شعار الموقع

شرح كتاب النكاح من سنن أبي داود_6

00:00
00:00
تحميل
83

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء 

2068 - حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال أخبرني عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن قول الله تعالى، {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/3]، قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله عز وجل {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}[النساء/127]. قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله تعالى فيها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/3]، قالت عائشة: وقول الله عز وجل في الآية الآخرة {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}[النساء/127]. هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن. قال يونس: وقال ربيعة: في قول الله عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}[النساء/3]. قال: يقول: «اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعًا». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى في حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا فسرت لابن أختها عروة بن الزبير هاتين الآيتين من سورة النساء, وفي رواية أخرى أن عروة سألها ففسرت له هاتين الآيتين, «أخبرني عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم»، عروة بن الزبير هُوَ ابن أختها أسماء, أمه أسماء بنت أبي بكر, أَنَّهُ سأل عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, عائشة رضي الله عنها فقيهة بَلْ هِيَ أفقه امرأة, ولكن قَدْ يخفى عليها أحيانًا بعض العلم في أشياء معدودة وردت بها السنة. 

عروة سأل عائشة عَنْ هَذِهِ الآية{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/3]، يَعْنِي سألها عَنْ معنى هَذِهِ الآية. 

فـ«قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن». 

يَعْنِي هَذِهِ الآية إِنَّمَا تكون في اليتيمة الَّتِي تكون في حجر وليها, وتكون اليتيمة هَذِهِ فقدت أباها وفقدت أخاها وصار وليها ابن عمها مثلاً, فابن عمها يكون وليها ويكون شريكًا لها في المال, قال فَإِذَا توفى الجد وَهِيَ ابنة عمه هُوَ يرث وَهِيَ ترث من مال الجد, قَدْ يكون مالهم واحد, قَدْ يكون دخل واحد. 

فَهِيَ تشاركه بمالها, فيعجبه مالها وجمالها, فيريد أن يتزوجها هُوَ بغير أن يقسط في ماله, يَعْنِي بغير أن يعدل, فلا يعطيها مثل ما يعطي غيره. 

لما كانت يتيمة في حجره وَهُوَ وليها يبخسها حقها فيتزوجها بأقل من صداق مثلها, أو إِذَا أراد أن يزوجها غيره يمنعها؛ لِأَنَّهُ إِذَا زوجها غيره يكون هَذَا الزوج يشاركه في الميراث؛ لأنها ترث وَهُوَ يشارك ميراث زوجته, فَهُوَ إِمَّا أن يحبسها فلا يزوجها؛ حَتَّى لا يأتي شخص ثالث يزاحمهم في الإرث, أو إِذَا أراد أن يتزوجها هُوَ يبخسها حقها فلا يعطيها من الصداق مثل ما يعطيها غيره. 

ولهذا قالت عائشة: «يا ابن أختي هِيَ اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها», جميلة وعندها مال وَهُوَ شَرِيك لها؛ لأنها بنت عمه, « فيريد وليها أن يتزوج بغير أن يقسط»؛ يَعْنِي بغير أن يعدل في صداقها, فيعطيها مثل ما يعطيها غيره. 

«فنهوا», يَعْنِي أولياء اليتامى «أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن»، يَعْنِي إِلَّا أن يعدلوا لهن, يعطيها مثل ما يعطيها غيره, إِذَا كَانَ النَّاس يدفعون عشرة يدفع عشرة, إِذَا كَانَ النَّاس يدفعون أربعين النَّاس يدفع أربعين, إِذَا كَانَ الناس يدفعون خمسين يعطيها خمسين, يعطيها مثل (.....) ما يبخسها, وَهَذِهِ نزلت في أولياء اليتامى إِذَا كَانَ النَّاس يدفعون أربعين يعطيها عشرين يعطيها عشرة؛ لأنها يتيمة وفي حاجة إليه ولا في أحد يطالبه. 

قَالَ: «فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن», يَعْنِي إِلَّا أن يعدلوا لهن «ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق»، يَعْنِي أعلى طريقتهن وعادتهن. 

«وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن»، يَعْنِي إِذَا كَانَ لا يريد أن يعطيها حقها ينكح سواها من النساء, يتركها حَتَّى يأتي واحد يعطيها حقها « وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن», أيْ سوى اليتامى بأي مهر توافقوا عَلَيْهِ.  

«قال عروة: قالت عائشة», وَهَذَا معطوف عَلَى الإسناد المذكور «ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله عز وجل{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}[النساء/127]. قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب وهي  في أول سورة النساء الآية الثانية أو الثالثة التي قال الله فيها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى يعني ألا تعدلوا فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/3]», يعني إِذَا خفتم ألا تعدلوا في هَذِهِ اليتيمة انكح سواها واتركها هي, يأتيها كفء تأخذ حقها كاملاً. 

«قالت: وقول الله عز وجل في الآية الآخرة {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}[النساء/127]. هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن». 

يَعْنِي إِذَا كانت اليتيمة (.....) قليلة المال والجمال تركها, وزوجها, وَإِذَا كانت لها مال ولها جمال تزوجها, يَعْنِي هَذِهِ بهذه, فكما أَنَّهَا إِذَا كَانَ لها مال وجمال تتزوجها, وَإِذَا كانت قليلة المال والجمال تتركها, فَإِذَا تزوجتها فأعطها مهرها كاملاً, مقابل أنك إِذَا لَمْ ترغب فِيهَا لقلة مالها وجمالها تتركها. 

فرغبتك فِيهَا إِذَا كانت قليلة المال والجمال يدعوك إِلَى أن تعطيها حقها في المهر كامل, هَذَا مقابل تركها لو كانت قليلة المال والجمال, وَهَذَا معنى قولها: هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط»، يَعْنِي بالعدل وَهُوَ إعطائها مهرها كاملاً «من أجل رغبتهم عنهن». 

وفي هَذَا الحديث اعتبار المثل في اليتامى في المحجورات اليتامى وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذَلِكَ, يَعْنِي غير اليتيمة يجوز لأبيها أن ينقص من مهر المثل, إِذَا تزوجت ابنتها ونقص (.....) فلا بأس, لكن اليتيمة ليس لوليها أن ينقصها من حقها, تعطى حقها كاملاً.  

«قال يونس», هَذَا يونس ابن ربيعة, شيخ الإمام مالك في قول الله عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}[النساء/3]», يَقُولُ: إن خفت ألا تعدل اتركها « فقد أحللت لكم أربعًا». 

إِذَا خفت ألا تعدل في هَذِهِ اليتيمة اتركها وتزوج غيرها, أحل الله لك غيرها, وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي, وَفِيهِ دليل عَلَى وجوب العدل في اليتيمة وَأَنَّهُ لا يجوز لوليها أن يبخسها حقها إِذَا أراد أن يتزوجها. 

كما أَنَّهَا إِذَا كَانَ قليلة المال والجمال تركها إِلَى غيره, فكذلك إِذَا كانت ذات مال وجمال وأراد أن يتزوجها أن يعطيها حقها ويبلغ بها أعلى سنتها في الصداق, أعلى ما يعطى أمثالها. 

وَفِيهِ دليل عَلَى أن الله يفتي, في قوله: { قل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}, وصف الله بأنه يفتي, وَفِيهِ دليل عَلَى العناية باليتامى وأن الله تعالى أوصى الأولياء باليتامى؛ لِأَنَّهُم قَدْ يتساهل فيهم لضعفهن وعدم وجود من يطالب بحقهن, والله تعالى تكفل بحقهن وأوصى الأولياء أن يعطوهم أن يعطوا اليتامى حقهم. 

وفي الحديث يَقُولُ: «أحرج حَقّ الضعيفين المرأة والصبي», أو كما جاء في الحديث عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم . 

وسعيد بن جبير يعني تأول هَذِهِ الآية في الغنية والمعدمة, فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي الْغَنِيَّةِ وَالْمُعْدِمَةِ, الغنية يعطيها حقها, وكما أن المعدمة يتركها فالغنية إِذَا رغب فِيهَا يعطيها حقها ، فسعيد بن جبير يقول هَذِهِ الآية في الغنية والمعدمة. 

وعَائِشَةَ فسرت الآية الأولى قالت: الآية الأولى في المعدمة, وَهَذِهِ الآية في الغنية {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ}؛ هَذِهِ في الغنية, {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}؛ هَذِهِ في المعدمة في الفقيرة. 

(فنهوا) أَيْ نُهُوا عَنْ نِكَاحِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا لِجَمَالِهَا وَمَالِهَا لِأَجْلِ زُهْدِهِمْ فِيهَا إِذَا كَانَتْ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ, فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْيَتِيمَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فِي الْعَدْلِ, (مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ), وفي الْبُخَارِيُّ زيادة (إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ). 

بَعْضُهُمْ استنبط جَوَازُ تَزْوِيجِ الْيَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقَالُ لَهُنَّ يَتِيمَاتٌ لكن ليس بظاهر لأن (.....) سماها يتيمة اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِنَّ. 

والمؤلف رحمه الله أدخل هَذَا الباب في المحرمات من النكاح فِيهِ دليل عَلَى تحريم نكاح اليتيمة بغير إعطائها قسطها, يحرم عَلَى الولي أن يتزوجها ولا يعطيها حقها, إِمَّا أن يعطيها حقها أو يتركها كما قالت عائشة رضي الله عنها وكما في هَذِهِ الآية {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ} [النساء/127].  

(المتن) 

2069 - حدثنا أحمد بن حنبل، قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال حدثني أبي، عن الوليد بن كثير، قال حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، أن ابن شهاب، حدثه، أن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها، قال: فقلت له: لا، قال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدًا حتى يبلغ إلى نفسي، إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: «إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها» قال: ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحرم حلالًا، ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانًا واحدًا أبدًا ". 

2070 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، وعن أيوب، عن ابن أبي مليكة، بهذا الخبر قال: فسكت علي رضي الله عنه عن ذلك النكاح. 

2071 - حدثنا أحمد بن يونس، وقتيبة بن سعيد المعنى - قال أحمد - أخبرنا الليث، قال حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي، أن المسور بن مخرمة، حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب فلا آذن، - ثم لا آذن -، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها». والإخبار في حديث أحمد. 

(الشرح) 

وهذان الحديثان في قصة خطبة علي رضي الله عنه لابنة أبي جهل, وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم منعه من ذَلِكَ, وساقه من طريقين:  

الطريق الأولى: «من طريق أحمد بن محمد بن حنبل, قَالَ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال حدثني أبي، عن الوليد بن كثير، قال حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي»، ويقال الدُلي «أن ابن شهاب، حدثه، أن علي بن الحسين حدثه». 

والطريق الأخرى: أَيْضًا كَذَلِكَ عَنْ طريق المسور بن مخرمة, قَالَ: أخبرنا الليث عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي، أن المسور بن مخرمة حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر. 

فعلى بن الحسين هَذَا هُوَ زين العابدين, علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب, حدثهم أَنَّهُمْ حين قدموا المدينة من عِنْد يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي, يَعْنِي بَعْدَمَا الحسين بن علي غدر به الكوفة لما وعوده وأتوا نصح رضي الله عنه وَقِيلَ له: ترى أهل العراق عندهم غدر فلا تذهب, ولكنه ذَهَبَ لأمر كتبه الله فقتل رضي الله عنه. 

فرجع ابن علي بن الحسين «فقدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي ، فلقيه المسور بن مخرمة، فقال», يَعْنِي قَالَ مسور بن مخرمة لعلي بن الحسين «هل لك إلي من حاجة تأمرني»، وَكَانَ مقتل الحسين في اليوم العاشر من شهر محرم سنة إحدى وستين, ولهذا كَانَ الرافضة يتخذون هَذَا اليوم يوم مأتم إِلَى الآن, يضربون صدورهم ورؤوسهم بالسلاسل, وَبَعْضُهُمْ حَتَّى بالأمواس يضربون رؤوسهم, الشيعة في باكستان وغيرهم بالأمواس يضربون رؤوسهم, حَتَّى يخرج الدم وتسيل الدماء, هَذَا عذاب معجل في الدنيا نعوذ بالله نسأل الله السلامة والعافية. 

فقال: هَلْ لك من حاجة», والمسور بن مخرمة هَذَا صحابي وأبوه صحابي, فقال لعلي بن الحسين, هَلْ لك من حاجة, ثُمَّ قَالَ: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم»,ولعل  هَذَا السيف الَّذِي يسمى ذي الفقار, وَقِيلَ: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهبه لعلي قبل موته, ثُمَّ انتقل إِلَى آله, وأراد المسور بِذَلِكَ صيانة سيف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره, ولهذا قَالَ: « هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عَلَيْهِ», يَعْنِي يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء, ثُمَّ أقسم المسور قَالَ: «وايم الله», هَذَا قسم يَعْنِي وأيمن الله «لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدًا حتى يبلغ إلى نفسي»، يَعْنِي أقسم بأنه إِذَا أعطاه فَإِنَّهُ لا يصل إليه أحد ولا يأخذه أحد؛ حَتَّى ما دام يستطيع الدفاع عنه؛ حَتَّى يقتل, يَعْنِي لا يصل إِلَى السيف حَتَّى يبلغ إِلَى نفسي, وفي رواية البخاري: «حَتَّى تبلغ نفسي أو تقبض روحي». 

ثُمَّ حدث المسور حدث علي بن الحسين, علي بن الحسين صغير وأبوه الحسين صغير لما توفي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, الحسن والحسين كانا بين ست وبين سبع, ولكن المسور كَانَ كبير, يَقُولُ: كَانَ قَدْ احتلم, يَعْنِي بلغ. 

قَالَ المسور: «إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره», القائل هَذَا المسور بن مخرمة يحدث علي بن الحسين زين العابدين «هذا، وأنا يومئذ محتلم»، يَعْنِي بالغ يَعْنِي بلغ الاحتلام يَعْنِي ابن خمسة عشر سنة أو قريب من هذا «فقال», يَعْنِي قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته «إن فاطمة مني»، وفي اللفظ الآخر: «بضعة مني».  

«وأنا أتخوف أن تفتن في دينها», يَعْنِي بسبب الغيرة لا تتحمل, وَذَلِكَ أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وَقِيلَ: اسمها جويرة وَقِيلَ: اسمها جميلة, فقال النَّبِيّ: أنا أتخوف عليها يَعْنِي بسبب الغيرة تفتن في دينها. 

 قَالَ: «قال: ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن»، وَهَذَا هُوَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالصِّهْرُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَعلى أَقَارِبِهِ وَعلى أَقَارِبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ صَهَرْتُ الشَّيْءَ وَأَصْهَرْتُهُ إِذَا قَرَّبْتُهُ, وَالْمُصَاهَرَةُ مُقَارَبَةٌ بَيْنَ الْأَجَانِبِ والأباعد. 

«فَأَحْسَنَ» أَيْ فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ «حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي», وَذَلِكَ أَنَّهُ وعد النَّبِيّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيه زَيْنَبَ لَمَّا أسر ابي العاص ابن ربيع زوج زينب أُسِرَ بِبَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَفُدِيَ, شَرَطَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْسِلَ لَهُ زينب فوفى له, وَأُسِرَ أَبُو الْعَاصِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَجَارَتْهُ زَيْنَبُ فَأَسْلَمَ وَرَدَّهَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نِكَاحِهِ, وَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بالناس. 

النَّبِيّ أثنى عَلَيْهِ قَالَ إنه: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي», وعده فأرسل إليه ابنته زينب, وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إني لست أحرم حلالًا، ولا أحل حرامًا»، يَعْنِي أن بنت أبي جهل ليست حرام يجوز لعلي أن يتزوجها, لكن لا يجوز له أن يجمع بينها وبين بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لا تتحمل بسبب الغيرة, ولأنها حصلت لها شدة فقدت أمها وفقدت أخواتها, وَلَمْ يَبْقَ لها إِلَّا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ لا تتحمل الضرة. 

فالحديث يَدُلَّ عَلَى إباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي رضي الله عنه لكن نهي عَنْ الجمع بينها وبين بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يؤذيها, وأذاها أذية للنبي صلى الله عليه وسلم, وخوف الفتنة عليها بسبب الغيرة فيكون من جملة محرمة النكاح الجمع بين بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين بنت عدو الله, ولهذا قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانًا واحدًا». 

إذًا الممنوع الجمع بينها وبينها, وليس الممنوع أن يتزوج بنت أبي جهل, ولهذا في الرواية الثانية قَالَ: «إِنَّهُ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى المنبر يَقُولُ: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب». 

هنا فِيهِ أَنَّهُمْ يَعْنِي أخوتها بنوا هشام جاءوا يستأذنوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يزوجوا عليًا, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم منعهم, فقال: «فلا آذن ثُمَّ لا آذن ثُمَّ لا آذن», للتأكيد, إشارة إِلَى تأبيد مدة المنع, وَأَنَّهَا ما دامت مدة حياة فاطمة فلا يجوز له أن يجمع بينهما, ولو توفت فاطمة جاز له أن يتزوجها. 

كرر ذَلِكَ تأكيدًا قَالَ: «فلا آذن ثُمَّ لا آذن ثُمَّ لا آذن », فيه إشارة إِلَى تأبيد مدة المنع؛ كأنه أراد رفع الاحتمال, الاحتمال أن يحمل النفي عَلَى مدة بعينها. 

قَالَ: «إِلَّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وأن ينكح ابنتهم», في هَذِهِ الحال لا بأس, إِذَا طلق بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم له أن يتزوجها, وَقَالَ: «فإنما ابنتي بضعةٌ مني», بضعة يَعْنِي قطعة منى, قِيلَ: السبب في ذَلِكَ أَنَّهَا أصيبت في أمها ثُمَّ أخواتها, فلم يبقى لها شَيْء مِمَّا تستأنس مما يخفف عليها, ممن تفضي لها بسرها إِذَا حصلت لها الغيرة. 

«إِنَّهَا بضعة مني يريبني ما أرابها», وفي رواية مسلم «يريبني ما رابها», من الثلاثي, والريب هُوَ الشيء الَّذِي تخاف عقباه, يقال: رابني الْأَمْرِ يَعْنِي تيقنت من الريبة. 

قَالَ الحافظ: يؤخذ من الحديث أَنَّ فَاطِمَةَ لَوْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ عَلِيٌّ مِنَ التَّزْوِيجِ بِهَا, والحديث صحيح, أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة. 

والحديث فِيهِ فوائد دل عَلَى فوائد من هَذِهِ الفوائد كما ذكر العلامة ابن القيم وغيره النهي عَنْ الجمع بين فاطمة بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين بنت عدو الله أبي جهل, فيكون من جملة المحرمات, وَهَذَا خاص بفاطمة؛ لِأَنَّ ذلك يؤذيها, وأذاها يؤذي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. 

ومن الفوائد فِيهِ النهي عَنْ الجمع بين فاطمة بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين بنت عدو الله أبي جهل فيكون هَذَا من جملة المحرمات, وَهَذَا خاص بفاطمة؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يؤذيها وأذاها يؤذي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأذية النبي حرام, قَالَ الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا }[الأحزاب/53]. 

وفي الحديث دليل عَلَى جواز نكاح بنت أبي جهل لعلي, وَأَنَّهُ جائز لعلي أن ينكحها, لكن لا يجوز لها أن يجمع بينها وبين بنت النَّبِيّ, لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث: «وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا», لكن المحرم الجمع بينها وبين فاطمة فيكون من جملة المحرمات, الرَّسُوْل يَقُولُ: أنا ما أحرم الحرام ولا أحل الحرام, لكن فاطمة لا تتحمل أن يجمع بينها وبين غيرها. 

وَفِيهِ تحريم أذى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بكل وجه من الوجوه, وإن كَانَ فعلاً مباحًا, تحريم أذى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأي وجه من الوجوه وإن كَانَ فعلاً مباحًا, فَإِذَا تأذى به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يجوز فعله, تحريم أذى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بكل وجه, ولو كان هَذَا الشيء مباحًا, لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا }[الأحزاب/53].  

وَفِيهِ من الفوائد: غَيْرَة الرَّجُل وَغَضَبه لِابْنَتِهِ وَحُرْمَته. 

وَفِيهِ بَقَاء عَار الْآبَاء فِي الْأَعْقَاب لِقَوْلِهِ: «بِنْت عَدُوّ اللَّه», بقاء عار الأباء في الأعقاب وبقاء أهل الصلاح في الآباء في الأعقاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف/82]. 

وَفِيهِ فَضْل فَاطِمَة وَأَنَّهَا سَيِّدَة نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة. 

وَفِيهِ ثَنَاء الرَّجُل عَلَى زَوْج اِبْنَته بِجَمِيلِ أَوْصَافه وَمَحَاسِن أَفْعَاله؛ لِأَنَّهُ ذكر صهرًا لأبو العاص وأثنى عَلَيْهِ قَالَ: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي». 

وَفِيهِ أَنَّ أَذَى أَهْل بَيْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِرَابَتهمْ أَذًا للنبي صلى الله عليه وسلم. 

وَهَذِهِ الفوائد أشار إليها ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن, وقوله: «بنت عدو الله», فِيهِ إشعار بأن الوصف وصف تأثير في المنع, مَعَ أَنَّهَا كانت مسلمة حسنة الإسلام, جميلة بنت أبي جهل. 

الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم بنت عدو الله هذا ليس فيه إذاء لهذه المرأة. 

الشيخ: لا, فَهُوَ وصف لها, أبو طالب عم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما مات, قَالَ لعلي: «إن عمك الشيخ الضال قَدْ مات», اذهب فواره, هَذَا وصف له. 

أَمَّا في الحديث الأخير قَالَ: حدثنا أحمد بن يونس وقتيبة بن سعيد, قَالَ المؤلف: والإخبار في حديث أحمد, يَعْنِي المعنى أن أحمد بن يونس شيخ المؤلف قَالَ أخبرني, هَذَا من الدقة في التعبير؛ يَعْنِي صرح بالإخبار. 

وقتيبة قَدْ يكون صرح بالتحديث, قَالَ: حدثني (.....) وَكَانَ الإمام مسلم رحمه الله في هَذَا يحتاط في العبارات, قَالَ: حديث فلان وفلان قَالَ أحدهم أخبرني وَقَالَ أحدهم حدثني مَعَ أَنَّهَا متقاربة, لكن من الدقة في النقل. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد