي يكوى به في نار جهنم إِذَا لَمْ يخرج الزَّكَاة؟ قَالَ تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة/34-35]. 

ما هُوَ الكنز الَّذِي يلقى به في نار جهنم؟ وَهَلْ تزكى الحلي أو لا تزكى؟ والمراد بالحلي ما تتحلى به المرأة من الذهب والفضة للتجمل في يديها أساور في اليدين، أو الخواتم في الأصابع، أو كَذَلِكَ أَيْضًا في العنق والرقبة من الذهب، أو في الأذنين أو في الخلاخل في الرجلين، هَذِهِ الحلي الَّتِي تتحلى به المرأة هَلْ فِيهِ زكاة أم ليس فِيهِ زكاة؟ 

الترجمة في هَذَا الحديث معقودة لهذين الأمرين: ما هُوَ الكنز الَّذِي يلقى به في نار جهنم؟ وزكاة الحلي. 

ذكر المؤلف في هَذَا حديث عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده، وذكر حديث أَيْضًا أم سلمة وكذلك حديث عائشة ثلاثة أحاديث، أَمَّا حديث عمرو بن شعيب ففيه قصة المرأة وَأَنَّهَا أتت إِلَى النَّبِيّ ﷺ ومعها ابنة، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، والمسكة هِيَ الأسورة والخلاخيل، أسورة في يدها أساور. 

 فقال لها: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟، أيْ هَذِهِ الأساور الَّتِي في يد ابنتها، قالت: لا، قال: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟، قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي ﷺ، وقالت: هما لله ولرسوله. 

هَذَا الحديث أخرجه أبو داود هنا وأخرجه النسائي بسند لا بأس به كما قَالَ المنذري، وأخرجه الترمذي أَيْضًا بسند ضعيف، وَقَالَ الحافظ في البلوغ: إسناده قوي، ويشهد لهذا الحديث حديث أم سلمة الَّذِي بعده، وَكَذَلِكَ حديث عائشة الَّذِي بعده يتقوى بها. 

وهنا الحديث من رواية أبي كامل الجحدري وحميد بن مسعدة، قال: حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة قَالَ المنذري: هما من الثقات، وَكَذَلِكَ قَالَ أن خالد بن الحارث إمام وفقيه يحتج به مسلم وَكَذَلِكَ حسين بن ذكوان. 

والحديث الثاني حديث أم سلمة، قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، أوضاح نوع من الحلي نوع من الفضة يقال له: أوضاح، سمي بهذه لبياضها. 

قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ وضح بمعنى الخلخال أو الحلق. 

 فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ؛ وَهَذَا الحديث في سنده عتاب بن بشير وَهُوَ متكلم فِيهِ وَكَذَلِكَ ثابت بن عجلان؛ لكنه شاهد للحديث الَّذِي قبله حديث عمرو بن شعيب، ورواه الدارقطني والبيهقي في سننهما، وأخرجه الحاكم عَنْ محمد بن مهاجر عَنْ ثابت، ولفظه: إِذَا أديت زكاته فَلَيْسَ بكنز

قوله: (أكنز هُوَ)، يَعْنِي استعمال الحلي كنز من الكنوز الذي توعد عَلَى اقتنائه في الْقُرْآن؟ قَالَ:  مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، يَعْنِي ما بلغ نصابًا «فزكي فَلَيْسَ بكنز». 

وأخرج مالك في الموطأ عَنْ عبد الله بن دينار أَنَّهُ قَالَ: سمعت عبد الله بن عمر وَهُوَ يُسأل عَنْ الكنز ما هُوَ؟ فقال: هُوَ المال الَّذِي لا تؤدى منه الزَّكَاة، فما أديت زكاته فَلَيْسَ بكنز، وَعَلَى هَذَا التفسير جمهور العلماء وفقهاء الأمصار، فسروا الكنز بأنه الَّذِي لا تؤدى زكاته، فالَّذِي لا تؤدى زكاته كنز يكوى به صاحبه، وَالَّذِي تؤدى زكاته ليس بكنز. 

ولهذا أخرج البيهقي عَنْ ابن عمر مرفوعًا كُلّ ما أدي زكاته وإن كانت تَحْتَ سبع أراضين فَلَيْسَ بكنز، وَكُلّ ما لا تؤدي زكاته فَهُوَ كنز وإن كَانَ ظاهرًا عَلَى وجه الأرض

وَقَالَ ابن عبد البر: ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعًا، إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ أخرجه الترمذي. وإن كَانَ في سنده من هو متكلم فِيهِ وروى ابن أبي شيبة عَنْ ابن عباس «ما أديت زكاته فَلَيْسَ بكنز»، وللحاكم عَنْ جابر مرفوعًا إِذَا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره

والحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها قَالَ المؤلف: (حدثنا محمد بن إدريس عمرو الرازي)، عمرو هَذَا هُوَ أبو حاتم الرازي إمام الجرح والتعديل.  

قَالَ: (أخبرنا عمرو بن الربيع بن طارق، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن محمد بن عمرو بن عطاء، أخبره، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها، زوج النبي ﷺ، فقالت: دخل علي رسول الله ﷺ فرأى في يدي فتخات من ورق)، فتخات خواتيم، خاتم من ورق من فضة يقال: ورق بكسر الراء.  

فقال: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟، فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟، قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ، يَعْنِي يكفيك من النَّارِ، الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه، وَهَذَا الحديث يشهد لحديث عمرو بن شعيب شاهد، وَفِيهِ محمد بن عطاء مجهول قَالَ البيهقي في المعرفة: هُوَ محمد بن عمرو بن عطاء لكنه لما نسب إِلَى جده ظن الدارقطني أَنَّهُ مجهول، وتعقبه ابن القطان قَالَ: خفي عَلَى الدارقطني أمره فجعله مجهولًا، والحديث فِيهِ كلام عِنْد أهل العلم، ولهذا اختلف العلماء في زكاة الحلي، هَلْ تزكى؟  

فهناك آثار عَنْ السَّلَف، وروي عَنْ عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن حلي ولا تخرج الزَّكَاة، قَالُوا: هَذَا دليل عَلَى عدم صحة الحديث، ولهذا اختلف النَّاس في زكاة الحلي. 

وروي عَنْ جماعة من الصَّحَابَة ابن عمر وعبد الله ابن مسعود وَعبد الله بن عباس أَنَّهُمْ أوجبوا الزَّكَاة في الحلي، وَهُوَ قول جماعة من السَّلَف منهم ابن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وابن سيرين وإلى هَذَا ذَهَبَ الثوري وأصحاب الرأي وَهُوَ مذهب الإمام أبي حنيفة تجب فِيهِ الزَّكَاة. 

وروي عَنْ آخرين من الصَّحَابَة عدم وجوب الزَّكَاة، وروي هذا عَنْ ابن عمر وجابر وعائشة وَروي عَنْ القاسم بن محمد والشعبي وإلى هَذَا ذَهَبَ الإمام مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وَهُوَ أظهر قولي الشافعي. 

وَقَالَ الخطابي: الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجب الزَّكَاة وَكَذَلِكَ الأثر، ومن أسقطها قَدْ ذَهَبَ إِلَى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها. 

وَكَذَلِكَ الرواية الَّتِي بعدها رواية عمرو بن يعلى، قَالَ: (حدثنا صفوان بن صالح، أخبرنا الوليد بن مسلم، أخبرنا سفيان، عن عمر بن يعلى، فذكر الحديث)، يَعْنِي حديث الخاتم الذي هو حديث عائشة.  

(قيل لسفيان كيف تزكيه، قال: تضمه إلى غيره)، الوليد بن مسلم مدلس تدليس تسوية لكنه صرح بالسماع فزال المحذور، صرح بالسماع وعمرو بن يعلى ضعفه ابن معين، وَهَذَا الحديث وما معه استدل به عَلَى وجوب الزَّكَاة في الحلية. 

