بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني.
1635- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني».
1636- حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمعناه، قال أبو داود: ورواه ابن عيينة، عن زيد، كما قال مالك: ورواه الثوري، عن زيد، قال: حدثني الثبت، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1637- حدثنا محمد بن عوف الطائي، قَالَ: حدثنا الفريابي، قَالَ: حدثنا سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو جار فقير يُتصدق عليه، فيهدي لك أو يدعوك».
قال أبو داود: ورواه فراس، وابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(الشرح)
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني).
هَذِه الترجمة معقودة لمن يأخذ من الزَّكَاة وهو غني, ذكر في الحديث حديث عطاء بْنُ يسار أن الصدقة أو المراد بالصدقة الزَّكَاة تحل للغني لخمسة من الأغنياء:
الأول: الغازي في سبيل الله.
والثاني: العامل عَلَى الزَّكَاة.
والثالث: الغارم يعني الغارم المدين, الذي استدان دينًا, ومنه الغارم لنفسه استدان ليؤمن مطالب أسرته من النفقة والكسوة, والغارم للإصلاح اللي يصلح بين الناس ويتحمل في ذمته الديون حتى يصلح بين الناس هذا غارم يُعطى وهو غني تشجيعًا له عَلَى هذا العمل.
الرابع: الرجل الذي اشترى الزَّكَاة بماله, يَعْنِي الغني لما أُعطي الزَّكَاة تمرًا أو أرزًا وباعه اشتراها الغني ما في مانع, لأنه اشتراها هي كانت صدقة فَلَمّا اشتراها صارت حلال له.
والخامس: الفقير إذا أُعطي زكاة ثم أعطى الغني منها, أُعطي الزَّكَاة وعزم جار له غني وأكل منها فلا بأس, أو أهدى له هدية منها فلا بأس. لأنه تغيرت حالها.
ولَكِنْ هذا الحديث مرسل؛ لِأَنّ عطاء بْنُ يسار تابعي والمرسل ضعيف, لكن وصله المؤلف في الحديث الذي بعده, الحديث الذي بعده قَالَ: (حدثنا الحسن بن علي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمعناه) الحديث الأول فيهِ عن عطاء بْنُ يسار وهو تابعي عن النَّبِيِّ r فسقط الصحابي, والحديث الثاني موصول, وَكَذَلِكَ وصل حديث اِبْن ماجة والحاكم فالعمدة عَلَى الموصول.
والحديث لا بأس بسنده وهو يدل عَلَى أن هؤلاء الخمسة المذكورين في الحديث يحل لهم الصدقة, يَعْنِي الزَّكَاة وهم أغنياء؛ لِأَنَّهُم أخذوها بوصف آخر, أخذوا الزَّكَاة لا بوصف الفقر وَإِنَّمَا أخذوها بوصف آخر, فالغازي في سبيل الله أخذها بوصف الغزو لِأَنَّهُ غازي يُعطى ولو كان غنيا, والعامل عليها يؤخذ من أجل عمالته؛ لِأَنَّهُ عمل يعمل وهو موظف, والغارم أُعطي؛ لا لِأَنَّهُ فقير بل لِأَنَّهُ غرم, الغارم الذي لا يستطيع هذا يدخل في الفقراء, الغارم الذي يستدين للنفقة والكسوة والسكنى أو تسديد إيجار البيت مثلًا هذا يُعطى من الصدقة, والغارم الذي يصلح بين الناس هذا يعطى ولو كَانَ غنيًا يَعْنِي: يصلح بين قبيلتين أو بين شخصين بينهما عداوة أو جماعة فلا يتصالحون حتى يتحمل يقول: أعطيك خمسين ألف وأعطي هذا خمسين ألف حتى يصلحون فيعطى من الزَّكَاة بمقدار ما تحمل تشجيعًا له, وَكَذَلِكَ إذا اشترى من الفقير طعامًا أعطي هذا الزكاة ثم اشتراه تغيرت حاله اشتراه بماله، وَكَذَلِكَ أيضًا الفقير إذا أهدى للغني أو دعاه إِلَى وليمة أو طعام فَإِنَّهُ يأكل منه ولو كَانَ غنيًا.
الغازي يعطى من الزَّكَاة تشجيعًا له ليشتري سلاحًا ونفقة, والغارم يعطى تشجيعًا له على الإصلاح بين شخصين أو طائفتين, والرجل الذي اشترى زكاة من الفقير غير الذي دفع إليه؛ لِأَنَّهُ لا يشتريها لِأَنَّهُ قد يسامح ببعض الثمن ولحديث: «ولا تشتري ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم» يَعْنِي: أنت إذا أعطيت الفقير طعام زكاة لا يجوز لك أن تشتريها منه, لَكِنْ يشتريها شخص آخر, شخص أخر لا بأس أن يشتري لَكِنْ أنت إذا دفعت الزَّكَاة للفقير ما تشتريها منه لأمرين:
الْأَمْرِ الأول: أَنَّه قد يسامحك ما دام أنت التي دفعت إليه يسامحك في بعض الثمن, بدل ما يكون ثمنه عشرة ينزل لك ويعطيك إياه بثمانية؛ لأنك أنت اللي دفعت له.
وثانيا: أن هذا عود في الزَّكَاة التي دفعها ولا يَجِوز للإنسان أن يعود, وقد قَالَ النَّبِيِّ r لعمر لما أعطى رجلًا فرس في سبيل الله وباعه ظن أَنَّه يبيعه برخص فسأل النَّبِيِّ أن يشتريه قَالَ: «لا تشتريه وإن أعطاكه بدرهم ولا تعد في صدقتك فَإِن العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه» عَلَى هذا اللي دفع الزَّكَاة للفقير لا يشتريها ما يجوز أن يشتريها, لَكِنْ لو اشتراها شخص آخر غير الذي دفعها فلا بأس.
الطالب: يا شيخ حتى لو كَانَ من أقاربي
الشيخ: نعم،
الطالب: قريب المتصدق مثلًا؟.
الشيخ: لا بأس, إذا لم يكن حيلة لا بأس, لَكِنْ ما في حيلة ولا اتفاق بينه وبين الذي دفعها فلا بأس.
قَالَ الخطابي: فيهِ بيان أن الغازي وإن كَانَ غنيًا له أن يأخذ الصدقة يعني من الزكاة, ويستعين بها في غزوه وهو من سهم السبيل.
وذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد ومحمد وإسحاق, وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن يُعطى الغازي من الصدقة إِلَّا أن يكون منقطعًا بِهِ, وهذا خلاف النص, قَالَ: (وسهم السبيل غير سهم اِبْن السبيل) سهم السبيل: هو الغازي في سبيل الله, وابن السبيل: هو المسافر الذي المنفطع.
قَالَ: وقد فرق الله بينهما في التسمية وعطف أحدهما عَلَى الآخر بالواو الذي هو حرف للفرق بين المذكورين المسبوق أحدهما عَلَى الآخر, فَقَالَ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ}[التوبة/60].يعني آية الزكاة
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ }[التوبة/60].
في سبيل الله: هذا الغزو الجهاد, وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت بِهِ النفقة يُعطى من الزَّكَاة ما يوصله إِلَى بلده.
قَالَ: وأما سهم السبيل فهو على عمومه وظاهره في الكتاب.
والحديث الثاني: حديث (قال أبو داود في هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري: ورواه ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، كما قال مالك يعني مرسلا : ورواه الثوري، عن زيد، قال: حدثني الثبت) يَعْنِي: الثقة, (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فيكون مرسلًا لِأَنَّهُ لم يورد اسمًا قال حدثني الثبت فيكون مرسلا,وأبي عيينة هو سفيان الإمام والثوري كذلك سفيان قال حدثني الثبت لم يسمي الثبت في سبيل الله وابن السبيل وقال البيهقي في سننه: حديث عطاء بْنُ يسار عن أبي سعيد أصح طريقًا ليس فيهِ ذكر السبيل, فَإِن صح هذا فإنما أراد والله أعلم أن اِبْن السبيل غنيٌ في بلده محتاجٌ في سفره.
الحديث الثاني حديث محمد أبي سعيد قال: (حدثنا محمد بن عوف الطائي، قَالَ: أخبرنا الفريابي، قَالَ: أخبرنا سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو جار فقير يُتصدق عليه، فيهدي لك أو يدعوك»).
(قال أبو داود: ورواه فراس، وابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) هذا الحديث ضعيف في سنده عطية بْنُ سعيد العوفي الكوفي ولا يُحتج بحديثه كونه شيعيًا مدلسًا, فالحديث ضعيف لَكِنْ هذا الحديث شاهد للحديث الذي قبله ويستشهد بالضعيف إذا لم يشتد ضعفه.
وفيه أَنَّه قَالَ: («لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله») يَعْنِي في سبيل الله: المراد الجهاد والغزو, («أو ابن السبيل») وهو المنقطع المسافر وإن كَانَ غنيًا في بلده يعطى من الزَّكَاة ما يوصله إِلَى بلده هذا هو المعروف, لَكِنْ لو وُجد في هذا الزمن أن اِبْن السبيل قد لا ينقطع لأنه وجد المصارف قد يكون له حساب في البنك فيستطيع يسحب من أي مكان من المصرف, إذا كَانَ يستطيع فلا يُعطى من الزَّكَاة في الأول ما كَانَ في الوسائل, الآن قد يكون في إذا كَانَ غني وله حساب في البنك يستطيع يصرف من أي بلد ولا يكون منقطع, بخلاف الأزمنة السابقة يكون غني في بلده ويسافر وتنتهي نفقته ولا يكون عنده شيء يوصله إِلَى بلده فيعطى من الزَّكَاة ما يوصله إِلَى بلده لكن الآن يستطيع إذا كان غني يستطيع أن يحصل على ما يوصله إلى بلده فلا يعطى من الزكاة.
(«أو جار فقير يُتصدق عليه، فيهدي لك أو يدعوك») يَعْنِي: إذا جاءك جار فقير تعطيه من الزَّكَاة ثم أهدى لك هدية أو أعطاك أو دعاك إلى الطعام تأكل منه, لأنه تغيرت حاله ويدل عَلَى هذا قصة بريرة كانت فقيرة واشترتها عائشة وأعتقتها وهي فقيرة فكانت عند عائشة في بيت النَّبِيِّ r فجاء أناسٌ وأعطوها لحمًا تصدقوا بِهِ عليها, فطبخته فجاء النَّبِيِّ r وقُدم له طعام وليس فيهِ لحم قَالَ: «ألم أرى اللحم على البرمة!» قالوا: بلى لَكِنْ هذا لحم تصدق بِهِ عَلَى بريرة وهي فقيرة وأنت لا تأكل الصدقة, فَقَالَ r: «هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية» تغيرت حاله وأكل منه هو عليها صدقة لكن لما وصل إليها أهدت النبي صلى الله عليه وسلم فتغيرت حال الطعام.
فإذا كَانَ لك جار فقير وأُعطي طعامًا أو شيء من الزَّكَاة فلا بأس أن يأكل الغني منه إذا دعاه أو أهدى له لِأَنَّهَا تغيرت حاله.
(قال أبو داود: ورواه فراس، وابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) ورواية اِبْن أبي ليلى أخرجها الطحاوي في شرحه.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب كم يعطى الرجل الواحد من الزَّكَاة.
1638- حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو نعيم، حدثني سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار، زعم أن رجلا من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة، أخبره، «أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه بمائة من إبل الصدقة يعني دية الأنصاري الذي قتل بخيبر».
(الشرح)
نعم، هذا الباب في مقدار ما يُعطى الرجل الواحد من الزَّكَاة, هل هناك حدٌ محدد؟ أم ليس هناك حد؟ قَالَ: (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزَّكَاة) والحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة, واختصره لأنه مطولًا, قَالَ: (حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو نعيم، حدثني سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير ) القاعدة في بُشير أَنَّه بفتح الواحدة مكبر, إذا جاء بشير مكبر إِلَّا اثنان بضم الواحدة وهما بشير بْنُ يسار كما في هذا الحديث, والثاني: بُشير بْنُ كعب, والباقي بفتح الباء يكون بَشير إِلَّا اثنان بشير بْنُ يسار وبُشير بْنُ كعب.
قال أخبرنا أبو نعيم، حدثني سعيد بن عبيد الطائي، عن بشير بن يسار
وزعم أن رجلا من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة، أخبره، «أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه بمائة من إبل الصدقة») وداه: يَعْنِي دفع الدية, مئة من إبل الصدقة («يعني دية الأنصاري الذي قتل بخيبر») قتل في خيبر ولمعة لما قتله وجاء أهله يطالبون به فَقَالَ النَّبِيِّ r: «تحلفون عَلَى شخص واحد خمسين يمينًا وتستحقون تقتلونه, قالوا: يا رسول الله ما رأينا ولا شهدنا كيف نحلف, قَالَ: تبرئكم اليهود بمئة من الإبل, قال: يحلف اليهود قالوا: يا رسول الله قومٌ كفار لا نقبل أيمانهم, فوداه النَّبِيِّ من عنده من إبل الصدقة بمائة من الإبل» دفعها من عنده من بيت المال دفع ديته عليه الصلاة والسلام روى هذا الحديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه بمائة من إبل الصدقة يعني دية الأنصاري.
استنباط المؤلف الترجمة من الحديث غير وجيه: وهو أَنَّه يُعطى مائة من الإبل, يَعْنِي: المؤلف استنبط من هذا الحديث أَنَّه يُعطى مائة من إبل الصدقة, والصواب: أَنَّه يُعطى حاجته من غير تحديد, وَإِنَّمَا أعطاه النَّبِيِّ مائة من الإبل من إبل الصدقة عَلَى معنى الحمالة في إصلاح ذات البين قطعًا للنزاع بين الأنصار واليهود في دم القتيل الذي وجد بينهم فَإِنَّهُ لا مصرف لمال الزكاة في الديات, النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل قطعا للنزاع الخصومة التي حصلت بينه وبين اليهود فدفع النَّبِيِّ r دية القتيل مائة من الإبل من بيت المال, إذا أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل على معنى الحمالة في إصلاح ذات البين مثل الشخص الذي يتحمل ديون في ذمته ليصلح بين الناس فيعطى من الزَّكَاة, كذلك هنا النَّبِيِّ r تحمل ديته دية القتيل قطعًا للنزاع.
والمؤلف استنبط منها قَالَ: (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزَّكَاة) يَعْنِي: هل يعطى الواحد من الزَّكَاة مائة من الإبل؟ ما يعطى الواحد مائة من الإبل, لَكِنْ الحديث الذي استدل بِهِ المؤلف هذا إِنَّمَا هو من باب الإصلاح قطعًا للنزاع, الزكاة هل يدفع من مال الزكاة ديات هَذِه ديات دفعها النَّبِيِّ r قطعًا للنزاع, وليس من الزَّكَاة, الزَّكَاة ما فيها دفع ديات.
المؤلف رحمه الله قَالَ: (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزَّكَاة) هذا استنباط غير وجيه؛ لِأَنّ ظاهره أَنَّه يُعطى مئة من الإبل من الزَّكَاة وهذا ليس بوجيه؛ لِأَنّ الحديث هذا ليس في دفع مئة من الإبل من الزَّكَاة وَإِنَّمَا هذا من باب الحمالة, إِنَّمَا دفع النَّبِيِّ r مئة من الإبل قطعًا للنزاع بينهم وبين اليهود؛ لِأَنّ الحكم الشرعي أَنَّه: إما أن يحلفوا إذا وجد قتل في مكان وبينه وبينهم عداوة يحلفون عَلَى شخص واحد خمسون يمينًا ويستحقونه, فإذا امتنعوا رُدت الأيمان عَلَى الخصم فيحلفون خمسين يمين ويبرئون, فالنبي r قَالَ: «إما أن تحلفوا وإما نرد الأيمان عَلَى اليهود, قالوا: كيف نحلف وما رأينا؟ قَالَ: إذًا تبرأكم اليهود بخمسين يمين, قالوا: يا رسول الله قومٌ كفار كيف نقبل أيمانهم» فالنبي r دفع الدية من عند نفسه قطعًا للنزاع من بيت المال, وقطعًا للنزاع: جعل هذا من باب الحمالة وليس هذا من باب إعطاء الرجل الواحد من الزَّكَاة, فهذا استنباط غريب من المؤلف رحمه الله.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب ما تجوز فيه المسألة.
1639- حدثنا حفص بن عمر النمري، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن عقبة الفزاري، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدًا».
(الشرح)
نعم، هذا الباب عقده المؤلف قال: (باب ما تجوز فيه المسألة) السؤال, مسألة المال متى يجوز للإنسان أن يسأل ويشحذ؟ ذكر فيهِ هذا الحديث والحديث الذي بعده حديث قبيصة أَنَّه يجوز أن يسأل في ثلاث مسائل إذا تحمل حمالة يسأل حتى يسدد الحمالة اللي عليه, وإذا أصابته جائحة اجتاحت ماله يسأل حتى يحصل عَلَى ما يسدد حاجته, والثالث من أصابه فقر شديد حتى يشهد له ثلاثة من أهل العقود من قبيلته أَنَّه فقير, وما عدا ذلك يكون سحت هذا في حديث قبيصة.
وهذا الحديث وهو حديث سمرة قَالَ النَّبِيِّ r: («المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه») المسائل حين يسأل الناس ويشحذ, وفي رواية: خدوش, («فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك») من شاء يترك الخدوش في وجهه يسأل, ومن شاء يمسحها فلا يسأل, ثم استثنى النَّبِيِّ فَقَالَ: («إلا أن يسأل الرجل سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدًا») في هذين الأمرين لا بأس, يسأل السلطان يعني من بيت المال, وسؤال السلطان وهو الحاكم والملك من بيت المال لا بأس بِهِ؛ لِأَنّ بيت المال مشترك بين المسلمين.
والثاني: («في أمرٍ لا يجد منه بدًا») يَعْنِي: السؤال عند الضرورة والحاجة, فهذا الحديث دليل عَلَى أن سؤال السلطان والسؤال عند الحاجة والضرورة مستثنى من عموم أدلة تحريم السؤال كما في الحمالة, والجائحة, والفاقة كما في حديث قبيصة, هذا مستثنى يسأل عند الحاجة ويسأل السلطان ويسأل أيضا ما أصابته جائحة أو تحمل حمالة أو أصابته فاقة، فسؤال السلطان والسؤال عند الحاجة والضرورة مستثنى من عموم أدلة تحريم السؤال, ومع ذلك فترك سؤال السلطان والتعفف أولى, ويجوز سؤال السلطان لِأَنَّهُ من بيت المال وأن السلطان وكيل عَلَى بيت المال فهو يسأل شَيْئًا من حقه, يقول: («المسائل يعني جمع مسألة وهو سؤال أموال الناس كدوح») جمع مسألة باختلاف أنواعها, والمراد: سؤال أموال الناس, معنى كدوح: مثل صبور للمبالغة من الكدح بمعنى الجرح , أو هي أثار الخموش, يَعْنِي: مسائل الناس أموالهم جارح, بمعنى: يؤذيهم أو جارح وجهه, وبضم الكاف كدوح, جمع كدح وهو أثر مستنكر من خدش أو عض.
(«يكدح بها الرجل وجهه») يَعْنِي: يجرح ويشين بها وجهه, السؤال جرح تجرح بِهِ وجهك, فَإِن شئت تزيد وإن شئت خفف, في الحديث الآخر يقول النَّبِيِّ r: «لا يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم») يكدح بها وجهه يعني يسعى في ذهاب عرضه في السؤال ويريق بها ماء وجهه تلك الجراح والكدح, والكدح قد يطلق عَلَى غير الجرح, ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق/6].
(«فمن شاء أبقى ومن شاء ترك») من شاء الإبقاء أبقى عَلَى وجهه, أي ماء وجهه من الحياء بترك السؤال والتعفف, ومن شاء عدم الإبقاء: ترك ذلك الإبقاء.
(«إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان») أي حكم وملك, بيده بيت المال,. وفيه دليل عَلَى جواز سؤال السلطان من الزَّكَاة الخمس أو بيت المال أو نحو ذلك فيخص بِهِ عموم أدلة تحريم السؤال, وأدلة تحريم السؤال يستثنى منها سؤال السلطان والسؤال عند الضرورة, ولهذا قَالَ: («أو في أمر لا يجد منه بدًا») أي علاجًا آخر غير السؤال, ولا يجد من السؤال فراقًا وخلاصًا.
فيهِ دليل عَلَى جواز السؤال عند الضرورة والحاجة الَّتِي لابد منها من السؤال كما في الحمالة والجائحة والفاقة, بل يَجِبُ حال الاضطرار في العري والجوع, يَعْنِي: إذا اضطر, يَعْنِي: كَأن خاف من الموت فيسأل العطية ولا يستسلم للموت, هذا في حاله يَجِبُ في هَذِه الحالة, وَكَذَلِكَ في حال العري إذا كَانَ عنده عري بحيث مكشوف العورة ووجد أحدا يسأله فيعطيه ما يستر بِهِ عورته, قَالَ بَعْضُهُم: إن سؤال السلطان لا ملامة فيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسأل مما هو حقٌ له في بيت المال ولا منة للسلطان عَلَى السائل؛ لِأَنَّهُ وكيل, فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه, وظاهره: أَنَّه وإن سأل السلطان تكثرًا فَإِنَّهُ لا بأس فيهِ ولا إثم؛ لِأَنَّهُ جعله قيمًا للأمر.
عَلَى كل حال الحديث فيهِ دليل عَلَى جواز سؤال السلطان لَكِنْ تركه أولى التعفف أولى, لكنه مستثنى, مستثنى من الأحاديث الَّتِي فيها النهي عن السؤال سؤال السلطان, أو السؤال للضرورة, كما في حديث قبيصة الذي بعده, سؤال إذا تحمل الإنسان حمالة أو أصابته جائحة أو أصابه الفقر الشديد, في هَذِه الأحوال يستثنى السؤال, والله أعلم.
نقف على هذا وفقنا الله وإياكم إلى طاعته.
ياشيخ: (.....)
وفق الله الجميع سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت.