شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_11

00:00
00:00
تحميل
63

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب في الرمل 

1885 - حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا أبو عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما صدقوا، وما كذبوا، قال: " صدقوا، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا، ليس بسنة إن قريشًا قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل، فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ارملوا بالبيت ثلاثًا»، وليس بسنة، قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا ليس بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم. 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في الرمل), الرمل هُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى, وَهُوَ دون العدو, فالعدو هُوَ الركض, ليس ركضًا وليس قفزًا, هناك قفز هناك عدو هناك رمل, فالرمل هُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى, والعدو هُوَ الركض, والقفز يقفز من موضع إِلَى موضع. 

ذكر المؤلف حديث ابن عباس «يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما صدقوا، وما كذبوا، قال: صدقوا، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا، ليس بسنة», وذكر السبب, قول ابن عباس الرمل ليس بسنة قَالَ هَذَا عَنْ اجتهاد قبل أن يعلم أَنَّهُ سُنَّة, ثُمَّ رجع عنه, كما سيأتي في حديث بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ رجع عنه, قَالَ: «قَالَ ابن عباس فكانت سُنَّة», هَذَا دليل عَلَى أَنَّهُ رجع, فقال: هَذَا عَنْ اجتهاد قبل أن يعلم أَنَّهُ سُنَّة ثُمَّ رجع عنه. 

والصواب الَّذِي دلت عَلَيْهِ النصوص أو الرمل سُنَّة, وَهَذَا قول الجمهور وَهُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى,وَهَذَا خاص بالأشواط الثلاثة في أول طواف يقدم به مَكَّة لحج أو لعمرة, أول طوف يطوف بمكة لحج أو لعمرة يرمل في الأشواط الثلاثة الأول. 

وهناك سُنَّة ثانية في هَذَا الطواف وَهُوَ الاضطباع, والاضطباع هُوَ كشف الكتف الأيمن؛ يَعْنِي جعل وسط الرداء تَحْتَ عاتقيه الأيمن, وطرفه عَلَى عاتقه الأيسر, والاضبطاع في الأشواط السبعة كلها, والرمل في الأشواط الثلاثة الأول فقط. 

وهاتان السنتان خاصتان بالطواف الأول, أَمَّا طواف الإفاضة طواف الوداع طواف التطوع ليس فِيهِ رمل ولا اضطباع, وَأَيْضًا هما خاصان بالرجال, والمرأة ليس عليها الاضبطاع, المرأة تستر استتار كامل ما يمكن أن تكشف شَيْء من جسدها, وَكَذَلِكَ لا تسرع؛ لأنها عورة, وقوله: «إن قريشًا قالت زمن الحديبية», يَعْنِي في صلح الحديبية في السنة السادسة «دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف», النغف دود يسقط من أنوف الدواب «فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل، فيقيموا بمكة ثلاثة أيام»، يَعْنِي قريش صالحت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أن يرجع هَذَا العام في السنة السادسة ويأتي من العام القابل وَهِيَ سنة سبع ويقيم ثلاثة أيام فقط «فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان», من جهة الحجر جالسون «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثًا»، يَعْنِي ثلاثة أشواط, فكانوا يسرعون ولكن إِذَا تجاوزهم وصاروا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود صاروا يمشون, أمرهم أن يمشوا لئلا يشق عَلَيْهِمْ. 

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ في حج الوداع أمرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الثلاثة الأشواط من الحجر إِلَى الحجر, استقرت السنة في هَذَا. 

«قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره»، يَعْنِي هَذَا وقع «وكذبوا ليس بسنة»، يَعْنِي أَنَّهُ ليس من السنة أن يطوف الإنسان راكبًا, بينما يطوف عِنْد الحاجة «كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه»، وفي رواية: «ولا يضربون» «فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم»؛ لِأَنَّ النَّاس غشوه يَعْنِي ازدحموا عَلَيْهِ, فركب البعير ليشاهده النَّاس ويقتدوا به ويسمعوا كلامه. 

وفي الحديث جواز الطواف راكبًا, وكذا السعر راكبًا عَلَى دابة أو عَلَى عربة, ولو كَانَ قادر عَلَى المشي, لكنه ليس بسنة كما قَالَ ابن عباس, يَعْنِي كون الطواف بصفة الركوب الطواف بالمشي أفضل, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا فعل هَذَا للحاجة. 

(المتن) 

1886 - حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، أنه حدث عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شرا فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوه: " فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد منا ". قال ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عَلَيْهِمْ. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وَفِيهِ بيان الحكمة من الرمل, وأن قريش قَالُوا: إن محمد وأصحابه قَدْ أصابتهم الحمى؛ لِأَنَّ يثرب اسم المدينة كَانَ بها حمى لما قدم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بها حمى, فدعا الله أن تنقل إِلَى الجحفة, فقريش يشمتون بالنبي صلى الله عليه وسلم قَالُوا: سيأتيكم محمد وأصحابه ما يستطيعون المشي من الحمى, فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرملوا, أطلع الله نبيه عَلَيْهِمْ, فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة, وأن يمشوا ما بين الركنين, ما بين الركن اليماني والحجر الأسود, وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا جالسن جهة الحجر, فَإِذَا أقبلوا عَلَيْهِمْ صاروا يرملون وَإِذَا اختفوا بين الركن اليماني والحجر الأسود يمشون؛ حَتَّى لا يشق عَلَيْهِمْ. 

فَلَمَّا رأوهم رملوا قَالُوا قريش: «هؤلاء الَّذِينَ ذكرتم أن الحمى قَدْ وهنتهم هؤلاء أجلد مِنَّا, قَالَ ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عَلَيْهِمْ». 

يَعْنِي لولا المشقة لأمرهم أن يرملوا الأشواط السبعة كلها, ولكن لئلا يشق عَلَيْهِمْ, وفي رواية أَنَّهُمْ قَالُوا: «انظرهم ينقزون كالغزال». 

وكونهم مشوا ما بين الركنين هَذَا كَانَ أولًا في عمرة القضاء, ثُمَّ نسخ ذَلِكَ بحديث نافع عَنْ ابن عمر الآتي, حيث أمرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يرملوا من الحجر إِلَى الحجر, استقرت الشريعة عَلَى هَذَا, استقرت السنة عَلَى أن الرمل من الحجر إِلَى الحجر. 

وفي الحديث مشروعية إظهار القوة للعدو, وَأَنَّهُ ليس من الرياء المذموم, فيكون كون أمرهم النَّبِيّ أن يرملوا وأن يمشوا ما بن الركنين منسوخ, لحديث نافع عَنْ ابن عمر. 

(المتن) 

1887 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: «فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله مع ذلك لا ندع شيئًا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه ابن ماجة وَقَالَ هَذَا عمر, قَالَ: لماذا نرمل اليوم وَقَدْ ثبت الله الإسلام, لماذا نرمل ونكشف عَنْ أكتافنا وَقَدْ أطأ الله الإسلام, يَعْنِي ثبت الله الإسلام ونفى الكفر وأهله, ثُمَّ رجع عنه وَقَالَ: (إِنَّهُ سنة نفعله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم), أيْ الرمل والاضطباع. 

فكأن عمر يريد أن يبين للناس يَقُولُ: فعلناه في الأول لما كَانَ المشركون أقوياء فنريهم من أنفسنا قوة, الآن ثبت الله الإسلام ونفى الكفر فلماذا نفعل؟ ثُمَّ رجع فقال: نفعله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. 

«فيم الرملان», (..)الاستفهامية, وَهِيَ لغة والأكثر حذف الألف, «فيم الرملان». 

قوله: «وقد أطأ الله الإسلام»، يَعْنِي أثبته وأحكمه, وعمر رضي الله عنه حينما قَالَ هَذَا كأنه يوهم بترك الرمل في الطواف لِأَنَّهُ عرف سببه وَقَدْ انقضى السب, ثُمَّ رجع وبين أن الحكمة للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم . 

(المتن) 

1888 - حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي وَقَالَ: حسن صحيح, قوله: «إنما جعل الطواف بالبيت», يَعْنِي بالكعبة «وبين الصفا والمروة», أيْ جعل السعي بينهما «ورمي الجمار لإقامة ذكر الله». 

يَعْنِي إِنَّمَا شرع ذَلِكَ لإقامة النسك, يَعْنِي لِأَنَّ يذكر الله في هَذِهِ المواضع, الطواف حول البيت بالذكر والدعاء وَهَذَا العمل ذكر لله, الذكر يكون بالقول ويكون بالفعل, بالقول كونه يذكر الله ويسبح وهلل ويقرأ الْقُرْآن ويدعو وبالفعل كونه يطوف بالبيت هَذَا ذكر له, كونه يصوم ذكرٌ له, كونه يصلى ذكرٌ له بالمعنى, فالعبادة كلها فِيهَا إقامة لذكر الله عز وجل. 

(المتن) 

1889 - حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم " اضطبع فاستلم وكبر، ثم رمل ثلاثة أطواف وكانوا، إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون، تقول قريش: كأنهم الغزلان "، قال ابن عباس: فكانت سُنَّة. 

(الشرح) 

قَالَ الآن: (فكانت سنة), والأول يَقُولُ: كذبوا ليست بسنة, هَذَا رجوع من ابن عباس عَنْ قوله الأول أن الرمل بسنة إِلَى قول الجمهور, وَهُوَ أن الرمل سنة, وَهُوَ الصواب الَّذِي دلت عَلَيْهِ النصوص, فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اضطبع يَعْنِي كشف عَنْ كتفه الأيمن, وجعل وسط الرداء عَلَى عاتقة الأيمن وطرفه عَلَى عاتقة الأيسر, فاستلم الحجر فكبر ثُمَّ رمل ثلاثة أطواف, وَكَانُوا إِذَا بلغوا الركن اليماني تغيبوا من قريش؛ لِأَنَّ قريش كَانُوا يجلسون من جهة الحجر, فَإِذَا وصلوا إِلَى الركن اليماني حالت الكعبة بينهم وبينهم فلا يرونهم, فصاروا يمشون بدون رمل بدون إسراع؛ حَتَّى لا يحصل لهم مشقة. 

ثُمَّ يطلعون عَلَيْهِمْ إِذَا تجاوزوا الحجر يطلعون عَلَيْهِمْ يرملون تقول قريش: (كأنهم الغزالان), يَقُولُونَ: انظر إليهم ينقزون كأنهم الغزالان, ما فيهم مرض, فهذا من إظهار القوة والجلد, والحديث سكت عنه المنذري. 

(المتن) 

1890 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه «اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثًا، ومشوا أربعًا». 

(الشرح) 

مشى مشوا , غزا غزو, رمى رموا, إِذَا كَانَ ألف يفتح ما قبله إِذَا أضيف له واوا الجمع, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة وَهَذَا في السنة الثامنة من الهجرة, هَذِهِ العمرة, فرملوا بالبيت ثلاثًا ومشوا أربعًا, الحديث أخرجه ابن ماجة بنحوه. 

«فرملوا بالبيت ثلاثًا، ومشوا أربعًا», لا زالت السنة باقية ثُمَّ في حجة الوداع أمرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يرملوا من الحجر إِلَى الحجر, ويقال: الجِّعرانة, ويقال: الجعرانة بالتخفيف والتشديد, مثل الحديّبية والحديبية, بيت المقدّس والمقدس, بالتخفيف والتشديد. 

(المتن) 

1891 - حدثنا أبو كامل، حدثنا سليم بن أخضر، حدثنا عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر، «رمل من الحجر إلى الحجر، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وَهَذَا في حجة الوداع, وَهَذَا ناسخ لما أمرهم به في عمرة القضاء من أن يرموا في الثلاثة الأشواط وأن يمشوا ما بين الركنين, وَكَذَلِكَ في عمرة الجعرانة, هَذَا في السنة العاشرة من الهجرة في حجة الوداع, أمرهم أن يرملوا من الحجر إِلَى الحجر, استقرت السنة بِهَذَا. 

(المتن) 

باب الدعاء في الطواف 

1892 - حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا ابن جريج، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه، عن عبد الله بن السائب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي فِيهِ مشروعية هَذَا الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود, «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». 

(ربنا), منصوب بحذف ياء النداء, يَعْنِي يا ربنا (آتنا), أيْ أعطنا في الدنيا حسنة, حسنة تشمل العلم والعمل, وَقِيلَ: العفو والعافية والرزق الحسن والحياة الطيبة, والقناعة والذرية الصالحة, كلها داخلة في حسنات الدنيا, حسنات الآخرة المغفرة والقناعة والذرية الصالحة كلها داخلة في الحسنات, حسنات الآخرة المغفرة وَالْجَنَّةَ والدرجة العالية ومرافقة الأنبياء والرضا والرؤية«ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». 

العامة يطوفون يَقُولُونَ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, وأدخلنا الْجَنَّةَ مَعَ الأبرار. 

وفي الآخرة حسنة هَذِهِ هِيَ الْجَنَّةَ, قولهم: وأدخلنا الْجَنَّةَ مَعَ الأبرار هُوَ داخل في وفي الآخرة حسنة, يكفي هَذَا الدعاء, الدعاء النبوي كافي شامل لما قالوه وزيادة. 

«وقنا عذاب النَّارِ», يَعْنِي احفظنا من عذاب النَّاس من شدائد جهنم. 

(المتن) 

1893 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف، ويمشي أربعًا ثم يصلي سجدتين». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث فِيهِ مشروعة الرمل في الأشواط الثلاثة الأول, الأشواط الثلاثة أول ما يقدم المحرم لحج أو لعمرة, وَهُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى, والمشي في الأشواط الأربعة. 

قوله: «ثُمَّ يصلي سجدتين», يَعْنِي ركعتين, سميت الركعتان سجدتان؛ لأهمية السجدتين, لأهمية السجود وهما ركعتا الطواف, والحديث أخرجه الشيخان والنسائي. 

(المتن) 

باب الطواف بعد العصر 

1894 - حدثنا ابن السرح، والفضل بن يعقوب وهذا لفظه قالا: حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن عبد الله بن باباه، عن جبير بن مطعم، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار». قال الفضل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا. 

(الشرح) 

هَذَا في ترجمة الطواف بَعْدَ العصر, ذكر فِيهِ حديث جبير بن مطعم وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة, قَالَ الترمذي: حسن صحيح. 

قوله: (يبلغ به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم), أيْ يرفعه إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ويرويه عنه, وَفِيهِ قَالَ: «لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار». 

الحديث فِيهِ دليل عَلَى مشروعية صلاة ركعتي الطواف في أيْ وقتٍ طاف من ليل أو نهار بَعْدَ العصر وَبَعْدَ الفجر وفي سائر الأوقات, وأنهما مستثنيان من عموم النهي عَنْ الصلاة في أوقات النهي, ركعتي الطواف مستثنيات من عموم النهي, النهي يَقُولُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بَعْدَ العصر؛ حَتَّى تغرب الشمس ولا صلاة بَعْدَ الفجر؛ حَتَّى تطلع الشمس». 

وهاتان الركعتان مستثنيان, هَذَا استثناء, «لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار». 

واستدل الإمام الشافعي بذَلِكَ عَلَى أن الصلاة جائزة في مَكَّة في الأوقات المنهي عنها بِهَذَا الحديث, في الأوقات النهي عنها في سائر البلدان, وليس هَذَا الاستثناء الواضح, فَإِن السبب وَهُوَ الطواف, فلا يقاس عَلَيْهِ ما لا سبب له, وركعتا الطواف هما سنة عَلَى المشهور وَقِيلَ: إِنَّمَا واجبتان. 

استدل الشافعي عَلَى جواز الصلاة في مَكَّة في الأوقات المنهي عنها ليس بظاهر؛ لِأَنَّ الحديث إِنَّمَا هُوَ فِيهِ استثناء لركعتي الطواف, «لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي», يَعْنِي ركعتي الطواف. 

وَالْأَمْرِ فِيهِ خلاف بين العلماء, الجمهور عَلَى أَنَّهُ لا يفعل شَيْء في أوقات النهي, أكثر العلماء قَالُوا: أحاديث النهي أصح وأكثر قدموها, قَالُوا: إِذَا دخلت بَعْدَ العصر تجلس بَعْدَ الفجر تجلس, أكثر العلماء عَلَى هَذَا, وَهَذَا الحديث أصح «لا صلاة بَعْدَ العصر؛ حَتَّى تغرب الشمس ولا صلاة بَعْدَ الفجر؛ حَتَّى تطلع الشمس». 

وَذَهَبَ قوم من المحققين كشيخ الإسلام وجماعة إِلَى الجمع بين النصوص في استثناء ذواتي الأسباب, قَالُوا: كلٌ منهما فِيهِ عموم وخصوص من وجه «لا صلاة بَعْدَ العصر؛ حَتَّى تغرب الشمس», هَذَا عام في كُلّ صلاة بَعْدَ العصر. 

وحديث «إِذَا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس؛ حَتَّى يصلي ركعتين», عام في جميع الأوقات خاص بتحية المسجد. 

وقوله: «لا صلاة بَعْدَ العصر؛ حَتَّى تغرب الشمس», عام في جميع الصلوات خاص في وقت النهي, فَقَالُوا: كلٌ منهما عام في وجه وخاص من وجه خصصوها وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ العمل عِنْد جميع المحققين. 

والوقت المغلظ عِنْد طلوع الشمس وَكَذَلِكَ عِنْد غروبها, وكذا عِنْد قيامها, حديث عقبة بن عامر عِنْد مسلم «ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا؛ حين تطلع الشمس بازغة حَتَّى ترتفع, وحين تتضيف في الغروب حَتَّى تغرب, وحين يقوم قائم الظهيرة حَتَّى تزول حَتَّى تبين الشمس», هَذِهِ الأوقات الثلاثة مغلظة ما فِيهَا صلاة ولا دفن موتى. 

(المتن) 

باب طواف القارن 

1895 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: «لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول». 

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة في طواف القارن, والقارن هُوَ الَّذِي لبى بالعمرة والحج معًا قَالَ, لبيك عمرةً وحجة, ذكر فِيهِ حديث جابر «لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول». 

أخرجه مسلم هَذَا الحديث والترمذي والنسائي وابن ماجة, والمراد بأصحابه أصحابه الَّذِينَ ساقوا الهدي كما ساقه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, جمعًا بينه وبين حديث عائشة في الصحيح, وَفِيهِ «وَأَمَّا الَّذِينَ حلوا من عمرتهم طافوا طواف آخر بَعْدَ أن رجعوا من منى لحجهم», وَهَذَا الحديث إِنَّمَا هُوَ في طواف القارن وكما هُوَ ظاهر من ترجمة المؤلف قَالَ: (باب طواف القارن), فهذا في القارن لَمْ طوفوا إِلَّا طوافًا واحدًا. 

والمراد بالطواف هنا الطواف بين الصفا والمرة ليس طواف الإفاضة, طواف الإفاضة هَذَا واجب عَلَى الجميع, المفرد والقارن والمتمتع كلهم يطوفون يوم العيد طواف الإفاضة, وَأَمَّا الطواف الأول للقارن هَذَا سنة, المراد هنا السعي. 

«لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول», يَعْنِي سعيًا واحدًا, فهذا خاص بالقارنين كما في حديث عائشة في الصحيح قالت: «وَأَمَّا الَّذِينَ حلوا من عمرتهم طافوا طوافًا آخر بَعْدَ أن رجعوا منى لحجهم», طافوا بين الصفا والمروة, وكما هُوَ ظاهر ترجمة المؤلف قَالَ: (باب طواف القارن). 

والحديث فِيهِ دليل عَلَى أن القارن ليس عَلَيْهِ إِلَّا طواف بين الصفا والمروة طواف واحد, القارن مثل المفرد ليس عَلَيْهِ إِلَّا طواف واحد بين الصفا والمروة, بخلاف المتمتع فَإِن عَلَيْهِ سعيين, سعي للحج وسعي للعمرة وَهَذَا هُوَ الصواب الَّذِي عَلَيْهِ الجمهور. 

وَذَهَبَ الإمام أبو حنيفة وجماعة إِلَى أن القارن عَلَيْهِ سعيان مثل المتمتع, سعي للعمرة وسعي للحج, وَهُوَ رواية عَنْ الإمام أحمد, وَهُوَ قول سفيان الثوري وأهل الكوفة والأوزاعي كما ذكر ابن القيم رحمه الله . 

القول الثالث: أن المتمتع ليس عَلَيْهِ إِلَّا سعي واحد وَهِيَ رواية عَنْ الإمام أحمد وَهِيَ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم, يكون المتمتع ليس عَلَيْهِ إِلَّا سعي واحد, كُلّ الحجاج ما عَلَيْهِمْ إِلَّا سعي واحد, المفرد والقارن والمتمتع, عِنْد شيخ الإسلام, أقر هَذَا في منسكه, قَالَ: ليس عَلَى المفرد والقارن إلاسعيًا واحد, وَكَذَلِكَ المتمتع يَقُولُ: عَلَى الصحيح من أقواله. 

وأجاب شيخ الإسلام عَنْ قول عائشة: «وَأَمَّا الَّذِينَ حلوا من عمرتهم طافوا طوافًا آخر بَعْدَ أن رجعوا منى لحجهم», قَالَ: هَذَا من قول عروة. 

وَعَلَى هَذَا فتكون المسألة فِيهَا ثلاثة أقوال:  

القول الأول: أن القارن ليس عَلَيْهِ إِلَّا سعي واحد. 

القول الثاني: إن عَلَيْهِ سعيين. 

القول الثالث: أن المتمتع ليس عَلَيْهِ إِلَّا سعي واحد أَيْضًا, كُلّ الحجاج ليس عَلَيْهِمْ إِلَّا سعي واحد وَهُوَ اختيار شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله . 

والراجح قول الجمهور الراجح أن المتمتع عَلَيْهِ سعيان, وَذَلِكَ حَتَّى من جهة النظر المتمتع عمرته منفصلة عَنْ الحج, يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ويلبس ثيابه ويجامع زوجته, منفصلة, بخلاف القارن, القارن عمرته متصلة غير منفصلة, لكن شيخ الإسلام وَهُوَ رواية عَنْ الإمام أحمد وجماعة يقولون: إن المتمتع الآن وإن كَانَ تحلل إِلَّا أن الحج مرتبط به, فَهُوَ منتظر الحج, وانتصر لهذا ابن القيم رحمه الله وذكر في هَذَا نقول, وانتصر لاختيار شيخه وَهُوَ أن المتمتع لا يسعى إِلَّا سعي واحد. 

(المتن) 

1896 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه «لم يطوفوا حتى رموا الجمرة». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وقول عائشة: «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة», المراد أصحابه الَّذِينَ وافقوه في القران, جمعيًا بينه وبين حديث عائشة الآخر قالت: «وَأَمَّا الَّذِينَ حلوا من عمرتهم طافوا طوافًا آخر بَعْدَ أن رجعوا منى لحجهم», وكما هُوَ ظاهر من ترجمة المصنف. 

أن أصحابه الَّذِينَ وافقوه في القران, وَفِيهِ دليل عَلَى أن القارن ليس عَلَيْهِ إِلَّا طواف واحد بين الصفا والمروة, يَعْنِي لَمْ يطوفوا؛ حَتَّى رموا جمرة العقبة هَذَا المراد السعي, أَمَّا طواف الإفاضة هَذَا في الجميع ما فِيهِ إشكال. 

(المتن) 

1897 - حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، أخبرني الشافعي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك». قال الشافعي: كان سفيان ربما، قال: عن عطاء، عن عائشة، وربما، قال: عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها. 

(الشرح) 

والحديث أخرجه مسلم في صحيحه من حديث طاوس بن كسيان عَنْ عائشة رضي الله عنها, والحديث صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد بالبيت, وطواف واحد بين الصفا والمروة, قَالَ لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك». 

طوافقك بالبيت وطوافك بين الصفا والمروة, فَهُوَ صريح في أن القارن يكفيه لحجته وعمرته طواف واحد بالبيت وطواف واحد بين الصفا والمروة, وَفِيهِ الرد عَلَى أبي حنيفة ومن معه القائلين بأن القارن يَجِبُ عَلَيْهِ سعيين بين الصفا والمروة أحدهما للعمرة والثاني للحج. 

صرح «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك», في أصرح من هَذَا؟ يكفيك طوافك بالبيت بالحج والعمرة, ويكفيك طوافك بين الصفا والمروة لحجك وعمرتك, (طوافك بالبيت), هَذَا هُوَ الطواف بالبيت (وبين الصفا والمروة), يكفيك لحجتك وعمرتك, وَهُوَ صريح. 

(المتن) 

باب الملتزم 

1898 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي وكانت داري على الطريق، فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، «قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسْطهم». 

(الشرح) 

وسطهم بإسكان السين لِأَنَّ المعنى بينهم, هَذَا الحديث أخرجه الدارقطني والحديث في سنده يزيد بن أبي زياد وَهُوَ يضعف الحديث, فيكون الحديث ضعيف والملتزم هو ما بين الركن الأسود والباب, ولا يصح في الملتزم حديث عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولكنه ثابت عَنْ الصَّحَابَة عَنْ ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص, أَنَّهُ يشرع لطواف الوداع أن يأتي الحاج ويضع صدره ووجه وذراعيه وكفيه يلصقهما بالجدار بين الباب وبين الركن ويدعو بما تيسر. 

ومن دعا بما نسب إِلَى ابن عباس حسن, قَالَ: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي إن أنت أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. 

هَذَا مروي عَنْ ابن عباس أَنَّهُ يلصق ذراعية ويدعو بِهَذَا الدعاء, وروي عَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص لكنه لَمْ يثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولهذا اختلف العلماء في مشروعيته, منهم من قَالَ يشرع منهم من قَالَ ما يشرع, ولهذا قَالَ: (باب الملتزم), ما قَالَ: باب مشروعية الدعاء في الملتزم؛ لِأَنَّهُ في خلاف بين أهل العلم. 

أَمَّا هَذَا الحديث «قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم», الحطيم هُوَ الحجر يسمى حطيم لِأَنَّهُ محطوم من الكعبة, قَالَ: «وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسْطهم», هَذَا لا يثبت الحديث ضعيف هَذَا, لوثبت لكانت سنة, لكن هَذَا لا يثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ استلموا البيت إِلَى الحطيم وهم موضعوا خدودهم عَلَى البيت هَذَا لا يثبت لِأَنَّ الحديث ضعيف. 

قَالَ بَعْضُهُمْ: الحطيم هُوَ ما بين الباب إِلَى المقام, وَقَالُوا: هُوَ ما بين الحجر الأسود إِلَى الباب إِلَى المقام, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الشارذوان والصحيح أن الحطيم هُوَ الحجب, سمي حطيمًا لِأَنَّهُ أخذ من الكعبة حطم منها. 

قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الحجر الأسود, وسمي حطيمًا لِأَنَّ النَّاس كَانُوا يحطمون هناك بالإيمان ويستجاب فِيهِ الدعاء للمظلوم عَلَى الظالم, وقل ما حلف هناك كذبا إِلَّا حلت أو عجلت له العقوبة. 

في كتب الحنفية الحطيم هُوَ الموضع الَّذِي فِيهِ الميزاب, ذكر ابن القيم فِيهِ أقوالًا الحطيم, قِيلَ: هُوَ ما بين الركن والباب, وَقِيلَ: هُوَ جدار الحجر, والصحيح أن الحطيم هُوَ الحجر نفسه, يَدُلَّ عَلَيْهِ حديث الإسراء أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بينما أنا نائم وفي الحطيم», الحطيم فعيل بمعنى مفعول يَعْنِي محطوم. 

(المتن) 

1899 - حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: «نعوذ بالله من النار»، ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطًا، ثم قال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله». 

(الشرح) 

نعم هَذَا الحديث أخرجه ابن ماجة والحديث ضعيف في إسناده المثنى بن الصباح اليماني ولا يحتج به لضعفه. 

«عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة», يَعْنِي خلفها «قلت: ألا تتعوذ؟ قال: «نعوذ بالله من النار»، ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب»، يَعْنِي الملتزم «فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطًا، ثم قال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله», الحديث ضعيف لَمْ يثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فعله, لو فعله لكان سنة لكنه لا يثبت. 

(المتن) 

1900 - حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا السائب بن عمرو المخزومي، حدثني محمد بن عبد الله بن السائب، عن أبيه، أنه كان يقود ابن عباس فيقيمه عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحجر مما يلي الباب، فيقول له ابن عباس: أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ها هنا؟، فيقول: «نعم»، فيقوم فيصلي. 

(الشرح) 

الحديث هَذَا أخرجه النسائي والحديث ضعف في سنده محمد بن عبد الله بن السائب يروي عَنْ أبيه وَهُوَ مجهول أو شبه مجهول, قاله المنذري, (فِيهِ السائب عَنْ أبيه أَنَّهُ كَانَ يقود ابن عباس فيقيمه عند الشقة الثالثة), الشقة هِيَ الناحية أيْ ناحية الملتزم الَّذِي يلي الحجر مِمَّا يلي الباب. 

«فيقول له ابن عباس: أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ها هنا؟، فيقول: نعم، فيقوم فيصلي», هَذَا الحديث ضعيف لا يصح, بَلْ صح عَنْ ابن عباس أَنَّهُ يقيم هنا ويصلي هناك. 

(المتن) 

باب أمر الصفا والمروة 

1901 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، ح وحدثنا ابن السرح، حدثنا ابن وهب، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158] فما أرى على أحد شيئًا أن لا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا لو كان كما تقول: كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158]. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وَفِيهِ أن عروة فهم فهمًا خاطئًا من الآية فصححت له عائشة الفهم بينت له الفهم الصحيح, الله تعالى يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة/158]. 

فالآية فِيهَا رفع الجناح عَنْ الطواف بالصفا والمروة وَأَنَّهُ لا بأس بالطواف بالصفا والمروة, فعروة فهم منها أَنَّهُ لا يطاف بين الصفا والمروة, واعتذر لِأَنَّهُ كَانَ حديث السن صغير السن, صغير السن سأل عائشة, قَالَ: «أرأيت قول الله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158] فما أرى على أحد شيئًا أن لا يطوف بهما»، يَعْنِي ما أرى عَلَى أحد حرج من أن يترك الطواف بينهم. 

« قالت عائشة: كلا», لو كانت كما فهمت لكانت الآية (فلا جناح عَلَيْهِ ألا يطوف بهما), والآية {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة/158]. 

قالت: لو كانت كما فهمت لجاءت لا النافية, ثُمَّ بينت له سبب النزول, وَهَذَا فِيهِ بيان أن معرفة سبب النزول يَدُلَّ عَلَى معنى الآية, يفيد في فهم الآية, قالت: «إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة», مناة صنم يعبدها الأنصار ومن حولهم عِنْد المشلل حذو قديد في الجاهلية. 

« وكانت مناة حذو قديد»، قرية بين مَكَّة والمدينة «وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة»، يتحرجون يهلون لمناة ثُمَّ يأتون يطوفون بين الصفا والمروة فكانوا يتحرجون, قَالُوا: كيف نهل للصنم ثُمَّ نأتي للكعبة ونطوف بين الصفا والمروة, فكانوا يتحرجون أن يتطوفوا بين الصفا والمروة «فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة/158]». 

يَعْنِي لا حرج في الطواف بين الصفا والمروة, وعروة فهم من الآية ترك الطواف, وبينت له عائشة أَنَّهُ لو كَانَ عَلَى فهمه لكانت الآية (فلا جناح عَلَيْهِ ألا يطوف بهما). 

والصفا والمروة ركن في الحج والعمرة, المؤلف قَالَ: (باب أمر الصفا والمروة), يَعْنِي ما حكمهما وما شأنهما. 

(المتن) 

1902 - حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبد الله، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس». فقيل لعبد الله أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة قال: لا. 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة وأخرجه مسلم مختصرًا, وَهُوَ حديث عبد الله بن أبي أوفى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر», وَهَذَا في عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة «فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس», أيْ من يحرسه ويحميه؛ لِأَنَّ قريش أعداء وكفار ولا يؤمنون. 

وَكَانَ الصَّحَابَة يخافون أن يأتيه سهم من الْكُفَّار, والعداوة قائمة بينهم, فكان يحرس عليه الصلاة والسلام أن يكون معه من يستره من النَّاس, فقيل لعبد الله بن أبي أوفى: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة؟ قَالَ: لا, يَعْنِي في عمرة القضاء, وَإِنَّمَا دخلها في عام الفتح, ما دخل هنا لأمرين:  

الأول: أن قريش لا توافق عَلَى دخوله. 

الثاني: أن الكعبة فِيهَا أصنام ولا يستطيع إزالتها. 

فَلَمَّا كَانَ يوم الفتح دخلها وأمر بإزالة الأصنام, بَلْ كَانَ يشير إليها فتتساقط, كَانَ فِيهَا ثلاثمائة وستين صنم في جوف الكعبة, وَفِيهَا إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «قاتلهم الله إنهما لَمْ يستقسما بالأزلام قط». 

فقول عبد الله بن أبي أوفى: أدخل رسول الله الكعبة؟ قَالَ: لا, يَعْنِي ما دخلها, إِنَّمَا دخلها في عام الفتح, والهمزة للاستفهام أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: لا. 

(المتن) 

1903 - حدثنا تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق بن يوسف، أخبرنا شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى بهذا الحديث زاد ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعا ثم حلق رأسه. 

(الشرح) 

قَالَ: «زاد», يَعْنِي هَذَا الطريق الأخرى للحديث, زاد «ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعا ثم حلق رأسه», وَهَذَا هُوَ الشاهد للترجمة قَالَ: (باب أمر الصفا والمروة). 

سعى بينهما سعيًا ثُمَّ حلق رأسه؛ لِأَنَّ الصفا والمروة ركن في العمرة, هُوَ طاف ثُمَّ سعى ثُمَّ حلق رأسه, والترجمة هنا (باب أمر الصفا والمروة), يَعْنِي أمرهما أن السعي ركن عِنْد الجمهور وَقِيلَ: واجب يجبر بدم وَقِيلَ: سنة. 

(المتن) 

1904 - حدثنا النفيلي، حدثنا زهير، حدثنا عطاء بن السائب، عن كثير بن جمهان، أن رجلاً، قال: لعبد الله بن عمر، بين الصفا والمروة يا أبا عبد الرحمن إني أراك تمشي والناس يسعون قال: «إن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وأنا شيخ كبير». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة قَالَ الترمذي: حسن صحيح, والحديث في سنده عطاء بن السائب اختلط في آخره فَهُوَ ضعيف, والحديث فِيهِ مشروعية السعي في بطن الوادي. 

«عن كثير بن جمهان، أن رجلاً، قال: لعبد الله بن عمر، بين الصفا والمروة يا أبا عبد الرحمن», كنية ابن عمر «إني أراك تمشي والناس يسعون», يَعْنِي بين الصفا والمروة ما تسرع بين العلمين, أنت تمشي وَالنَّاس يسعون, النَّاس يهرولون وأنت تمشي.  

قال: «إن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وأنا شيخ كبير», يَعْنِي يشق عَلَيْهِ, كبرت به السن, يشق عَلَيْهِ العدو, وَهَذَا الحديث ضعيف؛ لِأَنَّ قوله: «إن أمشي فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي» وَالرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يهرول؛ حَتَّى يدور به إزاره, لكن هَذَا ضعيف, لعل هَذَا من أوهام عطاء بن السائب, والحديث فِيهِ مشروعية السعي في بطن الوادي. 

والسعي فِيهِ ثلاثة أقوال لأهل العلم:  

الأول: الجمهور أَنَّهُ ركن لا يتم الحج إِلَّا به. 

الثاني: أَنَّهُ واجب يجبر بدم, وَهَذَا قول قوي اختاره ابن قدامة في المغني. 

الثالث: أَنَّهُ سنة. 

والراجح الأول والقول الثاني قوي. 

(المتن) 

باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم 

1905 - حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. 

(الشرح) 

هَذَا حديث جابر الطويل, ذكره المؤلف في ستة عشر صفحة أو أكثر, من صفحة 60 إِلَى صفحة يمكن 89, حديث واحد حديث جابر ساقه كامل, يعتبر منسك كامل, ساقه الإمام مسلم رحمه الله والبخاري روى قطعة منه, نقف عَلَيْهِ, ذكر صفة حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من أولها إِلَى آخرها, من حين خرج من المدينة حَتَّى رجع. 

وفق الله الجميع لطاعته. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد