شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_19

00:00
00:00
تحميل
72

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ 

1995 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا داود بن عبد الرحمن، حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن يوسف بن ماهك، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن: «يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة». 

 (الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟) يَعْنِي إِذَا أحرمت المرأة وأهلت بالعمرة ثُمَّ حاضت فجاء الحج وَهِيَ عَلَى حالها ماذا تفعل؟ هَلْ تنقض عمرتها وتهل بالحج ثُمَّ تقضي عمرتها بَعْدَ ذَلِكَ؟ والصواب كما دلت عَلَيْهِ النصوص الَّتِي يذكرها المؤلف أَنَّهَا تدخل الحج عَلَى العمرة فتكون قارنة, فتبقى لها عمرتها, ولا تنقض, ما تنقص العمرة العمرة باقية, فتبقى تدخل الحج عَلَى العمرة فتبقى قارنة, تكون قارنة, ولا تقضيها؛ لأنها ثابتة. 

وَإِذَا اعتمرت بَعْدَ ذَلِكَ تكون عمرة أخرى؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعائشة لما أحرمت للعمرة, قَالَ: «يسعك طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة لعمرتك وحجك», دل عَلَى أَنَّهَا بقي لها الحج والعمرة. 

ذكر المؤلف رحمه الله حديث حفصة بنت عبد الرحمن أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يردف أخته عائشة ويعمرها من التنعيم, وَهَذِهِ عمرة ثانية, وَأَمَّا العمرة الأولى الَّتِي أدخلت الحج عليها فَهِيَ عمرة أدخلت عليها الحج وَهَذِهِ عمرة مستقلة عمرة ثانية, والحديث صحيح رواه الشيخان ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث عمرو بن الأوس عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لكن بدون آخره «فإنها عمرة متقبلة». 

 (باب المهلة بالعمرة تحيض), يَعْنِي قبل إتمام أفعال العمرة (فيدركها الحج) هَلْ تقضي عمرتها؟ يَعْنِي الَّتِي أحرمت قبل إدراك الحج. 

ويفهم من ترجمة المؤلف أن عائشة كانت قَدْ رفضت العمرة, قَالَ: (هَلْ تنقض عمرتها؟), لأجل عذر الحيض وأن العمرة الَّتِي أهلت بها من التنعيم قضى عنها لأداء عمرة أخرى, الَّتِي أهلت بها من التنعيم قضى عنها والصواب أَنَّهَا عمرتها باقية وَأَنَّهَا أدخلت الحج عَلَى العمرة. 

لِأَنَّ العمرة لا ترفض ولا يصح رفضها ولا تركها؛ لِأَنَّ من أحرم بحج أو عمرة فَإِنَّهُ لَابُدَّ أن يكمل, ولهذا قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك», فدل عَلَى أَنَّهَا بقيت عمرتها وأن الطواف بالبيت يكفيها عن الحج والعمرة فصارت قارنة. 

وفي لفظ أَنَّهُ قَالَ: «حلت منهما جميعًا», يَعْنِي من الحج والعمرة. 

وَأَمَّا قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث: «ارفضي عمرتك وانقضي شعرك وامتشطي», وفي اللفظ الآخر: «دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي», وفي لفظ: «أهلي بالحج ودعي العمرة». فالمراد هنا رفض أعمالها رفض أعمال العمرة, ترك أعمال العمرة بأن تدخل الحج عليها وتكون قارنة. 

معنى «ارفض عمرتك», يَعْنِي ارفضي أعمالها واتركي أعمالها والاقتصار عليها وكوني في حجة معها, وَهَذَا يتعين التأويل؛ لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك», وَهَذَا صريح في أن إحرام العمرة لَمْ ترفضه وَإِنَّمَا رفضت أعمالها, والاقتصار عليها, وَأَنَّهَا بقضاء حجها انقضى حجها وعمرتها. 

ثُمَّ أعمرها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من التنعيم عمرة أخرى تطيبًا لقلبها؛ حَتَّى تَأْتِيَ بعمرة مستقلة كصواحباتها, وَهَذَا واضح من الأحاديث. 

«فإذا هبطت بها من الأكمة», الأكمة هُوَ المرتفع قِيلَ: الشرفة كالرابية وَهُوَ ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد, يجمع الأكمة عَلَى أكم وأكمات, مثل قصبة وقصب وقصبات, ويجمع الأكم عَلَى آكام من الجبل والجبال, ويجمع الآكام عَلَى أُكم, مثل كتاب وكتب. 

(المتن) 

1996 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم، حدثني أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد، عن محرش الكعبي، قال: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم أحرم، ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة فأصبح بمكة كبائت». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الترمذي والنسائي عَنْ عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد بفتح الهمزة, عَنْ محرش الكعبي هَذَا صحابي, ليس له سوى هَذَا الحديث عِنْد أبي داود. 

قوله: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم أحرم، ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة فأصبح بمكة كبائت». 

ظاهر هَذَا أَنَّهُ كَانَ بمكة إِلَّا أَنَّهُ جاء الجعرانة ليلاً, ثُمَّ رجع إِلَى مَكَّة, فأصبح بها بحيث ما علم بخروجه منها أحد, هَذَا خلاف المشهور, المشهور أن أَنَّهُ كَانَ بالجعرانة فأصبح فِيهَا كبائت, الظاهر أن فِيهِ تقديما وتأخيرا من بعض الرواة. 

ورواية النسائي والترمذي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلاً, فدخل مَكَّة ليلاً, فقضى عمرته ثُمَّ خرج من ليلته فأصبح في الجعرانة كبائت, فَلَمَّا زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف, فَهُوَ خرج من الجعرانة في الليل ثُمَّ دخل مَكَّة في الليل وقضى عمرته ثُمَّ خرج من ليلته فأصبح في الجعرانة, فَلَمَّا زالت الشمس من الغد خرجت في بطن سرف حَتَّى جامَعَ الطريق, ومن أجل هَذَا خفيت هَذِهِ العمرة عَلَى بعض النَّاس, ما علموا بها؛ لِأَنَّهُ اعتمر ليلاً, دخل ليلاً وخرج ليلاً. 

وفي رواية الإمام أحمد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا, ثُمَّ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ, فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَخَذَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ الطَّرِيقَ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ.  

وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلًا مِنَ الْجِعْرَانَةِ حِينَ أَمْسَى مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ؛ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ الطَّرِيقَ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ بِسَرِفَ. 

فهذه العمرة هِيَ العمرة الثالثة من عمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, في السنة الثامنة من الهجرة, بَعْدَ غزوة حنين, العمرة الأولى عمرة الحديبية في السنة السادسة والثانية عمرة القضاء في السنة السابعة, وَهَذِهِ الثالثة عمرة الجعرانة في السنة الثامنة, ثُمَّ الرابعة الَّتِي معه حجته عليه الصلاة والسلام. 

كَانَ بالجعرانة ثُمَّ دخل فاعتمر في ليلته ثُمَّ خرج وبات بالجعرانة ثُمَّ في الصباح,, هَذَا الحديث كأن فِيهِ تقديما وتأخيرا. 

(المتن) 

باب المقام في العمرة 

1997 - حدثنا داود بن رشيد، حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقام في عمرة القضاء ثلاثًا». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث ذكر البخاري نحوه تعليقًا وأخرج الشيخان معناه من حديث طويل, والحديث فِيهِ محمد بن إسحاق مدلس وَقَدْ عنعن, وَهَذَا معروف مشهور عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لما اعتمر عمرة القضاء في السنة السابعة قضى ثلاثة أيام, وجاء في الحديث أن المهاجر يقيم ثلاثًا ولا يزيد عَلَى ثلاثة أيام. 

ولما أقام النَّبِيّ في اليوم الثالث جاءت قريش إِلَى علي وقالت: قل لصاحبك أن يخرج من عندنا مرت الثلاث أو كذا, يعنون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. 

وقوله: (باب المقام في العمرة), يَعْنِي المقام بمكة بَعْدَ أداء العمرة, قَالَ ابن القيم رحمه الله: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ سِوَى المرة الأولى, فإنه وصل إلى الحدييبة وَصُدَّ عَنِ الدُّخُولِ إِلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا –هَذَا في السنة السابعة كما في هَذَا الحديث- ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَهَا الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ, ثُمَّ دَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ مِنَ الْجِعْرَانَةِ. 

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ تَعْلِيقًا. 

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثَلَاثًا. 

هَذَا ثابت وإن كَانَ الحديث هَذَا فِيهِ عنعنة ابن إسحاق, وَهَذَا هُوَ الاتفاق الَّذِي بينه وبين قريش أَنَّهُ يقيم ثلاثًا, وَكَذَلِكَ جاء في الحديث أن المهاجر يقيم ثلاثًا بَعْدَ العمرة أيْ لا يزيد؛ لأنها هاجر منها وتركها لله فلا يمكث فِيهَا. 

(المتن) 

باب الإفاضة في الحج 

1998 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم «أفاض يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى يعني راجعًا». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي, وَفِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثُمَّ صلى الظهر بمنى راجعًا, وَكَذَلِكَ أَيْضًا جاء في حديث جابر الطويل أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أفاض ضحى, والمراد بالإفاضة هنا أيْ طواف الإفاضة, ويسمى طواف الزيارة, ويسمى طواف الصدر, هُوَ المأمور به في قول الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج/29]. 

أفاض يوم النحر يَعْنِي طاف بالبيت, ثُمَّ صلى الظهر بمنى يَعْنِي راجعًا, وفي حديث عائشة أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة, ثُمَّ رجع إِلَى منى اختلف العلماء في هَذَا. 

في حديث جابر أَنَّهُ طاف بالبيت طواف الإفاضة يوم النحر ثُمَّ أدركته الصلاة فصلى الظهر بمكة, وفي حديث عائشة أَنَّهُ صلى الظهر بمنى, اختلف العلماء في الجمع بينهما, منهم من توقف في صحة الحديثين. 

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ, وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ, رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ. 

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ, فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وَفَعَلَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ, فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَتَى بِهِ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. 

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِذَا تَطَاوَلَ لَزِمَهُ مَعَهُ دَمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 

الجمهور عَلَى أَنَّهُ إِذَا أخره عَنْ أيام التشريق ليس عَلَيْهِ شَيْء, وَعِنْد أبي حنيفة ومالك أَنَّهُ يلزمه دم, والصواب أَنَّهُ لا يلزمه دم, لكن الأفضل ألا يؤخر عَنْ أيام التشريق. 

والأقرب في هَذَا والله أعلم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف طواف الإفاضة بمكة ثُمَّ أدركته صلاة الظهر فصلى الظهر؛ لِأَنَّ الأعمال أعمال يوم النحر ضحى عَلَى ناقته ثُمَّ ذبح الهدي ثلاثا وستين وذبح علي ما بقي وأُخذ له من كُلّ بضعة قطعة وطبخ وأكل من لحمها وشرب من مرقها, هَذَا يحتاج إِلَى أوقات, ثُمَّ حلق رأسه ووزع شعره, ثُمَّ ركب ناقته وطاف بالبيت, يستغرق الوقت هَذَا, نحر الإبل والطبخ, ثُمَّ ركب ناقته وطاف طواف الإفاضة فأدركته صلاة الظهر, فصلى الظهر, ثُمَّ رجع إِلَى منى فوجد أصحابه مجتمعين فصلى بهم تلك الصلاة, له نافلة ولهم فريضة. 

هَذَا هُوَ الأقرب للجمع بينهم ويكون هَذَا فِيهِ دليل عَلَى جواز أو عَلَى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل. 

وابن القيم رحمه الله ذكر كلاما في هَذَا كأنه يرجح أَنَّهُ صلى الظهر بمنى. 

(المتن) 

1999 - حدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين المعنى واحد قالا: حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، يحدثانه جميعا ذاك عنها، قالت: كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر فصار إلي ودخل علي وهب بن زمعة ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب: «هل أفضت أبا عبد الله؟» قال: لا والله، يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «انزع عنك القميص» قال: فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟ قال: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا» - يعني من كل ما حرمتم منه إلا النساء -، «فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به». 

(الشرح) 

هَذَا الحدث فِيهِ أن وهب بن زمعة وصاحبه كانا قَدْ أحلا ولبس ثيابهما, رميا وحلقا وأحلا ولبس ثيابهما, فجاء في المساء ودخل وهب وصاحبه عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم متقمصين يَعْنِي لابسي القميص, كُلّ واحد لابس القميص قَدْ تحلل خلع لباس الإحرام فسألهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «هل أفضت أبا عبد الله؟», يَعْنِي هَلْ طفت طواف الإفاضة؟ «قال: لا والله، يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: انزع عنك القميص», والبس ملابس الإحرام «قال: فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟ قال: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه إلا النساء - فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به». 

هَذَا الحديث فِيهِ كلام لأهل العلم قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله: هذا الحديث يرويه بن إِسْحَاق عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمّه زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة يُحَدِّثَانِهِ عَنْ أُمّ سَلَمَة وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَحَدَّثَتْنِي أُمّ قَيْس بِنْت مِحْصَن وَكَانَتْ جَارَة لَهُمْ قَالَتْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي عُكَّاشَة بْن مِحْصَن فِي نَفَر مِنْ بَنِي أَسَد مُتَقَمِّصًا عَشِيَّة يَوْم النَّحْر –يَعْنِي لابسي القميص- ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيَّ عِشَاء وَقُمُصُهُمْ عَلَى أَيْدِيهمْ يَحْمِلُونَهَا, فَقُلْت: أَيْ عكاشة مَا لَكُمْ خَرَجْتُمْ مُتَقَمِّصِينَ ثُمَّ رَجَعْتُمْ وَقُمُصُكُمْ عَلَى أَيْدِيكُمْ تَحْمِلُونَهَا؟ فَقَالَ أَخْبَرَتْنَا أُمّ قَيْس كَانَ هَذَا يَوْمًا رَخَّصَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا إِذَا نَحْنُ رَمَيْنَا الْجَمْرَة, حَلَلْنَا مِنْ كُلّ مَا أَحْرَمْنَا مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسَاء؛ حَتَّى تَطُوف بِالْبَيْتِ فَإِذَا أَمْسَيْنَا وَلَمْ نَطُفْ جَعَلْنَا قُمُصَنَا عَلَى أَيْدِينَا, وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث مَحْفُوظ فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَة رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمّه وَعَنْ أم قيس. 

وَقَدْ اِسْتَشْكَلَهُ النَّاس قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا حُكْم لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاء يَقُول بِهِ, وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يطف بالبيت يعود محرمًا. 

وَكَذَلِكَ قَالَ غيره وَأَنَّهُ لَمْ يعمل به يَعْنِي أحد من أهل العلم كما قَالَ البيهقي, وَمِمَّا يَدُلَّ عَلَى هَذَا حديث عائشة رضي الله عنها, «كُنْتُ أُطَيِّبُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يحرم ولحله قبل أن يَطُوفَ بِالْبَيْتِ». 

قوله: «ولحله», هَذَا دليل عَلَى أَنَّهُ تحلل, وَأَمَّا كونه يعود حرمًا كما كَانَ هَذَا ليس محفوظا. 

هناك أَيْضًا يروى حديث جابر قَالَ: «كنت عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد فقد شق قميصه من جيبه حَتَّى أخرجه من رجليه فنظر القوم إليه, فقال: إني أمرت ببدني الَّتِي بعثتها بها أن تقلد اليوم وتشهر فلبست قميصي ونسيت, فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي». 

قَالَ: هَذَا الحديث أخرجه الطحاوي وَفِيهِ عبد الرحمن بن عطاء وَهُوَ ضعيف لا يحتج به فيما انفرد به, فكيف إِذَا خالفه من هُوَ أثبت منه؟!. 

المقصود أن هَذَا الحديث فِيهِ كلام لأهل العلم, والأقرب أن الحديث لا يصح وَأَنَّهُ شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة, كحديث عائشة رضي الله عنها وغيرها, الأحاديث الصحيحة كلها تدل عَلَى أن الحاج إِذَا رمى جمر العقبة وحلق فَإِنَّهُ يتحلل ولا يعد محرمًا كما كَانَ, وَهَذَا هُوَ الَّذِي أطبق عَلَيْهِ العلماء وقرره العلماء, فيكون هَذَا الحديث شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة ولأحاديث عائشة في الصحيح«كُنْتُ أُطَيِّبُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يحرم ولحله قبل أن يَطُوفَ بِالْبَيْتِ». 

قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر هَذَا قَالَ: إن له أصلا, أخذ به من المتأخرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يطف بالبيت فَإِنَّهُ يعود محرمًا, وَقَالَ البيهقي: لا أعلم أحدا قَالَ به, وَكَذَلِكَ قَالَ غيره من أهل العلم. 

والفقهاء والأئمة الأربعة كلهم يقررون أن التحلل يحصل باثنين من ثلاثة, إِذَا رمى وحلق وطاف وَأَنَّهُ لا يعود حرمًا, وأن الْأَمْرِ واسع في الطواف, يبقى متحللاً ولو أخر الطواف إِلَى اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع. 

ولهذا قَالَ ابن معين رحمه الله: هَذَا الحديث وهم,في الحديث الَّذِي بَعْدَ هَذَا الحديث الَّذِي فِيهِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طاف من آخر اليوم. 

(المتن) 

2000 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن عائشة، وابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «أخر طواف يوم النحر إلى الليل». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والحديث ضعيف, في سنده أبو الزبير وَهُوَ مدلس وَقَدْ عنعن, قوله: «أخر طواف يوم النحر إلى الليل», وهم وغلط وَهُوَ خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ طاف نهارًا, وَهَذَا أمر لا يرتاب فِيهِ أهل العلم. 

قَالَ ابن القيم: لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَهْم فَإِنَّ الْمَعْلُوم مِنْ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا طَافَ طَوَاف الْإِفَاضَة نَهَارًا بَعْد الزَّوَال, كَمَا قَالَهُ جَابِر وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعَائِشَة, وَهَذَا أَمْر لَا يَرْتَاب فِيهِ أَهْل الْعِلْم وَالْحَدِيث. 

وثبت في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض حين صلى الظهر, وفي حديث جابر أنه أفاض ضحى فأدركته الصلاة فصلى الظهر بمكة, وهذا كله يدل على ضعف هذا الحديث وعدم صحته, ثم الحديث سنده ضعيف ومتنه منكر شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة, الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف بالبيت نهارًا لا ليلاً. 

(المتن) 

2001 - حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، حدثني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة «لَمْ يرمل», يَعْنِي السبعة الأشواط الَّتِي طاف فِيهَا طواف الإفاضة ما رمل, وَإِنَّمَا رمل في طواف القدوم والرمل هُوَ الإسراع في المشي مَعَ مقاربة الخطى. 

(المتن) 

باب الوداع 

2002 - حدثنا نصر بن علي، حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والحديث فِيهِ دليل عَلَى وجوب طواف الوداع, وأن طواف الوداع واجب, وَهَذَا هُوَ الَّذِي قرره جمهور العلماء, قوله: «لا ينفرن أحد», يَعْنِي النفر الأول والثاني, أو لا يخرجن أحد من مَكَّة, والمراد بذلك الآفاقي, أَمَّا أهل مَكَّة فَإِنَّهُمْ ليس عَلَيْهِمْ طواف وداع؛ إِلَّا من حج وأراد الخروج فَإِنَّهُ متى ما أراد الخروج يطوف للوداع. 

وخالف في ذَلِكَ الإمام مالك فلم ير وجوب طواف الوداع, والجمهور عَلَى أن طواف الوداع واجب. 

طواف الوداع كُلّ من أراد الخروج سواء من مَكَّة أو غيرها لمن حج من أهل مَكَّة ثُمَّ أراد الخروج, فلابد أن يطوف للوداع ولو بَعْدَ سنة أو سنتين, إِذَا أراد الخروج طاف للوداع, وما دام هُوَ باقٍ في مَكَّة فَلَيْسَ عَلَيْهِ طواف وداع, وَكَذَلِكَ الحاج لو أقام بمكة ما عَلَيْهِ طواف الوداع؛ حَتَّى ينوي السفر. 

(المتن) 

باب الحائض تخرج بعد الإفاضة 

2003 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي، فقيل: إنها قد حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلها حابستنا»، قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت، فقال: «فلا إذًا». 

(الشرح) 

يَعْنِي الحائض تخرج بَعْدَ الإفاضة والمعنى أَنَّهُ يسقط عنها طواف الوداع, إِذَا طوافت طواف الإفاضة ثُمَّ حاضت فَإِنَّهُ يسقط عنها طواف الوداع, كما يَدُلَّ عَلَيْهِ الحديث, والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي, والحديث فِيهِ دليل على أَنَّهُ ليس عَلَى الحائض الَّتِي طافت طواف الإفاضة طواف الوداع, وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عامة الفقهاء والأمصار. 

ويروى عَنْ بعض الصَّحَابَة أَنَّهُمْ أمروها بالمقام لطواف الوداع, ورجع عنه بَعْضُهُمْ, كما سيأتي في الحديث الَّذِي بَعْدَ هَذَا وأن عمر رضي الله عنه يرى أَنَّهَا تبقى, أن الحائض تبقى حَتَّى تطوف للوداع, ولكن هَذَا خلاف لهذا الحديث, هَذَا الحديث فِيهِ أن صفية لما حاضت, قَالَ: «أحابستنا أهي», قَالُوا: يا رسول الله إنا أفاضت, فقال: «فلا إذًا», فدل عَلَى أَنَّهَا إِذَا لَمْ تطف طواف الإفاضة تحبس وليها, وَإِذَا طافت طواف الإفاضة فلا تحبس وليها, بَلْ يسقط عنها طواف الوداع. 

وصفة هِيَ زوجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إحدى أمهات الْمُؤْمِنِينَ, ومن بني إسرائيل سبط هارون أخي موسى عَلَيْهِ السلام. 

قوله: «فلا إذًا», جواب أيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنَّهَا فاضت فلا يمنعها هَذَا من الخروج.: 

وفي لفظ الشيخين قلت: يا رسول اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ قَالَ فَلْتَنْفِرْ إِذَنْ, أَيْ فَلَا حَبْسَ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَلَا مَانِعَ مِنَ التَّوَجُّهِ وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا قَدْ فَعَلَتْهُ. 

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ اخْرُجِي وَفِي رِوَايَةٍ فَلْتَنْفِرْ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الرَّحِيلُ مِنْ منى إلى جهة المدينة. 

قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ الَّتِي طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ طَوَافُ الْوَدَاعِ. 

وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِالْمَقَامِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ, كَأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهُ عَلَيْهَا كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ, إِذْ لَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا. 

قَالَ وقد ثبت رجوع ابن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ وَبَقِيَ عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة. 

وروى ابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَ الصَّحَابَةُ يَقُولُونَ إِذَا أَفَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَقَدْ فَرَغَتْ إِلَّا عُمَرَ. 

فإذًا عامة الفقهاء على أنه يسقط عنها, عمر رضي الله عنه يرى هَذَا, لكن الحديث مقدم, عمر يرى أَنَّهَا تبقى, وابن عمر وزيد رجعوا عَنْ قولهم كما في الحديث الَّذِي بَعْدَ هَذَا. 

(المتن) 

2004 - حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا أبو عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن الحارث بن عبد الله بن أوس، قال: أتيت عمر بن الخطاب، فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر، ثم تحيض، قال: «ليكن آخر عهدها بالبيت» قال: فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال عمر: أربت عن يديك سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكي ما أخالف. 

(الشرح) 

وَهَذَا دليل عَلَى أن عمر رضي الله عنه بقي عَلَى هَذَا والصواب كما سبق أَنَّهُ يسقط عنها طواف الوداع. 

قوله: (أربت عن يديك), يَعْنِي سقطت من أجل مكروه يصيب يديك من قطع أو وجع, أو سقطت بسبب يديك أيْ من جنايتهما, قِيلَ: هِيَ كناية عَنْ الخجالة, والأظهر أَنَّهُ دعاء عَلَيْهِ, لكن ليس المقصود حقيقته, وَإِنَّمَا المقصود نسبة الخطأ إليه. 

استدل الطحاوي بحديث عائشة عَلَى نسخ حديث عمر في حَقّ الحائض, حديث عائشة السابق في أَنَّهَا يسقط عنها طواف الوداع, استدل الطحاوي بحديث عائشة عَلَى أن الحديث حديث ابن عمر منسوخ, وَكَذَلِكَ استدل عَلَى نسخه بحديث أم سليم, عِنْد أبي داود قالت: «حضت بَعْدَمَا طفت بالبيت فأمرني رسول الله أن أنفر, وحاضت صفية فقالت لها عائشة: حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر», رواه سعيد بن منصور في كتابه المناسك. 

ويؤيد ذلك ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر قال: «من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض فرخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

وعند الشيخين من حديث ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض». 

وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تستر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة. 

وهذا الحديث أخرجه النسائي وفيه دليل على أن عمر رضي الله عنه يرى أنها تبقى ولكن الأحاديث كما سبق مقدمة على قول عمر رضي الله عنه. 

فإن قيل: قد تحيض المرأة قبل أن تطوف طواف الإفاضة؟ هذه تحبس وليها, إِذَا استطاعت أن تجلس تجلس, وإن لَمْ تستطع تخرج مَعَ وليها وتعود إِذَا كانت قريبة. 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد