بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب حق السائل.
1665- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل، حدثني يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت حسين، عن حسين بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للسائل حق وإن جاء على فرس».
1666- حدثنا محمد بن رافع، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن شيخ, قال: رأيت سفيان عنده, عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد؛ قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب حق السائل) هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله ليبين أن للسائل حقًا عامًا, والمراد بالسائل الذي يتعرض للناس ويسأل المال, ذكر المؤلف رحمه الله حديث حسين بْنُ علي من طريقان: ذكر المؤلف له طريقان
أحدهما: في يعلى بْنُ أبي يحي وهذا قَالَ فيهِ أبو حاتم مجهول. وفي سماع الحسين من رسول الله r أي شك.
يُحتمل أَنَّه مرسل صحابي لَكِنْ الطريق الثاني يقوي الطريق الأولى, والحديث ذكره بَعْضُهُم في الموضوعات, والصواب: أن الحديث يقتضي أن يكون حسنًا لغيره ويحتمل أن يبقى ضعيف؛ لِأَنّ فيهِ أبو حاتم مجهول, وفي سماع الحسين أيضًا من النَّبِيِّ r شك؛ لِأَنَّهُ صغير فيحتمل أن يكون حسنًا لغيره ويحتمل أن يكون ضعيفًا, وعليه: فالسائل وإن كَانَ عَلَى فرس عَلَى القول بتحسينه فالسائل وإن كَانَ عَلَى فرس لو جاء السائل على فرس أو عَلَى سيارة فقد يكون له حق؛ لِأَنَّهُ قد يكون محتاج للسيارة لقضاء حاجاته أو لأَنَّه قد استعارها من غيره قد تكون ليست له.
وفيه :الْأَمْرِ بحسن الظن بالمسلم الذي امتهن نفسه بذل السؤال فلا يقابل بسوء الظن بِهِ واحتقاره, بل يُكرمه بإظهار السرور له, ويقدر أن الفرس أو الدابة أو السيارة اللي تحته عارية أو أَنَّه ممن يجوز له أخذ الزَّكَاة مع الغنى كمن تحمل حمالة أو غرم غرمًا لإصلاح ذات البين, أو يكون من أصحاب السبيل ممن له سهم في سبيل الله فيُباح له أخذه مع الغنى.
وعلى كل حال فالسائل له ثلاث حالات سواء صح الحديث أو لم يصح:
الحالة الأولى: أن تعلم أَنَّه محتاج من معرفتك به فيُعطى.
الثانية: أن تعلم أَنَّه غني وأنه لا يستحق الصدقة فلا يُعطى وحينئذٍ يُنصح أو يؤدب أو يرفع إلى ولاة الأمور.
الحالة الثالثة: أن تجهل حاله فيُعطى لعموم قول الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ معلوم لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات/19].
الطالب: لو كَانَ غني؟
الشيخ: إذا عُلم أَنَّه غني هذا يزجر ويؤدب ويُعلم أَنَّه غير مستحق, لَكِنْ قد يحتمل أَنَّه سأل لا من أجل الغنى وَلَكِن من أجل أَنَّه غرم غرامة. نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1667- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها قالت له: يا رسول الله صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي، فما أجد له شيئًا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجدي له شيئًا تعطينه إياه إلا ظلفًا محرقًا، فادفعيه إليه في يده».
(الشرح)
نعم: والحديث أخرجه النسائي والترمذي, وقال: حديث حسن.
والظِلف: بالكسر هو للبقر والشاة يقال له: ظلف, محرقة: من الإحراق, والحديث فيهِ الحث عَلَى إعطاء السائل ولو شَيْئًا قليلًا, والمراد من الحديث: المبالغة، المبالغة في إعطاءه شَيْئًا وإلا فالظِلف المحرق غير منتفع بِهِ, وهذا كحديث: «من بنى لله مسجد ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة» هذا المراد منه المبالغة وإلا مفحص القطاة لا يتسع للمصلي, فالمراد المبالغة في رد السائل بأدنى ما تيسر فإن الظلف المحرق غير يُنتفع بِهِ، قد يكون منتفعًا بِهِ إذا كَانَ الوقت وقت شدة، وقت شدة ووقت مجاعة هذا قد يُنتفع بِهِ فيحرق الظِلف ويؤكل, وهذا وُجد في زمان المجاعات حتى في بلادنا في أيام المجاعات كَانُوا يحرقون الجلود والعظام ويأكلونها وقت الشدة وقت المجاعات, والمقصود من الحديث: الحث عَلَى إعطاء السائل ولو شَيْئًا قليلًا وهذا أولى من رده, فَإِن لم يجد شَيْئًا فيرده بكلمة طيبة كما في الحديث الآخر أن النَّبِيِّ r أمر بإعطاء السائل وقال: «فَإِن لم يجد فبكلمة طيبة» فالكلمة الطيبة تقوم مقام الصدقة.
وقال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» نصف التمرة، نصف التمرة تنفع الفقير إذا هذا أعطاه نصف تمرة وهذا نصف تمرة تقع موقعًا, والصحابة رضي الله عنهم لما خرجوا في بعض الغزوات كَانَ معهم جراب من تمر فكان القائد في الجيش أبو عبيدة يوزع عَلَيْهِمْ كل يوم تمرة تمرة, سُئلوا: ما تُغني عنكم هَذِه التمرة؟ قالوا: تنفع, لما فقدناه كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها الماء مثل الحلاوة فقالوا وجدنا فقدها تنفع فهذا يعطي الفقير ريال وهذا يعطيه ريال وهذا يعطيه تمرة فتنفع: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» المراد الحث عَلَى إعطاء السائل ولو شَيْئًا قليلًا وهذا أولى من رده, فَإِن كَانَ لم يجد شَيْئًا يرده بكلمة طيبة: مثل إن شاء الله تأتينا في وقت آخر الله يأتي بالخير نسأل الله أن يرزقك وهكذا, اسأل ربك ولو كَانَ معي شيء لأعطيتك, وما أشبه ذلك من الكلام الطيب.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب الصدقة على أهل الذمة.
1668- حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء، قالت: قدمت علي أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي، وهي راغمة مشركة، أفأصلها؟ قال: «نعم فصلي أمك».
(الشرح)
نعم: وهذا الحديث صحيح رواه الشيخان: البخاري ومسلم, وأسماء بنت أبي بكر قدمت عليها أمها وهي راغبة, يَعْنِي: طامعة في صلتها, طامعة في أن تعطيها شَيْئًا طامعة في صلتها في عهد قريش في الهدنة الَّتِي كانت بين النَّبِيِّ r وبين قريش وقد وضعت الحرب أوزارها عشر سنين فاختلط الكفار والمسلمين وصاروا يأتون للمدينة ويسمعون كلام النَّبِيِّ r ويسمعون الْقُرْآن, فقدمت أمها أم أسماء راغبة أن تصلها بنتها أو تعطيها شَيْئًا.
«وهي راغمة» يَعْنِي: رمتها الحاجة وألجأتها, فجاءت طامعة طالبة للصلة وهي راغمة أيضًا مشركة كارهة للإسلام ساخطة فهي راغبة في الصلة وهي راغمة كارهة للإسلام لأنها على دين قومها راغبة في أن تصلها ابنتها وهي راغمة يعني مشركة كارهة للإسلام ساخطة عليه, فاستفتت أسماء النَّبِيِّ r هل تصلها وهل تعطيها؟ قَالَ: «نعم فصلي أمك».
والحديث صحيح وقد أخرجه الشيخان وهو دليل عَلَى جواز الصدقة عَلَى الكافر في حال الهدنة والصلة من صدقة التطوع لا من الزَّكَاة ولا من الكفارة فَإِن الزَّكَاة لا تجزي إذا أعطاها الكافر أو الكفارة, وَلَكِن من صدقة التطوع.
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه كَانَ يصل أخًا له مشرك, ولما أهدى له النَّبِيِّ r حُلة حرير أهداها لأخ له مشرك بمكة, والله تعالى يقول في كتابه العظيم: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة/8].
الكفار الذين ما قاتلونا ولا أخرجونا من ديارنا لا ينهانا الله عن برهم لا بأس من صلتهم وقد يكون هذا فيهِ دعوة للإسلام ولاسيما الأقارب: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون}[الممتحنة/9].
فالحديث فيهِ جواز صلة القريب المشرك, فالحديث دليل على جواز صلة القريب المشرك تصله بالمال, والهدية, أما قبول الهدية من المشرك فهذا محل خلاف محل اجتهاد, أنت تهدي للمشرك القريب, لَكِنْ هو إذا أهداك هدية هل تقبلها منه؟ فهذا فيهِ محل اجتهاد فَإِن رأى ردها جاز له ذلك لئلا يميل إليه قلبه فيكون فيهِ نوع ولاية, وإن رأى قبولها وإثابته عليها بأكثر منها فيكون فيهِ دعوة له إِلَى الإسلام، فإن رأى أن هذا فيه دعوة له إلى الإسلام فعل.
قَالَ المؤلف: (باب الصدقة عَلَى أهل الذمة) أهل الذمة: هم أهل الجزية وهم اليهود والنصارى, سُموا أهل الذمة لِأَنّ لهم عهد, مناسبة هذا الحديث للترجمة؛ أَنَّه إذا جازت الصدقة عَلَى المشركين وهم وثنيون فمن باب أولى جوازها عَلَى أهل الذمة لِأَنَّهُم اخف كفرًا منهم, فالحديث فيهِ صلة أسماء لأمها وأمها وثنية وأهل الأوثان أشد كفرًا من أهل الكتاب, أهل الكتاب خف كفرهم؛ لِأَنَّهُم أهل كتاب فلذلك صار لهم من الأحكام ما ليس لغيرهم لما خف كفرهم فجاز نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم, أما الوثنيون لا يجوز نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم، فالباب والترجمة في الصدقة على أهل الذمة والحديث في صلة الكافر الوثني فكيف ذلك؟ كيف المناسبة؟ المناسبة أنه إذا جازت الصدقة على الوثني فمن باب أولى جوازها على أهل الذمة لكونهم أخف كفرًا، ولهذا قالت أسماء: إن أمها جاءت وهي راغمة يعني كارهة للإسلام ساخطة عليه.
وأمها اسمها قَتلة وقيل قُتيلة بالقاف واختلف العلماء هل أسلمت أم ماتت عَلَى كفرها, لَكِنْ الأرجح أنها ماتت مشركة, ولا تعطى من الزكاة الكافر لا يُعطى من الزَّكَاة ولو كانت أمها مسلمة، لو كانت أمها مسلمة فلا تعطيها أيضًا حتى لو كانت مسلمة لا تعطيها من الزَّكَاة ولا من الكفارة, لماذا؟ لِأَنّ الولد يَجِبُ عليه أن ينفق عَلَى والده ذكر أو أنثى من غير الزَّكَاة, لأنه إذا أعطاه الزكاة عادت على نفسه إِلَّا أن يكون غارمًا فيُعطى من أجل الغرامة أو كَانَ مجاهدًا يُعطى من سهم في سبيل الله.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب ما لا يجوز منعه.
1669- حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا كهمس، عن سيار بن منظور، رجل من بني فزارة، عن أبيه، عن امرأة يقال لها: بهيسة، عن أبيها، قالت: استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: «الماء»، قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: «الملح»، قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: «أن تفعل الخير خير لك».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه النسائي, والحديث ضعيف السند بجهالة بهيسة فَإِن هَذِه مجهولة بهيسة، وفي متنه نكارة أيضًا, فَإِن دخول أبي بهيسة بين النَّبِيِّ r وبين قميصه لا يليق؛ لِأَنّ الغالب أَنَّه (.....) لا يكون عليه إزار, ولهذا قَالَ النَّبِيِّ r لجابر: «أو لكلكم ثوبان؟».
أما ما ورد من أن بعض الصحابة قبل بعض جسد النَّبِيِّ r فهذا فيما تَحْتَ الرداء كالصدر ونحوه, والإزار يستر العورة, وفي الحديث الصحيح: « أن الناس شركاء في ثلاث: في الماء, والكلأ, والنار» أخرجه الشيخان, الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ يعني العشب والنار والمراد: أَنَّه لا يُمنع الماء في الأنهار والآبار والعيون هَذِه عامة مشتركة ما أحد يمنع أحد يشرب ويستقي من الماء من البئر يأتي بدلو يستخرج منه أو من الأنهار أو من العيون, أما إذا حاز الإنسان الماء في القربة أو في الأواني فهو أحق بِهِ, إذا أخذه واستخرجه وحازه بالأواني فهو أحق بِهِ, لَكِنْ قبل ذلك مشترك كلٌ يأخذ من النهر, من العيون, من الآبار يأتي بدلوه.
وَكَذَلِكَ الكلأ ما دام في الأرض فَإِنَّهُ مشترك, أما إذا احتشه وأخذه فهو أحق بِهِ, وَكَذَلِكَ النار ما دامت في معدنها فهي مشتركة أما إذا أخذ شعلة فهو أحق بها, وهذا الحديث فيهِ زيادة الملح والملح ليست حاجته كحاجة هَذِه الثلاث قد يقال أَنَّه مشترك في الملح, قد يقال أَنَّه مشترك عند شدة الحاجة وَلَكِن هذا الحديث ضعيف، الحديث ضعيف وأصح منه حديث: «الناس شركاء في ثلاث: في الماء, والكلأ, والنار». وهذا فيه زيادة الملح لكن الحديث ضعيف نعم:
قوله: «أن تفعل الخير خير لك» لو صح المراد يكون المعنى أن الخير لا يحل لك منعه, والله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }[الزلزلة/7], فالمراد أن تفعل الخير يعني تفعل ما تستطيع من الخير قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}[الزلزلة/7], والخير لا يحل لك منعه فهذا تعميم بعد تخصيص.
نعم:
(....)
نعم: الحديث في الصحيحين الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار. وهذا الحديث فيه قال: ما الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح. هذا فيه زيادة الملح
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب المسألة في المساجد.
1670- حدثنا بشر بن آدم، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها منه فدفعتها إليه.
(الشرح)
يعني دفعها إلى مسكين في المسجد الحديث ضعيف في سنده مبارك بْنُ فضالة وقد اختلط في آخره, وعبد الله بْنُ بكر السهمي ممن روى عنه بعد الاختلاط, ثم هو مرسل؛ لِأَنَّهُ من رواية عبد الرحمن أبي بكر لَكِنْ قد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه بأتم منه، بأتم من هذا وفيه: «من عاد منكم اليوم مريضًا؟ قَالَ أبو بكر: أنا, قَالَ: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قَالَ أبو بكر: أنا, قَالَ: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قَالَ أبو بكر: أنا, قَالَ: من تصدق منكم اليوم عَلَى مسكين؟ قَالَ أبو بكر: أنا, قَالَ: ما اجتمعن في إنسان في يوم إِلَّا دخل الجنة» هذا أصح من حديث أبو بكر في صحيح مسلم.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى.
1671- حدثنا أبو العباس القلوري، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن سليمان بن معاذ التيمي، حدثنا ابن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة».
(الشرح)
الحديث هذا فيهِ شيخ المؤلف: أبو العباس القلوري وهو أحمد بْنُ عمرو العصفري وهو أبو العباس القلوري ثقة وَلَكِن الحديث في سنده سليمان بْنُ معاذ بْنُ قرن من العلماء من ضعفه ومنهم من وثقه, وقد ذكره الإمام الشيخ محمد بْنُ عبد الوهاب في كتاب التوحيد في باب: «لا يُسأل بوجه الله إِلَّا الجنة» وذكر هذا الحديث في كتاب التوحيد تَحْتَ هذا الباب باب: «لا يُسأل بوجه الله إِلَّا الجنة» أخذًا بقول الموثقين لأن من العلماء من وثقه ومنهم من ضعفه.
فعلى صحة الحديث لا يُسأل بوجه الله إِلَّا الجنة أو ما هو وسيلة إليها, كأن يسأل بوجه الله صلاح قلبه وصلاح عمله.
قوله: «لا يُسأل بوجه الله» نفيًا ونهيًا, لا يُسأل بوجهه إِلَّا الجنة, أو لا تسأل بوجه الله إِلَّا الجنة, وقال الطيبي: المعنى: لا تسأل من الناس شَيْئًا بوجه الله مثل أن تقول: أعطني شَيْئًا بوجه الله أو بالله فَإِن اسم الله أعظم من أن يُسأل بِهِ متاع الدنيا بل اسألوا بِهِ الجنة ولا تسألوا الله متاع الدنيا, ذكر في الشرح قال الوجه يعبر به عن الذات وهذا تأويل الأشاعرة ففسروا الوجه بالذات والصواب أن الحديث فيهِ إثبات الوجه لله عز وجل.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
باب عطية من سأل بالله.
1672- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه».
(الشرح)
نعم: هذا الحديث لا بأس بسنده وله شواهد, وقال المنذري: الحديث أخرجه النسائي ولهذا نقله الشيخ محمد بْنُ عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد أيضًا وقال: رواه أبو داود بسند جيد.
والحديث فيهِ أربع جمل:
الجملة الأولى: الأمر بإعاذة المستعيذ بالله, فإذا قَالَ: أسألك بالله أن تعيذني, فهذا يُعاذ لَكِنْ هذا مقيد بما إذا كَانَ يمكن ذلك ولم يكن استعاذة من حق وجب عليه, أما لو استعاذ من حق وجب عليه فلا يُعاذ كما لو استعاذ بالله من أن يقام عليه الحد, زنا واستعاذ بالله قَالَ: أعيذكم بالله أن تقيموا عليَ الحد, أو سارق استعاذ بالله من ألا تقطع يده, هذا لا يُعاذ ويقام عليه الحد, أو عليه دين قَالَ: أسألك بالله ألا تطالبني بديني يستعيذ بالله أن يوفي الدين الذي عليه, أو النفقة على زوجته يستعيذ بالله أن يُلزم بالنفقة عَلَى زوجته, أو استعاذ بالله أن تؤخذ منه الزَّكَاة, فَإِنَّهُ لا يُعاذ لِأَنّ النصوص الأخرى دلت عَلَى ذلك, النصوص الأخرى دلت على أنه يلزم بذلك وما عدا ذلك فَإِنَّهُ يُعاذ كما استعاذ اِبْن عمر من عثمان أن يوليه القضاء فأعاذه ولم يوله القضاء, وكما استعاذت ابنه الجون لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ, فَقَالَ لَهَا : لَقَدْ عُذْتِ بمعاذ لقد عذت بِعَظِيمٍ ، الْحَقِى بِأَهْلِكِ. فأعاذها وكانت مغرورة مغترة، ثم بعد ذلك لما أفاقت قالت: لو كان في خير لبقيت زوجه (.....) هذه الجملة الأولى: من استعاذ بالله فأعيذوه.
الجملة الثانية: «ومن سأل بالله فأعطوه» الْأَمْرِ بإعطاء السائل إذا قَالَ: أسألك بالله أن تعطيني كذا, وهذا له شواهد من ذلك حديث الأبرص, والأقرع, والأعمى, وهو في الصحيح قَالَ له الملك: «أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والزي الحسن بعيرًا» هذا سؤال بالله, وَلَكِن إعطاءه ما سأل مقيد أيضًا بالنصوص الأخرى وذلك بأن يسأل أمرًا ممكنًا, أما لو سأل شَيْئًا لا يستحقه أو يعجز عنه المسئول فَإِنَّهُ لا يُعطى, سأل شيئًا يعجز عنه أو أمر لا يستحقه أما إذا سأل مالًا فَإِنَّهُ يُعطى ولو قليلًا تعظيمًا لله عز وجل.
الجملة الثالثة: «ومن دعاكم فأجيبوه» الْأَمْرِ بإجابة الداعي وهذا أيضًا مقيد بما إذا لم يكن هناك ضرر عَلَى المدعو ولا منكر لا يستطيع إزالته, لحديث: «لا ضرر ولا ضرار», ولحديث: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فَإِن لم يستطع فبلسانه, فَإِن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» وإن استسمحه وقال: أريدك أن تسمح لي فسمح له فلا يَجِبُ عليه المجيء لِأَنّ الحق له, إذا كَانَ هناك عليه ضرر أو هناك منكر فلا, كما يكون دعاه لوليمة لكن يترتب عليها سهر طويل بحيث هذا السهر يؤدي إلى ترك صلاة الفجر أو إِلَى تأخير ورده من الليل فهذا عذر له وإن استسمحه فهو أولى, أو كَانَ فيهِ منكرات, فيها أغاني تُذهب النفوس وتقعدها, وفيه تصوير منكرات فهذا عذر له, ينكر إن استطاع فإن زال المنكر (....) , وإن لم يستطع ينصرف, أو كَانَ يعلم أَنَّه لا يستطيع فهذا عذر له.
أما الجملة الرابعة: «ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» حتى تَروا: حتى تعلموا, وروي حتى تُروا: حتى تظنوا, بالفتح حتى تروا يعني تعلموا، حتى تُروا حتى تظنوا فهذه مكافأة من صنع لك معروفًا فإن لم تجد ما تكافئه تدعوا له حتى ترى تعلم أو تظن أنك قد كافأته والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن/60].
وقال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[القصص/77].
وإعطاء السائل تعظيمًا لاسم الله, ومن استعاذ بالشخص يعني طالبًا دفع شره أو شر غيره قائلًا: بالله عليك أن تدفع عني شرك فَإِن هذا يُجاب, ويُدفع عنه الشر تعظيمًا لاسم الله تعالى.
نعم:
أحسن الله إليكم
باب الرجل يخرج من ماله
بارك الله فيك أحسنت