بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه في كتاب الزَّكَاة.
باب ما تجوز فيه المسألة
نعم: باب ما تجوز فيه المسألة.
1640- حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن هارون بن رباب، قال: حدثني كنانة بن نعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها»، ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيبها، ثم يُمسك، ورجل أصابته جائحة، فاجتاحت ماله، فحلت له المسألة، فسأل حتى يُصيب قِوامًا من عيش» أو قال: «سِدادًا من عيش» أو قال سدادًا بكسر السين, «ورجل أصابته فاقة، حتى يقول: ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلانًا الفاقة، فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قِوامًا من عيش أو سِدادًا من عيش ثم يمسك، وما سواهن من المسألة، يا قبيصة، سحتٌ يأكلها صاحبها سحتًا».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، هذا الحديث حديث قبيصة تَحْتَ هذا الباب: (باب ما تجوز فيه المسألة) ذكر في هذا الحديث حديث قبيصة بن مخارق أَنَّه تحمل حمالة: يَعْنِي دينٌ في ذمته مثلًا للإصلاح بين الناس, قَالَ: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) ليطلب منه أن يُعينه فيما تحمل, فقال: («أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها») هذا فيهِ دليل عَلَى أن من تحمل حمالة يُعطى من الزَّكَاة, المراد بالصدقة الزَّكَاة, من تحمل حمالة للإصلاح بين الناس, بين شخصين بينهما عداوة أو بين قبيلتين, تحمل في ذمته مال, مثلًا يقول لأحد الخصمين: أعطيك كذا أو قَالَ: أتحمل عنك, حتى يزول الشحناء اللي بينهم, فقال لإحدى القبيلتين أتحمل في ذمتي دين لهذه القبيلة فهذا يعطى من الزَّكَاة تشجيعًا له عَلَى عمله ولو كَانَ غنيًا يُعطى ما تحمله, وهذا من القسم الذين يأخذون الزَّكَاة وهم أغنياء, وهذا داخلٌ في قوله تعالى: {والغارمين} في آية الصدقة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ}[التوبة/60].
الغارم: من غرم, الذي عليه دين, والغارم نوعان:
النوع الأول: غارم لإصلاح نفسه لإصلاح حاله, فيتحمل ديون للنفقة عَلَى أهله وأولاده, أو يتحمل ديون لشراء ملابس لابد منها لأهله وأولاده, أو يتحمل ديون يتحمل دين لتسديد إيجار البيت, هذا غارم لنفسه يعطى من الزَّكَاة.
والنوع الثاني: غارمٌ لغيره, وهو الذي يصلح بين الناس ويتحمل في ذمته ديون حتى يصلح بينهم وتزول الشحناء التي بينهم, هذا غارم لغيره يعطى أيضًا من الزَّكَاة مقدار ما يتحمل, يتحمل عشرة آلاف فيُعطى عشرة آلاف, يتحمل مئة ألف فيُعطى مئة ألف وهكذا حتى يسدد دينه ولو كَانَ غنيًا, ما يقال يعطيها من ماله تشجيعًا له عَلَى هذا العمل الله تعالى أمر بالإصلاح بين الناس: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء/114].
ولهذا قَالَ النَّبِيِّ r لقبيصة: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة» يَعْنِي: الزَّكَاة, «فنأمر لك بها» وهذا الحديث حديث قبيصة حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي، فهو حديث صحيح.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: («يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة») السؤال يَعْنِي: سؤال الناس المال لا يحل إِلَّا لأحد ثلاثة:
الأول: «رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، حتى يصيبها، ثم يُمسك») هذا يتحمل حمالة في ذمته للإصلاح بين الناس فيسأل حتى يسدد ما عليه من الدين الذي تحمله ثم يُمسك, يقف, بعض الناس إذا يكون له مثلًا محتاج في الأول ثم يسأل ثم يحصل حاجته ويستمر في السؤال, لا الواجب الإمساك يمسك ثم يمسك، تجد بعض الناس معه صك إعسار وهو من المعسرين حصل ما عنده وبدأ يجمع أموال زيادة هذا حرام هذا هذا سحت, ولهذا قَالَ: « إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيبها، ثم يُمسك».
(«ورجل أصابته جائحة، فاجتاحت ماله») الجائحة يَعْنِي: الآفة المهلكة, اجتاحت ثماره وأمواله, استأصلت أمواله وأهلكت ماله من ثمار بستانه أو غيره من الأموال, («فحلت له المسألة، حتى يُصيب قِوامًا من عيش» أو قال: «سِدادًا من عيش») يعني مثلًا: جاءت آفة أو حريق أو جراد أكل زروعه أو غرق في الماء أو غيرها, فهذا له السؤال حتى يصيب قِوامًا من عيش أو قَالَ سِدادًا من عيش, القِوام: بكسر القاف ما تقوم بِهِ حاجته الضرورية من القوت يعني حتى يحصل ما تقوم بِهِ حاجته الضرورية ثم يُمسك, هذا اجتاحت ماله ما عنده شيء، آفة اجتاحت ماله فهو يسأل حتى يصيب ما يُقيم أوده وأسرته, حتى يصيب قوامًا من عيش وهو ما تقوم به حاجته أو قال: «سِدادًا من عيش» سِدادًا بكسر السين: ما يُسد بِهِ الشيء كالمكحلة والفرجة, وما يُسد بِهِ الخلة والفقر والحاجة, أما السدد بفتح السين فهو الصواب, السداد أسأل الله أن يكتب لنا التوفيق والسداد, والسداد هو الصواب, وأما السِداد بالكسر ما يُسد بِهِ الحال الشيء, يُسد به الخلة, أو المكحلة, أو الفرجة, أو الفقر والحاجة يقال: سداد حتى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش.
والرجل الثالث: («ورجل أصابته فاقة») يَعْنِي: حاجة شديدة وفقر, أصابته فاقة يعني فقر وحاجة شديدة («حتى يقول: ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلانًا الفاقة») يَعْنِي: حتى يشهد له ثلاثة, ثلاث شهود ذوي الحجى يَعْنِي: العقل الكامل, يعني جماعة من قومه ثلاثة عقلاء يشهد ثلاثة من ذوي الحجي أنه قد أصابت فلانًا حاجة، لابد أن يكونوا من قومه لأنهم أخبر بحاله, المراد المبالغة في ثبوت الفاقة, لما أصابه («فحلت له المسألة، فهو يسأل حتى يصيب قِوامًا من عيش أو سِدادًا من عيش ثم يمسك») لا يستمر, وهذا السؤال ما هو من الزَّكَاة, ممنوع أن يسأل من الزكاة أما سؤال صدقة التطوع, فالذي لا يقدر عَلَى الكسب لكونه مريض أو ذا علة يجوز له السؤال بقدر قوت يومه ولا يدخر, وَكَذَلِكَ من كَانَ قادرًا فترك للاشتغال بالعلم يجوز له أخذ الزَّكَاة وصدقة التطوع, أما إذا ترك لاشتغاله بصلاة التطوع والصيام فلا يجوز له، فلا يجوز له الأخذ من الزَّكَاة ويمكن له الأخذ من صدقة التطوع.
قَالَ النَّبِيِّ r: («وما سواهن ») يَعْنِي هَذِه الثلاثة: الحمالة, والذي أصابته جائحة, والذي أصابه فقر شديد, («ما سواهن من المسألة، يا قبيصة سحتٌ يأكلها صاحبها سحتًا») هذا الحديث حديث قبيصة حديث عظيم اشتمل عَلَى جمل عظيمة ومنها حديث بلوغ المرام ينبغي حفظه قد اشتمل عَلَى بيان هؤلاء الثلاثة الذين يحل لهم السؤال, وأن ما سواها من المسألة فهو سحت يأكلها صاحبها سحتًا, والسحت الحرام الذي لا يحل كسبه, وفي هذا الحديث تحريم السؤال إِلَّا للثلاثة المذكورين في الحديث, وكذلك أو يكون المسئول السلطان كما في الحديث السابق, في الحديث السابق الذي سبق قبل هذا الحديث هو الحديث الذي أخذناه قَالَ: «المسائل كدوحٌ يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى عَلَى وجهه ومن شاء ترك, إِلَّا أن يسأل الرجل إِلَى سلطان أو في أمرٍ لا يجد منه بدًا».
يعني سؤال السلطان: هو الحاكم, المالك لبيت المال, فلا بأس بهذا لِأَنّ بيت المال مشترك بين المسلمين, («أو ما لا بد منه في أمرٍ لا يجد منه بدًا») يَعْنِي: في السؤال عند الضرورة والحاجة كما في الثلاثة الذين ذكروا في حديث قبيصة فيؤخذ بمجموع الحديثين حديث سمرة وحديث قبيصة أن السؤال يكون: إما سؤال السلطان, أو سؤال في أمرٍ لابد منه: كمن تحمل حماله, أو من أصابته جائحة, أو من أصابه فقر شديد, «وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتًا» سحتًا: تمييز, تُعرب تمييز أو حال أو بدل من الضمير يأكلها, يأكلها سحتًا.
قوله: («إِلَّا أن يشهد ثلاثة») فيهِ أن الشهود لابد أن يكونوا ثلاثة يشهدون؛ لِأَنَّهُم أخبر بحاله, وقال: («من ذوي العقول») لا من غلب عليه الغباوة والغفلة ما يُقبل, المغفل ما يُقبل, لابد يكون من ذوي الحجى.
وأخذ من هذا الحديث بعض العلماء كالشافعية أَنَّه لا يُقبل في الإعسار أقل من ثلاثة, فالمعسر إذا ادعى أَنَّه معسر لا يُقبل أقل من ثلاثة, نقول: هات ثلاثة شهود عَلَى أنك معسر, وذهب بعض العلماء آخرون من أهل العلم إِلَى أَنَّه يكتفي بالاثنين قياسًا عَلَى سائر الشهادات وقالوا: هذا الحديث محمول عَلَى الندب والاستحباب والأفضل أن يكون ثلاثة وإلا فيجوز اثنان جمعًا بين الأحاديث, وهذا لابد أن يأتي ثلاثة يشهدون أَنَّه فقير هذا لمن كَانَ معروفًا بالغنى ثم افتقر؛ شخص معروف بالغنى ثم أصابه فقر وحاجة لابد من ثلاثة لِأَنّ الأصل أَنَّه غني, فإذا شهد ثلاثة أنه أصابه فقر شديد قبل، أما من لم يكن معروفًا بالغنى وادعى أَنَّه فقير فيُعطى ولا يشهد له ثلاثة, كذلك يُعطى من الزَّكَاة إذا كَانَ حاله الفقر, وكذلك أيضًا إذا شك فيهِ يقول له: هَذِه الزَّكَاة إن كنت أهلًا لها أعطيتك, ولا يطلب ثلاثة وذلك جمعًا بين الأحاديث.
النَّبِيِّ r جاءه رجلان جليدان نشيطين يسألانه الزَّكَاة فصعد النظر فيهما فرآهما جلدين فَقَالَ: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» ولم يطلب منهم ثلاثة، فهذا الذي يحتاج ثلاثة شخص معروف بالغنى ثم فجأة افتقر وادعى أَنَّه فقير هذا لابد من ثلاثة يشهدون أنها تغيرت حاله.
ذهب بعض العلماء أخذًا من هذا الحديث إِلَى تحريم السؤال وأنها تسقط بِهِ العدالة, إذا سأل من غير حاجة تسقط عدالته, وقوله: («وما عدا ذلك يكون سحتٌ يأكله صاحبه ») دليل عَلَى تحريم السؤال, وأن السؤال حرام بغير حاجة, وأنه لا يجوز السؤال إِلَّا لهؤلاء الثلاثة, وَكَذَلِكَ من لم يكن عنده شيء، ليس عنده قوت يومه يسأل قوت يومه فقط وفي اليوم الثاني يسأل وهكذا.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1641- حدثنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأخضر بن عجلان، عن أبي بكر الحنفي، عن أنس بن مالك، أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما»، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: «من يشتري هذين؟» قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثًا»، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: «اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به»، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا»، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير لك أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع».
(الشرح)
نعم: هذا الحديث حديث أنس بْنُ مالك أخرجه الترمذي والنسائي, وأخرجه اِبْن ماجة, والحديث في سنده الأخضر بْنُ عجلان, قَالَ فيهِ في التقريب: صدوق, وفي متنه غرابة من جهة أن النَّبِيِّ r باع الحلس والقدح وتركهم بلا شيء ولكنه شاهد الحديث شاهد يشهد له الحديث السابق, والحلس كساء غليظ يلي ظهر البعير, والقعب: قدح يُشرب فيهِ الماء, قوله: أن النَّبِيِّ r جعل عودًا بيده, يَعْنِي: بمعنى أن النَّبِيِّ أحكم في القدوم مقبضًا من العود والخشب يُمسكه بِهِ؛ لِأَنّ القدوم بغير مقبض لا يستطيع الرجل قطع الحطب بِهِ, قوله: احتطب يَعْنِي: اطلب الحطب واجمعه.
(«ولا أرينك خمسة عشر يومًا») يَعْنِي: لا تكن ها هنا هَذِه المدة حتى لا أراك, والمراد: نهي الرجل عن ترك الاكتساب في هَذِه المدة، لأنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الرؤية.
وقوله: («هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة») يعني النكتة كالنقطة, علامة أو أثرًا من العيب؛ لِأَنّ السؤال ذل, ثم قَالَ: («إن المسألة لا تحل ولا تجوز إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع») أي شديد, الفقر المدقع هو الشديد وهذا كما سبق في حديث قبيصة لابد من ثلاثة يشهدون له (....) ، («أو لذي غرم مفظع») يَعْنِي: فظيع وثقيل, يَعْنِي: الغريم الذي غرم، غرم إما لنفسه أو لغيره وهذا أحد الثلاثة في حديث قبيصة, والثالث: («أو لذي دم موجع») مؤلم, والمراد دم يوجع القاتل أو أولياءه بأن تلزمهم الدية وليس لهم ما يؤدى بِهِ الدية, يَعْنِي: لزمهم دم موجع وتلزمهم الدية وليس لهم ما يؤدون, ويطلب أولياء القتيل منهم وتحصل الفتنة والمخاصمة بينهم, وقيل: هو يتحمل الدية فيسعى فيها ويسأل حتى يؤديها إِلَى أولياء المقتول لتنقطع الخصومة, وليس له ولأوليائه مال.
فهذا الحديث فيهِ الثلاثة الذين ذُكروا في الحديث السابق, فيهِ: الفقر المدقع, أو ذي غُرم, وهناك الثالث الذي أصابته جائحة, وهنا: الذي أصابه دم موجع, هذا الحديث وإن كَانَ في سنده ضعف إِلَّا أَنَّه له شواهد, وشاهده حديث قبيصة وغيره فيرتقي إِلَى درجة الحسن.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب كراهية المسألة.
1642- حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة يعني ابن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني، قال: حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، أو ثمانية، أو تسعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا: قد بايعناك، حتى قالها ثلاثًا، فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله، إنا قد بايعناك، فعلام نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا»، وأسر كلمة خفية، قال: «ولا تسألون الناس شيئًا»، قال: فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحدًا أن يناوله إياه.
قال أبو داود: «حديث هشام لم يروه إلا سعيد».
(الشرح)
هذا سعيد بْنُ عبد العزيز.
هذا الحديث أخرجه مسلم, والنسائي, وابن ماجة, وفيه: أن النَّبِيِّ r بايع الصحابة بيعة خاصة غير البيعة السابقة، بايعه بعض الصحابة بايعه على («أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن يصلوا الصلوات الخمس، ويسمعوا ويطيعوا») لولاة الأمور, يعني فالمراد: السمع والطاعة في المعروف كما دلت عَلَى ذلك النصوص, فهذه بيعة خاصة, الصحابة بايعوا النَّبِيِّ r الصحابة عموما عَلَى التوحيد, وعلى أداء الصلاة, وعلى السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عَلَيْهِمْ, وهذه بيعة خاصة لجماعة من الصحابة.
وفي أمر رابع بايعهم عليه, قَالَ: (وأسر كلمة خفية، فقال: «ولا تسألوا الناس شيئًا») وهذا هو الشاهد في المسألة, قال: ولا تسألوا الناس شيئًا ففي الحديث كراهية السؤال فصار بايعهم عَلَى أي شيء؟ عَلَى التوحيد بالله وعدم الإشراك بِهِ شَيْئًا, عَلَى أداء الصلوات الخمس, عَلَى السمع والطاعة في المعروف, وعلى ألا يسألوا الناس شَيْئًا, وهذا هو الشاهد للترجمة: (باب كراهية المسألة).
قوله: «ولا تسألوا الناس شيئًا» نكرة فهي عموم عامة تشمل المال وغير المال, ولا تسألوا الناس شيئًا سواء كان مال أو غير مال ويُستثنى من هذا العلم, إذا احتاج هذا ما يكره، إذا احتاج إنسان العالم في أمر دينه هذا شيء لابد منه إِلَّا إذا كَانَ سؤال تعنت أو سؤال شيء لم يقع في الأساس سؤال حاجة محتاج, قال: «ولا تسألوا الناس شيئًا» نكرة في سياق النهي ستعم.
قَالَ الراوي: (فلقد كان بعض أولئك النفر الذين بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم التزموا بهذه البيعة فكان الواحد يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا أن يناوله إياه) يكون عَلَى الدابة أو البعير أو الفرس يسقط عصاه وبجواره شخص فما يقول لشخص: ناولني العصا, ينزل ويأخذ العصا ثم يركب مرة أخرى, يعتبر أن هذا من سؤال الناس, هو ما يريد يحتاج لأحد, لو ما في مشقة، ولو ما في مشقة فالأولى ألا يسأل ينزل بنفسه ويقضي حاجته, وبعض الناس الآن مولع بكثرة الأسئلة بحاجة وبدون حاجة, حتى بعض الشيوخ الكبار تجده ما هو بحاجة صار بجواره ناس يحب كثرة الأسئلة يقول: ناولني يا فلان العصا, فلان أعطني الحذاء, أعطني ماء, وهكذا تجد أربعة أو خمسة أسئلة وهو ممكن يستغني عنها, فالنبي r بايع قَالَ: «على ألا تسألوا الناس شيئًا» مطلقًا نكرة عامة, مال أو غير مال, ولهذا الصحابة فهموا هذا, فكان الواحد يسقط سوطه وهو عَلَى الدابة فلا يطلب أحدًا أن يناوله له, ينزل من الدابة ثم يأخذ السوط ويركب مرة أخرى, ولهذا قَالَ شيخ الإسلام رحمه الله: أنه يُكره للإنسان السؤال حتى بَعْضُهُم يقول: ادعو الله لي, شيخ الإسلام يقول: هذا مكروه أيضًا، ادع الله لي هذا من الحاجة, ادعو أنت لنفسك, بعض الناس يقول: ادع الله لي ادع الله لذريتي ما في أصلح من نفسك لنفسك يقول شيخ الإسلام: إِلَّا في حالة واحدة وهو أنه إذا نوى أَنَّه ينتفع هو ويدعو له الملك, في هَذِه الحالة يصير هذا منتفع وهذا منتفع.
نعم:
أحسن الله إليكم
الطالب: (.....)؟.
الشيخ: قَالَ بَعْضُهُم يستثنى من هذا أيضًا الوالد مع أبناءه, والشيخ مع تلاميذه؛ لِأَنَّهُ يسرهم هذا في الأشياء المعروفة بين الناس، وكذلك نعم الزوج لزوجته.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1643- حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان قال: وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شَيْئًا».
(الشرح)
نعم هذا حديث ثوبان، ثوبان مولى النَّبِيِّ r ولا بأس بسنده, وفيه فضل ترك سؤال الناس وأنه من أسباب دخول الجنة, في هذا الحديث فضل ترك سؤال الناس وأنه من أسباب دخول الجنة، ولهذا قَالَ النَّبِيِّ r: («من تكفل لي») يَعْنِي: من يضمن, من يلتزم, («أن لا يسأل الناس شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟») اللي يلتزم في أَنَّه لا يسأل الناس شَيْئًا أضمن له الجنة, (.....) («فقال ثوبان: أنا، يا رسول الله ألتزم فكان ثوبان لا يسأل الناس شَيْئًا») رضي الله عنه، مَن؛ استفهامية, مَن تكفل؟ يَعْنِي ضمن والتزم, ويتقبل مني, («أن لا يسأل الناس شَيْئًا») شيئًا أي شَيْئًا من السؤال أو من الأشياء, كلمت شَيْئًا نكرة عامة ليست خاصة بالمال, («فأتكفلَ») يصلح بالنصب ويصلح بالرفع: أتكفلُ, وأتكفلَ, أي أضمن له الجنة, يَعْنِي: أضمن له الجنة أولًا من غير سابقة عقوبة, وفيه إشارة إِلَى بشارة وهي حُسن الخاتمة, يَعْنِي: أضمن له الجنة أولًا من غير سابقة عقوبة وإلا فكل مؤمن من أهل الجنة, لَكِنْ قد يكون الْمُؤْمِن عنده تقصير في بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات فيُعذب ويتأخر دخوله للجنة, هذا فيهِ أن النَّبِيِّ r يضمن له الجنة من غير سابقة عقوبة, وفي إشارة إِلَى حُسن الخاتمة.
(«فَقَالَ ثوبان: أنا أتضمن أو أتضمن فكان ثوبان بعد ذلك لا يسأل الناس شَيْئًا») ولو كانت فيهِ خصاصة, ولو كان فيه خصاصة فكان لا يسأل الناس شيئًا قَالَ بَعْضُهُم: اُستثني من هذا إذا خاف عَلَى نفسه الموت, إذا خاف على نفسه الموت فَإِن الضرورات تُبيح المحظورات, يسأل بل قَالَ بَعْضُ العلماء: أَنَّه لو لم يسأل حتى يموت مات عاصيًا؛ عاصيًا لِأَنَّهُ تسبب في قتل نفسه, إذا جاءته الضرورة فلا بأس بالسؤال.
يستثنى هذا من الأدلة الأخرى فالضرورات تبيح المحظورات. نعم:
أحسن الله إليكم
باب في الاستعفاء
بارك الله فيك.