شعار الموقع

شرح كتاب النكاح من سنن أبي داود_24

00:00
00:00
تحميل
71

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد: 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه: 

باب ما جاء في العزل. 

2170- حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن قزعة، عن أبي سعيد، ذُكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني العزل قال: «فلم يفعل أحدكم؟ ولم يقل فلا يفعل أحدكم، فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها» قال أبو داود: قزعة: مولى زياد. 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله : (باب ما جاء في العزل) يَعْنِي: باب ما جاء في العزل من السنة, والعزل معناه: إذا جامع الرجل زوجته فإذا أحس بالإنزال نزع ذكره وأنزل خارج الفرج لئلا تحمل, هذا هو العزل, ولا يجوز العزل عن الحرة إِلَّا بإذنها, إذا اتفق مع زوجته فلا بأس؛ لِأَنّ لها حق في الولد؛ ولأن الإنزال في الفرج أكمل في اللذة, فإذا اتفقا عَلَى العزل فلا بأس, أما الآمة فيجوز العزل عنها بدون إذنها لئلا تحمل فيبيعها, كَانَ الصحابة يعزلون عن الإماء؛ لِأَنَّهَا إذا حملت يكون الولد له فلا تُباع أم الأولاد, أما إذا لم تحمل فإنها تُباع, فلهذا كَانُوا يحبون العزل من الآمة حتى يتمكن من بيعها. 

أما الحرة فليس له أن يعزل إِلَّا بإذنها, فيجوز للحاجة بإذنها إذا اتفقا لئلا تحمل مثلًا مدة الرضاع لئلا يتتابع الحمل إذا كَانَ ذلك يضر بصحتها, أو لِأَنَّهَا لا تستطيع مثلًا تربية الأولاد إذا تتابعوا, وَكَذَلِكَ أيضًا لها استعمال الدواء والحبوب إذا كَانَ ليس فيها خطر لأجل تأخير الحمل لِأَنّ صحتها لا تتحمل, أو لِأَنَّهَا لا تستطيع تربية ثلاثة أو أربعة أو خمسة, فهي تؤخر الحمل إما عن طريق العزل أو عن طريق الحبوب بشرط انها لا تضر بصحتها ولا تقطع النسل. 

أما قطع النسل هذا حرام لا يجوز, لا يجوز يستعمل دواء يقطع النسل بالمرة, وَلَكِن للتنظيم عند الحاجة فلا بأس. 

وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه مسلم والترمذي والنسائي, وهو دليل عَلَى كراهة العزل: عن أبي سعيد، ذُكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم يعني العزل قال: «فلم يفعل أحدكم؟ ولم يقل فلا يفعل أحدكم» يَعْنِي: ما نهى, «فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها» دل عَلَى كراهة العزل من غير منع أو تحريم, قوله: «ذُكر» بصيغة المجهول. 

قوله: «فلم يفعل أحدكم؟» فَإِنَّهُ لا فائدة فيهِ, إذ لا مانع من العلوق, «ولم يقل فلا يفعل أحدكم» لِأَنَّهُ لم يصرح بالنهي, وَإِنَّمَا أشار إِلَى أن الأولى ترك ذلك, قَالَ: «فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها» يَعْنِي: كل نفس قدر الله خلقها لابد أن يخلقها سواء عزل أو لم يعزل؛ لِأَنَّهُ إذا قدر الله أن يخلق فيسبقه الماء فتحمل. 

الحديث يدل عَلَى كراهة العزل, والترمذي رحمه الله لما أخرج الحديث قَالَ: كره العزل قومٌ من أهل العلم من أصحاب النَّبِيِّ r وغيرهم. 

(المتن) 

2171- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، حدثه، أن رفاعة، حدثه، عن أبي سعيد الخدري، «أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تُحدث أن العزل موءودة الصغرى قال: كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي, وهو دليل عَلَى جواز العزل, ويدل له أيضًا ما في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قَالَ: «كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كَانَ شيءٌ يُنهى عنه لنهى عنه الْقُرْآن». 

قوله: «وإن اليهود تُحدث أن العزل موءودة الصغرى» الموءودة: هي الَّتِي تُدفن حية كما قَالَ الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}[التكوير/8]؛ كانت عادة العرب أن يدفنوا بناتهم إذا وُلدت تحرزًا من لحوق العار بهم يخشى إذا كبرت يلحقها العار, فقالت اليهود: إن العزل أيضًا قريبٌ من الوأد؛ لِأَنَّهُ إتلاف نفس ولو بعيدة عن الوجود, فكذبهم النَّبِيِّ r قَالَ: «كذبت يهود» ففيه دليل عَلَى جواز العزل. 

وَلَكِن هناك حديث يعارض هذا الحديث, حديث جُذامة أَنَّه سأل رسول الله r عن العزل فَقَالَ r: «ذلك الوأد الخفي» أخرجه مسلم, وجُمع بينهما بأن هذا الحديث محمول عَلَى التنزيه, وتكذيب اليهود لِأَنَّهُم أرادوا التحريم الحقيقي, قالوا: «إن العزل موءودة صغرى» أرادوا أَنَّه محرم تحريمًا حقيقيًا فأكذبهم النَّبِيِّ r, وأما حديث «ذاك الوأد الخفي» فهو محمول عَلَى التنزيه, فعلى هذا يكون العزل جائز لكنه مكروه وتركه أولى إِلَّا عند الحاجة. 

اِبْن القيم رحمه الله ذكر أن الذي كذب فيهِ النَّبِيِّ r اليهود هو زعمهم أن العزل لا يُتصور معه الحمل أصلًا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أَنَّه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه, وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقية وَإِنَّمَا أسماء وأدًا خفيًا في حديث جُذامة؛ لِأَنّ الرجل إِنَّمَا يعزل هربًا من الحمل فأُجري قصده لذلك مجرى الوأد, لَكِنْ الفرق بينهم أن الوأد ظاهرٌ بالمباشرة اجتمع فيهِ القصد والفعل, والعزل يتعلق بالقصد فقط, فلذلك وصفه بكونه خفيًا. 

قوله: «لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» يَعْنِي: أن الله تعالى إذا قدر خلق نفس فلابد من خلقها وأن يسبقكم الماء فلا تقدرون عَلَى دفعه ولا ينفعكم الحرص عَلَى ذلك, فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام قدرة الله تعالى. 

(المتن) 

2172- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، قال: «دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري، فجلست إليه فسألته عن العزل؟ فقال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل، ثم قلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, وفيه: أَنَّه محيريز قَالَ: «دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري، فجلست إليه فسألته عن العزل؟ فقال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب» وهذا فيهِ دليل عَلَى أن العرب كما قَالَ النووي: يجري عَلَيْهِمْ الرق إذا كَانُوا مشركين؛ لِأَنّ بني المصطلق قبيلة من خزاعة, وهي مسألة خلافية بين أهل العلم وهذا هو المذهب الصحيح أَنَّه يجوز سبايا العرب إذا كَانُوا مشركين يُسبون فهذا الحديث نص في هذا, وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي. 

وذهب أبو حنيفة وهو من قول الشافعي قديمًا: أن العرب لا يجري عَلَيْهِمْ الرق لشرفهم, قَالَ: ومن يُسترقون؟ قَالَ: لا يُسترق إِلَّا العجم, أما العرب فلا يُسترقون, وَلَكِن الصواب ما في الحديث فقد نص عَلَى هذا, الشِّرْك هو سبب الرق سواء كَانُوا عربًا أو عجمًا. 

قوله: «فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة» يَعْنِي: قلة الجماع بسبب بعدهم عن أهلهم, «وأحببنا الفداء» يَعْنِي: احتجنا إِلَى الوطء وخفنا أن تحمل هَذِه الإماء فتصير أم ولد فيمتنع بيعها, فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين وهو الوطء والعزل, «فأردنا أن نعزل، ثم قلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا» جملة حالية, «فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا» يَعْنِي: لا حرج عليكم ألا تفعلوا وهو دليل عَلَى جواز العزل. 

قوله: «ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة» قَالَ النووي معناه: ما عليكم ضرر في ترك العزل؛ لِأَنّ كل نفسٍ قدر الله خلقها لابد أن يخلقها سواءٌ عزلتم أم لا, وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم. 

فهذا شيء في النفس ويُعتقد أنه من بذل الأسباب, يَعْنِي: ما قدر الله خلقه لابد أن يوجد سواءٌ عزلتم أم لا, فإذا قدر الله أن يوجد من هَذِه الآمة جنين فيسبقه الماء ويخلقه الله, وإذا لم يُقدر لها فلا يأتيها ولد سواء عزلوا أم لم يعزلوا. 

وهذا الحديث من رواية محمد بْنُ يحي بْنُ حبان, والحديث الآخر اللي قبله من رواية يحي بْنُ أبي كثير, قيل فيهِ: عن محمد بْنُ عبد الرحمن بْنُ ثوبان, عن جابر, وأخرجه الترمذي والنسائي وقالا فيهِ: عن رفاعة. 

(المتن) 

2173- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: «جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قُدر لها, قال: فلبث الرجل ثم أتاه، فقال: إن الجارية قد حملت، قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدر لها». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم, وهو دليل عَلَى إباحة العزل عن الجواري, الجارية يَعْنِي آمة, «أطوف عليها» يَعْنِي: أجامعها, «وأنا أكره أن تحمل» لِأَنَّهَا لو حملت ما يستطيع بيعها وهو يريد أن يبيعها ويستفيد بثمنها, «فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قُدر لها, قال: فلبث الرجل ثم أتاه، فقال: إن الجارية قد حملت، قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدر لها». 

وفي رواية مسلم زيادة: «وهي خادمتنا» يَعْنِي: هَذِه الجارية هي خادمتنا, «وساريتنا» يَعْنِي: الَّتِي تسقي لنا, شبهها بالبعير, يَعْنِي: محتاج إليها, «سيأتيها ما قُدر لها» أي من الحمل سواء عزلت أم لا, قَالَ الخطابي في معالم السنن: في هذا الحديث من العلم إباحة العزل عن الجواري وقد رخص فيهِ غير واحد من الصحابة والتابعين وكرهه بعض الصحابة, وروي عن اِبْن عباس أَنَّه قَالَ: تُستأمر الحرة بالعزل ولا تُستأمر الجارية, وإلى هذا ذهب الإمام أحمد بْنُ حنبل, وقال مالك: لا يعزل عن الحرة إِلَّا بإذنها, ولا يعزل عن الجارية إذا كانت زوجة إِلَّا بإذن أهلها, إذا كَان زوجها, لها آمة وزوجها عبد فالعبد هذا لا يعزل إِلَّا بإذن السيد, لِأَنّ الأولاد يكونون أرقاء تبعًا لأمهم. 

ويعزل عن آمته بغير إذن, وفي الحديث دلالة عَلَى أَنَّه إذا اقر بوطء آمته وادعى العزل فَإِن الولد لاحق بِهِ إِلَّا أن يدعي الاستبراء, بَعْضُهُم قَالَ في الحديث السابق: «لا عليكم ألا تفعلوا» فهم بَعْضُهُم أن هذا زجر, قَالَ القرطبي: كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألوا عنها فكأنه قَالَ: لا تعزلوا وعليكم ألا تفعلوا, فيكون قوله: عليكم للتأكيد, لَكِنْ تُعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير, ومعناه: ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي ألا تفعلوا. 

عَلَى كل حال: معنى الحديث واضح ويُفهم منه أَنَّه ليس هناك حرج في العزل. 

فإن قيل: (...)؟. 

ما يجوز هذا والمقصود الأعظم من الزواج النسل, والنبي r قَالَ: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة» معنى هذا الشرط أَنَّه يقطع النسل, وهذا لا يجوز. 

قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم: فاليهود ظنت أن العزل بمنزلة الوأد في إعدام من انعقد بسبب خلقه, فكذبهم في ذلك وأخبر أَنَّه لو أراد الله خلقه ما صرفه أحد, وأما تسميته وأدا خفيا فلأن الرجل إنما يعزل عن امرأته هربًا من الولد وحرصًا على أن لا يكون, فجرى قصده ونيته وحرصه على ذلك مجرى من أعدم الولد بوأده، لكن ذاك وأد ظاهر من العبد فعلا وقصدًا, وهذا وأد خفي له، إنما أراده ونواه عزمًا ونية، فكان خفيًا. 

وقد روى الشافعي تعليقًا عن سليمان التيمي عن أبي مسعود في العزل قَالَ: هو الوأد الخفي. 

وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف وَالْخَلَف فِي الْعَزْل فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَغَيْره يُرْوَى عَنْ عَدَد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ r أَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. 

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِّينَا الرُّخْصَة فِيهِ مِنْ الصَّحَابَة عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ وزيد بن ثابت وبن عَبَّاس وَغَيْرهمْ, وَذَكَرَ غَيْره أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَخَبَّاب بْن الْأَرَتّ وَجَابِر بْن عَبْد الله والمعروف عن علي وبن مَسْعُود كَرَاهَته. 

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْت عَنْهُمَا الرُّخْصَة وَرَوَيْت الرُّخْصَة مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَطَاوُسٍ وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه, وَأَلْزَمَهُمْ الشَّافِعِيّ الْمَنْع مِنْهُ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود الْمَنْع مِنْهُ, ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسُوا يَأْخُذُونَ بِهَذَا وَلَا يَرَوْنَ بِالْعَزْلِ بَأْسًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ عَلِيًّا وَعَبْد اللَّه وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. 

وَأَمَّا قَوْل الْإِمَام أَحْمَد فِيهِ فَأَكْثَر نُصُوصه أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِل عَنْ سُرِّيَّته وَأَمَّا زَوْجَته فَإِنْ كَانَتْ حُرَّة لَمْ يَعْزِل عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَة لَمْ يَعْزِل إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدهَا, 
وَرُوِيَتْ كَرَاهَة الْعَزْل عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي بَكْر الصديق وعن علي وبن مسعود في المشهور عنهما وعن ابن عُمَر؛ المراد كراهة التنزيه تقتضي التحريم. 

وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَصْحَاب أَحْمَد وَغَيْرهمْ يَحْرُم كُلّ عَزْل وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه يُبَاح مُطْلَقًا؛ في طائفة يرون أَنَّه يحرم كل عزل لَكِنْ هذا مصادم للنصوص والأحاديث الصحيحة. 
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي أَعْزِل عَنْ اِمْرَأَتِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُل: أُشْفِق عَلَى وَلَدهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا أَحَدًا ضَرَّ فَارِس وَالرُّوم»؛ يَعْنِي: يشفق عليها أنها تحمل وهي ترضع فيضر بالولد, وهذا منتشر من قديم, فَقَالَ النَّبِيِّ: هذا ليس بصحيح, «لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا أَحَدًا ضَرَّ فَارِس وَالرُّوم» فارس والروم تحمل نساءهم وترضع ولا ضرر يلحق بهم. 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث جَابِر: «كُنَّا نَعْزِل وَالْقُرْآن يَنْزِل فَلَوْ كَانَ شَيْء يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَى عَنْهُ الْقُرْآن», وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيث: «كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا». 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد قَالَ: «ذُكِرَ الْعَزْل عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَمَا ذَاكُمْ قَالُوا الرَّجُل تَكُون لَهُ الْمَرْأَة ترضعُ فيصيب منها ويكره أن تحمل منه, قَالَ: فلا عليكم ألا تفعلوا ذلكم فإنما هو القدر». 

قَالَ اِبْن عون: فحدثت بِهِ الحسن فَقَالَ: والله لكأن هذا زجر, وَفِي لَفْظ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَوْله: «لَا عَلَيْكُمْ» أَقْرَب إِلَى النَّهْي وَوَجْه ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ إِنَّمَا نُفِيَ الْحَرَج عَنْ عَدَم الْفِعْل فَقَالَ: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا» يَعْنِي فِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا وَهِيَ يَدُلّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى ثُبُوت الْحَرَج فِي الْفِعْل فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ نَفْي الْحَرَج عَنْ الْفِعْل لَقَالَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا وَالْحُكْم بِزِيَادَةِ لَا خِلَاف الْأَصْل فلهذا فهم الحسن وبن سِيرِينَ مِنْ الْحَدِيث الزَّجْر؛ وَاَللَّه أَعْلَم. 

هذا ليس بظاهر إِنَّمَا يفيد ترك الأولى ولا يفيد الزجر لأنه رخص فيهِ. 

قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز اِسْتِرْقَاق الْعَرَب وَوَطْء سَبَايَاهُمْ وَكُنَّ كِتَابِيَّات وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي سعيد في سبايا أوطاس وإباحة وطأهن وهن من العرب؛ وفي هذا الحديث سبايا بْنُ المصطلق وكلهم من العرب, فيهِ الرد عَلَى من قَالَ: أن العرب لا تُسبى. 

وحديثه الآخر: «لا توطأ حامل حتى تضع» وكان أكثر سبايا الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من العرب، وكانوا يطؤهن بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يشترط في الوطء غير استبرائهن، لم يشترط إسلامهن، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز, وقد دفع أبو بكر إلى سلمة بن الأكوع امرأة من السبي، نفله إياها من العرب, وأخذ عمرو بن أمية من سبي بني حنيفة, وأخذ الصحابة من سبي المجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن . 

يَعْنِي: ما يُشترط إسلامها له أن يطأها ولو كانت عَلَى دينها. 

قال ابن عبد البر : إباحة وطئهن منسوخ بقوله: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة/221] وهذا في غاية الضعف؛ لأنه في النكاح، وسأل محمد بن الحكم أحمد عن ذلك فقال: لا أدري، أكانوا أسلموا أم لا . 

{وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة/221]؛ هذا في الحرائر في النكاح أما الإماء فله أن يطأها ولو كانت عَلَى دينها. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد