شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من سنن أبي داود_20

00:00
00:00
تحميل
53

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب الإقامة بمكة 

2022 - حدثنا القعنبي،قال حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي، عن عبد الرحمن بن حميد، أنه سمع عمر بن عبد العزيز، يسأل السائب بن يزيد، هل سمعت في الإقامة بمكة شيئا قال: أخبرني ابن الحضرمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجر إقامة بعد الصدر ثلاثًا». 

 

وفي نسخة: «ثلاثًا في الكعبة», يَعْنِي في مَكَّة, قَالَ: (باب الإقامة بمكة), يَعْنِي بَعْدَ قضاء النسك, وَبَعْدَ قضاء الحج أو العمرة, وَهَذَا بالنسبة للمهاجر الَّذِي هاجر من مَكَّة إِلَى المدينة ثُمَّ اعتمر أو حج, فهل له أن يقيم بمكة أو لا يقيم؟ ذكر فِيهِ حديث السائب بن يزيد في سؤال عمر بن عبد العزيز له, قَالَ: «هل سمعت في الإقامة بمكة شيئا قال: أخبرني ابن الحضرمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجرين: إقامة بعد الصدر ثلاثًا». 

 والمراد أن له مكث هَذِهِ المدة لقضاء حوائجه, فالمهاجرون الَّذِينَ هاجروا من مَكَّة إِلَى المدينة, تركوا مَكَّة لله, فَإِذَا حجوا أو اعتمروا فلا يقيمون أكثر من ثلاثة أيام؛ لِأَنَّهُم تركوها لله, يمكث هَذِهِ المدة لقضاء حوائجه, وليس له أن يزيد؛ لِأَنَّها بلدة تركها لله, فلا يقيم فِيهَا أكثر من هَذِهِ المدة؛ لِأَنَّهُ يشبه العود إِلَى ما تركه لله تعالى. 

وفي لفظ لمسلمِ: «يقيم المهاجر بمكة بَعْدَ قضاء نسكه ثلاثًا», هَذَا أوضح, توضح هَذَا رواية مسلم «يقيم المهاجر بمكة بَعْدَ قضاء نسكه ثلاثًا». 

وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يريد بالصدر وقف صدر النَّاس, وقت يَعْنِي انتهاء النَّاس من المناسك بصدورهم من منى بَعْدَ تمام نسكهم, فيقيمه بعدهم لحوائجه ثلاثة أيام. 

وَهَذَا الحديث احتج به من منع المهاجرين بَعْدَ الفتح وَهَذَا معلوم أن وجوه الهجرة كانت واجبة بعد لما أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة, وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المهاجرين أن يهاجروا وأن يسكنوا المدينة لنصرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, ومواساتهم له  بأنفسهم وإعزازهم دينهم, كَانَ واجبًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لما فتحت مَكَّة صارت الهجرة ليست واجبة, صار من آمن بَعْدَ ذَلِكَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الهجرة؛ لِأَنَّ مَكَّة صارت بلد إسلام, فلا بأس أن يسكن في بلده مَكَّة أو غيرها. 

(المتن) 

باب الصلاة في الكعبة 

2023 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة الحجبي، وبلال، فأغلقها عليه فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر، فسألت بلالًا، حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى». 

2024 - حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي،قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، بهذا الحديث لم يذكر السواري قال: ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع. 

2025 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة،قال حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث القعنبي، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى؟. 

(الشرح) 

(باب الصلاة في الكعبة), يَعْنِي إِذَا دخل الكعبة هَلْ يصلي فِيهَا وَهَلْ يستحب بالصلاة فِيهَا؟ ذكر فِيهِ حديث ابن عمر أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هُوَ وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي, الحجبي منسوب إِلَى حجابة الكعبة وَهُوَ ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها, كانت لهم الحجابة, عثمان بن طلحة. 

فدخل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي صاحب ولاية الكعبة وبلال, أربعة, دخلوا فأغلقها عَلَيْهِمْ؛ يعني حَتَّى لا يتزاحم النَّاس,لخوف الزحام وألا يجتمع النَّاس ويدخلوا ويزدحموا فينالهم الضرر, ولهذا أغلق الباب عَلَيْهِمْ, فمكث فِيهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عبد الله بن عمر: (سألت بلالًا، حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم), كَانَ ابن عمر يود أن يدخل ما دخل, وَهُوَ واقف عِنْد الباب, فَلَمَّا خرج بلال سأله, فقال: ماذا فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ؟ «فقال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه،ثم صلي» وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى. 

وَكَانَ البيت يومئذ عَلَى ستة أعمدة, ستة أعمدة وَهُوَ صلى في الصف الأول, ثلاثة أعمدة من خلفه الصف الثاني, وثلاثة أعمدة من أمامه جعل عمودًا عَنْ يساره وعمودين عَنْ يمينه وصلى, وبينه وبين الجدار الغربي مقدار ثلاثة أذرع كما سيأتي في الحديث الآخر. 

فهذا أفاده بلال لعبد الله بن عمر لما سأله, كَانَ عبد الله بن عمر حريص واقف بالباب, فَلَمَّا خرج بلال سأله فأخربه بِهَذَا, قال صلي النبي في هَذَا المكان. 

وفي الرواية الَّتِي بَعْدَ هَذَا قَالَ عبد الرحمن بن مهدي عَنْ مالك قال«لم يذكر السواري قال: ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع», هنا أفاد أن بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع, والرواية الأولى فِيهِ أنه في هذا المكان وَأَنَّهُ بين السواري, جعل عمودين عَنْ يمينه وعمود عَنْ يساره وثلاثة خلفه, وبينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع, وأخذ العلماء من هَذَا أن السترة مقدار ثلاثة أذرع, وَأَنَّهُ إِذَا مر ما بينه وبين  أكثر من ثلاثة أذرع فلا يضر. 

وَهَلْ يصلى في الكعبة النافلة والفريضة؟ذكر اختلف العلماء في هَذَا الإمام مالك قَالَ: لا تصح فِيهَا صلاة الفريضة, وَإِنَّمَا تصح فِيهَا صلاة النفل,الفريضة لا تصلى فيها وَكَذَلِكَ الوتر ركعتي الفجر, وَإِنَّمَا تصلى فِيهَا صلاة النافلة ووافق جمع من أهل العلم وَقَالُوا: لِأَنَّهُ ذكروا العلة في هذا لَمْ يستقبل الكعبة كلها, وَإِنَّمَا استقبل جزءًا منها في داخلها. 

والقول الثاني هُوَ الَّذِي نسب للجمهور والشافعي وأبي حنيفة وأحمد أَنَّهُ يصح فيها صلاة النافلة والفرض, وَهَذَا هُوَ الصواب, وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لا يصلى فِيهَا, بعض أهل الظاهر ومحمد بن جرير قَالَ: لا يصلى فِيهَا صلاة أبدًا لا فريضة ولا نافلة, وَهَذَا محمول عَلَى أَنَّهُمْ ما بلغهم الحديث. 

وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ بِلَالٍ وَإِذَا صَحَّتِ النَّافِلَةُ صَحَّتِ الْفَرِيضَةُ. 

قوله: (والسواري), والسواري جمع سارية وهي العمود. 

فإن قيل: قوله الشيخ وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع يقصد الجدار؟ نعم, يقصد الجدار الغربي؛ لأن الباب باب الكعبة الشرقي, دخل من الشرق وصلى إلى جهة الغرب, ما صلى إلى جهة الباب, بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع. 

(المتن) 

2026 - حدثنا زهير بن حرب،قال حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة؟ قال: «صلى ركعتين». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث فِيهِ يزيد بن أبي زياد وَهُوَ ضعيف, فِيهِ مقال, وهنا ابن عمر قَالَ: نسيت أن أسأل بلال كم صلى, وهنا في حديث عبد الرحمن بن صفوان أَنَّهُ صلى فِيهِ ركعتين, لكن الحديث ضعيف, فلا يعتمد عَلَيْهِ.في أنه لم يصلي إلا ركعتين  

(المتن) 

2027 - حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج،قال حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، قال: فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاتلهم الله والله، لقد علموا ما استقسما بها قط»، قال: ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه، ثم خرج ولم يصل فِيهِ. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث صحيح أخرجه البخاري وَقَدْ أخرج مسلم في الصحيح أن ابن عباس رواه عَنْ أسامة, فرجع الحديث إِلَى أسامة بن زيد؛ لِأَنَّ أسامة قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم دعا فينا في نواحي البيت وَلَمْ يصل وسيأتي أَيْضًا, والعلماء قدموا حديث بلال عَلَى حديث أسامة؛ لِأَنَّ بلال مثبت معه زيادة علم, وأسامة نافي, والقاعدة أن من أثبت يقدم عَلَى النافي معه زيادة علم, أسامة خفي عَلَيْهِ هَذَا. 

ولعل سببه أَنَّهُمْ لما دخلوا وأسامة معهم وبلال كلهم في الكعبة أسامة قَالَ: لَمْ يصل, وبلال قَالَ صلى, فيقدم قول بلال؛ لِأَنَّهُ معه زيادة علم فوجب ترجيحه. 

والمراد بالصلاة الصلاة المعهود ذات الركود والسجود, ولهذا قَالَ ابن عمر: نسيت أن أسأله كم صلى, فنفي أسامة كأنه لما دخلوا الباب وأغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء رأى أسامة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يدعو ثُمَّ اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الناحية الأخرى وبلال قريب منه,ثم  صلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه وَلَمْ يره أسامه لبعده وانشغاله, وكانت صلاةً خفيفة فلم يراها أسامة لإغلاق الباب مَعَ بعده وانشغاله بالدعاء, وجاز له نفيه عملاً بظنه, وَأَمَّا بلال فحققها وأخبر بها, فلهذا يقدم قول بلال عَلَى قول أسامة. 

وابن عباس هنا جاء في صحيح مسلم أَنَّهُ أن ابن عباس رواه عَنْ أسامة فرجع الحديث إِلَى أسامة, ابن عباس أخذ عَنْ أسامة وأسامة يَعْنِي انشغل وَلَمْ يكن قريبًا من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقدم قول بلال, وإلا حديث ابن عباس حديث صحيح رواه البخاري في الصحيح, قَالَ: «ثُمَّ دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثُمَّ خرج وَلَمْ يصل». 

عَلَى حسب ما أخبره به أسامة وأسامة كما سبق حصل له انشغال وَلَمْ يكن بقرب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم,فلم ينتبه لصلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. 

وقوله في الحديث: «أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما قدم مَكَّة أبى أن يدخل البيت وَفِيهِ الآلهة», يَعْنِي امتنع من دخول البيت يَعْنِي الكعبة, وَفِيهِ الآلهة يَعْنِي الأصنام, ويطلق عليها الآلهة؛ لِأَنَّهُم كَانُوا يزعمون أَنَّهَا آلهة, وكانت تماثيل عَلَى صور شتى, فامتنع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة وَهِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لا يقر عَلَى باطل. 

ومن الصور الَّتِي في جوف الكعبة صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام, والأزلام هِيَ القداح وَهِيَ أعواد مكتوب في واحد فِيهَا افعل, والآخر لا تفعل, والثالث غفل, إِذَا أراد أحد سفرًا أو زواجًا أو تجارة أو حاجة جاء إِلَى هَذِهِ الأقداح فَإِن خرج افعل مضى لحاجته, وإن خرج لا تفعل أحجم, وَإِذَا خرج الثالث الَّذِي هُوَ غفل أعاده مرة أخرى وهكذا. 

فالنبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قاتلهم الله», أيْ الْمُشْرِكِينَ حيث صوروا إبراهيم وإسماعيل يستقيمان بالأزلام «والله لقد علموا ما استقسما بها قط»، علموا يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يعلمون هَذَا, وأول من أحدث الاستقسام بالأزلام عمرو بن لحي, أتى بها من الشام, وكانت نسبتها إِلَى إبراهيم وولده من الافتراء عليهما؛ لأنهما متقدمان عَلَى عمرو بن لحي, عمرو بن لحي هُوَ الَّذِي جلب الأصنام والأزلام, وإبراهيم عليه الصلاة والسلام مات قبلها بفترة بأزمنة طويلة, فهذا من الافتراء عَلَيْهِمْ, ولهذا قَالَ النَّبِيّ: «قاتلهم الله لَقَدْ علموا», يَعْنِي علموا أن الَّذِي جلب الأصنام هُوَ عمرو بن لحي. 

«لَقَدْ علموا ما استقسما بها قط», يَعْنِي إبراهيم وإسماعيل ما استقسما بالأزلام, والاستقسام طلب القسم بكسر القاف الَّذِي قسم له وقدر مِمَّا لَمْ يقسم وَلَمْ يقدر, كأنه إِذَا جال الأقداح وخرج افعل يخرج الشيء الَّذِي قدر له. 

فَإِن قِيلَ: (..)؟كم دخل النبي ص الكعبة؟ دخل في غزوة الفتح في فتح مَكَّة وَلَمْ يدخلها في الحج, وخرج كما سيأتي مغمومًا مهمومًا, وَقَالَ: «أخشى أن أكون شققت عَلَى أمتي», يخشى أن يقتدي النَّاس به فيدخلون ويحصل عَلَيْهِمْ مشقة, ولو دخل في حجة الوداع لحصل مشقة عظيمة, كَانَ النَّاس يَقُولُونَ: نريد أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم, يصير فِيهِ مشقة, لكن ما دخل في حجة الوداع, بَلْ في الفتح وخرج مهمومًا وكما قَالَ: «أخشى أن أكون شققت عَلَى أمتي», سيأتي الحديث. 

(المتن) 

باب الصلاة في الحجر 

2028 - حدثنا القعنبي،قال حدثنا عبد العزيز، عن علقمة، عن أمه، عن عائشة، أنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر فقال: «صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الترمذي والنسائي,قَالَ الترمذي: حسن صحيح, والمراد بالحجر الحطيب, وَهُوَ المحجر في شمال الكعبة, سمي بالحجر لِأَنَّهُ محجر, وسمي بالحطيم لِأَنَّهُ محطوم من الكعبة. 

وَفِيهِ أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه فأخذ الرسول الله النبي صلى الله عليه وسلم بيدها فأدخلها في الحجر وقال صل», إِذَا صليت في الحجر صل في الكعبة؛ لِأَنَّهُ جزء من الكعبة «فقال: صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت». 

يَعْنِي قصرت بهم النفقة في اللفظ الآخر؛ لِأَنَّهُم أرادوا ألا بينوها لما تصدعت وهدموها وأرادوا بناءها أرادوا ألا يبنوها إلا بمال حلال, فلم يجدوا من المال الحلال ما يكفي لبنائها, فبنوا ما قدروا عَلَيْهِ وأخرجوا الحجر, ستة أذرع ونصف حطموها من الكعبة وأخرجوها؛ لِأَنَّهُ ما عندهم مال حلال يبنوها به.طبق الأرض الحرام 

كُلّ أموالهم ربا ورشى وكهانة وما أشبه من المحرمات, ولهذا قَالَ: «فَإِن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة».قصروا 

(المتن) 

باب في دخول الكعبة 

2029 - حدثنا مسدد،قال حدثنا عبد الله بن داود، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور، ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: «إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري، ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه الترمذي وَقَالَ: حسن صحيح, وأخرجه ابن ماجة, وَفِيهِ عَنْ عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم(قالت عائشة) خرج من عندها وهو مسرور، ثم رجع قالت إلي وهو كئيب»، يَعْنِي مغموم من الكآبة «وقال: إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري، ما استدبرت», يَعْنِي لو علمت في أول الْأَمْرِ ما علمت في آخره ما دخلت الكعبة, لماذا؟ قَالَ: «ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي». 

كيف يشق عَلَيْهِمْ؟ يَعْنِي يقتدون به في دخولها فيشق عَلَيْهِمْ, وليس كُلّ أحد يحصل له دخلوها وَقَدْ يزدحمون, هُوَ دخلها مرة واحدة في الفتح في فتح مَكَّة, ورجع مهمومًا, وَقَالَ: ليتني لَمْ أدخل, لئلا أشق عَلَى أمتي فيقتدون بي في دخولها, وَكَانَ عليه الصلاة والسلام كما وصفه ربه سبحانه وتعالى بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة/128]. 

يَعْنِي يشق عَلَيْهِ ما يشق عَلَى أمته, حريص عَلَى هدايتكم بالمؤمنين رءوف رحيم.عليه الصلاة والسلام 

فَإِن قِيل: لكن شيخنا  هَلْ عائشة كانت مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح؟ألم تكن بالمدينة؟ النَّبِيّ خرج من عندها وَهُوَ مسرور قالت: ثُمَّ رجع إلي وَهُوَ كئيب,ظاهر هذا والحديث أخرجه الترمذي وَقَالَ: حسن صحيح, ظاهر هَذَا الحديث أَنَّهَا موجودة خرج من عندها وَهُوَ مسرور. 

ومحتمل أن يكون بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ أن رجع أخبر ذَلِكَ, والأقرب أَنَّهَا ليست معه في غزوة الفتح. 

(المتن) 

2030 - حدثنا ابن السرح، وسعيد بن منصور، ومسدد، قالوا: حدثنا سفيان، عن منصور الحجبي،قال حدثني خالي، عن أمي صفية بنت شيبة، قالت: سمعت الأسلمية، تقول: قلت لعثمان: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاك؟ قال: قال: «إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي». قال ابن السرح: خالي مسافع بن شيبة. 

(المتن) 

خاله اسمه مسافع بن شيبة, النَّبِيّ قَالَ لعثمان بن الحجبي: «أني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين», القرنين أيْ تغطي قرني الكبش الَّذِي فدى الله تعالى به إسماعيل عَنْ أعين النَّاس,هكذا قاله وفي الدر المنثور قَالَ: أخرجه سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي في سننه عَنْ امرأة من بني سليم, قالت: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عثمان بن طلحة فسألته لما دعاه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت الكعبة فنسيت أن آمرك أن تخمرهما, فخمرهما فَإِنَّهُ لا ينبغي أن يكون في البيت شَيْء يشغل المصلي». 

وأم منصور كما قَالَ ابن المنذري هِيَ صفية بنت شيبة القرشية العبدلية, وعثمان هَذَا هُوَ ابن طلحة القرشي العبدلي الحجبي, منسوب إِلَى حجابة البيت, وَهُوَ من جماعة من بني عبد الدار إليهم حجابة الكعبة ومفتاحها, نسب ذَلِكَ إليهم, الألباني قَالَ: صحيح. 

يعني بقاء القرنين في الكعبة وأمره أن يغطيهما وبقاءهما يَعْنِي في إشكال, ما الفائدة من بقاء القرنين بالكعبة, لمَ لَمْ يأمر النَّبِيّ بإخراجهما؟ وإن كَانَ يَعْنِي ما يعتبر صورة. 

(المتن) 

باب في مال الكعبة 

2031 - حدثنا أحمد بن حنبل،قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن الشيباني، عن واصل الأحدب، عن شقيق، عن شيبة يعني ابن عثمان، قال: قعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: بلى، لأفعلن قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: لم؟، قلت: «لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضي الله عنه، وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه» فقام فخرج. 

(الشرح) 

(باب في مال الكعبة), يَعْنِي المال المدفون فِيهَا, وَذَلِكَ أن الكعبة يأتيها هدايا وأموال, هَذَا الحديث أخرجه البخاري والنسائي بنحوه, يقول واصل الأحدب، عن شقيق، عن شيبة يعني ابن عثمان-الحجبي-، قال: «قعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة», يَعْنِي المال المهدى إليها أو المدفون فِيهَا, ولفظ البخاري أَنَّهُ قَالَ: «لَقَدْ هممت ألا أدع فِيهَا صفراء ولا بيضاء إِلَّا قسمته», الصفراء الذهب والبيضاء الفضة, وفي لفظ له: «إِلَّا قسمتها بين الْمُسْلِمِين». 

وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: «لَا أَخْرُجُ حَتَّى أَقْسِمَ مَالَ الْكَعْبَةِ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ». 

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ حِلْيَةُ الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْكَنْزُ الَّذِي بِهَا, وَهُوَ مَا كَانَ يُهْدَى إِلَيْهَا فَيُدَّخَرُ مَا يزيد عن الحاجة, وقال ابن الْجَوْزِيِّ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُهْدُونَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمَالَ تَعْظِيمًا  لها فَيَجْتَمِعُ فِيهَا. 

فعمر رضي الله عنه أراد أن يقسم المال بين المسلمين ولا يبقى, ما الفائدة من بقائه؟ ذهب وفضة في الكعبة وليست في حاجة إليه, يعني يؤخذ ما يحتاج إليه في كسوتها وترميمها والباقي يوزع. 

وعثمان الحجبي قال: لا تستطيع ما أنت بفاعل, يقول لعمر, قال: لمَ ما أنا فاعل؟ قال: «لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل قد رأى مكانه وأبو بكر رضي الله عنه ما فعل، وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه », وفي لفظ: «لَمْ يخرجاه ». 

والصواب: أن المال الَّذِي يأتي إِلَى الكعبة ويوقف عليها إذا كثر عَنْ الحاجة فَإِنَّهُ ينفق في المصالح العامة كما قَالَ عمر رضي الله عنه ولا يبقى مال ضائع, وَأَمَّا كون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر لَمْ يقسما مال الكعبة فيحتمل أَنَّهُ مال قليل لا يزيد عَنْ الحاجة, أو أنهما تركاه تأليفًا لقلوب قريش. 

أو أَنَّهُ قليل, وإلا لما يبقى هَذَا المال كثير ولهذا ذكر الشراح قَالُوا: إن هَذَا التعليل ليس بظاهر عَنْ عثمان الحجي وأن الرَّسُوْل وأبو بكر لَمْ يفعلا, يحتمل أنهما تركاه رعاية لقلوب قريش كما ترك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة عَلَى قواعد إبراهيم. 

ويؤيد ذَلِكَ ما وقع عِنْد مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة «لأنفقت كنز الكعبة», ولفظه: «لولا أن قومك حديث عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله, ولجعلت بابها في الأرض», فهذا هُوَ التعليل المعتمد, أن النَّبِيّ تركه لأجل تأليف قلوب قريش, لا لِأَنَّهُ لا يبقى. 

(المتن) 

بابٌ 

2032 - حدثنا حامد بن يحيى،قال حدثنا عبد الله بن الحارث، عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن الزبير، قال: لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها، فاستقبل نخبا ببصره، وقال: مرة واديه، ووقف حتى اتقف الناس كلهم، ثم قال: «إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله» وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف. 

(الشرح) 

هذا الباب هنا بعض النسخ ليس فِيه باب, وَهُوَ لا تعلق له بالحديث السابق, وقوله: (لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية), بكسر اللام و الياء جبل قرب الطائف, أعلاه لثقيف وأسفله لسيدنا معاوية مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد انصرافه من حنين يريد الطائف.  

(ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود), وَهُوَ جبل صغير في الحجاز بقرب الطائف, حذوها, استقبل نخبًا بفتح النون وكسر الخاء وَهُوَ واد بالطائف, لما كَانَ هَذَا في هَذَا المكان قَالَ: «إن صيد وج», يَعْنِي هَذَا الوادي «عضاه حَرَّمَ محرمٌ لله», وَذَلِكَ قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف. 

وقوله: «وقف حَتَّى اتقف النَّاس استقبل نخبًا ببصره وَقَالَ مرةً: واديه, ووقف» يَعْنِي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم «حَتَّى اتقف النَّاس» يَعْنِي حَتَّى وقفوا, اتقف مطاوع وقف واتقف, تقول: وقفه فاتقف, مثل وعدته فاتعد. 

ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ: «إن صيد وج», هذا هو واد بالطائف, كَانَ في غزوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للطائف, وَقِيلَ: هُوَ أرض بالطائف, فقال: «إن صيد وج», يَعْنِي هَذَا الوادي «وعضاه», يَعْنِي شجره, العضاه هِيَ كُلّ شجر يعظم وله شوك, «حرام محرم لله», يَعْنِي لا يجوز صيد هَذَا الوادي ولا قطع شجره, فيكون حرمًا ثالثًا, فيكون المحرمات ثلاثة حَرم مَكَّة وَحَرم المدينة وَحَرم ووادي وج. 

والشافعي رحمه الله ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ حَرم, وَقَالَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ وَجٍّ وَشَجَرِهِ, وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هذا كَرَاهَة الشَّافِعِيُّ وَجَزَمَ جُمْهُورُ أَصْحَابِه الشَّافِعِيِّ بَالتَّحْرِيمِ, وَقَالُوا: إِنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بَالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ.  

وقَالَوا ابن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ:بعض أصحابه قطعوا إن لِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ وقَالُوا َمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بَالْكَرَاهَةِ أن الشافعي قال أذهب إلي كراهة صيده وشجره وأصحابه قالوا مراد الشافعي بالكراهة كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ.  

ثُمَّ قَالَوا: وَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ, أَنَّهُ يَأْثَمُ –إِذَا صاد صيد وج- فَيُؤَدِّبُهُ الْحَاكِمُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فيه الشَّرْعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذَا شَيْءٌ, وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لحُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا. 

لِأَنَّهُ حَرم وفي وجوب الضمان فِيهِ خلاف, وَذَلِكَ يَعْنِي تحريم وج قبل نزول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الطائف وحصاره لثقيف, وَكَانَتْ غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ. 

وقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هذا عَلَى سَبِيلِ الْحِمَى لَهُ, وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نُسِخَ. 

هكذا قَالَ بَعْضُهُمْ إن هَذَا عَلَى سبيل الحمى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ محرمًا ثُمَّ نسخ والشافعي ذَهَبَ إِلَى أن تحريمه. 

وَأَمَّا الجمهور: فَإِنَّهُمْ لا يرون أَنَّهُ حَرَّمَ وَقَالُوا: الحديث ضعيف؛ لِأَنَّ فِيهِ محمد بن إنسان الطائفي وَهُوَ ضعيف, وأبوه ضعيف, وَكَذَلِكَ أيضا عروة لَمْ يسمع من أبيه فالحديث ضعيف فلا يصح فلا يعمل به. 

ولهذا ذَهَبَ جمهور العلماء إِلَى أَنَّهُ ليس هناك إِلَّا حرمان, الحرم المكي وَحَرم المدينة, وَأَمَّا هَذَا الحديث في أن وج حَرم فَهُوَ ضعيف,وبعضهم قال إن هذا علي سبيل الحماية له وقال بعضهم إنه حرم في وقت معلوم ثم نسخ والشافعي ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ حَرَّمَ ولكن الصواب الَّذِي عَلَيْهِ جماهير العلماء أَنَّهُ ليس بحرم وأن الحديث ضعيف ولا يصح, فِيهِ عدة ضعفاء, فِيهِ محمد بن إنسان هَذَا ضعيف, ويروي عَنْ أبيه وَهُوَ ضعيف, وعروة بن الزبير أيضا لَمْ يسمع من أبيه الزبير فَهُوَ منقطع, ففيه علل, وَعَلَى هَذَا لا يصح الحديث ولا يكون حرمًا. 

وذكر محمد بن إسحاق في المغازي ولكن المؤرخون لا يمحصون الحديث, مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ في المغازي قال : إِنَّ رِجَالًا مِنْ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الطَّائِفِ, فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً فِي نَاحِيَةِ المسجد وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَتَبُوا كِتَابَهُمْ وَكَانَ خَالِدٌ هُوَ الَّذِي كَتَبَهُ, وَكَانَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَيْ بَعْدَ إِسْلَامِ أَهْلِ الطَّائِفِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رسول الله إلى المؤمنين أن عضاه وَصَيْدَهُ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ مَنْ وُجِدَ يَصْنَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُنْزَعُ ثِيَابُهُ, فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيُبَلَّغُ النَّبِيَّ محمد وَأَنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. 

وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,هذا وانْتَهَى مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا مِنْ زَادِ الْمَعَادِ. 

ثم قال ابن الْقَيِّمِ: إِنَّ وَادِيَ وَجٍّ وَهُوَ وَادٍ بَالطَّائِفِ حَرَمٌ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَقَطْعُ شَجَرِهِ, وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ وَالْجُمْهُورُ قَالُوا لَيْسَ فِي الْبِقَاعِ حَرَمٌ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَالَفَهُمْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ. 

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَجٌّ: حَرَمٌ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثَيْنِ, أَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ, وَالثَّانِي حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَمٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ. 

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ, قُلْتُ: وَفِي سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ نَظَرٌ. وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 

المقصود أن الشافعي رحمه الله ذَهَبَ إِلَى هَذَا وجماهير العلماء عَلَى أَنَّهُ ليس بحرم وأن الحديث لا يصح. 

(المتن) 

باب في إتيان المدينة 

2033 - حدثنا مسدد،قال حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ". 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وَهُوَ حديث صحيح, والحديث فِيهِ دليل عَلَى تحريم شد الرحال للعبادة لغير المساجد الثلاثة, المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. 

أَمَّا إذا شد الرحال للتجارة أو لطلب العلم أو لزيارة الأقارب أو للسياحة فلا بأس, لكن المنهي عنه شد الرحال للعبادة, قوله: «لا تشد», بصيغة المجهول بمعنى النهي وَهُوَ أبلغ من النهي. 

والرحال جمع رحل وَهَذَا كناية عَنْ السفر, والمسجد الأقصى هُوَ بيت المقدس, سمي لبعده عَنْ مسجد مَكَّة أو لكونه لا مسجد وراءه, وخصت هَذِهِ المساجد؛ لِأَنَّ الأول فِيهِ الحج الحرم المكي والقبلة, والثاني حَرم المدينة أسس عَلَى التقوى, والثالث قبلة الأمم الماضية. 

وَقَالَ الخطابي: هَذَا فِيهِ النذر ينذره الإنسان أن يصلي في بعض المساجد, فإن شاء وفى به وإن شاء صلى في غيره إلاّ أن يكون نذر الصلاة في واحد من هذه المساجد, فإن الوفاء يلزمه بما نذره فيها، وإنما خص هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 

فمسجد الكعبة يسمى مسجد إبراهيم, ومسجد المدينة يسمى مسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, والمسجد الأقصى هُوَ مسجد يعقوب إسرائيل وَهُوَ حفيد إبراهيم, وجاء في الحديث أن بينه وبين المسجد الحرام أربعون سنة. 

وأبو هريرة رضي الله عنه كَانَ شد الرحل إِلَى الطور فأنكر عَلَيْهِ أبو بصرة, قَالَ, الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تشد الرحال إِلَّا إِلَى ثلاثة مساجد». 

وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لا تشد الرحال يَعْنِي كأن أبو هريرة هَلْ شد الرحل لأجل العبادة أو لأجل النظر؟ ظاهره أن ما ذكره أبو بصرة أَنَّهُ يرى أَنَّهُ فِيهِ فضيلة؛ لِأَنَّهُ الجبل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ موسى؛ فلهذا أنكر عَلَيْهِ أبو بصرة الغفاري رضي الله عنه . 

وَهَذَا أخرجه مالك في الموطأ عن مرثد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ, فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ فَقُلْتُ مِنَ الطُّورِ, فقال: لو أدركت قبل أن تخرج إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ». 

معني لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ تَعْلِيقًا عَلَى الْبُخَارِيّ يعني الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يعني إِمَّا جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ جِنْسٌ بَعِيدٌ, فَعَلَى الْأَوَّلِ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ, وَحِينَئِذٍ مَا سِوَى الْمَسَاجِدِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ, وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ – وَهَذَا هُوَ الأقرب, كأن أبا هريرة أراد أن يتقرب بزيارة الطور- . 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد