بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام عَلَى رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه في كتاب المناسك:
باب التزود في الحج.
1730- حدثنا أحمد بن الفرات يعني أبا مسعود الرازي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، وهذا لفظه قالا: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، قال أبو مسعود: كان أهل اليمن أو ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون فأنزل الله سبحانه: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة/ 197]؛ الآية.
(الشرح)
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب التزود في الحج) فهذه الترجمة علقها المؤلف رحمه الله بما ينبغي للحاج أن يتزود للحج من النفقة الَّتِي تكفيه ذهابًا وإيابًا حتى لا يحتاج إِلَى غيره، ذكر المؤلف حديث اِبْن عباس، وشيخ المؤلف أحمد بْنُ الفرات ومحمد بْنُ عبد الله المخرمي بفتح الميم وتشديد الراء، عن ابن عباس، قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، قال أبو مسعود: كان أهل اليمن أو ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون فأنزل الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة/197].
هذا الحديث صحيح أخرجه: البخاري، والنسائي، لكن سند المؤلف -رحمه الله- الذي ذكره هنا في سنده عمر بن عطاء، وهو ابن أبي الخوار: ضعفه غير واحد من الأئمة، لكن الحديث معناه صحيح، (..) ، الحديث هذا صحيح عن ابن عباس، أخرجه البخاري والنسائي، (..) وهو دليل عَلَى أَنَّه ينبغي للإنسان أن يتزود من النفقة في الحج حتى لا يحتاج إِلَى غيره، قوله: (كَانُوا يحجون) أي: يقصدون الحج، (ولا يتزودون) يَعْنِي: لا يأخذون الزاد مطلقًا أو يأخذون مقدار ما يحتاجون إليه في البرية، فيقولون: (نحن المتوكلون)، والحال أنهم المتواكلون أو المعتمدون عَلَى الناس، يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا، ويجعلون يسألون في مكة ويقولون: نحن نحج بيت الله ولا يطعمنا، كما سألوا في الطريق.
فأنزل الله سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا} يَعْنِي: خذوا زادكم من الطعام، واتقوا الاستطعام وسؤال الناس، {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة/197] يَعْنِي: الذي يتقي صاحبه عن السؤال، فمن التقوى: الكف عن السؤال، ومفعول تزودوا تقديره التقوى، يَعْنِي: تزودوا التقوى، "فإن خير الزاد التقوى".
وفي هَذِه الآية والحديث: إشارة إِلَى أن فعل الأسباب لا ينافي التوكل، بل هو الأفضل؛ لِأَنّ التوكل يجمع أمران: فعل الأسباب، والاعتماد عَلَى الله، وأما من أراد التوكل المجرد بزعمه عن الأسباب فهذا ليس توكلا عَلَى الحقيقة، التوكل: هو فعل الأسباب المشروعة والنافعة ثم الاعتماد عَلَى الله بحصول النتيجة.
والحاصل: أَنَّه ينبغي للإنسان أن يأخذ ما يكفيه في الحج من النفقة حتى لا يحتاج إِلَى غيره، فهو يتزود بتقوى الله عز وجل ويتزود من النفقة ما يكفيه.
فإن قيل: الْأَمْرِ هنا: {وَتَزَوَّدُوا}؟
أمر للوجوب، لا شك.
(المتن)
باب التجارة في الحج.
1731- حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، قال: قرأ هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم}[البقرة/ 198] قال: «كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات».
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف بسنده يزيد بْنُ أبي زياد، قد تكلم فيهِ جماعة من الأئمة لَكِنْ معنى الحديث صحيح، وأنه لا بأس بالاتجار في موسم الحج إذا كَانَ لا يؤثر عَلَى أداء المناسك، فله أن يبيع ويشتري ويستأجر ويؤجر ولو كَانَ حاجًا، يجوز للإنسان أن يؤجر سيارته في الحج ويحج معهم، ويجوز للإنسان أن يؤجر سيارته في وقت الموسم في أوقات الفراغ، وله أن يبيع، ويشتري، يبيع سجاجيد، يبيع شَيْئًا يحصل منه عَلَى النفقة، ولا حرج في ذلك، والله تعالى قَالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة/198]؛ فالحديث وإن كَانَ ضعيفا لَكِنْ معناه صحيح.
فإن قيل: هنا شرط بعد الإفاضة من عرفات؟
ولو قبله، سبب نزولها أن المسلمون تحرجوا التجارة في الحج فنزلت هَذِه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة/198]؛ كَانُوا لا يتجرون فأُمروا بالتجارة من باب الإرشاد، لا أمر إيجاب.
(المتن)
باب
1732- حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو معاوية، محمد بن خازم عن الأعمش عن الحسن بن عمرو، عن مهران أبي صفوان، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل».
(الشرح)
هذا الحديث ضعيف بسنده مهران أبو صفوان وهو مجهول، لَكِنْ الحديث له شواهد عند البيهقي كما ذكر الشارح، وحديث: «تعجلوا إِلَى الحج فَإِن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، والحديث الذي رواه الإمام مسلم: «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا»، وعلى الآية الكريمة: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/97]؛ والأصل في الأوامر أنها عَلَى الفور، «من أراد الحج فليتعجل» زاد البيهقي: «فَإِن أحدكم لا يدري ما يعرض له» يَعْنِي: من مرض أو حاجة، وفي لفظ: «فَإِنَّهُ قد يُمرض وتضل الضالة وتعرض الحاجة».
واستدل بقوله: «فليتعجل» عَلَى أن الحج واجبٌ عَلَى الفور، وإلى هذا ذهب الجمهور: إِلَى أن الحج واجبٌ عَلَى الفور كالإمام مالك، وأبو حنيفة، وأصحاب الشافعي، قَالَ الشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد: إنه عَلَى التراخي وليس عَلَى الفور، واحتجوا بأن النَّبِيِّ r حج سنة عشر، وفرض الحج كَانَ سنة خمس أو ست، وأُجيب بأنه قد اُختلف في الوقت الذي فُرض فيهِ الحج، ومن جملة الأقوال: أَنَّه فرض في سنة عشر، وعلى هذا فلا تأخير، ولو سُلم أَنَّه فُرض قبل العاشرة فتراخيه r إِنَّمَا كَانَ لكراهة الاختلاط في الحج بأهل الشِّرْك فإنهم كَانُوا يحجون ويطوفون بالبيت عراة، فَلَمّا طهر الله البيت الحرام منهم حج r فتراخيه كَانَ لعذر، ومحل نزاع التراخي مع عدم العذر.
عَلَى هذا: ينبغي للمسلم أن يبادر إِلَى الحج إذا استطاع؛ فَإِن الحج واجبٌ عليه عَلَى الفور وليس له التأخير.
فإن قيل: وإن أخره يأثم؟
عَلَى القول بأنه واجب عَلَى الفور يأثم، وعلى القول عَلَى التراخي لا يأثم.
(المتن)
باب الكري.
1733- حدثنا مسدد، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال:حدثنا العلاء بن المسيب، قال:حدثنا أبو أمامة التيمي، قال: كنت رجلًا أكري في هذا الوجه وكان ناس يقولون لي إنه ليس لك حج فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه وإن ناسًا يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار، قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجًا، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم}[البقرة/198] فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية وقال: «لك حج».
(الشرح)
(باب الكري) هَذِه الترجمة عقدها المؤلف لبيان حكم التأجير في الحج، وذلك أَنَّه كما يجوز البيع والشراء في الحج كذلك يجوز التأجير، إذا كَانَ الإنسان عنده دابة يؤجرها أو سيارة فله أن يؤجرها، يكون صاحب سيارة يدخل إِلَى مكة من منى إِلَى عرفات ويؤجرها للناس فلا حرج في ذلك.
ذكر المؤلف حديث أبو أمامة التيمي قَالَ: (كنت رجلًا أكري في هذا الوجه) يَعْنِي: في سفر الحج، (وكان ناس يقولون لي إنه ليس لك حج) ليس لك حج وأنت تؤجر أنت أتيت للحج أم أتيت تؤجر، (فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه) {أؤجر دابتي} (وإن ناسًا يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار) يَعْنِي: تؤدي المناسك.
(قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجًا) لأنك أديت المناسك، ثم استدل اِبْن عمر فَقَالَ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة/198] فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية وقال: «لك حج» يَعْنِي: يصح لك حجك مع الكراء.
وهذا الحديث في سنده كما قَالَ المنذري: أبو أمامة، قَالَ: هذا لا يُعرف اسمه، وروى عنه العلاء بْنُ المسيب بن عمر، والفقيمي، وقال أبو زرعة: كوفي لا بأس بِهِ.
فإن قيل: الآن السائقون أحيانًا اللي يتعذرون بمشاكل هل ممكن يؤخرون رمي الجمار، بَعْضُهُم يقول: أحيانًا ما يقدر يقف قريب؟
(..) لو أخرها إلى يوم الثالث ورتبها صح، كلها أيام للرمي، قالوا: لو أخرها لليوم الثالث ثم رماها مرتبة صح، واللي رخص للسقاة والرعاة يرمون يوم العيد ثم يذهبون، ثم يأتون يوم الثاني عشر ويرمون؛ يومين، هذا إذا كَانَ الإنسان مريض أو مرافق للمريض أو ما أشبه ذلك أو طبيب فهذا حكمه حكم السقاة والرعاة، لَكِنْ الإنسان إذا كَانَ ليس له عذر ينبغي أن يؤدي كل عبادة في وقتها وهذا هو الأفضل وإن كَانَ يجزيه لو أخرها لليوم الثالث عشر ثم رمى جمرة العقبة بنية يوم العيد، ثم ذهب ورمى الثلاثة: (..) عن اليوم اليوم الحادي عشر،(..) ثم ذهب ورماها عن الثاني عشر، ثم ذهب ورماها عن الثالث عشر أجزأه قبل غروب الشمس، لَكِنْ الأفضل أن يؤدي كل عبادة في وقتها إِلَّا إذا كَانَ معذور وكان مريض لا بأس.
فإن قيل: يَعْنِي هكذا يكون الترتيب: رمي الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى؟
لابد من الترتيب.
(المتن)
1734- حدثنا محمد بن بشار، قال:حدثنا حماد بن مسعدة، قال:حدثنا ابن أبي ذئب، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عباس، أن الناس كانوا في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله سبحانه: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم}[البقرة/198] في موسم الحج. قال: فحدثني عبيد بن عمير، أنه كان يقرؤها في المصحف.
1735- حدثنا أحمد بن صالح، قال:حدثنا ابن أبي فُديك، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن عبيد بن عمير، قال: أحمد بن صالح كلامًا معناه أنه مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، أن الناس في أول ما كان الحج كانوا يبيعون، فذكر معناه إلى قوله مواسم الحج.
(الشرح)
(وسوق ذي المجاز) بفتح الميم والجيم، وكان ذو المجاز من ناحية عرفة إِلَى جانبها، وقال اِبْن الكلبي: إنه كَانَ لهذيل عَلَى فرسخ من عرفة، أما قول البرماوي كالكرماني: إنه موضع بمنى كَانَ له سوق في الجاهلة مخالف لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كَانُوا لا يبيعون ولا يبتاعون بعرفة ولا منى، لَكِنْ يرد قول مجاهد هذا ما رواه المؤلف، والحاكم في مستدركه من حديث اِبْن عباس: (أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج).
قوله: (مواسم الحج) جمع موسم، ومواسم الحج يَعْنِي مجتمعها، فأنزل الله سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة/198] في مواسم الحج. قال: فحدثني عبيد بن عمير، أنه كان يقرؤها في المصحف.
ورواه الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن عكرمة أَنَّه كَانَ يقرؤها كذلك، ورواه اِبْن أبي عمر في مسنده: كَانَ اِبْن عباس يقرؤها: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة/198] في مواسم الحج.
قَالَ المنذري: الحديث الأول رواه اِبْن أبي ذئب عن عطاء بْنُ أبي رباح عن عبيد بْنُ عُمير عن اِبْن عباس، هذا الحديث الأول، الحديث الثاني: (رواه اِبْن أبي ذئب عن عُبيد بْنُ عُمير قَالَ أحمد بْنُ صالح كلامًا معناه أنه مولى ابن عباس، عن عبد الله ابن عباس) يَعْنِي الحديث الأول من رواية ابن أبي ذئب عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس، والثاني من رواية ابن أبي ذئب عن عبيد بن عمير: يعني: هنا أسقط ابْن أبي رباح.
قَالَ الحافظ أبو القاسم الدمشقي: المحفوظ رواية عطاء عن عبيد الليثي المكي، فأما عبيد بْنُ عُمير راوي ابن عباس فهو غير مشهور، ولم يذكر اِبْن أبي ذئب عبيد بْنُ عمير فلعلهم اثنان رويا الحديث إن صح قول ابن صالح، وعلى هذا فتكون (في مواسم الحج) هَذِه قراءة شاذة حكمها عند الأئمة حكم التفسير، كما قَالَ الحافظ، فلا تصح قراءة فتكون تفسيرا: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة/198] في مواسم الحج.
(في مواسم الحج) هَذِه قراءة شاذة فتحمل على أنها تفسير، فتصح على أنها تفسير، ولا تصح قراءة، لا يُتعبد بها في القراءة ولكنها تفسير، إذا لم تصح القراءة كانت تفسير، {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة/198] في مواسم الحج.
وعلى هذا فلا بأس للبيع والشراء والاتجار في مواسم الحج، ولو في منى، ولو في عرفة ما لم يؤثر عَلَى مناسك الحج، إذا كان هذا لا يؤثر على مناسك الحج فلا بأس بالاتجار والبيع والشراء والتأجير.
(المتن)
باب في الصبي يحج.
1736- حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء فلقي ركبًا فسلم عليهم، قال: «من القوم؟ فقالوا: المسلمون، فقالوا: فمن أنتم؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها، قالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه: الإمام مسلم، والنسائي، وفيه: أن هَذِه المرأة أخرجت هذا الصبي، وقد لقيهم النَّبِيِّ r بالروحاء، والروحاء: موضع عَلَى نحو أربعين ميلًا من المدينة، وقيل: ستة وثلاثين ميلًا، والركب: جمع راكب، من صحب: جمع صاحب، وهو العشرة فما فوق من أصحاب الإبل في السفر دون بقية الدواب، ثم اتسع كل جماعة قالوا: «من القوم؟» هذا استفهام فقالوا: المسلمون، فقالوا: فمن أنتم؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها» محِفة: يحتمل بكسر الميم كاسم الآلة مثل مطرقة، ويحتمل فتحا محَفة، وهو مركب من مراكب النساء كالهودج إِلَّا أَنَّه لا يوجد بِهِ تقبب كما يتقبب الهودج.
«قالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر» وعلى هذا فيكون الصبي له حج، إذا حج وليه وثوابه له، ووليه له أجر العون أو السبب، "قال: نعم، ولك أجر" فالحج له: للصبي ولوليه أجر الإعانة والتسبب.
قَالَ الخطابي: إِنَّمَا كَانَ له حج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبًا عن فرضه لو بقي وبلغ وأدرك مدرك الرجال، يَعْنِي: ما يجزيه عن حج الفريضة إذا بلغ، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض، وَلَكِن يُكتب له أجرها تفضلًا من الله سبحانه وتعالى، ويُكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجرٌ، إذا كَانَ له حج عُلم أَنَّه لابد أن يؤدي مناسك الحج فيوقف بالصبي المواقف كلها، ويُطاف بِهِ حول البيت محمولًا إن لم يطق المشي، وَكَذَلِكَ يسعى بِهِ بين الصفا والمروة.
قالوا: وفي معناه المجنون إذا كَانَ ميئوسًا من إفاقته، قالوا: وفي ذلك دليل عَلَى أن حجه إذا فسد ودخله نقص فَإِن جبرانه واجبٌ عليه كالكبير، وإن اصطاد صيدًا لزمه الفداء كما يلزم الكبير، الصغير مثل الكبير، ويُجرد من المخيط إذا كَانَ ذكرًا، ويكشف رأسه، ولو لزمه غرامة تكون في ماله كما ألزمه لو أتلف مالًا لإنسان فيكون غرمه في ماله، أو يكون وجوبه عَلَى وليه إذا كَانَ هو الحامل له عَلَى الحج، والنائب عنه، وفي ذلك نظر، وفيه اختلاف بين الفقهاء.
فالحديث دليل عَلَى صحة حج الصبي، وقال بعض أهل العراق: لا يحج الصبي الصغير لِأَنَّهُ ليس له حج، والسنة أولى ما اُتبع.
فإن قيل: الطواف بِهِ والسعي يكفي مرة واحدة ولا لازم كل مرة؟
إذا كَانَ الحامل ينوي لنفسه فلابد للمحمول أن يطاف طواف آخر، إِلَّا إذا كَانَ المحمول ينوي إن كَانَ صبيًا مميزًا فالمحمول ينوي عن نفسه والحامل ينوي عن نفسه، أما إذا كَانَ ليس له نية فليس له أن يجمع بين نيتين، ينوي الطواف عن نفسه وعن الصبي، فَقَالَ بعض العلماء: إِلَى أَنَّه يكفيه نية واحدة وذكر هذا شيخ الإسلام في منسكه أَنَّه يكفيه نية واحدة عن الحامل، وَلَكِن الأحوط أن يطوف لنفسه طوافًا مستقلًا وللصبي طوافًا مستقلًا إِلَّا إذا كَانَ مميزًا ينوي عن نفسه، إذا كَانَ الحامل والمحمول ينويان عن نفسيهما فهذا لا إشكال فيهِ.
فإن قيل: ما يكون فيهِ مشقة إذا كَانَ عنده عدة أولاد؟
الحج فيهِ مشقة، التكاليف لابد فيها من المشقة، لَكنها مشقة محتملة، ما سميت تكاليف إِلَّا لِأَنّ فيها مشقة.
فإن قيل: (..)
لا، كالكبير ليس له ذلك.
(المتن)
باب في المواقيت.
1737- حدثنا القعنبي، عن مالك، ح وحدثنا أحمد بن يونس، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم».
1738- حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، وعن ابن طاوس، عن أبيه، قالا: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه، وقال: أحدهما ولأهل اليمن يلملم، وقال أحدهما: ألملم، قال: فهن لهم، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك. قال ابن طاوس: من حيث أنشأ قال: وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها.
(الشرح)
(باب في المواقيت) المواقيت تطلق عَلَى المواقيت الزمنية والمواقيت المكانية، والمراد هنا المواقيت المكانية، ذكر المؤلف حديث اِبْن عمر: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم» هذا الحديث أخرجه: الشيخان، والنسائي، وابن ماجة.
والحديث الثاني: حديث طاوس عن اِبْن عباس أَنَّه قَالَ: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي ما سبق: لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن مثل الحديث الأول، وقال: «أحدهما ولأهل اليمن يلملم وقال أحدهما: ألملم» وتسمى الآن السعدية، وقرن المنازل لأهل نجد يسمى: السيل الكبيرة أو وادي محرم، «قال: فهن لهم، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك قال ابن طاوس: من حيث أنشأ قال: وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها».
والحديث أخرجه: البخاري أيضًا، ومسلم، والنسائي، قوله: «وقت رسول الله» يَعْنِي: جعل ميقاتًا للإحرام، والمراد بالتوقيت: التحليل، ويحتمل تعليق الإحرام بوقت الوصول، وقال القاضي: وقت بمعنى حدد، وأصل التوقيت: أن يُجعل للشيء وقتٌ يختص بِهِ، وبيان مقدرا المدة ثم اُتسع فيهِ فأُطلق عَلَى المكان، والتأقيت كما قَالَ اِبْن الأثير: أن يُجعل للشيء وقتٌ يختص بِهِ وهو بيان مقدرا المدة.
قَالَ ابْن دقيق العيد: إن التأقيت في اللغة: تعليق الحكم بالوقت، ثم اُستعمل للتحديد والتعيين، وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت، قد يكون وقت بمعنى: أوجب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء/103].
«وقت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة» تصغير الحلفة، مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل وهو عشر مراحل وهو أبعد المواقيت عن مكة، (..) والحليفة: تصغير: حلفة، وهو نوع من الشجر وسمي بِذَلِكَ: لِأَنَّهُ كَانَ يكثر الشجر في هذا المكان فسمي ذا الحليفة، وهذا المكان هو أبعد المواقيت هو عشر مراحل وهو أبعد المواقيت عن مكة بينما المواقيت الأخرى مرحلتين وكذا، ميقات أهل نجد، ميقات أهل الشام، ميقات أهل اليمن، كلها قريبة، فما الحكمة في بعد ميقات أهل المدينة؟ الله أعلم، لَكِنْ قد تلتمس الحكمة يقال: لعل الحكمة تقارب الحرمين، فما يتجاوز الإنسان الحرم المدني حتى يدخل في المواقيت فيتلبس بما يتعلق بالحرم المكي، والآن قريب الآن ووصلت له البنيان؛ ميقات أهل المدينة.
قوله: والثاني لأهل الشام الجحفة، وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل، وجلست مدة قد خربت وصار الناس يحرمون من الرابغ، والرابغ قبلها بيسير، فمن أحرم من الرابغ فقد أحرم منها، لكنها أُعيدت الآن، أُعيد الميقات الآن وبُني حوله مغاسل، وقد رأيناه وأحرمنا منه، وهو واسع، وصار الناس يُحرمون من الجحفة الآن.
قوله: «ولأهل نجد قرن» وهو قرن المنازل، ويقال: وادي (..)السيل الكبير، وادي محرم، والسيل الكبير: وادي محرم من جهة الهدى، هو الوادي نفسه، قال: «وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم» هذا رواه ابن عمر بلاغًا ولكنه ثابت في حديث اِبْن عباس: «وقت لأهل اليمن يلملم، ويقال: ألملم"، ويسمى الآن السعدية.
الحديث الثاني: حديث طاوس عن اِبْن عباس، وفيهِ زيادة قَالَ: «فهن لهم، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة» يَعْنِي: هَذِه المواقيت وقتها رسول الله r لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن يريد الحج والعمرة، فإذا مر الشامي -ميقاته الجحفة- عَلَى ميقات أهل اليمن يَجِبُ عليه أن يُحرم بميقات أهل اليمن، وإذا مر النجدي لزيارة المدينة فَإِنَّهُ يَجِبُ عليه أن يُحرم من ميقات أهل المدينة وهكذا. قَالَ: «هن لهم، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة».
وفيه: دليل عَلَى أن من لا يريد الحج والعمرة لا يَجِبُ عليه الإحرام، لقوله: «ممن يريد الحج والعمرة» وهذا هو الصواب في هَذِه المسألة، وذهب الحنابلة وجماعة إِلَى أن من مر بالمواقيت: من أراد دخول مكة يَجِبُ عليه أن يُحرم سواءٌ أراد العمرة أو لم يُرد، وقالوا: إن هذا من خصائص مكة لا يدخلها أحد إِلَّا محرمًا، والصواب: أَنَّه لا يجب عليه، يجوز أن يدخلها بدون إحرام إذا كَانَ لا يريد العمرة، دخلها للزيارة، أو للتجارة، أو للتعزية، أو لطلب العلم، فلا بأس، والدليل عَلَى ذلك أن النَّبِيِّ r دخلها يوم الفتح وعلى رأسه المغفر ولم يُحرم، دل عَلَى أَنَّه يجوز دخول مكة من غير إحرام إذا كَانَ لا يريد الحج والعمرة، وهذا هو الصواب، وفي الحديث قَالَ: «ممن يريد الحج والعمرة» فمفهومه: أن من لا يريد الحج والعمرة فلا يَجِبُ عليه أن يُحرم.
قال: «ومن كان دون ذلك قال ابن طاوس: من حيث أنشأ» يَعْنِي: من كَانَ مسكنه دون المواقيت فمن مسكنه يُحرم، أهل جدة من جدة، وأهل بحرة، وأهل (..)كلهم يُحرمون من مساكنهم.
قوله: «وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها» حتى أهل مكة يهلون للحج من مكة من بيوتهم، أما العمرة فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أن يخرجوا إِلَى الحِل، إذا أرادوا العمرة لِأَنّ النَّبِيِّ r أمر عائشة لما كانت في مكة وأرادت العمرة أن تخرج إِلَى التنعيم، وقال لأخيها عبد الرحمن: «اخرج بأختك عن الحرم فلتُحل» فخرج بها إِلَى التنعيم وهو أول الحِل فأحرمت، فدل عَلَى أن المكي إذا أراد العمرة فَإِنَّهُ يخرج من الحرم، أما الحاج فَإِنَّهُ يُحرم من مكانه.
وإذا مر مثلا الشامي ودخل المدينة، فَإِنَّهُ في هَذِه الحالة يَجِبُ عليه أن يُحرم من المدينة، فإذا لم يُحرم وأحرم من ميقاته فَإِنَّهُ في هَذِه الحالة يكون أساء وعليه دم عند جمهور العلماء، وذهب الإمام مالك إِلَى أَنَّه ليس عليه شيء، يُحرم من ميقات بلده وليس عليه شيء، لَكِنْ الأحوط أن يُحرم من الميقات الذي مر بِهِ. وكذلك الأحناف والمالكية: لا حرج عليه.
فإن قيل: جدة ما تعتبر؟
جدة ميقات لأهلها، إِلَّا أهل السواكن في السودان يقولون: إنهم يصلون جدة قبل أن يحللوا الميقات، عَلَى هذا تكون ميقات لهم، قبل أن يحللوا الميقات يحرمون منها.
(المتن)
1739- حدثنا هشام بن بهرام المدائني، قال: حدثنا المعافى بن عمران، عن أفلح يعني ابن حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقت لأهل العراق ذات عرق».
(الشرح)
وهذا أخرجه النسائي، «وقت لأهل العراق ذات عرق» بكسر العين المهملة وسكون الراء، بينه وبين مكة مرحلتان، سمي بِذَلِكَ لِأَنّ فيهِ عرقًا وهو الجبل الصغير، وهو والعقيق متقاربان لَكِنْ العقيق قُبيل ذات عرق.
(المتن)
1740- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، قال:حدثنا وكيع، قال:حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق».
(الشرح)
العقيق: وادٍ، سمي عقيقًا لِأَنّ السيل عقه أي شقه، وذات عرق: جبل بعد العقيق، فإذا أحرم من العقيق فقد احتاط كما قَالَ الشافعي وجمع بين الحديثين، يَعْنِي: العقيق قبل ذات عرق، الحديث الأول حديث عائشة: «أن النَّبِيِّ وقت لأهل العراق ذات عرق».
وحديث ابْن عباس: «أن النَّبِيِّ r وقت لأهل المشرق العقيق»، والعقيق واد سمي عقيقًا لِأَنّ السيل عقه ، وذات عرق جبل بعد العقيق، فإذا أحرم من العقيق فقد احتاط كما قَالَ الشافعي؛ لِأَنَّهُ قبل ذات عرق، والحديث هذا أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن، لكنه حديث منقطع، فَإِن محمد بْنُ علي لم يسمع من جده عبد الله بْنُ عباس، محمد بْنُ علي بْنُ عبد الله بْنُ عباس عن ابن عباس، محمد بْنُ علي لم يسمع من جده ابْن عباس كما قال الحافظ ابن القيم، وفي إسناده أيضًا يزيد بْنُ أبي زياد وهو ضعيف، والأصح عند الجمهور: أن النَّبِيِّ r ما بين لأهل المشرق ميقاتًا وَإِنَّمَا حده لهم عمر رضي الله عنه حين فتح العراق؛ لأن الحديث منقطع، فعلى هذا يكون عمر رضي الله عنه هو الذي حده لهم.
وقال الشافعية: أن يُحرم من العقيق احتياطًا وجمعوا بين الحديثين، وقال الكرماني: اختلفوا في ذات عرق صارت بتوقيت رسول الله r أم باجتهاد عمر؟ والأصح هو الثاني كما هو لفظ الصحيح، وعليه نص الشافعي، فصحح العيني الأول وأن النَّبِيِّ هو الذي وقتها، ولو صح أن النَّبِيِّ وقتها يكون عمر جاء للعراق وقالوا: يا أمير الْمُؤْمِنِينَ إن قرن المنازل جورٌ عن طريقنا، يَعْنِي: مائلة عنا، فوقت لهم ذات عرق، فعَلَى هذا يكون اجتهاد عمر وافق النص، ولا مانع من هذا لِأَنّ عمر معروف له مواقف يوافق فيها النص، فالخلاف هل اللي وقتها لأهل العراق النَّبِيِّ r أو وقتها عمر؟ قولان لأهل العلم، لَكِنْ هذا الحديث «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق ذات عرق» هذا منقطع والحديث ضعيف، والحديث الأول حديث عائشة أخرجه النسائي.
فإن قيل: المواقيت توقيفية؟
المواقيت توقيفية، لَكِنْ قال أكثر العلماء أَنَّه لو مر بطريق لا يمر بمواقيت فيكون عَلَى مرحلتين أو يحاذي إِلَى حلقة أقرب منها، فيكون عَلَى هذا عمر رضي الله عنه اجتهد.
اِبْن القيم ذكر في هذا الحديث الآخر قَالَ: اِبْن قطان علته الشك في اتصاله فإن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يرويه عن ابن عباس، ومحمد بن علي إنما هو معروف في الرواية عن أبيه عن جده ابن عباس، وفي صحيح مسلم حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس أنه رقد عند رسول الله ـr ـ الحديث وحديثه عن أبيه عن جده أن رسول اللهr ـ أكل كتفًا أو لحمًا ثم صلى ولم يمس ماء. قال: ولا أعلم روى عن جده إلا هذا الحديث، يعني وقت لأهل المشرق وأخاف أن يكون منقطعًا ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه روى عن جده وقال مسلم في كتاب التمييز: لم يعلم له سماع من جده ولا أنه لقيه، فيكون هذا منقطعا ضعيفا، ولهذا قَالَ العلماء: إن التوقيت من عمر ليس من النَّبِيِّ r.
فإن قيل: الآن معروف ذات عرق؟
أُعيد الآن، رأيناه الآن، كَانَ بِهِ مفرق وكانوا قبل سنة يشتغلون فيهِ، وأظنه انتهى، قبل الطائف بحوالي 25 كيلو في مفرق له.
السيل بعده بمسافة قالوا لعمر: جورٌ عن طريقنا، بعيد عن طريقنا يا أمير الْمُؤْمِنِينَ، فوقت لهم ذات عرق، ولاسيما لما كَانَ لا يوجد سيارات، في زمن السيارات الْأَمْرِ سهل، لَكِنْ لما كَانت المواصلة عَلَى الدواب وعلى كذا وليس هناك طرق مسفلتة فيكون بعيد عنهم، يكلفنا ويشق علينا، فحد لهم ذات عرق.
(المتن)
1741- حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن أبي فديك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس، عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي، عن جدته حكيمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهل بحجة، أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر أو وجبت له الجنة». شك عبد الله أيتهما قال. قال أبو داود: يرحم الله وكيعًا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة.
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه اِبْن ماجة، والحديث ضعيف كما قَالَ الحافظ بْنُ القيم، قَالَ غير واحد من الحفاظ: إسناده ليس بالقوي، وعلى هذا فلا يُشرع الإحرام قبل الميقات، فينبغي للإنسان أن يُحرم من الميقات، وهل ينعقد الإحرام لو أحرم قبل الميقات؟ خلاف بين العلماء عَلَى قولين:
منهم من قَالَ: يصح الإحرام.
ومنهم من قَالَ: لا يصح.
ويحنس: بضم أوله وفتح المهملة، قَالَ: «من أهل» يعني من أحرم «بحجة، أو عمرة» (...) من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» يَعْنِي: من الصغائر، «أو وجبت له الجنة» هذا لو صح.
قَالَ الخطابي: فيهِ جواز تقديم الإحرام عَلَى الميقات من المكان البعيد مع الترغيب فيهِ، وقد فعله غير واحد من الصحابة وذكر ذلك جماعة، وأنكر عمر بْنُ الخطاب رضي الله عنه عَلَى عمران بْنُ حصين إحرامه من البصرة، وكرهه الحسن البصري وعطاء بْنُ أبي رباح، مالك، وأنس، وقال أحمد بْنُ حنبل: وجه العمل المواقيت، وَكَذَلِكَ قَالَ إسحاق، قلت: يشبه أن يكون عمر رضي الله عنه إِنَّمَا أنكر ذلك شفقة أن يعرض للمحرم إذا بعدت المسافة آفة تفسد إحرامه، ورأى أن ذلك في أقصر المسافة أسلم، والله أعلم.
قَالَ المنذري: وأخرجه اِبْن ماجة ولفظه: «من أهل بعمرة من بيت المقدس غُفر له».
وفي رواية: «من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب» وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا، حكى الأسلم عن أحمد أن سُئل: في أي سنة وقت النَّبِيِّ r المواقيت؟ قَالَ: عام حج، وهذا الحديث حديث أم سلمة ضعيف كما هو معلوم.
قَالَ الحافظ اِبْن القيم: قال غير واحد من الحفاظ إسناده ليس بالقوي وقد سئل عبد الله بن عبدالرحمن بن يحنس هل قال: "ووجبت له الجنة" أو قال: "أو وجبت" بالشك بدل قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» هذا هو الصواب بأو. وفي كثير من النسخ ووجبت بالواو وهو غلط؛ والله أعلم.
عَلَى هذا يكون الحديث ضعيف فلا يُشترط للإنسان أن يُحرم قبل الميقات، وإذا أحرم فهل ينعقد أو لا ينعقد؟ عَلَى قولين: والأقرب أَنَّه ينعقد لكنه لا يُشرع له أن يُحرم قبل الميقات، إِلَّا إذا أراد الاحتراز كَانَ في الطائرة مثلًا وخشي أن يتجاوز الميقات بالطائرة لِأَنَّهَا تمر سريعًا فإذا احتاط قبل ذلك فلا يضره.
(المتن)
1742- حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، قال: حدثنا عبد الوارث، قال:حدثنا عتبة بن عبد الملك السهمي، قال:حدثني زرارة بن كريم، أن الحارث بن عمرو السهمي، حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى أو بعرفات وقد أطاف به الناس قال: فتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك قال: «ووقت ذات عرق لأهل العراق».
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه النسائي وقال: في إسناده من هو غير معروف، وعلى هذا الحديث ضعيف لجهالة بعض رواته، فلا يصح توقيت النَّبِيِّ لأهل العراق، وعلى هذا فيكون الأصح أن عمر هو الذي وقتها، وعمر ملهم ويوافق اجتهاده النصوص في مواضع.
(المتن)
باب الحائض تهل بالحج.
1743- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال:حدثنا عبدة، عن عبيد الله، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن تغتسل فتهل».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه مسلم، وابن ماجة، وفيه: دليل عَلَى استحباب اغتسال النفساء وكذا الحائض للإحرام، يستحب للنفساء أن تغتسل وتحرم، وكذلك الحائض، وغيرهما من باب أولى.
قوله: «نُفِست» بكسر الفاء لا غير مع ضم النون في النفاس، وفتحها في الحيض، النفاس يقال: نُفِست، وفي الحيض يقال: نَفِست، والحيض يسمى نفاس، هذا هو المشهور وقد يطلق أحدهما عَلَى الآخر، الحديث فيهِ: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب الاغتسال للإحرام وهو مجمعٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، قَالَ النووي: لَكِنْ مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور: أَنَّه مستحب الغسل للنفساء، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب، والمشهور بين العلماء أَنَّه مستحب، غُسل الإحرام مستحب فلو تركت فلا حرج عليها، لَكِنْ الحسن وأهل الظاهر يرون أَنَّه واجب وعلى هذا تأثم، والحيض والنفساء يصلح لهما جميع أعمال الحج إِلَّا الطواف وركعتيه لقول النَّبِيِّ r لعائشة: «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري».
وفيه: أن ركعتي الإحرام ليستا بشرط لصحة الحج؛ لِأَنّ أسماء لم تصلها لِأَنَّهَا نفساء، وقوله: «بالشجرة» في رواية(..): «بذي الحليفة» وفي رواية: «بالبيداء» هَذِه مواضع ثلاثة متقاربة، فالشجرة بذي الحليفة، وأما البيداء فهي في طرف ذي الحليفة، قال القاضي: ويحتمل أنها نزلت بطرف البيداء لتبعد عن الناس، وكان منزل النَّبِيِّ r بذي الحليفة، قوله: «بالشجرة» هو الميقات، سمي بالشجرة لِأَنَّهُ يوجد الشجر هناك.
فإن قيل: الحائض والنفساء ما يكون واجب في حقهم الغسل لهذا الحديث؟
المعروف أَنَّه مستحب، هذا المعروف عند الجماهير. (..).
(المتن)
1744- حدثنا محمد بن عيسى، وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر، قالا: حدثنا مروان بن شجاع، عن خصيف، عن عكرمة، ومجاهد، وعطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت تغتسلان، وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت» قال أبو معمر، في حديثه حتى تطهر ولم يذكر ابن عيسى عكرمة ومجاهدًا، قال: عن عطاء، عن ابن عباس، ولم يقل ابن عيسى كلها قال: «المناسك إلا الطواف بالبيت».
(الشرح)
نعم. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال: غريبٌ من هذا الوجه، والحديث هذا ضعيف بإسناده خصيف، خصيف بْنُ عبد الرحمن الحراني يكنى أبا عون ضعفه غير واحد من أهل العلم، وَلَكِن المعنى صحيح: «الحائض والنفساء إذا وصلتا الميقات تغتسلان، وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت» ويؤيده قول النَّبِيِّ r لعائشة: «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري».
(قال أبو معمر، في حديثه حتى تطهر ولم يذكر ابن عيسى، عكرمة ومجاهدًا، قال: عن عطاء، عن ابن عباس، ولم يقل ابن عيسى، كلها قال: «المناسك إلا الطواف بالبيت»).
فإن قيل: لَكِنْ الآن النفساء تجلس فترة طويلة عادة فهل يرخص لها؟
نعم يرخص لها، في الحج وهو النهاية ما ينبغي للحاج أن يؤخر طواف الإفاضة عن شهر ذي الحجة إِلَّا الحائض والنفساء فإنها تتأخر، لَكِنْ الحائض غالبًا ما يزيد عن خمسة عشر يومًا وإذا زاد يكون نوعه استحاضة، وَلَكِن النفساء قد تطهر متى ما طهرت ما يضرها.
فإن قيل: ولو كانت مرتبطة بناس؟
تذهب وترجع.
فإن قيل: ما يذكر عن بعض الناس يُفتي أنها ممكن تستثفر أو كذا؟
لا، الحالات الخاصة هَذِه يقدرها المفتي بحينها.
(المتن)
باب الطيب عند الإحرام.
1745- حدثنا القعنبي، عن مالك، ح وحدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه، قبل أن يحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه، قبل أن يحرم» يَعْنِي: لأجل إحرامه قبل الدخول فيهِ، «ولحله قبل أن يطوف بالبيت» يَعْنِي: ولخروجه من الإحرام، فتطيبه قبل الإحرام لأجل الإحرام، وتطيبه بعد التحلل لخروجه من الإحرام، فدل هذا عَلَى مشروعية تطيب الحاج قبل الإحرام، والتطيب له بعد التحلل من الإحرام، قولها: أطيب: يَعْنِي: أعطر، لإحرامه: لأجل دخوله في الإحرام، إحلاله: خروجه من الإحرام، وهو الإحلال الذي يحل بِهِ كل محظور وهو طواف الزيارة، ويقال له طواف الإفاضة.
وقد كَانَ حل قبل ذلك بالرمي الذي يحل بِهِ الطيب ولبس الثياب ولا يُمنع إِلَّا من النساء، وفيه: دليل عَلَى استحباب التطيب عند فعل الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنه يبقى، ولا يضره بقاء لونه وريحه، كَانَ يُرى وبيص المسك، يَعْنِي: لمعانه في رأس رسول الله r في مفارق رأسه وفي لحيته r، فلا بأس باستبقائه، وإلى هذا ذهب الجماهير من الصحابة والتابعين، وذهب بعض العلماء إِلَى الخلاف وتكلفوا لهذه الرواية فقالوا: إن النَّبِيِّ r تطيب ثم اغتسل بعده فذهب الطيب، هذا تكلف؛ لِأَنَّهُم لا يرون هذا، فالذين لا يرون التطيب بالإحرام يقابلون الجمهور.
قَالَ النووي: الصواب ما قاله من أَنَّه يستحب الطيب للإحرام، لقولها: «لإحرامه» ومنهم من زعم أن ذلك خاصٌ بِهِ r ولا يتم ثبوت الخصوصية إِلَّا بدليل يدل عليها، بل الدليل قائم عَلَى خلافها، وما ثبت من حديث عائشة: «كنا ننضح وجوهنا بالطيب المسك قبل أن نُحرم فنعرق فنغسل وجوهنا ونحن مع رسول الله r فلا ينهانا».
رواه أبو داود وأحمد، بلفظ: «كنا نخرج مع رسول الله r إِلَى مكة فننضح جباهنا بالمسك الطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال عَلَى وجهها فيراه النَّبِيِّ r فلا ينهانا» ولو قَالَ هذا خاص بالنساء؛ لِأَنّ الرجال والنساء سواءٌ في الطيب بإجماع، والطيب يحرم عند الإحرام لا قبله وإن دام حاله، فَإِنَّهُ كالنكاح لأنه من دواعيه، النكاح: إِنَّمَا يمنع الواحد من ابتداءه لا من استدامته، فكذلك الطيب يمنع من ابتداءه لا استدامته، ولأن الطيب من النظافة، من حيث إنه يقصد به دفع الروائح الكريهة، كما بقصد بالنظافة إزالة ما يجمعه الشعر والظفر من الوسخ، ولهذا استحب أن يأخذ من شعره وأظفاره لكونه ممنوعا منه بعد الإحرام وإن بقي أثره.
فإن قيل: النساء لهن التطيب عند الإحرام؟
التطيب بالطيب كما سبق ما ظهر لونه وخفي ريحه، طيب الرجال هو ما ظهر ريحه وخفي لونه.
فإن قيل: وقت الطواف والاختلاط بالناس والرجال؟
ما ينبغي أن يكون له ريح.
(المتن)
1746- حدثنا محمد بن الصباح البزاز، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «كأني أنظر إلى وبيص المسك، في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم والنسائي، والبزاز شيخ المؤلف بزاءين قَالَ: «كأني أنظر إلى وبيص المسك»: لمعان المسك، «في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم».
قَالَ الحافظ: أرادت بِذَلِكَ قوة تحققها لذلك، بحيث أن شدة إحضارها له كأنها نظرت إليه، والوبيص هو البريق واللمعان، وقال الإسماعيلي: إن الوبيص زيادة عَلَى البريق وإن المراد بِهِ التلألؤ، وإنه يدل عَلَى وجود عين قائمة للريح فقط، «في مفرق» المكان الذي يفرق فيهِ الشعر في وسط الرأس.
(المتن)
باب التلبيد.
1747- حدثنا سليمان بن داود المهري، قال:حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم يعني ابن عبد الله، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم «يهل ملبدًا».
(الشرح)
التنلبيد: أن يجعل المحرم في رأسه صمغًا أو غيره ليتلبد بِهِ شعره يلتصق بعضه ببعض فلا يتخلل بالغبار، ولا يصيبه الشعث ولا القمل، وَإِنَّمَا يفعله من يطول مكثه في الإحرام، وهذا الحديث عن عبد الله بْنُ عمر قَالَ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم «يهل ملبدًا» أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
(المتن)
1748- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال:حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم «لبد رأسه بالعسل».
(الشرح)
هذا الحديث فيهِ عنعنة اِبْن إسحاق، وهو ثقة لكنه مدلس، قال: «لبد رأسه بالعسل» العسل روي بالمهملتين المفتوحتين، وروي بكسر المعجمة: الغِسل، والثاني هو الأقرب، «كَانَ يلبد رأسه بالغِسل» وهو ما يُغسل بِهِ الرأس من خطم ونحوه، أما بالمهملتين: بالعسل، فَإِن العسل ينتشر في الثياب ويلتصق ويؤذي وإن كَانَ له فوائد عظيمة لَكِنْ ليس هذا موضعه، ولو صح أن رسول الله r لا يقع عليه الذباب وأن هذا من خصائصه لَكِنْ الأمة تقتدي بِهِ في ذلك، فالأقرب لو صح لفظ الحديث: العسل، أَنَّه صمغ، وهو العرفط وهو عسل خاص له حلاوة، ليس هو العسل المعروف.
يَعْنِي: النحل ترعى شجر العرفط وشجر العرفط هذا له رائحة، فإذا أخرجت العسل صار العسل له رائحة من الشجر هذا، ولهذا لما تواطأت زوج النَّبِيِّ r حفصة وغيرها وقالوا: لو أتى عَلَيْهِمْ النَّبِيِّ r: «أجد فيك ريح المغاسير، قَالَ: شربت عسلا عند زينب ولن أعود» وكان النَّبِيِّ يكره أن توجد منه الرائحة الكريهة، قالوا: جرست نحله العرفط، يعني: رعت العرفط والعرفط: هذا الشجر الذي له رائحة كريهة، قال: صحيح شربت عسل لَكِنْ هذا العسل من شجر العرفط الذي له رائحة كريهة، فَقَالَ: «لن أعود».
فأنزل الله تعالى الآية: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}[التحريم/4].
فلو صح، قال بعضهم: إن رسول الله r لا يقع عليه الذباب أن يكون بيد رأسه بالعسل، وأن هذا من خصائصه، فالأقرب لو صح لفظ الحديث: العسل، أَنَّه صمغ، صمغ العرفط وهو عسل خاص له حلاوة، ليس هو العسل المعروف
وعلى كل حال: يُشرع للمسلم ولاسيما لو كَانَ مدة طويلة وكان له شعر بالرأس أن يلبد رأسه بشيء يمسك شعر رأسه إما بالعسل أو بغيره.
قَالَ اِبْن عبد السلام: العسل بمهملتين ويحتمل أَنَّه الغِسل بالمعجمية: وهو ما يُغسل بِهِ الرأس من خطمي وغيره.
فإن قيل: ألا يمنع وصول الماء في الوضوء؟
في الوضوء ليس المطلوب إيصال الماء، الوضوء مسح، يُمسح الرأس ولا يضره.
فإن قيل: الغِسل؟
الغِسل أو العسل، ففي رواية: «لبد رأسه بالعسل»، والرواية الثانية: «لبد رأسه بالغِسل» فلو يصح يكون العسل يكون العسل هذا من النوع الذي له رائحة، وأما الغِسل: الخطمي.
فإن قيل: كون النَّبِيِّ r لا يسقط عليه الذباب هل هذا نص صحيح؟
قَالَ بَعْضُهُم هذا والله أعلم.