بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب في لبن الفحل
2057 - حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين مني وأنا عمك، قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: «إنه عمك فليلج عليك».
(الشرح)
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في لبن الفحل), والفحل المراد به الرجل ونسب اللبن إليه؛ لِأَنَّهُ هُوَ السبب في وجود اللبن من المرأة حينهما وطئها, والمعنى يَعْنِي هَلْ تثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولده أم لا؟
ونسبة اللبن إليه لكونه سببًا فِيهِ, والمؤلف رحمه الله ما جزم في الحكم لِأَنَّ المسألة فِيهَا خلاف بين أهل العلم, ولهذا قَالَ: (باب في لبن الفحل), يَعْنِي هَلْ يحرم أم لا يحرم؟
وَفِيهِ قولان لأهل العلم, ولهذا ما جزم المؤلف رحمه الله وَإِنَّمَا جعل الترجمة هكذا مطلقة ليتأمل طالب العلم الحكم, ذكر فِيهِ حديث عائشة رضي الله عنها, قالت: «دخل علي أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه»، يَعْنِي تحجبت منه «قال: تستترين مني وأنا عمك، قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: إنه عمك فليلج عليك», فليج يَعْنِي فليدخل عليك.
وفي رواية أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم دخل عَلَى عائشة فقالت: يا رسول الله إِنَّهُ استأذن عليّ أفلح بن أبي القيس فلم أأذن له, فقال: «إِنَّهُ عمك», فقلت: يا رسول الله إِنَّمَا أرضعتني المرأة وَلَمْ يرضعني الرجل, قَالَ: «ائذني له فَإِنَّهُ عمك تربت يمينك».
الحديث فِيهِ دليل عَلَى أن لبن الفحل يحرم, وأن الحرمة تثبت في جهة صاحب اللبن كما تثبت من جهة المرضعة, تثبت الحرمة من جهة المرضعة وتثبت أَيْضًا من جهة الزوج الَّذِي له اللبن.
وَهَذَا مذهب الجماهير من الصَّحَابَة والتابعين وفقهاء الأمصار, وَعَلَى هَذَا فتكون الحرمة في الرضاعة تنتشر في ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: تنتشر في الرضيع الَّذِي ارتضع اللبن, فيكون هُوَ ابنًا للمرضعة, فتكون المرضعة أمه من الرضاع, ويكون أولادها أخوته, وأخوتها أخواله, وآبائه أجداده, وأمهاتها جداته, وتنتشر أَيْضًا الرحمة في أولاد الرضيع, فيكون أولاده أولاد للمرضعة, وتنتشر الحرمة في الزوج الَّذِي له اللبن, فيكون أبًا للرضيع, ويكون أبوه جدًا للرضيع, ويكون أخوته أعمام للرضيع, وأولاده إخوة للرضيع, أولاده من المرضعة إخوة أشقاء من الرضاعة, وأولاده من غيرها إخوة لأب من الرضاعة, هَذَا هُوَ الصواب وَهُوَ مذهب جماهير العلماء من الصَّحَابَة والتابعين وفقهاء الأمصار.
وَذَهَبَ بعض التابعين وابن منذر والظاهرية إِلَى أَنَّهُ لا يثبت للرجل حكم الرضاع, قَالُوا: لِأَنَّ الرَّضَاعَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَرْأَةِ واللَّبَنُ مِنْهَا, ليس من الرجل.
ذهبت الظاهرية وبعض التابعين ابن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ إِلَى أن لبن الفحل لا يحرم, وَأَنَّهُ لا تثبت للرجل حرمة الرضاعة وأن حرمة الرضاع خاص بالمرأة, قَالُوا: لِأَنَّ الرضاعة من المرأة واللبن منها, لكن يجاب بأنه رأي في مقابلة النص فيكون مردودًا, النص واضح الآن في هَذَا, الحديث صحيح أخرجه الشيخان, قَالَ: إئذن له فَإِنَّهُ عمك».
وذكر أَيْضًا بعض الصَّحَابَة خالفوا ابن عمرو ابن الزُّبَيْرِ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَعَائِشَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التابعين, قَالُوا: لا يثبت حكم الرضاعة للرجل لِأَنَّ الرضاعة إِنَّمَا هُوَ للمرأة الَّتِي اللبن منها.
واستدلوا قَالُوا: وَيَدُلَّ عَلَيْهِ قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}[النساء/23]؛ قالوا فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْعَمَّةَ وَلَا الْبِنْتَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ, قَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}؛ ثُمَّ قَالَ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النساء/23]؛ فقط, وَلَمْ يذكر العمة ولا الخالة.
وَأُجِيب بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بَالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عداه ولاسيما وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ أيضًا مِنْ جهة النَّظَرِ, بعض المانعين من انتشار الحرمة من جهة الرجل, احتجوا من حيث النظر؛ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ عن الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ عن الْمَرْأَةِ, فَكَيْفَ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إِلَى الرَّجُلِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هذا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا كَالْجَدِّ, لَمَّا كَانَ سَبَبُ الْوَلَدِ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ وَلَدِ الْوَلَدِ به لتعلقه بولده, ولهذا أشار ابن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ, أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَطْءَ يُدِرُّ اللَّبَنَ فَلِلْفَحْلِ فِيهِ نَصِيبٌ.
الطالب: (.....)
الشيخ: نعم أدلة الحجاب كثيرة أصرحها حديث عائشة في البخاري قالت: «خمرت وجهي بجلبابي وَكَانَ يعرفني قبل الحجاب», صريح هَذَا من أصرح الأدلة, وَهَذَا من أدلة الحجاب, وَفِيهِ دليل عَلَى وجوب الحجاب والرد عَلَى أهل السفور.
حديث عائشة وإن كَانَ في سنده مقال في أبي داود «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزَنَا كَشَفْنَاهُ».
والآية الكريمة أَيْضًا {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب/53]؛ والحجاب هُوَ ما يحجب المرأة عَنْ الرجل قَدْ يكون باب قَدْ يكون جدار وَقَدْ يكون غطاء عَلَى الوجه.
وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب/59]؛ يَعْنِي ترخي الخمار من عَلَى رأسها وتستتر به وجهها وصدرها.
الأدلة كثيرة, لكن أهل السفور يَعْنِي يأبون إِلَّا أن يتبعون أهواؤهم, نسأل الله العافية.
(المتن)
باب في رضاعة الكبير
2058 - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، ح وحدثنا محمد بن كثير، قال أخبرنا سفيان، عن أشعث بن سليم، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، المعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، قال حفص: فشق ذلك عليه، وتغير وجهه، ثم اتفقا قالت: يا رسول الله، إنه أخي من الرضاعة، فقال: «انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة».
(الشرح)
هَذِهِ الترجمة في رضاعة الكبير, هَلْ يحرم أو لا يحرم؟ يَعْنِي إذا رضع الإنسان وَهُوَ كبير فهل يحرم أم لا يحرم؟ يَعْنِي ما بَعْدَ الحولين.
ذكر فِيهِ حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل ما يعرفه, «قال حفص», يَعْنِي حفص بن عمر الراوي, راوي الحديث «فشق ذلك عليه، وتغير وجهه»، يَعْنِي شق عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وجود رجل عِنْد عائشة ولا يعرفه, فتغير وجهه, وَفِيهِ مشروعية الغيرة عَلَى المحارم, وأن الإنسان مسئول عَنْ أهله «ثم اتفقا», يَعْنِي حفص بن عمر ومحمد بن كثير؛ لِأَنَّ السند قَالَ: (حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، ح وحدثنا محمد بن كثير).
«اتفقا, قالت: يا رسول الله، إنه أخي من الرضاعة»، يعني هذا أخي من الرضاعة فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على أن الرضاعة تحرم دل عَلَى أن الرضاعة يحرم, فقال: «انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة»؛ وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم حديث صحيح.
وفي رواية مسلم لما دخل عليها وَهُوَ عندها قالت: «اشتد ذَلِكَ عَلَيْهِ ورأيت الغضب في وجه, ثُمَّ اتفقا», يَعْنِي حفص ومحمد بن كثير فقال: «انظرن», يَعْنِي تفكرن واعرفن من إخوانكن, خشية أن تكون رضاعة ذَلِكَ الشخص كانت في حال الكبر, قَالَ: «انظرن من إخوانكن»، يَعْنِي تفكرن واعرفن من إخوانكن, خشية أن تكون رضاعة ذَلِكَ الشخص كانت في حالة الكبر «فإنما الرضاعة من المجاعة».
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ: مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الَّتِي بِهَا يَقَعُ الْحُرْمَةُ مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ, وَالرَّضِيعُ طِفْلٌ يُقَوِّيهِ اللَّبَنُ وَيَسُدُّ جُوعَهُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يَسُدُّ جُوعَهُ اللَّبَنُ وَلَا يُشْبِعهُ إِلَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَلَا حُرْمَةَ لَهُ.
معنى قول النَّبِيّ: «انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة», إن الرضاعة المحرمة ما كانت تشبع الجوعى, وَهَذَا يكون في الحولين, وَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أن رضاعة الكبير لا يحرم, الحديث دليل عَلَى أن الرضاعة المحرمة ما كانت في الحولين, حيث تسد جوعة الطفل, ودل الحديث بمفهومه عَلَى أن رضاع الكبير لا يحرم؛ لِأَنَّهُ لا يسد جوعه.
إذن الحديث له مفهوم وله منطوق:
مفهومه قَالَ: «فإنما الرضاعة من المجاعة».
منطوقه أن الرضاعة المحرمة ما كانت في الحولين حيث تسد جوعة الطفل, دل الحديث بمفهومه عَلَى أن رضاع الكبير لا يحرم لِأَنَّهُ لا يسد جوعه.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ الرَّضَاعِة, فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِنَّهَا حَوْلَانِ, واستدلوا بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة/233].
وَإِلَى هذا ذَهَبَ جمع من أهل العلم سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاحْتَجُّوا بالآية: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة/233]؛ قَالُوا فَدَلَّ أَنَّ مُدَّةَ الْحَوْلَيْنِ إِذَا انْقَضَتْ فَقَدِ انْقَطَعَ حُكْمُهَا, وَلَا عِبْرَةَ لِمَا زَادَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (.....) حَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ.
وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ ثَلَاثُ سِنِينَ.
وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ إِذَا كَانَتْ يَسِيرًا حُكْمَ الْحَوْلَيْنِ.
والصواب القول الأول أن مدة الرضاع حولان.
الطالب : (.....)
(المتن)
2059 - حدثنا عبد السلام بن مطهر، أن سليمان بن المغيرة، حدثهم عن أبي موسى، عن أبيه، عن ابن لعبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود، قال: «لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم»، فقال أبو موسى: «لا تسألونا وهذا الحبر فيكم».
(الشرح)
«ما شد العظم», يَعْنِي قواه وأحكمه, وشد العظم وإنبات اللحم لا يحصل إِلَّا إِذَا كَانَ الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعه؛ لِأَنَّ معدته تكون ضعيفة يكفيها اللبن, وينبت بِذَلِكَ لحمه ويشتد عظمه, فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مَعَ أولادها.
لكن الحديث ضعيف, في سنده مجهولان أحدها أبو موسى الهذلي والثاني أبوه قاله أبو حاتم الرازي, لكن الحديث شاهد لحديث عائشة السابق يشهد له.
قوله: «لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم»؛ يَعْنِي عبد الله بن مسعود والحبر هُوَ العالم, يقال: حَبر وحِبر, « لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم »؛ يَعْنِي العالم وَهُوَ عبد الله بن مسعود.
سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْهِلَالِيِّ فَقَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ,
الطالب : (.....)
هَذَا يكون شاهد الحديث السابق هُوَ العمدة رواه الشيخان, هذا ضعيف وَقَدْ يقال: يشهد له فيقويه, يَعْنِي الحديث الصحيح يشهد لهذا.
(المتن)
2060 - حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال حدثنا وكيع، عن سليمان بن المغيرة، عن أبي موسى الهلالي، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، وقال: أنشز العظم.
(الشرح)
لا رضاع إلا ما شد العظم هنا قَالَ: «إِلَّا ما أنشز العظم», أنشز بالزاي وفي أنشر, ما أنشز العظم, قَالَ الخطابي:أنشر العظم معناه ما شد العظم وقواه, والإنشار بمعنى الإحياء, أنشر العظم يَعْنِي أحياه, كما قَالَ سبحانه: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}[عبس/22].
ويروى: «أنشز العظم»؛ بالزاي, والمعنى أنشز زاد في حجمه فنشره, قَالَ السندي: أيْ رفعه وأعلاه أيْ أكبر حجمه, وَهَذَا ضعيف في سنده (.....) السابق ضعيف ولكن يكون شاهد.
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي حَالِ الصِّغَرِ؛ لِأَنَّه الْحَالُ الَّذِي يُمْكِنُ طَرْدُ الْجُوعِ فِيهَا بَاللَّبَنِ, وَإِلَى هذا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الصِّغَرِ, فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: مَهْمَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ رَضَاعَهُ يَحْرُمُ وَلَا يَحْرُمُ مَا كَانَ بَعْدَهُمَا, مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِ الله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة/233].
وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ: الرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِزَمَانٍ, قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ فُطِمَ وَلَهُ عَامٌ وَاحِدٌ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ هَذَا الرَّضَاعُ شَيْئًا, وَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ وَلَمْ يُفْطَمْ فَمَا يَرْضَعُه وَهُوَ فِي الْحَوْلَيْنِ يحَرمَ وَمَا كَانَ بَعْدَهُمَا لَا يَحْرم, وَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ, وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أخرى.
عَلَى كُلّ الحال أحاديث الباب تدل عَلَى أن الرضاع المحرم هُوَ ما كَانَ في الصغر, وأن رضاع الكبير لا يحرم, لكن الصغر تحديده أن يكون حولين,وَبَعْضُهُمْ قَالَ: ما زاد عليها ولو يسير يكون حكمه إذا زاد شيئًا يسيرًا, أو ما زاد عَلَيْهِ ستة أشهر.
لكن يتفقون عَلَى أن الرضاع المحرم هُوَ الرضاع في الصغر, وَأَمَّا رضاع الكبير فَإِنَّهُ لا يحرم.
(المتن)
باب فيمن حرم به
2061 - حدثنا أحمد بن صالح، قال حدثنا عنبسة، قال حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، كان تبنى سالمًا وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك {ادعوهم لآبائهم}[الأحزاب/5] إلى قوله {فإخوانكم في الدين ومواليكم}[الأحزاب/5] فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولا وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي، ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالما ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة، في بيت واحد، ويراني فضلا، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه» فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوانها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات، ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس، حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون النَّاس.
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, والترجمة قَالَ المؤلف: «باب من حَرَّمَ به), يَعْنِي برضاعة الكبير, الترجمة الأولى في رضاعة الكبير ذكر حديث أن رضاعة الكبير لا تحرم, وَهَذَا الباب فِيهِ حديث قصة سالم وأن رضاع الكبير يحرم.
قَالَ: (باب فيمن حرم به), يَعْنِي برضاعة الكبير.
قوله: «أن أبا حذيفة كان تبنى سالمًا», أيْ اتخذه ولدًا, وسالم هُوَ ابن معقل مولى أبي حذيفة,وَلَمْ يكن مولاه وَإِنَّمَا كَانَ يلازمه, وأنكحه يَعْنِي زوجه بنت الوليد, يَعْنِي بنت أخيه, وَهُوَ يَعْنِي سالم مولى لامرأة من الأنصار, وأبا حذيفة ذكر نسبه وَهُوَ ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس, «كَانَ تبنى سالمًا», يَعْنِي دعاه ولده عَلَى ما كَانُوا عَلَيْهِ في الجاهلية إِذَا أراد الإنسان أن يتبني فَإِنَّهُ يتبناه وينسب إليه, ويرثه, وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تبنى زيد بن حارثة, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أبطل الله التبني, فكان سالم ولدًا لأبي حذيفة تبناه وزوجه بنت أخيه, أنكحه ابنة أخيه وَهِيَ هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة, وَكَانَ مولًا لامرأة من الأنصار, كما تبنى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة, وَهُوَ الَّذِي ذكر اسمه في الْقُرْآن, لَمْ يذكر اسم صحابي في الْقُرْآن إِلَّا زيد, قَالَ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}[الأحزاب/37].
لَمْ يذكر في الْقُرْآن اسم صحابي باسمه إِلَّا زيد, حَتَّى أبو بكر وعمر ما ذكر اسمهما في الْقُرْآن.
«كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه», كَانَ يدعى إليه فكان زيد بن حارثة يسمى زيد بن محمد, وورث ميراثه حتى أنزل الله عز وجل في سورة الأحزاب {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبآئهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}[الأحزاب/5]».
أمر الله بأن ينسبوا إِلَى آبائهم الَّذِينَ ولدوهم, فَإِن لَمْ يعلم له أب فيكون أخٌ في الدين ومولى, قَالَ: «فردوا إلى آبائهم»، لما نزلت الآية ردوا إِلَى آبائهم, كُلّ واحد يرجع إِلَى أبيه, قال: «فمن لم يعلم له أب كان مولا وأخًا في الدين»، كما قَالَ الله: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب/5].
«فجاءت سهلة بنت سهيل»، امرأة أبي حذيفة «بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا»، يَعْنِي نراه ولدٌ لنا «وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة، في بيت واحد، ويراني فُضلاً»، يَعْنِي متبذلة, بضم الفاء وسكون الضاد, يَعْنِي متبذلة في ثياب المهنة, يقال: تفضلت المرأة إِذَا فعلت ذَلِكَ, وَقِيلَ: فُضلاً يَعْنِي تكون في ثوب واحد, وَقَالَ الخليل: رجلٌ فضل يَعْنِي متشوح في ثوب واحد, خالي من الطرفين, وَعَلَى هَذَا معنى الحديث أَنَّهُ كَانَ يدخل عليها وَهِيَ منكشف بعضها, وَقِيلَ: مكشوفة الرأس والصدر, وَقِيلَ: الفضل الَّذِي عَلَيْهِ ثوب واحد ولا إزار تحته.
وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: تَفَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا إِذَا كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَقَمِيصٍ لَا كُمَّيْنِ لَهُ, يَعْنِي يراها وَهِيَ متخففة من الثياب؛ لأنها تعتبره ولد لها, قالت: «وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ», أيْ أنزل الله ادعوهم لآبائهم.
«فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه, فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة».
ترضعيه يعني قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا, حلبت له اللبن فشرب من غير مس ثديها, قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رضع من ثديها ومَسِّه لِلْحَاجَةِ مخصوص كَمَا خُصَّ بَالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ.
فَلَمَّا أرضعت خمس رضعات صار ابنًا لها من الرضاعة, وصار يدخل عليها وزال الحرج.
قالت عائشة رضي الله عنها: «فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوانها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا خمس رضعات، ثم يدخل عليها», عائشة أخذت بِهَذَا الحديث بإطلاق, وتبعها بعض التابعين, فكانت ترى أن رضاع الكبير يحرم مطلقًا لحاجة ولغير حاجة, فكانت إِذَا أرادت أن يدخل عليها رجل, وَهِيَ ليس لها أولاد, تأمر بنات أخواتها أو بنات إخوانها أن يرضعنه خمس رضعات فتكون خالته من الرضاعة, فيدخل عليها.
أيْ واحد تريد أن يدخل عليها تقول: اذهب ارضع خمس رضعات من بنت أختي أو بنت أخي, ثُمَّ يدخل عليها, لكن أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلهن امتنعن, كُلّ أزواج النَّبِيّ امتنعن.
قَالَ: «وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليها بتلك الرضاعة أحدًا من النَّاس، حتى يرضع في المهد»، يَعْنِي أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أم سلمة وجميع أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلهن أبين أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة رضاعة الكبير أحدًا من النَّاس حَتَّى يرضع في المهد.
«وقلن لعائشة والله ما نرى لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون النَّاس», يَعْنِي قلن لها إن هَذِهِ رخصة خاصة بسالم , الحديث هَذَا استدلت به عائشة عَلَى أن رضاع الكبير يثبت به التحريم كإرضاع الصغير.
وإلى هَذَا ذَهَبَ جمع من التابعين ذَهَبَ إليه عروة بن الزبير وعطاء والليث بن سعد وابن علية وابن حزم, ذهبوا إِلَى أن رضاع الكبير يحرم بإطلاق.
وَذَهَبَ جماهير العلماء وسائر أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أن إرضاع الكبير لا يثبت به التحريم, عملاً بالأحاديث الدالة عَلَى اعتبار الحولين, الأحاديث السابقة «لا رضاع إِلَّا ما فتق إلا ما أنشز العظم», وَكَانَ في الحولين.
وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ سَالِمٍ هذه بأنها خاصة بسالم و امرأة أبي حذيفة, كما قال أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما نرى هَذَا إِلَّا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.
وأجاب بَعْضُهُمْ بأنها منسوخة, قَالُوا: هَذَا كَانَ أولًا.
إذن أجابوا بجوابين:
الأول: أَنَّهَا خاصة بسالم وأبي حذيفة.
الثاني: أَنَّهَا منسوخة.
وَذَهَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إِلَى أن الرضاع يعتبر فِيهِ الصغر إِلَّا ما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير, شيخ الإسلام توسط قول وسط بين قول عائشة وبين الجمهور, عائشة تقول: إن رضاع الكبير يحرم بإطلاق, والجمهور يمنعون من إرضاع الكبير قَالُوا: لا يحرم بإطلاق.
وأجابوا عَنْ هَذَا بأنه إِمَّا خاص بسالم أو أَنَّهُ منسوخ, وَذَهَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إِلَى أن الرضاع يعتبر في الصغر إِلَّا ما دعت إليه الحاجة, يرى ما يراه الجمهور إلى أن المحرم هُوَ الرضاع في الصغر, لكن يستثنى ما بقي للحاجة, كرضاع الكبير الَّذِي لا يستغني عَنْ دخوله عَلَى المرأة, ويشق احتجابها منه.
وَعَلَى هَذَا يكون جمعٌ بين الأحاديث, والقاعدة: أَنَّهُ إِذَا أمكن الجمع بين الأحاديث فَإِنَّهُ لا يعدل عنه, فَإِن لَمْ يمكن, القاعدة عِنْد أهل العلم إِذَا تعارض حديثان فَإِنَّهُ ينظر في الجمع, فَإِن أمكن الجمع أخذ به, وإن لَمْ يمكن نظر في التاريخ, فالمتأخر ينسخ المتقدم, فَإِن لَمْ يمكن فالترجيح, فَإِن لَمْ يمكن فالتوقف.
شيخ الإسلام يَقُولُ: هنا أمكن الجمع بينهما, نقول: نعم الأحاديث تدل عَلَى أن المحرم ما كَانَ في الصغر, وحديث عائشة قصة سالم يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ عِنْد الحاجة لا بأس يكون رضاع الكبير يحرم عِنْد الحاجة؛ الَّتِي تدعو إِلَى ذَلِكَ, كأن يكون هناك شخص لا يستغنى عَنْ دخول عَلَى المرأة ويشق احتجابها منه.
ومن قَال بأنه منسوخ أقروا بِأَنَّ قِصَّةَ سَالِمٍ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ, وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ, فَدَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهَا.
لكن بَعْضُهُمْ أجاب بأن هَذَا مُسْتَنَدٌ ضَعِيفٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إِسْلَامِ الرَّاوِي وَلَا مِنْ صِغَرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا رَوَاهُ مُتَقَدِّمًا.
وَأَيْضًا في سياق قصة سالم ما يشعر بصدق الحكم باعتبار الحولين؛ لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه حيث قَالَ لها النَّبِيّ: « أرضعيه, قَالَتْ كَيْفَ أُرْضِعهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم», وفي رواية: «فَقَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ, قَالَ: أرضعيه», وَهَذَا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم.
والقول الثاني أَنَّهُ دعوة خصوصية لسالم وَأَنَّهُ خاص بسالم وأبي حذيفة, والأصل في هذا قول أم سلمة وأزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما نرى هَذَا إِلَّا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة, قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ, وَقَدِ اعْتَرَفْنَ بِصِحَّةِ الْحُجَّةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا عَائِشَةُ.
وَقَالُوا: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما بين أَنَّهَا خاصة بسالم, ولو كانت هَذِهِ السنة مختصة لسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين اختصاص أبو بردة بالتضحية بالجذع من الماعز.
ومن أدلتهم قَالُوا: حَدِيثُ: «إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» وَحَدِيثُ «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» وَحَدِيثُ «لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» وَحَدِيثُ «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ».
وشيخ الإسلام قَالَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تدل بِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّغَرُ إِلَّا فِيمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَرَضَاعِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْ دُخُولِهِ, وَيُجْعَلُ حَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي, أي اختيار شيخ الإسلام, الشوكاني اختار هَذَا وَقَالَ: هَذِهِ طَرِيقَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرِيقَةِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِرَضَاعِ الْكَبِيرِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ رَضَاعَ الْكَبِيرِ كَرَضَاعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا.
يَعْنِي الجمهور قَالُوا: لا حكم لرضاع الكبير مطلقًا, وعائشة وبعض التابعين قَالُوا: رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقًا أيْ يحرم.
لكن قول شيخ الإسلام الآن متمشي مَعَ القاعدة, لكن جمهور العلماء الآن نظروا إِلَى أمر آخر وَهُوَ أَيْضًا سد الذريعة ولاسيما في هَذَا الزَّمَان, في زمننا الآن القول بأن رضاع الكبير يحرم فِيهِ وسيلة إِلَى الفساد, في هَذَا الزَّمَان الَّذِي تدعي المرأة عندها سائق ولا خادم أَنَّهَا أرضعته, بأن يدخل عليها ويخلوا بها.
كُلّ واحدة عندها سائق فليبيني تخليه يدخل عليها وتقول: أرضعته خلاص هَذَا ولدي, يصير فتح باب للشر كبير, فينبغي سد الباب في هَذَا, فقول الجمهور فِيهِ سدٌ للباب في هَذَا, وَقَدْ يكون في زمن الصَّحَابَة ليس عندهم هَذَا الْأَمْرِ, لكن الآن وجد في زماننا الآن, باب لا يسد.
لو قِيلَ: إن كُلّ واحدة ترضع من شاءت, هذه ترضع هَذَا سائق وَهَذَا مزارع وَهَذَا طباخ وَهَذَا كذا, وَهَذَا خادم في البيت, وَكُلّ واحد ترضعه تقول: هَذَا أرضعته ويحصل الفساد والشر.
إِلَّا لو قِيلَ بأن كُلّ حالة خاصة لَابُدَّ أن يرجع فِيهَا عالم أو إِلَى محكمة تنظر في هَذِهِ القضية, وَهَذَا أمر متعسر.
وَعَلَى هَذَا فالراجح قول الجمهور وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ العمل وَعَلَيْهِ الفتوى, وإن كَانَ فِيهِ إشكال من جهة الخصوصية وجهة النسل, اللَّهُمَّ إِلَّا أن يؤخذ بقول شيخ الإسلام بأن يقال: أن كُلّ قضية لَابُدَّ أن ينظر فِيهَا عالم ويفتيهم في هَذَا, وَأَنَّهُ لا يترك هَذَا الْأَمْرِ إِلَى المرأة وتدعي أَنَّهَا أرضعت, ولكن هَذَا فِيهِ سد للباب.