شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_1

00:00
00:00
تحميل
116

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله، والصلاة والسلام عَلَى رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

(المتن) 

 يقول الإمام أبو داود -رحمه الله- في سننه: 

كتاب المناسك: باب فرض الحج. 

1721- حدثنا زهير بن حرب، وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس، أن الأقرع بن حابس، سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، الحج في كل سنة أو مرة واحدة قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع».  

قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال : عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير، جميعًا عن الزهري، وقال عُقيل : عن سنان. 

(الشرح) 

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: 

قَالَ المؤلف -رحمه الله تعالى- أول كتاب المناسك: (باب فرض الحج) النُسك: هو العبادة، ومنه مناسك الحج يَعْنِي: متعبدات الحج، تشمل العبادة وكل حق لله تعالى، والمناسك: جمع منسَك أو منسِك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد، ويُطلق عَلَى المصدر، وعلى الزمان، وعلى المكان، ثم سُميت بِهِ أمور الحج، والمنسك: الذبح، النسيكة: الذبيحة، وأما أصل الحج في اللغة: القصد، وقال الخليل: كثرة القصد إِلَى معظم، ومنه قول الشاعر: يحجون بيت الزبرقان المزعفرَا، يَعْنِي: يريد أنهم يقصدونه في أمورهم ويختلفون إليه في حاجتهم مرة بعد مرة، وكان الزبرقان سيدًا لهم ورئيسًا لهم. 

فالحج في اللغة: القصد، وأما في الشرع: فهو القصد إِلَى بيت الله الحرام لأعمال مخصوصة، وأفعال مخصوصة من شخص مخصوص في وقت مخصوص في مكان مخصوص، القصد إِلَى مكة لأداء مناسك الحج من شخص مخصوص، والحج: يقال بفتح الحاء وكسرها: حَج، وحِج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ} و {حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران/97]. 

واختلف العلماء في الحج: هل هو عَلَى الفور أو عَلَى التراخي؟ وفي وقت ابتداء فرضه، والصواب: أَنَّه عَلَى الفور، وقال آخرون: إنَّه عَلَى التراخي، وإذا قلنا عَلَى الفور فإذا ملك ما يستطيع بِهِ الحج فَإِنَّهُ يأثم إذا أخره، اختلف العلماء في وقت فرضيته، فالجمهور على أَنَّه فُرض سنة ست من الهجرة؛ لِأَنَّهُ نزل فيها قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة/196].  

 وهذا يُبنى عَلَى أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، (...)، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق أيضًا: "وأقيموا الحج"، فهي تُحمل عَلَى أنها تفسير، وقيل: المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك، قد وقع في قصة ضمام لما سأل النَّبِيِّ r عن الحج وكان قدومه -على ما ذكر الواقدي- سنة خمس من الهجرة، وهذا يدل عَلَى تقدمه إن ثبت هذا. 

وأما فضل الحج فمشهور؛ جاءت الأحاديث للترغيب في الحج والعمرة: «وأن من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». 

وفي الحديث الآخر: «العمرة للعمرة كفارة لهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إِلَّا الجنة»، وجاء الوعيد عَلَى ترك الحج، وأن من قدر فلم يحج فمات فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا، جاء في سنن الدارمي وجاء في آثار عَن الصحابة. 

 والمؤلف هنا قدم الحج عَلَى الصوم؛ أخذًا ببعض الأحاديث الَّتِي قُدم فيها الحج عَلَى الصوم، قَالَ الخطابي: لا خلاف بين العلماء أن الحج لا يتكرر وجوبه إِلَّا أن هذا الإجماع إِنَّمَا حصل منهم بدليل، وأما نفس اللفظ فهو موهم للتكرار، ولهذا فَإِنَّهُ في هذا الحديث الذي ذكره المؤلف -رحمه الله-  عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس، سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله، الحج في كل سنة أو مرة واحدة قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع» الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، والحديث في سنده سفيان بْنُ الحسين متكلمٌ فيهِ، لَكِنْ تابعه عليه عبد الجليل بْنُ حُميد كما ذكر المؤلف، وسليمان بْنُ كثير وعُقيل، ولهذا قَالَ: قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال: عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير، جميعًا عن الزهري، وقال عُقيل: عن سنان. 

فالحديث وإن كَانَ متكلما فيهِ لَكِنْ تابعه عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير، وعُقيل، وللحديث شاهد عند الإمام مسلم -رحمه الله- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: «خطبنا رسول الله r فَقَالَ: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا، فَقَالَ رجل: لكل عامٍ يا رسول الله؟ فسكت النَّبِيِّ r حتى قالها ثلاثًا، فَقَالَ رسول الله r: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» فالحديث في هذا حسن لا بأس بِهِ، وحديث مسلم في صحيحه كاف في المسألة، كاف في أن الحج لا يَجِبُ إِلَّا مرة واحدة في العمر، لهذا قَالَ الخطابي: لا خلاف بين العلماء أن الحج لا يتكرر وجوبه إِلَّا أن هذا الإجماع إِنَّمَا حصل منهم بدليل، أما نفس اللفظ فقد كَانَ موهمًا للتكرار ومن أجل هذا عرض السؤال السائل فَقَالَ: «يا رسول الله، الحج في كل عام أو مرة؟» وذلك أن الحج قصدٌ فيهِ التكرار، وعلى هذا المعنى اللغوي: يحجون بيت الزبرقان المزعفرا، يعني: أنهم يقصدونه في أمورهم، ويختلفون إليه مرة بعد مرة. 

وقد اُستدل بهذا المعنى في إيجاب العمرة، وقالوا: إذا كَانَ الحج قصدًا فيهِ التكرار فَإِن معناه أَنَّه لا يتحقق إِلَّا بوجوب العمرة؛ لِأَنّ القصد في الحج إِنَّمَا هو مرة واحدة لا يتكرر، واُستدل بهذا الحديث عَلَى أن اَلْمُسْلِم إذا حج مرة ثم ارتد- والعياذ بالله- ثم أسلم أَنَّه لا إعادة عليه في الحج. 

 واختلف العلماء في الْأَمْرِ الوارد من قِبل الشارع: هل يُوجِبُ التكرار أم عَلَى وجهين؟ منهم من قَالَ بوجوب التكرار، قال: نفس الأمر يوجَبُ التكرار، وقال آخرون: لا يوجبه، ويقع الخلاص منه والخروج من عهدته باستعماله مرة واحدة؛ لِأَنَّهُ إذا قيل لإنسان: أفعلت ما أُمرت بِهِ؟ قَالَ: نعم، كَانَ صادقًا، وهذا هو الصواب الذي ذهب إليه أكثر العلماء أن الْأَمْرِ لا يوجب التكرار. 

والمؤلف ذكر الخلاف في سنان أو أبي سنان: عن أبي سنان عن اِبْن عباس، فذكر أن سفيان بْنُ حسين وعبد الجليل بْنُ حميد، وسليمان بْنُ كثير قالوا: عن الزهري عن أبي سنان، وأما عُقيل وحده فَقَالَ: عن الزهري عن سنان، قَالَ بَعْضُهُم: أبو سنان كنيته، واسمه يزيد بْنُ أمية مشهور بكنيته، ومنهم من عده من الصحابة. 

فالحاصل: أن الحج واجبٌ في العمر مرة، قَالَ الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/97]. 

وهذا الحديث وحديث أبي هريرة عند مسلم دليل عَلَى أن الحج لا يكون في العمر إِلَّا مرة واحدة، ومن زاد عَلَى مرة فهو تطوع. 

فإن قيل: أسلم ثم حج ثم ارتد، هل يجب عليه إعادة الحج؟ 

لا، إذا رجع إِلَى الإسلام بقي عليه، إذا ارتد ثم رجع إِلَى الإسلام وبقي عَلَى الإسلام تبقى له أعماله لا تبطل إِلَّا إذا مات عَلَى الكفر، قَالَ الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة/217]؛ فاشترط الله لحبوط العمل أن يموت عَلَى الردة والعياذ بالله، أما إذا مَنّ الله عليه بالإسلام وعاد إلى الإسلام فَإِنَّهُ تبقى له أعماله السابقة ولا تحبط.  

(المتن) 

1722- حدثنا النفيلي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن ابن لأبي واقد الليثي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: «هذه ثم ظهور الحُصر». 

(الشرح) 

هذا الحديث هو حديث النفيلي شيخ المؤلف، قَالَ: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن ابن لأبي واقد الليثي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: «هَذِه» يَعْنِي: هَذِه الحجة، «ثم ظهور الحُصُر» يَعْنِي: هَذِه هي الحجة المفروضة عليكم، ثم بعد ذلك ظهور الحُصُر، ظهور: جمع ظهر، الحُصُر بضمتين وتسكن الصاد تقريبا: جمع، الحُصر الذي يُبسط في البيوت، يَعْنِي: عليكن لزوم البيت ولا يَجِبُ عليكن مرة أخرى بعد ذلك الحج، الزموا البيت، الحصر: الحصير الذي يبسط في البيت ويجلس عليه، المعنى: هذه الحجة مفروضة عليكن، ثم بعد هذه الحجة لا حج، الزموا ظهور الحصر، ظهور جمع ظهر، الزموا البيوت، يعني: عليكن لزوم البيت، ولا يجب عليكن مرة أخرى بعد ذلك الحج. 

والحديث يدل: عَلَى أن الحج فُرض مرة واحدة، واُستدل بهذا الحديث عَلَى عدم جواز الحج لأزواج النَّبِيِّ r بعد حجة الوداع، وَلَكِن الحديث ضعيف؛ لجهالة اِبْن أبي واقد الليثي، (عن ابنٍ لأبي واقد الليثي)، ولو صح سنده فهو حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة كحديث عائشة عند البخاري أنها قالت: «ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فَقَالَ r: لَكِنْ أحسن الجهاد وأجمله؛ الحج المبرور» والحديث الشاذ ضعيف، ولهذا أذن الخلفاء لأزواج النَّبِيِّ r بالحج، عمر وعثمان -رضي الله عنهما- أذن عمر لأزواج النَّبِيِّ r بالحج في آخر حجة حجها، ثم كَانَ عثمان بعده يحج بهن في خلافته، والحج أفضل الجهاد للنساء وأجمله وأحسنه، وفيه فضل عظيم. 

فهذا الحديث: يدل عَلَى أن أزواج النَّبِيِّ r ليس ممنوعات من الحج إِلَّا حجة الوداع، لكنه ضعيف، وبعضهم تكلف في الجواب عن الحديث، وهذا مبني عَلَى صحة الحديث، لو صح الحديث، قَالَ بَعْضُهُم: الحديث فيهِ دليل عَلَى عدم جواز الحج لأزواج النَّبِيِّ r بعد حجة الوداع، قَالَ الإمام اِبْن الأثير في النهاية: وفي الحديث: أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور، ثم لزوم الحُصُر، وفي رواية: أَنَّه قَالَ لأزواجه: «هَذِه ثم لزوم الحُصُر» أي إنكن لا تعدن تخرجن من بيوتكن، وتلزمن الحُصُر. 

أجاب العلماء عن الحديث بجوابين:  

الجواب الأول: هذا عَلَى فرض صحة الحديث، وإلا الحديث غير صحيح، لَكِنْ بَعْضُهُم قَالَ: يُجاب عن حديث ابن أبي واقد بأنه يحتمل لمعنيين، وليس بصريح، ولا واضح عَلَى المنع، فلا يُترك بِهِ متيقن وهو جواز الحج لشيءٍ غير واضح، قَالَ: وذلك لما أخرجه البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: «ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فَقَالَ r: لَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله؛ الحج المبرور» قالت عائشة: «فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله r». 

ولفظ اِبْن ماجة: «قلت: يا رسول الله، عَلَى النساء جهاد؟ قَالَ: نعم، جهاد لا قتال فيهِ: الحج والعمرة»، ولفظ إسماعيل: «لو جاهدنا معك؟ قَالَ: لا جهاد وَلَكِن حج مبرور». 

فالجواب الأول قالوا: هَذِه الأحاديث صريحة في أن الحج أفضل الجهاد بالنسبة للمرأة، وأما هذا الحديث قالوا: فليس بصريح، بل هو محتمل ولا يُترك الصريح لشيء محتمل. 

الجواب الثاني: أن المراد بحديث أبي واقد جواز الترك لا النهي عن الحج، «ثم لزوم الحُصُر» قالوا: هذا محمول عَلَى جواز الترك، ولا يدل عَلَى النهي عن الحج لهن بعد حجة الوداع، فقد ثبت حجهن بعد النَّبِيِّ r لما أخرجه البخاري من طريق إبراهيم عن أبيه عن جده أذن عمر -رضي الله عنه- لأزواج النَّبِيِّ r في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بْنُ عفان وعبد الرحمن، وروى اِبْن سعد في الطبقات بإسناد صححه الحافظ في الفتح من طريق أبي إسحاق السَّبيعي قَالَ: «رأيت نساء النَّبِيِّ r حججن في هوادج عليهن الطيالسة في زمن المغيرة» يعني: ابْن شعبة، والظاهر أَنَّه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة عَلَى الكوفة لمعاوية، وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها. 

ولابن سعد أيضًا من حديث أم معبد الخزاعية قالت: «رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النَّبِيِّ r فنزلن بقديد فدخلت عليهن وهن ثمان». 

وله من حديث عائشة: «أنهن استأذن عثمان في الحج فَقَالَ: أنا أحج بكن، فحج بنا جميعًا إِلَّا زينت كانت ماتت وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النَّبِيِّ r». 

وأخرج اِبْن سعد من حديث أبي هريرة: «فكنَّ نساء النَّبِيِّ r يحججن إِلَّا سوداء وزينب، فقالا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله r» وكان عمر متوقفًا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن لهن وتبعه عَلَى ذلك من ذُكر من الصحابة، ومن في عصره من غير نكير. 

هذا كله يدل عَلَى ضعف هذا الحديث لَكِنْ الذين أجابوا قالوا: هذين الجوابين: 

الأول: أَنَّه محتمل. 

الثاني: أن المراد بحديث ابن أبي واقد جواز الترك لا النهي. 

هذا الجواب مبني عَلَى صحة الحديث لَكِنْ الحديث غير صحيح، وعلى هذا فلا حاجة إلى الجوابين، ولو صح ما يمكن يحج بهن عمر وعثمان بعد وفاة النَّبِيِّ r، الصحابة اتفقوا عَلَى هذا من غير نكير، وحججن، وحديث البخاري صريح أن الحج أفضل الجهاد بالنسبة للنساء، فكيف تترك الأحاديث الصحيحة وأفعال الصحابة لهذا الحديث الضعيف الذي فيهِ منعهن من الحج؟!  

فإن قيل: أيام خلافة أبي بكر -رضي الله عنه؟ 

لا، (....)، كانت سنتان (...) مدة قصيرة، وكانت مشهورة حروب، حتى عمر في آخر سنة حجها. 

(المتن) 

باب في المرأة تحج بغير محرم. 

1723- حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، أن أبا هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حرمة منها». 

1724- حدثنا عبد الله بن مسلمة، والنفيلي، عن مالك ح، وحدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، قال الحسن: في حديثه عن أبيه، ثم اتفقوا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة». فذكر معناه. 

قال النفيلي: حدثنا مالك. 

قال أبو داود: ولم يذكر القعنبي، والنفيلي عن أبيه، رواه ابن وهب، وعثمان بن عمر عن مالك، كما قال القعنبي. 

1725- حدثنا يوسف بن موسى، عن جرير، عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر نحوه إلا أنه قال: «بريدًا». 

1726- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وهناد، أن أبا معاوية، ووكيعًا، حدثاهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا، إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها». 

1727- حدثنا أحمد بن حنبل، قال:حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم». 

1728- حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر، كان «يردف مولاة له يقال لها صفية تسافر معه إلى مكة». 

(الشرح) 

هَذِه الأحاديث كلها في نهي المرأة عن السفر بغير محرم، والترجمة في (المرأة تحج بغير محرم) والحج سفر. 

قوله: «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حرمة منها» هَذِه الأحاديث كلها في نهي المرأة عن السفر بغير محرم وأنه لا يجوز، وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا، والحديث الأول هذا حديث أبو هريرة قَالَ: قَالَ رسول الله r: «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حرمة منها». 

الحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، وابن ماجة، وأخرجه مسلم والبخاري من طريق قزعة بْنُ يحي عن أبي سعيد بنحوه، والمحرم بالنسبة للمرأة: هو زوجها، ومن لا يحل له نكاحها من الأقارب أو الأصهار عَلَى التأبيد؛ هذا المحرم، فيخرج من هذا زوج أختها هذا ليس محرمًا، هي تحرم عَلَى زوج أختها لَكِنْ الحرمة مؤقتة، إذا طلق أختها حل له نكاحها، فهذا زوج الأخت لا يعتبر محرم لِأَنّ تحريمه ليس عَلَى التأبيد، وَلَكِن هو مؤقت ما دامت أختها معه فهي حرام عليه، وإذا طلق أختها وخرجت من العدة حل له نكاحها، فلابد يكون التحريم عَلَى التأبيد، فالمحرم هو زوجها ومن لا يحل له نكاحها من الأقارب والأصهار عَلَى التأبيد فيدخل فيهِ أبوها، وجدها، وابنها، واِبْن ابنها، واِبْن بنتها، وأخوها، وشقيقها لأب أو لأم، وابن أخيها، وابن أختها، وعمها، وخالها، كل هذا محارم عَلَى التأبيد، وَكَذَلِكَ من الأصهار: زوج ابنتها، وَكَذَلِكَ أيضًا زوج أمها. 

والترجمة: (بابٌ في المرأة تحج بغير محرم) والأحاديث ما فيها الحج وَإِنَّمَا فيها السفر، كل الأحاديث الَّتِي ذكرها المؤلف في الباب ما فيها حج، وَلَكِن فيها نهي المرأة عن السفر بغير محرم، وذلك لِأَنّ الحج سفر فيدخل في الأسفار، ذكر أول حديث لأبي هريرة قَالَ: قَالَ رسول الله r: «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حُرمة منها» قوله: «ذو حُرمة» بضم الحاء: بمعنى: ذي محرم، ذو الحرمة وذو المحرم كلاهما بمعنى واحد. 

قوله: «لا يحل لامرأة مسلمة» هذا فيهِ دليل عَلَى أن المرأة الملتزمة بالإسلام إسلامها يدعوها إِلَى ألا تسافر إِلَّا مع محرم، دينها وإسلامها يمنعها من ذلك، فدل عَلَى أن المرأة الَّتِي تسافر بغير محرم تتشبه بغير المسلمة، غير المسلمة هي الَّتِي لا تبالي ولا تعمل بالإسلام، فغير المسلمة تسافر بغير محرم، وأما المسلمة فلا تسافر إِلَّا بمحرم، فإذا سافرت المرأة المسلمة بغير محرم تشبهت بالكافرة. 

لا يحل لامرأة تؤمن بالله مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها 

فالحديث دليل عَلَى تحريم سفر المرأة بغير محرم للحج أو لغيره، ومن هنا ظهرت مناسبة الحديث للترجمة، الترجمة: (بابٌ في المرأة تحج بغير محرم)، والحديث ما فيهِ ذكر الحج: لا يحل لامرأة مسلمة تسافر إلا ومعها ذو محرم. 

فنقول: الحديث دليل عَلَى تحريم سفر المرأة بغير محرم للحج أو غيره، وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، وهو الصواب لهذه الأحاديث الَّتِي ذكرها المؤلف. 

عدد من الأحاديث: فكذلك حديث أبي هريرة هذا، وحديث أبي هريرة الثاني، وكذلك حديث أبي هريرة الذي بعده، وحديث أبي سعيد، وحديث اِبْن عمر، كلها صريحة في أَنَّه لا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم للحج أو غيره، وهذا هو الذي أقره جمهور العلماء وهو الصواب لهذه الأحاديث. 

وذهب بعض العلماء إلى أَنَّه يجوز للمرأة السفر للحج مع نساءٍ ثقات، يجوز أن تسافر للحج خاصة مع نساء ثقات، وهو قول ضعيف مخالف للأحاديث الصحيحة، ويدل عَلَى ذلك الحديث الصحيح أن النَّبِيِّ r خطب الناس في حجة الوداع، وقال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إِلَّا مع ذي محرم، فقام رجل فَقَالَ: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة {يعني: من غير محرم}، فَقَالَ النَّبِيِّ r: انطلق فحج مع امرأتك» أمره أن يترك الغزو والجهاد وأن يذهب مع امرأته، قال: اكتتبت في غزوة كذا وكذا: كتب للجهاد، وإن امرأتي خرجت حاجة: يعني: من غير محرم، فقال عليه الصلاة والسلام: ارجع فحج مع امرأتك، أمره أن يترك الغزو ويحج مع امرأته؛ هذا دليل عَلَى وجوب المحرم، وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر حتى للحج إِلَّا مع محرم. 

واختلف العلماء القائلون باشتراط المحرم للمرأة في الحج: هل هو شرطٌ للصحة أو شرطٌ للوجوب؟ هناك قولان معروفان عند العلماء: 

فعلى القول الأول: من قَالَ أَنَّه شرط للصحة لو حجت بدون محرم لم يصح الحج. 

وعلى القول بأنه شرط للوجوب: عَلَى أَنَّه شرط للوجوب إذا حجت بغير محرم صح الحج مع الإثم، وهذا هو الصواب، أنه لو حجت صح الحج، ولكنها آثمة عاصية، فلها ثواب الحج، وعليها إثم ترك المحرم. 

والأحاديث الَّتِي فيها النهي عن سفر المرأة بغير محرم متعددة، بعضها يوم، بعضها ليلة، بعضها يومان، بعضها ثلاثة أيام، بعضها مطلق، مطلق السفر. 

وردت أحاديث نهي السفر للمرأة بغير محرم بألفاظ مختلفة، ففي رواية: «لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم». 

وفي رواية: «فوق ثلاث». 

وفي رواية: "ثلاثة". 

وفي رواية: «لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إِلَّا ومعها ذو محرم». 

وفي رواية: «لا تسافر المرأة يومين من الدهر إِلَّا ومعها ذو محرم منها أو زوجها». 

وفي رواية: «نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين». 

وفي رواية: «لا يحل لامرأة مسلمة أن تسافر مسيرة ليلة إِلَّا ومعها ذو حرمة منها». 

وفي رواية: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إِلَّا مع ذي محرم». 

وفي رواية: «مسيرة يوم وليلة». 

وفي رواية: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم» هَذِه روايات مسلم وغيره. 

وفي رواية لأبي داود: «لا تسافر بريدًا» والبريد مسافة نصف يوم، (....). قَالَ العلماء: اختلاف هَذِه الألفاظ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة: أن تسافر ثلاثة أيام تصريحٌ بإباحة اليوم والليلة والبريد. 

قَالَ البيهقي: كان الرسول r يُسأل عن المرأة تسافر ثلاثًا بغير محرم فَقَالَ: لا، وسُئل عن سفر يومين بغير محرم فَقَالَ: لا، وسُئل عن سفرها يومًا فَقَالَ: لا، وَكَذَلِكَ البريد، فأدى كلٌ منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفًا عن راوٍ واحد فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح، وليس في هذا تحديد لأقل ما يقع عَلَى اسم السفر، ولم يُرد النَّبِيِّ r تحديد أقل ما يسمى سفرًا، والحاصل: أن كل ما يسمى سفر تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كَانَ ثلاثة أيام، أو يومين، أو يوما، أو بريدا، أو غير ذلك؛ لرواية اِبْن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم»، مطلق السفر، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا، وهذه النصوص كلها تؤيد ما ذهب إليه الجمهور بأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إِلَّا مع ذي محرم، فاجتهاد بعض العلماء عَلَى أنها لها أن تسافر مع نساء ثقات للحج هذا اجتهاد لكنه اجتهاد مرجوح، النص مقدم. 

 وأجمعت الأمة عَلَى أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إن استطاعت؛ لعموم قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/97]. 

وقوله r: «بُني الإسلام عَلَى خمس..» الحديث، واستطاعتها كاستطاعة الرجل إلا أَنَّه يضاف إليها المحرم، واختلفوا في اشتراط المحرم كما سبق، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاثة مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، وحُكي هذا عن الحسن البصري، والنخعي، وقال عطاء، وسعيد بْنُ جبير، وابن سيرين، ومالك، والأوزاعي، والشافعي: لا يُشترط المحرم بل يُشترط الأمن عَلَى نفسها، إذا كانت آمنة جاز لها الحج، قَالَ أصحاب الشافعي: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، ولا يلزمها الحج عند الشافعي إِلَّا بأحد هَذِه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها، ما تحج مع امرأة، لازم عدد من النسوة ثقات، لَكِنْ يجوز لها الحج معها. 

عَلَى كل حال: هذا اجتهاد، والصواب كما سبق ما دلت عليه الأحاديث أَنَّه لا يجوز أن تسافر للحج ولا غيره إِلَّا مع محرم. 

قَالَ القرطبي: سبب هذا الاختلاف مخالفة ظواهر الأحاديث لظاهر قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/97]. 

لِأَنّ ظاهره الاستطاعة بالبدن، فيجب عَلَى كل قادرٍ عليه ببدنه، ومن لم تجد محرمًا فهي قادرة ببدنها فيجب عليها، فَلَمّا تعارضت هَذِه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك، فجمع أبو حنيفة ومن وافقه بأن جعل الحديث سببًا مبينًا للاستطاعة في حق المرأة، ورأى مالك ومن وافقه أن الاستطاعة الأمنية بنفسها في حق الرجال والنساء، وأن الأحاديث المذكورة لم تتعرض للأسفار الواجبة. 

عَلَى كل حال: الصواب في هَذِه المسألة أَنَّه لا يجوز للمرأة أن تسافر إِلَّا مع ذي محرم، وسواءٌ كَانَ سفرًا للحج أو لغيره. 

 فإن قيل: زوج البنت بعد الطلاق محرم لها؟ 

نعم، محرم لها مؤبد، ولو بعد الطلاق. 

فإن قيل: التي لعنت زوجها؟ 

الملاعنة خلاص ما يكون محرم لها. 

فإن قيل: وجود محرم لبعض النساء ومعها نساء ثانية؟ 

لا يكفي محرم غيرها، هذا محرم غيرها. 

فإن قيل: وصف النَّبِيِّ r بآخر الزمان كون المرأة تذهب للحج وما تخشى أحد؟ 

ما ذكر الحج، تخرج مثلًا للهجرة، إذا هاجرت المرأة من بلاد الكفار هذا لها أن تخرج للضرورة؛ لأنها مضطرة إلى هذا، هذه ضرورة، إذا اضطرت، أو مات زوجها في الطريق ماذا تعمل؟ تكمل الحج،  أما الحديث هذا في الهجرة، للمرأة أن تهاجر إذا اضطرت ولو بغير محرم، تهاجر من بلاد الكفار إِلَّا بلاد الإسلام للضرورة. 

فإن قيل: وجود المرأة في مكة الآن تريد تحج هل يشترط لها المحرم؟ 

هذا ليس سفرا، كونها تتنقل في المشاعر هذا ما يلزمها، كونها تطوف وحدها في البيت ما يلزم يكون معها محرم؛ لِأَنّ هذا ليس سفرا الآن، إذا كانت آمنة عَلَى نفسها تتنقل في المشاعر لا بأس، وهو ليس بسفر عَلَى الصحيح. 

فإن قيل: حديث آخر الزمان في زمن حكم عيسى بْنُ مريم كون المرأة تذهب من صنعاء إِلَى مكة؟ 

هذا ليس زمن عيسى، أخبر النَّبِيِّ بهذا مطلقًا، «يخرج الرجل من صنعاء لا يخاف إلا الله والذئب عَلَى غنمه» ليس خاصا بالمرأة، هذا في بيان الأمن. 

فإن قيل: هل علل الرسول في النهي عن السفر؟ 

الرسول ما علل هنا، ونهى عن السفر بدون علة: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إِلَّا مع ذي محرم» ما قَالَ: لعلة إذا كَانَ آمنًا. 

قوله: حدثنا عبد الله بن مسلمة، والنفيلي، عن مالك، ح وحدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، قال الحسن: في حديثه عن أبيه، ثم اتفقوا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يومًا وليلة» فذكر معناه. 

قَالَ النفيلي: حدثنا مالك، قال أبو داود: ولم يذكر القعنبي، والنفيلي، عن أبيه، رواه ابن وهب، وعثمان بن عمر، عن مالك، كما قال القعنبي. 

نعم. هذا الحديث متابع للحديث السابق، ففيه متابعة من مالك لليث بْن سعد، كلاهما رواه عن سعيد بْنُ أبي سعيد. 

الحديث الأول: أخبرني الليث بْنُ سعد عن سعيد بْن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. 

الحديث هذا: قَالَ: حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد؛ فيكون مالك متابعا لليث. 

وهذه تقوية تقوى الحديث السابق، قوله: «لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يومًا وليلة» فيهِ دليل عَلَى أن إيمانها بالله واليوم الآخر يحملها عَلَى عدم السفر بغير محرم، وأن الإيمان بالله واليوم الآخر يقتضي ألا تسافر إِلَّا مع محرم. 

قال أبو داود: ولم يذكر النفيلي عن أبيه. 

(قال الحسن: في حديثه عن أبيه) الحسن في روايته قَالَ: عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وأما النفيلي والقعنبي ما قالوا: عن أبيه، القعنبي: هو عبد الله بْنُ مسلمة، قالوا: عن سعيد بْن أبي سعيد عن أبي هريرة، والحسن قَالَ: عن سعيد بْنُ أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، ولهذا قَالَ النفيلي: حدثنا مالك. 

قال أبو داود: (ولم يذكر النفيلي، والقعنبي عن أبيه، رواه ابن وهب، وعثمان بن عمر، عن مالك، كما قال القعنبي) قوله: (ثم اتفقوا) يَعْنِي: اتفق الثلاثة عبد الله بْنُ مسلمة، والنفيلي، والحسن، اتفقوا عَلَى أَنَّه عن أبي هريرة، لَكِنْ الخلاف بينهم عن أبيه، المقصود: أن هذا الحديث مقوٍ للحديث السابق ويدل عَلَى ما دل عليه. 

قوله: حدثنا يوسف بن موسى، عن جرير، عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر نحوه إلا أنه قال: «بريدًا». 

وهذا الحديث أيضًا متابع ثانٍ للحديث، متابعة ثانية من سهيل بْنُ أبي صالح لليث بْنُ سعد، فيكون هنا أيضًا متابعة، فالثاني متابعة من مالك، والثالث متابعة من سهيل، وأما رواية سعيد بْنُ سعيد عن أبي هريرة هنا، وفي حديث مالك والليث بْنُ سعد عن أبيه عن أبي هريرة فلا منافاة، لِأَنّ سعيدًا روى عن أبيه، وروى عن أبي هريرة، فرواه تارة كذا وتارة كذا، وسماعه من أبي هريرة صحيح معروف، المؤلف أراد يبين هذا، ذكر نحو ما سبق: «لا تسافر المرأة» إِلَّا أَنَّه قَالَ: «بريدًا إِلَّا مع ذي محرم» والبريد نصف يوم، مسافة نصف يوم للإبل المحملة؛ لِأَنّ مسافة القصر أربعة بُرد، وكل بريد مرحلة، نصف يوم، وهي يومان قاصدان للإبل المحملة، وهذا أقل ما ورد في منع المرأة من المسافة من السفر بغير محرم: أقل ما ورد في منع المرأة من المسافة من السفر بغير محرم: بريد، وهذا من الشارع من باب الاحتياط، ففيه احتياط لها. 

قَالَ: (وذكر نحوه) يَعْنِي: ذكر سهيل نحوه لمالك، إلا أَنَّه قَالَ: «بريدًا» يَعْنِي: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر بريدًا إِلَّا مع ذي محرم». 

قَالَ النووي: البريد مسيرة نصف يوم، وقال ابْن الأثير: هو مسيرة أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، قوله: «لا يحل» نفي معناه النهي. (...) 

فإن قيل: البريد الآن حدود عشرين كيلو؟ 

إذا قلنا المسافة ثمانين كيلو اقسمها عَلَى أربعة تكون عشرين. 

قوله: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وهناد، أن أبا معاوية، ووكيعًا، حدثاهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا، إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها». 

نعم. الحديث أخرجه: الإمام مسلم، والترمذي، وابن ماجة، وهو حديث صحيح، قوله: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا» قوله: «فصاعدًا» لعل هذا كَانَ أولًا ثم نُسخ، فقد جاء في الصحيحين: «لا تسافر المرأة إِلَّا مع ذي محرم» ولم يقيده بشيء، فلعل هذا كَانَ أولًا، قوله: «فصاعدًا» منصوب عَلَى الحال بحذف العامل وجوبا، أي: فارتقى ذلك صاعدًا أو فذهب صاعدًا، «ذو محرم» يَعْنِي: حرام منها بنسب أو صهر أو رضاع، بنسب: مثل أخوها، صهر: زوج ابنتها أو زوج أمها، رضاع: مثل أخوها من الرضاع، إِلَّا أن مالكا رحمه الله كره تنزيه سفرها مع اِبْن زوجها قَالَ: لفساد الزمان وحداثة الحرمة، ولأن الداعي للنفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إِلَى النفرة عن سائر المحارم، والمرأة فتنة إِلَّا فيما جُبلت عليه النفوس من النفرة عن محارم النسب. 

قوله: «أو زوجها» في معناه سيد الأمة أيضًا، ولو لم يرد ذكر الزوج نقيسه عَلَى المحرم، ولفظ امرأة عام لجميع النساء، ونقل عياض عن بَعْضُهُم: أَنَّه في الشابة أما الكبيرة الَّتِي لا تُشتهى فتسافر بكل الأسفار بلا زوج ولا محرم، قَالَ اِبْن دقيق العيد: وهو تخصيص للعموم بالنظر إِلَى المعنى وهذا ليس بصحيح، هذا تخصيص ليس عليه دليل. 

فإن قيل:هل نقول ما نقل عن الإمام مالك: هذا يضعف المذهب المالكي، المالكيين يقولون: تكفي رفقة النساء، والإمام مالك يقول ما سبق؟ 

هذا احتياط شديد ظاهره، ينبغي أن يراجع مذهب الإمام مالك في هذا من كتب المالكية، قد يكون الإمام مالك له قولان، أو القول المعتمد غيره. 

قوله: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم». 

نعم. هذا الحديث أخرجه: البخاري، ومسلم (الشيخان)، وهو صريح: «لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم» وهذا كما سبق: ثلاثًا لا ينفي النهي عما هو أقل من ثلاث: ثلاثة أيام. 

قوله: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر، كان «يردف مولاة له يقال لها صفية تسافر معه إلى مكة» مولاة: يَعْنِي هو سيدها، وهو محرم لها، والمولى يطلق عَلَى العتيق، لَكِن الشارح حملها عَلَى أَنَّها أمة له، قَالَ: «كان يردف» الرديف: الذي تحمله خلفك عَلَى ظهر الدابة يقال له: رديف، «مولاة له» يَعْنِي: أمة لابن عمر، والسيد في حكم الزوج، هو يردفها لأنه سيدها ومالكها، والمولى يطلق عَلَى العتيق، ولا إنكار في هذا، أما إذا كانت عتيقة لها فلا يكون محرما لها، إذا أعتقها خلاص انتهت المحرمية؛ لِأَنّ المحرمية تنتهي وتزول بعتق أمته؛ إذا اعتقها صارت حرة الآن ولا يكون محرمًا لها، لو فرضنا أن مولاة له أعتقها ثم سافر بها اجتهادًا فلا يكون حجة. 

«يردف مولاة له يقال لها صفية» فهل المولاة عتيقة أو تَحْتَ ملكه الآن؟ إن كانت تَحْتَ ملكه ما فيهِ إشكال هو سيدها، وإن كانت عتيقة فلا، يمكن هذا من اجتهاد اِبْن عمر، والحجة في كتاب الله وسنة رسوله r، والصحابي قد يجتهد ويكون اجتهاده خلاف الصواب. 

فإن قيل: يمكن ما نقول هو محرمها من الرضاعة مثلًا؟ 

لا، كيف يكون محرما لها من الرضاع، هي أمة. 

(المتن) 

باب: لا صرورة في الإسلام. 

1729- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد يعني سليمان بن حيان الأحمر، عن ابن جريج، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صرورة في الإسلام». 

(الشرح) 

الصرورة: هو الذي لم يحج قط، وهذا النفي معناه النهي، أو الذي انقطع عن النكاح عَلَى طريقة الرهبان، في الموطأ قَالَ مالك: الصرورة من النساء الَّتِي لم تحج قط، لأنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كَانَ لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج، ولتخرج في جماعة النساء. 

وفي النهاية: «لا صرورة في الإسلام» قَالَ أبو عبيد: هو في الحديث التبتل وترك النكاح، والصرورة أيضًا: الذي لم يحج قط، والصرورة أصله من الصر وهو الحبس والمنع، وقيل: أراد من قتل في الحرام قُتل ولا يُقبل منه أن يقول: إني صرورة ما حججت ولا عرفت حرمة الحرم، كَانَ الرجل في الجاهلية إذا أحدث حدثًا فلجأ إِلَى الكعبة لم يهاجم، فكان إذا لقيه ولي الدم في الحرم قيل له: هو صرورة فلا تهجه. انتهى كلام الخطابي. 

والصرورة تفسر تفسيرين: أحدهما: أن الصرورة هو الرجل الذي قد انقطع النكاح، وتبتل على مذهب رهبانية النصارى. 

والآخر: أن الصرورة هو ارجل الذي لم يحج. 

فمعناه على هذا: أن سنة الدين ألا يبقى أحدٌ من المسلمين يستطيع الحج فلا يحج؛ حتى يكون صرورة في الإسلام، والحديث هذا: حديث ابن عباس ضعيف؛ في سنده عمر بْنُ عطاء وهو اِبْن أبي الخوار قد ضعفه غير واحدًا من الأئمة، لَكِنْ الحديث معناه صحيح، الحديث ضعيف لَكِنْ معناه صحيح. 

والصرورة: هو الرجل الذي لم يحج، والمرأة التي لم تحج. 

معناه صحيح: وهو نفي لئن يكون الإنسان صرورة، لا تكن صرورة أي لا يبقى احد من المسلمين يستطيع الحج فلا يحج، إذا كنت تستطع الحج حُج ولا تكن صرورة، معنى الحديث صحيح، أن الحديث ضعيف لَكِنْ معناه صحيح، وهو نفي لأن يكون الإنسان صرورة، أي لا يبقى أحد من المسلمين يستطيع الحج فلا يحج، حتى يكون صرورة، بل عَلَيه الإنسان أن يبادر إِلَى الحج لحديث: «تعجلوا إِلَى الحج فَإِن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، ولحديث: «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا»، ولقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/97]. 

فالحديث وإن كان ضعيفا لكن معناه صحيح، " لا صرورة في الإسلام" معناه: لا يبقى تاركا للحج وهو يستطيع فيكون صرورة، بل عليه أن يبادر بالحج حتى لا يكون صرورة، وهذا معروف في اللغة الدارجة في ناس يسألون في الحج، يجي بعض العرب يقول: أنا صرورة، كثير يسألون في الحج: عندي ولد حج صرورة، يَعْنِي: أول سنة أحج الآن، فهي معروفة في اللغة حتى الآن يسألون في الحج، معنى الصرورة: الذي لم يحج، والحديث كما سبق ضعيف لَكِنْ معناه صحيح وأنه لا ينبغي للإنسان أن يكون صرورة وهو يستطيع الحج.  

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد