شعار الموقع

شرح كتاب الزكاة من سنن أبي داود_4

00:00
00:00
تحميل
87

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله, وصلاة وسلامًا على رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين؛ 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:  

باب تفسير أسنان الإبل  

قال أبو داود: سمعته من الرياشي، وأبي حاتم، وغيرهما، ومن كتاب النضر بن شميل، ومن كتاب أبي عبيد وربما ذكر أحدهم الكلمة قالوا: يسمى الحوار ثم الفصيل، إذا فصل، ثم تكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين، فإذا دخلت في الثانية، فهي ابنة لبون، فإذا تمت له ثلاث سنين، فهو حق وحقة إلى تمام أربع سنين، لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها الفحل، وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يثني، ويقال للحقة: طروقة الفحل، لأن الفحل يطرقها إِلَى تمام أربع سنين، فإذا طعنت في الخامسة، فهي جذعة حتى يتم لها خمس سنين، فإذا دخلت في السادسة، وألقى ثنيته، فهو حينئذ ثني حتى يستكمل ستا، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعيا، رباعيا بفتح الراء والأنثى رباعية إلى تمام السابعة، فإذا دخل في الثامنة، وألقى السن السديس الذي بعد الرباعية، فهو سديس وسدس إلى تمام الثامنة، فإذا دخل في التسع وطلع نابه وطلع عندك بالواو؟ نعم، فهو بازل، أي بزل نابه - يعني طلع - حتى يدخل في العاشرة، فهو حينئذ مخلف، ثم ليس له اسم، ولكن يقال: بازل عام، وبازل عامين، ومخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين، والخلفة: الحامل قال أبو حاتم: " والجذوعة: وقت من الزمن ليس بسن، وفصول الأسنان عند طلوع سهيل "، قال أبو داود: وأنشدنا الرياشي 

[البحر الرجز] 

إذا سهيل آخر الليل طلع 

فابن اللبون الحق، والحق جذع 

لم يبق من أسنانها غير الهبع 

والهبع: الذي يولد في حينه 

(الشرح) 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد؛ هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان تفسير أسنان الإبل, قَالَ: (باب تفسير أسنان الإبل), والأسنان جمع سن وَهِيَ العمر يَعْنِي أعمار الإبل, هَذَا الفصل معقود لبيان أعمار الإبل, أعمارها وأسماؤها, وجمع سن أسنان, وَهِيَ العمر, وفي حديث عثمان: وجاوزت أسنان أهل بيتي أيْ أعمارهم. 

والمعنى كأنه يَقُولُ: باب أعمار الإبل. 

(قال أبو داود: سمعته من الرياشي)، الرياشي بكسر الراء هُوَ عباس ابن فرج البصري النحوي, وثقه ابن حبان والخطيب وأبي حاتم هُوَ الرازي اسمه محمد بن إدريس الحافظ الكبير, روى عنه ابن معين وأحمد والأصمعي وجماعة, قَالَ النسائي: ثقة. 

(ومن كتاب النضر بن شميل)، وَهُوَ الكوفي النحوي وثقه ابن معين والنسائي وكتابه في غريب الحديث.  

(ومن كتاب أبي عبيد), وَهُوَ القاسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف, قَالَ أبو داود: ثقة مأمون وكتابه في غريب الحديث.  

(وربما ذكر أحدهم الكلمة), المعنى ربما ذكر واحد من هؤلاء الأربعة الرياشي وأبي حاتم والنضر وأبي عبيد الكلمة, يَعْنِي ربما ذكر واحد منهم بعض الألفاظ, وَلَمْ يذكر غيره أيْ ربما اتفقوا جميعهم عَلَى تفسير بعض الألفاظ وربما انفرد به بعضٌ دون بعض. 

(قَالُوا), يَعْنِي في بيان أسنان الإبل وأعمار الإبل (يسمى الحوار), يَعْنِي ولد الناقة ساعة تضعه يسمى الحوار, إِذَا وضعت الناقة ولدها يسمى الحوار إِلَى أن يفصل عَنْ أمه, ثُمَّ يسمى الفصيل إِذَا فصل عَنْ أمه, فصل عن أمه يسمى الفصيل، أول ما تضعه أمه ولد الناقة ساعة تضعه يسمى الحوار, ثُمَّ الفصيل إِذَا فصل عَنْ أمه. 

(ثم تكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين)، يَعْنِي حينما تضعه أمه يسمى الحوار؛ حَتَّى يفصل, فَإِذَا فصل عَنْ أمه يسمى الفصيل, فَإِذَا بلغ سنة الأنثى سميت بنت مخاض؛ لِأَنَّ أمها حامل, إِلَى تمام سنتين.  

(فإذا دخلت في الثالثة، فهي ابنة لبون، فإذا تم لها ثلاث سنين، فهو حق وحقة), يقال للذكر: حَقّ ويقال للأنثى حقة, يَعْنِي استحقت أن يطرقها الفحل (إلى تمام أربع سنين)، لأنها استحقت أن يركب عليها ويحمل عليها الفحل, والعرب والبادية يسمون الحقة حزي أو حلز, ويسمون الجذعة نقي, هَذَا عِنْد البادية, يسمون الحقة حزي أو حلز, ويسمون الجذعة نقى. 

أَمَّا في الأحاديث يسمى حَقّ وحقة إِلَى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب وأن يحمل عليها الفحل. 

(وهي تلقح, ولا يلقح الذكر حتى يثني)، لا يلقح بصيغة المجهول الذكر, واللقاح اسمه ماء الفحل من الإبل أو الخيل, والمعنى أن الذكر من الإبل لا يصير قابلاً للضرب وصب ماء الفحل؛ حَتَّى يثني, أيْ حَتَّى يستكمل ستًا من السنين, والتثنية واحدة الثنايا من السن؛ حَتَّى يثني يَعْنِي حَتَّى يلقي ثنيةً باستكمال ستًا من السنين, يثني حَتَّى يلقي ثنيته حينما يستكمل ستًا من السنين. 

(ويقال للحقة: طروقة الفحل، الحقة تسمى طروقة الفحل لأن الفحل يطرقها إِلَى تمام أربع سنين، فإذا طعنت في الخامسة)، يَعْنِي دخلت في الخامسة (فهي جذعة)؛ لأنها جذعت أسنانها (حتى يتم لها خمس سنين، فإذا دخلت في السادسة، وألقى ثنيته، فهو حينئذ ثني يسمى ثني حتى يستكمل ستًا، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعيًا، والأنثى رباعية إلى تمام السابعة، فإذا دخلت في الثامنة، وألقت السن السديس الذي بعد الرباعية، فَيسمى سديس وسدس)؛ لِأَنَّهُ ألقي السن الَّتِي بَعْدَ الرابعية, يَعْنِي السن الَّتِي أمامك تسمى رباعية, أَمَّا الَّذِي بعدها تسمى سديس, يسمى أنياب, فَإِذَا دخلت في الثامنة وألقت السن السديس الَّذِي بَعْدَ الرابعية فَهُوَ سديس وسدس (إلى تمام الثامنة)، والسديس والسدس من الإبل والغنم الملقي سديسة ويقال: أسدس البعير إِذَا ألقى السن بَعْدَ الرباعية وَذَلِكَ في السنة الثامنة, والرباعية إحدى الأسنان الأربعة، والرباعية إحدى الأسنان الأربعة الَّتِي تلي الثنايا, يَعْنِي السنين الظاهرين اللي أمامك يسمى الثنايا, ثُمَّ الَّذِي بعدها الرابعية, ثُمَّ الَّذِي بعدها السديس, وَبَعْضُهُمْ يسميها الأنياب. 

قَالَ الأصمعي: للإنسان من فوق ثنيتان, ورباعيتان بعدهما, ونابان وضاحكان وستة أرحاء من كُلّ جانب, وناجذان وَكَذَلِكَ من أسفل, الأصمعي يَقُولُ: للإنسان من فوق ثنيتان الاثنين البارزين يسمى ثنيتان, وبعدهما رباعيتان, وبعدهما نابان, وضاحكان, وستة أرحاء يَعْنِي الأضراس من كُلّ جانب, وناجذان, وَكَذَلِكَ من أسفل. 

قَالَ أبو زيد: والحافر بَعْدَ الثنايا أربع رباعيتات وأربعة قوارح وأربعة أنيات وثمانية أضراس, ويقال للذكر من الإبل إِذَا طلعت رباعيته: رباع, وللأنثى رباعية, وَذَلِكَ إِذَا دخل في السنة السادسة, فَهُوَ سدس أو سدس بفتح السين وكسر الدال, وسدس بفتح السين وفتح الدال والسديس قال في اللسان: السديس من الإبل ما دخل في السنة الثامنة وَذَلِكَ إِذَا ألقى السن الَّتِي بَعْدَ الرباعية, السدس بالتحريك السن, فيسمى سديس إِلَى تمام الثامنة. 

(فإذا دخل في التسع وطلع نابه، يسمى بازل، أي بزل نابه - يعني طلع - حتى يدخل في العاشرة، فإذا دخل في العاشرة (..... ) يسمى مخلف)، مخلف بضم الميم وكسر الخاء, والإخلاف أن يأتي عَلَى البعير البازل سنة بَعْدَ بزوله, يقال: بعير مخلف والمخلف من الإبل الَّذِي جاز البازل.  

(ثم ليس له اسم بعد ذلك ما في اسم إلا أنه يقال، ولكن يقال: بازل عام)، يَعْنِي مضى عَلَيْهِ بَعْدَ البزول عام (وبازل عامين، مضى عليه عامين بعدها ومخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين، والخلفة: الحامل قال أبو حاتم: " والجذوعة: وقت من الزمن ليس بسن)، الجذوع قِيلَ: الثني, اسم له في زمن وليس بسن, ليس بسن تام وتسقط ولكن اسم للزمن, الجذوع وقت من الزمن ليس بسن.  

(وفصول الأسنان عند طلوع سهيل), فصول الأسنان يَعْنِي أعمار الإبل عِنْد طلوع سهيل, وسهيل كوكب يماني, والمعنى أن حساب أسنان الإبل يَعْنِي أعمارها عِنْد طلوع سهيل؛ لِأَنَّ سهيل إِنَّمَا يطلع في زمان نتاج الإبل, فحساب عمرها إِنَّمَا يكون زمن طلوعها, هَذَا معنى قوله: فصول الأسنان عِنْد طلوع سهيل, يَعْنِي أعمار الإبل عِنْد طلوع سهيل, وسهيل كوكب, كوكب يماني والمعنى أن حساب أسنان الإبل أيْ أعمارها عِنْد طلوع سهيل؛ لِأَنَّ سهيل إِنَّمَا يطلع في زمان نتاج الإبل, فحساب عمرها إِنَّمَا يكون زمن طلوعه, ولهذا قَالَ أبو داود: وأنشدنا الرياشي شعرًا: 

إذا سهيل آخر الليل طلع ... فابن اللبون الحق، والحق جذع 

لم يبق من أسنانها غير الهبع... والهبع: الذي يولد في غير حينه 

هَذِهِ الأبيات الَّتِي ذكرها المؤلف رحمه الله كما ذكر في الحاشية مِمَّا أنشده الرياشي ثلاثة أبيات أحدها قوله: إذا سهيل آخر الليل طلع 

والثاني: فابن اللبون الحق، والحق جذع 

والثالث: لم يبق من أسنانها غير الهبع 

وَهَذِهِ الأبيات من مشطور الرجز, وقوله: (فابن لبون), يَعْنِي دخلت في الثالثة, وَالْحَقِّ هِيَ الَّتِي دخلت في الرابعة, والحق مبتدأ والجذعة الَّذي دخل في الخامسة, فابن لبون والحق والحق جذع, يَعْنِي دخل في الخامسة, والمعنى أنه إِذَا طلع سهيل أول الليل صار ابن اللبون حقًا, وصار الحق جذعًا, وَكَذَلِكَ صار الجذع ثنيًا وصار الثني رباعيًا والرابعي سديسًا وهكذا, لماذا؟ لما سبق أن سهيل يطلع أول الليل عِنْد نتاج الإبل. 

فَإِذَا حالت السنة بطلوع سهيل تحولت أسنان الإبل, يطلع عِنْد نتاج الإبل, فَإِذَا تحولت حالة السنة مضى عليها حول بطلوع سهيل تحولت أسنان الإبل. 

ثُمَّ قَالَ الشاعر: (لَمْ يَبْقَ من أسنانها يَعْنِي الإبل غير الهبع), يَعْنِي أن الإبل عَلَى قسيمن: أحدها: وَهُوَ الأكثر ما يولد زمن طلوع سهيل أول الليل والثاني ما يولد في غير زمنه, والهبع الَّذِي يولد في غير حينه, يَعْنِي لما ذكر أقسام القسم الأول في البيتين السابقين لَمْ يَبْقَ إِلَّا القسم الثاني وَهُوَ الَّذِي يقال له الهبع, والهبع هُوَ الَّذِي يولد بصيغة المجهول في غير حينه حين طلوع سهيل أول الليل. 

قَالَ في اللسان: الهبع الفصيل الَّذِي ينتج في الصيف, وَقِيلَ: هُوَ الفصيل الَّذِي فصل في آخر النتاج, العرب تقول: ما له هبع ولا ربع, الربع ما نتج في أول الربيع, والهبع ما نتج في الصيف, هذا ذكره المؤلف (.....) عَلَى كُلّ حال هَذِهِ أسماء الإبل وَهَذِهِ يعرفها أهل الإبل وأهل المواشي. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

باب أين تصدق الأموال 

1591 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن أبي عدي، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا جلب، ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم». 

1592 - حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: سمعت أبي، يقول: عن محمد بن إسحاق في قوله: «لا جلب، ولا جنب»، قال: أن تصدق الماشية في مواضعها، ولا تجلب إلى المصدق، والجنب، عن هذه الفريضة أيضا، لا يجنب أصحابها، يقول: ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه. 

(الشرح) 

نعم: هَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وَقَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح, في إسناده محمد بن إسحاق, الحديث الأول حديث قتيبة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا جلب، ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم». 

(لا جلب), بفتحتين يعني لا يقرب العامل أموال النَّاس إليه, يَعْنِي لا يقرب العامل أموال النَّاس إليه لما فِيهِ من المشقة عليهم, بأن ينزل مثلًا الساعي محلًا بعيدًا عَنْ الماشية ثُمَّ يحضرها, وَإِنَّمَا له أن ينزل عَلَى مياههم, يَعْنِي ما ينبغي للعامل أن ينزل في مكان يَقُولُ: هاتوا الإبل عِنْدِي, وأتوا بها إلي فَلا تجلب إليه, فلا جلب يَعْنِي لا يقرب العامل أموال النَّاس إليه لما فِيهِ من المشقة عَلَيْهِمْ, بأن ينزل الساعي محلاً بعيدًا عَنْ الماشية ثُمَّ يحضرها؛ بَلْ ينزل عَلَى مياههم وأمكنة مواشيهم لسهولة الأخذ حينئذٍ.  

فالعامل ما ينزل في مكان بينه وبين النَّاس كم كيلوا وَيَقُولُ لأصحاب الزَّكَاة: هاتوا الإبل عِنْدِي, بَلْ يقرب مكانًا, هُوَ يأتي إليهم قريبًا منهم قريبًا من مياههم حَتَّى لا يشق عَلَيْهِمْ, ثُمَّ يأتون بها إليه, فلا يقرب مثلاً العامل أموال النَّاس إليه؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ مشقة عَلَيْهم, ولا ينزل محلاً بعيدًا عَنْ الماشية ثُمَّ يحضرها, وَإِنَّمَا ينزل عَلَى مياههم أو أمكنة مواشيهم لسهولة الأخذ عَلَيْهِمْ, ويطلق الجلب أَيْضًا عَلَى حث فرس السباق عَلَى قوة الجري, بمزيد الصياح عَلَيْهِ, لما يترتب عَلَيْهِ من ضرر الفرس, كونه يصيح عَلَى الفرس حَتَّى يسرع الجري وَهَذَا فِيهِ مشقة عَلَيْهِ. 

(لا جلب ولا جنب), الجنب بفتحتين يَعْنِي لا يبعد صاحب المال ماله بحيث يكون مشقة عَلَى العامل هَذَا العكس عكس السابق, لا جلب يَعْنِي كما أن العامل لا ينزل بعيدًا ويشق عَلَى أصحاب الأموال أن يأتون بها إليه, فكذلك صاحب المال لا يبعدها عنه. 

(لا جنب), يَعْنِي لا يبعد صاحب المال ماله بحيث يكون فِيهِ مشقة عَلَى العامل, إِذَا سمع بالعامل أخذ إبله وأبعدها مسافة كيلوين, وَقَالَ للعامل: إبلي في المكان الفلاني لا, كما أن العامل لا ينزل بعيدًا, فكذلك رب المال لا يبعدها عنه, لا جلب يَعْنِي لا تجلب، يعني للعامل إِذَا كَانَ في مكان بعيد ولا جنب يَعْنِي لا يجنبها صاحب الإبل، صاحب الإبل لا يجنبها عَنْ العامل بحيث يشق عَلَيْهِ, مثل حديث: «لا ضرر ولا ضرار». 

كما أن العامل لا يشق عَلَى النَّاس فينزل مكانًا بعيدًا, فكذلك رب المال لا يبعدها عنه, لا جلب ولا جنب 

 (ولا تؤخذ صدقاتهم إِلَّا في دورهم), هَذَا تفسير أَيْضًا يَعْنِي في الأول لا جلب هَذَا فِيهِ مشقة عَلَى أصحاب الأموال, ولا جنب هَذَا يكون فِيهِ مشقة عَلَى العامل. 

(ولا تؤخذ صدقاتهم إِلَّا في دورهم), يَعْنِي في منازلهم وأماكنهم ومياههم وقبائلهم, ولهذا قَالَ المؤلف: باب أين تصدق الأموال, يَعْنِي أين المكان الَّذِي يأخذ منه الساعي صدقات الأموال؟ في مكانهم ودورهم وَعِنْد مياههم لا يكون بعيدًا عنهم, فلا ينزل مكانًا بعيدًا وتجلب إليه فيشق عَلَيْهِمْ, وَكَذَلِكَ رب المال ليس له أن يبعدها عنه فتكون مجنبة بعيدة عنه. 

ومثله الحديث الثاني, حديث الحسن بن علي، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: سمعت أبي، يقول: عن محمد بن إسحاق, وَهُوَ حديث واحد فِيهِ سنده محمد بن إسحاق, (في قوله: «لا جلب، ولا جنب»، قال: أن تصدق الماشية في مواضعها، ولا تجلب إلى المصدق، والجنب، عن هذه الفريضة، أو من غير هذه الفريضة، يعني لا يجنب أصحابها، يقول: ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه). 

وَعَلَى كُلّ حال هَذَا الحديث فِيهِ معنى الحديث المشهور: «لا ضرر ولا ضرار», فالعامل لا يضر أصحاب الأموال بأن ينزل بعيدًا وتجلب إلَيْهِ, ولا يضر العامل بأن أصحاب الأموال يبعدونها عنه, بَلْ تكون الأموال قريبة تكون الماشية قريبة في مياههم ودورهم ومنازلهم وأماكنهم. 

وفسر الجنب بالتحريك بالسباق, يعني أن يجنب فرسًا إِلَى فرس ليسابق عَلَيْهِ, فَإِذَا فتر المركوب تحول إِلَى المجنوب, هَذَا تفسير أيضًا, وَقِيلَ: هُوَ أن يجنب رب المال بماله أيْ يبعده عَنْ مواضعه حَتَّى يحتاج العامل إِلَى الإبعاد. 

والحديث قَالَ المنذري: أخرجه أبو داود في الجهاد من حديث الحسن البصري عَنْ عمران بن حصين وليس فِيهِ: (ولا تؤخذ صدقاتهم في دورهم), وأخرجه أَيْضًا من هَذَا الوجه الترمذي والنسائي, وَقَدْ ذكر علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهم من الأئمة: أن الحسن البصري لَمْ يسمع من عمران بن حصين. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

باب الرجل يبتاع صدقته 

1593 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك». 

(الشرح) 

نعم: هَذَا الحديث حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وَهُوَ من أصح الأحاديث, وَفِيهِ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل عَلَى فرس في سبيل الله, يَعْنِي أعطى شخصًا فرسًا ليجاهد في سبيل الله, حمله عَلَيْهِ مجانًا أعطاه ليجاهد في سبيل الله, وَهَذَا الرجل الَّذِي حمله عَلَيْهِ كأنه أضاعه وأراد أن يبيعه, فأراد عمر أن يشتريه منه, فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تبتعه، يعني: لا تشتره ولا تعد في صدقتك». 

وفي رواية البخاري: «لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم», يعني لو أعطاك بدرهم لا تأخذه لماذا؟ لِأَنَّهُ لو اشتراه ممن وهبه له أو تصدق به عَلَيْهِ ربما وضع له من ثمنها, يَعْنِي عمر رضي الله عنه تصدق عَلَى هَذَا الرجل وأعطاه فرسًا ليجاهد في سبيل الله, هَذَا الرجل باعه ما جاهد عَلَيْهِ أراد أن يبيعه, فَلَمَّا رآه عمره يبيعه أراد أن يشتريه فنهاه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم». 

لِأَنَّهُ إِذَا اشتراه ممن وهبه له أو تصدق به عَلَيْهِ ربما وضع له من ثمنها؛ وَلِأَنَّهُ شراؤه له ورجوعه يَدُلَّ عَلَى أن نفسه متعلقة به, وَقَدْ أخرجه لله عز وجل, فلا ينبغي له أن يرجع فِيهِ, وفي هَذَا الحديث النهي عَنْ الرجوع في الهبة, وَعَنْ شراء الرجل صدقته, لَقَدْ تصدق به عَلَيْه فلا يشتريه, ويلزم من ذَلِكَ فساد البيع؛ لِأَنَّ النهي يقتضي الفساد. 

وللحديث الآخر: «العائد في هبته كالكلب يقيء ثُمَّ يعود في قيئه», ويستنثى من هَذَا الأب, فَإِن له أن يرجع في هبته لولده, لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك». 

قاس بعض الأئمة الأم؛ لِأَنَّ الأم والد, فَإِذَا كَانَ الأب له ذَلِكَ وله حَقّ واحد والأم لها ثلاثة حقوق, فَهِيَ أولى, فهذا الحديث فِيهِ ترجمة عِنْد المؤلف: باب الرجل يبتاع صدقته, يَعْنِي يشتري, معنى يبتاع يَعْنِي يشتري, فالإنسان ليس له أن يشتري صدقته الَّتِي تصدق بها, وليس له أن يرجع في هبته. 

قَالَ ابن بطال: كره أكثر العلماء شراء الرجل صدقته لحديث عمر هَذَا وَهُوَ قول مالك والكوفيين والشافعي, سواء كانت الصدقة فرضًا أو نفلاً, فَإِن اشترى أحدٌ صدقته, لَمْ يفسخ بيعه وأولى به التنزه عنه, وَكَذَلِكَ قولهم فيما يخرجه المكفر في كفارة اليمين, وأجمعوا عَلَى أن من تصدق بصدقة ثُمَّ ورثها فإنها حلال. إذا تصدق بصدقة فإنها حلال 

وَقَالَ المنذري: ليس لأحد أن يتصدق ثُمَّ يشتريها لِأَنَّ النهي ثابت, ويلزم من ذَلِكَ فساد البيع, لكن في الميراث هَذَا شَيْء آخر, مثل الرجل أهدى لأمه صدقة وكذا ثُمَّ ماتت وورثها, قَالَ: «وَجَبَ أجرك علي الله وردها عليك بالميراث», فهذا الحديث فِيهِ دلالة عَلَى الإنسان لا يجوز له أن يشتري صدقته ولا أن يعود في هبته؛ لِأَنَّهُ أخرجها لله فلا ينبغي له أن تتعلق نفسه بشيء من ذَلِكَ. 

 

  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد