بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي اله وصحبه ومن تبعهم بأحسان الي يوم الدين اما بعد:-
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمنا الله واياه في سننه:
باب في قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية
2051 - حدثنا إبراهيم بن محمد التيمي، قال أخبرنا يحيى، عن عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق وكانت صديقته، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟
أنكح يَعْنِي أأنكح؟ استفهام يسأل يَقُولُ: هَلْ أنكح بحذف حرف الاستفهام، أنكح عناقا
أنكح عناقا قال: فسكت عني، فنزلت: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}[النور/3] فدعاني فقرأها علي وقال: «لا تنكحها».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول-صلي الله عليه وسلم وعلي اله وصحبه وسلم-:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
ذكر المؤلف رحمه الله حديث عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده في قصة المرأة البغي وَكَانَ تسمى عناقًا وكانت صديقة له في الجاهلية قبل الإسلام, فجاء إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الإسلام فقَالَ: «أنكح عناق؟», يَعْنِي هَلْ أنكحها هَلْ أتزوجها, التقدير: أأنكح (.....), «قال: فسكت عني النبي -صلي الله عليه وسلم-ثم نزلت اﻷية: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين }[النور/3]», وَهَذَا خبر عَنْ النهي, حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ خبر بمعنى نهي, والمعنى لا تنكحها قال لاتنكحها.
والحديث يَدُلَّ عَلَى تحريم نكاح الزانية وَعَلَى تحريم نكاح الزاني, والآية وإن كانت خبر إِلَّا أن آخرها يَدُلَّ عَلَى التحريم {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3].
فَهِيَ فِيهَا دليل عَلَى تحريم نكاح الزانية وَعَلَى تحريم نكاح الزاني, والحديث أخرجه الترمذي والنسائي, وَفِيهِ عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده وفي كلام لأهل العلم في سماع عمرو بن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده, إن كَانَ المراد عَنْ أبيه عَنْ جده, عَنْ ابن محمد عَنْ جده فَهُوَ متصل, وإن كَانَ عَنْ أبيه عَنْ جده عَنْ عمرو فَهُوَ منقطع.
وَعَلَى كُلّ حال حديث عمرو بن شعيب حسن عِنْد أهل العلم إِذَا لَمْ يخالف, ومعنى بغي يَعْنِي فاجرة تفعل الفاحشة, البغي هِيَ الزانية, والغنوي هَذَا نسبة, قوله: (غنوي), أبي مرثد الغنوي, نسبة إِلَى غني, وَهُوَ غني بن يصعب.
والحديث كما سبق دليل عَلَى أنه لا يحل الرجل عَنْ أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا وَيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ الآية؛ لِأَنَّ في آخرها وَحَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ صريح في التحريم.
قَالَ ابن الْقَيِّمِ رحمه الله: وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بتحريمه فِي سُورَةِ النُّورِ, وَأَخْبَرَ أَنَّ مَن ينَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ, فَهُوَ إِمَّا أَنْ يلتزم حكم الله تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا.
يَعْنِي هَذَا الشخص الَّذِي يتزوج هَذِهِ المرأة إِمَّا أن يلتزم بحكم الله تعالى ويعتقد وجوب حكم الله عَلَيْهِ أو لا.
فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ احد اﻷمرين.
فَإِن كَانَ لا يعتقد حكم الله عَلَيْهِ فَهُوَ مشرك, وإن كَانَ يعتقد حكم الله عَلَيْهِ ولكنه لَمْ يلتزم فَهُوَ زاني.
وذكر الْمُنْذِرِيُّ وَالعلماء أن هذه الْآيَةِ فِيهَا أقوال لأهل العلم{الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3].
فيها خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ﻷهل العلم
القول اﻷول: أَنَّهَا مَنْسُوخَة وهذا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ واختيار الشافعي رحمه الله أَنَّهَا منسوخة, وَأَنَّهُ عَلَى هَذَا يجوز للإنسان أن يتزوج الزانية هَذَة إِذَا تابت.
قَالَ غَيْرُهُ النَّاسِخُ لَهَا, قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأيامى مِنْكُمْ}[النور/32], الأيامى يَعْنِي غير المزوجات.
فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ, قال المنذري وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ مَنْ زَنَى بَامْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا, يَعْنِي إِذَا صحت توبتها.
وَالثَّانِي: أَنَّ المراد أن النكاح الْوَطْءُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى فِعْلِهِ, وَيُشَارِكُهُ فِي مُرَادِهِ إِلَّا زَانِيَةٌ مِثْلُهُ أو مشركة لا تحرم الزنى, الزاني لا يطاوعه عَلَى فعله ويشاركه في مراده إِلَّا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا.
وَتَمَامُ الْفَائِدَةِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَحُرِّمَ ذَلِكَ على المؤمنين يَعْنِي الَّذِينَ امْتَثَلُوا الْأَوَامِرَ وَاجْتَنَبُوا النَّوَاهِيَ.
القول الثَّالِثُ: أَنَّ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذلك الزَّانِيَةُ (.....).
القول الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا كَانَ فِي نِسْوَةٍ كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِمَّا كَسَبَتْهُ من الزنى وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَالقول الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ.
يَعْنِي العفيف لا ينكح الزانية والعفيفة لا تنكح الزاني فهو عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ نعم والله اعلم
والقول بأنها منسوخة هُوَ قول له وجه, وَكَذَلِكَ القول بأنها عامة في تحريم نكاح الزاني عَلَى العفيفة, العفيف لا يتزوج زانية حَتَّى تظهر توبتها وتصح توبتها, وَكَذَلِكَ أَيْضًا الزاني لا تنكح العفيفة؛ حَتَّى تظهر توبته تصح توبته.
(المتن)
2052 - حدثنا مسدد، وأبو معمر، قالا: أخبرنا عبد الوارث، عن حبيب،قال حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله». وقال أبو معمر قال أخبرنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب.
(الشرح)
هَذَا يَدُلَّ عَلَى أحد الأقوال القول الخامس أن الزاني المجلود لا ينكح إِلَّا مثله, والزانية المجلودة لا ينكحها إِلَّا مثلها, والحديث فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ يحرم عَلَى المرأة أن تتزوج بمن ظهر زناه, وَكَذَلِكَ الرجل يحرم عَلَيْهِ أن يتزوج ممن ظهر زناها, يَعْنِي إِلَّا بَعْدَ التوبة.
كما قال أبو معمر، قال: أخبرنا حبيب المعلم عن بن شعيب), يَعْنِي أبو معمر قَالَ أخبرنا, صرح عَنْ حبيب المعلم وَأَمَّا مُسَدَّد فأنه لم يصرح يعني أبو معمر قال عن عبدالوارث قال أخبرنا حبيب بلفظ التحديث ٌ وأما مسدد قال في روايته بلفظ عن عمرو ابن شعيب.
(المتن)
باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها
2053 - حدثنا هناد بن السري،قال حدثنا عثر، عن مطرف، عن عامر، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران».
2054 - حدثنا عمرو بن عون،قال أنبأنا أبو عوانة، عن قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، «أعتق صفية وجعل عتقها صداقه
(الشرح)
قال في الحديث السابق: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله», قِيلَ: إن الوصف بالمجهول بناء عَلَى الأغلب في حَقّ من ظهر منه الزنا, وَكَذَلِكَ الرجل يحرم عَلَيْهِ أن يتزوج بالزانية الَّتِي ظهر زناها والحديث موافق لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3]فهو موافق للأية.
إِلَّا أن أكثر العلماء عَلَى أن معنى لا ينكح لا يرغب الزاني إِلَّا في زانية مثله, والزانية لا ترغب إِلَّا في زانٍ مثلها, هكذا تأوله بَعْضُهُمْ وَالَّذِي يَدُلَّ عَلَيْهِ الحديث والآية النهي عَنْ ذَلِكَ, لا الإخبار عَنْ مجرد الرغبة, وَأَنَّهُ يحرم نكاح الزانية العفيف, والعفيف الزانية.
وقوله: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3]؛ يَعْنِي كامل الإيمان الَّذِينَ هم ليسوا بزناه وإلا فأن الزاني لا يخرج عَنْ مسمى الإيمان عِنْد جمهور العلماء, بينما يكون ضعيف الإيمان.
قَالَ بعض العلماء: يجوز أن يكون هَذَا الحديث منسوخ كما نسخت الآية في قول المسيب.
قوله: (باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها), أمته يَعْنِي الرقيق الَّتِي عنده, ذكر حديث أبي موسى وحديث أنس, حديث أبي موسى قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران».
أيْ أجر العتق وأجر التزويج, وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, فَإِذَا كَانَ عنده أمة ثُمَّ أعتقها وتزوجها كَانَ له أجران, أجر العتق وأجر التزويج.
والحديث الثاني حديث أنس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعتق صبية وجعل عتقها صداقها, وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي, وَفِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ يصح أن يجعل العتق صداق للمعتقة, وقد أخذ بظاهره جماعة من العلماء, ومن الفقهاء كسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والزهري ومن فقهاء الأنصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق, قَالُوا: إِذَا أعتق أمته عَلَى أن يجعل عتقها صداقها صح العقد صح العقد, والعتق هُوَ المهر في آنٍ واحد, فيقول لها: أعتقت وجعلت عتقتك صداقك, فيكون في هَذِهِ الحالة عتقت صارت حرة, وصح عقد النكاح وصار العتق هُوَ المهر في آنٍ واحد.
يَعْنِي في هَذِهِ الحالة حصلت عَلَى العتق فصارت حرة, وحصلت عَلَى الصداق وَهُوَ العتق, وصح الزواج أَيْضًا, وَهَذَا هُوَ الصواب, ومنع من ذَلِكَ بعض العلماء لكن الصواب الجواز, ولعل من منع لَمْ يبلغه الحديث.
فبعضهم تأوله وَقَالَ: لعله أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها, لكن عَلَى كُلّ حال هَذَا مخالف للحديث والحديث صحيح, فمن قَالَ ضد الحديث فقوله مردود, ولكن إِذَا كَانَ عَنْ اجتهاد فَإِنَّهُ يعتذر له.(٠٠٠٠)
ولو أعتقها وَلَمْ يجعل العتق صداق بعد ذلك أذ أراد أن يتزوجها يكون لَابُدَّ من مهر وَلَابُدَّ من إذنها أَيْضًا؛ لأنها ملكت نفسها صارت حرة الآن, لَابُدَّ من إذنها وَلَابُدَّ من المهر, لو أعتقها وَلَمْ يجعل عتقها صداقها صارت حره الان صارت كغيرها إِذَا أراد أن يتزوجها بَعْدَ ذَلِكَ لَابُدَّ من مهر وَلَابُدَّ من موافقة.
لكن إِذَا قَالَ: أعتقتك وجعلت العتق في صداقك هنا صح العتق, وصح الزواج, وحصلت عَلَى المهر.
ذكر ابن القيم رحمه الله في الهدي كلام عَلَى هَذَا, قَالَ: الحديث أخرجه مسلم والترمذي وأن الْعُلَمَاء أختلفو فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا مَهْرَ لَهَا غَيْرَ الْعِتْقِ, وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ بَالْخِيَارِ إِذَا أَعْتَقَهَا وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزْوِيجِهِ فَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا, ولكن الصواب القول الأول هُوَ الموافق للحديث.
(المتن)
باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب
2055 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, وفي الحديث أن الرضاعة يحرم ما يحرم النسب, ولهذا ذكر الله تعالى المحرمات بالنسب والمحرمات في الرضاعة في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأختِ}؛ هَذِهِ محرمات من النسب, ويحرم مثلها من الرضاعة, لكن ذكر في الآية أثنتان قَالَ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}؛ فتحرم هَذِهِ السبع من النسب والسبع من الرضاعة, الأم والبنت والأخت وبنات الأخ وبنات الأخت{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ}[النساء/23].
هَذِهِ سبع تحرم من النسب ويحرم مثلها من الرضاعة, الأم من الرضاعة تحرم والأخت من النسب ومن الرضاعة, والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت كلهن يحرمن من النسب والرضاعة.
والحديث عام قَالَ: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة». وفي رواية: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب».
والقاعدة في الرضاعة أن الحرمة تنتشر في الرضيع الَّذِي ارتضع, وفي أولاده, وتنتشر الحرمة في المرضعة الَّتِي ارتضع منها وفي أقاربها دون أم الرضيع من النسب وأبوه من النسب ومن يخرج من النسب لا تنشغل بهم الحرمة, تنتشر الحرمة في الرضيع نفسه, إِذَا ارتضع من امرأة خمس رضعات صار ابنًا لها, وصار أولاده كَذَلِكَ من محارمها.
وتنتشر الحرمة في المرضعة فتكون أمًا للرضيع وفي أقاربها, فيكون أبو المرضعة جده من الرضاعة, وأخ المرضعة خاله من الرضاعة, وتنتشر أَيْضًا الحرمة في الزوج الَّذِي له اللبن كما سيأتي في الحديث الَّذِي بَعْدَ هَذَا, الزوج الَّذِي له اللبن يكون أبوه من الرضاع, ويكون أخوته أعمامه من الرضاعة, ويكون أبوه جده من الرضاعة.
أَمَّا أبوه من النسب أبوا الرضيع من النسب وأخوه من النسب وأخوته من النسب لا تنتشر فيهم الحرمة, فيجوز لأبيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاعة أو أخته من الرضاعة, يجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة.
يقال: رجل زوج أخاه أخته كيف ذَلِكَ؟ زوج أخاه من النسب وأخته من الرضاعة, أو بالعكس, فيجوز لأبيه وأمه وأخوته من النسب فهم ما لهم علاقة, العلاقة فِيهِ هُوَ وأبنائه, والمرضعة الَّتِي أرتضع منها وأقاربها والزوج الَّذِي له اللبن وأقاربه.
والرضاعة بفتح الراء ويقال: رضاعة بالكسر, وأنكر الأصمعي الكسر معها, والرضاع في اللغة مص اللبن من الثدي, وفي الشرع مص الرضيع اللبن من ثدي الآدمية في وقت مخصوص, والصحيح أن الرضاع حَتَّى لو شرب اللبن أو جبن وأكله.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَأَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ, فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا, هُوَ ويحرم عليها لِأَنَّهُ ابنها, وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا فُرُوعُهُ مِنَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ, وَلَا يَسْرِي التَّحْرِيمُ مِنَ الرَّضِيعِ إِلَى آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِه كما سبق .
ذكر الحافظ أَنَّهُ يستنثى من عمومه قوله: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب»,
الْأُولَى: أُمُّ الْأَخِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ وَإِمَّا زَوْجُ أَبٍ, وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْأَخَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِيهِ.
الثَّانِيَةُ: أُمُّ الْحَفِيدِ حَرَامٌ فِي النسب لأنها إما بنت أو زوج ابن وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْحَفِيدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ.
الثَّالِثَةُ: جَدَّةُ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ أَوْ أُمُّ زَوْجَةٍ وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتِ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا.
الرَّابِعَةُ: أُخْتُ الْوَلَدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتٌ أَوْ رَبِيبَةٌ وَفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَالِدِ.
وَهَذِهِ الصور اقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ وَأما الجمهور فلم يَسْتَثْنِ منهم شَيئا
قال بعضهم: وَفِي التَّحْقِيقِ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ.
وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ العمة وأم الْخَالِ وَأُمَّ الْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ.
(المتن)
2056 - حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي،قال أخبرنا زهير، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، أن أم حبيبة، قالت: يا رسول الله-صلي الله عليه وسلم-، هل لك في أختي؟ قال: «فأفعل ماذا؟»، قالت: فتنكحها، قال: «أختك؟»، قالت: نعم، قال: «أوتحبين ذلك؟»، قالت: لست بمخلية بك وأحب من شركني في خير أختي، قال: «فإنها لا تحل لي»، قالت: فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة - أو ذرة - شك زهير بنت أبي سلمة، قال: «بنت أم سلمة؟»، قالت: نعم، قال: «أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة, وَفِيهِ أن أم حبيبة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بنت أبي سفيان, هِيَ بنت أبي سفيان قائد جيوش الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم,لهذا لما كانت الهدنة بين النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين الْمُشْرِكِينَ وحصل الصلح, ووضعت الحرب أوزارها عشر سنين, صار المشركون يختلطوا بالمسلمين, ويأتون المدينة وأسلم عدد كثير, وجاء أبو سفيان نفسه قائد الحروب جاء إِلَى المدينة وجاء إِلَى ابنته زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها, فطوت فراشه عنه, قَالَ: يا بنية هَلْ رغبت بي عَنْ الفراش أم رغبت بالفراش عني؟ قالت: لا وأنت مشرك نجس, قَالَ: يا بنتي قَدْ أصابك بعدي شر, بَعْدَ ذَلِكَ أسلم وهداه الله للأسلام.
المقصود أن أم حبيبة هَذِهِ بنت أبي سفيان قائد الجيوش, قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله هل لك في أختي؟» تعرض عَلَيْهِ أختها يتزوجها «قال: فأفعل ماذا؟، قالت: فتنكحها، قال: أختك؟ قالت: نعم»، هِيَ ما تعلم الحكم «قال: أوتحبين ذلك؟، قالت: لست بمخلية بك وأحب من شركني في خير أختي»، أنا ما يمكن أن أنفرد بك لَابُدَّ أن يكون لك زوجات غيري, وَإِذَا كَانَ لَابُدَّ من الزوجات أحب شَيْء يشاركني أختي تشاركني في الخير «قال: فإنها لا تحل لي»، أنت زوجتي وَهَذِهِ أختك وأختك لا تحل لي.
قالت: كيف يارسول الله لاتحل لك ونحن نتحدث والناس يتحدثون أنك تريد ان تتزوج بنت أم سلمه
أم سلمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لها بنت من زوج سابق, وَالنَّاس يتحدثون وَكَانَ اسمها درة أو ذرة «قالت: فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة - أو ذرة - شك زهير هل أسمها درة أو ذرة بنت أبي سلمة»، أن النَّاس يتحدثون أنك خطبت بنت أم سلمة وَهِيَ بنت زوجتك, فَإِذَا كنت تريد أن تخطب بنت أم سلمة ما في مانع أن تخطب أختي.
«قال: بنت أم سلمة؟ قالت: نعم، قال: أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة»، يَعْنِي أَنَّهُ فِيهَا مانعان:
المانع الأول: أَنَّهَا ربيبة, بنت الزوجة, والربيبة حرام عَلَى زوج الأم.
المانع الثاني: أَنَّهَا بنت أخيه من الرضاعة؛ لِأَنَّ ثويبة مولاة أبي لهب أرضعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأرضعت أبا سلمة.
أبو سلمة كَانَ زوج أم سلمة سابقًا, أرضعتهما ثويبة, فصار فِيهَا مانعان الأول أَنَّهَا ربية والثاني أَنَّهَا ابنتة أخيه.
قَالَ: «لو لم تكن ربيبتي في حجري»، صار فِيهَا مانع آخر وَهُوَ أَنَّهَا بنت أخي من الرضاعة, فكيف وَقَدْ اجتمع فِيهَا مانعان «أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة».
ثويبة هَذِهِ مولاة أبي لهب وَهِيَ الَّتِي بشرت أبا لهب بولادة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأعتقها, وذكر في البخاري أن أبا لهب لما توفي سُئِلَ عَنْ حال, قَالَ: أَنَّهُ يسقى كُلّ يوم بقدر نقرة الأصبع بسبب كونه أعتق ثويبة لما بشرته بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن هَذَا ذكره البخاري أَنَّهُ غير موصول.
والحديث دليل عَلَى تحريم الربيبة وتحريم بنت الأخ من الرضاعة, الربيبة هِيَ بنت الزوج, وسواء كانت الربيبة عِنْد زوج الأم أو لَمْ تكن عنده, وَأَمَّا قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}[النساء/23].
فهذا مبني عَلَى الأغلب يَعْنِي الأغلب أَنَّهَا تكون في حجره, ولو لَمْ تكن في حجره فَهِيَ حرام, بنت الزوجة حرام عَلَى زوج الأم, وَفِيهِ تحريم بنت الأخ من الرضاعة.
قوله: «فافعل ماذا», هذا فِيهِ دليل عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّة-مسألة نحوية_ بعض النحاة يَقُولُونَ: ما الاستفهامة لها الصدارة, هنا قدم الفعل عَلَى ما, «فأفعل ماذا», الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم يقول ماذا أفعل, فَلَمَّا قدم دل عَلَى جواز تقديم الفعل عَلَى ما الاستفهامية.
وقوله: «لَسْت لك بِمُخْلِيَةٍ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَخْلَى يُخْلِي أَيْ لَسْتُ بِمُنْفَرِدَةٍ بِكَ وَلَا خَالِيَةً مِنْ ضَرَّةٍ.
قوله: (ربيبة), ربيبة مشتقة من الرب وَهُوَ الإصلاح؛ لِأَنَّ زوج الأم يربيها ويقوم بأمرها وَقِيلَ: من التربية, وَهُوَ غلط من جهة الاشتقاق, والصواب الأول.