شعار الموقع

شرح كتاب النكاح من سنن أبي داود_19

00:00
00:00
تحميل
101

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد: 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله: 

باب في الرجل يشترط لها دارها. 

2139- حدثنا عيسى بن حماد، أخبرني الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب في الرجل يشترط لها دارها) يَعْنِي: للزوجة عند العقد يشترط لها دارها, أي يتشرط ألا يخرجها من دارها, ومثله: لو اشترطت ألا يخرجها من بلدها, فهل يَجِبُ الوفاء بهذا الشرط أو لا يَجِبُ؟ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عقبة بْنُ عامر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج». 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وهو حديث صحيح, ويدل بعمومه عَلَى أَنَّه يَجِبُ الوفاء بالشروط, ومن ضمن الشروط أن تشترط ألا يخرجها من دارها أو من بلدها, فالحديث يدل عَلَى أَنَّه يَجِبُ عَلَى الزوج الوفاء بالشروط الَّتِي تشترطها المرأة عليه أو يشترطها وليها في العقد, مثال ذلك: تشترط أن تبقى موظفة, أو يشترط ألا يتزوج عليها, أو ألا يخرجها من بلدها, أو من دارها, قيد الجمهور الحديث بالشروط الَّتِي لا تنافي مقتضى العقل, فهذه لا يُعمل بها كأن: يشترط عليه ألا تنجب, هذا منافي مقتضى العقل, أو يشترط أن تأخذ حبوب كذا أو يعزل عنها, كل هذا منافي مقتضى العقل. 

وإذا أراد أن يخل بهذه الشروط فلها الخيار إذا اشترطت عليه أن تكون مدرسة ثم قَالَ: لا, أريد أمنعك من التدريس, يصير لها الخيار إن شاءت بقيت معه وإن شاءت طلبت الطلاق, وَكَذَلِكَ يشترط عليها ألا يخرجها من بلدها أو من بيت أهلها, تكون عند والديها ثم قَالَ لها: أريد أن أخرجكِ فلها الخيار إن شاءت قبلت وإن شاءت طلبت الطلاق, وهذا ظاهره العموم أَنَّه يشمل كل شرط ما لم يكن محظورًا ممنوعًا شرعًا أو يكن منافيًا لمقتضى العقل. 

العلماء اختلفوا كما ذكر النووي نقلًا عن الشافعي وأكثر العلماء: أن هذا الحديث محمول عَلَى شروط لا تنافي مقتضى العقل, وأما شرط يخالف مقتضى العقل كأن يشترط ألا يقسم لها وليس لها قسم, أو لا ينفق عليه, أو لا يسافر بها, قوله هذا لا يَجِبُ الوفاء بِهِ بل يكون الشرط لاغي ويصح النكاح بمهر المثل, اشترط ألا مهر لها هذا باطل فهي لها المهر, أما شرطه ألا يتزوج عليها هذا ذكره العلماء وإذا أراد يتزوج عليها فلها الخيار إن شاءت بقيت وإن شاءت طلبت الطلاق. 

ونقل النووي أَنَّه ذهب الإمام أحمد وجماعة أَنَّه يَجِبُ الوفاء بالشروط مطلقًا لعموم الحديث, وذكر الخطابي في معالم السنن قَالَ: كَانَ أحمد بْنُ حنبل وإسحاق يريان أن من تزوج امرأة عَلَى ألا يخرجها من دارها فلا يخرج بها من البلد أو ما أشبه ذلك وعليه الوفاء بِذَلِكَ. 

قَالَ سفيان وأصحابه: إن شاء أن ينقلها عن دارها كَانَ له ذلك, عَلَى كل حال كما سبق هو شرط معتبر لَكِنْ إذا أراد أن يُخل بالشرط فلها الخيار. 

(المتن) 

باب في حق الزوج على المرأة. 

2140- حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن حصين، عن الشعبي، عن قيس بن سعد، قال: «أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمرا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق». 

(الشرح) 

هذا الباب في (بيان حق الزوج عَلَى المرأة) ذكر فيهِ حديث قيس بْنُ سعد, والحديث في سنده شريك بْنُ عبد الله القاضي, وقد تُكلم فيهِ من قِبل حفظه لِأَنَّهُ لما تولى القضاء ضعف حفظه انشغل بالقضاء وضعف حفظه فهو ضعيف في الحفظ, وأخرج له مسلم في المتابعات لَكِنْ له شواهد يتقوى بها ذكرها اِبْن القيم رحمه الله, ذكر له ما يقرب من إحدى عشر شاهد تقوى بها. 

والحديث دليل عَلَى أنه لا يجوز السجود لحي ولا ميت, لا يجوز السجود إِلَّا لله عز وجل, فصرفه لغير الله شرك, وفي الحديث أيضًا عظم حق الزوج عَلَى امرأته لما له عليها من الدرجة, قَالَ الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة/228]؛ لَكِنْ لا ينبغي له أن يستغل هَذِه الدرجة في ظلم المرأة وإيذائها, ومنعها حقوقها كما هو الواقع من كثير من الناس. 

قوله: «أرأيت» يَعْنِي: أخبرني, « فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوا» قَالَ الطيبي رحمه الله: أي اسجدوا للحي الذي لا يموت, ولمن ملكه لا يزول, فإنك إِنَّمَا تسجد لي الآن مهابة وإجلالًا وإذا صرت رهبن رمس امتنعت عنه. 

قوله: «لو كنت آمرا أحدًا» هذا عَلَى شرط التقدير فلا يكون, يَعْنِي: لو صح لي أن آمر أو لو فُرض لي أني كنت آمرًا, «لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق». 

هذا شرط تقديري لا يكون مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر/65], وفيه إيماء إِلَى قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء/34]. 

كلام اِبْن القيم عَلَى الحديث جيد, قَالَ رحمه الله: وقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النَّبِيِّ r قَالَ: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». 

قَالَ الترمذي: هذا حديث حسن غريب صَحِيح قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل وَسُرَاقَة بن مالك وعائشة وبن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى وَطَلْق بن علي وأم سلمة وأنس وبن عمر فهذه أحد عشر حديثًا؛ كل هَذِه تقوي هذا الحديث. 

فحديث بن أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ مُعَاذ مِنْ الشَّام سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاذ قَالَ أَتَيْت الشَّام فَوَافَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتهمْ فَوَدِدْت فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَل ذَلِكَ بِك فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَفْعَلُوا فَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُد لِغَيْرِ اللَّه لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقَّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَمْ تَمْنَعهُ» وَرَوَاهُ بن ماجه. 

وروى النسائي من حديث حفص بن أخي عن أنس، رفعه: «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها»  

ورواه أحمد وفيه زيادة: «والذي نفسي بيده. لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه».  

وروى النسائي أيضاً من حديث أبي عتبة عن عائشة قالت: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقًا على المرأة؟ قال زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقًا على الرجل؟ قال أمه».  

وروى النسائي وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه» وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجن» قال الترمذي: حسن غريب.  

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته لفراشه، فأبت أن تجيء فبات غضبانًا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح.« 

وهذا الحديث في عظم حق الرجل عَلَى زوجته, والحديث له شواهد وهو صحيح بشواهده, وفيه: أن السجود لا يجوز لغير الله, وأما قلوه: «لو كن آمرًا» هذا فرض تقديري لا يكون, وإلا فالسجود لا يكون إِلَّا لله. 

(المتن) 

2141- حدثنا محمد بن عمرو الرازي، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فلم تأته فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح». 

(الشرح) 

الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, وهو دليل عَلَى وجوب إتيان المرأة إِلَى زوجها إذا دعاها إِلَى فراشه, وأن امتناعها من غير عذر من الكبائر, الوعيد عليه بلعن الملائكة, قَالَ اِبْن أبي حمزة: المراد من الفراش يَعْنِي كناية عن الجماع, «فلم تَأْتِيَ» هذا مقيد بغير عذر شرعي, أما إذا كَانَ بعذر شرعي فهي معذورة, إذا كانت مريضة أو كانت حائض أو نفساء لَكِنْ ليس لها أن تمتنع ولو كانت حائض أو نفساء, تَأْتِيَ إليه ويستمتع بها بغير الجماع أو فيما فوق السرة والركبة. 

قوله: «لعنتها الملائكة» لِأَنَّهَا كانت مأمورة بطاعة زوجها من غير معصية, ولهذا قَالَ بعض أهل العلم: الحيض ليس بعذر في الاستمتاع, لِأَنّ هذا حقه بالاستمتاع بما فوق الإزار عند الجمهور, عند الجمهور أنها تتزر ويباشرها, ضع إزار فوق السرة والركبة, وذهب آخرون من أهل العلم أَنَّه يجوز له أن يستمتع حتى بما تَحْتَ الإزار ما عدا الفرج, وقال بعض العلماء: والأظهر أن حكم النهار مثل حكم الليل أنها إذا دعاها في الصباح فلم تَأْتِيَ لعنتها الملائكة حتى تمسي, وإذا دعاها في المساء لعنتها الملائكة حتى تصبح. 

وذكر الشارح في رواية مسلم: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إِلَى فراشه فتأبى عليه إِلَّا كَانَ الذي في السَّمَاء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها». 

ولابن حبان وابن خزيمة: «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصل لهم إِلَى السَّمَاء حسنة, وفيه: المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها». 

(المتن) 

باب في حق المرأة على زوجها. 

2142- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: «يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت» قال أبو داود: ولا تقبح أن تقول: قبحك الله. 

(الشرح) 

الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وهو دليل عَلَى وجوب النفقة عَلَى المرأة وكسوتها, وتحريم ضرب الوجه عند التأديب, وتحريم التقبيح والهجر في غير البيت, لا يجوز له أن يضرب الوجه؛ لِأَنّ الوجه مجمع المحاسن ويتأثر, ولا يجوز ضرب الوجه مطلقًا لا الزوجة, ولا الصبي, ولا الحيوان, كل ضرب الوجه منهي عنه. 

أبو قزعة اسمه سويد بْنُ حُجير, والخطاب عام لكل زوج يَجِبُ عليه إطعام زوجته, كسوتها عند القدرة, الوجه مجمع المحاسن ومجمع الحواس وأعظم الأعضاء وأظهرها, مشتمل عَلَى أجزاء شريفة ويتأثر بسرعة ولهذا نُهي عن ضربه, ففيه دليل عَلَى وجوب اجتناب الوجه عند التأديب. 

قوله: «لا تقبح» يَعْنِي: لا تقل قولًا قبيحًا, ولا تشتمها, أو لا تقل: قبحكِ الله, قال أبو داود: (ولا تقبح أن تقول: قبحك الله) هذا تفسير داود رحمه الله, «ولا تهجر إِلَّا في البيت» يَعْنِي: لا تحول عنها إِلَى غير البيت, تبقى في البيت واهجرها, أو لا تحولها إِلَى دار أخرى, لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}[النساء/34].  

(المتن) 

2143- حدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا بهز بن حكيم، حدثني أبي، عن جدي، قال: قلت: «يا رسول الله، نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر، قال: ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب» قال أبو داود: روى شعبة «تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي, ورواية بهز بْنُ حكيم عن أبيه عن جده رواية حسنة, الحديث حسن, وفيه: قلت: «يا رسول الله، نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر» يَعْنِي: ما نستمتع من أزواجنا وما نترك؟ قال: «ائت حرثك أنى شئت» يَعْنِي: محل الحرث وهو القُبل, وهو لك بمنزلة الأرض الَّتِي تُزرع, وذكر الحرث يدل عَلَى أن الإتيان في غير القُبل حرام مثل الإتيان في الدبر حرام؛ لأنه ليس محل الحرث, محل حرث الولد. 

قوله: «أنى شئت» يَعْنِي: كيف شئت من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار, يَعْنِي: نأتيها في قُبلها من أي جهة, سواء من جهة الدبر أو من جهة القبل غير أَنَّه مكان واحد وهو الفرج, فله أن يجامعها في قبلها من الخلف أو من الأمام المهم يكون في القبل, وهذا معنى قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة/223]؛ قَالَ بعض السلف: مقبلة, مدبرة, قائمة, قاعدة غير أَنَّه ليس إِلَّا في مكان واحد وهو الفرج, أما الإتيان في الدبر من الكبائر. 

اُستدل بهذا الحديث عَلَى الرد عَلَى اليهود حيث قَالَت اليهود: من أتى امرأته في قبلها من جهة الدبر جاء الولد أحول, فأنزل الله هَذِه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة/223]؛ ففيه الرد عَلَى اليهود. 

قوله: «وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت» هذا الْأَمْرِ إرشاد يدل عَلَى أن من كمال المروءة أن يطعمها كلما أكل ويكسوها كلما اكتسى, كلما أكل يعطيها وكلما اكتسى يكسوها, والواجب أن يكسوها ويطعمها ما يكفيها, لَكِنْ من الكمال كلما اشترى شَيْئًا يعطيها مثله, وكلما اشترى كسرة يشتري لها كسوة. 

وفيه: النهي عن التقبيح وأنه ليس له أن يقبح في غير البيت, قَالَ بَعْضُهُم: «ولا تقبح الوجه» يَعْنِي: لا تقل أَنَّه قبيح, أو لا تقل: قبح الله وجهكِ, فلا تنسب شَيْئًا من بدنها إِلَى القبح الذي هو ضد الحسن لِأَنّ الله تعالى صور وجهها وجسمها وأحسن كل شيء خلقه, وذم الصنعة يعود إِلَى ذم الصانع وهو الله سبحانه وتعالى. 

قوله: «ولا تضرب» المراد لا تضرب ضربًا مبرحًا, ولا غير مبرح بغير إذن شرعي كالنشوز, يَعْنِي: لا يجوز لها أن يضربها لا ضرب خفيف ولا غير خفيف إِلَّا بمسوغ شرعي وهو النشوز, فإذا كَانَ النشوز فله أن يضربها ضربًا غير مبرح كما قَالَ الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء/34].  

(المتن) 

2144- أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري، حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين، حدثنا سفيان بن حسين، عن داود الوراق، عن سعيد بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده معاوية القشيري، قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلت: ما تقول: في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن». 

(الشرح) 

هذا الحديث في روايته عن بهز بْنُ حكيم عن أبيه, وفي رواية عن سعيد عن بهز بْنُ حكيم, فيهِ عن أبيه عن جده, قَالَ الشارح: عن سعيد بْنُ حكيم بْنُ معاوية هكذا في بعض النسخ وهو موافق لما في تحفة الأشراف, وعليه الاعتماد, وفي بعض النسخ: عن سعيد عن بهز بْنُ حكيم, والبعض: عن بهز بْنُ حكيم عن أبيه عن جده. 

وفيه أَنَّه قَالَ: «ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن» نهى عن الضرب, والآية الكريمة فيها: {وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء/34]؛ فكيف الجمع بينهما؟ فظاهر الحديث النهي عن الضرب مطلقًا وإن حصل نشوز وبهذا أخذ الشافعية فقالوا: الأولى ترك الضرب حتى مع النشوز, وقال بَعْضُهُم: «ولا تضرب الوجه» في الحديث السابق, يَعْنِي: ضربًا غير مبرح إِلَّا إذا ظهر منها ما يقتضي منها ضربها كالنشوز أو الفاحشة. 

في الحديث السابق: «ولا تقبح الوجه ولا تضرب», وفي هذا الحديث: «ولا تضربوهن» والآية الكريمة فيها: {وَاضْرِبُوهُنَّ} فكيف الجمع بينهما؟ قَالَ بَعْضُهُم: الجمع بينهما أن الآية فيها الإذن بالضرب لَكِنْ عند النشوز, وَلَكِن يكون الضرب غير مبرح, فالإذن في الآية محمول عَلَى أَنَّه ضرب غير مبرح, ضرب تأديب يشعرها بأنها مخطأة وأنها غلطت, قَالَ بَعْضُهُم يكون بالسواك وما أشبهه, والحديث يُحمل عَلَى الضرب المبرح. 

وقال بَعْضُهُم: إن الحديث فيهِ نسخ للضرب, لا تضرب ضربًا مبرحًا مطلقًا ولا غير مبرح بغير إذن شرعي, والحديث فيهِ النهي عن الضرب مطلقًا وإن حصل نشوز وبه أخذ الشافعية, فقالوا: الأولى ترك الضرب مع النشوز. 

قوله: «لا تضرب الوجه» في الحديث السابق, يَعْنِي: ضرب غير الوجه إذا ظهر منها ما يقتضي ضربها كالنشوز أو الفاحشة, عَلَى كل حال الآية والحديث فيهِ جواز الضرب غير المبرح عند حصوله, والحديث «لا تضرب» يَعْنِي: بدون سبب, أو لا تضرب ضربًا مبرحًا, وبعضهم قَالَ: إن الحديث فيهِ دليل عَلَى المنع من الضرب مطلقًا, لَكِنْ الآية واضحة في الجواز, بعض الشافعية قالوا: الأولى ترك الضرب حتى مع النشوز مطلقًا, وبعضهم قَالَ: النهي محمول عَلَى الضرب المبرح فيتوافق مع الآية الَّتِي فيها الإذن بالضرب. 

فإن قيل: في الدرس الماضي حديث عائشة قَالَ: حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا شريك، عن منصور، عن طلحة، عن خيثمة، عن عائشة، قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئًا» قال أبو داود: وخيثمة، لم يسمع من عائشة, في بعض النسخ: لا أُدخل, في سنن اِبْن ماجة قَالَ: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثنا شريك، عن منصور؛ أظنه عن طلحة، عن خيثمة عن عائشة: «أن رسول الله r أمرها أن تُدخل على رجل امرأته قبل أن يعطيها شَيْئًا». 

هذا باب الرجل يدخل بأهله قبل أن يعطيها شَيْئًا؟. 

فإن قيل: عند الطبراني وعند الإخوان قَالَ: «لا تُدخل», لَكِنْ الطبراني في الأوسط قَالَ: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها لم تقبض من مهرها شيئًا», وفي الصغير قَالَ: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدخل امرأة على زوجها». 

والطبراني نفسه في الأوسط قَالَ: «أن أُدخل» وفي الصغير قَالَ: «ألا أُدخل»؟. 

هذا يحتاج إِلَى جمع السند والطرق حتى يُنظر الآن الفرق بينهما. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد