بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
بابٌ في الشح.
1698- حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا».
(الشرح)
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
قَالَ رحمه الله تعالى: (بابٌ ما جاء في الشح) الشح أبلغ من البخل؛ لِأَنّ الشح منعٌ مع حرص, والبخل منعٌ بدون حرص, فالشح أشد من البخل, الشحيح هو الحريص عَلَى جمع المال من حلالٍ وحرام, ثم يبخل بالإنفاق في الواجبات فهو جموع منوع, أما البخيل فهو يبخل بالإنفاق في الواجبات ولا يجمعه من حرام, فالبخيل أخص من الشحيح والشحيح أعم وكل شحيح بخيل ولا عكس وليس كل بخيل شحيح على هذا, ولهذا قَالَ الخطابي: الشح أبلغ من البخل وَإِنَّمَا الشح بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع, فيكون البخل نوعٌ من الشح.
قَالَ: وأكثر ما يقال إِنَّمَا هو في أفراد الأمور وخواص الأشياء, وأما الشح فهو كالوصف اللازم للإنسان من قبل الطبع والجبلة, وقال بَعْضُهُم في الفرق بين البخل والشح؟ البخل: أن يضن بماله وبمعروفه, يبخل بماله وبمعروفه والشح: أن يبخل بالمال, قَالَ اِبْن الأثير: الشح أشد البخل وهو أبلغ في المنع من البخل.
وهو في هذا الحديث ذكر المؤلف رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا».
والحديث صححه الحاكم وأخرجه النسائي, وفيه: سوء مغبة الشح وأن الشح يأمر بالبخل, ويأمر بالقطيعة, ويأمر بالفجور, فدل عَلَى أَنَّه عام أعم.
«أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة للرحم يعني فقطعوا» قطعوا الرحم يَعْنِي, «وأمرهم بالفجور» وهو الميل عن القصد والسداد, وقيل: الانبعاث إِلَى المعاصي, فالشح من جميع الوجوه يخالف الإيمان, ولهذا قَالَ الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر/9].
والفجور هنا يشمل الانحراف عن القصد, ويشمل الانبعاث للمعاصي, يقال: للكاذب فاجر, قد فجر أي انحرف عن الصدق, فالشح أعم من البخل, ولهذا يأمر صاحبه بالبخل, ويأمر صاحبه بالقطيعة, ويأمره بالفجور, ولهذا قَالَ تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر/9].
نعم، الطالب: (...)؟.
الشيخ: لأنه أعم عام في المال وفي غيره, الحديث دل عَلَى أَنَّه عام, يأمره بالبخل, والقطيعة, والفجور, أما البخل فهو منع الواجبات؛ منع الإنسان ما أوجب الله عليه كالزكاة, والنفقات الواجبة, وقرى الضيف وما أشبه ذلك.
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1699- حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، حدثتني أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته، أفأعطي منه؟ قال: «أعطي، ولا توكي، فيوكى عليكِ».
(الشرح)
وهذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والترمذي والنسائي, أسماء بنت أبي بكر هي أخت عائشة رضي الله عنها وهي أكبر منها وهي زوجة الزبير وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة, استفتت النَّبِيِّ r قالت: (يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته) ما عندي شيء أتصدق وأنفق ماذا أعمل؟ «أفأعطي منه؟ قال: أعطي، ولا توكي» الإيكاء يَعْنِي: الإمساك, «فيوكى عليكِ» ما لي: ما نافية إلا ما أدخل علي الزبير ولا توكي فيوكى عليك قَيل معناه: أعطي من نصيبك منه ولا توكي أي لا تُمسكي ولا تدخري, أصل الإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يُربط بِهِ, يَعْنِي يقول: لا تمنعي مما في يدك فتنقطع مادة الرزق عنكِ.
قَالَ بَعْضُهُم في هذا: إن صاحب البيت إذا أدخل الشيء بيته كَانَ ذلك في العرف مفوضًا إِلَى ربة المنزل فهي تنفق منه قدر الحاجة في الوقت, وربما تدخر منه الشيء, فَكأنهُ قَالَ: إذا كَانَ الشيء مفوضًا إليكِ وموكولًا إِلَى تدبيركِ فاقتصري عَلَى قدر الحاجة للنفقة وتصدقي بما بقي ولا تدخريه, وهذا يُحمل عَلَى ما أذن به الزوج إذنًا عامًا أو إذنًا عرفيًا كما سبق مما جرت بِهِ العادة, وما بقي وما زاد عن الحاجة المهم تكون لها نصيب من النفقة بقدر الإمكان تنتهز الفرصة المناسبة لإعطاء الفقير من شيء بقي أو شيء أُذن فيهِ إذنًا عامًا أو عرفًا.
نعم:
أحسن الله إليكم
قوله: «ولا توكي، فيوكى عليكِ» فيهِ: أن الجزاء من جنس العمل, «لا توكي» لا تمسكي مع القدرة والاستطاعة, «فيوكى عليكِ» فتجازين بمثل عملك, من أمسك انقطعت عنه مادة الرزق,
نعم:
أحسن الله إليكم
حدثنا مسدد، قَالَ: حدثنا إسماعيل، قَالَ: أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة،
بمناسبة الإمساك ينافي نوعٌ من الشح داخلٌ في الشح, الإمساك مع القدرة, قَالَ: «ولا توكي، فيوكى عليكِ».
نعم:
أحسن الله إليكم
(المتن)
1700- حدثنا مسدد، قَالَ: حدثنا إسماعيل، قَالَ: أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة، أنها ذكرت عِدة من مساكين، قال أبو داود وقال غيره: أو عدة من صدقة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطي ولا تحصي فيحصى عليكِ».
(الشرح)
نعم، عائشة ذكرت للنبي r عِدة أي عددًا من المساكين، جاء عِدة من المساكين عَلَى بابها, يَعْنِي: فأعطيتهم وتصدقت عَلَيْهِمْ, أو المعنى: أنهم يأتون عَلَى بابي فماذا أفعل بهم؟ ( وقال غيره) يحتمل أن يكون قاله غير مسدد وهو الشيخ المؤلف, (أو عِدة من صدقة) يَعْنِي: ذكرت عائشة عدة من الصدقة الَّتِي تصدقت بها ذلك اليوم, أو المعنى: كم مقدار من الصدقة أعطيها المساكين إذا جاءوا عَلَى بابي؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطي ولا تحصي» من الإحصاء وهو العد, «فيحصى عليكِ» يَعْنِي: فتُمحق البركة حتى يصير كالشيء.
قال: «أعطي ولا تحصي »أعطي: مما عندكِ, «ولا تحصي» لا تعدي, «فيحصى عليكِ» فتجازين من جنس عملكِ, يَعْنِي: تُمحق البركة حتى يصير كالشيء المعدود.
وهذا مثل ما جاء في الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عندها رث من طعام أو بُر أو شعير قَالَ: فكانت تأكل منه ولا ينقص, فَلَمّا كِلته فني» لما كالته وعدته انتهى, في الأول لما كانت تأخذ ولا تُحصي ولا تعد نزلت فيهِ البركة تأكل ولم ينتهي, قالت: «فَلَمّا كِلته فني» وهذا مثله من جنسه, قَالَ: «أعطي ولا تحصي فيحصى عليكِ» فيهِ: أن الجزاء من جنس العمل.
والشاهد للترجمة: أن الإحصاء نوعٌ من الإمساك, كأنه حينما يُحصي كأنه يريد أن يُمسك وينظر كم بقي, فدخل في هذا نوعٌ من الشح, لأن الشح بابه واسع, وَكَذَلِكَ: «لا توكي» فالإيكاء هو الإمساك داخل في عموم الشح.
نعم:
أحسن الله إليكم