بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين.
2047- حدثنا مسدد، حدثنا يحيى يعني ابن سعيد، حدثني عبيد الله، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح النساء لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
(الشرح)
سبق الحديث الأول في كتاب النكاح, وقول النَّبِيِّ r: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فَإِنَّهُ أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فَإِنَّهُ له وجاء» وعرفنا أن النكاح في اللغة معناه: الضم والتداخل, منه: تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إِلَى بعض, وفي الشرع: عقدٌ بين الزوجين يحل بِهِ الوطء, والمشهور أَنَّه حقيقة في العقد مجازٌ في الوطء, كلمة مجاز هي عند المتأخرين, أما المحققون ما يرون أنه مجاز لا في الْقُرْآن ولا في اللغة, وَلَكِن يقولون: المعنى القريب الذي لا يحتاج إِلَى قرينة وأنه في العقد.
وقد يُطلق عَلَى الوطء بقرينة, والنكاح من سنن المرسلين عَلَيْهِمْ الصلاة والسلام, ولهذا قَالَ الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}[الرعد/38] فهو من سنن المرسلين.
ولما جاء بعض الشباب وأرادوا أن يتبتلوا وجاءوا إِلَى بيوت النَّبِيِّ r وسألوا عن عمله في السر وأُخبروا قَالَ أحدهم: أنا أصلي الليل ما عشت, وقال آخر: أنا أصوم الدهر, وقال آخر: أنا لا أكل اللحم, وقال آخر: لا أتزوج النساء وأُخبر النَّبِيِّ r بخبرهم فخطب الناس وقال: «ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصلي وأنا وأصوم وأفطر وأكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» قَالَ أبو هريرة رضي الله عنه: «نهانا رسول الله r عن التبتل ولو أذن لنا لاختصينا» قطع الخصيتين.
فالنكاح من سنن المرسلين عَلَيْهِمْ الصلاة والسلام, وهذا الحديث: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» المشهور عند جمع من أهل العلم أن الْأَمْرِ للاستحباب والقاعدة الأصولية: أن الأصل أَنَّه للوجوب إِلَّا بصارف يصرفه, وقول النووي رحمه الله: جماهير العلماء عَلَى أَنَّه مستحب وأنه لم يقل بالوجوب إِلَّا الظاهرية وغير واحد من العلماء منهم الإمام أحمد ليس بجيد, النووي رحمه الله من العلماء العزاب الذين لم يتزوجوا, فالأصل: أَنَّه للوجوب إِلَّا بصارف يصرفه, إذا كَانَ الإنسان تتوق نفسه إِلَى الزواج ويستطيع المؤن فَإِنَّهُ يَجِبُ عليه أن يتزوج.
والعلماء ذكروا أن النكاح تجري فيهِ الأحكام الخمسة, ذكروا الوجوب, قالوا: هذا الوجوب لمن يخاف عَلَى نفسه الوقوع في الزنا, إذا كَانَ يخاف عَلَى نفسه الوقوع في الزنا وعنده إعانة وقوة وهو مستطيع فهذا يَجِبُ عليه أن يتزوج فَإِن لم يتزوج فهو آثم, ومن لا يخاف عَلَى نفسه الوقوع في الزنا وهو تتوق نفسه فهو مستحبٌ في حقه, يكون سنة, ويكون مباحًا إذا كَانَ لا شهوة له وكان غنيًا, فَإِن كَانَ فقيرًا ولا شهوة له فهو مكروه؛ لِأَنَّهُ يحمل نفسه واجبات ونفقات وهو لا يستطيع وفقير ولا شهوة له.
والمحرم: ذكروا أَنَّه إذا كَانَ بدار الحرب, يتزوج بدار الحرب يقاتل في سبيل الله فلا يجوز له أن يتزوج لِأَنَّهُ يُخشى عَلَى عائلته, وَكَذَلِكَ إذا خاف عدم العدل في الزوجة الثانية والثالثة إذا كَانَ يعلم عن نفسه أَنَّه لا يعدل فَإِنَّهُ يحرم عليه أن يتزوج في هَذِه الحالة؛ لِأَنّ الله تعالى قَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[النساء/3].
فعلى هذا جرت فيهِ الأحكام الخمسة: يكون واجب, ويكون مستحب, ويكون مكروه, ويكون مباح, ويكون حرام.
فالأصل الاستحباب إذا كَانَ له رغبة في الزواج فَإِنَّهُ يُستحب في حقه حتى لو استدان؛ لِأَنّ الله وعده بالخلف, قَالَ الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور/32].
وفي الحديث: «ثلاثةٌ عَلَى الله عونهم منهم: الناكح يريد العفاف» والوجوب إذا خاف عَلَى نفسه, عنده استطاعة وعنده قدرة ويخشى عَلَى نفسه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج هذا يَجِبُ عليه أن يتزوج, يخاف عَلَى نفسه وعند القدرة ما المانع له؟ فإذا ترك يكون آثم.
قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين) ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة: «تنكح النساء لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة, قوله: «تُنكح» يَعْنِي: الناس يرغبون في الزواج ويتزوجون لواحدٍ من هَذِه الأمور الأربعة: «إما لمالها» يستفيد من مالها, «وإما لحسبها» يستفيد قوة من حسبها ونسبها, «وإما لجمالها أو دينها» ثم أوصى النَّبِيِّ r بذات الدين قَالَ: «فاظفر بذات الدين تربت يداك».
والحسب هو الشرف, وفي الأصل: هو الشرف بالآباء, بالأقارب, الأصل مأخوذٌ من الحساب, كَانُوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيُحكم لمن زاد عدده؛ هذا هو الأصل.
وقيل المراد بالحسب هنا: الأفعال الحسنة, وقيل: المال لَكِنْ هذا بعيد, المال قد ذُكر وحده, قَالَ بَعْضُهُم: يؤخذ منه أن الشريف النسيب يُستحب أن يتزوج نسيبة إِلَّا إذا تعارضت نسيبة غير دينة, وغير نسيبة دينة فتُقدم ذات الدين, وَكَذَلِكَ الجمال يؤخذ منه استحباب تزوج الجملة إِلَّا إذا تعارضت الجميلة غير الدينة وغير جميلة دينة فتُقدم غير الجميلة الدينة, وإن اجتمع فيها جمال ودين فهذا نورٌ عَلَى نور.
قوله: «فاظفر بذات الدين» يَعْنِي: فز بنكاحها, والمعنى: أن يكون الدين موضع نظره في كل شيء لاسيما فيما تكون صحبته, فأمره النَّبِيِّ r بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغيا.
قوله: «تربت يداك» يَعْنِي: افتقرت حتى تلصق بالتراب, دعاء: وَلَكِن لا يُراد بِهِ الدعاء هنا إِنَّمَا يراد بِهِ الحث عَلَى الجِد في هَذِه الأمور, وهي كلمة تجري عَلَى لسان العرب.
الشاهد: أن النَّبِيِّ r بين أن الناس يطلبون المرأة للزواج بواحدٍ من هَذِه الأمور الأربعة: إما للمال, أو للجمال, أو للحسب, أو للدين, ثم أوصى بأن يفوز بصاحبة الدين.
(المتن)
باب في تزويج الأبكار.
2048- حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو معاوية، أخبرنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكرًا أم ثيبًا؟ فقلت: ثيبًا قال: أفلا بِكرًا تلاعبها وتلاعبك».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة, وفيه: أن جابر رضي الله عنه سأله النَّبِيِّ r لما توفي والده عبد الله بْنُ حرام وقُتل شهيدًا يوم أحد, وترك تسع أو سبع بنات, تزوج ابنه جابر فسأله النَّبِيِّ r: «أتزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكرًا أم ثيبًا؟ فقلت: ثيبًا قال: أفلا بِكرًا تلاعبها وتلاعبك» هذا فيهِ دليل عَلَى استحباب نكاح الأبكار إِلَّا لمقتضى يقتضيه نكاح الثيب, فَقَالَ جابر: يا رسول الله إن أبي توفي وترك سبع أخوات أو تسع أخوات فتزوجت ثيبًا تقوم عليهن وتمشطهن, كرهت أن آتيهن بجارية مثلهن بل آتي بثيب مضى عليها مدة وخبرت الأمور تقوم عَلَيْهِمْ وتصلح شئونهن وتمشطهن فَقَالَ: أحسنت.
فدل هذا عَلَى استحباب نكاح البِكر إِلَّا لعارض أو مصلحة كما ذكر جابر فَإِنَّهُ في هَذِه الحالة نكاح الثيب أفضل, وفيه: فضيلة جابر رضي الله عنه فَإِنَّهُ راعى وقدم مصلحة أخواته عَلَى مصلحته هو رضي الله عنه وأرضاه, وإلا فالأصل أن البِكر أفضل لما فيها من الألفة التامة ولأن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول فلا تكون محبتها كاملة بخلاف البِكر؛ ولأن البكر يُنشئها هو ويعودها عَلَى ما يريده من الأخلاق الحسنة فهي أفضل إِلَّا لعارض.
جاء في حديث قصة جابر أَنَّه قَالَ جابر للنبي r لما قَالَ له ذلك: هلك أبي وترك تسع بنات فتزوجت ثيبًا كرهت أن أجيئهن بمثلهن؛ يَعْنِي: لا أريد واحدة تلعب معهم ولا تقوم بشئونهن, فَقَالَ: بارك الله لك.
وفي رواية أَنَّه قَالَ: كرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن وَلَكِن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن, قَالَ: أصبت.
(المتن)
باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء.
2049- قال أبو داود: كتب إلي حسين بن حريث المروزي، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: غربها, قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها».
(الشرح)
قَالَ: (باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء) المعروفة بأنها لا تلد كالعقيمة, ذكر فيهِ حديث اِبْن عباس قَالَ: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: غربها, قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها».
هذا الحديث أخرجه النسائي, وسنده لا بأس بِهِ, واُختلف في معنى قوله: «لا تمنع يد لامس» قَالَ: معناه الفجور, يَعْنِي: أنها لا تمنع نفسها ممن يقصدها بالفاحشة, وقيل: أنها لا تمنع أحدًا طلب منها شَيْئًا من مال زوجها.
قوله: «غربها» من التغريب قَالَ في النهاية: بمعنى أبعدها يريد الطلاق, وفي رواية للنسائي أَنَّه قَالَ: «طلقها» فَقَالَ الرجل: «أخاف أن تتبعها نفسي» يَعْنِي: تتوق إليها نفسي, قَالَ: «فاستمتع بها» وفي رواية النسائي قَالَ: فأمسكها, خاف النَّبِيِّ r من أَنَّه إن أوجب عليه الطلاق أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام.
وقال الحافظ: اختلف العلماء في معنى قوله: «لا ترد يد لامس» قيل: معناه الفجور وأنها لا تمتنع عمن يطلب منها الفاحشة, وبهذا قَالَ جماعة منهم أبو عبيد والنسائي, والنووي, وقيل المعنى: التبذير وأنها لا تمنع أحدًا طلب منها شَيْئًا من مال زوجا, قَالَ بهذا: أحمد, والأصمعي وجماعة.
لَكِنْ الحديث هذا هل فيهِ مناسبة للترجمة؟ الترجمة: (باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء).
وقال بَعْضُهُم: أَنَّه ليس المراد أنها تفعل الفجور وَلَكِن المراد أنها لا ترد يد لامس يَعْنِي: أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب لا أنها تَأْتِيَ الفاحشة.
(باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء) قَالَ بَعْضُهُم: وقع هذا الباب في هَذِه النسخة وبعض النسخ خالية منه, وعلى هذا يكون هذا الباب بعد حديث اِبْن عباس, يَعْنِي: هذا الباب يأتي في الباب الذي بعده.
(المتن)
2050- حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان، عن منصور يعني ابن زاذان، عن معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار، قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها، قال: لا, ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم».
(الشرح)
هذا الحديث أخرجه النسائي وهذا ظاهر الترجمة الآن أن هذا الرجل قَالَ: «إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها، قال: لا, ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم».
قوله: «إنها لا تلد» قيل: كأنه علم بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لا تحيض, والتي لا تحيض تكون لا تلد, «تزوجوا الودود» يَعْنِي: الَّتِي تحب زوجها, «الولود» يَعْنِي: الَّتِي تكثر ولادتها, وقيد بهذين الأمرين لِأَنّ الولود إذا لم تكن ودودًا لم يرغب الزوج فيها, والودود إذا لم تكن ولودًا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة الولد, فإذا اجتمعا هذان الوصفان فهي الَّتِي يُرغب فيها.
بماذا يُعرف هذان الوصفات: الودود الولود؟ قالوا: تُعرف في الأبكار من أقاربهن, أخواتها, عماتها, خالاتها, إذا كَانَ فيها هذان الوصفان؛ لِأَنّ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إِلَى بعض, وقال بَعْضُهُم: يحتمل أن يكون المعنى: «تزوجوا الودود الولود» يَعْنِي: اثبتوا عَلَى زواجها وبقاء نكاحها إذا كَانَ موصوفة بهذين الوصفين, إذا تزوجت امرأة وجدتها ودود ولود فاثبت عَلَى زواجها وابقى عَلَى نكاحها.
«فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة» يَعْنِي: مفاخرٌ بسببكم سائر الأمم لكثرة أتباعي.
فإن قيل: حدثنا الحسن بْنُ علي أَنَّه قَالَ: سمعت يزيد بْنُ هارون يقول: رأيت مستلمًا فكان يقع يمنة ويسرة قَالَ الحسن بْنُ علي: لم يضع جنبه إِلَى الأرض أربعين سنة, قَالَ أبو داود: مستلم بْنُ سعيد اِبْن أخ أو اِبْن أخت منصور بْنُ زاذان مكث سبعين يومًا لم يشرب الماء.
هذا لم يوجد في بعض النسخ, ما مناسبة هذا؟ (رأيت مستلمًا فكان يقع يمنة ويسرة) يَعْنِي: من كثرة العبادة من الصوم يسقط, قَالَ الحسن بْنُ علي: (لم يضع جنبه إِلَى الأرض أربعين سنة) يَعْنِي: يصلي الليل, قَالَ أبو داود: (مستلم بْنُ سعيد اِبْن أخ أو اِبْن أخت منصور بْنُ زاذان مكث سبعين يومًا لم يشرب الماء) ما مناسبة لم يشرب الماء؟ الصائم ما يشرب الماء؟ لا, هو يشرب في الليل.
ثم أيضًا كونه يقع يمنة ويسرة هل هذا مشروع؟ الرسول r لما رأى حبلًا عُلق لزينب قالوا: هذا حبل لزينت وهي تصلي فإذا فترت علقت بِهِ, قَالَ: «حلوه ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد» وأمر من أصابه النعاس أن ينام, قَالَ: «لعله يستغفر ويسب نفسه» فهل يُشرع هذا؟ والنبي r قَالَ: «لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر».
فهذا كونه الآن يتعبد بهذه العبادة ويقع يمنة ويسرة وكونه لم يضع جنبه أربعين سنة وكونه مكث سبعين يومًا لم يشرب الماء, يَعْنِي: ماذا يشرب؟ يشرب سوائل أخرى؟! وهل يمكن أن يعيش وهو لا يشرب الماء, قَالَ الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء/30].
عَلَى كل حال: هذا يُنسب إِلَى مستلم بْنُ سعيد وهذا فيهِ نظر, ثم أيضًا مناسبة الترجمة هنا ما تظهر, وهل العمل هذا مشروع؟ ما مشروع العمل هذا ولا ينبغي له أن يعمل هكذا, وعدم شرب الماء هذا ما له مناسبة ولا دخل له الآن في الصلاة ولا الصيام, (مكث سبعين يومًا لم يشب الماء) هذا مبالغة ولا يصح هذا, يَعْنِي: لو أراد أن يشرب أنواع من العصير, أو لبن خالص, ما الفرق بين هذا وهذا؟!
قوله: (مكث أربعين سنة) يمكن توثيقه, لَكِنْ مسألة عدم شرب الماء ليس له وجه الآن.