شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_12

00:00
00:00
تحميل
65

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم 

1905 - حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فلما انتهينا إليه، سأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحبًا بك، وأهلاً يا ابن أخي سل عما شئت فسألته وهو أعمى وجاء وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفًا بها يعني ثوبًا ملفقًا كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بيده فعقد تسعًا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ فقال: «اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي»، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، قال: جابر نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء، عملنا به فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125] فجعل المقام بينه وبين البيت.  

قال: فكان أبي يقول قال: ابن نفيل، وعثمان ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سليمان: ولا أعلمه إلا، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158]. 

«نبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده وقال: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ثم دعا بين ذلك، وقال: مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا، حتى إذا كان آخر الطواف على المروة، قال: «إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة» فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان معه هدي فقام سراقة بن جعشم، فقال: يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى، ثم قال: «دخلت العمرة في الحج» هكذا مرتين «لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد» قال: وقدم علي رضي الله عنه، من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت فأنكر علي ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا، فقالت: أبي، فكان علي يقول: بالعراق ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا على فاطمة في الأمر الذي صنعته مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت عنه فأخبرته، أني أنكرت ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال: «صدقت، صدقت ماذا، قلت حين فرضت الحج» قال: قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن معي الهدي فلا تحلل» قال: وكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة فحل الناس كلهم، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان معه هدي، قال: فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه دماؤنا: دم ".  

قال عثمان: دم ابن ربيعة " وقال سليمان: دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وقال: بعض هؤلاء كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم، أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وأنتم مسئولون عني، فما أنتم قائلون, قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، ثم قال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد»، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى «السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس» كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، قال عثمان: ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اتفقوا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح، قال سليمان: بنداء وإقامة، ثم اتفقوا، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عليه، قال عثمان وسليمان: فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله، زاد عثمان ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًا، ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر، وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر حتى أتى محسرًا، فحرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها بمثل حصى الخذف فرمى من بطن الوادي، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثًا وستين، وأمر عليًا فنحر ما غبر يقول: ما بقي، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربًا، من مرقها قال سليمان: ثم ركب، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: «انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم»، فناولوه دلوا فشرب منه. 

1906 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان يعني ابن بلال، ح وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، المعنى واحد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة، ولم يسبح بينهما وإقامتين وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد، وإقامتين ولم يسبح بينهما».  

قال أبو داود: هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل، ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده، محمد بن علي الجعفي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر إلا أنه قال: فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة. 

قَالَ أبو داود: قَالَ لي أحمد: أخطأ حاتم في هَذَا الحديث الطويل. 

1907 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جعفر، حدثنا أبي، عن جابر، قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد نحرت ها هنا ومنى كلها منحر» ووقف بعرفة فقال: «قد وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف» ووقف بالمزدلفة فقال: «قد وقفت ها هنا ومزدلفة كلها موقف». 

1908 - حدثنا مسدد، حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر، بإسناده زاد «فانحروا في رحالكم». 

1909 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر، حدثني أبي، عن جابر، فذكر هذا الحديث وأدرج في الحديث عند قوله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]، قال: فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون وقال فيه: قال علي رضي الله عنه بالكوفة، قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر: فذهبت محرشًا، وذكر قصة فاطمة رضي الله عنها. 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان صفة حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وذكر هَذَا الحديث حديث جابر الطويل وَهُوَ منسك مستقل حديث عظيم قَدْ أخرجه الإمام مسلم بطوله وأخرج البخاري بعضه, وأخرج مسلم والبخاري وأصحاب السنن قطعًا منه, فينبغي حفظه لما يشتمل عَلَيْهِ من الأحكام والفوائد العظيمة. 

ومن الفوائد في هَذَا الحديث قَالَ النووي رحمه الله عَنْ هَذَا الحديث: هُوَ حديث عظيم مشتمل عَلَى جمل من الفوائد, ونفائس من مهمات القواعد, وَهُوَ من أفراد مسلم لَمْ يروه البخاري في صحيحه, رواه أبو داود كرواية مسلم. 

وَقَدْ تكلم النَّاس عَلَى ما فِيهِ من الفقه وأكثر قَدْ صنف فِيهِ أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيرًا, وخرج فِيهِ من الفقه مائة ونفيًا وخمسين نوعًا, ولو تقصى يزيد عَلَى هَذَا العدد قريبٌ منه. 

قَالُوا: وَفِيهِ أَنَّهُ يستحب لمن ورد عَلَيْهِ زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل النَّاس منازلهم». 

لِأَنَّ جابر رضي الله عنه سأل قَالَ: مرحبًا بك أهلاً, وَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: أنا محمد بن علي, ثُمَّ رحب به وسأله قَالَ: فَلَمَّا انتهينا إليه قَالَ: من القوم,سأل من القوم, فهذا فِيهِ سؤال عَنْ الضيفان والزائرون وَأَنَّهُ يستحب لمن ورد عَلَيْهِ زائرون أو ضيفان أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم, كُلّ واحد له منزلة, كما في حديث عائشة: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل النَّاس منازلهم». 

وَفِيهِ إكرام أهل بيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما فعل جابر بمحمد بن علي, قَالُوا: ومنها استحباب قوله للزائر والضيف: مرحبًا وأهلاً. 

ومنها ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه وَهَذَا هُوَ سبب حل جابر زر محمد بن علي, هَذَا محمد بن علي بن الحسين, وَهُوَ الباقر علي بن الحسين زين العابين, ومحمد بن علي هُوَ الباقر, محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. 

فَهُوَ من أهل بيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولهذا اعتنى به جابر وأكرمه وَقَالَ له: مرحبًا وأهلاً, ولاطفه, ومن ملاطفته وتأنسيه بما يليق به أَنَّهُ حل زري محمد بن علي ووضع يده عَلَى ثدييه, وقوله: «وأنا يومئذٍ غلام شاب», يَعْنِي تنبيه عَلَى أن سبب فعل جابر ذَلِكَ التأنيث لكونه صغيرًا, وَأَمَّا الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه والمسح بين ثدييه.  

ومن الفوائد في هَذَا الحديث جواز إمامة الأعمى, فَإِن جابر رضي الله عنه قَدْ عمي فتقدم وصلى بهم, ومنها جواز الصلاة بالإزار بلا رداء عِنْد جمهور العلماء, فَإِنَّهُ قَالَ: «وجاء وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفًا بها يعني ثوبًا ملفقًا كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها»، وفي رواية: «ساجة», ثوم ملفق, فصلى في إزار ورداؤه عَلَى المسجب. 

قَالَ: «فصلى بنا ورداؤه إلى جنبه على المشجب»، والمشجب أعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت, وفي رواية أخرى أَنَّهُ قِيلَ لجابر: «أتصلي في إزار ورداءك عَلَى المشجب؟ قَالَ: أردت أن يسألني أحمق مثلك, فَإِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: أو لكلكم ثوبان», معنى أحمق يَعْنِي جاهل. 

هَذَا استدل به الجمهور عَلَى جواز الصلاة في الثوب الواحد يَعْنِي في الإزار ولو كَانَ كتفاه مكشوفتان. 

والقول الثاني لأهل العلم: أَنَّهُ يَجِبُ ستر العاتقين للحديث الصحيح «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس عَلَى عاتقه منه شَيْء». 

وَفِيهِ من الفوائد مشروعية قراءة آية: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125], عِنْد إرادة صلاة ركعتي طواف القدوم خاصة عِنْد محاذاة المقام, وَفِيهِ مشروعية فسخ الحج إِلَى العمرة لمن لَمْ يسق الهدي كما سيأتي, وَفِيهِ أن المحرم ممنوع من الاكتحال ولبس الثياب الجميلة للمرأة المحرمة؛ لِأَنَّ علي أنكر عَلَى فاطمة اكتحالها ولبسها ثيابًا صبيغة. 

وَفِيهِ أَنَّهُ يستحب للحاج أن يصلي خمس صلوات في اليوم الثامن ثُمَّ يدفع إِلَى عرفه بدع طلوع الشمس, وَفِيهِ مشروعية الخطبة يوم عرفة قبل الصلاة لإمام أو نائبه, وَفِيهِ أن دماء الجاهلية وربا الجاهلية موضوع في الإسلام, فلا يطالب به بَعْدَ الإسلام؛ لِأَنَّ الإسلام يَجِبُ ما قبله. 

وقوله: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة», فرض الحج اختلف فِيهِ من العلماء عَلَى أقوال. 

قِيلَ: إِنَّهُ فرض سنة ست, وَقِيلَ: سنة ثماني, وَقِيلَ: سنة تسع, وَإِنَّمَا لَمْ يحج النَّبِيّ في السنة الثامنة؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يحجون وهم عراة, فأمر أبا بكر أن يحج بالناس في السنة الثامنة وأرسل مؤذنين يؤذنون في النَّاس بأربع كلمات ومنهم أبو هريرة في منى: أن لا يحج بَعْدَ العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان, ولا يدخل الْجَنَّةَ إِلَّا نفس مؤمنة, هَذِهِ الثالثة والرابعة من كَانَ له عهد فَهُوَ إِلَى عهده, ومن لَمْ يكن له عهدٌ فمدته أربعة أشهر. 

أربع كلمات: لا يدخل الْجَنَّةَ إِلَّا نفس مؤمنة, ومن كَانَ له عهدٌ فَهُوَ إِلَى عهده, ومن لَمْ يكن له عهد فَهُوَ مدته أربعة أشهر, ولا يحج بَعْدَ العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان, فكان النَّاس يؤذنون بمنى ومنهم أبي هريرة وجماعات؛ حَتَّى تبلغ النَّاس, وفي السنة الَّتِي بعدها عرف النَّاس, فلم يحج بَعْدَ العام مشرك وَلَمْ يطف بالبيت عريان, فحج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالناس, ولهذا قَالَ: « ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله». 

يَعْنِي لما سمع النَّاس بحجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جاءوا من كُلّ مكان, من كُلّ حدب وصوب كلهم يريدون أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويأتموا به, ويفعلوا مثل فعله قَالَ جابر: «فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة»، وَهِيَ ميقات أهل المدينة, وَهُوَ المسمى بأبيار علي, سمي ذي الحليفة تصغير حلفة, والحلفة شجر كثير موجود في الوادي, فسمي بذي الحليفة, الحليفة تصغير حلفة, شجر الحلفة.  

«فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر»، ولدت في الميقات والميقات قريب من المدينة «فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟», تريد الحج وَهِيَ نفساء ماذا تعمل؟ «فقال: اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي»، فدل عَلَى أن النفساء تغتسل وَكَذَلِكَ الحائض إِذَا وصلت إِلَى الميقات تغتسل الحائض وتغتسل النفساء, وغيرهم من باب أولى؛ لِأَنَّ الاغتسال سنة, سنة للمحرم. 

تستذفر يَعْنِي تتلجم, الاستذفار معناه أن تتلجم بخرقة بأن شتد فرجها بخرقة لتمنع سيلان الدم, وفي الحفاظة الآن, تتحفظ بالحفاظات الآن الموجودة, وَفِيهِ دليل عَلَى صحة إحرام النفساء وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ. 

«فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد»، الَّذِي بذي الحليفة يَعْنِي المراد بالمسجد المكان المصلى, وإلا ليس هناك مسجد مبني في ذَلِكَ الوقت, كُلّ مكان يصلى فِيهِ يسمى مسجد, كقوله عليه الصلاة والسلام: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا», ليس في ذَلِكَ الوقت مسجد ولكن المراد المكان الَّذِي يسجد فِيهِ ويصلى فِيهِ.  

«ثم ركب القصواء», القصواء ناقته عليه الصلاة والسلام كَانَ للنبي صلى الله عليه وسلم عدة نوق من القصواء ومن الجدعاء ومن العضباء, وركب القصواء «حتى إذا استوت به ناقته», فصلى رسول الله في المسجد, قوله: «فصلى في المسجد», يَعْنِي في المكان, استدل به الجمهور عَلَى مشروعية ركعتين للطواف, قَالَ: يستحب للمحرم أن يصلي ركعتين, وَقَالُوا: الإحرام له ركعتين, له صلاة, وَذَهَبَ جمهور العلماء: إِلَى أن الإحرام يشرع للإنسان عِنْد الإحرام أن يصلي ركعتين للإحرام, ولهذا قَالَ: «فصلى الرَّسُوْل في المسجد». 

وَقَالَ آخرون من أهل العلم: لا يستحب للإحرام صلاة, ولكن إِذَا كَانَ الوقت وقت فريضة صلى الفريضة ثُمَّ أحرم, إِلَّا توضأ وصلى سنة الوضوء ثُمَّ أحرم, وَقَالُوا: إن هَذِهِ الصلاة الَّتِي صلى بها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليست للإحرام وَإِنَّمَا هِيَ صلاة الفريضة. 

وَيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ الحديث الآخر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أتاني آتٍ من ربي فقال: صل في هَذَا الوادي المبارك وقل: عمرةً في حجة». 

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحرم بَعْدَ صلاة الظهر؛ لِأَنَّهُ انتقل من المدينة بَعْدَ صلاة الظهر في يوم السبت في يوم الخامس والعشرين ثُمَّ وصل إِلَى الميقات ذي الحليفة وصلى بها العصر والمغرب والعشاء والفجر والظهر من يوم الأحد, ثُمَّ أحرم بَعْدَ الظهر يوم الأحد عليه الصلاة والسلام . 

قَالَ جابر: «ثُمَّ ركب القصواء؛ حَتَّى إِذَا استوت به على البيداء، قال: جابر نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش», يَعْنِي بَعْضُهُمْ جاء راكب وَبَعْضُهُمْ ماشي, مد البصر من أمامه ومد البر من خلفه, ومد البصر عَنْ يمينه ومد البصر عَنْ شماله, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وسطهم يأتمون به عليه الصلاة والسلام . 

قَالَ: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء، عملنا به فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد», يَعْنِي رفع صوته بالإهلال بَعْدَ الإحرام, وَقَالَ: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك», سبق الكلام عَلَى التلبية إجابة بَعْدَ إجابة.  

قَالَ: «وأهل الناس بهذا الذي يهلون به», يَعْنِي بعض النَّاس زاد كما في حديث ابن عمر بَعْضُهُمْ قَالَ: «لبيك لبيك حقًا تعبدًا ورقًا, لبيك ذي المعارج».  

«فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته»، دل عَلَى جواز الزيادة عَلَى التلبية ولكن الأفضل تلبية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لزمها. 

«قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة»، لِأَنَّهُم كَانُوا في الجاهلية هكذا, يرون أن أشهر الحج خاصة بالحج والعمرة تكون قبل الحج أو بَعْدَ الحج, إِذَا دخل شهر الحج شوال ما في عمرة عندهم, شوال وذي القعدة وذي الحجة ما في عمرة ومحرم, إِذَا انسلخ شهر صفر ورأى الدبر وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر, هكذا يَقُولُونَ. 

إِذَا رجع النَّاس من الحج وعفا الأثر يَعْنِي أثر الإبل وبرأ الدبر يَعْنِي الجروح الَّتِي تكون في ظهر البعير يداونها وتبرأ وينسلخ شهر صفر بَعْدَ ذَلِكَ تَأْتِيَ العمرة, حلت العمرة لمن اعتمر. 

حَتَّى إنهم يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور, يرون أَنَّهَا ممنوعة, ولهذا قَالُوا: لسنا ننوى إِلَّا الحج, ما نعرف إِلَّا الحج, لسنا نعرف العمرة في أشهر الحج ما في عمرة. 

«حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن», يَعْنِي مسحه بكفه وقبله «فرمل ثلاثًا»، الرمل هُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى «ومشى أربعًا»، وَهَذَا في الطواف الأول يشرع الرمل, في الثلاثة الأشواط الأولى.  

«ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]», فِيهِ مشروعية قراءة الآية إِذَا حاذى المقام «فجعل المقام بينه وبين البيت», يَعْنِي صلى الركعتين خلف المقام, وهذا ليس بواجب وَإِنَّمَا هُوَ مستحب, ولو صلاها في أي مكان فلا حرج, إن تيسر فَهُوَ أفضل وإن لَمْ يتيسر صلى في أيْ مكان؛ حَتَّى لو صلاها خارج المسجد كما فعل بعض السَّلَف. 

ويقرأ هَذِهِ الآية إذا أراد صلاة الركعتين بَعْدَمَا ينتهي من الطواف, من رأى المقام يقرأها ثُمَّ يصلي ركعتين.  

«قال: فكان أبي يقول قال: ابن نفيل، وعثمان ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سليمان»,- أيْ الراوي وَهُوَ سليمان بن عبد الرحمن الدمشيق- «ولا أعلمه إلا، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون», يَعْنِي بَعْدَ الفاتحة «ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن»، هَذِهِ سنة وَهِيَ مهجورة وَهِيَ أَنَّهُ يستحب لمن طاف وصلى ركعتين أن يستلم الركن قبل أن يذهب إِلَى المسعى قبل السعي, هَذَا إن تيسر لكن في الزحام ما يتيسر في الزحام الشديد, لكن في أوقات مضت قَدْ يتيسر. 

«ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158], قَالَ: «نبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصفا», فِيهِ مشروعية قراءة الآية إِذَا دنا من الصفا قبل البدء في السعي يقرأ هَذِهِ الآية{إن الصفا والمروة من شعائر الله}[البقرة/158].  

«فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فكبر الله ووحده», قَالَ: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, «وقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده, ثم دعا بين ذلك، وقال: مثل هذا ثلاث مرات»، يَعْنِي كرر الذكر والدعاء ثلاث مرات, دعا ثُمَّ أعاد الذكر, ثُمَّ دعا ثُمَّ أعاد الذكر, ثُمَّ دعا. 

«ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي»، رمل يَعْنِي أسرع في المشي, وَهُوَ الخبر, والآن بطن الوادي جبل عَلَيْهِ علامتان وَهُوَ العلمان الأخضران, العلمان الأخضران هما بطن الوادي. 

وَهَذَا مستحب للرجال خاصة دون النساء إن تيسر وإن تركله فلا حرج عَلَيْهِ, كالمريض أو كبير لا يستطيع أن يرمل, أو معه نساء فلا يرمل. 

«حتى إذا صعد مشى», إذا صعد تجاوز بطن الوادي صار يمشي مشيًا «حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا»، يَعْنِي رقي عليها ووحد الله وكبره ودعا ثلاث مرات «حتى إذا كان آخر الطواف على المروة، قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة»، يَعْنِي لما رأى أصحابه تلكئوا عليه الصلاة والسلام قَالَ: لو أعلم أَنَّهُمْ يَعْنِي يتأخرون لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة حَتَّى أتحلل فيقتدون بي, وَهَذَا فِيهِ دليل عَلَى أن السعي من الصفا إِلَى المروة هَذَا شوط, ومن المروة إِلَى الصفا هَذَا شوط خلافًا لابن حزم, فَإِنَّهُ قَالَ: إن الذهاب والإياب يعتبر شوط واحد, كما نبه عَلَيْهِ ابن القيم خلافًا لابن حزم فَإِنَّهُ لَمْ يحج, هَذَا هُوَ السبب في أَنَّهُ لَمْ يحج فظن أن الذهاب والإياب شوطٌ واحد. 

قِيلَ: ويستدل من هَذَا الحديث أن التمتع أفضل؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة», والحديث دليل عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن متمتعًا ولكنه قارن, بَلْ هُوَ صريح, «ولجعلتها», يعني الحجة «عمرة», يَعْنِي جعلت الإحرام بالحج مصروف إِلَى العمرة. 

ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان معه هدي», النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعًا أن يتحللوا كلهم عَلَى المروة, إِلَّا من ساق الهدي, وهم نووا عمرة وَمَعَ ذَلِكَ تحللوا, فدل عَلَى أَنَّهُ لا بأس أن يفسخ ولو عِنْد المروة, ولو لَمْ ينوها عمرة تكون عمرة. 

«فقام سراقة بن جعشم، فقال: يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى، ثم قال: دخلت العمرة في الحج, هكذا مرتين لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد». 

قَالَ النووي: اختلف العلماء في هَذَا الفسخ هَلْ هُوَ خاص بالصحابة, أم بتلك السنة؟ أم باقٍ لهم ولغيرهم إِلَى يوم القيامة؟ 

فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًا بهم بَلْ هُوَ باق إِلَى يوم القيامة, فيجوز لكل من أحرم بالحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها, كُلّ من أحرم بعمرة وليس معه هدي يتحلل. 

وَقَالَ مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السَّلَف والخلف: هُوَ مختص بهم في تلك السنة, ليخالفوا ما كَانت عَلَيْهِ الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج.  

قَالَ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد بَعْدَ ذكر حديث البراء وغضبه صلى الله عليه وسلم لما لَمْ يفعلوا ما أمروا به من الفسخ: ونحن نشهد بالله عَلَيْنَا أن لو أحرمنا بحج لرأينا فرضًا عَلَيْنَا فسخه إِلَى عمرة تفاديًا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعًا لأمره. 

فَوَاللَّهِ مَا نُسِخَ هَذَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا صَحَّ حَرْفٌ وَاحِدٌ يُعَارِضُهُ وَلَا خُصَّ بِهِ أَصْحَابُهُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ أَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ سُرَاقَةَ أَنْ سَأَلَهُ هَلْ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ أَمْ لَا فَأَجَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لِأَبَدِ الْأَبَدِ فَمَا نَدْرِي مَا يُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا الْأَمْرُ الْمُؤَكَّدُ الَّذِي غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ. 

يَعْنِي ابن القيم يرى أَنَّهُ يَجِبُ فسخ العمرة, أن هَذَا واجب وأن العمرة واجبة وأن هَذَا ليس خاصًا بالصحابة, وَأَنَّهُ يَجِبُ فسخ الحج إِلَى العمرة, وأن التمتع واجب ولا يجوز إِلَّا لمن ساق الهدي, فالتمتع واجب وَهَذَا قول ابن عباس هُوَ رواية عَنْ الإمام أحمد واختيار الشيخ ناص الدين الألباني. 

شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن الوجوب خاص بالصحابة ليزول اعتقاد الجاهلية, ومن بعدهم فَإِنَّهُ مستحب, وجمهور العلماء يرون أن الأنساك باقية, وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خيرهم بين الأنساك الثلاثة عِنْد الإحرام وَهِيَ باقية, من شاء أحرم بعمرة ومن شاء أحرم بحج ومن شاء أحرم بعمرة وحج. 

قَالَ: «وقدم علي رضي الله عنه، من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت»؛ لأنها تحللت «فأنكر علي ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا، فقالت: أبي»، فإنكار علي رضي الله عنه عَلَى عائشة رضي الله عنها يَدُلَّ عَلَى أن المحرمة لا تلبس ثيابًا جميلة ولا تكتحل, ولهذا أنكر عليها علي رضي الله عنه ظنًا منه أَنَّهَا لا زالت محرمة. 

فالإنسان ليس له أن ينتقل من العمرة إِلَى الحج, بَلْ العكس, إِذَا كَانَ مفرد ينتقل إِلَى العمرة, وَأَمَّا المعتمر بعمرة ليس له أن ينتقل إِلَى الحج, أَمَّا إِذَا كَانَ معه هدي فلا يفسخ, والقارن يمكن أن يفسخ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الفتوى الآن, وَهُوَ الأفضل. 

فالإنسان ما ينتقل من الفاضل إِلَى المفضول العكس صحيح, ينتقل المفرد إِلَى التمتع يجعلها عمرة حَتَّى يكون متمتع. 

قَالَ: «فكان علي يقول: بالعراق ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا», التحريش الإغراء يَعْنِي أراد أن يذكر ما يقتضي عتابها, رأيتها تحللت من الإحرام ولبس ثيابًا صبيغًا «محرشًا على فاطمة في الأمر الذي صنعته مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم», محرش ومستفتي في نفس الوقت,  

«فأخبرته، أني أنكرت ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال: صدقت، صدقت ماذا، قلت حين فرضت الحج, قال: قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

هَذَا فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ يجوز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان يَقُولُ: أحرمت بإحرام فلان, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ينظر إحرام فلان فيكون إحرامه مثله. 

ولهذا قَالَ: أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم, قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «فإن معي الهدي فلا تحلل», وَفِيهِ إطلاق اللفظ العام وإرادة الخصوصية؛ لِأَنَّ عائشة لَمْ تحل وَلَمْ تكن ممن ساق الهدي, قالت: فحل النَّاس كلهم, يَعْنِي هنا المراد بعض النَّاس, لِأَنَّ عائشة لَمْ تحل المراد الَّذِينَ لَمْ يسوقوا الهدي, وَكَذَلِكَ أَيْضًا عائشة لأنها حاضت ما تستطيع أن تتحلل, وأراد بقوله: حل النَّاس كلهم يَعْنِي معظمهم. 

 «قال: وكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة فحل الناس كلهم، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان معه هدي، قال: فلما كان يوم التروية ووجهوا إلى منى أهلوا بالحج»، لبوا رفعوا أصواتهم بالتلبية, لبيك حجة.  

«فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس». 

إذًا فِيهِ مشروعية البتوتة بمنى ليلة التاسع وصلاة خمس فروضة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ثُمَّ الدفع إِلَى عرفة بَعْدَ طلوع الشمس, ولهذا قَالَ: «فمكث حَتَّى طلعت الشمس», هَذَا هُوَ السنة. 

«وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة»، فِيهِ دليل عَلَى استظلال المحرم بالخيمة, وَأَنَّهُ لا يؤثر, إِنَّمَا الممنوع أن يستر رأسه بملاصق, أَمَّا إِذَا تظلل بخيمة أو بالشجر أو بسقف السيارة أو بثوب من بعيد فلا حرج. 

«وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة, فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية»، يَعْنِي لَمْ يشكوا في المخالفة بَلْ تحققوا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سيقف عِنْد المشعر الحرام؛ لأنه من مواقف الحمس, الحمس أهل مَكَّة, يسمون أنفسهم الحمس, لتحمسهم, فكانت قريش في الجاهلية يقفون عِنْد المشعر الحرام, عِنْد مزدلفة ولا يتجاوزونها, والحجاج يذهبون إِلَى عرفة, وأهل قريش ما يتجاوزوهم, يَقُولُونَ: نحن أهل الحرم ما نتجاوز الحرم. 

فكانت قريش يقفون يوم عرفة بمزدلفة, والحجاج يقفون بعرفة, قريش ما تشك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يفعل مثل فعلهم «فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة»، حَتَّى إن بَعْضُهُمْ قَدْ أظل بعيرًا له في عرفة يبحث عنه فرأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فقال: ما له أحمسي, أحمس ويقف هنا أنكروا هَذَا. 

«فوجد القبة قَدْ ضربت له بنمرة فنزل بها», فِيهِ استحباب ومشروعية النزول بنمرة إن تيسر قبل الزوال «حتى إذا زاغت الشمس», مالت عَنْ كبد السَّمَاءِ إِلَى الغروب «أمر بالقصواء فرحلت له», القصواء لقب ناقة الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم والقصواء هِيَ مقطوعة الأذن, وَلَمْ تكن القصواء مقطوعة الأذن ولكن هَذَا لقب لها. 

«فركب حتى أتى بطن الوادي», وَهُوَ وادي عرنة «فخطب النَّاس», خطبة عظيمة فرض فِيهَا قواعد التوحيد وهدم قواعد الشِّرْك, فخاطب النَّاس وَهُوَ عَلَى راحلته عليه الصلاة والسلام, فقال في خطبته: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هَذَا»، الشهر الحرام والبلد الحرام واليوم الحرام كما أنكم في شهرٍ حرام وبلد حرام ويومٍ حرام, الشهر الحرام ذي الحجة والبلد الحرام مَكَّة, واليوم الحرام يوم عرفة, يوم العيد, أو يوم عرفة, كلها أيام حرام. 

فَإِذَا كانت هَذِهِ الحرمات الثلاث فَإِن الدماء والأموال والأعراض محرمة كتحريم الحرمات الثلاث, وَقَالَ في خطبته عليه الصلاة والسلام: «ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع»، يَعْنِي كُلّ أمور الجاهلية باطلة من الآن «ودماء الجاهلية موضوعة»، يَعْنِي لا يطالب بها, موضوع يَعْنِي تَحْتَ القدم؛ لِأَنَّهُ لا يطالب به ولا أحد يطالب بقتيل في الجاهلية أو بربا كَانَ في الجاهلية انتهى, والمعنى عفوت عَنْ كُلّ شَيْء فعله رجل قبل الإسلام؛ حَتَّى صار كالشيء الموضوع. 

«ألا إن كُلّ شَيْء من أمر الجاهلية», أيْ كُلّ شَيْء فعله أحدكم من أمر الجاهلية قبل الإسلام فَهُوَ تَحْتَ قدمي موضوع. 

قَالَ النووي في هَذِهِ الجملة: إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها الَّتِي لَمْ يتصل بها قط, وَأَنَّهُ لا قصاص فِيهَا, لا قصاص في قتل, وأن الإمام وغيره ممن يأمر بالمعروف وينهى عَنْ المنكر ينبغي أن يبدأ بنفسه, قَالَ: «وأول دم أضعه دماؤنا: دم قال عثمان: دم ابن ربيعة», وَهُوَ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. 

«وقال سليمان: دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وقال: بعض هؤلاء كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله»، يَعْنِي متروك لا قصاص فِيهِ, وَهَذَا فِيهِ أن الإمام يأمر نفسه, إِذَا أمر بالمعروف ونهى عَنْ المنكر يبدأ بنفسه وأهله, هُوَ أقرب إِلَى قبول قوله, قَالَ: أول ما أبدأ به ربانا موضوع باطل متروك, يَعْنِي لا قصاص ولا دية وكفارة. 

«وأول دم أضعه دماؤنا», أيْ مستحقة لنا أهل الإسلام أو دماء أقاربنا «اتقوا الله في النساء»، يَعْنِي في حقهن, واتقوا الله في استباحة الدماء ونهب الأموال «فإنكم أخذتموهن بأمانة الله»، يَعْنِي بعهده وحسن العشرة «واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، يَعْنِي بشرعه وبأمره وحكمه, وَقِيلَ: بالإيجاب والقبول وَهِيَ الكلمة الَّتِي أمر الله بها. 

ثُمَّ ذكر الحقوق, قَالَ: «وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم، أحدًا تكرهونه»، يَعْنِي لا تأذن المرأة في بيته لمن يكرهه الزوج, يَعْنِي لا تأذن لأحد يدخل بيت الزوج وَهُوَ يكره ذَلِكَ, وَهَذَا يتناول الرجال والنساء. 

«فإن فعلن», أيْ خالفن هَذَا الْأَمْرِ «فاضربوهن ضربًا غير مبرح»، يَعْنِي ضرب تأديب, الضرب الغير مبرح هُوَ الَّذِي لا يجرح جلدًا ولا يكسر عظمًا, ضرب تأديب, يشعرها بأنها مخالفة, وفي الْقُرْآن الكريم: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النساء/34]. 

الوعظ ثُمَّ الهجر في المضطجع في الكلام ما شاء, ثُمَّ الضرب, ضرب غير مبرح للتأديب يشعرها أَنَّهَا مخطئة. 

«ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وأنتم مسئولون عني، فما أنتم قائلون, قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت»، شهد له الصَّحَابَة بالبلاغ والأداء والنصيحة, ونحن نشهد له عليه الصلاة والسلام بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة عليه الصلاة والسلام. 

«ثم قال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد»، يرفع السبابة إِلَى السَّمَاءِ وينكبها إِلَى النَّاس, اللَّهُمَّ اشهد, اللَّهُمَّ اشهد, اللَّهُمَّ اشهد.  

ثُمَّ بَعْدَ الخطبة أن بلال وَهُوَ الآن في بطن الوادي الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام يخطب عَلَى الناقة «ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا»، وفي حديث غير حديث جابر: «أَنَّهُ أسر في القراءة», فدل عَلَى أَنَّهَا ليست صلاة جمعة لأمرين:  

الْأَمْرِ الأول: أن الأذان بَعْدَ الخطبة, ولو كانت صلاة جمعة لكان الأذان قبل الخطبة. 

الْأَمْرِ الثاني: لو كانت صلاة جمعة لجهر فِيهَا بالقراءة وهنا أسر فِيهَا بالقراءة, ولو كانت جمعة ما جمع معها غيرها أَيْضًا, ما جمع معها العصر. 

«ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف», بعرفة, إذن هَذِهِ ثلاث مواضع الآن نزل بنمرة إِلَى الزوال, فَلَمَّا زالت الشمس ركب ناقته فخاطب وصلى بعرنة بطن الوادي, ثُمَّ بَعْدَ الصلاة ركب ووقف بعرفة, فهذه كلها ثلاث مواضع, مشى من منى بَعْدَ طلوع الشمس ثُمَّ نزل بنمرة؛ حَتَّى زالت الشمس, نمرة مكان قرب عرفة. 

ثُمَّ لما زالت الشمس ركب الناقة فخاطب وصلى وبعرنة بطن الوادي, ثُمَّ لما صلى ركب ودخل عرفة ثلاثة مواضع. 

وذكر النووي رحمه الله قَالَ: إن دخول عرفة قبل الزوال غير مشروع وَأَنَّهُ لا يشرع, لكن مَعَ الزحام الشديد النَّاس يدخلون عرفة من أول يَعْنِي ما يصلون يدخلون عرفة ويرون أن هَذَا فِيهِ يَعْنِي راحةٌ لهم؛ لِأَنَّهُ قَدْ لا يتمكن من دخلوها إِلَّا تأخر بسبب الزحام. 

لكن بَعْضُهُمْ يأتي من الليل لكن الَّذِينَ يريدون أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم يذهبون بَعْدَ طلوع الشمس من منى ويصلون قبل الظهر وَبَعْضُهُمْ تأخر ويدخل عرفة قبل الزوال. 

ثُمَّ ركب القصواء حَتَّى أتى الموقف فجعل بطن ناقة القصواء إِلَى الصخرات وجعل حب المشاة بين يديه, وتحته الجبل سماه بعضهم جبل الرحمة, وَهُوَ جبل هلال, تَحْتَ الجبل جعل بطن ناقته القصواء إِلَى الصخرات «فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه», حبل المشاة هون الطريق الَّذِي يسلكونه في الرمل, وَقِيلَ: الحبل هُوَ الرمل المستطيل, ورواه بَعْضُهُمْ جبل المشاة, بالجيم معناه طريقهم, وحيث يسلك الرجالة, ولكن المشهور حبل المشاة. 

 «فاستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس», وقف عَلَى ناقته ورفع يديه, رافعًا يديه يدعو, والحكمة من تقديم الصلاة صلاة العصر مَعَ صلاة الظهر حَتَّى يتسع وقت الوقوف, يكون وقتًا طويلاً. 

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه هَذِهِ المدة كلها يدعو, وأخذًا بزمام الناقة, لما سقط الزمام أخذه بإحدى يديه وظلت اليد الأخرى مرفوعة عليه الصلاة والسلام, فلم يزل واقفًا؛ حَتَّى غربت الشمس. 

«وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص», يَعْنِي تأكد من غروب الشمس, وخالف هدي الجاهلية, كَانُوا في الجاهلية ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس, وَيَقُولُونَ: إِذَا كانت الشمس فوق الجبال كعمائم الرجال دفعوا, فخافهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: خالفه هدينا هدي الْمُشْرِكِينَ, فلم يدفع من عرفة؛ حَتَّى غربت الشمس وغاب القرص واستحكم غروبه. 

«وأردف أسامة خلفه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم», وَفِيهِ تواضع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خلاف عادة المتكبرين الَّذِينَ يأنفون من أن يكون معهم غيرهم, أردف أسامة, قَالَ: «وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس», وفي اللفظ الآخر: «فَإِن البر ليس بالإسراع».  

ويجر زمام القصواء حَتَّى إن رأسها يصل مورك رحله؛ حَتَّى لا تسرع حَتَّى لا يكون هناك زحام, فينبغي للحجاج ألا يزدحموا وألا يؤذوا النَّاس بأصوات السيارات؛ لِأَنَّ المقصود السكينة, وليس البر بالإسراع, البر في اتباع السنة في فعل السنة مَعَ الإخلاص, ولهذا قَالَ: «وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى السكينة أيها الناس، السكينة أيها النَّاس, كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد»، إِذَا أتى مرتفع من الرمل أرخى الحبل حَتَّى تصعد. 

«حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين»، أذن بلال ثُمَّ صلى المغرب ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أمر بتبريك الزمام وإنزال الرحل, ثُمَّ أقيمت صلاة العشاء ثُمَّ صلى, وَلَمْ يسبح بينهما, يَعْنِي لَمْ يصل صلاة السبحة وَهِيَ النافلة بين المغرب والعشاء, لِأَنَّ المجموعتين لا يصلى بينهما,  

«قال عثمان: ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اتفقوا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر»، يَعْنِي نام من أول الليل حَتَّى يتقوى عَلَى أعمال النهار وَعَلَى وظائف النهار؛ لأنها وظيفة عظيمة يوم العيد, رمي جمرة العقبة ثُمَّ النحر والهدي ثُمَّ حلق الرأس ثُمَّ طواف الإفاضة, وَهُوَ عَلَى راحلته عليه الصلاة والسلام. 

نام حَتَّى طلع الفجر وَلَمْ يذكر الوتر؛ لِأَنَّ هَذَا معروف من النصوص الأخرى, أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لايترك الوتر حضرًا ولا سفرًا. 

«فصلى الفجر حين تبين له الصبح»، يَعْنِي بكر بصلاة الفجر حين انشق الفجر حَتَّى يتسع وقت الوقوف «قال سليمان: بنداء وإقامة، ثم اتفقوا، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقي عَلَيْهِ»، المشعر الحرام جبل يسمى جبل قزح بني عَلَيْهِ المسجد الآن, ومزدلفة كلها تسمى مشعر, فرقي عَلَيْهِ يَعْنِي الجبل الصغير, المشعر كَانَ جبل صغير فرقي عَلَيْه.  

«قال عثمان وسليمان: فاستقبل القبلة فحمد الله», الحمد لله, الحمد لله, الحمد لله «وكبره», الله أكبر, الله أكبر, لا إله إِلَّا الله. «وهلله، زاد عثمان ووحده فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا»، يَعْنِي صلى الفجر مبكرًا حَتَّى يتسع وقت الوقوف, ثُمَّ ركب الناقي ورقي وأتى الجبل جبل قزح ورقي عَلَيْهِ واستقبل القبلة وجعل يحمد الله ويكبره ويهلله ويدعو, حَتَّى أسفر جدًا.  

«ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن تطلع الشمس», دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس, وخالف هدي الْمُشْرِكِينَ, كَانَ المشركون لا يدفعون من مزدلفة إِلَّا بَعْدَ طلوع الشمس, وَيَقُولُونَ قولتهم المشهورة: أشرق تبير كيما نغير, تبير جيل في مزدلفة, أشرق تبير يَعْنِي إذا أشرقت عَلَيْهِ الشمس دفعوا, فخالفهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ودفع قبل طلوع الشمس. 

خالفهم في الدفع من عرفة, فكانوا يدفعون قبل غروب الشمس فخالفهم فدفع بَعْدَ غروب الشمس, وخالفهم في مزدلفة, كَانُوا يدفعون بَعْدَ طلوع الشمس فدفع قبل طلوع الشمس بَعْدَ الإسفار جدًا, قَالَ: خالف هدينا هدي الْمُشْرِكِينَ. 

«وأردف الفضل بن عباس», في عرفة أردف أسامة بن زيد, فَلَمَّا وصل إِلَى مزدلفة أردف الفضل بن العباس ونزل أسامة, نزل مَعَ سباق قريش شاب, وأردف الفضل بن العباس, وَكَانَ رجلاً يَعْنِي شعره رجل, والشعر يوصف بأنه رجل وبأنه جعد, يَعْنِي شعره ليس جعدًا وَإِنَّمَا هُوَ رجلاً, والرجل هُوَ الَّذِي بين الجعودة والسبوطة, الشعر يكون سبط ويكون رجل ويكون جعد, الجعد المتعجد, السبط المبسوط والرجل بينهم, بين هَذَا وبين هَذَا. 

«وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظُعن», الظُعن نساء «يجرين»، مرت نساء كَانُوا عَلَى الإبل «فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر»، وَفِيهِ إنكار المنكر باليد, الفضل ينظر إِلَى النساء فصرف وجهه إِلَى الشق الآخر, فَلَمَّا صرفه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من هَذَا الشق جعل ينظر إليهن من الشق الآخر «وحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر، وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر حتى أتى محسرًا، فحرك قليلاً»، يَعْنِي أسرع العلماء يَقُولُونَ: يسرع بمقدار رمية الحجر, يَعْنِي قدروا إسراعه عليه الصلاة والسلام بمقدار رمية حجر السبب في ذَلِكَ أن أصحاب الفيل حسر فِيهِ, يَعْنِي أعيا وَكُلّ وَهُوَ موضع العذاب. 

والقول الثاني أن موضع العذاب هُوَ المغمس وليس المحسر «حتى أتى محسرًا، فحرك قليلاً»، يَعْنِي أسرع, أسرع ناقته زمانًا طويلاً أو مكانًا طويلاً بمقدار رمية حجر. 

«ثم سلك الطريق الوسطى الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى»، لِأَنَّ سلوك هَذَا الطريق أيسر له في وصوله إِلَى الجمرة «حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات», وَهِيَ جمرة العقبة, كَانَ هناك شجر في ذَلِكَ الوقت. 

«يكبر مع كل حصاة», فِيهَا أَنَّهُ يرميها واحدة بَعْدَ واحدة, وَفِيهَا مشروعية التكبير «منها بمثل حصى الخذف», يَعْنِي قدرهن بقدر حصى الخذف وَهُوَ مثل بعر الغنم أكبر من الحمص قليلاً, مثل حبة الباقلاء بمقدار ما يرميه بين أصبعيه.  

«فرمى من بطن الوادي»، لِأَنَّ جمرة العقبة متكئة عَلَى الجبل في ذَلِكَ الوقت «ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر بيده ثلاثًا وستين»، عَلَى عدد عمره عليه الصلاة والسلام, عمره ثلاثة وستين نخر ثلاثًا وستين, كُلّ واحدة يطعنها في الحربة الَّتِي (..) في الحلق فتسقط ثُمَّ يجهز عليها, وَهِيَ قائمة عَلَى ثلاث(..), ثُمَّ الثانية والثالثة ثلاث وستين, من يستطيع هَذَا, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قوي شجاع, الواحد الآن إِذَا نحر شاة خروف أو خروفين تعب, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين كلها يطعنها بيده ويجهز عليها؛ حَتَّى تسقط والثانية والثالثة حَتَّى بلغت ثلاثًا وستين.  

«وأمر عليًا فنحر ما غبر يقول: ما بقي، وأشركه في هديه», وَهِيَ ستٍ وثلاثون, كمل الجميع مائة, ما غبر يَعْنِي ما بقي, وأشركه النَّبِيّ في هديه. 

«ثم أمر من كل بدنة», يَعْنِي من كُلّ بيعر «ببضعة», يَعْنِي قطعة من اللحم «فجعلت في قدر فطبخت», أخذ من كُلّ واحدة قطعة مائة قطعة من كُلّ بعير قطعة, ووضعت في قدر فطبخت «فأكلا», النَّبِيّ وعلي «من لحمها وشربًا، من مرقها», وكأنه أكل منها كلها.  

«قال سليمان: ثم ركب، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت», وفي الحديث الآخر ذكر أَنَّهُ حلق شعره وأبا أيوب يوزعه بني النَّاس يتبركون به, بَعْدَ النحر حلق رأسه, ثُمَّ أفاض إِلَى البيت «فصلى بمكة الظهر»، أدركته صلاة الظهر في مَكَّة فصلى بها, شوف هَذِهِ الأعمال العظيمة مشى عَلَى الناقة من مزدلفة إِلَى منى ثُمَّ رمى جمرة العقبة ضحى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى المنحر ونحر ثلاثٍ وستين, ثُمَّ حلق رأسه ثُمَّ ركب ناقته إِلَى البيت وطاف كُلّ هَذَا قبل الظهر, ثُمَّ أدركته صلاة الظهر فصلى الظهر بمكة. 

«ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب»، يَعْنِي استمروا عَلَى هَذَا العمل الخير هَذَا, يَعْنِي الإحسان إِلَى النَّاس بنزع الدلاء يصبه في الحياض يسقون النَّاس هَذَا عمل صالح. 

«فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم»، قَالَ النووي: بنو عبد المطلب هم أبناء العباس وجماعته؛ لِأَنَّ سقاية الحاج كانت وظيفته, ينزعون الماء من بئر زمزم ويسقون النَّاس, قَالَ النووي: معناه يغرفون بالدلاء ويصبون في الحياض فيسلونه, قَالَ: انزعوا الماء والدلاء. 

قَالَ: «فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم»، يَعْنِي لولا مخافة كثرة الازدحام عليكم بحيث يؤدي إخراجكم عنه رغبةً في النزع, وَقَالُوا: معناه لولا خوفي أن يعتقد النَّاس أن ذَلِكَ من مناسك الحج فيزدحمون عَلَيْهِ بحيث يغلبونكم ويدفعونكم إِلَى الاستقاء لاستقيت معكم, لكثرة فضيلة هَذَا الاستقاء, يَعْنِي لو أن النَّبِيّ نزع معهم صار النَّاس يقتدون به, قَالُوا: نحن ننزع مثل الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم. 

فيحصل زحام ويغلب النَّاس بني عبد المطلب في السقاية يبعدونهم عنها, فالنبي تركها من أجل هَذَا, من أجل ألا يحصل في المستقبل ازدحام وتبقى السقاية لبني عبد المطلب. 

«فناولوه دلوا فشرب منه», في حديث جابر أَنَّهُ شرب قائم عليه الصلاة والسلام وَهَذَا يصرف النهي عَنْ الشرب قائمًا, وَيَدُلَّ عَلَى الجواز, وأن الشرب قائمًا أفضل ولكن الشرب جالسًا أفضل. 

ثم ذكر بقية السند ولا زال الحديث واحد «حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان يعني ابن بلال، ح وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، المعنى واحد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة، ولم يسبح بينهما», يَعْنِي وَلَمْ يصل بينهما «وإقامتين وصلى المغرب والعشاء بجمع», جمع هِيَ مزدلفة من أسمائها الجمع «بأذان واحد، وإقامتين ولم يسبح بينهما».  

هَذَا الحديث مرسل لِأَنَّهُ من رواية محمد بن علي بن أبي طالب, قَالَ: عَنْ جعفر بن محمد عَنْ أبيه, عَنْ جعفر بن محمد يَعْنِي عَنْ أبيه محمد. 

«قال أبو داود: هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل، ووافق حاتم بن إسماعيل على إسناده»، يَعْنِي إسناد هَذَا الحديث «محمد بن علي الجعفي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر إلا أنه قال: فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة». 

قَالَ: وافق حاتم هنا يَعْنِي عَلَى إسناده يَعْنِي عَلَى إسناد هَذَا الحديث بذكر جابر, محمد بن علي الجعفي, قَالَ: وافق حاتم بن إسماعيل عَلَى إسناده, يَعْنِي عَلَى إسناد هَذَا الحديث بذكر جابر ومحمد بن علي, والمقصود أن عبد الوهاب الثقفي روي هَذَا الحديث عَنْ جعفر بن محمد مرسلاً, لكن روى حاتم بن إسماعيل وَكَذَلِكَ محمد بن علي الجعفي عَنْ جابر بن محمد بذكر جابر بن عبد الله فصار الحديث متصلاً. 

يَعْنِي الحديث روي مرسل, عبد الوهاب الثقفي رواه مرسلاً عَنْ جعفر, ولكن حاتم بن إسماعيل ومحمد بن علي الجعفي رووه عَنْ جابر متصلاً فيكون متصل هَذَا, فيكون من كلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. 

«قَالَ أبو داود: قَالَ لي أحمد: أخطأ حاتم في هَذَا الحديث الطويل», النووي يَقُولُ: قلت في صحة نسبة هَذَا الكلام إِلَى أبي داود ثُمَّ إِلَى أحمد نظر, فقد صححه جماعة من الأئمة من المتقدمين والمتأخرين من غير بيان وهم حاتم بن إسماعيل. 

قال: «ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد نحرت ها هنا ومنى كلها منحر», يَعْنِي النحر عام في جميع منى, وَالنَّبِيّ نحر في مكان معين قرب المسجد, «قد نحرت ها هنا ومنى كلها منحر», يَعْنِي كُلّ مكان في منى يصح النحر فِيهَا, لكن الأفضل النحر في المكان الَّذِي نحر فِيهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, الآن ينحر في أماكن خاصة, مكان للنحر من أجل عدم ازدحام النَّاس ومن أجل التنظيم والترتيب.  

«ووقف بعرفة فقال: قد وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف», منحر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِنْد الجمرة الأولى, قَالَ: «نحرت ها هنا», عِنْد الجمرة الأولى, ومنى كلها منحر في أيْ مكان, وحد منى من وادي محسر إِلَى جمرة العقبة, هَذَا حد منى, قَالَ: «وقفت ها هنا عِنْد الصخرات وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فِيهَا». 

قَدْ أجمع العلماء عَلَى أن من وقف في أيْ جزء كَانَ من عرفات صح وقوفه, ويقاس هَذَا بالمزدلفة يَعْنِي, وَقَال: «قَدْ وقفت ها هنا ومزدلفة كلها موقف», فِيهِ دليل عَلَى أن مزدلفة كلها موقف, كما أن عرفة كلها موقف والحمد لله, والنحر في أيْ مكان من منى, وفي اللفظ الآخر: «وفجاج مَكَّة كلها طريق ومنحر», لو نحرت في مزدلفة أو في مَكَّة داخل الحرم فلا بأس. 

«حدثنا مسدد، حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر، بإسناده زاد فانحروا في رحالكم», يَعْنِي في أيْ مكان. 

«حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر، حدثني أبي، عن جابر، فذكر هذا الحديث وأدرج في الحديث عند قوله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]، قال: فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون», يَعْنِي قل هُوَ الله أحد وقل يا أَيُّهَا الكافرون.  

«وقال فيه: قال علي رضي الله عنه بالكوفة، قال أبي: هذا الحرف لم يذكره جابر: فذهبت محرشًا، وذكر قصة فاطمة رضي الله عنها». 

قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]، الْأَمْرِ دال عَلَى الوجوب ولهذا قَالَ بَعْضُهُمْ: هاتان الركعتان واجبتان, لقوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]. 

يَجِبُ أن يكون في هَذَا المكان لكن انعقد الإجماع عَلَى جواز صلاة الركعتين إِلَى جميع جهات الكعبة, فدل عَلَى عدم التخصيص, وَهَذَا بناء عَلَى أن المراد من مقام إبراهيم الَّذِي فِيهِ أثر قدميه. 

وَقَالَ مجاهد: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله, فِيهِ استحباب قراءة هاتين السورتين بَعْدَ الفاتحة قل هُوَ الله أحد وقل يا أَيُّهَا الكافرون في ركعتي الطواف. 

وهاتان الركعتان في وجوبهما خلاف, ذَهَبَ أبو حنيفة وَهُوَ مروي عَنْ الشافعي إِلَى أنهما واجبتان, واستدلوا بالآية {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}[البقرة/125]. 

ويجيب بأن الْأَمْرِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ باتخاذ المصلى لا الصلاة, وَذَهَبَ آخرون من أهل العلم إِلَى أنهما مستحبتان, ففي خلاف في وجوبهما. 

وَعَلَى كُلّ حال فهذا الحديث حديث عظيم وكلما تأمله المتأمل لَابُدَّ أن يستنبط بعض الفوائد والأحكام ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد