بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله الله في سننه:
باب في التزويج على العمل يعمل
2111 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قيامًا طويلاً، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟»، فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئًا»، قال: لا أجد شيئًا، قال: «فالتمس ولو خاتمًا من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل معك من القرآن شيء؟»، قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد زوجتكها بما معك من القرآن».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في التزويج على العمل يعمل), أو بعمل كأنه اختلاف النسخ, ذكر المؤلف رحمه الله حديث سهل بن سعد الساعدي قصة المرأة الَّتِي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يقض فِيهَا شَيْئًا وأن رجل قَالَ: زوجنيها يا رسول الله إن لَمْ يكن بك حاجة, طلب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يصدقها فلم يجد شيئًا, ثُمَّ زوجه إياها عَلَى تعليم سور الْقُرْآن.
وقول المرأة: «إني وهبت نفسي لك»، أيْ أمر نفسها, المراد أمر نفسها وليس المراد الرقبة؛ لِأَنَّ رقبة الحرة لا تملك, فكأنها قالت: أتزوجك بغير صداق, «فقامت قيامًا طويلاً», وفي رواية لمسلم «نظر إليها رسول صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فِيهَا وصوبه, ثُمَّ طأطأ رأسه, فكأنه لَمْ يقض فِيهَا شيئًا, فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة, قال: هل عندك من شيء تصدقها», يَعْنِي تجعل صدقها ذَلِكَ الشيء, ومن هنا زائدة في المبتدأ, فلم يجد شيئًا فزوجه النَّبِيّ إياها عَلَى العمل.
والحديث فِيهِ دليل عَلَى جواز أن تهب المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وأن هَذَا من خصائص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, من خصائص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن المرأة تهب نفسها له, ويتزوجها هَذَا من خصائص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, يَقُولُ الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب/50]؛ هَذِهِ خصوصية خالصة.
أَمَّا غير النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلا يجوز للمرأة أن تهب نفسها له, بَلْ لَابُدَّ أن يكون الزواج عَنْ طريق الولي, وَلَابُدَّ من المهر, لكن هَذَا من خصائص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, وَقَدْ زوج الله نبيه زينب من فوق سبع سموات بغير ولي, كانت تفخر عَلَى أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات, قَالَ الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ }[الأحزاب/37].
فهذا من خصائص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن المرأة تهب نفسها له, ومن الخصاص أَنَّهُ دخل عَلَى زينب كَذَلِكَ بغير ولي, الله تعالى زوجه إياها, وَأَمَّا غيره فَلَيْسَ للمرأة أن تهب نفسها وَلَابُدَّ من الصادق والمهر وَلَابُدَّ من الولي, لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إِلَّا بولي وشاهدي عدل».
وقول النَّبِيّ: «هَلْ عندك من شَيْء تصدقها إياه», دليل عَلَى أَنَّهُ لَابُدَّ من المهر, وأن الأصل أن يكون المهر شيئًا من المال, كما قَالَ الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}[النساء/24].
وَفِيهِ دليل عَلَى جواز إصداق المرأة بالقليل والكثير مِمَّا يتمول, إذا تراضا به الزوجان, وَفِيهِ جواز اتخاذ الخاتم من حديد, وَأَمَّا حديث «الحديد حلية أهل النَّارِ», فَهُوَ حديث ضعيف هَذَا الحديث أصح منه, لا يقاوم هَذَا الحديث الَّذِي في الصحيحين.
وَفِيهِ عَلَى جواز إصداق المرأة إِذَا لَمْ يوجد المال بالعمل, والمهنة, كأن يصدقها بتعليمها الْقُرْآن أو تعليمها أحاديث السنة, أو تعليمها أشعار مفيدة, أو تعليمها النجارة أو الحدادة أو الخياطة, أو مثلاً صنعة مثل الكمبيوتر مثلاً وما أشبه ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مفيد.
وَفِيهِ جواز عرض المرأة نفسها عَلَى الرجل الصالح, هَذَا عرض ولكن إذا أمنت الفتنة والمفسدة فلا بأس, وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا وافق يتولى الولي.
قوله: «قد زوجتكها بما معك من القرآن», هَذَا هُوَ الشاهد من الترجمة.
ذكر الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قال: وَادَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ», وَلَا يَصِحّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَة كَانَتْ تَحِلّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَعَلَتْ أَمْرهَا إِلَيْهِ فَزَوَّجَهَا بِالْوِلَايَةِ وَأَمَّا دَعْوَى الْخُصُوص فِي الْحَدِيث فَإِنَّهَا مِنْ وَجْه دُون وَجْه فَالْمَخْصُوص به صلى الله عليه وسلم هُوَ نِكَاحه بِالْهِبَةِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}[الأحزاب/50].
وَأَمَّا تَزْوِيج الْمَرْأَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن فَكَثِير مِنْ أَهْل الْعِلْم يُجِيزهُ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَصْحَابهمَا, وَكَثِير يَمْنَعهُ كَأَبِي حَنِيفَة وَمَالِك, والصواب الجواز, الحديث صريح في الجواز, كَذَلِكَ قصة موسى عليه الصلاة والسلام مَعَ صهره, قَالَ: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[القصص/27]؛ والأصل أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لَمْ يأتي شرعنا بخلافه.
وَفِيهِ جَوَاز نِكَاح الْمُعْدِم الَّذِي لَا مَال لَهُ, وَفِيهِ الرد عَلَى مَنْ قَالَ بِتَقْدِيرِ أَقَلّ الصَّدَاق إِمَّا بخمسة دراهم كقول ابن شُبْرُمَةَ, أَوْ بِعَشْرَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة أَوْ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كَقَوْلِ النَّخَعِيِّ, أَوْ بِخَمْسِينَ كَقَوْلِ سَعِيد بْن جُبَيْر, أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ رُبْع دِينَار كَقَوْلِ مَالِك, وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال حُجَّة يَجِب الْمَصِير إِلَيْهَا.
إذن ما في تقدير هؤلاء الَّذِينَ قدروا اجتهاد منهم, خمسة دراهم أربعين ثلاثة دراهم ربع دينار كُلّ هَذَا اجتهاد ما في تقدير, ولهذا قَالَ له النَّبِيّ: «التمس ولو خاتم من حديد», هَذَا أقل القليل.
قَالَ ابن القيم رحمه الله: وَغَايَة مَا ذَكَرَهُ الْمُقَدِّرُونَ قِيَاس اِسْتِبَاحَة الْبُضْع عَلَى قَطْع يَد السَّارِق, وَهَذَا الْقِيَاس مَعَ مُخَالَفَته لِلنَّصِّ فَاسِد؛ إِذْ لَيْسَ بَيْن الْبَابَيْنِ عِلَّة مُشْتَرَكَة تُوجِب إِلْحَاق أَحَدهمَا بِالْآخَرِ, وَأَيْنَ قَطْع يَد السَّارِق مِنْ بَاب الصَّدَاق وَهَذَا هُوَ الْوَصْف الطَّرْدِيّ الْمَحْض؛ الَّذِي لَا أَثَر لَهُ فِي تَعْلِيق الأحكام به.
وفيه جَوَاز عَرْض الْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح, وَفِيهِ جَوَاز كَوْن الْوَلِيّ هُوَ الْخَاطِب, وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه, قال: وَفِيهِ جَوَاز سُكُوت الْعَالِم وَمَنْ سُئِلَ شَيْئًا لَمْ يَرُدّ قَضَاءَهُ وَلَا الْجَوَاب عَنْهُ؛ لأنها لما وهبت نفسها له سكت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم «قامت قيامًا طويلاً».
قَالَ: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز أَنْ تَكُون مَنَافِع الْحُرّ صَدَاقًا, هَذَا كله من كلام ابن القيم.
(المتن)
2112 - حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، قال: حدثني أبي حفص بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج الباهلي، عن عِسل، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، نحو هذه القصة لم يذكر الإزار والخاتم، فقال: «ما تحفظ من القرآن؟» قال سورة البقرة أو التي تليها، قال: فقم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك.
2113 - حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول، نحو خبر سهل، قال: وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
حديث أبي هريرة نحو هَذِهِ القصة قالها أحمد بن أبي حفظ لعبد الله عَنْ إبراهيم بن طهمان عن عسل, عن عطاء بن أبي رباح نحو هذه القصة يعني قصة سهل, وَلَمْ يذكر الإزار والخاتم, قَالَ: «ما تحفظ من القرآن؟ قال سورة البقرة أو التي تليها، قال: فقم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك».
هَذَا الحديث في إسناده عسل بن سفيان وَهُوَ ضعيف, العمدة عَلَى الحديث السابق, عسل هَذَا ضعيف.
قَالَ الحافظ في الفتح: وفي رواية سهل بن سعد «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً عَلَى سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَلِّمُهَا إِيَّاهُمَا», وَفِي مُرْسَلِ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ القرآن».
وفي حديث ابن عباس: «هَلْ تقرأ من الْقُرْآن شيئًا؟ قَالَ: نعم, إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قَالَ أَصْدِقْهَا إِيَّاهَا».
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ البَعْضٌ أَوْ أَنَّ الْقَصَصَ مُتَعَدِّدَةٌ.
وَعَلَى كُلّ حال هَذَا الحديث فِيهِ ضعف, وَأَمَّا مرسل مكحول, قَالَ: وَكَانَ مكحول يَقُولُ: ليس ذَلِكَ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم, هَذَا مرسل والمرسل ضعيف.
وهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ, ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا مَا احْتُجَّ عَلَيْهَا بِمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ قَالَ: «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا», فَهَذَا أولا مرسل وفِي إسناده مَنْ لَا يُعْرَفُ فلا يصح قَالَهُ الْحَافِظُ.
فَإِذًا دعوى الخصوصية ليس عَلَيْهِ دليل, هَذَا مرسل وضعيف, والصواب أَنَّهُ ليس خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بِهَذَا الرجل إنما عام.
(المتن)
باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات
2114 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، في رجل تزوج امرأة فمات عنها، ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملاً، وعليها العدة، ولها الميراث، فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى به في بروع بنت واشق».
2115 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، وابن مهدي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، وساق عثمان، مثله.
(الشرح)
قَالَ: بَروع وَقَالَ: بِروع.
هَذِهِ الترجمة فيمن تزوج وَلَمْ يسم صدقة حَتَّى مات, تزوج امرأة ودخل بها ولكن ما سمي الصداق, ذكر فِيهِ حديث عبد الله بن مسعود «رجل تزوج امرأة فمات عنها، ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق، فقال ابن مسعود: لها الصداق كاملاً»، لها المهر كامل يَعْنِي تعطى مهر مثلها, ينظر إِلَى مهر أخواتها وأقاربها.
« وعليها العدة»، تعتد عنه «ولها الميراث»، فلها الصداق ولها الميراث وعليها العدة «فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق».
كما سيأتي أن عبد الله بن مسعود لما قَالَ له هَذَا فرح بِذَلِكَ فرحًا شديدًا؛ حيث وافق قوله قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة, والحديث لا بأس بسنده, وَهُوَ دليل عَلَى أن من تزوج امرأةً وَلَمْ يسم لها صدقة ثُمَّ مات فلم يدخل بها أن لها المهر كاملاً, ولها الميراث وعليها العدة.
وَهَذَا بخلاف ما إِذَا طلقها قبل أن يدخل بها وَلَمْ يفرض لها مهر, فَإِنَّهُ يمتعها عَلَى حسب عسره ويسره, فَإِن كَانَ فرض لها مهر فلها نصف المهر, أَمَّا إِذَا طلقها بَعْدَ الدخول بها فَإِن كَانَ فرض لها مهر فَهُوَ لها, إن لَمْ يفرض لها مهر فلها مهر المثل, لقول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة/236-237].
فَإِذَا طلق المرأة قبل الدخول وَلَمْ يفرض لها مهر يمتعها, فَإِن فرض لها المهر فلها نصف المهر, أَمَّا إِذَا مات عنها فيختلف الحكم, إِذَا مات عنها وَلَمْ يدخل بها فلها المهر كامل, وعليها العدة ولها الميراث, يختلف الحكم ما إِذَا تزوج امرأة وَلَمْ يدخل ثُمَّ مات أو تزوجها ثُمَّ طلقها.
إِذَا تزوجها وَلَمْ يدخل بها ثُمَّ مات لها المهر كامل, إذا عقد عليها وطلقها قبل الدخول لها نصف المهر, إن فرض, فَإِن لَمْ يفرض لها مهر يمتعها.
إِذَا مات عنها وَلَمْ يدخل بها عليها العدة, إِذَا طلقها وَلَمْ يدخل بها فلا عدة عليها, لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}[الأحزاب/49].
حديث عثمان بن أبي شيبة, قال: حدثنا يزيد بن هارون، وابن مهدي، عن سفيان، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، فساق عثمان مثله هَذَا متابع للحديث السابق, في قصة السابقة, أن رجلاً تزوج امرأةً ومات عنها.
(المتن)
2116 - حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، وأبي حسان، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن مسعود، أتي في رجل بهذا الخبر، قال: فاختلفوا إليه، شهرًا - أو قال: - مرات، قال: فإني أقول فيها إن لها صداقًا كصداق نسائها، لا وكس، ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة، فإن يك صوابًا، فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، فقام ناس من أشجع فيهم الجراح، وأبو سنان، فقالوا: يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا في بَروع بنت واشق وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحًا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
وَهَذَا الحديث فِيهِ أن عبد الله بن أم مسعود أفتي في رجل مات عَنْ امرأة وَلَمْ يدخل بها, قَالَ: «فاختلفوا إليه، شهرًا - أو قال: - مرات»، هَذَا فِيهِ دليل عَلَى عدم التسرع في الفتوى, مرات شهر يترددون عَلَيْهِ وَهُوَ يرددهم, يتأمل وينظر ويسأل ويشاور, فتجد بعض صغار الطلبة الآن لما تَأْتِيَ المسألة يفتي عَلَى طول ولا يبالي, ولو وقعت هَذِهِ المسألة لعمر لجمع لها أهل بدر, وَهَذَا من قلة الورع وضعف الإيمان.
ابن مسعود عَلَى جلالة قدره شهر كمل يترددون عَلَيْهِ, مرات, ثُمَّ قَالَ: «قال: فإني أقول فيها إن لها صداقًا كصداق نسائها، لا وكس، ولا شطط»، الوكس النقص والشطط الزيادة, يَعْنِي لا زيادة ولا نقص, لها مهر نسائها, كم نسائها؟ قَالُوا: النَّاس يصدقون أربعين ألف, نعطيها أربعين, ألف, النَّاس يدفعون عشرة نعطيها عشرة, مثل نسائها, مثل ما يدفع لنسائها من المهر تعطى.
«إن لها صداقًا كصداق نسائها، لا وكس، ولا شطط»؛ لأنها الآن مات عنها وَلَمْ يَعْين المهر, ننظر كما يدفعون النَّاس, كم المهر؟ قَالَ النَّاس: ندفع عشرين, نعطي عشرين, النَّاس من حولها, يدفعون عشرة نعطيها عشرة وهكذا.
قَالَ: «وإن لها الميراث», أَيْضًا ترث, فجمعت بين الأمرين أخذت الصداق وورثت زوجها, وَهُوَ ما دخل بها «وعليها العدة»، انظر الورع «فإن يك صوابًا، فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان», وفي رواية «والله ورسوله يريان», يَعْنِي يريد أن الله سبحانه وتعالى ثُمَّ رسوله لَمْ يتركا شيئًا لَمْ يبيناه في الكتاب وفي السنة, وَلَمْ يرشدا إِلَى صواب الحق فِيهِ, بَلْ هُوَ كُلّ شَيْء موجود فِيهِ إِمَّا نصًا وَإِمَّا دلالة, وهما بريئان من أن يضاف إليهم الخطأ الَّذِي يؤتى المرء فِيهِ من جهة عجزه أو تقصيره.
«فقام ناس من أشجع», لما أفتاهم عبد الله بن مسعود «فيهم الجراح، وأبو سنان، فقالوا: يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت», قضى في بروع بنت واشق فأعطاها المهر وأعطاها الميراث وأوجب عليها العدة. «قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحًا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم».
والحديث فِيهِ دلالة عَلَى أن المرأة تستحق بموت زوجها بَعْدَ العقد قبل فرض الصداق جميع المهر, وإن لَمْ يقع منه دخول ولا خلوة, وَبِهَذَا ذَهَبَ جماهير من أهل العلم, ابن مسعود وابن سيرين وابن ليلى وأبي حنيفة وإسحاق وأحمد.
وَذَهَبَ بعض العلماء من الصَّحَابَة ومن غيرهم إِلَى أَنَّهَا لا تستحق إِلَّا الميراث فقط, ولا تستحق مهرًا ولا متعة؛ قالوا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَمْ تَرِدْ إِلَّا لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَهْرُ عِوَضٌ عَنِ الْوَطْءِ وَلَمْ يَقَعْ مِنَ الزَّوْجِ.
لكن هَذَا خلاف حديث الباب, قَالُوا: لا تستحق إِلَّا الميراث ولا تستحق المهر ولا تستحق المتعة, المتعة قَالُوا: لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَمْ تَرِدْ إِلَّا لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَهْرُ عِوَضٌ عَنِ الْوَطْءِ وَلَمْ يَقَعْ مِنَ الزَّوْجِ.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بَالِاضْطِرَابِ فَرُوِيَ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ أَوْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاضْطِرَابَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَصَحَابِيٍّ وَهَذَا لَا يُطْعَنُ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ.
وَقَالُوا: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا نقْبَلْ قَوْلَ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ فِيمَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ, وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ, وَلَوْ سُلِّمَ ثُبُوتُهُ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بَالْحَدِيثِ مَعْقِلٌ الْمَذْكُورُ بَلْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ بَلْ مَعَهُ الْجَرَّاحُ كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
وَأَيْضًا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا نَفَيَا مَهْرَ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِّ وَالْفَرْضِ, لَا مَهْرَ مَنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَأَحْكَامُ الْمَوْتِ غَيْرُ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ.
والمعروف بَروع أو بِروع, والشيخ قَالَ: بروع بكسر الباء أو بفتحها, الشكل ما عَلَيْهِ عمدة العبرة بالضبط بالحروف.
(المتن)
2117 - حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، ومحمد بن المثنى، وعمر بن الخطاب، قال محمد: حدثنا أبو الأصبغ الجزري عبد العزيز بن يحيى، أخبرنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أترضى أن أزوجك فلانة؟»، قال: نعم، وقال للمرأة: «أترضين أن أزوجك فلانًا؟»، قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقًا، ولم يعطها شيئًا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقًا، ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهما فباعته بمائة ألف. قال أبو داود: وزاد عمر بن الخطاب، وحديثه أتم في أول الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير النكاح أيسره»، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ثم ساق معناه. قال أبو داود: يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقًا لأن الأمر على غير هَذَا.
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أَيْضًا شاهد لحديث ابن مسعود, وَعَلَيْهِ فَإِن الحديث حسن بشواهده, ومتابعاته, أَنَّهُ لَمْ يفرض لها الصداق ثُمَّ أعطاها الصداق, وكما ذكر الحافظ قَالَ: إن هَذَا الحديث شاهد لحديث معقل بن سنان.
ولكن بَعْضُهُمْ اعترض قَالَ: إن هَذَا في امرأة دخل بها زوجها, وتلك امرأة مات عنها زوجها, ولكن فيه شاهد بأنه يصح النكاح بغير تسمية, قَالُوا: «خير النكاح أيسره», يَعْنِي أسهله عَلَى الرجل بتخفيف المهر, أيسره يَعْنِي أقله مهرًا وأسهله إجابةً للخطبة.
أَمَّا قول أبي داود: (يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقًا لأن الأمر على غير هَذَا), ملزقًا يَعْنِي ملحقًا, لِأَنَّ الْأَمْرِ عَلَى غير هَذَا؛ لِأَنَّهُ أعطاها زائدًا عَلَى المهر في مرض الموت, هَذِهِ العبارة إِنَّمَا توجد في بعض النسخ.
وابن القيم رحمه الله علق عَلَى هَذِهِ الأحاديث عَلَى قول ابن مسعود (فإن يك صوابًا، فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان), وفيه أن الصواب في قول واحد ولا يكون القولان المتضادان صوابًا معًا, وهو منصوص الأئمة الأربعة وَالسَّلَف, وأكثر الخلف.
وفيه أن الله تعالى هو الموفق للصواب الملهم له بتوفيقه وإعانته وأن الخطأ من النفس والشيطان, ولا يضاف إلى الله ولا إلى رسوله.
ولا حجة فيه للقدرية المجوسية – القدرية يَقُولُونَ العبد هُوَ الَّذِي يخلق فعل نفسه- إذا إضافته إلى النفس والشيطان إضافة إلى محله ومصدره, وهو النفس وشبهها وهو الشيطان وتلبيسه الحق بالباطل؛ بل فيه رد على القدرية الجبرية – الَّذِينَ يَقُولُونَ العبد مجبر- الذين يبرئون النفس والشيطان من الأفعال البتة ولا يرون للمكلف فعلاً اختياريًا يكون صوابًا أو خطأ.
والذي دل عليه قول ابن مسعود وهو قول الصحابة كلهم وأئمة السنة من التابعين ومن بعدهم, هو إثبات القدر الذي هو نظام التوحيد.
وإثبات فعل العبد الأختياري, الذي هو نظام الأمر والنهي, هَذَا هُوَ قول أهل السنة والجماعة, إثبات القدر وإثبات فعل العبد, إثبات القدر يَعْنِي نظام التوحيد, وإثبات فعل العبد الاختياري نظام الْأَمْرِ والنهي, وهو متعلق المدح والذم والثواب والعقاب.
ثُمَّ علق ابن القيم أَيْضًا عَلَى خطبة الحاجة, فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّه فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِي لَهُ», وَقَالَ: «ونستعينه ونستغفره» أنها جاءت بالنون والشهادتان بالإقرار.
قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَة: لَمَّا كَانَتْ كَلِمَة الشَّهَادَة لَا يَتَحَمَّلهَا أَحَد عَنْ أَحَد وَلَا تُقْبَل النِّيَابَة بِحَالٍ أَفْرَدَ الشَّهَادَة بِهَا, قَالَ: أَشْهَدُ ألا إله إِلَّا الله.
وَلَمَّا كَانَتْ الِاسْتِعَانَة وَالِاسْتِعَاذَة وَالِاسْتِغْفَار يُقْبَل ذَلِكَ, فَيَسْتَغْفِر الرَّجُل لِغَيْرِهِ وَيَسْتَعِين اللَّه لَهُ وَيَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ لَهُ أَتَى فِيهَا بِلَفْظِ الْجَمْع, وَلِهَذَا يَقُول اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَأَعِذْنَا واغفر لنا.
قال ذلك في حديث ابن مسعود وليس فيه نحمده, وفي حديث ابن عَبَّاس نَحْمَدهُ بِالنُّونِ؛ مَعَ أَنَّ الْحَمْد لَا يَتَحَمَّلهُ أَحَد عَنْ أَحَد وَلَا يَقْبَل النِّيَابَة, فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة مَحْفُوظَة فِيهِ إِلَى أَلْفَاظ الْحَمْد وَالِاسْتِعَانَة عَلَى نَسَق وَاحِد.
وَفِيهِ مَعْنًى آخَر وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِعَانَة وَالِاسْتِعَاذَة وَالِاسْتِغْفَار طَلَب وَإِنْشَاء, فَيُسْتَحَبّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَطْلُبهُ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا الشَّهَادَة فَهِيَ إِخْبَار عَنْ شَهَادَته لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ, وَهِيَ خَبَر يطابق عقد الْقَلْب وَتَصْدِيقه, وَهَذَا إِنَّمَا يُخْبِر بِهِ الْإِنْسَان عَنْ نَفْسه لِعِلْمِهِ بِحَالِهِ بِخِلَافِ إِخْبَاره عَنْ غَيْره فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُخْبِر عَنْ قَوْله وَنُطْقه لَا عَنْ عَقْد قَلْبه, وَاَللَّه أَعْلَم.