وفي المسألة أربعة أقوال لأهل العلم:  

القول الأول: وجوب الزَّكَاة، وَهُوَ مذهب جماعة من السَّلَف وأحد قولي الشافعي، ومذهب الإمام أبي حنيفة، وَكَذَلِكَ أفتى به الشيخان الشيخ ابن باز والشيخ محمد بن عثيمين أوجبوا الزَّكَاة، كَانُوا في الأول يفتون بعدم الزَّكَاة، ثُمَّ أفتوا بوجوب الزَّكَاة، وظاهر مذهب الحنابلة عدم وجوب الزَّكَاة وهو مذهب أبي حنيفة. 

والثاني: لا تجب الزَّكَاة في الحلي وَهُوَ مذهب مالك وأحمد والشافعي، يَعْنِي أقوالهم هُوَ مذهب الأئمة الثالثة، ووردت آثار عَنْ السَّلَف تدل عَلَى عدم الوجوب. 

والثالث: أن زكاة الحلي عاريتها. (.....) زكاتها. 

والرابع: أَنَّها تجب الزَّكَاة لحول واحد. 

وأظهر الأقوال دليلاً هُوَ وجوبها كالزَّكَاة، شارح عون المعبود مَعَ الوجوب، قَالَ: إن أظهر الأقوال دليلاً وجوبها لصحة الحديث وقوته، وَأَمَّا نصابها فَإِنَّهُ ساوى النقدين، نصاب الذهب والفضة، وإن كَانَ الحديث ظاهره الإٌطلاق لكننا نقيده بحديث النقدين، فَإِذَا كَانَ المرأة عندها حلي وبلغت النصاب نصاب الذهب عشرون مثقالًا، تعادل خمس وثمانين جرام وَهِيَ تعادل إحدى عشر جنيه وثلاثة أسباع جنيه سعودي، الجنيه السعودي، إحدى عشر وثلاثة أسباع يَعْنِي إحدى عشر جنيه ونصف هَذَا هُوَ النصاب، إِذَا بلغ الذهب هَذَا المقدار فلا يزكى، وَإِذَا كَانَ أقل من ذَلِكَ وعندها الدراهم يضم إِلَى الدراهم لتكميل النصاب، فالأحوط إخراج الزَّكَاة. 

هَذِهِ الأحاديث كما سلف وإن كَانَ فِيهَا ضعف لكن يقوي بعضها بعضًا، حديث عمرو بن شعيب فِيهِ كلام، حديث عائشة، وحديث أم سلمة يقوي بعضها بعضًا ويشد بعضها بعضًا، والحافظ كَانَ قوى حديث عمرو بن شعيب قَالَ: إسناده قوي، فهذه الأحاديث يَعْنِي يقوي بعضها بعضًا فالقول بوجوبها قولٌ قوي، وَفِيهِ احتياط، أن اَلْمُسْلِم يحتاط لدينه، فَإِذَا أخرج الزَّكَاة، أخرجت المرأة زكاة الحلي سواء أخرجتها هِيَ أو أخرج عنها الزكاة زوجها بإذنها أو أبوها وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ليس عنده شَيْء يزكيه، نقول: تزكي من غيرها أو يبيع منها، وإن عجز تبقى في ذمته، فيخرجها أحوط وأبرأ للذمة، وَهُوَ قول جمع من المحدثين وَهُوَ مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وَهُوَ الَّذِي يفتي به آخرًا شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين. 

والجمهور عَلَى أن الحلي ليس فِيهِ زكاة، أكثر العلماء عَلَى أَنَّهُ ليس فِيهِ زكاة وَهُوَ ظاهر المذاهب الثلاثة، مالك والشافعي وأحمد، المذاهب الثلاثة ظاهرها عدم وجوب الزَّكَاة وَهُوَ قول الجمهور. 

وَالصَّحَابَة منهم أوجبها، ومنهم من روي عنه وجوبها ومنهم من روي عنه عدم وجوبها، وَكَذَلِكَ التابعون وغيرهم، لكن الجمهور عَلَى أَنَّهُ ليس فِيهَا زكاة، أكثر أهل العلم عَلَى أَنَّهَا ليس فِيهَا زكاة، والقول بوجوبها قول قوي لهذه الأحاديث. 

وَفِيهِ إخراجها احتياط للمسلم وخروج من الخلاف، والله أعلم وصلى الله عَلَى نَبِيّنَا محمد نقف على هذا إن شاء الله. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد