شعار الموقع

شرح كتاب النكاح من سنن أبي داود_13

00:00
00:00
تحميل
78

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:  

باب الصداق 

2105 - حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثنا يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «ثنتا عشرة أوقية ونش»، فقلت: وما نش؟ قالت: «نصف أوقية». 

(الشرح) 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد: 

قَالَ رحمه الله: (الصداق), الصداق هُوَ المهر يسمى صداق لِأَنَّهُ يَدُلَّ عَلَى صدق الرجل في رغبته في المرأة, والصداق لَابُدَّ للمرأة من الصداق والمهر, والأصل في الصداق أن يكون مالًا, لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء/24]. 

ولو بشيء قليل, فَإِن لَمْ يوجد المال فلا بأس أن يكون الصداق عمل, كما حصل لموسى عَلَيْهِ السلام فَإِن صدق موسى عَلَيْهِ السلام الرجل الصالح أن يرعى الغنم ثمان سنين أو عشر سنين, قَالَ: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ}[القصص/27]. 

وكما زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الرجل بالمرأة الَّتِي عرضت نفسها عَلَيْهِ, قال: «قَدْ زوجتكها بما معك من الْقُرْآن», يعلمها آيات من الْقُرْآن أو يعلمها مثلاً خياطة حرفة أو يعلمها أبيات من الشعر مفيدة, أو يعلمها أحاديث, أو يعلم مثلاً صنعة كمبيوتر الآن وما أشبه ذَلِكَ هَذَا إِذَا لَمْ يوجد المال, وإلا فالأصل المال{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء/24]. 

وَهَذَا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها فيه أن أبا سلمة سأل عائشة عَنْ صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «ثنتا عشرة أوقية ونش، فقلت: وما نش؟ قالت: نصف أوقية». 

هَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وَهُوَ حديث صحيح, والأوقية هِيَ من الفضة أربعون درهمًا, والنش نصف أوقية، النش بفتح النون، مع نش أي: معها نش أو يزاد نش, قَالَ الأعرابي: النش النصف من كُلّ شَيْء ونش الرغيف نصفه, فالنش عشرون درهمًا, وَهُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الدَّرَاهِمِ. 

قَالَ النَّوَوِيُّ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَوْنِ المهر خمس مائة دِرْهَمٍ, وَالْمُرَادُ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ. 

فَإِنْ قِيلَ: فَصَدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ كما سيأتي، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ درهم فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ تَبَرَّعَ بِهِ النَّجَاشِيُّ مِنْ مَالِهِ إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

والحديث فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ لَابُدَّ من الصداق للمرأة, وَفِيهِ أَيْضًا دليل عَلَى استحباب تخفيفه, وبنات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وزوجاته ما زاد عَلَى خمسمائة درهم, فالأوقية مثلا: أربعون درهمًا فيكون اثني عشر أوقية ونصف أوقية تعادل خمسمائة درهم. 

(المتن) 

2106 - حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي العجفاء السلمي، قال: خطبنا عمر رحمه الله، فقال: «ألا لا تغالوا بصدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث فِيهِ أن عمر رضي الله عنه خطب وأمر النَّاس بتخفيف المهور «ألا لا تغالوا», يَعْنِي لا تغالوا «بصدق النساء»، صُدق جمع صَدق وَهُوَ المهر «فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية»؛ وَهِيَ خمسمائة درهم. 

وَهَذَا الحديث فِي سنده أبو العجفاء اسمه هرم بن النسيب مختلف فِيهِ, قَالَ البخاري: فِيهِ نظر, وَإِذَا قَالَ البخاري فِيهِ نظر معناه تضعيف له؛ لِأَنَّ البخاري لطيف العبارة, قَالَ أبو أحمد الكرابيسي: إسناده ليس بقائم, وَقَالَ يحيى بن معين: بصريٌ ثقة. 

وَقَدْ جاء في الْقُرْآن الكريم قَالَ تعالى: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء/20]. 

فهذا يَدُلَّ عَلَى الجواز لا عَلَى الأفضلية, وجاء في بعض الروايات أن عمر رضي الله عنها قَالَ: لا تزيدوا في مهور النساء عَنْ أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال, فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: مَا ذَلِكَ لَكَ قَالَ وَلِمَ قَالَتْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ. 

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ: عُمَرُ لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا مِنْ ذَهَبٍ, قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ ابن مَسْعُودٍ فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ. 

وَأَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ فَقَالَ عُمَرُ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ.  

وَأَصْلُ قَوْلِ عُمَرَ لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ عند أصحاب السنن وصححه ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ. 

(المتن) 

2107 - حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي، قال: حدثنا معلى بن منصور، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة، أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة «فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل ابن حسنة». قال أبو داود: حسنة هي أمه. 

(الشرح) 

أم حبيبة بنت أبي سفيان وَهِيَ إحدى أمهات الْمُؤْمِنِينَ كانت تَحْتَ عبيد الله بن جحش, فمات زوجها في الحبشة فزوجها النجاشي للنبي صلى الله عليه وسلم فدفع عنه المهر أربعة ألاف. 

والنجاشي لقب, كُلّ ملك للحبشة يسمى النجاشي, لكن الَّذِي آمن عَلَى عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اسمه أصحمه, وَهُوَ الَّذِي وفد عَلَيْهِ الصَّحَابَة وأكرمهم, وَالَّذِي لما مات صلى عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خرج النَّبِيّ بالناس إِلَى مصلى الجنائز وصفهم وكبر عَلَيْهِ أربعًا, فقال: «مات أخوكم أصحمة». 

فقوله: «أَنَّهَا كانت تَحْتَ عبيد الله جحش فمات في أرض الحبشة», يَعْنِي عبيد الله «فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف», يَعْنِي ساق إليها المهر, وأضيف عقد النكاح إليه لوجود سببه منها وَهُوَ المهر. 

وقد روى أصحاب السير أن الَّذِي عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بن العاص وهو ابن عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ, وَأَبُو سُفْيَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكٌ, وَقَيلَ: نِكَاحَهَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَكَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

وقوله:«وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ», أَيْ أَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْبَعَةَ آلَافِ» وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. 

«وَبَعَثَ بِهَا» أَيْ أَرْسَلَ أُمَّ حَبِيبَةَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابن حسنة وحسنة أمه. 

فَإِن قِيلَ: أن بعض النَّاس قَالُوا: عبيد الله بن جحش تنصر؟ نعم وَهَذَا هُوَ المشهور أَنَّهُ تنصر ومات, وإن شكك البعض أَنَّهُ لَمْ يتنصر هَذَا يحتاج إِلَى مراجعة السند. 

(المتن) 

2108 - حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، «أن النجاشي، زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث مرسل؛ قَالَ: عَنْ يونس عَنْ الزهري عَنْ النجاشي, الحديث هَذَا مرسل؛ لِأَنَّ الزهري ما أدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا أردك النجاشي, والمرسل ضعيف عِنْد الجمهور, لكنه متابع وشاهد للحديث الَّذِي قبله, ولهذا اختلف في وقت نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وموضع العقد, فقيل: إِنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ سَنَةَ سِتٍّ, فَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيَخْطُبَهَا عَلَيْهِ فَزَوَّجَهَا إياه, وأصدقها عنه أربع مائة درهم وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حَسَنَةَ. 

وَرُوِيَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا جَارِيَتَهُ أَبْرَهَةَ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَكِ, وَأَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَوَكَّلَتْهُ وَأَعْطَتْه أَبْرَهَةَ سِوَارَيْنِ وَخَاتَمَ فِضَّةٍ سُرُورًا بِمَا بَشَّرَتْهَا بِهِ, فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَحَضَرُوا, فَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ السَّلَامِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ بَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. 

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ أَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَصْدَقْتُهَا أربع مائة درهم ذَهَبًا, ثُمَّ صَبَّ الدَّنَانِيرَ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ فَتَكَلَّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ الله أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. 

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ أَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجْتُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ, فَبَارَكَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعَ الدَّنَانِيرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَبَضَهَا, ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَقُومُوا فَقَالَ: اجْلِسُوا فَإِنَّ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا تَزَوَّجُوا أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامٌ عَلَى التَّزْوِيجِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا ثُمَّ تَفَرَّقُوا. 

أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الصَّفْوَةِ كَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ, وَخَالِدٌ هذا هو ابن عَمِّ أَبِيهَا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَبُوهَا حَالَ نِكَاحِهَا مُشْرِكًا مُحَارِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا كَانَ بَالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. 

عَلَى كُلّ حال هَذِهِ القصة يَعْنِي في صحته نظر, لكن هكذا ذكرت هَذِهِ الخطبة. 

(المتن) 

باب قلة المهر 

2109 - حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، عن ثابت البناني، وحميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهيم» فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة، قال: «ما أصدقتها؟» قال: وزن نواة من ذهب، قال: «أولم ولو بشاة». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وَهُوَ حديث صحيح, وَذَلِكَ أن عبد الرحمن بن عوف لما قدم المدينة مهاجرًا, والنبي صلى الله عليه وسلم عقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار, المهاجرين قدموا من مَكَّة إِلَى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم ما معهم شَيْء, فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد الأخوة بينهم ربط بين كُلّ واحد من المهاجرين بواحد من الأنصار وَقَالَ: هَذَا أخوك, فالأنصار شاطروهم أموالهم أعطوهم أموالهم, فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد الأخوة بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع, وَكَانُوا يتوارثون بهذه الأخوة في أول الإسلام ثُمَّ نسخ. 

قَالَ سعد بن الربيع لعبد الرحمن: يا أخي أنت أخي الآن أعطيك نصف مالي, وأنا لي زوجتان الآن أريد أن أطلق إحداهما, اختر إحداهما الآن وأنا أطلقها فتعتد فتتزوجها, فقال له عبد الرحمن: بارك الله لك في مالك دلني عَلَى السوق. 

ما يعرف البلد توه جديد, فدله عَلَى السوق فجعل يبيع ويشتري حَتَّى صار من الأغنياء الكبار, فلقيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَيْهِ ردع من زعفران كما في القصة, رأى عبد الرحمن بن عوف وَعَلَيْهِ ردع من زعفران يَعْنِي رأي فِيهِ صفرة, وَهِيَ أثر من الزعفران, والزعفران من طيب النساء. 

ولهذا نهي الرجال عَنْ التزعفر لما فِيهِ من التشبه بالنساء ومثله الخلوق, الخلوق أخلاط من طيب وَهُوَ من خصائص النساء, وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه, وطيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه. 

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عبد الرحمن بن عوف عَلَيْهِ أثر الطيب ومن طيب النساء, فقال: «مهيم», ما الخبر؟ «فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة»، وَهَذَا الأثر أصاب ثيابه منها «قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: أولم ولو بشاة». 

هَذَا فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ تزوج وما أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما علم؛ حَتَّى رأى عَلَيْهِ الصفرة من الطيب, الردع هُوَ أثر الطيب. 

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ, وَلَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُرَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ, وَكَذَا نَهَى الرِّجَالَ عَنِ الْخَلُوقِ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ, وَقَدْ نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّشَبُّهِ بَالنِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ, وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ «فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ» أَيْ مَا شَأْنُكَ؟ أَوْ مَا هَذَا؟ وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِفْهَامية مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ. 

والحديث دليل عَلَى استحباب تقليل الصداق؛ لِأَنَّ وزن نواة من ذَهَبَ قليل, وزن النواة الَّتِي في التمرة, ففيه دليل عَلَى استحباب تقليل الصداق؛ لأن عبد الرحمن بن عوف من مياسير الصَّحَابَة, ميسور غني وَقَدْ أقره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إصداق وزن نواة من الذهب. 

وَفِيهِ دليل عَلَى استحباب الوليمة في العرس, وأن أقلها للموسر شاة, أقلها للغني شاة, قَالَ: «بارك الله لك أولم ولو بشاة». 

والحديث فِيهِ فائدتان:  

الأولى: استحباب تقليل الصداق. 

الثانية: استحباب الوليمة. 

قيل: النَّوَاةُ اسْمٌ لِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَسَّرُوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ, قَالَ الْقَاضِي: كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. 

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هِيَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ. 

وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَوَاةُ التَّمْرِ أَيْ وَزْنُهَا مِنْ ذَهَبٍ, وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. 

وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: النَّوَاةُ رُبْعُ دِينَارٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ وَقَعَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَهَبٌ إِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً. 

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ عَنِ الْمُوسِرِ, وَلَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ؛ لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أقل ما يجزيء فِي الْوَلِيمَةِ مُطْلَقًا، ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد. 

قال القاضي عياض: وأجمعوا عَلَى أَنَّهُ لا حد لِأَكْثَرِ مَا يُولَمُ بِهِ – عَلَى حسب الحاجة- وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَكَذَلِكَ, وَمَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّه عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ. 

فقد ثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أولم بالحيس السمن والأقط والتمر ما في لحم, كَذَلِكَ في بعض الغزوات, فدل عَلَى أَنَّهُ ما يشترط عَلَى أن الوليمة يكون فِيهَا لحم, لكن الموسر الغني أقل ما يكون شاة. 

(المتن) 

2110 - حدثنا إسحاق بن جبرائيل البغدادي، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل». قال أبو داود: رواه عبد الرحمن بن مهدي، عن صالح بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر، موقوفًا. ورواه أبو عاصم، عن صالح بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: «كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة، من الطعام على معنى المتعة». قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، على معنى أبي عاصم. 

(الشرح) 

والحديث هَذَا ضعيف في إسناده موسى بن مسلم وَهُوَ ضعيفِ وَفِيهِ عنعنة أبي الزبير, لكن الحديث له شواهد تدل عَلَى أن أقل المهر وأدناه غير مؤقت, كحديث الخاتم الَّذِي بَعْدَ هَذَا الحديث «التمس لها ولو خاتم من حديد», وحديث نواة الذهب الَّذِي قبل هَذَا الحديث, وَهُوَ من أحاديث الصحيحين, وفيهما كفاية لإثبات المطلوب. 

يَعْنِي هَذَا الحديث فِيهِ قَالَ: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل», هَذَا قليل ملء الكف, ملء كفيه سويق أو تمر, يكون مهر, إِذَا ملء كفيه وأعطاها تمر صار هَذَا مهر أو سويق, لكن الحديث ضعيف. 

ولكن الحديث الَّذِي قبله يغني عنه وَهُوَ حديث صحيح, نواة من ذَهَبَ, وَكَذَلِكَ الحديث الآخر في الصحيح «التمسوا ولو خاتم من حديد». 

وَأَمَّا هَذَا الحديث ففيه ضعف, ولو ملئوا كفيه سويقًا, السويق هُوَ الحنطة دقيق القمح المقلي يحمس, يحمس دقيق القمح أو الذرة أو الشعير «فقد استحل», يَعْنِي فقد جعلها حلالًا. 

قَالَ الخطابي: فِيهِ دليل عَلَى أن أقل المهر وأدناه غير مؤقت بشيء معلوم, وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى ما تراضيا به من المتزوجان, وَقَدْ اختلف الفقهاء في ذَلِكَ, قَالَ جمع من أهل العلم: لا توقيت في أقل المهر, وأدناه هُوَ ما تراضوا به, وَهَذَا مروي عَنْ سفيان والشافعي وأحمد. 

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا لَحَلَّتْ لَهُ, وَقَالَ مَالِكٌ: أَقَلُّ الْمَهْرِ رُبْعُ دِينَارٍ. 

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَدَّرُوهُ بِمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ عِنْدَهُمْ. 

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خمسون درهمًا, وقال النخعي: أربعون, وقال بن شُبْرُمَةَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. 

وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بأنه لو أعطها أقل شيء أنه لا توقيت بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ الْخَاتَمِ الَّذِي سَيَأْتِي وَبِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ قالت نعم فأجازه», رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه. 

وبحديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ مَا الْعَلَائِقُ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ», وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَعْفٌ. 

لَكِنْ حَدِيثُ الْخَاتَمِ وَحَدِيثُ نَوَاةِ الذَّهَبِ مِنْ أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَفِيهِمَا كِفَايَةٌ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ, «التمسوا ولو خاتم من حديد», وَهَذَا في الصحيحين. 

وحديث عبد الرحمن بن عوف تزوجها عَلَى وزن نواة من ذَهَبَ, وَأَمَّا الأقوال الأخرى اللي يَقُولُ: أربعون أو خمسون أو كذا فَلَيْسَ عليها دليل, ليس عليها دليل يَدُلَّ عَلَى أن الأقل هُوَ ما ذكر. 

وَمُجَرَّدُ مُوَافَقَةِ مَهْرٍ مِنَ الْمُهُورِ الْوَاقِعَةِ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ, يَعْنِي يَدُلَّ عَلَى أن هَذَا من المهر القليل. 

وَعَلَى كُلّ حال هَذَا الحديث كما قال في حديث جابر روي موقوفًا وروي مرفوعًا, قَالَ: «كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة، من الطعام على معنى المتعة». 

روي عَنْ جابر موقوفًا وروي عنه مرفوعًا, وكما سبق ليس هناك حد محدد, كُلّ ما يسمى مال وتراضيا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يكون مهرًا, والأصل في هَذَا قول الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء/24]. 

كُلّ ما يسمى مال ولو كَانَ قليلاً, خاتم من ذَهَبَ, قبضة من طعام, نعلان لهما ثمن إِذَا تراضيا عَلَى ذَلِكَ. 

فَإِن قِيلَ: وَإِذَا قالت لا أريد صداق؟ الصداق لَابُدَّ منه. 

(.....) 

فَإِن قيل: هَلْ أصحمة صحابي؟ في خلاف بَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهُ صحابي, لكن الصواب أَنَّهُ ما رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, الصواب في تعريف الصحابي كما قَالَ الحافظ: هُوَ من لقي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مسلمًا ومات عَلَى الإسلام, يشمل العميان, بَعْضُهُمْ يَقُولُ: من رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, عبد الله بن أم مكتوم ما رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لكنه لقيه؛ لِأَنَّهُ أعمى, وَهُوَ صاحبي. 

هُوَ ما رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا لقيه, ولكنه ملك عادل صلى عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأمر الصَّحَابَة في مصلى الجنائز صفهم وصلى عَلَيْهِ, بعض العلماء قَالُوا: إِنَّهُ صحابي, ومنهم من قَالَ: ليس صحابي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يلق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يره. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد