شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_17

00:00
00:00
تحميل
56

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب يبيت بمكة ليالي منى 

1958 - حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، حدثني حريز أو أبو حريز الشك من يحيى، أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر، قال: إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: «أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب يبيت بمكة ليالي منى), يَعْنِي ما الحكم إِذَا بات ليالي منى وَهِيَ أيام التشريق ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؟ 

ذكر فِيهِ حديث ابن عمر (عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر، قال: إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال)، يَعْنِي أَنَّهُ محتاج, يَعْنِي في ليالي منى يصير محتاج وعنده مال يخشى عَلَيْهِ من الضياع, فيبيت بمنى ليالي التشريق. 

«أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل», يَعْنِي ظل الأيام كلها الليل والنهار في منى, وَهَذَا هُوَ الصواب أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ في منى ليلاً ونهارًا, وَأَمَّا ما جاء في بعض الأحاديث أَنَّهُ كَانَ يزور مَكَّة ليلاً هَذَا حديث باطل لا يصح, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليلاً ونهارًا, وَهَذَا فِيهِ أن بعض الصَّحَابَة يبيت بمكة من أجل حفظ المال؛ لِأَنَّهُم يتبايعون فيبت عَلَى المال يَعْنِي عَلَى حفظ المال خشية من الضياع وَهَذَا عذر من الأعذار كما سيأتي في الحديث الآتي, أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أذن للعباس في أن يبيت من أجل سقايته, فَإِذَا كَانَ له مال يخشى ضياعه أو كَانَ مريضا لا يستطيع البقاء فنقل إِلَى المستشفى أو كَانَ مرافق المريض فهذا عذر. 

كَذَلِكَ أهل الإبل أذن لهم النبي أهل السقاية والرعاية يسقون الإبل ويرعون الإبل, أَمَّا بدون عذر فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عَنْ المبيت بمنى, بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أن يبيت بمنى, جمهور العلماء عَلَى أَنَّهُ واجب. 

ومعنى قوله: «فبات بمنى وَظِلِّ», يَعْنِي بقي بمنى ليلاً ونهارًا, كلمة ظل موضوعة لاقتران الجملة بوقتها, ويقال: ظل زيد سائرًا, يَعْنِي كَانَ زيد في جميع النهار سائرًا, ومعنى بات زيدٌ سائرًا, يَعْنِي كَانَ زيد في جميع الليل سائرًا. 

فهذا دل عَلَى أن النَّبِيّ كَانَ في جميع الليل والنهار مقيما بمنى أيام منى؛ لِأَنَّهُ يبيت بمكة أيام منى ليلاً ونهارًا, وَأَمَّا نحن فلم نكن كَذَلِكَ, قَالَ: وَأَمَّا نحن فلم نكن كَذَلِكَ, فَإِن مِنَّا من كَانَ يبيت بمكة أيام منى لضرورة دعته إِلَى البيتوتة وَهُوَ حفظ المال وسقاية الحاج, فنحن نتبايع بأموال النَّاس فيأتي أهل مَكَّة أيام منى فيبتوا هناك من أجل حفظ المال الَّذِي يتبايعون به,كما أن العباس يبيت بها من أجل سقايته. 

قَالَ العلماء: من فقه هَذَا الحديث أن للحاج رخصة في بيتوتة أيام منى إِذَا دعت إليها الضرورة, وليست مقصورة عَلَى سقاية الحاج كما فعل العباس, بَلْ إِذَا كَانَ هناك ضرورة عنده مال يخشى ضياعه أو عنده مريض يخشى عَلَيْهِ, أو كما كَانَ سابقًا من أجل سقاية الإبل أو رعاية الإبل فهذا عذر في عدم البيتوتة. 

(المتن) 

1959 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابن نمير، وأبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة, و فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أذن للعباس أن يبيت بمكة وأن يترك المبيت وَهُوَ حاج  بمنى من أجل سقايته, زمزم كانت بئر وكانت ينزع فِيهَا الدلاء يكون هناك حياض, ينزعون بالدلاء ويصبون في الحياض للناس يشربون, كَانَ هناك حبل ودلو ينزع الماء ويصب في الحياض لسقاية النَّاس, سابقًا ما كَانَ هناك مثل الآن تتوفر المواسير والأشياء, كانت الدلاء تكون في البئر وينزع الماء ويصب في الحياض, وَهُوَ محتاج إِلَى أن يفعل هَذَا في الليل ولهذا لرخص له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, استأذن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من أجل سقاية الحاج فأذن له. 

و من باب أولى إِذَا كَانَ الإنسان مريضا ونقل إِلَى المستشفى فهذا أشد, وَكَذَلِكَ مرافق المريض, ومثله أَيْضًا ما سبق في الحديث السابق من كَانَ عنده مال يخشى ضياعه, وجمهور العلماء عَلَى أن البيتوتة بمنى واجب, ومن لَمْ يبت فَإِن عَلَيْهِ دما. 

وبعض العلماء قَالُوا: ليس عَلَيْهِ شَيْء, عَلَيْهِ أن يستغفر الله. 

قَالَ الخطابي: واختلف أهل العلم في المبيت بمكة ليالي منى لحاجة من حفظ مال أونحوه, فكان ابن عباس يقول لا بأس به إذا كان للرجل متاع بمكة يخشى عليه إن بات بمنى. 

وَقَالَ أبو حنيفة وأصحابه: لا شيء على من كان بمكة أيام منى إذا رمى الجمرة وقد أساء.  

وقال الشافعي: ليست الرخصة في هذا إلاّ لأهل السقاية, ومن مذهبه أن في ليلة درهماً وفي ليلتين درهمين وفي ثلاث ليال دما -يَعْنِي إن ترك ليلة درهما وليلتين درهمين وثلاث ليالي دما- وكان مالك يرى عليه في ليلة واحدة دمًا. 

وجمهور العلماء عَلَى أَنَّهُ إِذَا ترك البيتوتة عَلَيْهِ دم, والأقرب ما ذَهَبَ إليه صاحب المغني من أن الليلة الواحدة يتصدق بما يتيسر وليلتان أو ثلاث ليالي عَلَيْهِ دم, هَذَا هُوَ الَّذِي نراه الآن, إِذَا ترك ليلة فيتصدق بما يتسر وإن ترك البيتوتة ليلتين فعليه دم. 

(المتن) 

باب الصلاة بمنى 

1960 - حدثنا مسدد، أن أبا معاوية، وحفص بن غياث، حدثاه وحديث أبي معاوية أتم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين»، زاد، عن حفص، ومع عثمان صدرًا من إمارته، ثم أتمها زاد من ها هنا عن أبي معاوية، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين. قال: الأعمش، فحدثني معاوية بن قرة، عن أشياخه، أن عبد الله صلى أربعًا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعًا، قال: «الخلاف شر». 

(الشرح) 

وَهَذَا الباب عقده المؤلف للصلاة بمنى للحاج, هَلْ يصليها قصرًا أو يتمها؟ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بات في منى وَقَالَ: «خذوا عني مناسككم», وَكَانَ الخلفاء كَذَلِكَ يَعْنِي الصديق وعمر وعثمان صدرًا من خلافته ست سنوات من خلافته كَانُوا يقصرون الصلاة بمنى, يصلون الرباعية ركعتين, أَمَّا المغرب والفجر فإنهما لا تقصران. 

فكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى الرباعية ركعتين وأبو بكر وعمر وَكَذَلِكَ عثمان صدرًا من خلافته, ست سنوات من خلافته, ثُمَّ أتم عثمان الصلاة بمنى فكان يصلي الظهر أربعًا والعصر أربعًا والعشاء أربعًا. 

قَالَ عبد الرحمن بن زيد من أصحاب عبد الله بن مسعود: (صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله), يَعْنِي عبد الله بن مسعود «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين»، يَعْنِي في منى في الحج «ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، زاد، عن حفص، ومع عثمان صدرًا من إمارته»، وَهِيَ ست سنوات «ثم أتمها زاد من ها هنا عن أبي معاوية، ثم تفرقت بكم الطرق», يَعْنِي اختلفتم فمنكم من يقصر ومنكم من لا يقصر, هَذَا كلام ابن مسعود قَالَ: « فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين». يَعْنِي تمنيت, وددت يَعْنِي وددت أن عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وصاحباه يفعلونه. 

وفي لفظ أَنَّهُ قَالَ: «ليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان». 

(قال: الأعمش، فحدثني معاوية بن قرة، عن أشياخه، أن عبد الله), يَعْنِي ابن مسعود (صلى أربعًا)، يَعْنِي صلى خلف عثمان وَالصَّحَابَة صلوا خلفه (قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعًا، قال: الخلاف شر). 

والحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي مختصرًا. 

وَفِيهِ من الأدلة عَلَى أَنَّهُ يجوز الإتمام في السفر, وإن كَانَ خلاف السنة, أَنَّهُ يجوز للمسافر أن يصلي أربع ركعات هَذَا من أقوى الأدلة, ووجه الدلالة أن الصَّحَابَة صلوا خلف عثمان أربع ركعات, ولو كَانَ لا يجوز لما صلوا خلفه, لو كَانَ لا يجوز لا يمكن أن يقرونه عَلَى شَيْء محرم. 

فدل عَلَى جواز صلاة المسافر الرباعية كاملة وإن كَانَ الأفضل هُوَ القصر لكن يجوز, الصَّحَابَة كلهم أجمعوا عَلَى الصلاة خلف عثمان رضي الله عنه فدل عَلَى أن الإتمام جائز إِلَّا أَنَّهُ خلاف السنة. 

وَفِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ ينبغي مراعاة الجماعة وعدم الاختلاف, ولهذا الصَّحَابَة صلوا خلف عثمان وهم لا يرون الإتمام, مَعَ أَنَّهُ خلاف السنة محافظة عَلَى الاجتماع وجمع الكلمة وعدم الاختلاف والتفرق, لاختلاف القلوب. 

وَكَانَ الإمام أحمد رحمه الله لا يرى القنوط في صلاة الفجر, والشافعية يرون القنوط في صلاة الفجر, والصواب أن القنوط في صلاة الفجر إِنَّمَا يكون في النوازل, لا يكون دائمًا, والشافعية يرون أَنَّهُ دائم, الشافعية كُلّ صلاة فجر يقنطون, ويستدلون بحديث أنس «أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقنط حَتَّى فارق الدنيا», كَانَ يقنط يَعْنِي يطيل, المراد بالقنوط طول القيام. 

وَكَانَ الإمام أحمد يصلي خلف من يقنط ويؤمن عَلَى دعائه, وَهُوَ لا يرى هَذَا, محافظةً عَلَى الاجتماع والائتلاف وعدم الاختلاف, فينبغي للإنسان أن يحافظ عَلَى هَذَا, وَمِمَّا أَيْضًا ينبغي أن يلاحظ في هَذَا أن بعض النَّاس بعض الشباب الَّذِينَ ابتدؤوا في الطلب في المسجد الحرام لا يصلون خلف إمام الحرم؛ يقتصرون عَلَى إحدى عشر ركعة, ويجلسون يشربون الشاي ويضحكون وَالنَّاس يصلون, وَهَذَا من جهلهم وعدم علمهم. 

أول شَيْء: حرموا أنفسهم من الخير, من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله. 

وثانيًا: أَنَّهُمْ خالفوا الْمُسْلِمِين, وأوجدوا الخلاف. 

وثالثًا: أن هَذَا يَدُلَّ عَلَى جهلهم وقلة بصيرتهم, فَإِنَّهُ ليس هناك حد محدد في صلاة الليل, النَّبِيّ ما حدد عليه الصلاة والسلام ما قَالَ: لا تزيدوا عَلَى إحدى عشر ركعة, بَلْ هُوَ عليه الصلاة والسلام أوتر بإحدى عشرة وأوتر بثلاث عشر وأوتر بتسع وأوتر بسبع وَهَذَا ثابت في البخاري. 

وَكَذَلِكَ الصَّحَابَة صلوا عشرين ركعة وصلوا أكثر وأقل, صلوا إحدى عشرة ركعة, فهم ما عرفوا السنة وخالفوا الْمُسْلِمِين, وهم لا يزالون مبتدئين في الطلب, هَذَا من الجهل, المقصود أن المحافظة عَلَى الاجتماع وعدم الاختلاف. 

ومن ذَلِكَ أن أنس لما سأله عبد العزيز بن رفيع قَالَ: أين صلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث من أيام منى؟ قَالَ: صل حيث يصلي أمراءك, حيث يصلي أميرك, يَعْنِي لا تخالف, الصلاة هَذِهِ سنة والخلاف شر. 

ولهذا عبد الله بن مسعود استرجع لما عثمان صلى أربعًا قَالَ: إن لله وإن إليه راجعون, وقف يسترجع وفي اللفظ الآخر مصيبة هَذِهِ, قِيلَ له: وتصلي خلفه أربع ركعات؟ قَالَ: نعم والخلاف شر. 

وفي لفظ أَنَّهُ لما صلى عثمان أربع ركعات, قَالَ: «إن لله وإليه راجعون, إن لله وإنا إليه راجعون, ليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان, وصلى خلفه, فقيل: تصلى خلفه وأنت تسترجع وترى هَذِهِ مصيبة؟ قَالَ: الخلاف شر». 

نقل أن عبد الله بن مسعود خشي ألا يجزأ الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهة لخلافه, وأخبرهم بما يعتقده, قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يريد أَنَّهُ لو صلى أربعًا تكلفها فليتها تقبل كما تقبل الركعتان. 

الحافظ يَقُولُ: الَّذِي يظهر أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سبيل التفويض إِلَى الله لعدم اطلاعه عَلَى الغيب, وَهَلْ يقبل الله الصلاة أم لا, فتمنى أن يقبل منه من الأربع الَّتِي يصليها ركعتان. 

وَهُوَ يشعر بأن المسافر مخير بين القصر والإتمام, قَالَ الخطابي: لو كان المسافر لا يجوز له الإتمام كما لا يجوز له القصر لم يتابعوا عثمان عَلَيْهِ, إذ لا يجوز على الملأ من الصحابة متابعته على الباطل, فدل ذلك على  جواز الإتمام, وإن كان الاختيار عند كثير منهم القصر.  

(المتن) 

1961 - حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، أن عثمان إنما صلى بمنى أربعًا لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج. 

(الشرح) 

يَعْنِي أن عثمان تأول يَعْنِي صلى أربعا؛ لِأَنَّهُ عزم عَلَى الإقامة بمكة بَعْدَ الحج, فرأى أَنَّهُ غير مسافر, فلهذا لما صمم عَلَى الإقامة أجمع, لكن هَذَا منقطع, الزهري ما أدرك عثمان, فالمنقطع ضعيف. 

(المتن) 

1962 - حدثنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: إن عثمان، صلى أربعًا لأنه اتخذها وطنًا. 

(الشرح) 

هَذِهِ رواية عَنْ إبراهيم بن يزيد النخعي, قَالَ: «إن عثمان، صلى أربعًا لأنه اتخذها وطنًا», وَأَيْضًا هَذَا منقطع؛ لِأَنَّ إبراهيم بن يزيد ما أدرك عثمان. 

(المتن) 

1963 - حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، قال: لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعًا، قال: ثم أخذ به الأئمة. 

(الشرح) 

كُلّ هَذِهِ تأويلات لفعل عثمان رضي الله عنه لماذا أتم؟ هَذَا قَالَ: اتَّخَذَ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها ولذلك صلى أربعًا, قَالَ: ثُمَّ أخذ به الأئمة أيْ أخذوا بالإتمام دون القصر, أَيْضًا هَذَا منقطع الزهري ما أدرك عثمان منقطع. 

(المتن) 

1964 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن أيوب، عن الزهري، أن عثمان بن عفان، أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعا ليعلمهم أن الصلاة أربع. 

(الشرح) 

وَهَذَا تأويل آخر يَقُولُ: أن عثمان أتم؛ لِأَنَّ الأعراب كثروا في تلك السنة وحجوا معه فأراد أن يعلمهم أن الصلاة أربع ركعات, وَهَذَا أَيْضًا من الزهري والزهري أَيْضًا ما أدرك عثمان, فَهُوَ منقطع. 

هَذِهِ كلها تخريجات وكلها منقطعة ولا مانع أن يكون لهذه الأمور كلها, قَدْ يكون لهذه الأمور كلها, قَدْ يكون لِأَنَّهُ أجمع عَلَى الإقامة؛ وَلِأَنَّهُ اتخذها وطنًا, وَلِأَنَّهُ اتَّخَذَ عثمان أموالا بالطائف, ومن أجل الأعراب, ولكن الأقرب أن عثمان وكذا عائشة أخذا بالإباحة, وروي عَنْ عائشة أَيْضًا أَنَّهَا تمت أَيْضًا في السفر, إِنَّمَا هَذَا لِأَنَّهُم أخذوا بالإباحة, فَهُوَ جائز وإن كَانَ خلاف الأولى أو خلاف الأفضل. 

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَان أَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّة –أيْ تزوج يُرى أَنَّهُ مقيم- فَيَرُدّهُ سَفَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَوْجَاتِهِ. 

وَقَالَ ابن القيم أَيْضًا: وَأَمَّا ما روي عن عثمان أنه تَأَهَّلَ بِمَكَّة فَيَرُدّهُ أَنَّ هَذَا غَيْر مَعْرُوف, بَلْ الْمَعْرُوف أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا أَهْل وَلَا مَال, وَقَدْ ذَكَرَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان كَانَ إِذَا اِعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ رَاحِلَته حتى يرجع. 

ويرده مَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُثْمَان مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ, وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّة بَعْد الْهِجْرَة. 

وقال ابن عَبْد الْبَرّ: وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ عُثْمَان أَخَذَ بِالْإِبَاحَةِ  – هَذَا هُوَ الأقرب- وَقَالَ غَيْره اِعْتَقَدَ عُثْمَان وَعَائِشَة فِي قَصْر الصلاة  أَنَّهُ كَانَ رُخْصَة, أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ رِفْقًا بِأُمَّتِهِ فَأَخَذَا بِالْعَزِيمَةِ وَتَرَكَا الرُّخْصَة.هَذَا هُوَ الأقرب, وَعَلَى كُلّ حال السنة للحاج القصر بمنى, هَذِهِ هِيَ سنة الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام الَّذِي عَلَيْهِ الخلفاء, وَأَمَّا فعل عثمان رضي الله عنه فهذا فعله من أجل بيان الجواز والإباحة. 

(المتن) 

باب القصر لأهل مكة 

1965 - حدثنا النفيلي، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، حدثني حارثة بن وهب الخزاعي، وكانت أمه تحت عمر فولدت له عبيد الله بن عمر، قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع». قال أبو داود: حارثة بن خزاعة: ودارهم بمكة. 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف لبيان القصر لأهل مكة, هل يقصرون أو لا  يقصرون في الحج؟ ذكر حديث الحارثة والحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع»؛ يَعْنِي أَنَّهُ ليس هناك خوف, وَأَمَّا قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}[النساء/101]. 

فهذا كَانَ أولًا, كَانَ في الْقُرْآن وجاء في السنة الرخصة للمسافر, ولو كان آمنًا, فالخائف يقصر الصلاة بالقرآن والآمن يقصر الصلاة بالسنة. 

(قال أبو داود: حارثة بن خزاعة: ودارهم بمكة), يَعْنِي هم من أهل مَكَّة وَمَعَ ذَلِكَ صلى بهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين, والمعنى قوله: صليت مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين والحال أن النَّاس كَانَ أكوانهم في ذَلِكَ الوقت أكثر من أكوانهم في سائر الأوقات, يَعْنِي أن النَّاس كَانُوا في ذَلِكَ الوقت أكثر مِمَّا كَانُوا في سائر الأوقات. 

وَفقه الحديث أن القصر ليس مختصًا بالخوف؛ لِأَنَّهُ قَالَ: كَانُوا بمنى وَكَانُوا آمنين, فَإِن ذَلِكَ الوقت كَانَ وقت أمنٍ وَمَعَ ذَلِكَ قصر رسول الله الصلاة وقصرنا معه, دل عَلَى أن القصر ليس بمختص بالخوف. 

وفي حديث ابن عباس عِنْد الترمذي «خرج من المدينة إِلَى مَكَّة لا يخاف إِلَّا الله ويصلي ركعتين». 

وَقَالَ الخطابي: ليس في قوله فصلى بنا ركعتين دليل على أن المكي يقصر الصلاة بمنى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسافرًا بمنى فصلى صلاة المسافر, ولعله لو سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاته لأمره بالإتمام, وقد يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان الأمور في بعض المواطن اقتصارًا على ما تقدم من البيان السابق, خصوصًا في مثل هذا الْأَمْرِ الذي هو من العلم الظاهر العام، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي بهم فيقصر فإذا سلم التفت إليهم فقال أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سَفر. 

وقد اختلف الناس في هذا فقال الشافعي: يقصر الإمام والمسافرون معه, ويقوم أهل مكة فيتمون لأنفسهم – يعني في منى- وإليه ذهب سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه, وقد روي ذلك عن عطاء ومجاهد والزهري، وذهب مالك والأوزاعي وإسحاق إلى أن الإمام إذا قصر قصروا معه وسواء في ذلك أهل مكة وغيرهم. 

وَهَذَا هُوَ الصواب الآن وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ العمل, قول مالك رحمه الله واختيار شيخ الإسلام ابن القيم أن أهل مَكَّة يقصرون الصلاة في منى, سواء قِيلَ: لأجل السفر, أو قِيلَ: لأجل النسك, والقول لِأَنَّهُ من أجل النسك هذا قول قوي. 

وَأَمَّا مذهب الحنابلة والشافعية أن أهل مَكَّة يتمون في منى؛ لِأَنَّ المسافة ليست مسافة قصر,والعمل في مذهب الحنابلة الآن أن أهل مَكَّة يتمون في منى, ولا يقصرون؛ لِأَنَّ المسافة قريبة وليست في مسافة قصر. 

والقول الثاني وَهُوَ قول الإمام مالك رحمه الله: أن أهل مَكَّة يقصرون في منى؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج جميعًا ومعهم أهل مَكَّة, يقصر الصلاة وما أمرهم بالإتمام, ما قَالَ: أتموا, وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لما كَانَ في جوف مَكَّة, في غزوة الفتح صلى بهم وقصر والتفت إليهم وَقَالَ: «يا أهل مَكَّة أتموا فإنا قومٌ سفر», لكن في حجة الوداع ما قَالَ هَذَا, قَدْ صلى بالحجاج جميعًا ومنهم أهَلْ مَكَّة, وَهَذَا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في زاد المعاد وجماعة, وَهُوَ قول الإمام مالك رحمه الله أن أهل مَكَّة يقصرون الصلاة؛ لِأَنَّهُ إِمَّا نسك أو قصر, القول بأنه نسك هَذَا واضح ما فِيهِ إشكال, نسك من مناسك الحج, وَعَلَى هَذَا يكون المكي يقصر الصلاة في منى, لكن لو دخل مَكَّة وأدركته الصلاة في مَكَّة يتم أربعًا, هَذَا خاص بمنى. 

وَأَمَّا الجمهور الشافعية والحنابلة والأحناف يَقُولُونَ: إن أهل مَكَّة يتمون في منى؛ لِأَنَّ المسافة قريبة وليست مسافة قصر, والحجاج يقصرون لِأَنَّهُم مسافرون, هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الجمهور. 

ولكن الَّذِي عَلَيْهِ العمل الآن هُوَ مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام ابن القيم أن أهل مَكَّة يقصرون الصلاة. 

(المتن) 

باب في رمي الجمار 

1966 - حدثنا إبراهيم بن مهدي، حدثني علي بن مسهر، عن يزيد بن أبي زياد، أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي، وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه ابن ماجة بنحوه, وَفِي إسناده يزيد بن أبي زياد متكلم فِيهِ, وَفِيهِ أَنَّهُ يرمي الجمرة من بطن الوادي يَعْنِي جمرة العقبة يوم العيد يكبر مع كل حصاة «وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف». 

وَهَذَا ثابت أَنَّهُ رمى من بطن الوادي كما ذكر عبد الله بن مسعود أَنَّهُ رمى من بطن الوادي وَقَالَ: «هَذَا المقام الَّذِي أنزلت عليّ سورة البقرة». 

وَكَذَلِكَ أَيْضًا كونه يكبر مَعَ كُلّ حصاة أَيْضًا ثابت في السنة, وَكَذَلِكَ أَيْضًا الحصى كحصى الخذف, حصى الخذف هِيَ الَّتِي يرمي بها بين أصبعيه, مثل حبة الفول أو بعرة الغنم. 

(المتن) 

1967 - حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد، ووهب بن بيان، قالا: حدثنا عبيدة، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكبًا ورأيت بين أصابعه حجرًا فرمى، ورمى الناس ". 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث فِيهِ أَيْضًا يزيد بن أبي زياد وَهُوَ متكلم فِيهِ. 

(المتن) 

1968 - حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا ابن إدريس، حدثنا يزيد بن أبي زياد، بإسناده في مثل هذا الحديث زاد، ولم يقم عندها. 

(الشرح) 

قوله: (وَلَمْ يقم عندها), يَعْنِي عِنْد جمرة العقبة, يَعْنِي ما وقف عندها, وَفِيهِ أَنَّهُ رمى عَلَى راحلته وَهَذَا اختلف العلماء في هَذَا. 

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ مِنًى رَاكِبًا أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا, وَمَنْ وَصَلَهَا مَاشِيًا أَنْ يَرْمِيَهَا مَاشِيًا, وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ التَّشْرِيقِ يَرْمِي جَمِيعَ الْجَمَرَاتِ مَاشِيًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَاكِبًا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ مَاشِيًا.ذكره الطيبي 

الآن ليس هناك أحد يرمي راكبًا, النَّاس يرمون مشاة نظرا للزحام, ما عدا بعض الخواص الَّذِينَ يرمون من الأسفل من تَحْتَ بالسيارات؛ لِأَنَّهُ صار في أدوار وفي دور أسفل. 

(المتن) 

1969 - حدثنا القعنبي، حدثنا عبد الله يعني ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان «يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك». 

(الشرح) 

الحديث هذا في سنده عبد الله بن حفص العمري فِيهِ مقال وَالْأَمْر في هَذَا واسع, كونه ماشيًا أو راكبًا, والآن ما يتيسر والآن لا يرمي إلا ماشيا وَالْأَمْرِ في هَذَا واسع ماشيًا أو راكبًا. 

(المتن) 

1970 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمعت جابر بن عبد الله، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر يقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه». 

(الشرح) 

قوله: «لا أدري», يَعْنِي «فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه», يَعْنِي في تلك السنة الحاضرة, وَفِيهِ إشارة إِلَى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته عليه الصلاة والسلام, ولهذا سميت حجة الوداع. 

(المتن) 

1971 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه, وَفِيهِ أن يوم العقبة ترمى ضحى, وَأَمَّا أيام التشريق الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر تكون بَعْدَ الزوال. 

قال البيهقي وابن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا, قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَإِنْ صح هَذَا كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ, وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ صَحَّحَهُ الترمذي. 

قال ابن عَبْدِ الْبَرِّ وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. 

عَلَى كُلّ حال المسألة كونه ماشيًا أو راكبًا هَذَا أمر سهل. 

قوله: «ضحى», يَعْنِي قبل الزوال. 

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ الْأَحْسَنُ لِرَمْيِهَا -جمرة العقبة-. 

وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ –رمى ليلة العيد- فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ من نصف الليل وبه قال عطاء وطاووس, وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهُ لَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَمَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَ. 

قال ابن الْمُنْذِرِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْمِيَ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ, وَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَمَنْ رَمَاهَا حِينَئِذٍ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِذْ لَا أَعْلَمُ أن أَحَدًا قَالَ لَا يُجْزِئُهُ. 

وَالْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ لَا رُخْصَةَ لَهُ, وَمَنْ كَانَ لَهُ رُخْصَةٌ كَالنِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الضَّعَفَةِ جَازَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ, وَلَكِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ إِجْمَاعًا. 

الفتوى الآن عَلَى أَنَّهُ في آخر الليل. 

قَالَ: وَاعْلَمْ أَنْ قَدْ قِيلَ إِنَّ الرَّمْيَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ, كَمَا حَكَى ذَلِكَ بَعْضٌ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَلَى حِكَايَةِ الْوُجُوبِ عَنِ الجُمْهُورِ. 

وَقَالَ إِنَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سنة وحكى بن جَرِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّ الرَّمْيَ إِنَّمَا شُرِعَ حِفْظًا لِلتَّكْبِيرِ, فَإِنْ تَرَكَهُ وَكَبَّرَ أَجْزَأَهُ, وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ. 

الصواب أَنَّهُ واجب وَأَمَّا القول أَنَّهُ يكفي التكبير فَلَيْسَ بظاهر. 

(المتن) 

1972 - حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، حدثنا سفيان، عن مسعر، عن وبرة، قال: سألت ابن عمر، متى أرمي الجمار، قال: «إذا رمى إمامك فارم»، فأعدت عليه المسألة، فقال: «كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا». 

(الشرح) 

أخرجه البخاري الحديث فِيهِ أن الصَّحَابَة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يتحينون زوال الشمس, ولو كَانَ هناك رخصة لرخص لهم, ولما سأل وبرة ابن عمر: (متى أرمي الجمار، قال: إذا رمى إمامك فارم)، يَعْنِي لا تتكلف وارم بَعْدَ زوال الشمس إِذَا رمى إمامك. 

(المتن) 

1973 - حدثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعنى قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة، إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى، والثانية فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها». 

(الشرح) 

الحديث في إسناده محمد بن إسحاق وَهُوَ ثقة لكنه مدلس وَقَدْ عنعن, وَفِيهِ أن النَّبِيّ أفاض من آخر يوم حين صلى الظهر, والمعروف في الأحاديث الصحيحة أن النَّبِيّ أفاض قبل الظهر, وصلى بمكة أدركته الصلاة, لعل هَذَا من أوهام محمد بن إسحاق. 

ثُمَّ لَما رجع إليهم وجد أصحابه مجتمعين فصلى بهم هذه الصلاة  له نافلة ولهم فريضة. 

وَأَمَّا كونه مكث بها ليالي التشريق هَذَا جاء في الأحاديث الصحيحة, النَّبِيّ مكث في منى أيام التشريق الثلاثة وَكَانَ يرمي الجمرات إِذَا زالت الشمس, وَكَانَ يرمي كُلّ جمرة بسبع حصيات, هَذَا ثابت في الأحاديث الصحيحة, يكبر مَعَ كُلّ حصاة, ويقف عِنْد الأولى والثانية يَعْنِي يدعو طويلاً. 

والثالثة لا يقف عندها, يَعْنِي في أيام التشريق عند الأولى يقف بمقدار قراءة سورة البقرة, دعاء, وَكَذَلِكَ بَعْدَ الثانية. 

(المتن) 

1974 - حدثنا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، قال: «لما انتهى إلى الجمرة الكبرى، جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات»، وقال: «هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث صحيح أخرجه الشيخان الترمذي والنسائي وابن القيم, وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة جعل البيت عَنْ يساره ومنى عَنْ يمينه وَهَذَا هُوَ السنة, وَأَنَّهُ رمى الجمرات بسبع حصيات. 

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَة بِسَبْعِ حَصَيَات مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر, وَشَكُّ الشَّاكّ لَا يُؤَثِّر فِي جَزْم الجازم. 

قَالَ: وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي ذَلِكَ, فَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُور وُجُوب اِسْتِيفَاء السَّبْع فِي كُلّ رَمْي, وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ رَمْي جَمِيعهنَّ بَعْد أَنْ يُكَبِّر عِنْد كُلّ جَمْرَة سَبْع تَكْبِيرَات أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. 

هَذَا قول يَقُولُ: يكفي لو كبر سبع تكبيرات بدون رمي.  

قَالَ: وَإِنَّمَا جَعَلَ الرَّمْي بِالْحَصَى فِي ذَلِكَ سَبَبًا لِحِفْظِ التَّكْبِيرَات السَّبْع – هَذَا قول مرجوح-. 

وَقَالَ عَطَاء: إِنْ رَمَى بِخَمْسٍ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مُجَاهِد: إِنْ رَمَى بِسِتٍّ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق. 

وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد: إِنْ نَقَصَ حَصَاة أَوْ حَصَاتَيْنِ فَلَا بَأْس.  

وَقَالَ مَرَّة: إِنْ رَمَى بِسِتٍّ نَاسِيًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدهُ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ. 

وَكَانَ عُمَر يَقُول مَا أُبَالِي رَمَيْت بِسِتٍّ أَوْ بِسَبْعٍ, وَقَالَ مَرَّة: لَا يُجْزِيه أَقَلُّ مِنْ سَبْع. 

وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنه وَالْأَثْرَم وَغَيْرهمْ عَنْ بن أبي نجيح سئل طاووس عَنْ رَجُل تَرَكَ حَصَاة قَالَ يُطْعِم لُقْمَة, فَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن: لَمْ تَسْمَع قَوْل سَعْد. قَالَ سَعْد بْن مَالِك: رَجَعْنَا فِي حَجَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا مَنْ يَقُول رَمَيْت بِسِتٍّ وَمِنَّا مَنْ يَقُول رَمَيْت بِسَبْعٍ فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ بَعْضنَا على بعض, هَذَا كلام ابن القيم رحمه الله . 

عَلَى كُلّ حال ينبغي للإنسان أن يحافظ عَلَى سبع حصيات, لكن لو قدر نسي واحدة فالأمر في هَذَا سهل, يتصدق و إِلَّا فالأمر واسع. 

(المتن) 

1975 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، ح وحدثنا ابن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين ويرمون، يوم النفر». 

(الشرح) 

وَفِيهِ أَيْضًا من الخلاف أَنَّهُ إِذَا ترك عَنْ الشافعي أَنَّهُ إِذَا ترك حصاة ففيها مد, إن ترك حصاتين ففيها مدان, وفي ثلاثة أو أكثر دم. 

وَعَنْ الحنفيين إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع, كُلّ هَذَا اجتهاد من العلماء. 

ونسيان الواحد أو الاثنتين لا تؤثر, لكن إن ترك الجمار فالجمهور عَلَى أَنَّهُ لو ترك جمرة واحدة من الجمرات فَإِن عَلَيْهِ دمًا عِنْد جمهور العلماء. 

وَهَذَا الحديث حديث عاصم عَنْ أبيه أَنَّهُ رخص لرعاية الإبل في البيتوتة, هَذَا معروف, رخص لرعاة الإبل والسقاة يرمون يوم ثُمَّ يرمون الجمرات, واختلف في المعنى أَنَّهُمْ يرمون يوم العيد ثُمَّ يذهبون في اليوم الحادي عشر ويرجع في اليوم الثاني عشر يرمون ليومين, يرمون عَنْ الحادي عشر وَعَنْ الثالث عشر. 

وَأَمَّا فهم بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ يرمون في اليوم الحادي عشر ويقدمون الثاني عشر فهذا ليس بظاهر؛ لِأَنَّ العبادة لا تقدم عَنْ وقتها, الأقرب أَنَّهُمْ يرمون جمرة العقبة ثُمَّ يذهبون لرعاية الإبل, ولا يأتون اليوم الحادي عشر ثُمَّ اليوم الثاني عشر يأتون ويرمون لليومين هَذَا هُوَ الأقرب, أَنَّهُمْ يجمعون رمي يومين بَعْدَ يوم النحر, فيرمون في أحدهما, إِمَّا في اليوم الأول أو اليوم الثاني والأقرب أَنَّهُ في اليوم الثاني. 

(المتن) 

1976 - حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن عبد الله، ومحمد ابني أبي بكر، عن أبيهما، عن أبي البداح بن عدي، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «رخص للرعاء أن يرموا يومًا، ويدعوا يومًا». 

(الشرح) 

يرمون يوم النحر ثُمَّ يوم الثاني عشر يدعونه ثُمَّ يوم الثالث عشر يرمون عَنْ اليومين. 

(المتن) 

1977 - حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا مجلز، يقول: سألت ابن عباس: عن شيء من أمر الجمار، قال: «ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وَهَذَا الشك يَعْنِي لا يؤخذ به, الصواب أن النَّبِيّ رماها بسبع, وَهَذَا ثابت في الأحاديث الصحيحة. 

(المتن) 

1978 - حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحجاج، عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء»، قال أبو داود: هذا حديث ضعيف الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه. 

(الشرح) 

كما قَالَ أبو داود الحديث ضعيف هَذَا الحجاج بن أرطأة لَمْ ير الزهري وَلَمْ يسمع منه فَهُوَ منقطع, وَأَيْضًا الحجاج بن أرطأة في نفسه ضعيف, فالقول: بأنه إِذَا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل ضعيف, والصواب: أَنَّهُ لَابُدَّ أن يحلق, يرمي ويحلق ثُمَّ يتحلل, ولا يكتفي برمي جمرة العقبة, هَذَا هُوَ الصواب, وَأَمَّا هَذَا الحديث فَهُوَ حديث ضعيف. 

وَإِذَا كَانَ النَّبِيّ رخص للسقاة والرعاة من أجل الإبل فمن باب أولى أن يرخص للمريض للعلاج, إذا كَانَ يحافظ عَلَى الإبل فالمحافظة عَلَى نفس الآدمي أولى وأولى. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد