بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب التعجيل من جمع
1939 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان، أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، أنه سمع ابن عباس، يقول «أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله».
(الشرح)
هَذِهِ الترجمة في التعجيل من جمع وجمع هِيَ مزدلفة, يَعْنِي التعجل قبل الفجر, هَلْ للحاج أن يتعجل قبل الفجر ولا يبيت بمزدلفة إِلَى الفجر أو أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أن يبيت إِلَى الفجر؟
فهذه الترجمة معقودة للمتعجلين من هم الَّذِينَ يتعجلون؟ ذكر حديث ابن عباس قَالَ: «أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله».
هَذَا الحديث أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة والحديث فِيهِ استحباب تقديم الضعفة من النساء والصبيان والمرضى وكبار السن من آخر الليل, ليلة الجمع لئلا يتأذوا بالزحام, وابن عباس من الضعفة لِأَنَّهُ من الصبيان, قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الليل قبل حطبة النَّاس؛ لئلا يتأذوا بالزحام ففيه استحباب تقديم الضعفة من النساء والصبيان والمرضى وكبار السن من آخر الليل ليلة الجمع, لئلا يتأذوا بالزحام.
ومفهوم ذَلِكَ أن غير الضعفاء لا ينبغي لهم أن يتعجلوا من الأقوياء, الأقوياء ينبغي لهم أن يصلوا الفجر بمزدلفة, ويذكروا الله عِنْد المشعر الحرام, ولو كَانَ الكبار لهم أن يتعجلوا لما كَانَ هناك فائدة في تقديم الضعفاء.
تقديم الضعفاء يَدُلَّ عَلَى أن غير الضعفاء لا يتقدمون, ويتساهل النَّاس في هَذَا, تجد كثيرًا من النَّاس يتعجلون؛ لِأَنَّ كثيرًا من الفقهاء يَقُولُونَ: البيتوتة إِلَى نصف الليل, فَإِذَا جاء نصف الليل جاز, هَذَا مذهب جمع من الحنابلة والشافعية.
وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قدمهم بَعْدَ غيبوبة القمر وَهَذَا يكون بَعْدَ نصف الليل ما يقارب الساعة 2 تقريبًا, يَعْنِي بَعْدَ مضي ثلثي الليل, آخر الليل ما فِيهَا نصف الليل, لكن العلماء قَالُوا: إِنَّمَا يتحقق هَذَا بالنصف.
(المتن)
1940 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، قال: حدثني سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس، قال: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب، على حمرات فجعل يلطح أفخاذنا، ويقول: «أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس». قال أبو داود: " اللطح: الضرب اللين ".
(الشرح)
وَهَذَا حديث ابن عباس (أَنَّهُ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب)، أغيلمة جمع غلام (على حمرات), حُمُرات جمع حمر بضمتين, والحمر جمع حمار, الحمار يجمع عَلَى حُمُر, يَعْنِي قدمهم ركبوا هَذِهِ الحمر (فجعل يلطح أفخاذنا)، اللطح الضرب اللين كما قَالَ أبو داود, وَهُوَ الضرب عَلَى الظهر ببطن الكف, أَمَّا اللطخ بالخاء هُوَ الضرب الشديد, واللطح الضرب اللين, قدمهم عَلَى حُمُرات يَعْنِي عَلَى الحمير عَلَى حمر, فجعل يضربهم ضربًا لينًا عَلَى ظهورهم «ويقول: أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».
أبيني تصغير أبناء, «لا ترموا الجمرة حَتَّى تطلع الشمس», هَذَا الحديث فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قدم الضعفاء قبل الزحمة لكن أمرهم ألا يرموا إِلَّا بَعْدَ طلوع الشمس, ولكن الحديث ضعيف لِأَنَّهُ منقطع؛ لِأَنَّ الحسن العرني هنا لَمْ يسمع من ابن عباس.
وَقَد يقال: إن الحديث في متنه نكارة لِأَنَّ الأغيلمة من الضعفاء وَإِذَا قدم الضعفاء فَإِنَّهُمْ يرمون, كما في حديث أم سلمة الآتي أَنَّهَا رمت بليل قبل الفجر ثُمَّ أفاضت, ولو صح الحديث فَهُوَ يحمل عَلَى الاستحباب, يَعْنِي استحباب تأخير الرمي بَعْدَ طلوع الشمس.
لكن الحديث فِيهِ ضعف لكن يشهد له الحديث الَّذِي بعده كما سيأتي, فيحمل عَلَى الاستبحاب, لكن يبقى إشكال وَهُوَ أن الضعفاء إِنَّمَا قدموا من أجل أن يرموا قبل الزحام, وسيأتي أن أبا داود وابن القيم رحمه الله نقلوا: أن من رمى قبل الفجر فَإِنَّهُ يعيد, وَأَمَّا من رمى بَعْدَ الفجر وقبل طلوع الشمس قَالَ أبو داود: لو قَالَ به أحد لقلت له أن يعيد, قَدْ قَالَ به بعض العلماء, يَقُولُ: لو وجدت أحدا قَالَ: إِنَّهُ لا يجوز, لقلت عَلَيْهِ أن يعيد, وهناك من قَالَ: إِنَّهُ لا يجوز كما سيأتي.
(المتن)
1941 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا الوليد بن عقبة، حدثنا حمزة الزيات، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقدم ضعفاء أهله بغلس، ويأمرهم يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس».
(الشرح)
الحديث الأول حديث ابن عباس أخرجه النسائي وابن ماجة وَهَذَا الحديث أَيْضًا أخرجه النسائي وابن ماجة, وقوله: «يقدم ضعفاء أهله بغلس»، الغلس هُوَ الظلام آخر الليل, في آخر الليل «ويأمرهم يعني لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس».
الحديث سنده جيد وَهُوَ شاهد لحديث ابن عباس الَّذِي قبله, فيحمل عَلَى الاستحباب جمعًا بينه وبين حديث أم سلمة, حديث أم سلمة فِيهِ أنها رمت قبل الفجر, وَهَذَا حديث ابن عباس فِيهِ أَنَّهُ نهاهم أَن يرموا إِلَّا بَعْدَ الشمس, فعلى هَذَا يكون الجمع بين الحديثين أَنَّهُ يجوز الرمي في آخر الليل لكن الرمي بَعْدَ الشمس هُوَ الأفضل.
(المتن)
1942 - حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك يعني ابن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر «فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم، الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني - عندها».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي ورجاله رجال الصحيح, وَهُوَ دليل عَلَى جواز الدفع من مزدلفة ليلة النحر إِلَى منى آخر الليل, بالضعفاء من النساء والصبيان والمرضى, وجواز رميهم الجمرة ثُمَّ إفاضتهم من آخر الليل قبل الفجر, ومن يرافقهم حكمه حكمهم, معنى الإفاضة أَنَّهُمْ يطوفون طواف الإفاضة, وأم سلمة رمت آخر الليل ثُمَّ نزلت إِلَى مَكَّة فطافت طواف الإفاضة قبل الفجر, قبل زحمة النَّاس.
وكون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة وَكَذَلِكَ الضعفاء والنساء دليل عَلَى أن غيرهم لا ينبغي له أن يتعجل, ولهذا قَالَ جمع من العلماء: لا يجوز أن يتعجل الأقوياء, ولكن مذهب الكثير من الفقهاء أَنَّهُ يجوز, يَعْنِي الرخصة عامة للجميع, وَقَالُوا: إن هَذَا يتحقق بنصف الليل, ولكن الأولى الَّذِي يتعجل هم الضعفاء ومن يرافقهم حكمه حكمهم.
أَمَّا في منى فالمطلوب البيتوتة أكثر من نصف الليل سواء من أول الليل أو من آخره, والانصراف من مزدلفة هَذَا قبل نصف الليل لا يجوز,بَعْدَ منتصف الليل هَذَا كما سبق فقهاء الحنابلة والشافعية كلهم قرروا أَنَّهُ يجوز بَعْدَ نصف الليل, لكن إِذَا نظرنا إِلَى السنة وجدنا أن الرخصة إِنَّمَا جاءت في آخر الليل, إِنَّمَا جاء للضعفاء, كما في هَذِهِ الحادثة, ما قدم الأقوياء بقي عليه الصلاة والسلام, ورخص للضعفاء.
(المتن)
1943 - حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر، عن أسماء، أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: «إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(الشرح)
الحديث أخرجه النسائي والحديث في سنده مبهم أخبرني مخبر عَنْ أسماء فَهُوَ ضعيف, لكن الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن طريق عبد الله مولى أم سلمة, أَنَّهَا دفعت من مزدلفة بَعْدَ غيبوبية القمر, وقالت: يا بني إن رسول الله أذن للظعن, أيْ النساء, فدل الحديث عَلَى جواز الدفع بَعْدَ غيبوبة القمر بَعْدَ نصف الليل للضعفاء, وغيبوبة القمر تكون بعد صنف الليل بفترة, يَعْنِي ما يقارب ثلث الليل في الساعة 2 تقريبًا, والعلماء لهم كلام في هَذَا, أبو حنيفة وأصحابه يرون أَنَّ الضفعاء لهم أن يتقدموا آخر الليل لكن لا يرمون الجمرة حَتَّى تطلع الشمس هذا قول أبي حنيفة.
وجوز الشافعي بَعْدَ نصف الليل, قَالَ العيني: اختلف السَّلَف في المبيت في مزدلفة, فَذَهَبَ أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن إدريس في أحد قوليه إلى وجوب المبيت بها, وَأَنَّهُ ليس بركن, فمن ترك فعليه دم.
وَعَنْ الشافعي أَنَّهُ سنة وَهُوَ قول مالك, وَقَالَ ابن خزيمة هُوَ ركن, يَعْنِي المبيت بمزدلفة فِيهِ ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أَنَّهُ ركن, هَذَا قَالَ به ابن بنت الشافعي(...) وابن خزيمة قَالَ: إِنَّهَ ركن, ركن من أركان الحج.
القول الثاني: أَنَّهُ واجب إِذَا تركته عليه دم, وَهَذَا قول الجمهور.
القول الثالث: أَنَّهُ سنة.
ولكن البيتوتة تكون بَعْدَ نصف الليل, فلو ذَهَبَ قبل نصف الليل فهذا عَلَيْهِ دم عِنْد جمهور العلماء؛ لِأَنَّهُ ترك البيتوتة, وإن كَانَ بَعْدَ نصف الليل حَتَّى ولو مر بها مرورا كفاه عِنْد جمع من أهل العلم.
ابن القيم رحمه الله نقل عَنْ ابن عبد البر قَالَ: كَانَ الْإِمَام أَحْمَد يَدْفَع حَدِيث أم سلمة هذا ويضعفه قال ابن عَبْد الْبَرّ, وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَمَاهَا بجمرة ضُحَى ذَلِكَ الْيَوْم يوم النحر وَقَالَ جَابِر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَة ضُحَى يَوْم النَّحْر وَحْده وَرَمَى بَعْد ذَلِكَ بَعْد زَوَال الشَّمْس, أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ اِخْتَلَفُوا فِي رَمْيهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس فَمَنْ رَمَاهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس, فَمَنْ رَمَاهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَة.
قَالَ ابن عَبْد الْبَرّ: وَحُجَّته أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهَا بَعْد طُلُوع الشَّمْس فَمَنْ رَمَاهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس كَانَ مُخَالِفًا للسنة, -يَعْنِي جمرة العقبة- ولزمه إعادتها.
قال زعم بن الْمُنْذِر أَنَّهُ لَا يَعْلَم خِلَافًا فِيمَنْ رَمَاهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَبَعْد الْفَجْر أَنَّهُ يُجْزِئهُ.
قَالَ: وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَأَوْجَبْت عَلَى فَاعِل ذَلِكَ الْإِعَادَة -اللي يرمي بَعْدَ الفجر وقبل طلوع الشمس-.
قَالَ: وَلَمْ يُعْلَم قَوْل الثَّوْرِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوز رَمْيهَا إِلَّا بَعْد طُلُوع الشَّمْس, وَهُوَ قَوْل مجاهد وإبراهيم النخعي.
فمقتضى مذهب بن الْمُنْذِر أَنَّهُ يَجِب الْإِعَادَة عَلَى مَنْ رَمَاهَا قبل طلوع الشمس وحديث بن عَبَّاس صَرِيح فِي تَوْقِيتهَا بِطُلُوعِ الشَّمْس وَفَعلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْن الْأُمَّة فَهَذَا فَعلَهُ وَهَذَا قَوْله, وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة قَدْ أَنْكَرَهُ الْإِمَام أَحْمَد وَضَعَّفَهُ, هَذَا كلام ابن القيم رحمه الله في هَذَا.
وَقَالَ مَالِك: لَمْ يَبْلُغنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِأَحَدِ فِي الرَّمْي قَبْل طُلُوع الْفَجْر.
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه: وَالْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْد اللَّه مَوْلَى أَسْمَاء أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَة جَمْع عِنْد الْمُزْدَلِفَة فَقَامَتْ تُصَلِّي, فَصَلَّتْ سَاعَة ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيّ هَلْ غَابَ الْقَمَر؟ قُلْت نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا, فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَة ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْح فِي مَنْزِلهَا –يَعْنِي في منى- فَقُلْت لَهَا يَا هَنْتَاهُ مَا أَرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا-أى بكرنا- قَالَتْ يَا بُنَيّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظَّعْنِ وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ لِظَعْنِهِ.
وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز رَمْيهَا بَعْد نِصْف اللَّيْل, فَإِنَّ الْقَمَر يَتَأَخَّر فِي اللَّيْلَة الْعَاشِرَة إِلَى قُبَيْل الْفَجْر, وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاء بَعْد غِيَابه مِنْ مُزْدَلِفَة إِلَى مِنًى, فَلَعَلَّهَا وَصَلَتْ مَعَ الْفَجْر أَوْ بَعْده فَهِيَ وَاقِعَة في العَيْن, وَمَعَ هَذَا فَهِيَ رُخْصَة لِلظَّعْنِ –يَعْنِي للنساء- وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَقَدُّم الرَّمْي فَإِنَّمَا تَدُلّ عَلَى الرَّمْي بَعْد طُلُوع الْفَجْر, وَهَذَا قَوْل أَحْمَد فِي رِوَايَة وَاخْتِيَار بن الْمُنْذِر وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا.
يَعْنِي العلماء في هَذَا ابن القيم ومالك وجماعة يشددون في هَذَا, فلا يرون الرمي قبل طلوع الفجر, ولكن عَلَى كُلّ حال ظاهر حديث أم سلمة وحديث أسماء أَنَّهُ يرخص للنساء و الظعن, لكن النَّاس الآن عملهم بَعْدَ نصف الليل؛ لِأَنَّ مذهب المالكية وبعض الحنابلة والشافعية الجواز بَعْدَ نصف الليل فالناس يأخذون بِهَذَا, ولكن الأحاديث الآن فِيهَا أن الرخصة إِنَّمَا هِيَ للضعفاء والنساء.
(المتن)
1944 - حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثني أبو الزبير، عن جابر، قال: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف، وأوضع في وادي محسر».
(الشرح)
وَمِمَّا يَدُلَّ عَلَى أهمية المبيت بمزدلفة حديث عروة بن مضرس أَنَّهُ جاء إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يصلي الفجر في مزدلفة, فقال: يا رسول الله والله ما تركت من جبل إِلَّا وقفت عَلَيْهِ, فهل لي من حج؟ قَالَ: يا رسول الله أتعبت راحلتي وأكلتها وما تركت من جبل إِلَّا وقفت عَلَيْهِ فهل لي من حج؟
فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا هَذِهِ-يَعْنِي الفجر بمزدلفة- وَكَانَ قَدْ وقف بعرفة قبل ذَلِكَ ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه وَقَضى تفثه».
وأخذ العلماء من هَذَا أن الوقوف بعرفة يمتد من طلوع فجر يوم عرفة إِلَى طلوع الفجر ليلة العيد, الحنابلة عندهم أن الوقوف يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة إِلَى طلوع فجر ليلة العيد, والجمهور يرون أن الوقوف يبدأ من بَعْدَ الصلاة, بَعْدَ الظهر, هَذَا فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
والحنابلة أخذوا بحديث عروة « وَكَانَ قَدْ وقف بعرفة قبل ذَلِكَ ليلاً أو نهارًا», قَالُوا: إن النهار يبدأ من طلوع الفجر, من طلوع الفجر إِلَى طلوع الفجر أربعٍ وعشرين ساعة, ويظهر الخلاف بينه وبين الجمهور لو أن شخصًا وقف الضحى يوم عرفة بعرفة ثُمَّ انصرف وَلَمْ يرجع فهل له حج؟ حجه صحيح عِنْد الحنابلة وَعِنْد الجمهور حجه غير صحيح؛ لِأَنَّ الحنابلة يرون أن الوقوف يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة إِلَى طلوع الفجر, والجمهور يرون الوقوف ما يبدأ إِلَّا بَعْدَ الصلاة بَعْدَ الظهر إِلَى طلوع الفجر؛ لِأَنَّ هَذَا فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خذوا عني مناسككم»
وَهَذَا الحديث حديث جابر قَالَ: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف»، حصى الخذف يَعْنِي بقدره في الصغر, الخذف الَّذِي يضعه الإنسان بني إصبعيه, الأحجار الصغيرة, قدر لهم مثل حبة الفول مثل بعرة الغنم.
وقوله: «وأوضع», يَعْنِي أسرع «في وادي محسر», والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وَفِيهِ دليل عَلَى مشروعية الإسراع في المشي في وادي محسر, محسر اسم فاعل من التحسير, وَقِيلَ: إِنَّمَا شرع الإسراع فِيهِ لِأَنَّ العرب كَانُوا يقفون فِيهِ يذكرون مفاخر آبائهم, فاستحب الشارع مخالفتهم.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إن هَذَا هُوَ المكان الَّذِي أهلك الله فِيهِ أصحاب الفيل؛ لكن الصحيح أن أصحاب الفيل في المغمس, وَعَلَى هَذَا فيكون هَذَا إِنَّمَا أشرع الإسراع فِيهِ؛ لِأَنَّ العرب كَانُوا يقفون ويذكرون مفاخر آبائهم, فاستحب الشارع مخالفتهم.
(المتن)
باب يوم الحج الأكبر
1945 - حدثنا مؤمل بن الفضل، حدثنا الوليد، حدثنا هشام يعني ابن الغاز، حدثنا نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال: «أي يوم هذا؟» قالوا: يوم النحر، قال: «هذا يوم الحج الأكبر».
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه ابن ماجة في البخاري تعليقًا, والحديث دليل عَلَى أن يوم الحج الأكبر هُوَ يوم النحر, وَهُوَ يوم العيد, وَيَدُلَّ عَلَيْهِ قول الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}[التوبة/3].
ولا خلاف أن النداء وقع يوم النحر, هَذَا دليل قاطع عَلَى أن يوم الحج الأكبر يوم النحر.
(المتن)
1946 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، أن الحكم بن نافع، حدثهم حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر، يوم النحر والحج الأكبر الحج».
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وَهُوَ صيح في أن يوم الحج الأكبر هُوَ يوم العيد, وقوله: (فيمن يؤذن), من التأذين وَهُوَ الإعلام يَعْنِي جماعة أرسلهم يؤذنون للناس يوم الحج بأربع كلمات«أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الْجَنَّةَ إِلَّا نفس مؤمنة ومن كَانَ له عهد فَهُوَ إِلَى عهده ومن لَمْ يكن له عهد فمدته أربعة أشهر».
قَالَ: «ويوم الحج الأكبر، يوم النحر والحج الأكبر الحج», صريح في هَذَا والعلماء لهم خلاف في هَذَا, ابن القيم قَالَ: وَالْقُرْآن قَدْ صرح بأن الأذان يوم الحج الأكبر, ولا خلاف أن النداء بِذَلِكَ إِنَّمَا وقع يوم النحر بمنى, فهذا دليل قاطع عَلَى أن يوم الحج الأكبر يوم النحر, وذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والشافعي إِلَى أَنَّهُ يوم عرفة, وَقِيلَ: أيام الحج كلها, عبر عَنْ الأيام باليوم كما قَالَ يوم الجمل ويوم صفين, قاله الثوري والصواب القول الأول.
وذكر الشيخ أَنَّهُ في خمسة أقوال في يوم الحج الأكبر.
الأول: أَنَّهُ يوم النحر.
الثاني: أَنَّهُ يوم عرفة.
الثالث: أَنَّهُ أيام الحج كلها, كقولهم يوم الجمل ويوم صفين.
الرابع: الأكبر القران والأصغر الإفراد.
الخامس: هُوَ حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وَقالَ البيضاوي في قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[التوبة/3]؛ أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّ فِيهِ تَمَامَ الْحَجِّ أي مُعْظَمَ أَفْعَالِهِ وَلِأَنَّ الْإِعْلَامَ(...) كَانَ فِيهِ.
وَوَصَفَ الْحَجَّ بِالْأَكْبَرِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَعْمَالِهِ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ بَاقِي الْأَعْمَالِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ.
وقول أبي هريرة (بعثني أبو بكر), يَعْنِي سنة تسع من الهجرة, وَقَالَ النووي: هَذَا موافق لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة/28].
والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله, فلا يمكن الْمُشْرِك من دخول الحرم؛ حَتَّى ولو جاء في رسالة الأوامر المهم لا يمكن من الدخول, ولو دخل خفية ومرض ومات نبش وأخرج من الحرم, لو مات الكافر ينبش ويخرج من الحرم.
قوله: «ولا يطوف بالبيت عريان»، هذا إبطال لما كَانَ في الجاهلية عَلَيْهِ من الطواف بالبيت عراة, واستدل به أصحاب الشافعي عَلَى أن الطواف يشترك فِيهِ ستر العورة.
(المتن)
باب الأشهر الحرم
1947 - حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته، فقال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ".
1948 - حدثنا محمد بن يحيى بن فياض، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: أبو داود و سماه ابن عون، فقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، في هذا الحديث.
(الشرح)
القراءة الأولى عَنْ ابن أبي بكرة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بمعناه, والثاني عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكرة عَنْ أبي بكرة, الأول عندك عَنْ أبي بكرة؛ لِأَنَّهُ قَالَ ابن عون هُوَ الَّذِي سماه, هَذَا حديث واحد فِيهِ بيان الأشهر الحرم والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة مختصرًا, وَفِيهِ بيان الأشهر الحرم وأن الأشهر الحرم أربعة ثلاث متوالية وَهِيَ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم, والرابع منفرد هو رجب, بين جمادى وشعبان, ونسب إِلَى مضر لتشددهم في تحريم رجب, رجب مضر إِنَّمَا أضيف الشهر إِلَى مضر؛ لأنها تشدد في تحريم رجب وتحافظ عَلَيْهِ أشد عَلَيْهِ أشد من محافظة سائر العرب, وأضيف الشهر إليهم بِهَذَا المعنى.
قوله: (الَّذِي بين جمادى وشعبان), يحتمل أن يكون ذَلِكَ عَلَى توكيد البيان, مثل كما قِيلَ في أسنان الصدقة إِذَا لَمْ يكن ابنة مخاض فابن لبون, ومعلوم أن ابن لبون لا يكون إِذَا ذكرًا, ويحتمل أن يكون قَالَ ذَلِكَ من أجل أَنَّهُمْ كانوا قد نسوا رجبًا وحولوه عَنْ موضعه وسموه ببعض الشهور الأخر فنحلوه اسمًا, فبين لهم أن رجبا هَذَا الشهر الَّذِي بين جمادى وشعبان, لا ما كَانَ يسمونه رجبًا عَلَى حساب النسيء.
وحديث أبي بكرة فِيهِ أن الزَّمَان قَدْ استدار كهيئته, يَعْنِي دار عَلَى الترتيب الَّذِي اختاره الله تعالى, ووضعه يوم خلق السموات والأرض, الزَّمَان استدار يَعْنِي دار عَلَى الترتيب الَّذِي اختاره الله ووضعه يوم خلق السموات والأرض وَهُوَ أن يكون كل عام اثني عشر شهرًا, وَكُلّ شهر ما بين تسعة وعشرين إِلَى ثلاثين يومًا.
وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذَلِكَ فجعلوا عامًا اثني عشر شهرًا وعامًا ثلاثة عشر شهرًا, فَإِنَّهُمْ كَانُوا ينسئون يؤخرون الحج في كُلّ عامين من شهر إِلَى شهر؛ حَتَّى تغيرت و اختلطت الشهور, يغيرون إِذَا احتاجوا مثلاً إِلَى القتال في شهر محرم أخروا محرما وقدموا سفرا فقاتلوا, فاختلطت عَلَيْهِمْ الشهور, حَتَّى استدارت في الحجة الَّتِي حج فِيهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلّ شهر رجع إِلَى مكانه يوم خلق الله السموات والأرض.
ولهذا قَالَ النَّبِيّ: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا»، فالسنة الَّتِي حج فِيهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صار كُلّ شهر في موضعه, فأبطل الله بِذَلِكَ النسيء الَّذِي يفعله المشركون, وقرره عَلَى مداره الأصلي, فالسنة الَّتِي حج فِيهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هِيَ السنة الَّتِي وصل ذو الحجة فِيهَا إِلَى موضعه.
فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار», يَعْنِي أمره الله تعالى أن يكون ذي حجة في هَذَا الوقت فاحفظوه, واجعلوا الحج في هَذَا الوقت, ولا تبدلوا شهرا بشهر كعادة أهل الجاهلية, فقال الخطابي رحمه الله في معالم السنن: قوله إن الزمان قد استدار كهيئته معنى هذا الكلام أن العرب في الجاهلية كانت قد بدلت أشهر الحرم وقدمت وأخرت أوقاتها من أجل النسيء الذي كانوا يفعلونه, وهو ما ذكر الله سبحانه في كتابه فقال {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[التوبة/37].
فهذا زيادة في الكفر والعياذ بالله النسيء, إِذَا احتاجوا إِلَى القتال قدموا صفرا وأخروا محرما, وَإِذَا ما احتاجوا تركوه عَلَى أهوائهم, {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[التوبة/37].
ومعنى النسيء تأخير رجب إلى شعبان والمحرم إلى صفر وأصله مأخوذ من نسأت الشيء إذا أخرته ومنه النسيئة في البيع، وكان من جملة ما يعتقدونه من الدين تعظيم هذه الأشهر الحرم فكانوا يتحرجون من القتال في الأشهر الحرم و سفك الدماء فتقف الحرب في هذه الأشهر الحرم ويأمن بعضهم بعضًا إلى أن تنصرم هذه الأشهر ويخرجوا إلى أشهر الحل -فيقاتلون إِذَا خرجوا إِلَى أشهر الحل جاء صفر قاتل- فكان أكثرهم يتمسكون بذلك ولا يستحلون القتال فيها، وكان قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا في شهر حرام حرموا مكانه شهرًا آخر من أشهر الحل, ويقولون نسأنا الشهر واستمر ذلك بهم؛ حتى اختلط ذلك عليهم وخرج حسابه من أيديهم, فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهر غيره.
إلى أن كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فوقف بعرفة اليوم التاسع , ثم خطبهم فأعلمهم أن أشهر الحج قد تناسخت باستدارة الزَّمَان, وعاد الأمر إلى الأصل الذي وضع الله حساب الأشهر عليه يوم خلق السموات والأرض, وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا تتغير أو تتبدل فيما يستأنف من الأيام.
وَهَلْ القتال في الأشهر الحرم منسوخ أو ليس بمنسوخ؟ الجمهور عَلَى أَنَّهُ منسوخ, الجمهور عَلَى أَنَّهُ منسوخ ويؤيد النسخ ما روي عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال من ذي القعدة, ولكن العرب حينما يقفون عَنْ القتال في الشهر الحرم أحيانًا يطيل عَلَيْهِمْ الوقت, ثلاثة أشهر طويلة عَلَيْهِمْ, فَإِذَا احتاجوا أخروا محرما وقدموا صفرا, وَهَذَا من جهلهم وزيادتهم في الكفر, وَإِذَا لَمْ تطل عَلَيْهِمْ المدة أبقوا كُلّ شَيْء في مكانة.
قوله: «ثلاث متواليات», يَعْنِي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم هَذِهِ متوالية, ورجب هذا منفرد,
قَالَ المنذري: محمد بن سيرين, عَنْ ابن أبي بكرة هنا وسماه ابن عون يَعْنِي حديث ابن عون رواه البخاري في كتاب العلم عَنْ مسدد عَنْ بشر المفضل عَنْ ابن عون عَنْ محمد بن سيرين عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكرة, وأخرجه مسلم في الديات من طريق حماد بن أسلم عَنْ ابن عون.
قَالَ المنذري: محمد بن سيرين, عَنْ ابن أبي بكرة عَنْ أبيه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة مختصرًا ومطولًا.