شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_7

00:00
00:00
تحميل
96

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد: 

(المتن) 

قَالَ المؤلف رحمه الله: باب كيف التلبية. 

1812- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، «أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب كيف التلبية) هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان مشروعية التلبية للمحرم الحاج والمعتمر, وبيان كيفيتها, والتلبية مصدر لبى تلبية, مثل زكى تزكية, ومعنى: كيف التلبية؟ يَعْنِي: كيف قَالَ في تلبيته, كيف يقال: لبيك؟ والتلبية مثنى عند سيبويه وعند الأكثر أنها مثنى بقلب ألف ياء مع المُظهر, لبيك, ومعناه: التكثير والمبالغة وهو منصوب عَلَى المصدر يَعْنِي: المضمر يعني أجبتك إجابة بعد إجابة إِلَى ما لا نهاية, قَالَ اِبْن عبد البر: قَالَ جمع من أهل العلم إن التلبية معناها إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج, يَعْنِي: يا الله أجبناك بما دعوتنا, جاء في آثار عن اِبْن عباس وغيره أن إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت, قَالَ الله: أذن في الناس بالحج, قَالَ: يا رب وما يبلغ صوتي؟ فَقَالَ الله: أذن وعلي البلاغ, فنادى إبراهيم: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج للبيت العتيق, فسمعه ما بين السَّمَاء والأرض, وفي رواية: سمعه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ومن كتب الله له أن يحج. 

وجاء أيضًا عن اِبْن عباس أَنَّه قَالَ: «أجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء» قَالَ: وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاجًا يحج من يومئذٍ إِلَى أن تقوم الساعة إِلَّا من كَانَ أجاب إبراهيم, وقوله: «لبيك اللهم لبيك» تكرار تلبية بعد تلبية, وإجابة بعد إجابة, «إن الحمد» (ال) للاستغراق, يَعْنِي: جميع المحامد كلها لله تعالى ملكًا واستحقاقًا, (إن) لكسر الهمزة عَلَى الاستئناف, لِأَنَّهُ لما قَالَ لبيك استأنف فَقَالَ: إن الحمد, وروي أن الحمد عَلَى التعليل, لبيك اللهم لبيك أن الحمد لك بفتح الهمزة كأنه يقال: أجبتك لِأَنّ الحمد والنعمة لك, لَكِنْ الكسر أفصح وأجود, فالحمد والنعمة لله عَلَى كل حال, والنعمة بكسر النون هي الإحسان والمنة, و هي بالنصب, و قيل يجوز الرفع, «الملك» كذلك أيضًا معطوف عَلَى الحمد والنعمة, ويجوز الرفع, والملكُ أيضًا لك, هَذِه تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ يلزم هَذِه التلبية: «لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ومعني: (لا شريك بك) يَعْنِي: لا شريك لك في العبادة, لا شريك لك في الألوهية, ولا شريك لك في الربوبية, ولا شريك لك في الأسماء والصفات. 

(وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي, والترمذي وابن ماجة, وفي هذا الحديث جواز الزيادة عَلَى تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كما كَانَ اِبْن عمر يزيد, فجاء أيضًا عن اِبْن عمر وعن غيره أَنَّه قَالَ: «لبيك لبيكَ حقًا تعبدًا ورقًا» وكذا يقول: «يا رب يا رب» كما زاد فيها اِبْن عمر, فلو قَالَ: لبيك غفار الذنوب, فلا بأس, لَكِنْ لزوم تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أفضل؛ لِأَنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  لزم هَذِه التلبية وكان يسمع أصحابه يزيدون فلا يُنكر عَلَيْهِمْ, فدل عَلَى الجواز لَكِنْ لزوم تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هو الأفضل, «وسعديك» معناه: أسعدني إسعادًا بعد إسعاد, وإن كَانَ الأصل في معناه: أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد, وقيل المعنى: مساعدتنا عَلَى طاعتك بعد مساعدة, «والرغباء إليك» روي بالمد وروي بالقصر, الرغباء, والرغبا, ومعناه الطلب والمسألة, يَعْنِي: أنت المطلوب المسئول منه بيده جميع الأمور, «والعمل» يَعْنِي: والعمل له سبحانه لِأَنَّهُ المستحق للعبادة. وروي والرُّغباء إليك والعمل. 

وهذه التلبية أجمع العلماء عَلَى أنها تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  هي المشروعة: «لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» والزيادة لا بأس بها كما كَانَت الصحابة يزيدون, بَعْضُهُم قَالَ: «لبيك إله الحق لبيك» وهذا هو المشروع عند أهل العلم, وقال بعض العلماء خالفوا:قالوا لا ينبغي أن يُزاد عَلَى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم و ما علمه الناس, لَكِنْ هذا الحديث حجة عَلَيْهِمْ, وجاء عن سعد بْنُ أبي وقاص أَنَّه سمع رجلًا يقول: «لبيك ذا المعارج, فَقَالَ:إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم   ». 

والتلبية فيها خلاف لأهل العلم في حكمها, فيها أقوال: 

القول الأول: أنها سنة, ولو تركها فلا شيء عليه. 

القول الثاني: أنها واجب, ولو تركها فعليه دم. 

يَعْنِي لو لبى مرة كفى, لَكِنْ لو تركها ولم يلبِ ولا مرة واحدة لا شيء عليه عند جمع أهل العلم عَلَى القول بأَنَّها سنة, وقيل: إنها واجب يُجبر بدم. 

القول الثالث: أنها واجب, لَكِنْ يقوم مقامها فعل ما يتعلق بالحج كما قَالَ أصحاب هذا الرأي: لو كبر بدل التلبية أو هلل أو سبح ينوي بِذَلِكَ الإحرام فهو محرم. 

القول الرابع: أنها ركنٌ في الإحرام لا ينعقد إلا بها, حكاه اِبْن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة والمالكية وأهل الظاهر؛ الظاهرية قالوا: هي ركن وهي بمنزلة تكبيرة الإحرام للصلاة, كما أَنَّه إذا ترك تكبيرة الإحرام لا تنعقد صلاته فكذلك التلبية ركن. 

وكذلك أيضًا داود ذهب إِلَى مشروعية رفع الصوت بها, وهذا زائد عَلَى كونها ركنًا, لاشك أن رفع الصوت مشروع بالنسبة للرجال. 

فإن قيل: ما يُعمل بأنها ركن؟. 

إما سنة أو واجب هذا الأقرب, القول بأنها واجب قول قوي, القول بأنها ركن ما ينعقد الإحرام إِلَّا بها هذا فيهِ نظر.  

(المتن) 

1813- حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جعفر، حدثنا أبي، عن جابر بن عبد الله، قال: «أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر، قال: والناس يزيدون ذا المعارج, ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شَيْئًا». 

(الشرح) 

هذا أخرجه اِبْن ماجة, وسكوت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يدل عَلَى جواز الزيادة, قوله: «ذا المعارج» قَالَ بَعْضُهُم: المعارج من أسماء الله والمعارج هي المصاعد والدرج واحدتها معرج يريد معارج الملائكة من السَّمَاء, وقيل: المعارج الفواضل العالية, وفي رواية البيهقي: «ذا المعارج وذا الفواضل». 

(المتن) 

1814- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال: بالتلبية» يريد أحدهما. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة, وفيه: مشروعية رفع الصوت بالتلبية وهذا بالنسبة للرجال, أما المرأة فإنها لا ترفع صوتها وَإِنَّمَا تلبي بقدر ما تُسمع نفسها أو تُسمع رفيقتها الَّتِي بجوارها لئلا يفتتن أحدٌ بصوتها, والاقتصار عَلَى تلبية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاشك أَنَّه أفضل من الزيادة عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  والزيادة لا بأس بها خلافًا لمن منع, وهذا الحديث في مشروعية رفع الصوت في التلبية. 

ورفع الصوت مستحب للرجل لَكِنْ صوت بحيث لا يشق عَلَى نفسه, والمرأة لا تجهر وتقتصر عَلَى إسماع نفسها, وذهب داود الظاهري إِلَى أن رفع الصوت واجب, قَالَ الشوكاني: وهو ظاهر قوله: «فأمرني أن آمر أصحابي», قَالَ: ولاسيما و أفعال الحج وأقواله بيان لمجمل الواجب وهو قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران/97], وقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «خذوا عني مناسككم» قَالَ الخطابي: احتج بِهِ من يرى التلبية واجبة وهو قول أبي حنيفة, قَالَ أبو حنيفة: التلبية واجبة و قال من لم يلب لزمه دم؛ يَعْنِي: شاة يذبحها, وأما الشافعي فَإِنَّهُ يرى أنها سنة فمن لم يلب لا شيء عليه, فهي بين أن تكون سنة أو واجبا أما القول بأنها ركن هذا بعيد. 

فإن قيل: لو كانت المرأة بين أهلها لا تجهر؟. 

لو لم يكَن معها أحد لا بأس. 

(المتن) 

باب متى يقطع التلبية. 

1815- حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والترمذي والنسائي, وابن ماجة, «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة» بعد ذلك يبدأ التكبير, إذا رمى جمرة العقبة يُشرع في حقه التكبير, قَالَ الخطابي: ذهب عامة أهل الحديث في هذا إلى حديث الفضل بْنُ عباس دون حديث اِبْن عمر, فقالوا: «لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة», إِلَّا أنهم اختلفوا فَقَالَ بَعْضُهُم: يقطعها مع أول حصاة, وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وَكَذَلِكَ قَالَ الشافعي, وقال أحمد وإسحاق: يلبي حتى يرمي الجمرة ثم يقطعها, قَالَ بَعْضُهُم: إذا شرع في الرمي قطع التلبية, وقال بَعْضُهُم: لا يترك التلبية حتى يُنهي الرمي, وقال بَعْضُهُم: يلبي حتى تزول الشمس, والأقرب: أَنَّه إذا شرع في الرمي انتهت التلبية, كما أن أيضًا المتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية؛ طواف العمرة, والحاج إذا شرع في الرمي قطع التلبية, وقال بَعْضُهُم: يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة فإذا راح إِلَى المسجد قطعها, يَعْنِي: بَعْضُهُم يقول إذا راح للمصلى يوم عرفة يقطعها, وقال الحسن: يلبي حتى يصلي الغداة من يوم عرفة, فإذا وصل الغداة أمسك بها. 

في الصحيحين: «أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة». 

(المتن) 

1816- حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: «غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم بنحوه, فيهِ: أنه عند الذهاب إِلَى عرفات يُشرع التلبية ويجوز التكبير والتسبيح لا حرج, لَكِنْ الأفضل التلبية, منا الملبي ومنا المكبر فلو كبر أو سبح فلا حرج, لو قرأ الْقُرْآن, لَكِنْ الأفضل التلبية. 

فإن قيل: (...)؟. 

لا, إذا فعل اثنين من ثلاثة يتحلل خلاص, إذا حلق وطاف خلاص تحلل وانتهت التلبية. 

(المتن) 

باب متى يقطع المعتمر التلبية. 

1817- حدثنا مسدد، حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفًا. 

(الشرح) 

الباب السابق في: قطع الحاج للتلبية إذا رمى الجمرة, وهذا الباب في: (قطع المعتمر التلبية) ذكر حديث اِبْن عباس قَالَ: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» والحديث أخرجه الترمذي وقال: صحيح, وفي إسناده محمد بْنُ عبد الرحمن بْنُ أبي ليلى تكلم فيهِ جماعة من الأئمة, والحديث قال أبو داود: (رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفًا) يَعْنِي: روي موقوفًا وروي مرفوعًا. 

قوله: «حتى يستلم الحجر» استلم هو افتعل من السلام والتحية, وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحي, أي أن الناس يحيونه بالسلام, وقيل: استلم افتعل من السلامة وهي الحجارة واحدتها سلِمة, فقالوا: استلم الحجر إذا لمسه وتناوله, الترمذي رحمه الله قَالَ عَلَى هذا الحديث: حديث اِبْن عباس حديث صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم, وقالوا: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر, ثم ذكر الخلاف وقال بَعْضُهُم: إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية, والعمل عَلَى حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وبه قَالَ سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق, يَعْنِي يقولون: إذا بدأ في الطواف قطع التلبية؛ هذا كلام الترمذي والترمذي عنده اطلاع عَلَى أقوال أهل العلم. 

(المتن) 

باب المحرم يؤدب غلامه. 

1818- حدثنا أحمد بن حنبل، قال ح وحدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، أخبرنا عبد الله بن إدريس، أخبرنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجاجًا حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلنا فجلست عائشة رضي الله عنها إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إلى جنب أبي وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة مع غلام لأبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه فطلع وليس معه بعيره قال:أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة، قال: فقال أبو بكر: بعير واحد تضله قال: فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ويقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع! قال ابن أبي رزمة فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع! ويتبسم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه اِبْن ماجة وبوب عليه اِبْن ماجة في الترقي في الإحرام, ذكر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجاجًا حتى إذا كنا بالعرج» قرية الجامعة بينها وبين المدينة أيام, «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلنا فجلست عائشة رضي الله عنها إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إلى جنب أبي وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة» مركوب واحد دفعوه إِلَى غلام مولى لهم من العبيد أعطوه البعير ليحفظه. 

«مع غلام لأبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه» ينتظر هذا الغلام أن يأتي بالدابة, «فطلع وليس معه بعيره قال:أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة، قال: فقال أبو بكر: بعير واحد تُضله قال: فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ويقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع!» فكأنه تأديب يَعْنِي ليس ضربًا مبرحًا, «قال ابن أبي رزمة فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع! ويتبسم». 

هذا الحديث في إسناده محمد بْنُ إسحاق, ومحمد بْنُ إسحاق ثقة إذا صرح بالسماع لكنه مدلس, والمدلس إذا لم يصرح بالسماع يكون الحديث ضعيفًا, فهذا موقوف عَلَى سند آخر في تصريح اِبْن إسحاق بالسماع فالحديث صحيح, أو طريق أخرى يقويه. 

(المتن) 

باب الرجل يُحرم في ثيابه. 

1819- حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا همام، قال: سمعت عطاء، أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق, أو قال: صفرة وعليه جبة فقال: يا رسول الله، كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فلما سري عنه، قال: أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق أو قال: أثر الصفرة، واخلع الجبة عنك واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك». 

1820- حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن عطاء، عن يعلى بن أمية، وهشيم، عن الحجاج، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى, عن أبيه، بهذه القصة، قال فيه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخلع جبتك» فخلعها من رأسه، وساق الحديث. 

1821- حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني الرملي، قال حدثني الليث، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن يعلى ابن منية. 

(الشرح) 

نسب يعلى هنا إِلَى أمه. 

(المتن) 

عن أبيه، بهذا الخبر قال فيه «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعًا، ويغتسل مرتين أو ثلاثًا» وساق الحديث. 

(الشرح) 

كل هَذِه الأحاديث في قصة واحدة. 

(المتن) 

1822- حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت قيس بن سعد، يحدث عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وقد أحرم بعمرة وعليه جبة وهو مصفرٌ لحيته ورأسه». وساق هذا الحديث. 

(الشرح) 

هَذِه الروايات في ترجمة المؤلف: (باب الرجل يُحرم في ثيابه) يَعْنِي: في ثيابه الَّتِي عليه, ذكر السند الأول عن عطاء قَالَ: (أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه) عن أبيه يعلى, «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة» مكان الجعرانة قريب من حدود الحرم لَكِنْ التنعيم أقرب منه وقد أحرم منه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من الهجرة بعمرة ليلًا وانتهى منها ولذا خفيت عَلَى بعض الناس ولم يذكرها, فأعمر النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم سنة ست بالحديبية الَّتِي صُد عنها فتحلل, ثم أحرم في السنة السابعة عمرة القضاء, ثم أحرم في السنة الثامنة من الجعرانة, ثم في السنة العاشرة أحرم بعمرة مع حجته قارنًا, السادسة صُد عنها لَكِنْ تعتبر عمرة صُد عنها وتحلل, والسابعة قضى من المصالحة, والثامنة بعد أن قسم غنائم حنين اعتمر ليلًا, والعاشرة مع حجته. 

«أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة» ويقال الجِعرانة بالتخفيف وهي بكسر الجيم وسكون العين ويقال: الجِعِرَّانة, والمشهور الأول عَلَى الألسنة, وهي بين الطائف وهي إِلَى مكة أدنى في حدود الحرم. 

«وعليه أثر خلوق» نوع من الطيب من الزعفران وغيره, مخلوط بالأطياب, فهذا الرجل محرم للعمرة وتلطخ بالطيب, «أو قال: صفرة وعليه جبة» لابس جبة, «فقال: يا رسول الله، كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟» هو الآن محرم متلطخ بالطيب وعليه جبة, فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت حتى نزل عليه الوحي, إذا كَانَ النَّبِيِّ يسكت حتى نزول الوحي فمن باب أولى لا يُجيب إِلَّا بعلم ولا يجوز للإنسان أن يتكلف, قَالَ تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص/86]؛ إذا كَانَ الإنسان لا يعلم يقول: الله أعلم, لا أدري.  

 

«فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فلما سُري عنه» يَعْنِي: كُشف عنه بعض شيء, والجبة معروفة, جبة تلبس عَلَى النصف الأعلى قد تكون تُلبس عَلَى جميع الجسد, «قال: أين السائل عن العمرة؟ قال: اغسل عنك أثر الخلوق أو قال: أثر الصفرة، واخلع الجبة عنك واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك». 

هذا الحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي, ماذا أمره النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «اغسل عنك أثر الخلوق» يَعْنِي: اغسل الطيب سواء في بدنك أو في ثوبك, «أو قال: أثر الصفرة، واخلع الجبة» لِأَنَّهَا مخيط, «واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك». 

هذا الحديث فيهِ دليل عَلَى أن من تطيب جاهلًا أو ناسيًا فَإِنَّهُ يؤمر بغسل الطيب الذي في بدنه أو ثيابه وليس عليه فدية؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «اغسل عنك أثر الخلوق» ولم يأمره بفدية, لِأَنَّهُ جاهل والجاهل معذور, لَكِنْ لو كَانَ متعمدًا عليه فدية, وكذا من لبس قميصًا أو جبة أو مخيطًا جاهلًا أو ناسيًا فَإِنَّهُ يؤمر بخلعها ولا فدية عليه, ولا يشقها خلافًا لإبراهيم النخعي يقول: يشقها, ولا يمزقها خلافًا للشعبي؛ لِأَنَّ في ذلك إضاعة للمال وهو منهيٌ عنه. 

ويقاس عليهما جميع المحظورات, فالناسي والجاهل معذور, حتى الجماع عَلَى الصحيح لو جامع ناسيًا فلا شيء عليه, وقال جمهور العلماء وكثير من الفقهاء والأئمة: إن الجماع لا يُعذر فيهِ الجاهل والناسي بل عليه الفدية بدنة أو شاة؛ لِأَنّ الصحابة أفتوا بِذَلِكَ ولم يفرقوا بين العالم والناسي والجاهل, قالوا: الجماع ما فيهِ تفرقة إذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه وعليه بدنة وإتمام الحجة الفاسدة وعليه قضاؤها, وإن كَانَ بعد التحلل الأول فعليه شاة وحجه صحيح, ودليل القائلين بأن المحظورات ليس فيها شيء؛ الأحاديث: «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اُستكرهوا عليه», وثبت في صحيح مسلم: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا, قَالَ الله: قد فعلت». 

أما الجمهور فقالوا: إن الجماع لا يُعذر فيهِ الجاهل ولا الناسي بل عليه الفدية سواء كَانَ بدنة أو شاة. 

ثم ذكر المؤلف الطريق الأخرى: عن أبي بشر، عن عطاء، عن يعلى بن أمية، وهشيم، عن الحجاج، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى, عن أبيه، بهذه القصة، قال فيه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخلع جبتك» فخلعها من رأسه، وساق الحديث. 

قوله: «خلعها من رأسه» فيهِ الرد عَلَى من قَالَ: بأن عليه فدية إذا خلعها من رأسه, وفيه الرد عَلَى من قَالَ: يشقها, أو يمزقها, والرواية أيضًا للحديث الأول: عن محمد بْنُ كثير عن همام عن عطاء عن صفوان, والرواية الثانية: عن محمد بْنُ عيسى عن أبي عوانة عن أبي بشر عن عطاء عن يعلى بْنُ أمية وهشيم عن الحجاج عن عطاء بْنُ صفوان, بهذه القصة، قال فيه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخلع جبتك» فخلعها من رأسه؛ فدل عَلَى أن الخلع من الرأس لا يؤثر وليس فيهِ فدية. 

والرواية الثالثة: يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني الرملي، قال حدثني الليث، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن يعلى ابن منية عن أبيه، بهذا الخبر قال فيه «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعًا، ويغتسل مرتين أو ثلاثًا» يغتسل: يَعْنِي يغسل أثرها. 

والطريق الأخرى من رواية عقبة بْنُ مكرم حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت قيس بن سعد، يحدث عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وقد أحرم بعمرة وعليه جبة وهو مصفرٌ لحيته ورأسه» وساق هذا الحديث. 

(المتن) 

باب ما يلبس المحرم. 

1823- حدثنا مسدد، وأحمد بن حنبل، قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب، فقال: «لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين، إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين». 

1824- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. 

1825- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وزاد: «ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين» قال أبو داود: وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل، ويحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، على ما قال الليث, ورواه موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، موقوفًا على ابن عمر. وكذلك رواه عبيد الله بن عمر، ومالك، وأيوب موقوفًا. وإبراهيم بن سعيد المديني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين» قال أبو داود: إبراهيم بن سعيد المديني: شيخ من أهل المدينة ليس له كبير حديث. 

1826- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إبراهيم بن سعيد المديني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف: (باب ما يلبس المحرم) ذكر حديث اِبْن عمر قَالَ: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب؟» هنا الرجل سأله عما يتركه المحرم من الثياب؟ وفي رواية قَالَ: «ما الذي يلبسه المحرم؟ فَقَالَ: لا يلبس كذا وكذا» هنا قوله: ما يترك المحرم من الثياب هنا موافق للجواب, فأجابه النَّبِيِّ   بما لا يلبس, أجابه عكس سؤاله, سأله عما يلبس فأجابه بما لا يلبس؛ لِأَنّ الذي لا يلبس محدود, والباقي كله يلبسه لا يمكن حصره, هنا قَالَ: «لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين، إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين». 

ستة أشياء: «لا يلبس القميص» القميص معروف, والمحرم هو من أحرم بحج أو عمرة, أو قرن بينهما, القميص هو ما يفصل عَلَى هيئة الجسد, «ولا البرنس» ثياب مغربية متصلة بها رؤوسها تسمى البرانس, «ولا السراويل» مخيط عَلَى قدر النصف الأسفل, «ولا العمامة» الَّتِي تُشد بها الرأس, «ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران» نبتٌ له رائحة طيبة فيكون نوعا من الطيب والزعفران أيضًا نوع من الطيب, «ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين». 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, وفيه هنا: أن من لم يجد النعلين يلبس الخفين ويقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين, وهذا حديث اِبْن عمر كَانَ في خطبة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل أن يذهب للحج, ثم سافر للحج وخطب الناس في عرفة صلى الله عليه وسلم وقال: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين» ولم يقل: فيقطع ما أسفل الكعبين, فقيل: إن هذا منسوخ ويؤيده أن قطع الخفين فيهِ إفساد لماليتهما وفيه إضاعة للمال, لذلك قالوا: إن قطع الخفين من أسفل منسوخ. 

في خطبته في المدينة قَالَ: يقطعهما, وفي خطبته في عرفة لم يقل يقطعهما, فقيل: إنه منسوخ, وقيل: إنه محمول عَلَى الاستحباب, والجمهور عَلَى أَنَّه يحمل المطلق عَلَى المقيد, قالوا: صحيح في خطبة عرفة ما قَالَ يقطعهما لَكِنْ قالها في المدينة, والمطلق يُحمل عَلَى المقيد, قَالَ: «إِلَّا لمن لم يجد النعلين فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين» وهذا القطع كما سبق الجمهور عَلَى أَنَّه يُحمل المطلق عَلَى المقيد, وذهب آخرون من أهل العلم إِلَى أن هذا منسوخ أو أَنَّه محمول عَلَى الاستحباب. 

ثم ذكر المؤلف رحمه الله عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. 

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وزاد: «ولا تنتقب المرأة الحرام» يَعْنِي: المرأة المحرمة, «ولا تلبس القفازين» الحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي, وزاد فيهِ: «ولا تنتقب المرأة الحرام» والمراد بِهِ: المرأة المحرمة, والانتقاب: لبس غطاء عَلَى الوجه فيهِ نقبان عَلَى العينين تنظر المرأة منهما, وقيل: النقاب هو الخمار الذي يُشد عَلَى الأنف تَحْتَ الحاجب, وقال اِبْن المنذر: أجمعوا عَلَى أن المرأة تلبس المخيط والقفاز وألا تغطي رأسها, والقفازان هما شيء يُعمل كاليدين يُحشى بقطن تلبسهما المرأة, والقفازان هما شراب اليدين,ممنوعة منهما المرأة وَكَذَلِكَ الرجل, لَكِنْ ليست ممنوعة من ستر يديها بل تستر يديها بعباءتها ولكنها ممنوعة من لبس شيء مخيط. 

قال أبو داود: (وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل، ويحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، على ما قال الليث, ورواه موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، موقوفًا على ابن عمر. وكذلك رواه عبيد الله بن عمر، ومالك، وأيوب موقوفًا. وإبراهيم بن سعيد المديني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم)؛ «المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين» قال أبو داود: (إبراهيم بن سعيد المديني: شيخ من أهل المدينة ليس له كبير حديث) يَعْنِي: قليل الأحاديث, ومقصود المؤلف رحمه الله: أن حاتم بْنُ إسماعيل ويحي بْنُ أيوب رويا الحديث عن نافع مرفوعًا كما قَالَ, وموسى بْنُ طارق عن نافع رواه موقوفًا عن عبد الله بْنُ عمر, وَكَذَلِكَ رواه عبيد الله بْنُ عمر ومالك وأيوب كلهم عن نافع موقوفًا, وأما إبراهيم بْنُ سعيد المديني فرواه عن نافع مرفوعًا. 

الحديث كما سبق أخرجه البخاري والترمذي والنسائي, في حديث اِبْن عمر قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين» يَعْنِي: لا تلبس عَلَى وجهها شَيْئًا مخيطًا سواء كَانَ نقابا إذا فتح له فتحتان للعين سمي نقابا, لكنها تغطي وجهها بخمارها. 

(المتن) 

1827- حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: فإن نافعًا مولى عبد الله بن عمر، حدثني، عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًا أو حليًا أو سراويل أو قميصًا أو خفًا» قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن نافع عبدة بن سليمان، ومحمد بن سلمة، إلى قوله: «وما مس الورس والزعفران من الثياب» ولم يذكرا ما بعده. 

(الشرح) 

عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب» القفازان هما شراب اليدين ممنوعة منه المرأة وَكَذَلِكَ الرجل من باب أولى, والنقاب: ما خيط عَلَى قدر الوجه وفتحت له عينان, والبرقع: ما خيط عَلَى الوجه وليس له فتحتان, ممنوع لِأَنَّهُ مخيط عَلَى قدر الوجه, لَكِنْ ليست هَذِه المرأة ممنوعة من أن تغطي وجهها بخمارها ما يكون بخمار لا بأس, لَكِنْ إذا كَانَ قفازا أو شيئا مخيطا فهي ممنوعة من المخيط. 

قوله: «وما مس الورس والزعفران من الثياب» لِأَنَّهُ طيب, «ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًا» نوع من الحرير, «أو حليًا أو سراويل أو قميصًا أو خفًا» تلبس ما شاءت, قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن نافع عبدة بن سليمان، ومحمد بن سلمة، إلى قوله: «وما مس الورس والزعفران من الثياب» ولم يذكرا ما بعده. 

ثم ذكر المؤلف حديث أيوب عن نافع عن اِبْن عمر: «أنه وجد القر» يَعْنِي: أحس بالبرد, «فقال: ألق علي ثوبًا يا نافع، فألقيت عليه برنسًا» والبرنس نوعٌ من القماش وليس معلومًا عند العرب, فقال: «تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم» أخرجه البخاري ومسلم, يَعْنِي يقول: كيف تضع الثوب هذا عَلَى ظهري وأنا محرم وهو ثوب عَلَى الكتفين أو عَلَى الجسم من دون لبس أو تغطية رأس لا شيء فيهِ, كما يتلحف مثلًا بالبطانية لا بأس فيهِ, إِنَّمَا الممنوع اللبس وتغطية الرأس, أما كونه يلقي عليه ثوبًا عَلَى ظهره ما يضر. 

فإن قيل: القفاز الشفاف الأطباء والطباخين داخل فيهِ؟. 

إذا كَانَ للحاجة والعمل لا بأس, وفي غير الإحرام ما فيهِ مانع, لَكِنْ هذا للمحرم فقط. 

(المتن) 

1829- حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين» قال أبو داود: هذا حديث أهل مكة ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد والذي تفرد به منه ذكر السراويل ولم يذكر القطع في الخف. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم, والترمذي والنسائي وابن ماجة, عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين» يَعْنِي: لا يجوز للإنسان أن يلبس السراويل إِلَّا إذا ما وجد إزار, ولا يجوز له أن يلبس الخف إِلَّا إذا لم يجد النعلين ولم يأمر بالقطع هنا. 

قوله: «السراويل لمن لا يجد الإزار» وهذا بدون فدية عَلَى الصحيح إذا لم يجد الإزار يلبس السروال, «والخف لمن لا يجد النعلين» وليس عليه فدية عَلَى الصحيح. 

قال أبو داود: (هذا حديث أهل مكة ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد والذي تفرد به منه ذكر السراويل ولم يذكر القطع في الخف). 

(المتن) 

1830- حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني، حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرني عمر بن سويد الثقفي، قال: حدثتني عائشة بنت طلحة، أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حدثتها، قالت: «كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسُك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها». 

(الشرح) 

قولها: «كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا» يَعْنِي: نلطخ جباهنا, «بالسُك» بضم السين وتشديد الكاف نوعٌ من الطيب معروف, «بالسُك المطيب عند الإحرام» هذا فيهِ مشروعية التطيب عند الإحرام, وفيه: أَنَّه لا بأس باستدامة الطيب, فالحديث دليل عَلَى جواز استدامة الطيب بعد الإحرام وأنه لا يَجِبُ غسله, «فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها». 

(المتن) 

1831- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: ذكرت لابن شهاب، فقال: حدثني سالم بن عبد الله، أن عبد الله يعني ابن عمر «كان يصنع ذلك يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة» ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد، أن عائشة حدثتها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك». 

(الشرح) 

الحديث السابق قالت: «كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسُك المطيب عند الإحرام» يَعْنِي: نلطخ جباهنا بالطيب, وجباه جمع جبهة, مثل كلب وكلبة, كلبة وكلاب, جبهة وجباه, وهو موضع السجود, وفيه: أن النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم يراهن فلا ينهاهن, فدل عَلَى الجواز لِأَنّ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم لا يسكت عَلَى باطل, في رواية أحمد بْنُ حنبل من حديث اِبْن عمر: «أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  ادهن بزيت وهو محرم» لا بأس بالزيت فهو ليس طيبًا, وفيه: دليل عَلَى جواز الإدهان بالزيت الذي لم يُخلط بشيء من الطيب, قَالَ اِبْن المنذر: أجمع العلماء عَلَى أَنَّه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سواء رأسه ولحيته, وأجمعوا عَلَى أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا واستدل المؤلف بحديث عائشة عَلَى أن الطيب الباقي عَلَى الثوب قبل الإحرام لا يضر لبسه بعد الإحرام, يَعْنِي: إذا غسله وبقي أثر فلا يضر, فالطيب الباقي عَلَى الثوب قبل الإحرام لا يضر لبسه, إِنَّمَا الممنوع أن يتطيب بعد الإحرام, أما إذا بقي شيء في الثوب و في البدن فَإِنَّهُ يستديمه, أما إذا كَانَ قبل الإحرام يغسله, لَكِنْ بعد الإحرام ليس له أن يُزيله, ولا يَجِبُ عليه أن يُزيله. 

وحديث اِبْن عمر قَالَ: «كان يصنع ذلك يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة» ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد، أن عائشة حدثتها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين فترك ذلك» يَعْنِي: فيهِ جواز لبس المرأة للخفين من دون قطع, رُخص للنساء في الخفين فتُرك ذلك, فالمرأة لا بأس أن تلبس الخفين من دون قطع, إِنَّمَا هي ممنوعة من لبس القفازين. 

قَالَ اِبْن عبد البر: أجمع العلماء عَلَى أَنَّه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سواء رأسه ولحيته, وأجمعوا عَلَى أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا واستدل المؤلف بحديث عائشة عَلَى أن الطيب الباقي عَلَى الثوب قبل الإحرام لا يضر لبسه بعد الإحرام. 

قوله: «يقطع الخفين للمرأة المحرمة» لعموم حديث اِبْن عمر فَإِن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث: «فتُرك ذلك» يَعْنِي: ترجع عَلَى فتواه, وفيه: دليل عَلَى أَنَّه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين من غير قطع. 

والحديث هذا في إسناده محمد بْنُ إسحاق لَكِنْ روايته ليست معنا هنا؛ عن محمد بْنُ إسحاق قَالَ, كأنه رآها لَكِنْ ما صرح بالسماع, عَلَى كل حال: لبس الخفين لا بأس بِهِ بالنسبة للمرأة والممنوع منه هو الرجل, إِنَّمَا هي ممنوعة من لبس القفازين. 

 

 

 

  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد