بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه:
باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى
2131 - حدثنا مَخلد بن خالد، والحسن بن علي، ومحمد بن أبي السري المعنى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن رجل، من الأنصار، قال ابن أبي السري من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ولم يقل: من الأنصار ثم اتفقوا، يقال له بصرة، قال: تزوجت امرأة بكرًا في سترها، فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت» قال الحسن: «فاجلدها» وقال ابن أبي السري: " فاجلدوها - أو قال -: فحدوها " قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة، عن سعيد بن يزيد، عن ابن المسيب، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، أرسلوه كلهم وفي حديث يحيى بن أبي كثير، أن بصرة بن أكثم نكح امرأة وكلهم، قال: في حديثه جعل الولد عبدًا له.
2132 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا علي يعني ابن المبارك، عن يحيى، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا يقال له بصرة بن أكثم، نكح امرأة، فذكر معناه زاد، وفرق بينهما. وحديث ابن جريج أتم.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى), ذكر المؤلف رحمه الله حديث من رواية ابن جريج رواه ثلاثة خالد بن مخلد والحسن بن علي ومحمد بن السري, رووه عَنْ عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن رجل، من الأنصار.
والرواية الأخرى أو الطريق الأخر حديث محمد بن مثنى عَنْ عثمان بن عمر، حدثنا علي يعني ابن المبارك، عن يحيى، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب.
فهذا الحديث للعلماء كلام في سنده وكلام في متنه, وَهَذَا الرجل الَّذِي يقال: إِنَّهُ صحابي واختلف فِيهِ, قيل: اسمه بصرة, وَقِيلَ: نظرة, وَقِيلَ: نظلة, وَكَذَلِكَ أَيْضًا اختلف في سند الحديث في اتصاله وإرساله.
نقل أبو داود رحمه الله قَالَ: روى هَذَا الحديث قتادة عَنْ سعيد بن يزيد عَنْ ابن المسيب, يَعْنِي عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, ورواه يحيى بن أبي كثير يَعْنِي يزيد بن نعيم عَنْ سعيد بن المسيب, ورواه عطاء الخراساني عَنْ سعيد بن المسيب, كلهم أرسلوه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث يحيى بن أكثم, قَالَ: إِنَّهُ بصرة ابن أكثم نكح امرأة, وفي هَذَا الحديث في متنه أن هَذَا الرجل تزوج امرأة بكرًا في سترها, فدخل عليها فَإِذَا هِيَ حبلى, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت, قال الحسن», يَعْنِي الحسن بن علي في روايته «فاجلدها وقال ابن أبي السري في روايته وخالد بن مخلد: فاجلدوها - أو قال -: فحدوها».
والعلماء لهم كلام كثير في هَذَا في سنده وفي متنه, وَعَلَى صحته تأول الخطابي قوله: «والولد عبد لك»؛ لِأَنَّ هَذَا فيه نكارة كيف يكون ولد الزنا عبد؟ قَالَ الخطابي في معالم السنن: ولا أعلم أحدًا من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة فكيف يستعبده؟ ويشبه أن يكون معناه أن ثبت الخبر أنه أوصاه به خيرًا, أو أمره باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ, فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه, وَقِيلَ في المثل: بالبر يستعبد الحر.
يَقُولُ: لو صح فَهُوَ محمول عَلَى التربية وَأَنَّهُ يربيه ويحسن إليه وينشئه تربيةً حسنة؛ حَتَّى إِذَا كبر يخدمه ويكون كأنه عبدٌ له جزاءً لمعروفه, وَكَذَلِكَ أَيْضًا تزوج المرأة وَهِيَ حامل, وَهَلْ يجوز تزوج الزانية أو لا يجوز؟
ابن القيم رحمه الله ذكر الأحكام الَّتِي يشتمل عليها الحديث بغض النظر عَنْ صحة الحديث, قَالَ: إن الحديث فِيهِ وجوب الصداق عَلَيْهِ بِمَا اِسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجهَا وَهُوَ ظَاهِر.
وَفِيهِ من الأحكام بطلان نكاح الحامل من الزنا.
والخطابي رحمه الله يَقُولُ: وفيه حجة إن ثبت الحديث لمن رأى الحمل من الفجور يمنع عقد النكاح, وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن النكاح جائز وهو قول الشافعي, والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي يوسف وكذلك عند الشافعي. ذكره الخطابي.
ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون المسمى؛ لأن في هذا الحديث من رواية زيد بن نعيم عن ابن المسيب؛ أنه فرق بينهما –لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ فذكر معناه وفرق بينهما- ولو كان النكاح وقع صحيحاً لم يجب التفريق؛ لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح, ولا يوجب للزوج الخيار, وقد يحتمل أن يكون الحديث إن كان له أصل منسوخا, هَذَا كلام الخطابي.
وابن القيم رحمه الله تكلم عَلَى هَذَا: قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُضْطُرِبَ فِي سَنَده وَحُكْمه وَاسْم الصَّحَابِيّ رَاوِيه, فَقِيلَ: بَصْرَة بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَالصَّاد الْمُهْمَلَة, وَقِيلَ: نَضْرَة بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة, وَقِيلَ: نَضْلَة بِالنُّونِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام, وَقِيلَ: بُسْرَة بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَقِيلَ نَضْرَة بْن أَكْثَم الْخُزَاعِيّ وَقِيلَ الْأَنْصَارِيّ, وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّهُ بَصْرَة بْن أَبِي بَصْرَة الْغِفَارِيُّ وَوَهِمَ قَائِله.
وَقِيلَ: بَصْرَة هَذَا مَجْهُول, وَلَهُ عِلَّة عَجِيبَة وَهِيَ أَنَّهُ حَدِيث يَرْوِيه بن جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيد بن المسيب عن رجل من الأنصار.
وابن جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ صَفْوَان إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيّ عَنْ صَفْوَان وَإِبْرَاهِيم هَذَا مَتْرُوك الْحَدِيث تَرَكَهُ أَحْمَد بْن حنبل ويحيى بن معين وابن الْمُبَارَك وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زُرْعَة الرَّازِيَّانِ وَغَيْرهمْ وَسُئِلَ عَنْهُ مَالِك بْن أَنَس أَكَانَ ثِقَة فَقَالَ لَا وَلَا فِي دِينه.
وَلَهُ عِلَّة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمَعْرُوف أَنَّهُ إِنَّمَا يُرْوَى مُرْسَلًا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا رَوَاهُ قَتَادَة ويزيد بن نعيم وعطاء الخرساني, كُلّهمْ عَنْ سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذَكَرَ عَبْد الْحَقّ هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَالْإِرْسَال هُوَ الصَّحِيح –يَعْنِي هَذَا من جهة السند- وَقَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَة أَحْكَام:
أَحَدهَا: وُجُوب الصَّدَاق عَلَيْهِ بِمَا اِسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجهَا وَهُوَ ظَاهِر –وجوب الصداق عَلَى من دخل عليها وَهِيَ حبلى ثُمَّ جامعها يَجِبُ عَلَيْهِ الصداق ولو كانت حبلى- لِأَنَّ الْوَطْء فِيهِ غَايَته أَنْ يَكُون وَطْء شُبْهَة إِنْ لَمْ يَصِحّ النِّكَاح.
يَعْنِي الوطء يكون شبهة لِأَنَّهُ ظن أَنَّهَا زوجة سليمة.
الثَّانِي: بُطْلَان نِكَاح الحامل من الزنى.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نِكَاح الزَّانِيَة, فَمَذْهَب الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ لَا يَجُوز تَزَوُّجهَا حَتَّى تَتُوب وَتَنْقَضِي عِدَّتهَا, فَمَتَى تَزَوَّجَهَا قَبْل التَّوْبَة أَوْ قَبْل اِنْقِضَاء عِدَّتهَا كَانَ النِّكَاح فَاسِدًا, وَيُفَرَّق بَيْنهمَا وَهَلْ عِدَّتهَا ثَلَاث حِيَض أَوْ حَيْضَة؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَمَذْهَب الثَّلَاثَة أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَتَزَوَّجهَا قَبْل تَوْبَتهَا, وَالزِّنَا لَا يَمْنَع عِنْدهمْ صِحَّة الْعَقْد كَمَا لَمْ يُوجِب طَرَيَانُهُ فَسْخه -يَعْنِي إِذَا طرأ عَلَى الزوجة ووقع منها الزنا لا يوجب هَذَا الفسخ- ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي نِكَاحهَا فِي عِدَّتهَا فَمَنَعَهُ مَالِك اِحْتِرَامًا لِمَاءِ الزوج وصيانة لاختلاط النسب الصريح بولد الزنى.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوز الْعَقْد عَلَيْهَا مِنْ غَيْر اِنْقِضَاء عِدَّة ثُمَّ اِخْتَلَفَا فَقَالَ الشَّافِعِيّ: يَجُوز الْعَقْد عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَة لِهَذَا الْحَمْل.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو حَنِيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لَا يَجُوز الْعَقْد عَلَيْهَا حَتَّى تَضَع الْحَمْل؛ لِئَلَّا يَكُون الزَّوْج قَدْ سَقَى مَاءَهُ زَرْع غَيْره, وَنَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوطَأ الْمَسْبِيَّة الْحَامِل حَتَّى تَضَع –حَتَّى تستبرأ, سيأتي في الأبواب الآتية المنع من وطأ الحامل؛ حَتَّى تضع, وَكَذَلِكَ نكاح المسبية حَتَّى تستبرأ- مَعَ أَنَّ حَمْلهَا مَمْلُوك لَهُ فَالْحَامِل من الزنى أَوْلَى أَنْ لَا تُوطَأ حَتَّى تَضَع؛ وَلِأَنَّ مَاء الزَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَة فَمَاء الزَّوْج مُحْتَرَم, فَكَيْفَ يَسُوغ لَهُ أَنْ يَخْلِطهُ بِمَاءِ الْفُجُور؟ وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِلَعْنِ الَّذِي يُرِيد أَنْ يَطَأ أَمَته الْحَامِل مِنْ غَيْره.
وَهَذَا سيأتي الحديث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ هممت أن ألعنة لعنة تدخل عَلَيْهِ في قبره», لما رأي حاملاً من السبي قَدْ وطأت.
وَكَانَتْ مَسْبِيَّة مَعَ اِنْقِطَاع الْوَلَد عَنْ أَبِيهِ وَكَوْنه مَمْلُوكًا لَهُ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يَصِحّ الْعَقْد عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَا تُوطَأ حَتَّى تَضَع.
والصواب القول الأول, الصواب ما ذَهَبَ إليه الإمام أحمد؛ من أَنَّهُ لا يجوز تزوجها؛ حَتَّى تتوب, لا يجوز تزوج الزانية؛ حَتَّى تتوب وتصح توبتها, هَذَا يحتاج إِلَى فترة, لقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3].
فلا يجوز تزوج الزانية حَتَّى تصح توبتها, فَإِذَا صحت توبتها وَهَذَا يحتاج إِلَى فترة يَعْنِي تتوب ويتبين صحة توبتها, ثُمَّ تتزوج.
أَمَّا أن تتزوج وَهِيَ عَلَى زناها فلا وَهِيَ عَلَى حالتها, والآية واضحة في هَذَا, ولهذا قَالَ الإمام: إن تزوجها قبل أن تتوب, أو قبل أن تضع عدتها إِذَا كانت في العدة, فَإِن النكاح فاسد وَهَذَا هُوَ الصواب, إِذَا تزوجها وَهِيَ لَمْ تتب فالنكاح فاسد, أو تزوجها وَهِيَ في العدة فالنكاح فاسد, يفرق بينهما؛ حَتَّى تنقضي العدة بالنسبة للمعتدة, وَحَتَّى تتوب الزانية.
هَذَا هُوَ الصواب وليس له أن يتزوج من هِيَ في العدة, وكما جاء في الحديث أَنَّهُ لا يجوز أن يسقي ماؤه زرع غيره.
فَإِن قِيلَ: لو أراد أن يتزوجها في المستقبل؟ إِذَا صحت توبتها وتوبته, مضى مدة يتبين صحة التوبة فلا بأس, من تاب تاب الله عَلَيْهِ, يوجد بعض النَّاس بسبب الجهل إِذَا حصل, وَهَذَا حصل قضايا وجاءت أسئلة يَعْنِي ترد الأسئلة, يَعْنِي سألت أنا وَسُئِلَ غير عَنْ هَذِهِ المسألة, وَهِيَ أَنَّهُ بعض النَّاس يَقُولُ: مثلاً بعض الشباب وألم بشابة بالفاحشة, ثُمَّ لما علموا بادروا بالعقد عليها, يَقُولُ: حَتَّى يكون الولد له, هَذَا لا يجوز, هَذَا حرام, هَذَا ولد سفاح هَذَا, إِذَا حملت به ولد سفاح, هَذَا لا يجوز وَهَذَا مخالف, فلا يجوز أن يتزوجها؛ حَتَّى يستبرئ رحمها؛ وَحَتَّى تصح توبتها وَهُوَ حَتَّى تصح توبته وَهَذَا يحتاج إِلَى فترة, لقوله: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3].
نعوذ بالله يعقد للزاني عَلَى الزانية؛ بزعم أن يستر عَلَيْهِمْ وينسب الولد الَّذِي هُوَ من سفاح ينسب إليه, وَهُوَ ليس ولدًا له, هَذَا ولد سفاح نسأل الله العافية.
الثَّالِث وُجُوب الْحَدّ بِالْحَبْلِ, أيْ الحمل يَعْنِي هَلْ المرأة إِذَا وجدت حامل وَهِيَ ليس لها زوج هَلْ تحد أو لا تحد؟ لِأَنَّ الحمل إِمَّا بالإقرار وَإِمَّا بالشهود أو بالحد, وَقَدْ ثبت أن عمر رضي الله عنه خطب النَّاس وَقَالَ: إِذَا وجدت البينة أو كَانَ الحبل, وَهَذَا قَدْ يدرأ بالشبه, قَدْ تدعي مثلاً أَنَّهَا مكرهة.
الثَّالِث وُجُوب الْحَدّ بِالْحَبْلِ, وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ, وَحُجَّتهمْ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالرَّجْم حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا كَانَ مُحْصَنًا, إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة أَوْ كَانَ حَمْل أَوْ اِعْتِرَاف, هَذَا في خطبة عمر عَلَى المنبر.
الرجم حَقّ عَلَى من زنا من الرجال والنساء إِذَا كَانَ محصنًا إِذَا قامت البينة, هَذَا واحد, أو كَانَ حمل أو اعتراف.
يكون واحد من ثلاثة أشياء:
إِذَا اعترفت.
أو وجد الحمل.
أو قامت البينة.
بشرط أن يكون محصنًا.
إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة أَوْ كَانَ حَمْل أَوْ اِعْتِرَاف مُتَّفَق عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ وجود الحمل أمارة ظاهرة على الزنى أَظْهَر مِنْ دَلَالَة الْبَيِّنَة وَمَا يَتَطَرَّق إِلَى دَلَالَة الْحَمْل يَتَطَرَّق مِثْله إِلَى دَلَالَة الْبَيِّنَة وَأَكْثَر.
وَحَدِيث بَصْرَة هَذَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِجَلْدِهَا بِمُجَرَّدِ الْحَمْل مِنْ غَيْر اِعْتِبَار بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار, وَنَظِير هَذَا, حَدُّ الصَّحَابَة فِي الْخَمْر بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْء.
يَعْنِي هَذَا فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا ولدت فاجلدها والولد عبدٌ لك», فاجلدها في رواية الحسن بن علي, وفي رواية ابن السري, قَالَ: «فاجلدوها أو حدوها», قَدْ تكون مكرهة الآن, وَلَمْ تعترف, وكيف هُوَ الَّذِي يتولى إقامة الحد؟ هَذَا فِيهِ نكارة.
لا يتولى الجلد هَذَا السيد يجلد عبده أو أمته, أَمَّا هَذِهِ فَهِيَ زوجته ليست أمةً له, كيف يجلدها هُوَ ويقيم الحد عليها؟!
الْحُكْم الرَّابِع: إِرْقاق وَلَد الزنى –يَعْنِي كونه رقيق قَالَ: والولد عبدٌ لك- وَهُوَ مَوْضِع الْإِشْكَال فِي الْحَدِيث وَبَعْض الرُّوَاة لَمْ يَذْكُرهُ فِي حَدِيثه كَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيد وَغَيْره وَإِنَّمَا قَالُوا فَفَرَّقَ بَيْنهمَا وَجَعَلَ لَهَا الصَّدَاق, وَجَلَدَهَا مِائَة وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَال فِي الْحَدِيث.
وَإِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة فَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا لَعَلَّهُ كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام؛ حِين كَانَ الرِّقّ يَثْبُت عَلَى الْحُرّ الْمَدِين ثُمَّ نُسِخَ وَقِيلَ إِنَّ هَذَا مَجَاز وَالْمُرَاد بِهِ اِسْتِخْدَامه.
والصواب كما رأيتما أن الحديث لا يصح, سندًا ولا متنًا, وَأَنَّهُ حديث باطل, لما في سنده علل وفي متنه نكارة, أَمَّا علل السند فَهِيَ أولًا تدليس ابن جريج, وله علة عجيبة كما ذكر ابن القيم وَأَنَّهُ يروي عَنْ صفوان بن سليم وَهُوَ لَمْ يسمعه منه, وَإِنَّمَا سمعه من إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وَهُوَ متروك.
والعلة الثانية الإرسال والانقطاع الَّذِي أشار إليه المؤلف.
(قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة، عن سعيد بن يزيد، عن ابن المسيب)، يَعْنِي عَنْ النَّبِيّ (ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، أرسلوه كلهم), عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
فهذا الإرسال والانقطاع في الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله, والعلة الثالثة الاضطراب في السند, فتارة يروى عَنْ سعيد بن المسيب عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتارة عَنْ سعيد بن المسيب عَنْ رجل من الأنصار, والعلة الرابعة الاضطراب في اسم الصحابي راويه, فقيل: بصرة, وَقِيلَ: بسرة, وَقِيلَ: نضرة, وَقِيلَ: نظلة.
وَأَمَّا النكارة في المتن فَهُوَ كما هُوَ ظاهر كون ولد الزنا يكون رقيقًا, فهذا موضع الإشكال في الحديث, كيف يكون رقيقًا؟ وَعَلَى فرض صحته قِيلَ: إن هَذَا كَانَ في أول الإسلام, بحيث كَانَ يثبت عَلَى الحر المدين كما قَالَ ابن القيم ثُمَّ نسخ.
وَقِيلَ: إن هَذَا مجاز والمراد استخدامه, وَعَلَى كُلّ حال كُلّ هَذِهِ العلل في السند كلها تدل عَلَى بطلان الحديث وَأَنَّهُ حديث باطل, وإنما ذكره المؤلف رحمه الله لما ورد في الباب, يذكر ما ورد في الباب بغض النظر عَنْ صحته.
وَكَذَلِكَ الطريق الأخرى رواية محمد بن المثنى فِيهَا أَنَّهُ فرق بينهما, قَالَ المؤلف: وحديث ابن جريج أتم, حديث ابن جريج وحديث المثنى كلاهما فيهما الإرسال والنكارة في المتن, والحديث باطل سندًا ومتنًا فلا يصح ولا يعول عَلَيْهِ.
فَإِن قِيلَ: الحامل الَّتِي حملت من الزنا هِيَ لَمْ تذهب لتطهر؟ هِيَ مكن أن تدرأ الشبهة بأنها تعترف أَنَّهَا كانت مكرهة, إِذَا كانت مكرهة يدرأ عنها الحد, لكن إِذَا أقرت بَعْدَ أن تضع مثل قصة المرأة الَّتِي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم الغامدية وقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني, فقال: «اذهبي حَتَّى تضعين الحمل», فوضعته وجاءت فقالت: يا رسول الله وضعته, فقال: «اذهبي حَتَّى تفطميه», ثُمَّ جاءت وَقَدْ فطمته وفي يده كسرى من خبز, فقال: «من يأخذه», فأخذه رجل من الأنصار يقوم بتربيته, ثُمَّ أمر بها فشدت عليها ثيابها ورجمت, وجاء في بعضها أَنَّهَا حفر لها حفرة.
فَإِن لَمْ تذهب ليقام عليه الحد فَهِيَ ترى أَنَّهَا مكرهة, إِذَا رفعت إِلَى الحاكم ينظر إليها, إن أقرت وإن ادعت أَنَّهَا مكرهة وَهَذَا ممكن, يدرأ عنها الحد.
وَإِذَا تبين أن الإنسان تزوج من زانية يفرق بينهما والنكاح فاسد عَلَى الصحيح, والمسألة فِيهَا خلاف, والمسألة فِيهَا خلاف كما سمعتم, والصواب أن النكاح فاسد يفرق بينهما, بَعْدَ أن تبين أَنَّهَا زانية لا يجوز للعدل أن يتزوج الزانية, قَالَ تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور/3].