شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_2

00:00
00:00
تحميل
125

بسم الله الرحمن الرحيم 

بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 (المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله في سننه: 

باب في طلاق السنة. 

2179- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، «أنه طلق امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق، قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في طلاق السنة) والطلاق كما سبق في اللغة: هو التخلية, وشرعًا: حل قيد النكاح أو بعضه, والسنة يقابلها البدعة, (باب في طلاق السنة) يَعْنِي: الطلاق السني الموافق لما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله r, ذكر المؤلف حديث عبد الله بْنُ عمر: «أنه طلق امرأته، وهي حائض (والحديث مشهور) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق، قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء». 

وهذا الحديث حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي من أصح الأحاديث, وفيه: أن طلاق السنة أن يُطلق امرأته في طُهر لم يمسها فيهِ, وأن طلاقها في الحيض طلاق بدعي ليس طلاق السنة, ولهذا ذكر البخاري في صحيح قَالَ: طلاق السنة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع, ويُشهد شاهدين, قوله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق/1]؛ يَعْنِي: في طُهرٍ من غير جماع. 

وعبد الله بْنُ عمر طلق امرأته يُقال لها: اسمها آمنة بنت غِفار, ويقال عمار, وذكر في مسند أحمد أن اسمها: النوار, قَالَ الحافظ: يمكن أن يُجمع بينهما بأن اسمها آمنة ولقبها النوار. 

قوله: «أنه طلق امرأته، وهي حائض» جملة معترضة, «على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» يَعْنِي: في عهد رسول الله r, « فعمر رضي الله عنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك» يَعْنِي: حكم طلاقه, وسيأتي في الحديث الآخر أن النَّبِيِّ r تغير عليه وقال: «مره فليراجعها» والأصل في الْأَمْرِ الوجوب, خلافًا للأحناف قالوا: الْأَمْرِ للاستحباب, وبه قَالَ الشافعي وأحمد, والصواب أَنَّه للوجوب. 

قوله: «ثم ليمسكها حتى تطهر» يَعْنِي: حتى تطهر من الحيضة الَّتِي طلقها فيها, «ثم تحيض» حيضة أخرى, «ثم تطهر» من الحيضة الثانية, «ثم إن شاء أمسك بعد ذلك» يَعْنِي: بعد الطهر من الحيضة الثانية, «وإن شاء طلق» يَعْنِي: في الطهر الثاني, «قبل أن يمس» أي قبل أن يجامع. 

وقد اختلف العلماء في الحكمة بالأمر بالإمساك, فذهب الشافعي وجماعة إِلَى أنه الحكمة من ذلك أن يستبرأها بعد الحيضة الَّتِي طلقها فيها بطهرٌ تام ثم حيضٍ تام ليكون تطليقها وهي تعلم براءتها إما بحمل أو بالحيض, أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل, أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملًا فيُمسكها لأجله. 

وقال آخرون من أهل العلم: الحكمة في ذلك ألا تصير الرجعة لغرض الطلاق, فإذا أمسكها زمانًا يحل له فيهِ طلاقها ظهرت فائدة الرجعة؛ لِأَنَّهُ قد يطول مقامها معه فيذهب ما في نفسه مما حصل في الماضي فيجامعها ويُمسكها. 

قوله: «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» يَعْنِي في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق/1]؛ لعدتهن: قيل إن اللام كقول القائل: كتبت هذا الكتاب لخمس ليالٍ خلونٍ من الشهر, يَعْنِي: في وقت خلى فيهِ الشهر. 

احتج بَعْضُهُم بهذا الحديث عَلَى أن الأقراء هي الأطهار؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يطلقها في الطهر الثاني, وهذا مذهب الشافعية أن الأقراء الَّتِي تُعتمد هي الأطهار دون الحِيض. 

والقول الثاني: أن الأقراء هي الحيض وهذا هو الصواب, والنبي r قَالَ: «امكثي قدر ما تحبسك أقرائك». 

فالشافعية يرون أن العدة ثلاثة أطهار, والأحناف وجماعة يرون أنها تعتد بالحيض, وهذا هو الصواب لأدلة كثيرة, وسيأتي في الحديث الذي بعده أَنَّه يجوز له أن يطلقها في الطُهر الأول لا في الطهر الثاني. 

(المتن) 

2180- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع، «أن ابن عمر، طلق امرأة له، وهي حائض تطليقة»، بمعنى حديث مالك. 

(الشرح) 

الشاهد هنا قَالَ: «طلقها تطليقة» وظهر بهذه الرواية أَنَّه إِنَّمَا كَانَ اِبْن عمر طلق امرأته تطليقة واحدة ولم يطلقها ثلاثًا. 

(المتن) 

2181- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن سالم، عن ابن عمر، «أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي, والنسائي وابن ماجة, وفيه: أن الطلاق المشروع وطلاق السنة في حالين: 

الحالة الأولى: في طهرٌ لم يمسها فيهِ. 

الحالة الثانية: في حال تبين الحمل. 

وفي هذا الحديث ؟أَنَّه قَالَ: «مره فليراجعها ثم فليطلقها إذا طهرت» ولم يقل كالرواية الأولى: «يُمسكها ثم تطهر, ثم تحيض ثم تطهر» ظاهره أَنَّه يطلقها في الطُهر الأول, واحتج جمعٌ من أهل العلم بهذا الحديث عَلَى جواز الطلاق حال الطُهر ولو كَانَ هو الذي يلي الحيضة الَّتِي طلقها فيهِ, وذهب إِلَى هذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد, وأحد الوجهين في الشافعية أَنَّه يجوز له أن يطلقها في الطُهر الذي يلي الحيضة عملًا بهذا الحديث. 

وذهب الإمام أحمد رحمه الله والشافعي بالوجه الآخر وأبو يوسف الصاحب الأول لأبي حنيفة ومحمد بْنُ حسن إِلَى المنع, وأنه لا يطلقها في الطُهر الأول وَإِنَّمَا يطلقها في الطهر الثاني كما سبق في الحديث الذي رواه الشيخان, «يُمسكها حتى تطهر, ثم تحيض ثم تطهر, ثم إن بدا له أن يطلقها فليطلقها». 

والقائلون: بأنه يجوز له أن يطلقها في الطهر الأول استدلوا بهذا الحديث, قالوا: بأن المنع إِنَّمَا كَانَ لأجل الحيض, فإذا طهرت زال وجوب التحريم فجاز الطلاق, أما المانعون استدلوا بالحديث الأول قَالَوا: فيهِ نص أَنَّه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الذي كَانَ طلقها فيهِ, بل في الطهر الثاني في الحيضة, أو وهي حامل. 

قوله في الحديث: « أو وهي حامل» احتج بِهِ العلماء عَلَى أَنَّه إذا طلقها وهي حامل فهو مطلق للسنة, ولهذا بوب المؤلف قَالَ: (باب في طلاق السنة) ويطلقها في أي وقت شاء في الحمل كما ذهب إِلَى ذلك كافة العلماء, وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف إِلَى أَنَّه يجعل بين وقوع التطليقتين شهرًا, يَعْنِي: لو أراد أن يطلقها مرة أخرى وهي حامل يجعل بينهما شهر حتى يستوفي التطليقات الثلاث, وأما محمد بْنُ الحسن صاحب أبي حنيفة وافقه جمعٌ من أهل العلم فرأوا أَنَّه لا يوقع عليها الطلاق وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة, بل يتركها حتى تضع حملها ثم يوقع سائر التطليقات. 

ولاشك أن العمل بالحديث الأول هو الأحوط والأبرأ للذمة لِأَنَّهُ صريح وفيه تفصيل, قَالَ الني لعمر: «مره فليراجعها» وسيأتي أيضًا كذلك في الحديث الذي بعده أَنَّه أمره «أن يرتجعها ويُمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها في الطهر الثاني».  

(المتن) 

2182- حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله، عن أبيه، «أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء طلقها طاهرًا قبل أن يمس، فذلك الطلاق، للعدة كما أمر الله عز وجل». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي, وهذا الحديث من رواية سالم بْنُ عبد الله عن أبيه, والحديث الأول من رواية مالك عن نافع عن اِبْن عمر وهو من أصحاب الاسانيد, وهو موافق لرواية نافع عن اِبْن عمر وفيه: «أَنَّه يطلقها في الطهر الثاني» بخلاف الروايات الَّتِي قبلها, رواية محمد بْنُ عبد الرحمن عن سالم أَنَّه ظاهره أَنَّه يطلقها في الطهر الأول, لَكِنْ رواية مالك عن نافع وسالم عن اِبْن عمر يطلقها في الطهر الثاني. 

وفيه: الإنكار عَلَى من طلقها في الحيض وأنه طلاق بدعي محرم, ولهذا قَالَ: «تغيظ» لما ذكر عمر لرسول الله r, «تغيظ» يَعْنِي: غضب r, ففيه: الإنكار عَلَى من طلق في الحيض, وأنه طلاق بدعي محرم. 

واختلف العلماء في وقوعه؛ هل يقع أو لا يقع؟ الجمهور عَلَى أَنَّه يقع ولو كَانَ بدعيًا, واستدلوا بقوله: «مره فليراجعها» والرجعة إِنَّمَا تكون بعد الطلاق, وقال آخرون: لا يقع؛ لِأَنَّهُ ليس عليه أمر الله ورسوله. 

قوله: «فتغيظ رسول اللهr» دليل عَلَى حرمة الطلاق بالحيض؛ لِأَنّ الغضب لا يكون بغير حرام, لولا أَنَّه حرام لما تغيظ النَّبِيِّ r, واختلف العلماء في قوله: «ثم إن شاء طلقها طاهرًا قبل أن يمس» كلمة طاهرًا هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغُسل؟ عَلَى قولين لأهل العلم وهما روايتان للإمام أحمد؛ الراجحة: أَنَّه بعد الغُسل من الحيضة الثالثة, في حديث رواية النسائي: «مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يُمسكها فليمسكها كما أمر الله». 

قوله: «كما أمر الله» أي في قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق/1]؛ وعلى هذا يروى أن رجلًا طلق امرأته فَلَمّا دخلت مكان الاغتسال دق عليها الباب وكانت الحيضة الثالثة, وقال: إنه راجعها, فهذه فائدة الخلاف الآن, القول بأنها تخرج من العدة بانقطاع الدم لا تحل له, والقول: بأنها لا تخرج حتى تغتسل فتحل له, وسيأتي إن شاء الله الكلام عَلَى بقية الأحاديث في هذا لِأَنّ اِبْن القيم رحمه الله أطال في هذا, وهل يقع الطلاق في الحيض أو لا يقع؟ ذكر ما يقرب من عشرين صفحة في هذا لابن القيم في تهذيبب السنن على هذا الكلام, عَلَى مسألة الطلاق في الحيض, والجماهير عَلَى أَنَّه يقع؛ حتى قَالَ بَعْضُهُم: إن هذا شذوذ, شذ أهل الظاهر فقالوا: إنه لا يقع وشيخ الاسلام ابن القيم اختاره رحمه الله وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله الدرس القادم. والباب لا يزال فيه بحوث طويلة. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد