شعار الموقع

شرح كتاب الزكاة من سنن أبي داود_9

00:00
00:00
تحميل
68

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:  

باب في تعجيل الزكاة. 

1623- حدثنا الحسن بن الصباح، حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب على الصدقة فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا، فأغناه الله، وأما خالد بن الوليد، فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه، وأعتده في سبيل الله، وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي علي ومثلها»، ثم قال: «أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب» أو «صنو أبيه». 

(الشرح) 

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين؛ أما بعد: 

قال المؤلف رحمه الله: (باب في تعجيل الزَّكَاة). 

لم يجزم المؤلف بالحكم لوجود الخلاف بين أهل العلم في تعجيل الزَّكَاة هل يجوز تعجيلها أو لا يجوز تعجيلها؟ على قولين لأهل العلم, ولهذا لم يجزم المؤلف بالحكم, قال: (باب في تعجيل الزَّكَاة) يعني: باب ما ورد من الأحاديث في تعجيل الزَّكَاة, وهل يجوز تعجيلها أو لا يجوز؟. 

ذكر حديث أبو هريرة قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا، فأغناه الله، وأما خالد بن الوليد، فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه، وأعتده في سبيل الله عز وجل، وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي علي ومثلها»، ثم قال: «أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب» أو «صنو أبيه». 

هذا الحديث من أصح الأحاديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم, والنسائي, وفيه: أن النبي r بعث عمر بن الخطاب ساعيا على الصدقة, يعني: يجمعها ويأخذها من الناس, والمراد بالصدقة؟ صدقة الفرض وهي الزَّكَاة, والصدقة تُطلق على صدقة النفل وعلى صدقة الفرض, والمراد هنا صدقة الفرض, صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة، السعاة لا يبعثون إلا على صدقة الفرض، الإمام إِنَّمَا يبعث والعمال يأخذون صدقة الفريضة. 

(فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس) هؤلاء الثلاثة منعوا لما طُلب منهم منعوا, فقيل للنبي r: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس, يعني: ما دفعوا ما طُلب منهم, فقال النبي r على كل واحدٍ من هؤلاء الثلاثة: قال أما أمر جميل: («ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا، فأغناه الله») يعني: ما يُنكر نعمة الله أو يكره, ما الذي منعه من منع الزَّكَاة إلا أَنَّه كان فقيرًا فأغناه الله, وفي رواية البخاري: «أغناه الله ورسوله» وَإِنَّمَا ذكر رسول الله r نفسه؛ لأنه كان سببًا في دخوله في الإسلام, فأصبح غنيًا بعد فقره بما أفاء الله عليه وأباح لأمته من المغانم, وهذا السياق من باب التأكيد مما يشبه الذم؛ لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له, وفيه التعريض لكفران النعم, فابن جميل ليس له عذر ولهذا أنكر عليه النبي r. 

 قال: («وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه، وأعتده في سبيل الله») يعني: أوقف قبل تمام الحول أدراعه, جمع درع وهو الدرع الحديد, (وأعتده) ما يُعده الرجل من الدواب والسلاح وخِرقه الخاصة, ومعنى ذلك: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًا منهم أنها للتجارة وأن الزَّكَاة فيها واجبة فقال لهم: لا زكاة فيها عليه, أوقفها فلا زكاة فيها عليه فقالوا للنبي r: «إن خالدًا منع الزَّكَاة فقال: إنكم تظلمونه» لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها, ويحتمل أن المعنى أَنَّه لو وجبت عليه الزَّكَاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله متبرعًا بها, فكيف يشح بواجب عليه وهو قد سبل أمواله في سبيل الله؟ لا يمكن هذا, استنبط بعض العلماء من هذا وجوب زكاة التجارة, وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف خلافًا لداود الظاهري فَإِنَّهُ لا يرى الزَّكَاة في عروض التجارة. 

وفيه دليل على صحة وقف المنقول, المنقول الذي يُنقل, فالأدراع والأعتاد ليست ثابتة, الشيء الثابت من الأراضي والبساتين هذه توقف لا إشكال فيها, لكن الذي ينقل هل يوقف أو لا يوقف؟ فيه خلاف, وهذا دليل على صحة وقف المنقول. 

(«وأما العباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم علي ومثلها») وذلك أن النبي r تعجل من العباس صدقة عامين كما جاء في رواية أبي داود الطيالسي من حديث أبي رافع أن النبي r قال لعمر: «إنا كنا تعجلنا صدقة ما للعباس العام الأول» ولهذا قال الخطابي في صدقة العباس: «فهي عليَ ومثلها» يُتأول على وجهين؟ أحدهما: أَنَّه كان يُسلف منه صدقة سنتين فصارت دين عليه, وفي ذلك دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل محلها, واختلف العلماء في تعجيل الصدقة هل يجوز أو لا يجوز؟ فأجاز كثيرٌ من تعجيلها قبل أوان محلها, وذهب إلى هذا جماعة, وأما مالك رضي الله عنه (....) فإنه لا يرى تعجيلها عن وقت محلها, وقال: إن للصلاة وقتًا وللزكاة وقتًا, فمن صلى قبل الوقت أعاد, ومن زكى قبل الوقت أعاد. 

والوجه الآخر: أن النبي r قبض منه صدقة ذلك العام الذي شكاه فيه العامل, وتعجل صدقة العام الثاني, فقال: «هي عليَ ومثلها» أي الصدقة التي قد حلت وأنت تطالب بها مع مثلها من صدقة العام الواحد, وقوله: «أما علمت أن عم الرجل صنو الأب» تفضيلًا وشرفًا, ويحتمل أن النبي تحمل عنه بها, يستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما (....) المقصود: أن المسألة فيها خلاف في تعجيل الزَّكَاة؛ لأنه محتمل أن النبي r تحملها عنه, ومحتمل أن النبي r تعجل منه صدقة العامين, ومحتمل أَنه تحمل صدقة عام, ولهذا جرى الخلاف بين أهل العلم, فقيل: إن المعنى تحمل من العباس صدقة عامين, وقيل: المعنى أنه تحملها عنه؟ يؤديها عنه. 

وابن القيم رحمه الله علق على هذا الحديث قال: لفظ مسلم وأبي داود: «فهي عليَ ومثلها» قال ابن القيم: وفيه قولان: 

أحدهما: أن كان تسلف منه صدقة عامين. 

والثاني: أَنَّه تحملها عنه؟ يؤديها عنه. 

ولفظ البخاري والنسائي: «فهي عليه صدقة ومثلها معها», وفيه قولان: 

أحدهما: أَنَّه جعله مصرفًا لها, وهذا قبل تحريمها على بني هاشم. 

والثاني: أَنَّه أسقطها عنه عامين لمصلحة كما فعل عمر عام الرمادة. 

ولفظ ابن إسحاق: «هي عليه ومثلها معها» حكاه البخاري قال: وفيه قولان:  

أحدهما: أَنَّه أنظره بها ذلك العام من القادم فيأخذها ومثلها. 

والثاني: أن هذا مدحٌ للعباس, وأنه سمح بما طُلب منه, وأنه إذا سمح بما طُلب منه لا يمنع من إخراج ما عليه بل يُخرجه ومثله معه. 

وقال موسى ابن عقبة: «فهي له ومثلها معها» ذكره ابن حبان, قال: وفيه قولان: 

أحدهما: أنها له, بمعنى عليه كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء/7]. 

والثاني: إطلاقها له وإخراج النبي r عنه من عنده برًا به, ولهذا قال: «أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه». 

من أجل هذا الخلاف اختلف العلماء فيه تعجيل الزَّكَاة على قولين: 

قيل: يجوز تعجيلها. 

وقيل: لا يجوز تعجيلها. 

والراجح الذي عليه الجمهور أَنَّه يجوز تعجيلها. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

الطالب: تحمل النبي r معناه أن الزَّكَاة ليست حق في المال؟. 

الشيخ: بلى حق في المال, لكن إن تحملها بإذنه صح, يعني: لو صار شخص عليه زكاة وقلت: أنا أريد أن أخرجها عنك وأذنت حتى تحصل النية صح, لكن لو أخرج الزَّكَاة عنك وأنت لا تعلم لا تصح, بخلاف الدين؛ إذا قضيت الدين عن شخص وهو لا يعلم برأت ذمته؛ لأنه لا يُشترط له النية. 

نعم، الطالب: (....)؟. 

الشيخ: إذا تحملها شخص عنه وأذن له؛ حتى ينوي, لابد يخرجها, أما يخرجها وهو لم يعلم فلا تصح. 

الطالب: صنو أبيه؟. 

الشيخ: مثل أبيه في التفضيل والشرف, والمكانة والتقدير والاحترام, ولهذا قال: أتحملها عن عمي وعمي بمنزلة والدي, هذا معناه. 

نعم:  

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

1624- حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الحجاج بن دينار، عن الحكم، عن حُجَية، عن علي، «أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك»، قال مرة: فأذن له في ذلك. 

قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم، عن منصور بن زاذان، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث هشيم أصح. 

(الشرح) 

نعم، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة, وفي سنده حُجَية, حُجَية مُتكلمٌ فيه, قيل: يُحتج به, وقيل: لا يُحتج به, والأقرب: الاحتجاج به وأنه صدوق, ويكون الحديث شاهد للحديث الذي قبله, وهو يدل على جواز تعجيل الصدقة بعد حصول النصاب قبل تمام الحول, قال بعضهم: كذلك جواز تعجيل الفطر بعد دخول رمضان. 

(قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم، عن منصور عن زاذان، عن الحكم، عن الحسن بن مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني فيكون مرسلًا, (وحديث هشيم أصح) يعني: الحديث الذي رواه هشيم مرسلًا, رواه سعيد بن منصور مرفوعًا, وأبو داود يرى أَنَّه مرسل فيكون مرسلًا, والمرسل يقوي المرفوع, إذا قيل أَنَّه مرسل يقوي المرفوع, الحديث السابق في الصحيحين فهو مرفوع وهذا مرسل, والمرسل يقوي المرفوع. 

رواية هشيم مرسل ورواية سعيد مرفوع. 

ذكر البيهقي أن هذا الحديث مُتكلمٌ فيه وأن المرسل فيه أصح, والاختلاف على الحكم بن عتيبة, (عن الحجاج بن دينار، عن الحكم، عن حُجَية، عن علي) كما عند المؤلف الدارقطني, ومرة قال: (الحجاج، عن الحكم، عن حُجر العدوي) كما عند الدارقطني, فهو مختلف عن الحكم في إسناده, قال: (والصحيح: عن الحسن بن مسلم مرسل) هذا الذي رجحه المؤلف أبو داود. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟. 

1625- حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبي، أخبرنا إبراهيم بن عطاء، مولى عمران بن حصين، عن أبيه، أن زيادًا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: «وللمال أرسلتني، أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

نعم، هذه الترجمة في نقل الزَّكَاة من بلد إلى بلد هل تُنقل أو لا تُنقل؟ قال: (باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟). 

ذكر فيه حديث عمران بن حصين, وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة, وفيه: (أن زيادًا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة) يعني: جعله ساعيًا على الزَّكَاة, فلما رجع أخذ الزَّكَاة عمران وصرفها في الفقراء, فقال له الأمير الذي أرسله: (أين المال؟ قال: «وللمال أرسلتني، أنت أرسلتني أجمع المال  أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم») يعني: صرفناها على الفقراء, استدل بهذا الحديث على مشروعية صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله؛ لِأَنّ عمران أخذها من أهل البلد وصرفها في أهل البلد. 

فاستدل بهذا الحديث على مشروعية صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله. 

واُختلف في نقل الزَّكَاة من بلد إلى بلد, فروي عن مالك والشافعي والثوري أَنَّه لا يجوز صرفها في غير فقراء البلد, وذهب آخرون من أهل العلم إلى أَنَّه يجوز مع الكراهة, قال: لما عُلم بالضرورة أن النبي r كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلى المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار, كما أخرج النسائي من حديث عبد الله بن هلال الثقفي قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله r فقال: كدت أُقتل في عناقٍ أو شاةٍ من الصدقة, فقال r: لولا أنها تُعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها». 

والصواب: أَنَّه لا بأس بنقل الزَّكَاة من بلد إلى بلد لوجود فقراء محاويج أو أقارب محاويج أو للمجاهدين, هذا لا بأس به؛ أن ينقل الزكاة من بلد إلى بلد لوجود فقراء أحوج من أهل البلد أو تعطى للمجاهدين أو لوجود قرابة له في بلد أخر وهو يريد أن يوزع الزكاة على أقاربة فهذا جائز وذلك لِأَنّ دفع الزَّكَاة للأقارب الفقراء صدقة وصلة, أما مالك والشافعي والمشهور من مذهب الحنابلة فَإِنَّهُ لا يجوز صرفها في غير فقراء البلد, مذهب الإمام مالك والشافعي والمشهور عن الإمام أحمد أَنَّه لا يجوز صرفها في غير فقراء البلد وذهب الإمام أحمد في رواية أنه يجوز النقل للمصلحة, المصلحة الشرعية واختار هذه الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب إن شاء الله أَنَّه يجوز نقلها للمصلحة, كأن يكون في البلد الآخر فقراء أشد حاجة من الفقراء الذين في هذا البلد, أو تُنقل تُعطى للمجاهدين, أو يعطيها للفقراء من أقاربه. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

باب من يعطي من الصدقة، وحد الغنى. 

1626- حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه، جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه، فقيل: يا رسول الله، وما الغنى؟ قال: خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب»، قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أن شعبة، لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: حدثناه زبيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد. 

(الشرح) 

نعم، هذا الباب في الذي يُعطى من الصدقة, يعني صدقة الفريضة من الزَّكَاة, (وحد الغنى) ما حد الغنى الذي معه لا يجوز أخذ الصدقة؟ ما هو مقداره؟ متى يكون غنيًا فلا يُعطى من الصدقة؟ ذكر في الحديث عبد الله وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وعبد الرحمن بن يزيد من أصحابه أن النبي r قال: («من سأل وله ما يغنيه، جاءت يوم القيامة خموش، أو خدوش، أو كدوح في وجهه») خموش يعني: جروح, جمع خمش, فالخموش هي الخدوش يقال خمشت المرأة وجهها إذا خدشته بظفر أو حديدة, والكدوح: الآثار من الخدوش والعض ونحوه, والخمش أبلغ من الكدح؛ لِأَنّ الخمش يكون في الوجه, والخدش يكون في الجلد, والكدح فوق الجلد, وقيل: الخدش: قشر الجلد بعود, والخمش: قشره بالأظفار, والكدح: العض. 

وهذا فيه تحذير من السؤال من غير ضرورة, والحديث في سنده كلام, في سنده حكيم بن جبير وفيه كلام للعلماء ضعفه النسائي وجماعة, وسُئل شعبة عن حديث حكيم قال: (قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي أن شعبة، لا يروي عن حكيم بن جبير، شعبة أمير في الحديث لا يروي عنه فقال سفيان: فقد حدثناه زبيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) سُئل شعبة عن حديث حكيم فقال: أخاف النار, يعني: إن تكلمت فيه بغير علم, وسُئل يحي بن معين: يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحي: نعم, يرويه يحيى بن آدم عن زبيد, ولا أعلم أحدًا يرويه إلا عن يحيى بن آدم, والحديث مختلفٌ في صحته وضعفه ومع ذلك قال في ظاهر هذا الحديث الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما, وقالوا ورأوا أن هذا حدًا في غنى من يحرم عليه الصدقة, وأن من كان عنده خمسون درهمًا فلا يُعطى من الزَّكَاة, ومن كان عنده أقل فيُعطى. 

ومنع من ذلك آخرون من أهل العلم وضعفوا الحديث وقالوا: الحديث ضعيف فلا يعتبر هذا حديثًا, قال مالك والشافعي رحمه الله: لا حد للغنى معلوم, وَإِنَّمَا يعتبر حال الإنسان, قال الشافعي رحمه الله: قد يكون الرجل بالدرهم غنيًا مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله. 

وهذا الحديث لو صح, فالمعنى: أَنَّه ليس للإنسان أن يسأل وعنده شيءٌ حتى ينفد ما عنده, معناه أنه ليس للإنسان أن يسأل وعنده شيء حتى ينفذ ما عنده أما الزَّكَاة, وما يُعطاه من الزَّكَاة فَإِنَّهُ يُعطى ما يكفيه لمدة سنة إذا لم يكن عنده ما يكفيه؛ لِأَنّ الزَّكَاة من السنة إلى السنة, أما السؤال فليس له أن يسأل و عنده شيء, يعني لا يشحذ وعنده شيء وهذا لو صح الحديث. 

ولكن أصح من هذا الحديث حديث قبيصة في البخاري ورواه الإمام مسلم أن النبي r قال: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجلٌ تحمل حمالة فيسأل حتى يصيبها, ورجلٌ أصابته جائحة اجتاحت ماله فله أن يسأل حتى يصيب قوامًا أو سدادًا من عيش, ورجلٌ أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلان فاقة, فله أن يسأل حتى يصيب قوامًا أو سدادًا من عيش ثم يُمسك». 

فهذا الحديث فيه دلالة أن لا يجوز للإنسان أن يسأل إلا إذا كان واحدا من أحد هذه الثلاثة: 

  «رجلٌ تحمل حمالة» يصلح بين الناس ويتحمل, يصلح بين قبيلتين أو بين شخصين ويتحمل حتى يصلح بينهم, يقول في ذمتي أتحمل كذا عشرة آلاف, عشرون ألف, مائة ألف حتى يصلح بينهما فهذا يُعطى من الزَّكَاة, تشجيعًا له على هذا العمل النبيل, قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء/114]. 

الثاني: «شخص أصابته جائحة اجتاحت ماله» فهذا يسأل حتى يجد ما يكفيه. 

والثالث: «ورجلٌ أصابته فاقة» فقرٌ شديد, «حتى يشهد ثلاثة من عقلاء أهل قبيلته أَنَّه أصابته حاجة». 

وأما هذا الحديث فيه ضعف, وفيه أَنَّه: إذا كان عنده خمسون درهمًا فلا يسأل, وإن كان عنده أقل فله أن يسأل, والصواب: أن هناك فرق بين السؤال وبين الزَّكَاة, السؤال كما سيأتي في الأحاديث الآتية أَنَّه إذا كان عنده ما يكفيه غداءًا أو عشاءًا فلا يسأل يومه, إذا كان عنده ما يغديه ويعشيه لا يسأل هذا اليوم واليوم الثاني يسأل هذا السؤال, وأما الزَّكَاة: فَإِنَّهُ يأخذ ما يكفيه لمدة سنة, نفقة وكسوة وتسديد الإيجار, لإن الزَّكَاة من السنة إلى السنة, من العام إلى العام. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

الطالب: يا شيخ ذكر هنا أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير, 

الشيخ: لأنه ضعيف يعني.  

الطالب: مع أن السند ما فيه شعبة في الحديث؟. 

الشيخ:  ما فيه, لكن يقول ما يروي عنه وتركه, ما دام تركه معناه أَنَّه ضعيف. 

الطالب: تضعيف لحكيم 

الشيخ: تضعيفا له.  

الطالب: (....)؟. 

الشيخ: (....) سُئل عن حكيم قال: حكيم ضعيف, وسُئل عن شعبة قال: أخاف النار, فيه كلام كثير 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل 

والترمذي قال: حديث حسن وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث, قال أبو داود: قال يحيى بن (....): فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: في حفظي أن شعبة، لا يروي عن حكيم بن جبير. 

قال الخطابي وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحي بن آدم. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

(المتن) 

1627- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد، أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله لنا شيئًا نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده رجلًا يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا أجد ما أعطيك» فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية، أو عدلها، فقد سأل إلحافًا»، قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية, والأوقية أربعون درهما, قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال: حتى أغنانا الله عز وجل. 

قال أبو داود: هكذا رواه الثوري كما قال مالك. 

(الشرح) 

نعم، هذا الحديث أخرجه النسائي ولا بأس بسنده, وهذا الحديث فيه: أن رجلًا من بني أسد وهو صحابي لم يسمى, وجهالة الصحابي لا تضر, نزل هو وأهله في بقيع والبقيع قرب مسجد الرسول r, (فقالوا له: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله لنا شيئًا نأكله، ما عندنا شيء فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوجدت عنده رجلًا يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا أجد ما أعطيك») يريد يسأل الرسول, والرسول عنده رجل يسأله ويقول له الرسول: «لا أجد ما أعطيك» ما عندي شيء . 

(فتولى الرجل عنه وهو مغضب لأنه قال له لا أجد ما أعطيك وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت) هذا منافق لأنه اتهم الرسول r, الرسول يقول: ما عندي شيء, يقول: لا, أنت اللي تريده تعطيه, إنك لتعطي من شئت هذه تهمة للنبي صلى الله عليه وسلم هذه رده عن الإسلام (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية، أو عدلها، فقد سأل إلحافًا») يعني: ألحف في المسألة, يعني إلحافًا وإسرافًا من غير اضطرار. 

(قال الأسدي وهو يسمع الرسول يقول هذا: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية) اللقحة: الناقة قديمة العهد بالنتاج أو التي هي ذات لبن, يقول: لقحة من الإبل أحسن من أربعين درهم وهي الأوقية والرسول صلى الله علية وسلم يقول اللي عنده أوقية لا يسأل وأنا عندي اللقحة تكفينا فرجع, (قال: فرجعت ولم أسأله، قال فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه) فالحديث لا بأس بسنده, والمعنى: ليس له أن يسأل وعنده شيء, ومعنى قوله: لا أجد ما أعطيك وقوله: (لعمري إنك لتعطي من شئت) هذا الرجل الذي اتهمه يعني: إنك لست بصادق أو إنك لتعطي من شئت, وهذا فيه تسلية لمن بعد النبي r, إذا كان الرسول r يقال له هذا وهو أصدق الناس عليه السلام يقال له إنك تعطي من شئت لو بغيت أعطيتني تعطي من شئت والرسول يقول ما عندي شيء أعطيك قال له لا لعمري لو شئت لأعطيتني هذا تهمة له فلا بد من التحمل إذا كان الرسول يقال له (....) فغيره من باب أولى. 

وقوله: «من سأل منكم وله أوقية أو عَدلُها» عِدلها بكسر العين: يعني ما يساويها من ذهب ومال آخر, وقيل: عِدلها: يريد قيمتها, قيل: العدل بالكسر نظيره, والأوقية عند أهل الحجاز أربعون درهما، ذهب أبو عبيدة وابن سلام في تحديد الغني إلى هذا الحديث وزعم أن من وجد أربعين درهمًا حرمت عليه الصدقة, وذهب بعض العلماء إلى تحديد الغنى التي تحرم معه الصدقة بخمسين درهمًا ورأوا هذا حدا في غني من تحرم عليه الصدقة منهم أبو سفيان, والثوري, وابن المبارك, وأحمد, وإسحاق, ومنع من ذلك آخرون من أهل العلم وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحي بن آدم, وليس في الحديث أن من ملك خمسين درهمًا لا تحل له الصدقة إِنَّمَا فيه كُره له المسألة, وذلك أن المسألة إِنَّمَا تكون مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد ما يكفيه في وقت المسألة. 

وقال الإمام مالك والشافعي: لا حد للغني معلوم, قال الشافعي: قد يكون الرجل بدرهم غنيًا مع الكسب ولا يُغنيه الألف, وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الحد بين الغني والفقير مائتي درهم وهو النصاب الذي تجب فيه الزَّكَاة, والصواب: أَنَّه ليس هناك حد وأن هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, قد يكون في وقت الأربعين درهمًا ما تساوي شيء, هذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأوقات  والمراد: إذا كان عنده ما يكفيه فليس له أن يأخذ من الزَّكَاة, الزَّكَاة تُعطى من الحول إلى الحول, وله أن يأخذ إذا لم يكن له مورد ولا كسب ولا أجر ولا راتب يأخذ ما يكفيه لمدة سنة نفقة وكسوة وسكنى, أما السؤال كونه يشحذ يقوم يسأل بين الناس وإن كان عنده يومه ما يكفيه غداءًا أو عشاءًا فلا يَجِوز له, وإن لم يكن عنده شيء يسأل ما يغديه أو يعشيه كما سيأتي في الأحاديث, فالمسألة شيء والزكاة شيء آخر. 

المسألة: ليس له أن يشحذ إذا كان عنده ما يكفيه يومه, واليوم الثاني يسأل إذا كان ما عنده شيء. 

وأما الزَّكَاة: فَإِنَّهُ يأخذ ما يكفيه لمدة سنة له ولعائلته نفقة وكسوة وسكنى. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

(المتن) 

1628- حدثنا قتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن سعيد الخدري، عن أبيه أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف»، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية. 

قال هشام: خير من أربعين درهمًا, فرجعت فلم أسأله شيئًا، زاد هشام في حديثه: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهمًا. 

(الشرح) 

نعم، الحديث أخرجه النسائي, وقوله: «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» الإلحاف: الإلحاح في المسألة, ألحف شمل بالمسألة والإلحاف في المسألة هو أن يشتمل على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف بالتغطية, فمن سئل وله قيمة أوقية فقد ألحف والأوقية: أربعون درهمًا, فقال أبو سعيد: (فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية) ناقته اسمها الياقوتة سماها الياقوتة, يقول ناقتي خير من الأربعين ما دام اللي عنده أوقية ما يسأل تكفيني ناقتي. 

(قال هشام: خير من أربعين درهمًا, قال: فرجعت فلم أسأله شيئًا، قال: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهمًا) وهذا يعني لو صح محمول على أن الأوقية كافية في ذلك الزمن, في ذلك الزمن تكفي فالعبرة بالكفاية. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

(المتن) 

1629- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا مسكين، حدثنا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي، حدثنا سهل ابن الحنظلية، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فسألاه، فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا، فأما الأقرع، فأخذ كتابه، فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم مكانه، فقال: يا محمد، أتراني حاملًا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه، كصحيفة المتلمس، فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار». 

وقال النفيلي في موضع آخر: «من جمر جهنم فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟». 

وقال النفيلي في موضع آخر: «وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه». 

وقال النفيلي في موضع آخر: «أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم» وكان حدثنا به مختصرًا على هذه الألفاظ التي ذكرت. 

(الشرح) 

نعم، هذا الحديث حديث عبد الله بن محمد النفيلي, قال: (أخبرنا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة ) أبو كبشة هذا صحابي, وَكَذَلِكَ سهل ابن الحنظلية صحابي, والحديث لا بأس بسنده, هو سنده صحيح يدل على أَنَّه لا يجوز السؤال لمن عنده شيءٌ يُغنيه, بأن يكون عنده شبع يوم وليلة أوقدر ما يغديه ويعشيه, فلا يجوز له السؤال إذا كان عنده ما يكفيه لشبع يوم عنده ما يكفيه غداء وعشاء لا يسئل الناس, واليوم الثاني إذا لم يكن عنده شيء يسأل, لكن هذا اليوم اللي عنده ما يغديه ويعشيه يكفيه لمدة يوم فليس له السؤال, أما الزَّكَاة فهي شيءٌ آخر, فَإِنَّهُ إذا لم يكن عنده شيءٌ وليس له مكسبٌ دائم فَإِنَّهُ يُعطى ما يكفيه لمدة سنة نفقة وسُكنى؛ لِأَنّ تفريق الزَّكَاة في السنة مرة. 

لأن عيينة بن حصن والأقرع سألاه، فأما الأقرع، فأخذ كتابه، فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم مكانه، فقال: يا محمد، أتراني حاملا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه، كصحيفة المتلمس) صحيفة المتلمس لها قصة مشهورة عند العرب وهو المتلمس الشاعر وكان هاجي عمرو بن هند الملك فكتب له كتابًا إلى عامله يوهمه أَنَّه أمر له فيه بعطية وقد كان كتب إليه أن يقتله, فارتاب المتلمس ففتح الكتاب وقرأه فلما علم ما فيه رماه ونجا فضربت العرب مثلا بصحيفة المتلمس, هذا يقول: يا رسول الله أتعطيني كتاب لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس! 

فيه: أَنَّه ينبغي للإنسان أن لا يحمل كتابًا إلى الملوك أو من الملوك حتى يعلم ما فيه لئلا يكون في هذا الكتاب قتله أو سجنه أو ضربه كما في صحيفة المتلمس.   

(فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار» وقال في موضع آخر: « فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟» «وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه» وقال النفيلي في موضع آخر: «أن يكون له شبع يوم وليلة») وهذا فيه دليل على أَنَّه إذا كان عنده ما يكفيه هذا حرامٌ عليه السؤال, فتكون المسألة خدوشٌ أو كدوح لماذا؟. 

الطالب: (....)؟. 

الشيخ: لا خلاص إذا كان عنده ما يكفيه الدواء ما هو بلازم, الدواء مستحب حتى العلاج ما هو بلازم , ما يسأل من أجل المستحب, لو كان عنده ما يكفيه فالحمد لله, ليوم وليلة أما الزَّكَاة فَإِنَّهُ يأخذ ما يكفيه لمدة سنة, ولهذا قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل الحديث فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه لا تحل له المسألة, هذا ظاهر الحديث, وقال آخرون: إِنَّمَا هو فيمن وجد غداءً وعشاءً على دائم الأوقات, فإذا كان ما يكفيه لقوته مدة طويلة فقد حرمت عليه المسألة, وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث الأخرى التي تقدم ذكرها, والصواب: أَنَّه ليس بمنسوخ وأنه محكم, وأنه لا يجوز له السؤال يومه الذي عنده ما يكفيه, وفي اليوم الآخر إذا لم يكن عنده ما يكفيه له أن يسأل. 

والإمام أحمد رحمه الله روى في مسنده من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر, عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي, عن سالم في هذا الحديث وفيه: «فأخبر معاوية رسول الله r بقولهما وخرج رسول الله r في حاجة فمر ببعير مناخٍ على باب المسجد من أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله, فقال: أين صاحب هذا البعير, فاُبتغي فلم يوجد, فقال رسول الله r: اتقوا الله في هذه البهائم ثم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا إنه من سأل وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم, قالوا: يا رسول الله وما يُغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه» أخرجه أحمد في مسند الشاميين. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

(المتن) 

1630- حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم، عن عبد الرحمن بن زياد، أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمي، أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فذكر حديثا طويلًا، قال: فأتاه رجل، فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك». 

(الشرح) 

نعم، وهذا الحديث ضعيف في سنده: عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو ضعيف, لكن معنى الحديث صحيح وهو أن الزَّكَاة لا تُدفع إلا للأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ }[التوبة/60]. والدليل هذه الآية نفسها، الزكاة لا تعطى إلا لواحد من الأصناف الثمانية  

ولهذا لما أتى زياد بن الحارث الصدائي للنبي r قال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: («إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، يعني في الزكوات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك») يعني إن كنت من الفقراء أو المساكين أو العاملين أو المؤلفة أو في الرقاب والغارمين أو في سبيل الله أو ابن السبيل. 

نعم:  

أحسن الله إليكم  

(المتن) 

1631- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأُكلة والأُكلتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئًا، ولا يفطنون به فيعطونه». 

(الشرح) 

نعم، الحديث أخرجه البخاري والنسائي وهو حديث صحيح, والأُكلة معناها: اللقمة الواحدة, والأُكلتان: اللقمتان, أما الأكلة بالفتح: المرة من الأكل, الأكلة يعني: تغدى مرة وتعشى مرة تسمى أكلة, أما الأُكلة بالضم: اللقمة الواحدة, والحديث يقول النبي r: («ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأُكلة والأُكلتان, إذا ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئًا، ولا يفطنون به فيعطونه») المعنى معنى الحديث: أن المسكين الكامل في المسكنة هو الذي هو أحق بالصدقة, المسكين الكامل في المسكنة الذي هو أحق بالصدقة هو الذي لا يسأل الناس ولا يفطنون له فيعطونه, وإذا خرج فليس عليه علامة الفقراء, يعني عليه سمة الأغنياء هذا الذي يموت في بيته ولا يُدرى عنه, يعني لا يجد غنًا يُغنيه ويستحي أن يسأل الناس, والناس لا يفطنون له, وإذا خرج فيكون عليه علامة الغنى من ثياب أو كذا, بخلاف المسكين اللي يسأل ويشحذ هذا يحصل اللي يعطيه ثمرة, اللي يعطيه ريال, اللي يعطيه خمسة هذا يعطيه عشرة, الذي يسأل يحصل, لكن اللي ما يسأل يستحي ما يسأل وليس عنده شيء, ولا الناس لا يفطنون له, وليست عليه علامات الفقر هذا اللي يموت هذا ينبغي أن يطلب هذا الذي يموت في بيته ولا يُدرى عنه هذه أشد المسكنة. 

يعني مقصود الرسول r: أن يبين المسكين الكامل في المسكنة الذي هو أحق بالصدقة, أما المسكين الذي يأتي ويسأل اللقمة واللقمتان هذا مسكين لكن أشد منه الذي لا يسأل ولا يُفطن له ولا تُعلم حاله, هذا معنى قوله: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، والأُكلة والأُكلتان، ولكن المسكين الذي أشد منه الذي لا يسأل الناس شيئًا، ولا يفطنون به فيعطونه» المسكين الكامل في المسكنة الذي هو أحق بالصدقة الذي لا يسأل الناس ولا يفطنون به فيعطونه, وليس معناه نفي المسكنة عن الذي ترده التمرة والتمرتان والأُكلة والأُكلتان؛ لا, بل هذا مسكين, بل المراد أن هذا أولى منه بالمسكنة. 

ونظير هذا الحديث الآخر: «ليس الشديد بالصُرعة إِنَّمَا الشديد الذي يتمالك نفسه عند الغضب» والمراد أن هذا أولى بوصف الشدة من الذي يصرع الناس وإن كان يسمى شديد, اللي يصرع الناس يسمى شديد لكن أشد منه الذي يملك نفسه عند الغضب, ليس الشديد الكامل في الشدة الذي يصرع الناس وإن كان شديد لكن أشد منه الذي يملك نفسه عند الغضب, ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان هذا مسكين لكن أشد منه مسكنة الذي لا يجد غنًا يُغنيه ولا يقوم له فيُفطن له. 

ومثله حديث: «ليس الرقوب الذي لا يولد له إِنَّمَا الرقوب الذي لم يخلف أحدًا» الرقوب يعني: العقيم, الذي لم يخلف ولد هذا عقيم, لكن أشد منه الذي ما قدم أحد من أولاده في الآخرة. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

 (المتن) 

1632- حدثنا مسدد، وعبيد الله بن عمر، وأبو كامل المعنى، قالوا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثله، قال: «ولكن المسكين المتعفف». 

زاد مسدد في حديثه: «ليس له ما يستغني به، الذي لا يسأل ولا يُعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم»، ولم يذكر مسدد: «المتعفف الذي لا يسأل». 

قال أبو داود: روى هذا الحديث محمد بن ثور، وعبد الرزاق، عن معمر، وجعلا المحروم من كلام الزهري، وهو أصح. 

(الشرح) 

نعم، هذا الحديث تابع للحديث السابق مثل الحديث السابق, قال: «ولكن قال المسكين المتعفف» في الحديث الآخر قال: «المسكين الذي لا يجد غنًا يُغنيه ولا يُفطن إليه» قال هنا: « المسكين المتعفف». 

زاد مسدد في روايته: «ليس له ما يستغني به، الذي لا يسأل ولا يُعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم» ولم يذكر مسدد: «المتعفف الذي لا يسأل». 

قال أبو داود: روى هذا الحديث محمد بن ثور، وعبد الرزاق، عن معمر، وجعلا المحروم من كلام الزهري، وهو أصح, هذا المحروم جعله من كلام الزهري وليس من كلام النبي r, فهذا الحديث فيه بيان أن المسكين هو المتعفف الذي ليس له ما يستغني به والذي لا يسأل الناس. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

(المتن) 

1633- حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان: أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب». 

(الشرح) 

نعم، الحديث أخرجه النسائي وأحمد, والحديث سنده صحيح لا بأس بسنده, وهو يدل على أن الغني بماله أو بنفقة غيره عليه لا يُعطى من الزَّكَاة, وَكَذَلِكَ القوي المكتسب الذي يجد عملًا لا يُعطى من الزَّكَاة, فإن كان قويًا مكتسبًا لا يجد عملًا فَإِنَّهُ يُعطى من الزَّكَاة, والذي لا يُعطى من الزَّكَاة من عنده مال يكفيه أو راتب أو إيجار أو له من ينفق عليه, له أب أو أخ ينفق عليه, وَكَذَلِكَ القوي النشيط الذي يستطيع الكسب بنفسه يستطيع أن يشتغل لا يُعطى من الزَّكَاة. 

ثلاثة أصناف لا يعطون من الزكاة: الغني بماله عنده مال يكفيه هذا لا يعطى من الزكاة. 

ثانيًا: له من ينفق عليه ما عنده لكن له من ينفق عليه. 

الثالث: القوي النشيط الذي يستطيع الكسب إذا وجد عملا فإن كان لا يجد عملا هو نشيط لكنه ما وجد عملا أو أنه ممنوع ممنوع الآن مثل بعض الناس (....) ممنوعين من العمل فهذا يعطى ما يكفيه مادم أنه ممنوع ولا يستطيع الكسب فتكون من الثلاثة أصناف الذين يعطون من الزكاة الذي عند مال يكفيه، الثاني أن من له من ينفق عليه من أقارب الثالث القوي المكتسب أوالمكتسب الذي لا يجد كسب. 

نعم: 

أحسن الله إليكم 

  

(المتن) 

1634- حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي، حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد 

(الشرح) 

نعم، الختلي بضم المعجمة وتشديد المثناة. 

(المتن) 

حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد قال: أخبرني أبي، عن ريحان بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي». 

قال أبو داود: رواه سفيان، عن سعد بن إبراهيم، كما قال إبراهيم. ورواه شعبة، عن سعد قال: «لذي مرة قوي»، والأحاديث الأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعضها: «لذي مرة قوي، وبعضها لذي مرة سوي». 

وقال عطاء بن زهير: أنه لقي عبد الله بن عمرو، فقال: «إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي». 

(الشرح) 

نعم، هذا الحديث شاهد للحديث الذي قبله حديث عبيد الله بن خيار, وإلا فهذا الحديث في سنده ريحان بن يزيد, قال فيه يحي بن معين: ثقة, وقال أبو حاتم: الرازي شيخ مجهول, وتوسط الحافظ في التقريب جمعًا بين الأقوال قال فيه: مقبول, والمقبول إِنَّمَا يُحتج به في الشواهد والمتابعات لا في الأصول فيكون شاهدًا للحديث الذي قبله, وهو أن الصدقة: «لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي» ذي مرة: أي قوة, وسوي: أي صحيح البدن, فتكون الزَّكَاة لا تحل للغني ولا للقوي, لا تحل للغني ولا لذي مرة سوي ذي مرة يعني قوة سوي: صحيح البدن تام الخلقة ومنه قوله تعالى في وصف جبريل: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}[النجم/6].  

ذو مرة فيها كلام, سوي يعني قوة سوي: صحيح البدن, ولهذا قال العلماء: لا تحل الزَّكَاة لمن هو صحيح قوي يقدر على الاكتساب بقدر ما يكفيه وعياله وبهذا قال الإمام الشافعي, قال الخطابي: واختلف الناس في جواز الصدقة لمن يجد قوة يقدر بها على الكسب, قال الشافعي: لا تحل له الصدقة, وكذا قال إسحاق بن راهوية, وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز له أخذ الصدقة إذا لم يملك مائتي درهم فصاعدًا, والصواب: أَنَّه إن كسب ما يكفيه ليومه فلا يُعطى, وإن كسب كسبًا ضعيفًا لا يكفيه يُعطى ما يكمل له حاجته.  

قوله لا صدقة لغني يعني بماله أو لذي مرة سوي أي قوة يعني سوي الخلقة يقدر  

نعم: 

أحسن الله إليكم 

باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني (....) 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد