بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم أغفر لنا ولشيخينا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب صدقة الرقيق
1594 - حدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن يحيى بن فياض، قالا: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن رجل، عن مكحول، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في الخيل والرقيق زكاة، إلا زكاة الفطر في الرقيق».
1595 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب صدقة الرقيق), الرقيق هُوَ المملوك من عبدٍ أو أمة, رقيق لِأَنَّهُ أصابه الرق, يقال له: رقيق, ويقال له: الإماء والعبيد والأرقاء, يَعْنِي (....) هَلْ الرقيق عَلَيْهِ زكاة إِذَا ملك الإنسان عبيدًا ذكورًا وإناثًا هَلْ عَلَيْهِم زكاة كزكاة المال أو ليس عَلَيْهِ زكاة؟
المؤلف ما جزم بالحكم؛ لِأَنَّ المسألة فِيهَا كلام لأهل العلم, قَالَ: (باب صدقة الرقيق), يَعْنِي ما حكم صدقة الرقيق, ترك الحكم ليتأمل طالب العلم من الأحاديث الَّتِي ساقها, ذكر المؤلف في هَذَا الباب حديثان.
الحديث الأول حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ليس في الخيل والرقيق زكاة، إلا زكاة الفطر في الرقيق».
يَعْنِي الخيل ما فِيهَا زكاة والعبيد ما فيهم زكاة إِلَّا صدق الفطر في الرقيق, زكاة الفطر من رمضان يخرج عَنْ العبد صاع, كما يخرج عَنْ أولاده, لكن الحديث ضعيف هَذَا؛ لِأَنَّ في إسناده رجل مجهول, قَالَ: عَنْ رجل عَنْ مكحول.
فالحديث ضعيف؛ لكن ما دل عَلَيْهِ الحديث من أن ليس هناك زكاة في الخيل والرقيق هَذَا حَقّ, ما دل عَلَيْهِ الحديث حَقّ, دلت عَلَيْهِ الأحاديث الصحيحة غير الحديث الضعيف هَذَا, هَذَا الحديث ضعيف لا يعول عَلَيْهِ, لكن ما أفاده من قوله: «ليس في الخيل والرقيق زكاة », هَذَا صحيح دلت عَلَيْهِ الأحاديث الصحيحة كالحديث الَّذِي بعده.
الحديث الَّذِي بعده: «ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة», هَذَا حديث أخرجه الشيخان في الصحيح, رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, فهذا الحديث الثاني يَدُلَّ عَلَى ما دل عَلَيْهِ الحديث الأول, يَدُلَّ عَلَى أن العبد والفرس ليس فِيهِ زكاة, فالعبد إِذَا كَانَ للخدمة والخيل إِذَا كَانَ للاستعمال ليس فِيهِا زكاة.
عنده عبيد للخدمة أو خيل يستعملها فليس فيهما زكاة فَإِن أعدهما للتجارة ففيهما الزَّكَاة من أدلة أخرى, إِذَا أعد الخيل للبيع والتكسب صار فِيهَا زكاة؛ لأنها صارت من عروض التجارة, وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ يشتري عبيد ذكور وإناث يتجر بهم للتجارة، يزكون زكاة التجارة, يقومون عِنْد تمام الحول, إِذَا كَانَ عنده مائة رقيق أو مئتي رقيق إذا جاء الحول يقدر أقوامهم, كُلّ واحد عشرة ألاف أو عشرين ألف يزكيهم؛ لِأَنَّهُ أعدهما للتجارة.
لكن إِذَا أعدهما للخدمة أو عد الخيل للاستعمال فهذا ليس فِيهِ زكاة, بدليل الحديث الصحيح ومنه حديث أبي هريرة: «ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة».
والمراد بالصدقة هنا صدقة الفريضة وَهِيَ الزَّكَاة, قَالَ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة/60].
الصدقات في الآية المراد بها الزَّكَاة.
وَأَمَّا قوله في الحديث الأول: «ليس في الخيل والرقيق زكاة، إلا زكاة الفطر في الرقيق», فهذا أَيْضًا دل عَلَيْهِ أحاديث غير هَذَا الحديث الضعيف, كحديث أبي هريرة عِنْد مسلم: «ليس في العبد صدقة إِلَّا صدقة الفطر», و «وليس في الخيل زكاة إِلَّا زكاة الفطر», هَذَا صحيح, الحديث ضعيف لكن ما دل عَلَيْهِ صحيح, دل عَلَيْهِ حديث أبي هريرة عِنْد مسلم «ليس في العبد صدقة إِلَّا صدقة الفطر».
وحديث أبي سعيد: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر عَلَى الذكر والأنثى والحر والعبد من الْمُسْلِمِين», فهذا حديث صحيح دل على أن العبد على سيده أن يخرج عنه صاعًا يوم العيد أو ليلة العيد.
وقوله: «ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة», فِيهِ أَنَّهُ يشترط لوجوب الزَّكَاة زكاة المال الإسلام, قَالَ: «ليس عَلَى اَلْمُسْلِم», أَمَّا الكافر فلا تؤخذ منه الزَّكَاة في حال كفره؛ لأنها لا تصح منه, بَلْ يؤمر بالإسلام, فَإِذَا دخل في الإسلام وشهد ألا إله إِلَّا الله وأن محمد رسول الله, حينئذٍ يطالب بالزكاة, وإن كَانَ يعذب عَلَى تركه للزكاة وتركه للصلاة يعذب عليها, لكن في حال كفره ما تصح منه الزَّكَاة, وهو غير مسلم لا تصح منه ولا تنفعه حَتَّى يدخل في الإسلام ثُمَّ يزكي.
ولهذا قَالَ: «ليس عَلَى اَلْمُسْلِم».
واستدل بِهَذَا الحديث من يَقُولُ: إن الْكُفَّار غير مخاطبون بفروع الشريعة, يَعْنِي الزَّكَاة من فروع الشريعة ولا تجب عَلَى الكافر.
وَقَالُوا أَيْضًا: إنهم غير مخاطبون بفروع الشريعة لكن بالنسبة للعقاب في الآخرة فَإِنَّهُمْ يعاقبون, لقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(6)الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ }[فصلت/6-7].
وَقَالَ عَنْ الْكُفَّار: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر/43-44].
وأبو حنيفة أوجب الزَّكَاة في آلات الخيل، دينارا في كل فرس أو يقومها صاحبها ويخرج من كُلّ مائتي درهم خمسة دراهم.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب صدقة الزرع
1596 - حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بعلا العشر، وفيما سقي بالسواني، أو النضح نصف العشر».
1597 - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر».
(الشرح)
نعم هَذِهِ الترجمة معقودة لصدقة الرزع, يَعْنِي الحبوب والثمار, الزرع وَهِيَ الحبوب الَّتِي تخرج من الزرع ومثله الثمار أَيْضًا, ذكر المؤلف حديث ابن عمر وحديث جابر بن عبد الله, وموضوعهما واحد.
الحديث الأول حديث ابن عمر: «فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بعلا العشر، وفيما سقي بالسواني، أو النضح نصف العشر».
وحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر».
الحديث الأول أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة, والحديث الثاني أخرجه مسلم والنسائي, وَفِيهِ عنعنة أبي الزبير, لكن عنعنة أبي الزبير مغتفرة في الصحيحين, والحديث له شواهد, والحديثان دلا عَلَى أن زكاة الحبوب والثمار على أن الحبوب والثمار فِيهَا زكاة, وليس لها حول, وَإِنَّمَا تخرج الزَّكَاة إِذَا اشتد الحب وصلح الثمر, لقول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ }[الأنعام/141].
وَإِنَّمَا الحول يشترط في النقود وفيما أعد للتجارة, أَمَّا الحبوب والثمار فَلَيْسَ لها حول, وَإِنَّمَا تخرج الزَّكَاة عِنْد حصادها{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام/141].
وكيفية إخراج الزَّكَاة فِيهَا تفصيل وَأَنَّ إِذَا كَانَ الحبوب والثمار يسقى بدون مشقة عَنْ طريق مياه الأمطار أو العيون أو كَانَ يشرب بعروقه فهذا فِيهِ العشر, لأن ليس هناك كلفة أو مشقة, عشرة في المائة.
أَمَّا إِذَا كَانَ يسقى عَنْ طريق السواني بالنضح عن طريق استخراج الماء عَنْ طريق الإبل أو المكائن أو الكهرباء فهذا فِيهِ نصف العشر, فَإِن كَانَ يسقى بِهَذَا وَبِهَذَا فَإِن فِيهِ ثلاثة أرباع العشر.
قوله: «فيما سقت السَّمَاءِ», المراد بِذَلِكَ المطر, المطر الَّذِي يسقي, أو الثلج أو البرد أو الطل, «فيما سقت السَّمَاءِ» هَذَا خبر مقدم, (والعشر) مبتدأ مؤخر.
«أو كان بعلاً», البعل الأرض المرتفعة تمطر في السنة مرة, وَكُلّ نخل وزرع لا يسقى أو ما سقته السَّمَاءِ يقال له: بعل, هَذَا يسقى عَنْ طريق المطر, في بعض النَّاس الآن لهم أماكن في الصحراء وغيرها يبدرونها, وإذا جاء المطر أنبتت, وفي بعضها في الحجار (....) عندهم شَيْء من الحبوب من البطيخ كلها عَلَى المطر, هَذِهِ ما فِيهَا كلفة ولا مشقة, لكن البطيخ ما فِيهِ زكاة إِنَّمَا فِيهِ ما تحصل من ثمنه.
والبعل هِيَ الأرض الَّتِي تمطر قَدْ تكون في الغالب مرتفعة, وهذه هِيَ الأشجار الَّتِي تشرب بعروقها من الأرض من غير سقي بالسواني, وما سقي بالسواني, السواني جمع سانية وَهِيَ البعير الَّذِي يستقى عَلَيْهِ, أو النضح فيما سقي من الآبار في الغرب, تسمي الغرب الجلود جلود الإبل تسمى الغرب توضع عَلَى الإبل وهناك حبال تنزل في البئر, والبعير يستخرجها هَذِهِ هِيَ السانية, والمراد سقي النخل والزرع بالبعير والبقر.
قوله: «فيما سقت الأنهار والعيون», المراد بالعيون الأنهار الجارية؛ الَّتِي يستقى منها بدون اغتراف بآلة (....), وما سقى بالسواني جمع سانية وَهِيَ البعير الَّتِي يستقى به الماء من البئر ويقال له: الناضح, وهو من سنى يسنو وَهَذَا موجود إِلَى عهد قريب السواني هذه في هَذِهِ البلاد يستخرجوا الماء عَنْ طريق السواني, إبل تسقي, تكون عليها الحبال وتربط بالغرب الجلد وتنزل إِلَى البئر, وتتردد الإبل بالسواني وتستخرج الماء, هَذِهِ يقال لها السواني.
وَهَذَيْنِ الحديثين فيهما دليل عَلَى وجوب الزَّكَاة في الحبوب والثمار, وأن ما سقي بدون كلفة ولا مشقة يَجِبُ فِيهِ العشر, مثل ما سقي بماء الأمطار وماء الأنهار وماء العيون وماء البعل, وَهِيَ الحبوب الَّتِي تبذر وتسقى بماء السَّمَاءِ, وَأَمَّا ما سقي فيما فِيهِ مئونة وكلفة نصف العشر.
فما سقت السواني و النواضح بالسحب بالإبل أو البقر أو المكائن.
وقوله في الحديث الثاني: (أخبرني عمروٌ عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر), عمرو هَذَا هُوَ عمرو بن الحارث وَهُوَ ثقة, وَقَدْ رفع الحديث وَقَدْ رواه ابن جرير عَنْ أبي الزبير عَنْ جابر موقوفًا, لكن عمرو ثقة, قَدْ رفع الحديث فَهِيَ زيادة من الثقة, والزيادة من الثقة مقبولة.
وَإِذَا وجد ما يسقى تارة بالنضح وتارة بالمطر فهَذَا فِيهِ ثلاثة أرباع العشر, وَهُوَ قول أهل العلم, قَالَ ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فِيهِ خلافًا, وإن كَانَ أحدهما أكثر من كَانَ حكم الأقل تبعًا للأكثر عِنْد الإمام أحمد وأبي حنيفة (....). وَقِيلَ: يؤخذ بالتقسيط.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1598 - حدثنا الهيثم بن خالد الجهني، وحسين بن الأسود العجلي قالا: قال وكيع: «البعل الكبوس الذي ينبت من ماء السماء»، قال: ابن الأسود، وقال يحيى يعني ابن آدم: سألت أبا إياس الأسدي، عن البعل، فقال: «الذي يسقى بماء السماء»، وقال: النضر بن شميل: " البعل: ماء المطر ".
(الشرح)
هذا المؤلف ساق السند إِلَى وكيع يفسر معنى البعل, ما هُوَ البعل؟ قَالَ البعل الكبوس الَّذِي ينبت من ماء السَّمَاءِ, الكبوس قَالَ الجوهري: كبست النهر والبئر كبسًا, طمستهما بالتراب, واسم ذَلِكَ التراب كِبس بالكسر, وَقِيلَ في اللسان: وَقَدْ كبس الحفرة يكسبها كبسًا, طواها بالتراب, فوكيع قَالَ: البعل الكبوس الَّذِي ينبت من ماء السَّمَاءِ, وقال ابن الأسود والمؤلف يرويه رواية عَنْ أهل اللغة, (وقال يحيى يعني ابن آدم: سألت أبا إياس الأسدي، عن البعل، فقال: «الذي يسقى بماء السماء»، وقال: النضر بن شميل: " البعل: ماء المطر ").
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1599 - حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا ابن وهب، عن سليمان يعني ابن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، فقال: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر»، قال أبو داود: «شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبرًا، ورأيت أترجة على بعير بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث حديث معاذ ضعيف في سنده شَرِيك بن عبد الله بن أبي نمر , قال الشيخ القاضي ساء حفظه لما ولي القضاء, وَفِيهِ انقطاع أَيْضًا؛ لِأَنَّ عطاء بن يسار لَمْ يسمع من معاذ؛ لِأَنَّهُ ولد بَعْدَ وفاته بعام, لكن معنى الحديث صحيح, الحديث صحيح أن الزَّكَاة تؤخذ من المال الَّذِي يَجِبُ فِيهِ, يؤخذ الحب من الحب, والشاة من الغنم, والبعير من الإبل والبقرة من البقر, هَذَا صحيح, ما دل عَلَيْهِ صحيح, هَذَا ما دلت عَلَيْهِ الأحاديث الصحيحة الأخرى, لكن هَذَا الحديث ضعيف, في سنده شَرِيك وفي سنده انقطاع لكن معناه صحيح.
قوله: «والبعير من الإبل», يَعْنِي إِذَا كانت كثيرة, وإلا فما دون الخمس وعشرين تؤخذ شاة, الخمس شاة, عشر شاتان, خمسة عشرة ثلاثة شياه, عشرين أربع شياه, خمس وعشرين فما فوق تؤخذ البعير من الإبل, كما في الحديث تؤخذ البعير من الإبل إِذَا كانت كثيرة, والحاصل أن الأصل أن تؤخذ الزَّكَاة من المال الَّذِي تجبُ فِيهِ الزَّكَاة هَذَا هُوَ الأصل.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب زكاة العسل
1600 - حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث المصري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له واديا، يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب، إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه: «إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحم له سلبة، وإلا، فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء».
1601 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا المغيرة، ونسبه إلى عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، قال: حدثني أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن شبابة بطن من فهم فذكر نحوه، قال: من كل عشر قرب قربة، وقال سفيان بن عبد الله الثقفي: قال: وكان يحمي لهم واديين زاد فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم وادييهم.
1602 - حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن بطنا من فهم بمعنى المغيرة، قال: من عشر قرب قربة، وقال: واديين لهم.
(الشرح)
بمعنى المغيرة), يَعْنِي بمعنى حديث المغيرة في الحديث السابق, هَذَا الباب معقود لزكاة العسل ذكر فِيهِ حديث عمرو بن شعيب من ثلاثة طرق, كل الأحاديث الثلاثة لعمرو بن شعيب.
الطريق الأولى هي: (قال: جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له واديًا)، يَعْنِي يحفظه له حَتَّى لا يطمع فِيهِ أحد (يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب، إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب عمر: «إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحم له سلبة، وإلا، فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء»).
هَذَا الحديث كما قَالَ المنذري: أخرجه النسائي وأخرج ابن ماجة طرفًا منه, وَهَذَا الحديث فِيهِ كلام لأهل العلم, والعلماء اختلفوا في وجوب زكاة العسل, ومنهم من أوجبه واستدلوا بهذه الأحاديث, وَقَالُوا: يَجِبُ العشر في العسل, وإلى هَذَا ذَهَبَ أبو حنيفة وأحمد وإسحاق, وحكاه الترمذي عَنْ أكثر أهل العلم.
حكاه بَعْضُهُمْ عَنْ عمر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز, والشافعي, وحكى البخاري وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عَنْ عمر بن عبد العزيز أَنَّهُ لا يَجِبُ في العسل شَيْء من الزَّكَاة, قَالَ البخاري: ليس في زكاة العسل شَيْء يصح.
وروى عنه عبد الرزاق (....) لكن إسناده ضعيف, وَذَهَبَ الشافعي ومالك وحكاه ابن عبد البر عَنْ الجمهور إِلَى عد وجوب الزَّكَاة في العسل, وَقَالَ العراقي في شرح الترمذي: الَّذِي نقله ابن المنذر عَنْ الجمهور أولى من نقل الترمذي.
وَقَالَ الشوكاني: حديث هلال هذا لا يَدُلَّ عَلَى جوب الزَّكَاة في العسل؛ لِأَنَّهُ تطوع بها, وحمى له بدل ما أخذ, هلال تطوع بدفع الزَّكَاة وَلَمْ يوجبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ, ولذلك حمى له بدل ما أخذ, ويؤيد عدم وجوب الزَّكَاة في العسل ما تقدم من أن الأحاديث دلت بأن الزَّكَاة تجب في أربعة أجناس: في الحبوب والثمار وفي بهيمة الأنعام, وفي الذهب والفضة, وفي عروض التجارة.
والعسل ليس منهم, ليس من الحبوب والثمار, وليس منها ولكن لو أعد للتجارة, صار فِيهِ ووجبت الزكاة من جهة عروض التجارة, لكن إِذَا لَمْ يعده للتجارة فَلَيْسَ فِيهِ زكاة, ويؤيده أَيْضًا ما رواه الحميدي بإسناده إِلَى معاذ أَنَّهُ أتى بوقص البقر والعسل فقال معاذ: كلاهما لَمْ يأمرني فِيهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
وقوله: (إِنَّمَا هُوَ ذباب غيث يأكله من يشاء), يَعْنِي هُوَ مأخوذ من ذباب النحل, قوله: (ذباب غيث), يَعْنِي يقصد مواقع القطر, فيأكل عسله من يشاء, فالضمير راجع إِلَى النحل, وَفِيهِ دليل عَلَى أن العسل الَّذِي يوجد في الجبال يكون من سبق إليه أحق به.
قَالَ السدي معنى قوله: (إِنَّمَا هو ذباب غيث), أيْ فلا يلزم عليك حفظه؛ لِأَنَّ الذباب غير مملوك, فيحل لمن يأخذه.
وعلم بِذَلِكَ أن الزَّكَاة فِيهِ غير واجبة عَلَى وجه يجبر صاحبه عَلَى دفع الزَّكَاة, لكن لا يلزم الإمام حمايته إِلَّا بأداء الزَّكَاة, إِذَا أداها حمى له الإمام وإلا فلا.
وَقَالَ المنذري: الحديث أخرجه النسائي وأخرج ابن ماجة طرفًا منه, قَالَ: وَتَقَدَّمَ الكلام عَلَى حديث عمرو بن شعيب, في رواية عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده فِيهَا خلاف, والبخاري يَقُولُ: ليس في زكاة العسل شَيْء يصح, الترمذي يَقُولُ: لا يصح عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في هَذَا الباب كبير شَيْء.
وَقَالَ أبو بكر بن المنذر: في وجوب صدقة العسل حديث ثبت عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في وجوب صدقة العسل حديث يثبت عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فلا زكاة, وخاصة أَنَّهُ ليس في زكاة العسل أدلة واضحة.
قال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح.
قال الترمذي: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء.
والعلماء اختلفوا في وجوب زكاة العسل, فمن العلماء من أوجب كما سبق مثل الأحناف, أبو حنيفة روى عَنْ أحمد وإسحاق, وحكاه الترمذي عَنْ أكثر أهل العلم, وحكاه (....) عَنْ الجمهور, وَذَهَبَ بعض العلماء إِلَى عدم وجوب الزَّكَاة في العسل كالبخاري وعمر بن عبد العزيز وابن المنذر, وَقَالُوا: إن حديث رواية عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده أَيْضًا فِيهَا كلام لأهل العلم.
وقصة هلال أحد بني متعان ليس فِيهَا أن النَّبِيّ طلب الزَّكَاة, أو أوجب أن يدفع الزَّكَاة وإنما هُوَ أتى بها باختياره, أتى بعشرو نحله فحمى له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مقابل ما دفعه.
الحديث الثاني قَالَ: (أن شبابة بطن من فهم فذكر نحوه ما سبق ، قال: من كل عشر قرب قربة)، يَعْنِي العشر في الزَّكَاة, (وقال سفيان بن عبد الله الثقفي: وكان يحمي لهم واديين زاد فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم وادييهم), يَعْنِي عمر, هَذَا أخرجه الطبراني.
والطريق الأخرى قَالَ: (أن بطنًا من فهم بمعنى حديث المغيرة بن شعبة، قال: من عشر قرب قربة، وقال: واديين لهم), وَهَذَا أخرجه الطبراني وابن عبيد.
الحاصل: أن لو صح حديث عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده في كلام في صحته, هُوَ صحيح إِذَا لَمْ يخالف, لكن ليس صريحًا في وجوب الزَّكَاة, ليس فِيهِ أن النَّبِيّ ألزم هلال بالزكاة, وَإِنَّمَا هلال هُوَ الَّذِي أتى بنفسه من دون طلب, فحمى له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الوادي مقابل دفع الزَّكَاة.
وَالَّذِينَ أوجوبها قَالُوا: يجب فِيهَا العشر, من كُلّ عشر قرب قربة.
(....)
الأصل أن يؤخذ الذهب من الذهب والفضة من الفضة, لكن إِذَا أخرج القيمة فلا بأس, (....) لا لا التعقيب يعني ما يحتاج الزَّكَاة إِلَى مئونة يكون عَلَى المزكي, يَعْنِي ما ينقل ينقله عَلَى حسابه من غير زكاة, ينقله ويوصله إِلَى الفقير ما يأخذ من الزَّكَاة شَيْء.
نعم:
أحسن الله إليكم باب في خرص العنب
يكفي