بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب الصدقة على بني هاشم.
1650- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: «مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد؛
قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب الصدقة عَلَى بني هاشم) والصدقة تشمل صدقة الفريضة وهي الزَّكَاة, وصدقة النافلة, ومقصود المؤلف حكم كلًا من الأمرين, فهل تجوز الصدقة عَلَى بني هاشم وهم آل النَّبِيِّ r, النَّبِيِّ r من بني هاشم فهل يعطون من الزَّكَاة من صدقة التطوع أو لا يعطون؟ ذكر حديث أبي رافع, أبو رافع مولى للنبي r: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة على الزكاة بعثه لجباية الزكاة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها) يَعْنِي: أمره أن يذهب معه, يعني اصحبني: ائتي معي للنبي r فإنك تصيب منها يَعْنِي: يحصل لك شيءٌ من الصدقة.
قَالَ أبو رافع: (لا, حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: «مولى القوم من أنفسهم») مولى القوم: يَعْنِي عتقائهم, وأبو رافع مولى, مولى القوم من أنفسهم يعني حكمه حكمهم «وإنا لا تحل لنا الصدقة» أي فلا تحل لموالينا, يَعْنِي: أنت مولى لنا حكمك حكمنا، مولى القوم يعني عتيقهم منهم من أنفسهم يعني حكمه حكمهم حكم الموالي حكمهم حكم أسيادهم وإنا لا تحل لنا الصدقة إنا يعني بنو هاشم لا تحل لنا الصدقة يعني فلا تحل لموالينا وأنت فلا تحل لك.
والحديث أخرجه النسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح, وبنو هاشم هم آل علي, وآل العباس, وآل جعفر, وآل عقيل, وآل الحارث بْنُ عبد المطلب, وهاشم هو اِبْن عبد مناف بْنُ قصي بْنُ كلاب بْنُ مرة, فابن أبي رافع هذا هو عبيد الله كاتب علي, قاله العيني ووثقه أبو حاتم, وأبو رافع هو مولى النَّبِيِّ r, ومعنى: بعثه عَلَى الصدقة, يَعْنِي: أرسله ساعيًا ليجمع الزَّكَاة ويأتي بها إليه, فَلَمّا أتى أبا رافع في طريقه قَالَ له: اصحبني, يَعْنِي: ائتي معي إلى النبي r حتى تصيب من الصدقة بسبب ذهابك معي, أو يكون معه يساعده فيكون له نصيب من الزَّكَاة, والذي يظهر أَنَّه طلب منه المرافقة والمصاحبة والمعاونة عند السفر.
قَالَ أبو رافع: «حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله» يَعْنِي: لا أصحبك حتى أجيء للنبي r وأسأله هل يجوز لي أم لا, «فسأله، فقال له النبي: مولى القوم يعني: عتقاؤهم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة» يَعْنِي فلا تحل لموالينا وأنت من الموالي.
وهذا الحديث فيهِ دليل عَلَى من قَالَ بحرمة الصدقة عَلَى موالي من تحرم الصدقة عليه, فيه دليل لمن قال بحرمة الصدقة يعني الزكاة والزكاة على موالي من تحرم الصدقة عليهم، أما النَّبِيِّ r فلا خلاف بين المسلمين أن الصدقة لا تحل له, هذا كما نقل ذلك الخطابي وغيره, النبي صلى الله عليه وسلم بالإجماع لا خلاف بين المسلمين أنه لا تحل له الزكاة والصدقة، وأما بنو هاشم فكذلك عند جمهور العلماء, بنو هاشم لا تحل لهم الزَّكَاة, وذهب الشافعي أيضًا رحمه الله إِلَى أَنَّه لا تحل الزَّكَاة أيضًا لبني عبد المطلب؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r أعطاهم من سهم ذوي القربى وأشركهم فيهِ مع بني هاشم ولم يعطي أحدًا من قبائل قريش غيرهم, وهذه العطية التي أعطاهم من سهم ذوي القربى عوض وبدلًا عما حُرموه من الصدقة, فبنو هاشم وبنو المطلب كلاهما لا يُعطون من الزَّكَاة بخلاف غيرهم آل علي وآل عباس فَإِن بني عبد المطلب لم يفارقوا بني هاشم لا في جاهلية ولا في إسلام ودخلوا معهم في الشعب بخلاف غيرهم فلهذا حرمت الزَّكَاة عَلَى بني هاشم وبني المطلب دون غيرهم من آل علي, وآل عباس, وآل جعفر.
وأما الموالي موالي بني هاشم فإنهم لا يعطون من سهم ذوي القربى فلا يُحرمون من الصدقة وهكذا ذهب الشافعي وجماعة, ويقولون: إِنَّمَا نهى النَّبِيِّ r أبا رافع عن أخذ الزَّكَاة تنزيهًا له, وقال: «مولى القوم» عَلَى سبيل التشبه بالاستنان بهم, والاقتداء بسيرتهم باجتناب مال الصدقة الَّتِي هي أوساخ الناس.
قالوا: ولعل النَّبِيِّ r كَانَ يكفي أبا رافع المئونة, يَعْنِي أبا رافع مولى له فهو يكفيه يعطيه ما يكفيه, وكان أبو رافع يخدم النَّبِيِّ r فيقضي حوائجه فكأنه قَالَ له: إذا كنت تستغني بما أعطيتك فلا تطلب أوساخ الناس فإنك مولانا ومنا, هكذا وجه بعض الشافعية وجماعة, وقالوا: تحرم الزَّكَاة عَلَى النَّبِيِّ r وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب, هذا مذهب الشافعي وموافقيه أن آله r هم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم؛ لِأَنّ بنو المطلب لم يفارقوا بنو هاشم ولا في جاهلية ولا في إسلام, بخلاف غيرهم آل علي, وآل عباس, هم معهم في درجة واحدة في النسب لَكِنْ هؤلاء بنو المطلب مع بني هاشم لم يفارقوهم لا في جاهلية ولا في إسلام وأعطاهم النَّبِيِّ r من سهم ذوي القربى ودخلوا معهم في الشعب لما حاصرتهم قريش, فلهذا حرمت عَلَيْهِمْ الصدقة.
قَالَ النووي: وبه قَالَ بعض المالكية قال بهذا القول, قَالَ أبو حنيفة ومالك: هم بنو هاشم خاصة دون بني عبد المطلب, وذهب بَعْضُ العلماء قَالَ: هم قريش كلها وهذا بعيد, وقال أصبغ المالكي: هم بنو قصي, والأقرب والصواب: القول الأول أنهم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لِأَنّ سهم ذوي القربى قُسم بينهم.
الطالب: الخمسة بطون من بنو هاشم هم اللي ما تحق لهم الزَّكَاة.
الشيخ: الصواب بنو هاشم وبنو المطلب,
الطالب: (.....)
الشيخ: نعم: وإن كَانُوا مساوين لهم في الدرجة لَكِنْ ما شاركوهم ولا دخلوا معهم في الشعب ولا أعطاهم النَّبِيِّ r من سهم ذوي القربى.
الطالب: آل عباس, وآل علي ما يدخلون في بني الحارث بْنُ عبد المطلب؟.
الشيخ: قد يدخلون.
الطالب: الذين يرون أن الموالي لا تعطى لهم الصدقة, الجمهور؟.
الشيخ: موالي بني هاشم لِأَنَّهُم تبعًا لهم أخذًا بالحديث «مولى القوم منهم» الحديث دليل عَلَى حرمة الصدقة عَلَى موالي من تحرم الصدقة عليه.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1651- حدثنا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، المعنى، قالا: حدثنا حماد، عن قتادة، عن أنس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة العائرة، فما يمنعه من أخذها، إلا مخافة أن تكون صدقة».
1652- حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة، فقال: «لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها».
قال أبو داود: رواه هشام، عن قتادة هكذا.
(الشرح)
نعم: قوله: «بالتمرة العائرة» أي الساقطة, لا يُعرف مالكها, من عار, يعير, هي الساقطة عَلَى وجه الأرض, يقال: عار الفرس يعير إذا أُطلق من مربطه مار عَلَى وجهه، قال الخطابي: العائرة هي الساقطة في الأرض ولا يدرى من صاحبها ومن هذا قيل قد عار الفرس إذا انفلت عن صاحبه وذهب على وجهه ولم يرتع.
والحديث فيهِ ورع النَّبِيِّ r وهذا الحديث أصلٌ في الورع؛ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة العائرة، فما يمنعه من أخذها، إلا مخافة أن تكون صدقة» وهي لا تحل له الصدقة, والحديث صحيح أخرجه مسلم, والرواية الأولى رواية حماد عن قتادة عن أنس, حماد حماد بن سلمة لم يجعل الحديث من قول النَّبِيِّ r وَإِنَّمَا جعله من فهم أنس, وأما رواية هاشم خالد وهشام, رواه هشام عن قتادة فجعلاه مرفوعًا من قول النَّبِيِّ r.
ورواية هشام هنا أخرجها مسلم من طريق معاذ بْنُ هشام عن أبيه, فرواية هشام وخالد أن النَّبِيِّ r وجد تمرة فَقَالَ: «لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها» فجعلاه مرفوعًا, وأما رواية حماد فجعلها من فهم أنس, قَالَ أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة العائرة، فما يمنعه من أخذها، إلا مخافة أن تكون صدقة» فهذا الحديث فيهِ ورع النَّبِيِّ r وهو الأصل في الورع.
وفيه دليل عَلَى أن التمر ونحوه من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة التمرة الواحدة من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها فله أخذها، فإن له أخذها وأكلها إن شاء وأنها ليست من جملة اللقطة الَّتِي حكمها التعريف.
قوله: «لأكلتها» يَعْنِي: تعظيمًا لنعمة الله عز وجل, والحديث دليل عَلَى حرمة الصدقة عَلَى النَّبِيِّ r, وعلى جواز أكل ما وُجد في الطريق من الطعام القليل الذي لا يطالبه مالكه, وعلى أن الأولى بالتقي أن يجتنب عما فيهِ تردد.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1653- حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن كريب، مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: «بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل، أعطاها إياه من الصدقة».
1654- حدثنا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا محمد هو ابن أبي عبيدة، عن أبيه، عن الأعمش، عن سالم، عن كريب، مولى ابن عباس، عن ابن عباس، نحوه زاد أبي: «يبدلها له».
(الشرح)
نعم: هذا الحديث أخرجه النسائي, وفيه: أن حبيب بْنُ أبي ثابت روى عن كريب عن اِبْن عباس قَالَ: «بعثني أبي» يَعْنِي: أبوه العباس, عبد الله بن عباس بعثه أبوه «إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة في إبل أعطاها إياه من الصدقة».
والرواية الثانية رواية الأعمش عن سالم عن كريب مثل ما سبق: أَنَّه بعثه في إبل الصدقة, وزاد أبو عبيدة عن الأعمش: «يبدلها له»، في رواية محمد بن فضيل عن الأعمش عن ابن أبي ثابت بعثني أبي إلى النبي في إبل الصدقة يعني أعطاها إياه من الصدقة، وزاد في رواية أبي عبيدة عن الأعمش يبدلها له يَعْنِي: أعطاه إبل من الصدقة فردها عليه ليبدلها له.
وقوله: في إبل أعطاه إياها يعني أعطاها للباس بن عبد المطلب «من الصدقة» يَعْنِي: من الزَّكَاة, وهذا فيهِ إشكال, عباس عم النَّبِيِّ r فكيف يعطيه إبل من الصدقة! أولًا الحديث فيهِ علتان:
الأولى: تدليس الأعمش قد عنعن.
والثانية: تدليس حبيب بْنُ أبي ثابت وقد عنعن وهو أشد من الأعمش, يَعْنِي في التقريب أَنَّه يدلس ويرسل كثيرًا, فهو من الطبقة الثالثة من المدلسين, والأعمش من الطبقة الثانية.
وعَلَى هذا فلا يصح الحديث ولا يُستدل بِهِ عَلَى إعطاء العباس من الصدقة؛ لِأَنَّهَا محرمة عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ من بني هاشم, ولو صح فيُحمل أن ذلك قبل تحريم الصدقة عَلَى بني هاشم, أو أن النَّبِيِّ r أعطاه قضاءً عن سلف كَانَ استلفه منه لأهل الصدقة, جاء أن النبي rاستلف منه صدقة عامين إما أن يحمل على أنه قبل تحريم الصدقة عَلَى بني هاشم, أو أن النَّبِيِّ r أعطاه قضاءً عن سلف كَانَ استلفه منه لأهل الصدقة, أو أَنَّه أعطاه من سهم ذوي القربى من الفيء فرواه من رواه عَلَى الاختصار من غير ذكر السبب.
والشراح تكلموا في هذا, قَالَ أبو سليمان الخطابي: لا أدري ما وجهه هذا الحديث, كيف يُعطى العباس من إبل الصدقة وهو عم النَّبِيِّ r ومن بني هاشم, يقول أبو سليمان الخطابي: لا أدري ما وجه هذا الحديث، والذي أشك فيهِ أن الصدقة محرمة عَلَى العباس, والمشهور أَنَّه أعطاه من سهم ذوي القربى من الفيء, يَعْنِي: لو صح الحديث فيُحمل عَلَى هذا. على أنه أعطاه من سهم ذوي القربي
قَالَ: ويشبه أن يكون ما أعطاه من إبل الصدقة إن ثبت الحديث قضاءً عن سلفٍ كَانَ استلمه منه لأهل الصدقة فقد روي أَنَّه شُكي إليه العباس رضي الله عنه في منع الصدقة فَقَالَ: «هي عليَ ومثلها» كأنه كَانَ قد تسلف منه صدقة عامين فردها أو رد صدقة أحد العامين عليه لما جاءته إبل الصدقة فروى من رواه عَلَى اختصار من غير ذكر السبب. هذا كلام الخطابي
وقال البيهقي: هذا الحديث لا يحتمل إِلَّا معنيين:
أحدهما: أن يكون قبل تحريم الصدقة عَلَى بني هاشم فصار منسوخًا.
الآخر: أن يكون استلف من العباس للمساكين إبلًا ثم ردها عليه من إبل الصدقة. وهذا إذا صح الحديث
قَالَ النووي: وأما صدقة التطوع فللشافعي فيها ثلاثة أقوال:
أصحها أنها تحرم عَلَى رسول الله r وتحل لآله.
والثاني: تحرم عليه وعليهم.
والثالث: تحل له ولهم.
صدقة التطوع غير الزَّكَاة, الزَّكَاة ما في خلاف أنها تحرم عليه وعليهم, لَكِنْ صدقة التطوع قَالَ بعض العلماء: إنها تحرم عَلَى النَّبِيِّ r خاصة وأما آله فلا بأس.
وقيل: تحرم عليه وعليهم.
وقيل: تحل له ولهم.
والقول الوسط أنها تحرم عليه وتحل لهم
وأما موالي بني هاشم وبني المطلب فهل تحرم عَلَيْهِمْ الزَّكَاة؟ مواليهم فيهِ وجهان يقول النووي لأصحابهم:
أصحها تحرم.
والثاني: تحل.
قَالَ: وبالتحريم قَالَ أبو حنيفة وسائر الكوفيين وبعض المالكية, وبالإباحة قَالَ مالك, وادعى ابن بطال ومالك أن الخلاف إِنَّمَا هو في موالي بني هاشم وأما موالي غيرهم فتباح لهم بالإجماع وليس كما قَالَ بل الأصح تحريمها عَلَى موالي بني هاشم وبني المطلب ولا فرق بينهما والله أعلم.
نعم:
(.....)
هذا لو صح الحديث فيحمل على أمرين إما أن هذا كان قبل المنع فهو منسوخ أو أن النبي استلف منه الصدقة فردها عليه السلف وهو كلام الخطابي في شرح الحديث نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب الفقير يُهدي للغني من الصدقة.
1655- حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم، قال: «ما هذا؟»، قالوا: شيء تصدق به على بريرة، فقال: «هو لها صدقة، ولنا هدية».
(الشرح)
نعم: والحديث صحيح رواه الشيخان: البخاري ومسلم والنسائي, وفيه: أن بريرة كانت مولاة لعائشة وعتقتها, وهي عندها في البيت فتُصدق عليها بلحم فطُبخ اللحم, فجاء النَّبِيِّ r وقُدم له طعام ليس بِهِ لحم, وقد مر عَلَى القدر فيهِ لحم, قَالَ: «ألم أرى في البرمة لحم» قالوا: بلى يا رسول الله لَكِنْ هذا لحم تُصدق بِهِ عَلَى بريرة وأنت ما تأكل الصدقة, فَقَالَ: «هو عليها صدقة ولنا منها هدية» تغيرت حاله.
فالحديث دليل عَلَى أن الفقير إذا أهدى للغني هدية أو دعاه إِلَى طعام فَإِنَّهُ يأكل من الطعام ويقبل الهدية, ولو كَانَ ذلك صدقة أو زكاة أُعطيها فَإِنَّهُ يكون هدية منه للغني وإن كَانَ عليه صدقة, فإذا أُعطي الفقير الزَّكَاة ثم دعاك إِلَى بيته للطعام لا بأس تأكل منه؛ أو أعطاك تأخذ منه لأنه تغيرت حاله, لما وصل إلى الفقير تغيرت حاله صار من الفقير هدية. فالحديث يدل على أن الفقير إذا أهدى إلى الغني هدية أو دعاه إلى طعام فإنه يأكل من الطعام ويقبل الهدية ولو كان ذلك صدقة أو زكاة أعطيها لأنه تغيرت حاله لأنه يكون هدية منه للغني وإن كان أصله صدقة على الفقير.
نعم: وهذا واضح والحديث صحيح، نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب من تصدق بصدقة ثم ورثها.
1656- حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال: «قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث».
(الشرح)
نعم: وهذا الحديث صحيح: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة, وفيه: أن هَذِه المرأة أتت النَّبِيِّ r وأخبرته أنها تصدقت عَلَى أمها بوليدة, والوليدة جارية مملوكة لها, وقالت إن أمها ماتت وتركت تلك الوليدة، فقال النبي: «قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث» ورثتها عن أمها, ردت إليها مرة أخرى هي خشيت أن تكون ممن رجع في أُعطيته في صدقته, كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه, ظنت أن هذا الذي تصدقت بها ثم رجعت لها مرة أخرى ظنت أن هذا يكون رجوعًا منها, فأخبرها النَّبِيِّ r أنها تغيرت حالها, أعطتها أمها صدقة ثم ورثتها, ردها عليها الميراث فقَالَ: «قد وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث».
فالحديث فيهِ دليل عَلَى أن الشخص إذا تصدق بصدقة عَلَى قريبه ثم ورثها منه حلت له وأنه ليس هذا من باب العود في الصدقة؛ لِأَنَّهُ ليس أمرًا اختياريًا, وقال بعض العلماء: يَجِبُ صرفها إِلَى فقير لِأَنَّهَا صارت حقًا لله تعالى, قال بعض العلماء: إذا ورثتها يجب أن تصرفها في إيش؟ أن تصرفها للفقراء لأنها صارت حقًا لله تعالى وهذا مصادم للنص، هذا مصادم للنص لا وجه له مصادم لهذا النص.
قوله: «بوليدة» الوليدة هي الجارية المملوكة وتطلق عَلَى الجارية حديثة السنة.
قال: «وإنها أي أمي ماتت وتركت تلك الوليدة» يَعْنِي: هل آخذها وتعود في ملكي؟ فقَالَ لها النبي r: «وجب أجرك» يَعْنِي: ثبت, «ورجعت إليك في الميراث» يَعْنِي: ردها الله عليكِ في الميراث وصارت الجارية ملكًا لكِ بالإرث وعادت إليكِ بالوجه الحلال, والمعنى: أن ليس هذا من باب العود في الصدقة؛ لِأَنَّهُ ليس أمرًا اختياريًا.
وأكثر العلماء على أن الشخص إذا تصدق بصدقة على قريبه ثم ورثها حلت له هذا هو قول الجمهور وهو الصواب وقيل يجب صرفها إلى الفقير لأنها صارت حقًا لله وهذا قول مصادم للنص.
وفي الحديث فائدة مهمة: وهي أن الورثة إذا كَانُوا أهل فرض وليس معهم عصبة وبقي شيء من الميراث فَإِن الباقي يُرد عَلَيْهِمْ ما عدا الزوجان فلا يُرد عليهما إِلَّا إن كَانَ بينه وبين الميت قرابة لقوله في الحديث: «ورجعت إليك في الميراث» فَإِن الظاهر أن أمها ماتت عنها فقط فورثت نصف الجارية فرضًا ونصفها ردًا, وهذا فيهِ دليل عَلَى القول بالرد؛ لِأَنَّهَا لو كَانَ معها عاصب لورث النصف الباقي لحديث: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجلٍ ذكر».
فهذا الحديث مع قول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}[الأنفال/75]؛ دليلان للرد عَلَى أهل الفروض الباقي بعد إرثهم إذا لم يوجد عاصب ما عدا الزوجان فلا يُرد عليهما إِلَّا إذا كَانَ من أولى الأرحام لتناول الآية لهم, إذا كَانَ الزوج مثلًا اِبْن عم، نعم إذا كان الزوج ابن عم فَإِنَّهُ يأخذ النصف بكونه زوج والنصف الثاني بكونه عاصب, فهذه الفائدة مهمة وهي الرد؛ لِأَنّ الظاهر أنها رجعت الوليدة كاملة ولو كَانَ معها أحد من الفروض أو كَانَ معها عاصب ما ورثت إِلَّا النصف.
قال: « وجب أجرك، ورجعت إليك في الميراث» فرضًا وردًا, نصفها فرضًا ونصفها ردًا, فهذا الدليل مع قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}[الأنفال/75]؛ دليلان للرد عَلَى أهل الفروض الباقي بعد إرثهم إذا لم يوجد عاصب يرد على أهل الفروض جميعًا ما عدا الزوجان فلا يُرد عليهما. الزوج والزوجة ما لهم نصيب في الرد إلا غذا كان بينهما قرابة من أولي الأرحام زوج ابن عم فإنه في هذه الحالة يأخذ الباقي.
نعم:
أحسن الله إليكم
باب في حقوق المال
بارك الله فيك.