شعار الموقع

شرح كتاب النكاح من سنن أبي داود_7

00:00
00:00
تحميل
91

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين 

خذ المكبر 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين 

                               (المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه:  

باب في نكاح المتعة 

2072 - حدثنا مسدد بن مسرهد،قال حدثنا عبد الوارث، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال له رجل: يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عنها في حجة الوداع». 

بعده 

2073 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس،قال حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ربيع بن سبرة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «حرم متعة النساء». 

(الشرح) 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن والاه 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في نكاح المتعة), نكاح المتعة هُوَ تزويج المرأة إِلَى أجل, وأن يتزوج المرأة إِلَى أجل فَإِذَا انقضى وقعت الفرقة بينهما, كأن تزوجها مد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين ثُمَّ يفارقها. 

ذكر فِيهِ حديث سبرة من طريقين, الأول قال: «نهى عنها في حجة الوداع». 

والثاني:أن رسول الله-صلي الله عليه وسلم  «حرم متعة النساء». 

والمؤلف رحمه الله ما جزم في الترجمة قَالَ: (باب في نكاح المعتة), يَعْنِي ما جاء فِيهَا, هَلْ تحرم أو لا تحرم لوجود الخلاف, ونكاح المتعة دل هَذَا الحديث عَلَى تحريمه, والحديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة نهى عنها في حجة الوداع والنهي  للتحريم. 

وفي الرواية الأخرى صرح بأنه قَالَ: «حَرَّمَ النَّبِيّ متعة النساء». 

وإلى هَذَا ذَهَبَ جماهير العلماء من السَّلَف والخلف إِلَى تحريم نكاح المتعة, ونكاح المتعة كَانَ مباحًا في أول الإسلام بَعْدَمَا اشتدت العزبة عَلَى الصَّحَابَة, أبيحت نكاح المتعة ثُمَّ حرمت, وجاء ما يَدُلَّ عَلَى أَنَّهَا أبيحت ثُمَّ حرمت مرتين. 

وَقَدْ روي نسخ المتعة بَعْدَ الترخيص في ستة مواطن, الأول في خيبر والثاني في عمرة القضاء والثالث عام الفتح والرابع عام أوطاس, والخامس غزوة تبوك والسادس في حجة الوداع, فهذه هِيَ الَّتِي أوردت, إِلَّا أن في ثبوتها خلافًا. 

قَالَ النووي-رحمه الله-: الصَّوَابُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا وَإِبَاحَتَهَا وَقَعَا مَرَّتَيْنِ فَكَانَتْ مُبَاحَةً قَبْلَ خَيْبَرَ حُرِّمَتْ فِيهَا ثُمَّ أُبِيحَتْ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ عَامُ أَوْطَاسٍ ثُمَّ حُرِّمَتْ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا. 

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاهِيرُ العلماء مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ –إِلَى أن نكاح المتعة محرم- وَذَهَبَ إِلَى بَقَاءِ الرُّخْصَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَة لكن روِيَ رُجُوعُهُمْ وَقَوْلُهُمْ بَالنَّسْخِ, وَمِنْ ذلك أن ابن عَبَّاسٍ رُوِيَ عَنْهُ بَقَاءُ الرُّخْصَةِ, ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى الْقَوْلِ بَالتَّحْرِيمِ. 

قَالَ الْبُخَارِيُّ-رحمه الله-: بَيَّنَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ منسوخ, وأخرج بن مَاجَهْ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ حَرَّمَهَا وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَمَتَّعَ وَهُوَ محصن إلا رجمته بالحجارة»؛-رضي الله عنه- يَعْنِي يكون زانيا. 

وقال ابن عُمَرَ. نَهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كُنَّا مُسَافِحِينَ.والحديث إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ. 

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ إِبَاحَتَهَا قَطْعِيٌّ وَنَسْخَهَا ظَنِّيٌّ هذا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الرَّاوِينَ لِإِبَاحَتِهَا رَوَوْا نَسْخَهَا. 

وقَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيّ-رحمه الله-: تَحرِيمُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَالْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حَرَّمَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُمَّةِ إِلَّا شَيْئًا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الروافض. 

الروافض لازالوا باقين عَلَى نكاح المتعة إِلَى الآن, وهم يبيحون نكاح المتعة ويفعلونها ويكاثرون أهل السنة؛ حَتَّى كثر أولادهم بسبب نكاح المتعة, وهم عندهم الآن حرص عَلَى التكاثر, ويزوجون أولادهم وهم صغار, هَذَا معروف عَنْ الرافضة, أبناء عشر سنين, فينسلون, بينما أهل السنة يتأخرون في النكاح, قَدْ يبلغ أحدهم الواحد والثلاثين والأربعين وما تزوج, وَهَذَا موجود وواقع الآن. 

لما حصل نزاع بين رافضي وسني مصادمة في السيارة, ونظروا إِلَى الأولاد وجد الرافضي هَذَا وهو ابن الأربعين له ما يقرب من عشرين وهو , والسني هاذا ما له ألا ولد أو ولدين وَهُوَ مقارب له في السن, فهم يتكاثرون. 

 وكان ابن عَبَّاسٍ يَتَأَوَّلُ فِي إِبَاحَتِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ بِطُولِ الْعُزْبَةِ وَقِلَّةِ الْيَسَارِ وَالْجِدَةِ, في الأول كَانَ ابن عباس يتأول أَنَّهَا مباحة للمضطر الَّذِي تطول عَلَيْهِ العزبة وليس عنده مال.  

ثُمَّ تَوَقَّفَ عنها وأمسك عن الفتوى, هَذا من كلام الخطابي, وَقَالَ الخطابي: قالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَامٍ السَّوَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ– سعيد بن جبير من تلاميذ ابن عباس -قال قلت لأبن عباس  هَلْ تَدْرِي مَا صَنَعْتَ وبما أَفْتَيْتَ؟ -لِأَنَّهُ يفتي بنكاح المتعة- وَقَدْ سَارَتْ بِفُتْيَاكَ الرُّكْبَانُ انتشرت فتواك وَقَالَتْ فِيهِ الشُّعَرَاءُ, قَالَ: وَمَا قَالَتْ قُلْتُ قَالُوا قَدْ قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا بن عباس هل لَكَ فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٌ تكُونُ مَثْوَاكَ حتى مصدر النَّاس.  

فقال ابن عَبَّاسٍ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَاللَّهِ مَا بِهَذَا أَفْتَيْتُ, وَلَا هَذَا أَرَدْتُ وَلَا أَحْلَلْتُ إِلَّا مِثْلَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ, وَمَا هِيَ إِلَّا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ. 

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ إِنَّمَا سَلَكَ فِيهِ مَسْلَكَ الْقِيَاسِ وَشَبَّهَهُ بَالْمُضْطَرِّ إِلَى الطَّعَامِ وَهُوَ قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَتَحَقَّقُ كَهِيَ فِي بَابِ الطَّعَامِ؛ الَّذِي بِهِ قِوَامُ الْأَنْفُسِ وَبِعَدَمِهِ يَكُونُ التَّلَفُ -نعم الطعام يكون به التلف- وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ بَابِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ, وَمُصَابَرَتِهَا مُمْكِنَةٌ وَقَدْ تُحْسَمُ مَادَّتُهَا بَالصَّوْمِ وَالصَّلَاحِ, فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ كَالْآخَرِ. 

ونسب بَعْضُهُمْ نكاح المتعة جوازها إِلَى مالك, قال بن الهمام نسبته إلى مالك غلط. 

وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا سلكه بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنَ الْجَوَازِ خَطَأٌ, فَقَدْ بَالَغَ الْمَالِكِيَّةُ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ حَتَّى أَبْطَلُوا تَوْقِيتَ الْحِلِّ بِسَبَبِهِ, فَقَالُوا لَوْ عَلَّقَ عَلَى وَقْتٍ لابد مِنْ مَجِيئِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ تَوْقِيتٌ لِلْحِلِّ. 

قَالَ عِيَاضٌ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْبُطْلَانِ التَّصْرِيحُ بَالشَّرْطِ, فَلَوْ نَوَى عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يُفَارِقَ بَعْدَ مُدَّةٍ صَحَّ نِكَاحُهُ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَأَبْطَلَهُ. 

يَعْنِي عياض يَقُولُ:اجمع العلماء علي ان شرط البطلان التصريح بالشرط فإِذَا صرح وَقَالَ أتزوجها إِلَى وقت كذا, فهذا باطل بالإجماع, لكن إِذَا نوى في نفسه, نوى أن يطلق, وَلَمْ يعلم أحد, نوى أن يتزوجها  يفارقها بَعْدَ مدة, فهذه المسألة فِيهَا خلاف. 

فهنا قَالَ: صَحَّ نِكَاحُهُ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَأَبْطَلَهُ, وَهَذِهِ المسألة فِيهَا خلاف, ذكر في صحيح ابن المغني قولان لأهل العلم, إذا تزوجها بنية الطلاق هَلْ يصح أو لا يصح؟ فِيهِ قولان: 

القول الأول: أَنَّهُ يصح, وأفتى بِذَلِك سماحة الشيخ  شيخنا  بن باز-رحمه الله- وأظن أَنَّهُ أفتى به الشيخ محمد بن عثيمين, وَقَالُوا: إن النية لا معول عليها الآن, قَدْ ينوي ولكن لا ينفذ هَذِهِ النية, ما دام أَنَّهَا نية بينه وبين الله. 

والقول الثاني: أَنَّهُ لا يصح؛ لِأَنَّ الزوجة لو علمت أو علم وليها ما زوجوها , وكتب في هَذَا كتاب فيه رسالة للشيخ أحمد المنصور رحمه الله ورسالة جيدة من الشيخ أحمد السري قدم لهم بعض العلماء, فأطالوا فِيهَا وبينوا أَنَّهُ لا يجوز الزواج بنية المفارقة, هَذَا إِذَا نوى بينه وبين الله. 

فَإِذَا شرط هَذَا حرام بالإجماع وليس عَلَيْهِ إِلَّا الرجوع, وَإِذَا نوى فِيهَا خلاف, لكن إِذَا كَانَ معروف عرفًا, معروف تعارف النَّاس عَلَيْهِ, مثل ما يفعل الآن الَّذِينَ يذهبون إِلَى إندونيسيا الآن يتزوجون, في مكان معين معروف عِنْد العامة والخاصة أن هَذَا مكان للذين يتزوجون ويطلقون؛ حَتَّى أَنَّهُمْ يسألون متى تطلق؟ هَذَا كالشرط, والقاعدة عِنْد أهل العلم يَقُولُونَ: المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا. 

تعارف النَّاس عَلَيْهِ تعارفوا أَنَّهُمْ يطلقون وَعَلَى هَذَا كأنه مشروط هَذَا ما يجوز؛ الَّذِينَ يذهبون إِلَى إندونيسيا يتزوجون ومعروف أَنَّهُمْ يطلقون هَذَا زواج متعة, كما قَالَ بعض العلماء: إن هَذَا زني منظم قال بعض العلماء المعاصرين أن هذا زنا منظم.  

فكانوا يذهبون يتزوجون ويطلقون هَذَا معروف عِنْد العامة والخاصة, هَذَا مثل الشرط نسأل الله السلامة والعافية. 

أَمَّا إِذَا نوى وَلَمْ يعلم عنه إِلَّا الله وَلَا يعرف لا يدري أحد وليس هناك عرف هَذَا هُوَ محل الخلاف, والمؤلف ما جزم بالتحريم ولو جزم لكان أولى؛ لِأَنَّ الحديث صريح في تحريم نكاح المتعة, كأنه نظر إِلَى خلاف ابن عباس للمضطر, وما وجد من الخلاف, لكن ينبغي الجزم, كَأنَ قال ينبغي أن يقول المؤلف : (باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة), الحديث صريح حديث سمرة حَرَّمَ متعة النساء, الحديث الأول نهى عنها في حجة الوداع. 

فتحريم قطعي وصريح وَلَمْ يبقى عَلَيْهِ إِلَّا الروافض الآن نسأل الله السلامة والعافية. 

فَإِن قِيلَ: (..)؟ معروف محتمل أن بَعْضُهُمْ ما يرى هَذَا, لكن المعروف الآن أن الرافضة عندنا الموجودين كلهم يرون جواز هَذَا. 

فَإِن قِيلَ: (..)؟ عَلَى القولين, من قَالَ أَنَّهُ يحرم يَقُولُ: يأثم, ومن قَالَ لا يحرم يَقُولُ لا يأثم. 

فَإِن قِيلَ: (..)؟ عَلَى الخلاف سواء جاء بنية الطلاق, هَذَا عَلَى الخلاف, بعض العلماء أجازه, وبعض العلماء منعه؛ لِأَنَّهُم قَالُوا: قَدْ لا ينفذ النية, قَدْ ينوي ولكن قَدْ لا ينفذ النية, أَمَّا إذا كَانَ تواطؤ بينه وبين المرأة أو بينه وبين وليها أو هناك عرف, فهذا لا يجوز, هَذَا كالشرط. 

(المتن) 

باب في الشغار 

2074 - حدثنا القعنبي، عن مالك، ح وحدثنا مسدد بن مسرهد، قال حدثنا يحيى، عن عبيد الله-لام الجلالة ترقق اذا سبقها كسرة ترقق واذا سبقها ضمة أو فتحة تفخم_ كلاهما، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن الشغار». زاد مسدد، في حديثه قلت لنافع: ما الشغار قال: ينكح ابنة الرجل، وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل، فينكحه أخته بغير صداق. 

(الشرح) 

هَذَا الباب (باب ما جاء في الشغار), وذكر فِيهِ حديث ابن عمر وَهُوَ حديث صحيح, أخرجه الشيخان الترمذي والنسائي وابن ماجة, والشغار في اللغة معناه الرفع الشغار الرفع, يقَالَ: شغر الكلب إِذَا رفع رجله ليبول, وسمي نكاح الشغار شغارًا؛ كأنه قَالَ: لا ترفع رجل بنتي؛ حَتَّى أرفع رجل بنتك. 

وَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ إِذَا خَلَا لِخُلُوِّهِ من الصَّدَاقِ, وَيُقَالُ: شَغَرَتِ الْمَرْأَةُ إذا رفعت رجلها عند الجماع. 

قال ابن قُتَيْبَةَ:كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْغَرُ عِنْدَ الْجِمَاعِ. 

ومنه في اللغة العربية يلعنون عَنْ وظائف شاغرة, الصحف يَقُولُونَ: وظائف شاغرة, معنى وظائف شاغرة يعني خالية ليس فِيهَا أحد, فالمادة تدل عَلَى الخلو. 

وَكَانَ الشِّغَارُ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ, وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كما حكي ذلك النَّوَوِيُّ -رحمه الله-. 

ذكر المؤلف حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ الشغار, وَفِيهِ دليل عَلَى تحريم الشغار, الحديث دليل عَلَى تحريم نكاح الشغار؛ النهي للتحريم, لكن ما هُوَ الشغار؟ 

«زاد مسدد، في حديثه قلت لنافع», نافع مولى ابن عمر «ما الشغار قال: ينكح ابنة الرجل، وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل، فينكحه أخته بغير صداق», هَذَا تفسير الشغار من نافع؛ يَعْنِي يزوج هَذَا ابنته ويزوج الآخر أخته بدون صداق بينهما, أو يزوجه أخته عَلَى أن يزوجه أخته بدون صداق بينهما. 

ومفهومه أَنَّهُ إِذَا كَانَ في صداق مهر أَنَّهُ لا يسمى شغار, لكن الصواب أَنَّهُ لو سمي صداق فلا يمنع أن يكون شغارًا, ما دام أَنَّهُ شرط لا يزوجه حَتَّى يزوجه, فَإِنَّهُ قَالَ: لا أزوجك بنتي حَتَّى تزوجني بنتك, أو لا أزوجك أختي حَتَّى تزوجني أختك, فجعل بضع هَذَه صداقًا, حَتَّى لو (…..) يسمى صداقًا هَذَا هُوَ الصواب. 

لِأَنَّ الحكمة من النهي ظلم المرأة, والآن صار الولي ما ينظر إِلَّا مصلحة نفسه, إن زوجتني بنتك زوجتك بنتي, فَهُوَ ينظر لمصلحته هُوَ, جعل بضع هَذَه صداقًا, وإن زوجتني أختك زوجتك أختي, فلم ينظر إِلَى مصلحة المرأة سواء كَانَ فِيهِ صداق أو ليس فِيهِ صداق, وَهَذَا هُوَ الصواب. 

الصواب إِذًا في هَذَا أَنَّهُ لو سمي صداق فلا يخرجه عَنْ كونه شغارًا, إِذَا زوجه عَلَى أن يزوجه, بأن يجعل تزويج هَذَه مشروطًا بتزويج هَذِهِ, لما فِيهِ من ظلم النساء, وجبرهن وعدم أخذ رضاهن. 

هُوَ الآن لما يَقُولُ: أزوجك بنتي عَلَى أن تزوجني بنتك, ظلم المرأة وأجبرها وَلَمْ يأخذ رأيها, ونظر إِلَى مصلحته هُوَ. 

والحديث دليل عَلَى تحريم نكاح الشغار وَأَنَّهُ نكاح فاسد للنهي عنه؛ لِأَنَّ النهي يقتضي الفساد, هَذَا هُوَ الصواب, وما ذَهَبَ إليه نافع رضي الله عنه ورحمه الله قَالَ: إِذَا سمي مهر المثل صح النكاح, وخرج عَنْ كونه شغارًا, يَعْنِي يَقُولُ: المهم مهر المثل, إِذَا أعطاها مهر المثل خرج عَنْ كونه شغارًا. 

فَإِن قِيلَ: علة التحريم عدم المهر؟ عَلَى هَذَا القول, والقول الثاني علة التحريم أَنَّهُ شعل بضع هَذِهِ صداقًا لهذه, العلة أَنَّهُ نظر إِلَى مصلحته وَلَمْ ينظر إِلَى مصلحة المرأة فظلم المرأة وجبرها وَلَمْ يأخذ رأيها وجعل بضعها صداقًا, هَذَا هُوَ الصواب. 

قَالَ النَّوَوِي-رحمه الله-: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نَهْيٌ يَقْتَضِي إِبْطَالَ النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي إِبْطَالُه, وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ. 

هَذَا هُوَ الصواب, الصواب أن النكاح باطل فاسد وَأَنَّهُ يجدد العقد. 

قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ. 

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. 

وَعَلَى هَذَا تكون أقوال العلماء في هَذَا:  

 القول الأول: أَنَّهُ يبطل النكاح وَهَذَا هُوَ الصواب. 

والقول الثاني: أَنَّهُ يبطل النكاح قول مالك رحمه الله أَنَّهُ يفسخ قبل الدخول وبعده, وَهَذَا هُوَ الصواب, وفي رواية عنه أَنَّهُ قبله ولا بعده. 

والقول الثالث: أَنَّهُ يصح بمهر المثل, إِذَا كَانَ مهر المثل كما قَالَ نافع وَهُوَ مذهب الإمام أبي حنفية, أَنَّهُ إِذَا دفع مهر المثل صح, ولكن الصواب أَنَّهُ لا يصح ولو دفع المهر؛ لِأَنَّهُ جعل صداق هَذِهِ بضع هَذِهِ, وَيَدُلَّ عَلَيْهِ الحديث الآتي بَعْدَ هَذَا. 

(المتن) 

2075 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس،قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم،قال حدثنا أبي، عن ابن إسحاق،قال حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أن العباس بن عبد الله بن العباس، أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: «هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

(الشرح) 

الحديث صحيح ومحمد بن إسحاق صرح بالسماع, قَالَ: حدثني, وَهَذَا الحديث فِيهِ تصريح من معاوية وَكَانَ في ذَلِكَ الوقت هُوَ الخليفة, بأن جعل الصداق لا يخرج عَنْ كونه شغارًا, ما دام زوجه عَلَى أن يزوجه, وأخبر أن هَذَا هُوَ الشغار الَّذِي نهى عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم . 

معاوية رضي الله عنه هنا ابن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته, وعبد الرحمن بن حكم أنكح العباس ابنته وجعلا صدقًا بينهما, في صداق, فَلَمَّا علم معاوية وَكَانَ هُوَ الخليفة في الشام كتب إِلَى مروان أمير المدينة, عامله, يأمره بالتفريق بينهما, وَقَالَ في كتابه: «هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

وَهَذَا يَدُلَّ ايضا عَلَى أن النكاح باطل؛ لِأَنَّهُ أمره بالتفريق بينهما, وَيَدُلَّ أَيْضًا عَلَى أن تسوية الصداق لا يخرج عَنْ كونه شغارًا, هَذَا أمير الْمُؤْمِنِينَ خليفة ومن كتاب الوحي, خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه كتب إِلَى واليه في المدينة أن يفرق بينهما, وَقَالَ: «هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم». 

فالحديث صريح في هَذَا أن الشغار هُوَ أن يجعل بعض هَذِهِ صداق هَذِهِ, وبضع هَذِهِ صداق هَذَا, سواء سمي مهر أم لَمْ يسم مهر. 

وَيَدُلَّ عَلَى أن ما ذَهَبَ إليه بعض العلماء مثل الإمام أبي حنيفة بأنه يصح بالمثل قول ضعيف وَكَذَلِكَ تسمية نافع, قَالَ: إِذَا جعل بينهما صداق لا يكون شغارًا, هَذَا قول ضعيف. 

 فَإِن قِيلَ: (..)؟ ولو ما دام جعل بضع هَذِهِ صداق هَذِهِ, أزوجك عَلَى أن تزوجني, إِذَا وافق يزوج هَذِهِ وتنتهي وَبَعْدَ مدة يزوج الثانية, قَالَ: أزوجك عَلَى أن تزوجني, إِذَا كن موافقات كُلّ واحدة تتزوج عَلَى حدة مستقلة عَنْ الثانية, فإِذَا انتهى تزوج الأخرى. 

لكن قوله: أزوجك عَلَى أن تزوجني هَذَا هُوَ المحظور, كأنه قَالَ: لا أزوجك حَتَّى تزوجني جعل بضع هذه صداق هَذِهِ. 

(المتن) 

باب في التحليل 

2076 - حدثنا أحمد بن يونس،قال حدثنا زهير،قال حدثني إسماعيل، عن عامر، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، قال إسماعيل: وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن المحلل، والمحلل له». 

(الشرح) 

وفي رواية: «لُعن المُحلل والمحلل له», وفي رواية: «لُعن المُحل والمحلل له».اثنان فقط 

(المتن) 

2077 - حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن حصين، عن عامر، عن الحارث الأعور، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرأينا أنه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله في التحليل, والتحليل معناه إِذَا طلق رجل زوجته ثلاثًا فإنها إِذَا خرجت من العدة يأتي رجل آخر ويتزوجها؛ حَتَّى يحللها للأول فيتزوجها, ما حكم التحليل؟ 

ذكر فِيهِ المؤلف حديث علي «قال إسماعيل: وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن  المحل – وفي لفظ لعن المحلل- والمحلل له». 

وفي الرواية الَّتِي بعدها «عَنْ عامر عَنْ الحارث عَنْ رجل من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: فرأينا أنه علي-رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه». 

يَعْنِي إسماعيل قَالَ: أراه, يَعْنِي أظن أَنَّهُ عَلَيْ, وفي الرواية الَّتِي بعدها جزم عن: (رجل من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرأينا أَنَّهُ علي). 

والحديث فِيهِ أن المحلل والمحلل له كلاهما ملعون, المحلل الرجل ا             لَّذِي يتزوج المرأة بقصد أن يحلها لزوجها الأول الَّذِي طلقها ثلاثًا, والمحلل له الزوج الأول الَّذِي حللت له, لكن الحديث هَذَا ضعيف في سنده الحارث الأعور وَهُوَ متهم بالكذب, ولكن الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وَقَالَ الترمذي: حديث معلول؛ لِأَنَّهُ معروف الحارث الأعور متهم بالكذب. 

لكن بوب الترمذي والنسائي من حديث رسول الله-صلي الله عليه وسلم-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. 

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ, وَهُوَ دليل عَلَى تحريم نكاح التحليل, وأن نكاح التحليل لا يحلها للأول. 

إذًا العمدة عَلَى غير الحديث, الحديث هَذَا ضعيف, لكن العمدة عَلَى حديث ابن مسعود: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ», فَهُوَ دليل عَلَى تحريم نكاح التحليل وَأَنَّهُ لا يحلها للأول. 

وجاء في بعض الروايات أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سماه التيس المستعار, ولا يحلها للزوج الأول, إذا تزوجها بنية النكاح ثُمَّ طلقها بنية النكاح فَهِيَ لا تحل للأول, لا تحل للأول إِلا إِذَا تزوجها زوج نكاح رغبة, لا يقصد التحليل وَإِنَّمَا رغبة فِيهَا. 

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حصل بينهما خلاف فطلقها أو مات عنها, فإنها تحل للأول, وَلَابُدَّ أَيْضًا من الجماع, فلو تزوج زوجة عقد عليها وفارقها بدون جماع, لا تحل للأول, جاء في الحديث الصحيح قصة رفاعة أن امرأة عبد الرحمن بن الزبير طلقها ثلاثًا, ثُمَّ تزوجت رفاعة وَلَمْ يدخل بها, فجاءت إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقالت يارسول الله: إن معها مثل هدبة الثوب, يَعْنِي أَنَّهُ لا ينتشر ذكره, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أتريدين أن ترجعي إِلَى رفاعة؟» يَعْنِي زوجها الأول رفاعة, الزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير, قَالَت: إِنَّهُ معها مثل هدبة الثوب. 

قَالَ: «أتريدين أن ترجعي إِلَى رفاعة؟ لا؛ حَتَّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك», يتكلم عَنْ الجماع والحديث صحيح في البخاري. 

دل عَلَى أن المرأة لا تحل لزوجها الأول؛ حَتَّى يطأها الزوج الثاني, وَأَنَّهُ لا يكفي العقد, لَابُدَّ أن يجامعها ويكون النكاح نكاح رغبة لا نكاح تحريم, ثُمَّ يطلقها الثاني أو يموت عنها فتحل للأول. 

عَلَى كُلّ حال إِذَا كَانَ هناك تواطؤ بينها وبين الزوج الأول أو بين المرأة أو بينها وبين الولي, فهذا محلل. 

 «قال إسماعيل: وأراه», بضم الهمزة يَعْنِي أظنه, والضمير يرجع إِلَى عامر, يظن أن عامر رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم, أيْ رفع الحديث, والمحل اسم فاعل من الإحلال, وفي بعض النسخ المحلل من التحليل, وَهُمَا بِمَعْنًى أَيِ الَّذِي تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ غَيْرِهِ ثَلَاثًا بِقَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ لِيُحِلَّ المطلق  الأول نِكَاحَهَا, هَذَا يسمى محلل. 

قِيلَ: سُمِّيَ مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ إِلَى التَّحْلِيلِ (وَالْمُحَلَّلُ لَهُ) بِفَتْحِ اللام أَيِ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا. 

قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّهُ إِذَا نَكَحَهَا بَانَتْ مِنْهُ, أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُطَلِّقَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ, وَلَا شَكَّ أَنَّ إِطْلَاقَهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أبي غَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قال جاء رجل إلى بن عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ, هَلْ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ لَا إِلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَعْنِي زنا-. 

وَقَالَ ابن حَزْمٍ: لَيْسَ الْحَدِيثُ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مُحَلِّلٍ, إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ وَاهِبٍ وَبَائِعٍ وَمُزَوِّجٍ, فَصَحَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ الْمُحِلِّينَ وَهُوَ مَنْ أَحَلَّ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِلَا حُجَّةَ, فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا لَمْ يَنْوِ تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ وَنَوَتْهُ هِيَ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي اللَّعْنِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الشَّرْطُ. 

إِذَا كَانَ في شرط فلا شك أَنَّهُ محلل, لكن إِذَا لَمْ يشترط وَكَانَ عنده نية وعقيدة وَلَمْ يعلمها إِلَّا الله, الأحكام إِنَّمَا يعمل بها في الشيء الظاهر, كون بينه وبين الله ما يدري عنه أحد ولا يعلم عنه أحد, هَذَا الله هُوَ الَّذِي يحاسبه ليس لنا إِلَّا الظاهر. 

لكن إِذَا شرط أو نوى أو تكلم أو تواطأ, قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَنَاهٍ إِلَى مُدَّةٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ –صار مثل نكاح المتعة كأنه نكاح المتعة- وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَكَانَ نِيَّةً وَعَقِيدَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ أَصَابَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَقَدْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ, وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُضْمِرَا أَوْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا التَّحْلِيلَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْاهُ. 

قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ, فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي أَوِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ. 

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحَلَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا لَا يُعْجِبُنِي؛ إِلَّا أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا, وكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. 

وَإِنَّمَا لَعَنَهُمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْحَمِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى خِسَّةِ النَّفْسِ وسقوطها. 

أما النسبة إِلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ فَظَاهِرٌ, وَأَمَّا بَالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلِّلِ فَلِأَنَّهُ يُعِيرُ نَفْسَهُ بَالْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ, فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا لِيُعَرِّضَهَا لِوَطْءِ الْمُحَلَّلِ لَهُ, وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ. 

كأنه يعير نفسه بالوطء ليحلها لغيره. 

ابن القيم رحمه الله قالَ في حديث جابر الَّذِي أشار إليه المؤلف, ورَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ, قَالَ هَكَذَا رَوَى أَشْعَث بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ مُجَالِد عَنْ عَامِر، وَهَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَائِمِ لِأَنَّ مُجَالِد بْن سَعِيد قَدْ ضَعَّفَهُ بعض أهل الْعِلْم مِنْهُمْ أَحْمَد بْن حَنْبَل.  

قال: وَالْحَدِيث الْأَوَّل أَصَحّ. 

قَالَ: وفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَعُقْبَة بْن عامر وبن عَبَّاس, قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُثْمَان بْن عَفَّان وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَغَيْرهمْ, وَهُوَ قَوْل الْفُقَهَاء مِنْ التَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق. 

قَالَ: وَسَمِعْت الْجَارُود يَذْكُر عَنْ وَكِيع أَنَّهُ قَالَ بِهَذَا, وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُرْمَى بِهَذَا الْبَاب مِنْ قَوْل أَصْحَاب الرَّأْي, قَالَ وَكِيع: وَقَالَ سُفْيَان إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُل الْمَرْأَة لِيُحِلّهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكهَا فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يُمْسِكهَا حَتَّى يَتَزَوَّجهَا بِنِكَاحٍ جَدِيد. 

وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ: لَا يُحِلّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّل إِلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَة فَإِنْ كَانَتْ نِيَّة أَحَد الثَّلَاثَة الزَّوْج الْأَوَّل أَوْ الثَّانِي أَوْ الْمَرْأَة أَنْ تُحَلَّل فَالنِّكَاح بَاطِل وَلَا تَحِلّ لِلْأَوَّلِ. 

عَلَى كُلّ حال تبين بِهَذَا أن نكاح التحليل نكاح محرم وأن صاحبه ملعون, المحلل والمحلل له, وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ هناك شرط أو تواطؤ فهذا نكاح التحليل, وَكَذَلِكَ إِذَا كانت نية, إِذَا كانَ نية من الزوج الأول أو الزوج الثاني أو المرأة وَهُوَ معروف, فهذا لا يجوز. 

أَمَّا إِذَا أضمر أحدهم نية وَلَمْ يعلمها أحد, هَذَا بينه وبين الله, ما أحد أعلم بها, لكن إِذَا علم صار معلوم أن أحد الثلاثة نوى فلا تحل, وَإِذَا كَانَ هناك شرط أو تواطؤ فهذا لا تحل بالاتفاق. 

(.....) 

نعم 

(....) 

نعم (.....) إن تبين هذا يفرق بينهما لكن قد يقال: إنه ما يصدق في هذا قد يتهم الزوج ويقول لا هذا ليس بصادق لماذا إنما تكلم الآن؟ أراد أن يفرق بينهما، هذا يحتاج إلى دليل على أنه صادق، لأنه قد يكون كاذبا، قد يريد أن يفرق بينهما، قد يكون حاسدا، مثلا، فلا بد من الدليل ومن الحجة حتى يفرق بينهما، يعني لا يفرق بينهما إلا بشيء وهو (.....) يعتي يشهد شاهدان عدلان بأنه أخبره بأنه نكحها للتحيل 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد