شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_9

00:00
00:00
تحميل
66

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه في كتاب الحج باب: لحم الصيد للمحرم. 

1849- حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سليمان بن كثير، عن حميد الطويل، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعامًا فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: «فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل، فقال: أطعموه قومًا حلالًا؛ فأنا حرم فقال: علي رضي الله عنه أنشد الله من كان ها هنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم». 

(الشرح) 

الحديث السابق الذي قرآناه حديث أبي سعيد الخدري: «أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُئل عما يقتل المحرم قَالَ: الحية,و العقرب,و الفويسقة, ويرمي الغارب ولا يقتله, والكلب العقور, والحدأة, والسبع العادي» سبق أن قلنا: الحديث هذا ضعيف في إسناده يزيد بْنُ أبي زياد ومن أوهامه قوله: يرمي الغراب ولا يقتله, هذا من أوهامه لِأَنّ هذا مخالف للأحاديث الصحيحة في قتل الغراب, فالغراب فاسق يُقتل لِأَنَّهُ يأكل سنبل الزرع ولأنه ينقض الدبر الذي في ظهر البعير فيعود الجرح من جديد؛ هذا من فسقه, فهو يُقتل, أما يرمي الغراب ولا يقتله هذا مخالف للأحاديث الصحيحة, بل عدوه من أوهام يزيد بْنُ أبي زياد, الغراب يُقتل كما أن الفويسقة وهي الفأرة تُقتل, والكلب العقور, والحدأة لِأَنَّهَا تخطف اللحم, والسبع العادي؛ لِأَنَّهُ مؤذٍ. 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب لحم الصيد للمحرم) يَعْنِي: ما حكم أكل لحم الصيد للمحرم؟ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عثمان في قصة الحارث: «وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعامًا فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش» الحجل جمع حجلة وهو طائر معروف, واليعاقيب كذلك جمع يعقوب طائر أيضًا كلها من الطيور الَّتِي تؤكل, قيل: إن الحجل طائر عَلَى قدر الحمام أحمر المنقار والرجلين يسمى دجاج البر وهو صنفان: نجدي, تهامي, النجدي: أخضر اللون أحمر الرجلين, والتهامي: فيهِ بياض وخضرة, واليعقوب ذكر الحجل, فأمير الطائف وهو الحارث صنع طعامًا للخليفة عثمان رضي الله عنه فيهِ لحم الطيور ولحم الوحش. 

قال: «فبعث إلى علي بن أبي طالب» ليأتي ليشاركهم, «فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له» وهو ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها لعلف الإبل, والخبط بفتحتين: فتح الخاء والباء بمعنى المخبوط, والأباعر: جمع بعير, «فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل، فقال: أطعموه قومًا حلالًا؛ فأنا حرم» يَعْنِي: نحن محرمون, «فقال: علي رضي الله عنه أنشد الله من كان ها هنا من أشجع» يَعْنِي: أنشد بالله من كَانَ ها هنا من قبيلة أشجع, «أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم». 

فعلي رضي الله عنه استدل بهذا عَلَى أن لحم الصيد لا يأكله محرم, ولما قدمه له قَالَ: نحن قومٌ محرمون فلا نأكل لحم الصيد أطعموه قومًا غير محرمين, ثم استدل قَالَ: «أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم». 

وهذا الطعام الذي صنعه الحارث لم يصنعه من أجل المحرم وإن كَانَ فيهِ لحم صيد إِنَّمَا ممنوع عَلَى المحرم أن يأكل لحم الصيد إذا صاده لأجله أو أعانه عَلَى صيده, وعلي ما صاده ولا أعان عليه, فهذا محمول عَلَى أن علي رضي الله عنه لم يبلغه النص وهو حديث أبي قتادة في أكل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  مما صاده وهو محرم, وسيأتي المؤلف يذكر لِأَنَّهُ ما صاده من أجله, وَكَذَلِكَ حديث جابر الآتي: «صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يُصد لكم». 

وأما الحديث الذي قَالَ فيهِ علي رضي الله عنه: أَنَّه أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا حيًا فرده, إن ثبت أنه حمار حي لا يأخذه المحرم, وجاء في بعض الروايات أَنَّه أهدى إليه رجل حمار, فهو محمول عَلَى أَنَّه صاده لأجله, وكان الصعب بْنُ جثامة رجل مضيافًا فَلَمّا سمع بقدوم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صاد له الحمار الوحشي, فَلَمّا جاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أهدى له فرده النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فتأثر الصعب في وجهه لما رأى صلى الله عليه وسلم أى ما في وجهه, فَقَالَ له النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم   : «إنا حُرم» يَعْنِي: لو لم نكن محرمين لقبلناه منك, فالمحرم لا يأكل من الصيد الذي صيد لأجله, كما أَنَّه لا يأكل من الصيد الذي أشار إليه أو أعان عَلَى قتله, أما إذا كَانَ الحلال صاده لنفسه أو لقوم محلين ولم يكن المحرم أعان أو ساعد في صيده فلا بأس بأكله وهذا هو الجمع بين النصوص, النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  أكل من الصيد الذي قتله أبو قتادة ولم يأكل من الصيد الذي صاده الصعب بْنُ جثامة؛ لِأَنّ أبا قتادة ما صاده لأجل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا أعانه أحد المحرين فَقَالَ لهم النَّبِيِّ: كلوه, أما الصعب بْنُ جثامة فَإِنَّهُ صاده من أجل النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم   فلهذا رده وهذا هو الجمع بين النصوص, وأما قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة/96]؛ فقوله: صيد المراد بِهِ المصدر وهو الاصطياد, حُرم عليكم اصطياد البر.وليس المراد الصيد بمعنى المصيد 

وأما علي رضي الله عنه كونه رد هذا الصيد لعله لم يبلغه النص أو لعله ظن أنه صيد لأجله, فلهذا رده. 

(المتن) 

1850- حدثنا أبو سلمة، موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال: «يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله، وقال: إنا حرم، قال: نعم». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي, وفيه: أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لما أهدى له الصعب بْنُ جثامة لم يقبله قَالَ: إنا حُرم لِأَنَّهُ صاده من أجله, أما إذا لم يصده من أجله ولم يكن المحرم أعانه بشيء فلا بأس أن يأكل منه كما في حديث أبا قتادة, جمعًا بين النصوص. 

بعض العلماء استدل بقوله: «إنا حُرم» استدل بِهِ بعض العلماء بتحريم الأكل من لحم الصيد عَلَى المحرم مطلقًا؛ لِأَنَّهُ اقتصر في التعيين عَلَى كونه محرمًا دل عَلَى أنها (...) خاصة, ذهب إِلَى هذا جماعة من أهل العلم واستدلوا أيضًا بعموم قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة/96]. 

فبعض العلماء منع من أكل الصيد مطلقًا, وبعضهم أباحه مطلقًا, والصواب: الوسط, كما دل الجمع بين النصوص حديث أبا قتادة أكلوا منه لِأَنَّهُ ما صاده من أجلهم ولا أعانوه, وحديث الصعب بْنُ جثامة رده لِأَنَّهُ صاده من أجله. 

(المتن) 

1851- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب يعني الإسكندراني القاري، عن عمرو، عن المطلب، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يُصد لكم» قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم يُنظر بما أخذ به أصحابه. 

(الشرح) 

هذا الحديث: «صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يُصد لكم» لا بأس بسنده, قد اُختلف في سماع المطلب بْنُ عبد الله بْنُ حنطب من جابر فَقَالَ الترمذي: لا يُعرف له سماع, وكذا أبو حاتم الرازي, وقال ابنه عبد الرحمن بْنُ أبي حاتم: يشبه أن يكون أدركه, وهذا الحديث يخصص عموم الآية الكريمة: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة/96]؛ ويقيد الأحاديث المطلقة كحديث الصعب بْنُ جثامة, وحديث طلحة وأبي قتادة. 

فيُجمع بين الأحاديث, فأحاديث قبول الصيد محمولة عَلَى ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم, وحديث الرد محمولة عَلَى ما صاده الحلال لأجل المحرم, وهذا هو الجمع بين الأحاديث, فيُشترط في أكل المحرم من الصيد شروط: 

الشرط الأول: ألا يصيده المحرم وإنما يصيده حلال. 

الشرط الثاني: أن يصيده الحلال لنفسه أو لمحلين لا محرمين. 

الشرط الثالث: ألا يُعينه أحد من المحرمين في الصيد ولا يتسبب ولا يُعين لا بإشارة ولا بإعانة. 

ولهذا في قصة أبا قتادة أنهم كَانُوا محرمين إِلَّا أبو قتادة ما أحرم فشاهدوا حمار وحش فجعلوا يضحكون؛ يَعْنِي: من أجل أنهم يستطيعون أخذه لكنهم ممنوعين, ففطن لذلك أبو قتادة فركب وقال: ناولوني السلاح, قالوا: والله لا نناولك نحن محرمون ولا نُعينك بشيء فنزل وأخذه ثم عقره وجاء وقدمه إليهم فقالوا: لا حتى نسأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, فَلَمّا جاءوا للنبي قَالَ: «هل منكم أحد أشار إليه أو أعانه؟ قالوا: لا, قَالَ: كلوه» والبخاري بوب قَالَ: (باب إذا ضحك المحرم ففطن له الحلال) يَعْنِي: كونهم ضحكوا ثم فطن ما يعتبر إشارة ولا إعانة, الإشارة أن يقولوا: انظر للصيد, أو يعطونه السلاح, أو يساعدونه. 

قال أبو داود: (إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم يُنظر بما أخذ به أصحابه) يَعْنِي: إذا تعارض حديثان فيُنظر بما أخذ بِهِ الصحابة؛ لِأَنّ الصحابة أعلم بمعنى النصوص وأعلم بمقاصد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. 

والقاعدة عند أهل العلم: إذا تنازع خبران فالدليل أَنَّه يُجمع بينهما, بأن يُحمل أحدهما كلٌ منهما عَلَى حاله فيُعمل بالحديثين معًا, فَإِن لم يمكن فَإِنَّهُ يُنظر التاريخ, فالمتأخر ينسخه المتقدم, فَإِن لم يُعرف التاريخ فَإِنَّهُ يُنظر للترجيح, يُرجح أحدهما عَلَى الآخر, فَإِن لم يمكن توقف الناظر حتى يتبين له أحد الأمور الثلاثة السابقة. 

(المتن) 

1852- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله التيمي، عن نافع، مولى أبي قتادة الأنصاري، عن أبي قتادة، «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه، قال: فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه، ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى». 

(الشرح) 

هذا في سنة ستٍ من الهجرة, هذا حديث أبي قتادة المعروف أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, وفيه: أنهم لما أحرموا في سنة ست من الهجرة هو لم يُحرم فأبصر حمارًا وحشيًا فركب فرسه, فَقَالَ: ناولوني السوط, قالوا: لا, ما نعطيك نحن محرمون ما نساعدك في شيء, قَالَ: ناولوني الرمح, قالوا: ما نساعدك في شيء, فنزل وأخذ السوط والرمح ثم شده عليه فعقره وأتى بِهِ إليهم, بَعْضُهُم استعجل وأكل وبعضهم توقف قالوا: حتى نسأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, فَلَمّا أدركوا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم    سألوا عن ذلك, وفي الرواية الأخرى: «أَنَّه سألهم قَالَ: هل منكم أحدٌ أعانه أو أشار إليه؟ قالوا: لا, قَالَ: كلوه» وهنا قَالَ: «إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى». 

فالحديث دليل عَلَى جواز أكل المحرم من الصيد الذي صاده الحلال إذا لم يصده لأجله, ولم يكن المحرم أعانه لا بإشارة ولا بدلالة عَلَى الصيد, أما إذا أعانه أو أشار إليه أو دله عليه أو ساعده أو صاده الحلال لأجله فلا يؤكل؛ كما في قصة الصعب بْنُ جثامة فَإِنَّهُ كَانَ رجلًا مضيافًا فصاد الحمار للنبي صلى الله عليه وسلم فرده النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.    

اِبْن القيم رحمه الله تكلم عَلَى الحديث وأطال فيهِ, تكلم عَلَى المذاهب والأدلة. 

(المتن) 

باب في الجراد للمحرم. 

1853- حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا حماد، عن ميمون بن جابان، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجراد من صيد البحر». 

(الشرح) 

هذا الحديث ضعيف بسنده ميمون بْنُ جابان لا يُحتج بِهِ. 

(المتن) 

1854- حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن حبيب المعلم، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، قال: «أصبنا صرمًا من جراد فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: هذا لا يصلح فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما هو من صيد البحر». سمعت أبا داود يقول: أبو المهزم ضعيف والحديثان جميعًا وهم. 

(الشرح) 

كما قَالَ أبو داود, الحديث ضعيف في سنده أبو المهزم هذا بضم الميم وكسر الزاي المشددة, وهو ضعيف بل متروك, والحديثان ضعيفان كما قَالَ أبو داود, وليس في الباب حديث صحيح, ومثلهما الحديث الذي بعده. 

(المتن) 

1855- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن ميمون بن جابان، عن أبي رافع، عن كعب، قال: «الجراد من صيد البحر». 

(الشرح) 

هذا والحديث الأول فيهِ ميمون بْنُ جابان ضعيف, وهذا أيضًا مروي عن كعب غير مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم  فهو ضعيف وليس من كلام النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم    وَإِنَّمَا من كلام كعب, وبهذا يتبين أَنَّه ليس في الباب حديث صحيح في الجراد وأنه من صيد البحر, وثبت عن عمر رضي الله عنه أَنَّه أوجب في الجرادة جزاءً وهو مذهب الجمهور أن الجراد صيد البر وليس من صيد البحر, لو كَانَ من صيد البحر لكان جائزا للمحرم أن يأكل منه كما في الآية الكريمة: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة/96]. 

قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة/96]؛ مفهومه أن صيد البحر لا يُحرم عَلَى المحرم, صيد البحر حلال للمحرم, ولو كَانَ الجراد من صيد البحر لكان حلالًا لكنه من صيد البر, ولو صح هذان الحديثان لكان المعنى: أَنَّه من صيد البحر في حِل ميتته وعدم حاجته إِلَى التزكية كالسمك والحوت, لو صح, لكنه لا يصح. 

بَعْضُهُم قَالَ: لو صح يُجمع بينهما بأن الجراد عَلَى نوعين: بري, بحري, فيُعمل في كل منهما بحكمه, لَكِنْ ليس بظاهر هذا, هذا لو صح لكنه لا يصح وهو ضعيف جدًا. 

(المتن) 

باب في الفدية. 

1856- حدثنا وهب بن بقية، عن خالد الطحان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: قد آذاك هوام رأسك قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احلق، ثم اذبح شاة نسكًا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والترمذي والنسائي, وهو تفسيرٌ لقول الله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة/196]؛ فالحديث فسر الصيام بأنه ثلاثة أيام, وفسر الصدقة بإطعام ستة مساكين, وفسر النسك بأنه ذبح شاة, الله تعالى يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة/196]؛ فيكون من فعل محظورًا يُخير بين واحدة من هَذِه الأمور الثلاثة. 

مثلًا حلق رأسه لكون رأسه بِهِ جروح ليداويها, هذا ليس عليه يحلق ويفدي, ومثله أيضًا لو احتاج أن يلبس الثياب للبرد, لو في برد واحتاج المحرم أن يلبس الثياب فيلبس الثوب ويفدي, أما إذا فعل محظورًا بدون حاجة يأثم ويفدي, وإذا فعله لحاجة يفدي ولا يأثم. 

قوله: «قد آذاك هوام رأسك؟» الهوام: هو القمل, وأصل الهامة في اللغة: ما له سم يقتل؛ كالحية, والجمع هوام من دابة دواب, ويطلق الهوام عَلَى ما لا يقتل كالحشرات ومنها هذا الحديث. 

«اذبح نسكًا» النسيكة هي الذبيحة, ويطلق عَلَى الطاعة والعبادة, وفيها: أَنَّه مخير قَالَ: «ثم اذبح شاة نسكًا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين» كل صاع بين اثنين, فيختار هو الأسهل عليه من هَذِه الأمور الثلاثة, هَذِه يسمونها فدية الأذى عند الفقهاء, فدية الأذى يَعْنِي: يُخير بين واحدة من الثلاثة. 

خمسة محظورات الآن عَلَى الرجل: أخذ شيء من الشعر, تقليم الأظفار, لبس المخيط, تغطية الرأس, الطيب, إذا فعل واحدًا من الخمسة محظورات ناسيًا أو جاهلًا فلا شيء عليه, وإن فعله متعمدًا فإن كَانَ محتاجًا عليه الفدية ولا إثم عليه, وإن كَانَ غير محتاج فعليه الفدية وعليه التوبة من الذنب. 

ما بقي من محظورات الإحرام؟ الجماع, والصيد, الصيد عرفنا حكمه الآن, وعقد النكاح سبق حديث: «لا ينكح المحرم ولا يُنكح» وأن عقد النكاح يكون فاسدا وليس فيهِ فدية. 

فإن قيل: فدية الجراد؟. 

تقدر بقيمتها. 

والجماع أشدها وأعظمها وأغلظها, إذا جامع المحرم قبل التحلل الأول لزمه أربعة أشياء:الأمر الأول فسد الحج,الأمر الثاني يَجِبُ عليه أن يكمل الحج الفاسدالأمر الثالث يَجِبُ عليه أن يقضي هذا الحج من العام القادم ولو كَانَ نفلًا,الأمر الرابع عليه بعير يذبحه, وكثير من الفقهاء يرون أَنَّه لا فرق بين الجاهل والعامد, ومن العلماء من قَالَ: إن الجاهل والناسي معذور حتى في الجماع, لَكِنْ الجمهور عَلَى أَنَّه في الجماع غير معذور لِأَنّ الصحابة لم يفرقوا. 

بقي المباشرة دون الجماع: هذا لا يفسد الحج لَكِنْ فيه شاة يذبحها لو قبل التحلل الأول. 

فإن قيل: العمرة مثل الحج؟. 

العمرة قبل التحلل الأول شاة, إذا جامع قبل التحلل الأول قبل الطواف والسعي فيه شاة يذبحها وتفسد العمرة ويقضيها.  

(المتن) 

1857- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين». 

(الشرح) 

«إن شئت فانسك نسيكة» يَعْنِي: اذبح ذبيحة, وفيه التخيير بين الثلاثة: الذبح, والإطعام, والصوم. 

(المتن) 

1858- حدثنا ابن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، ح وحدثنا نصر بن علي، حدثنا يزيد بن زريع، وهذا لفظ ابن المثنى، عن داود، عن عامر، عن كعب بن عجرة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فذكر القصة فقال: أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين بين كل مسكينين نصف صاع». 

(الشرح) 

الحديث هذا ضعيف بسنده رجل مجهول قَالَ: (عن داود، عن عامر، عن كعب) هذا الحديث تابع للحديث السابق سكت عنه المنذري, فيهِ: أَنَّه مخير بين هَذِه الثلاثة, قَالَ: «أمعك دم؟ قال: لا» يَعْنِي: شاة تذبحها, «قال: فصم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين بين كل مسكينين نصف صاع» والحديث الذي قبله سكت عنه المنذري والعمدة عَلَى الحديث الأول. 

(المتن) 

1859- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع، أن رجلًا، من الأنصار أخبره، عن كعب بن عجرة، «وكان قد أصابه في رأسه أذى فحلق فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي هديًا بقرة». 

(الشرح) 

قَالَ: (عن نافع، أن رجلًا، من الأنصار أخبره) مجهول هذا الرجل, فيكون الحديث ضعيف سنده مجهول, وفيه: أن النَّبِيِّ أمره أن يُهدي هديًا بقرة وليس فيهِ أَنَّه خيره بين الذبح وبين الإطعام وبين الصيام, لَكِنْ في سنده رجل مجهول فيكون ضعيفا, ولو صح فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة الَّتِي فيها التخيير وأنه يُخير بين الذبح وبين الإطعام وبين الصيام, أو يُحمل عَلَى أَنَّه أهدى البقرة طوعًا باختياره, بقرة كثيرة, الواجب شاة, وهذا قَالَ: «أمره أن يُهدي بقرة» فيكون الحديث ضعيفا شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة, وفيه رجل مجهول, والأحاديث الصحيحة فيها التخيير بين الشاة بين الإطعام, وبين الصيام, وليس فيهِ يُهدي بقرة. 

(المتن) 

1860- حدثنا محمد بن منصور، حدثنا يعقوب، حدثني أبي، عن ابن إسحاق، حدثني أبان يعني ابن صالح، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: أصابني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، حتى تخوفت على بصري فأنزل الله سبحانه وتعالى في {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه}[البقرة/ 196] الآية. فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقًا من زبيب أو انسك شاة»، فحلقت رأسي، ثم نسكت. 

(الشرح) 

الحديث فيهِ التخيير إِلَّا أَنَّه نص عَلَى الزبيب, قوله: «حتى تخوفت عَلَى بصري» يَعْنِي: من كثرة القمل والأذى, خوفًا أن يُضعف الدماغ ويُزيل قوته, «نزلت فيّ» في شأني, «الفرق» ستة عشر رطلًا وثلاثة آصع أن يقسمها بين ستة مساكين, كل مسكين نصف صاع, وهذا في الزبيب نص كما أَنَّه نصٌ في التمر من الزبيب أو التمر أو غيره, يطعم من قوت البلد من الزبيب أو التمر أو البُر ثلاثة آصع أو يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة. 

(المتن) 

1861- حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، في هذه القصة زاد أي ذلك فعلت أجزأ عنك. 

(الشرح) 

هذا الحديث فيهِ التخيير قَالَ: «أي ذلك فعلت أجزأك» يَعْنِي: ذبحت الشاة, أو أطعمت المساكين, أو صمت فَإِن ذلك يجزئك. 

(المتن) 

باب الإحصار. 

1862- حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن حجاج الصواف، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل» قال عكرمة: سألت ابن عباس، وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق. 

1863- حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني، وسلمة، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن عبد الله بن رافع، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كسر أو عرج أو مرض» فذكر معناه، قال: سلمة بن شبيب قال: أنبأنا معمر. 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف (بالإحصار), والإحصار هو المنع, يَعْنِي: إذا مُنع الحاج من الحج أو منع من الوقوف بعرفة مثلًا, أو مُنع من الطواف, يقال له محصر والمحصر هو الممنوع, ذكر فيهِ حديث يحي بْنُ كثير عن عكرمة قَالَ: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل». 

الإحصار هو المنع, واختلف العلماء في الحصر في أي شيء يكون؟ عَلَى قولين: 

القول الأول: أن الحصر لا يكون إِلَّا من العدو, إذا منعه عدو فيكون محصرًا, وحينئذ يكون محصرا ماذا يعمل؟ يذبح شاة ويتحلل كما فعل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم    والصحابة لما أحرموا سنة ست من الهجرة ومنعهم المشركون عن البيت فالنبي صلى الله عليه وسلم  أمر الصحابة بأن يحلقوا ويتحللوا فلم يفعلوا وكانوا ألف وأربعمائة يرجون أن يسمح لهم النَّبِيِّ, النَّبِيِّ ما فعل شيئا أمرهم لكنه باقٍ عَلَى إحرامه, فَقَالَ: «تحللوا» والصحابة تأخروا, فدخل عَلَى أم سلمة وقال: «ما لي آمر الناس ولا يمتثلون؟ فقالت: يا رسول الله تريد أن يفعل الناس؟ قَالَ: نعم, قالت: لا تكلم أحدا اخرج أنت وابدأ بنفسك, فخرج وذبح وأمر الحلاق فتتابع الصحابة كلهم» كَانَ رأيا موفقا من أم سلمة, المرأة أحيانًا يكون رأيها سديدا؛ فتحللوا كلهم. 

القول الثاني: أَنَّه عام في كل ما يمنع المحرم من أداء النسك, يشمل حصر العدو, أو بالمرض, أو بضياع الطريق, أو بانتهاء النفقة هذا يكون محصرا, محصر ضاع عن الطريق حتى فات الحج؛ هذا محصر, الثاني مريض ما يستطيع هذا محصر, الثالث انتهت نفقته. 

قولان لأهل العلم مشهوران ومن ذلك هذا الحديث, هذا الحديث قَالَ: «من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل». 

الجمهور عَلَى أن الإحصار خاصٌ بالعدو, والقول الثاني أَنَّه عام وهو قول أبو حنيفة وأصحابه والأئمة الثلاثة يرون أن الإحصار خاص بالعدو, وهذا الحديث فيهِ أن النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «من كسر أو عرج فقد حل» فهذا إحصارٌ بالمرض, هذا دليل لأبي حنيفة, «فقد حل» أي صار ممن يجوز له الحل مثل حديث: «لقد أفطر الصائم» يَعْنِي: حل له الإفطار. 

قوله: «من كسر أو عرج فقد حل» يَعْنِي: أصابه شيءٌ في رجله وليس بخلقة, «وعليه الحج من قابل» فالصواب أن هذا فيمن كَانَ حجه عن فرض, أما المتطوع بالحج فلا شيء عليه, «من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل»إن كَانَ لم يؤد الفرض, فَإِن كَانَ أدى الفرض فليس عليه شيء. 

الخطابي قَالَ: هذا الحديث حجة لمن رأى الإحصار في المرض, والعذر يعرض للمحرم من غير حبس العدو, وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري وجماعة, أما الأئمة الشافعي ومالك وأحمد قالوا: لا حصر إِلَّا حصر العدو. 

فإن قيل: الراجح؟. 

الراجح أَنَّه عام؛ هذا الصواب والحديث لا بأس بِهِ. 

(المتن) 

1864 - حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: سمعت أبا حاضر الحميري، يحدث أبي ميمون بن مهران، قال: «خرجت معتمرًا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من قومي بهدي فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته، فقال: أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء». 

(الشرح) 

هذا الحديث في سنده محمد بْنُ إسحاق فهو ثقة لكنه مدلس وقد عنعن, وفيه: أن أبا حاضر الحميري، حدث والد عمرو بن ميمون  قال: «خرجت معتمرًا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة» وكان الحجاج وهو أمير العراق من قبل عبد الملك بْنُ مروان وكل إليه المهمة في حرب اِبْن الزبير, كَانَ اِبْن الزبير بايعه الناس عَلَى مكة والمدينة والطائف والحجاز, ونازعه عبد الملك بْنُ مروان, وجهز الجيوش للقتال حتى إن الحجاج ضرب الكعبة بالمنجنيق وقتل اِبْن الزبير وصلبه ثلاثة أيام, ثم انتهت إمارة اِبْن الزبير وصارت الولاية لعبد الملك بْنُ مروان. 

في هذا العام الذي حاصر أهل الشام اِبْن الزبير بمكة لقتاله خرج هذا الحاج أبا حاضر يحدث أبي ميمونة, «وبعث معي رجال من قومي بهدي» إبل أو بقر أو غنم يذبحها في مكة, «فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم» قالوا: ما في دخول توجد حرب, «فنحرت الهدي مكاني» مثلما فعل الرسول ذبح الهدي مكانه وتحلل, الرسول صلى الله عليه وسلم   لما منعه الكفار ذبح هديه في الحديبية وانصرف, «ثم أحللت، ثم رجعت فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته، فقال: أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء». 

وهذا الحديث كما سبق في سنده محمد بْنُ إسحاق وهو مدلس وقد عنعن ولم يكن معروفا أن الصحابة غيروا الهدي وأنهم نحروا هديًا مكانه, اِبْن القيم رحمه الله تكلم عَلَى هذا الحديث وأطال عليه بصفحات, قَالَ اِبْن القيم: إن صح حديث الحجاج بْنُ عمرو فقد حمله بعض أهل العلم أَنَّه يحل بعد فواته بما يحل بِهِ من يفوته الحج بغير مرض فقد روينا عن ابن عباس ثابتًا عنه أنه قال: لا حصر إلا حصر عدو، يَعْنِي: تكلم عَلَى حديث اِبْن حجاج «من كُسر أو عرج فقد حل» حل بعد فوات الحج. 

وقال غيره: معنى حديث الحجاج بن عمرو أن تحلله بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة، واختلف العلماء هل كانت قضاء العمرة الَّتِي صدها عنه في العام الماضي عمرة مستأنفة أو لا؟ عَلَى قولين وهما روايتين عن الإمام أحمد: 

أحدها: أنها قضاء؛ وهو مذهب أبو حنيفة. 

الثانية: ليست قضاء؛ وهو قول مالك. 

والذين قالوا: كانت قضاء احتجوا بأنها سميت عمرة القضاء وهذا الاسم تابع للحكم. وقال آخرون: القضاء هنا من المقاضاة المصالحة لأنه قاضى أهل مكة عليها لا أنه من قضى يقضي.  قالوا: سميت عمرة القضية قالوا  وهذا القول أصح لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يأمر من كان معه بالقضاء, وهذا هو الصواب أن العمرة تامة وكونها سميت عمرة القضاء فمن المقاضاة والمصالحة. 

اِبْن القيم تكلم عن حديث الحجاج بْنُ عمرو قَالَ: ولو كَانَ الكسب مبيحًا للحل لم يكن لاشتراطي معنى, قوله: «عليه الحج من قابل» هذا إذا لم يكن حج الفرد, فأما إن كَانَ متطوعًا فلا شيء عليه غير هدي الإحصار, قَالَ البيهقي: حديث الحجاج بْنُ عمرو اُختلف في إسناده, والثابت عن اِبْن عباس خلافه وأنه لا حصر إِلَّا حصر العدو. 

قَالَ اِبْن القيم أيضًا: اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم فيمن مُنع من الوصول إِلَى البيت بمرض أو كسر أو عرج هل حكمه حكم المحصر في جواز التحلل؟ فروي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم: أنه لا يحلله إلا الطواف بالبيت، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد, ومن حجة هؤلاء حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس, وهو حديث حسن يُحتج بمثله. 

وأيضًا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكون بالمرض فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، فيكون لفظ الآية صريحًا في المريض وحصر العدو ملحق به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟. 

وأطال في هذا رحمه الله, فالمقصود أن الإحصار إذا مُنع الإنسان من الوصول إن كَانَ قد اشترط, المعروف عند أهل العلم أن الإنسان إذا أحرم بحج أو عمرة لا ينفك من هذا الإحرام إِلَّا بواحد من أمور ثلاثة: 

الْأَمْر الأول: أن يُتم الحج والعمرة, يؤدي المناسك فيكون تحلل. 

الْأَمْر الثاني: أن يشترط فيصيبه مرض أو عدو وحينئذٍ يتحلل كما في حديث ضباعة بنت الزبير قَالَت: «يا رسول الله إني أود الحج وإني أجد أني وجعة, قَالَ: حج واشترطي أن محلي حيث حبستني». 

الْأَمْر الثالث: أن يمنعه عدو أو غيره فلا يستطيع وحينئذٍ عليه أن يذبح شاةً ثم يتحلل فَإِن لم يجد صام عشرة أيام ثم يتحلل. 

إذًا من أحرم بحج أو عمرة لا يتحلل إِلَّا بواحدٍ من هَذِه الأمور الثلاثة. 

فإن قيل: في أناس أو شباب ذهبوا في رمضان في يوم ست وعشرين محرمين فَلَمّا وجدوا زحاما رجعوا كما هم ويقولون: ليس علينا شيء أو هناك من أفتاهم قَالَ: ليس عليكم شيء؟. 

هذا تساهل وتلاعب بالنسك, الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة/196]؛ هؤلاء فتواهم عَلَى أنهم لا يزالون محرمين عَلَيْهِمْ أن يرجعوا فورًا حتى لو تحللوا, ما يتحلل إِلَّا بواحد من الأمور الثلاث, هَذِه من خصائص الحج والعمرة, عَلَيْهِمْ أن يرجعوا فورًا ويؤدوا مناسك العمرة, وعليهم أن يلبسوا ملابس الإحرام ويؤدوا مناسك العمرة, هم لا يزالون عَلَى إحرامهم, وعلى كل واحد منهم فدية عن لبس المخيط وليسوا معذورين لِأَنَّهُم ما سألوا ولأنهم تساهلوا وليس لهم عذر في هذا, كون الإنسان يتلاعب ولا يسأل أهل العلم, يعمل عَلَى هواه ليس له عذر في هذا وعليه الفدية في لبس الثوب, وأيضًا إذا أخذ من الشعر, وإذا أحد منهم جامع فسدت العمرة وعليه إكمال العمرة الفاسدة, وعليه شاة يذبحها وعليه قضاؤها من الميقات الذي أحرم منه. 

  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد