بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب في نكاح العبد بغير إذن سيده
2078 - حدثنا أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وهذا لفظ إسناده، وكلاهما، عن وكيع، قال حدثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه، فهو عاهر».
(الشرح)
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في نكاح العبد بغير إذن سيده), والنسخة الأولى (بغير إذن مواليه), ذكر فِيهِ حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه، فهو عاهر».
والعاهر هُوَ الزاني وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي وَقَالَ عنه حديث حسن, لكن الحديث ضعيف في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف من قبل حفظه, لكن يشهد له الحديث الَّذِي بعده, ويشد بعضها بعضًا فيكون الحديث حسنًا ويكون الحديث دليل عَلَى بطلان نكاح العبد بغير إذن سيده, العبد الَّذِي يباع ويشترى ليس له أن يتزوج؛ حَتَّى يأذن له سيده.
(المتن)
2079 - حدثنا عقبة بن مكرم،قال حدثنا أبو قتيبة، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل». قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف وهو موقوف وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما.
(الشرح)
وَهَذَا الحديث حديث ابن عمر«إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل», الحديث وإن كَانَ فِيهِ ضعف موقوف عَلَى عبد الله بن عمر, ضعيف مع ضعيف إذا ما اشتد الضعف يتقوى أحدهما بالآخر, فهذا يقوي الحديث السابق, فيتقوى أحدهما بالآخر, فيكون الحديث دليل عَلَى أَنَّهُ لا يجوز للعبد أن يتزوج؛ حَتَّى يأذن له سيده؛ لِأَنَّهُ مملوك, منافعه مملوكة لسيده, وليس له أن يفتات عَلَيْهِ, فالزواج أمر مهم, كونه ينشغل بالزوجة عَنْ خدمة سيده ومولاه, فَلَيْسَ له أن يتزوج؛ حَتَّى يأذن له سيده, والحديثان يشد أحدهما الآخر.
وقوله في الحديث الأول: «فَهُوَ عاهر»,يَعْنِي زانٍ. لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِحَقِّ الزَّوْجَةِ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ, فخدمته لسيده حَقّ عَلَيْهِ لسيده, وما دام اشتراه فله منافعه ليس له أن يتصرف إِلَّا بإذنه.
وَعَلَى هَذَا يكون الحديث دليل عَلَى بطلان هَذَا النكاح, نكاح العبد بغير إذن سيده, وَأَنَّهُ إِذَا تزوج من غير إذن سيده فالنكاح باطل.
والحديث الثاني فِيهِ عبد الله بن عمر العمري فَهُوَ ضعيف أَيْضًا ورفع هَذَا الحديث أَيْضًا لا يصح, فيكون الحديث الثاني فِيهِ من جهة السند عبد الله بن عمر العمري ضعيف, وَكَذَلِكَ أَيْضًا رفع الحديث ضعيف, الصواب أَنَّهُ موقوف عَلَى ابن عمر.
(المتن)
باب في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه
2080 - حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح،قال حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه».
(الشرح)
هَذَا الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة, والمراد هنا بالكراهية كراهية التحريم, إذًا النهي للتحريم, ويكون الحديث دليل عَلَى تحريم خطبة الرجل عَلَى خطبة أخيه.
والخِطبة بكسر الخاء, يقال للنكاح: خِطبة, وَأَمَّا الموعظة يقال: خُطبة, بضم الخاء, يقال: خطب الواعظ خُطبة, ويقال: خطب الرجل بنت فلان خِطبة, {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}[البقرة/235].
خطبة المرأة يقال خطبة بكسر الخاء, والموعظة يقال خُطبة, والفعل واحد خطب يخطب خُطبة, أو خطب يخطب خِطبة.
والحديث فِيهِ دليل عَلَى تحريم خطبة الرجل عَلَى خطبة أخيه, والنهي في الحديث للتحريم عِنْد جمهور العلماء, وحكى النووي الإجماع عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ للتحريم, لكن النووي إِذَا حكى الإجماع المراد قول الجمهور.
وَقَالَ آخرون: إن النهي ها هنا لِلتَّأْدِيبِ لا للتحريم والصواب القول الأول.
(المتن)
2081 - حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه، إلا بإذنه».
(الشرح)
قَالَ سفيان: لا يبيع عَلَى بيع صاحبه يَقُولُ: عِنْدِي خيرٌ منها, والحديث دليل عَلَى تحريم خطبة الرجل عَلَى خطبة أخيه, وتحريم بيعه عَلَى بيعه إِلَّا بإذن, فَإِذَا أذن فلا بأس, إِذَا أذن له أن يخطب عَلَى خطبته أو أذن له أن يبيع عَلَى بيعه فلا بأس.
وبعض العلماء قيد هَذَا بما إِذَا صرحت المخطوبة بالإجابة, ثُمَّ خطب فهذا يحرم عَلَيْهِ, أَمَّا إِذَا لَمْ تصرح فلا, يَعْنِي إِذَا أذنت له أو أذن له وليها فلا بأس.
ولو وقع التصريح بالرد فلا تحريم, إِذَا رد الخاطب الأول وقع التصريح جاز للثاني أن يخطبها, وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا أذنت له المخطوبة أو أذن له وليها أن يخطبها, أَمَّا إِذَا لَمْ يأذن إِذَا خطب إنسان ولا يدري هَلْ رُد أم لا, فلا يجوز له أن يخطب عَلَى خطبة أخيه؛ حَتَّى يعلم أَنَّهُ رُد.
بَعْضُهُمْ احتج بقصة فاطمة بنت قيس لما جاءت تستشير النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقالت: خطبها معاوية وأبو جهم, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا معاوية فصعلوك لا مال له, أَمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عَنْ عاتقه انكحي أسامة».
قَالُوا: ما أنكر عَلَيْهِمْ أن الاثنين خطبها, لكن أجيب بأنه يمكن كُلّ واحد خطبها لَمْ يعلم بالآخر, أو احتمال أن الثاني ما علم بالأول هَذَا محتمل, وَالنَّبِيّ أشار بأسامة في هَذَا, ويحتمل أَنَّهَا ردت كلٌ من الاثنين, فأشار عليها بأسامة.
(المتن)
باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها
2082 - حدثنا مسدد، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد،قال حدثنا محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن واقد بن عبد الرحمن يعني ابن سعد بن معاذ، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل»، قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها.
(الشرح)
هَذَا عقده المؤلف للنظر إِلَى المرأة المخطوبة, هَلْ ينظر إليها؟ ذكر حديث جابر, حديث جابر أخرجه الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصححه, ولكن الحديث ضعيف في سنده محمد بن إسحاق مدلس وَقَدْ عنعن, وَفِيهِ واقد بن عبد الرحمن أَيْضًا متكلم فِيهِ, لكن يشهد له حديث أبي حميد ذكره الشارح وحديث محمد بن مسلمة.
حديث أبي حميد: إذا خطب أحدكم المرأة, فلا جناح أن ينظر إليها», الحديث رواه الإمام أحمد.
وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «إذا ألقى الله عز وجل فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أن ينظر إليها», رواه أحمد وبن مَاجَهْ.
عَلَى كُلّ الحديثين يشهدان لهذا الحديث, وإلا الحديث ضعيف, فيكون الحديث حسن بالشواهد, ويكون دليل عَلَى جواز أو استحباب نظر الرجل إِلَى المرأة الَّتِي يريد تزوجها, ولا يشترط رضاها, فقوله: «فليفعل», الْأَمْرِ للإباحة, ولا يشترط رضاها, ولهذا قَالَ جابر: «كنت أتخبأ لها», يَعْنِي وَهِيَ لا تعلم «أتخبأ لها», يَعْنِي يختفي في مكان؛ حَتَّى ينظر إليها وَهِيَ لا تعلم, ولا يشترط رضاها, لكن لا يجوز أن يخلو بها إِلَّا بمحرم.
واختلف العلماء في ما الَّذِي ينظر إليه, ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله نقلاً عَنْ الشافعي, قَالَ الشَّافِعِيّ: يَنْظُر إِلَى وَجْههَا وَكَفَّيْهَا وَهِيَ مُتَغَطِّيَة وَلَا يَنْظُر إِلَى مَا وَرَاء ذَلِكَ, يَعْنِي محجبة بقية بدنها.
وَقَالَ دَاوُد يَنْظُر إِلَى سَائِر جَسَدهَا, يَعْنِي قِيلَ: ينظر إِلَى وجهها وكفيها, وَقِيلَ: ينظر إِلَى ما جرت العادة برؤيته, يَعْنِي كأنه ينظر إِلَى الرأس والرقبة واليدين, وَقِيلَ: ينظر إِلَى سائر جسدها, ثلاثة أقوال لأهل العلم.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: وَعَنْ أَحْمَد ثَلَاث رِوَايَات:
إِحْدَاهُنَّ: يَنْظُر إِلَى وَجْههَا وَيَدَيْهَا.
وَالثَّانِيَة: يَنْظُر مَا يَظْهَر غَالِبًا كَالرَّقَبَةِ وَالسَّاقَيْنِ وَنَحْوهمَا.
وَالثَّالِثَة: يَنْظُر إِلَيْهَا كُلّهَا عَوْرَة وَغَيْرهَا, فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا مُتَجَرِّدَة.
وَاللَّفْظ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي نَظَر الْخَاطِب, وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ خَطَبَ رَجُل اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَظَرْت إِلَيْهَا قَالَ لَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا», أَمَّا قول أن ينظر إليها متجردة هَذَا ليس بشيء, الصواب أَنَّهُ ينظر إِلَى وجهها ويديها, وَكَذَلِكَ النظر إِلَى ما يظهر غالبًا كالرقبة والساق لا حرج, أَمَّا أن ينظر إليها كلها لا, أو أن ينظر إليها متجردة فهذا لا ينبغي.
ذكر العلماء أن مذهب مالك والجمهور أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّظَرِ رِضَاهَا بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ؛ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ النَّظَرَ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ.
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا – الصواب أَنَّهُ ينظر إليها ولا يشترط رضاها ولكن ينظر إِلَى وجهها وكفيها وَعَلَى ما جرت العادة بكشفه كالرقبة والساقين وما أشبه ذَلِكَ.