بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه:
في كتاب الطلاق
2183 - حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، أخبرني يونس بن جبير، أنه سأل ابن عمر فقال: " كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة ".
(الشرح)
هَذَا الحديث في هَذِهِ الرواية سكت عنه المنذري؛ لكنه تعضده الأحاديث الأخرى, وَفِيهِ أَنَّهُ طلقها واحدة, وَقَدْ تظاهرت روايات مسلم بأَنَّهَا طلقة واحدة, يَعْنِي لَمْ يطلقها ثلاثًا, ابن عمر طلق امرأته طلقة واحدة في الحيض.
وفي مسلم والنسائي أَنَّهُ سُئِلَ كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة, فِيهِ نص عَلَى أَنَّهُ طلقها واحدة, تظاهرت الروايات بأنها طلقة واحدة.
(المتن)
2184 - حدثنا القعنبي، حدثنا يزيد يعني ابن إبراهيم، عن محمد بن سيرين، حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر قال: قلت: رجل طلق امرأته، وهي حائض، قال: أتعرف عبد الله بن عمر، قلت: نعم، قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته، وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: «مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها»، قال: قلت: فيعتد بها؟، قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق.
(الشرح)
وهذا أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, وَفِيهِ بيان أن طلاق الحائض واقع, ولولا أَنَّهُ واقع لما أمره بالمراجعة, وَبِهَذَا قَالَ العلماء كافة, وَهُوَ قول الجمهور.
وقوله: (قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق), يَعْنِي ماذا يكون أخبرني إن عجز واستحمق, أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه؟ هَذَا التفسير عَلَى قول الجمهور الَّذِينَ يرون أن طلاقه واقع.
وقوله: (تعرف عبد الله بن عمر)، في بعض النسخ أتعرف بهمزة الاستفهام (فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته)، حكى عَنْ نفسه بالغيبة وَلَمْ يقل: طلقت أنا.
قوله: (فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا) يعني في أول عدتها (فَمَهْ) يعني مَاذَا لِلِاسْتِفْهَامِ فَأَبْدَلَ الْأَلِفَ هَاءً لِلْوَقْفِ (.....) فماذا أَيْ فَمَا يَكُونُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَسِبْ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ وقيل أنها كَلِمَةُ زَجْرٍ أَنِ انْزَجِرْ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَكَوْنِهِ مَحْسُوبًا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ عَجَزَ) عَنْ فَرْضٍ فَلَمْ يُقِمْهُ (وَاسْتَحْمَقَ) فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ؟
قَالَ النَّوَوِيُّ: الاستفهام هنا للانكار يعني نَعَمْ يَحْتَسِبُ الطَّلَاقَ وَلَا يُمْنَعَ احْتِسَابُهُ عَجْزِهِ وَحَمَاقَتِهِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ: فِيهِ حَذْفٌ وَإِضْمَارٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ, أَيُسْقِطُ عَنْهُ الطَّلَاقَ حُمْقُهُ أَوْ يُبْطِلُهُ عَجْزُهُ؟ قَالَ: وَفِي هذا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ طَلَاقَ الْحَائِضِ وَاقِعٌ وَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ فِي الْمُرَاجَعَةِ مَعْنًى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا, فَلَوْ طَلَّقَهَا أَثِمَ وَوَقَعَ طَلَاقُهُ وَيُؤْمَرُ بَالرَّجْعَةِ, وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ العلماء كافة.
يَعْنِي ذكر الشذوذ وأن أهل الظاهر شذوا, أو قَالَ به قلة من العلماء, وابن القيم رحمه الله انتصر له في زاد المعاد وهنا في مَعَالم السنن, وأطال في هَذَا, ذكره فيما يقرب من عشرين صفحة هنا, واختاره سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أَنَّهُ لا يقع.
(المتن)
2185 - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن، مولى عروة، يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع، قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته، وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي، ولم يرها شيئًا، وقال: «إذا طهرت فليطلق أو ليمسك»، قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن}[الطلاق/1] في قبل عدتهن.
(الشرح)
هَذِهِ رواية أبي الزبير هِيَ الَّتِي عليها مدار الخلاف, قَالَ: «أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن، مولى عروة، يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع، قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته، وهي حائض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته، وهي حائض، قال عبد الله: فردها علي، ولم يرها شيئًا»، هَذِهِ زيارة كلمة ابن الزبير «وَلَمْ يرها شَيْئًا», وَلَمْ يرها شَيْئًا هَذِهِ هِيَ الَّتِي ركز عليها ابن القيم رحمه الله والظاهرية, قَالُوا: فَهِيَ دليل عَلَى أن طلاق الحائض لا يقع, لقول ابن عمر: «فردها عليّ وَلَمْ يرها شَيْئًا».
بِهَذَا ذَهَبَ الظاهرية وابن القيم رحمه الله وشيخنا عبد العزيز باز والشيخ محمد بن عثيمين وجماعة.
وَذَهَبَ جمهور العلماء إِلَى أن طلاق الحائض يقع, وإلى هَذَا ذَهَبَ المصنف أبو داود رحمه الله, كما سيأتي في التعليق عَلَى هَذَا الحديث, لما قَالَ في آخر الحديث: والأحاديث كلها عَلَى خلاف ما قَالَ أبو الزبير, وَقَدْ أنكر ذَلِكَ عَلَى أبو الزبير الشافعي وابن عبد البر والخطابي, وَقَالُوا: لَمْ يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هَذَا.
فهذه الزيادة منكرة وشاذة تفرد بها, قوله: «وَلَمْ يرها شَيْئًا».
وقالوا أبو الزبير ليس بحجة فيمن خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ, فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟
والحديث فِيهِ دليل عَلَى تحريم طلاق الحائض.
قَالَ الخطابي: قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا – ثُمَّ أجابوا عَنْ معناه لو صح- قالوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا بَاتًّا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ, وَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا جَائِزًا فِي السُّنَّةِ مَاضِيًا فِي حُكْمِ الِاخْتِيَارِ, وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ.
أبو داود أشار إِلَى نكارة هَذِهِ اللفظة, قال أبو داود: (روي هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير، وأنس بن سيرين، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبوالزبير، ومنصور، عن أبي وائل, معناهم كلهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك), يَعْنِي هؤلاء رووا عَنْ ابن عمر أَنَّهُ أمرها أن يراجعها؛ حَتَّى تطهر ثُمَّ إِذَا شاء طلق, يَعْنِي يطلقها بَعْدَ الطهر الأول, هؤلاء رووا عَنْ ابن عمر أَنَّهُ أمرها أن يطلقها بَعْدَ الطهر الأول.
وهناك أَيْضًا جمعٌ من الرواة فَهُوَ عَنْ ابن عمر أَنَّهُ يطلقها بَعْدَ الطهر الثاني, ولهذا اختلف العلماء, هَلْ له أن يطلقها بَعْدَ الطهر الأول أو بَعْدَ الطهر الثاني؟
هؤلاء يونس بن جبير، وأنس بن سيرين، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، ومنصور, كلهم رووا عَنْ ابن عمر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها؛ حَتَّى تطهر, ثُمَّ إن شاء طلق وإن شاء أمسك, يَعْنِي يمسكها في الحيض الَّذِي طلقها فِيهِ, ثُمَّ إِذَا طهرت يطلق, في الطهر الأول.
قال أبو داود: (وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن، عن سالم، عن ابن عمر، وأما رواية الزهري، عن سالم، ونافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، وروي).
يَعْنِي رواية محمد بن عبد الرحمن، عن سالم، عن ابن عمر, مثل رواية السابقين, فِيهِا أَنَّهُ أمره أن يطلقها في الطهر الأول, وَأَمَّا رواية الزهري عَنْ سالم ورواية نافع عَنْ ابن عمر ففيها أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها في الطهر الثاني, أمر أن يرجعها؛ حَتَّى تطهر ثُمَّ تحيض ثُمَّ تطهر, ثُمَّ إن شاء طلق أو أمسك, ولهذا اختلف العلماء, هَلْ له أن يطلقها في الطهر الأول أو في الطهر الثاني عَلَى قولين:
منهم من قَالَ: أَنَّهُ يطلقها في الطهر الأول عملاً برواية هؤلاء الرواة الَّذِينَ رووا أَنَّهُ طلقها في الطهر الأول.
ومنهم من قَالَ: يطلقها في الطهر الثاني, عملاً برواية سالم ونافع.
ولاشك أن رواية نافع عَنْ ابن عمر أثبت من رواية سالم وأقوى؛ حَتَّى إنه قِيلَ: إن أصح الأسانيد مالك عَنْ نافع عَنْ ابن عمر.
فحاصل الكلام: أن هَذَا الحديث عَنْ ابن عمر فِيهِ تطليق امرأته حائض رواه عنه يونس بين جبير, وأنس بن سيرين, وسعد بن جبير وزيد بن أسلم, وأبو الزبير ومنصور, ورواية هؤلاء كلهم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها؛ حَتَّى تطهر يَعْنِي من الحيضة الَّتِي طلقها فِيهَا, ثُمَّ إن شاء طلق وإن شاء أمسك, وليس في رواياتهم ذكر حيضة أخرى سوى الَّتِي طلقها فِيهَا, ومثلها أَيْضًا رواية محمد بن عبد الرحمن عَنْ سالم عَنْ ابن عمر.
أَمَّا رواية الزهري فَإِن الزهري روى عَنْ سالم عَنْ ابن عمر, ونافع عَنْ ابن عمر, في روايتهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حَتَّى تطهر, يَعْنِي من الحيض الَّذِي طلقها فِيهِ, ثُمَّ تحيض يَعْنِي حيضة أخرى سوى الَّتِي طلقها فِيهِ, ثُمَّ تطهر أيْ من الحيضة الثانية, ثُمَّ إن شاء طلق أو أمسك, فَفِي رِوَايَتِهِمَا زِيَادَةٌ.
قال أبو داود: (وروي، عن عطاء الخراساني، عن الحسن، عن ابن عمر نحو رواية نافع، والزهري)، يَعْنِي كونه يطلقها في الطهر الثاني.(والأحاديث كلها على خلاف ما قال: أبو الزبير), نعم الأحاديث كلها عَلَى خلاف ما قاله أبو الزبير يَعْنِي في قوله: وَلَمْ يرها شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللفظة منكرة وشاذة عِنْد الجماهير, والشاذ ضعيف إِذَا تفرد به.
الرواة الحفاظ عدد كبير ما رواها, ولهذا رأى الجمهور أَنَّهَا (قوله لَمْ يرها شَيْئًا) أَنَّهَا شاذة ومنكرة ولا يعمل بها, ولهذا رأى العلماء أَنَّهَا تعد تحسب طلقة.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ونافع أثبت عن بن عُمَرَ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَالْأَثْبَتُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إِذَا خَالَفَهُ.
لاشك أن نافع ملازم لابن عمر, والأثبت في الحديثين الأولى أن يقال به إِذَا خالفهم.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ: لَمْ يَقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ هو الذي تفرد بقوله ولم يرها شيئًا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ جُلَّةٌ فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ, وأبو الزبير ليس بحجة في من خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ, فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟
يَعْنِي لو خالف من هُوَ مثله فَلَيْسَ بحجة, فكيف إِذَا خالف من هُوَ أثبت منه؟ ثُمَّ أجاب عَنْ معناها, يَقُولُ: لو صح معناها قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَها شَيْئًا بَاتًّا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ.
وَأَمَّا الظاهرية وابن القيم فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إن أبو الزبير ثقة في نفسه, وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ العنعنة, وَأَيْضًا قواعد الشريعة ونصوصها كلها تدل لهذا؛ لو كانت تسحب عَلَيْهِ طلقة, ثُمَّ يأمرها ثُمَّ يطلقها صار في تكثير للطلاق.
والشارع لا يأمر بتكثير الطلاق, وَأَيْضًا الطلاق في الحيض ليس عَلَيْهِ أمر الله ورسوله, فكيف ينفذ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «من عملاً ليس عَلَيْهِ أمرنا فَهُوَ رد», فكيف تنفذ؟
هم استدلوا بِهَذَا أولًا أن أبو الزبير ثقة, لكن من جهة الصناعة الحديثية لاشك قول الجمهور أولى, الصناعة الحديثية أن تكون هَذِهِ الرواية شاذة, والشاذ ضعيف, لكن ابن القيم وجماعة نظروا إِلَى قواعد الشريعة, القواعد العامة والنصوص الَّتِي تدل عَلَى أن الشيء الباطل لا ينفذ, وَهَذَا شَيْء باطل فكيف ينفذ الطلاق وَهُوَ عاصي فعل محرمًا؟ فكيف نقول إِنَّهَا تقطع؟ والجمهور يَقُولُونَ: يقع مَعَ الإثم, ثُمَّ أَيْضًا فِيهِ تكثير للطلاق, والزبير ثقة في نفسه لكن أنكر عَلَيْهِ العنعنة كما ذكر ابن القيم رحمه الله .
هُوَ ثقة في نفسه وهو صدوق لكن ينكر عَلَيْهِ إِذَا عنعن في بعض ما رواه عَنْ جابر رواه كونه معنعن وَلَمْ يصرح بالسماع, وَعَلَى كُلّ حال نشوف كلام ابن القيم هُوَ كلام طويل, ولكن رؤوس المسائل, هُوَ عشرين صفحة لكن شوف الأدلة؛ لِأَنَّ هَذِهِ المسألة أطال فِيهَا, وَكَذَلِكَ أطال في زاد المعاد.
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه اللَّه: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه حَدِيث أَبِي الزُّبَيْر هَذَا بِحُرُوفِهِ – قوله: وَلَمْ يرها شَيْئًا, أخرجه مسلم إِلَّا أَنَّهُ ما أخرج هَذِهِ اللفظة- كما ذكر إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بَلْ قَالَ فَرَدَّهَا.
طيب قَالَ: فردها, فردها هَذِهِ ما فِيهَا إشكال, قَالَ: «فردها عليّ وَلَمْ يرها شيئًا», ردها عليّ هَذِهِ متفق عليها, لكن كلمة وَلَمْ يرها شَيْئًا هِيَ محك النزاع, ابن القيم يَقُولُ: إن هَذَا الحديث رواه مسلم بحروفه إِلَّا هَذِهِ اللفظة ما رواه مسلم, وَهِيَ محل النزاع.
هُوَ صحيح رواه مسلم لكن هَذِهِ اللفظة وَلَمْ يرها شيئًا يَعْنِي هِيَ المحك, يَعْنِي وَلَمْ يعدها طلقة, لو ثبتت لو كَانَ له متابع أو وافقه غيره, صحت هَذِهِ اللفظة.
لكن من جهة الصناعة الحديثية إِذَا انفرد أحد الرواة بلفظة أو برواية وخالفه الحفاظ وخالفه الرواة الَّذِينَ هم أثبت منه؛ فتكون هَذِهِ الرواية منكرة شاذة فلا يعمل بها, فكيف عمل بها ابن القيم؟ ضم إليها النصوص الأخرى, وقواعد الشريعة ونصوصها, وحديث «من أحدث في أمرنا هَذَا ما ليس منه فَهُوَ رد», وكيف ينفذ الشيء المحرم وليس عَلَيْهِ أمر الله ورسوله؟ وجابر ثقة في نفسه ولكنه انفرد.
قَالَ: فَرَدَّهَا وَقَالَ إِذَا طَهُرَتْ إِلَى آخِره, يَعْنِي إِذَا طهرت فليطلق أو ليمسك إِلَى آخره.
وَقَدْ دَلَّ حديث بن عُمَر هَذَا عَلَى أُمُور: مِنْهَا تَحْرِيم الطَّلَاق فِي الْحَيْض, وَهَذَا لاشك هَذَا محرم مجمع عَلَيْهِ, الطلاق في الحيض حرام؛ لكن هَلْ ينفذ أو لا ينفذ هَذَا هُوَ محل النزاع, الجمهور قَالُوا: ينفذ, والظاهرية قَالُوا: لا ينفذ, طلاق غير نافذ, أَمَّا قوله: «فليمسكها», يَعْنِي فليرتجعها, يَقُولُ: فليردها ردها إِلَى عصمته, وليس المراد أَنَّهُ يعتبر رجعة, مثل قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}[التوبة/83]؛ يَعْنِي فَإِن ردك الله.
قوله: «فليراجعها», فليردها وَهِيَ باقية وعصمة النكاح باقية ما ينفذ الطلاق, والجمهور يَقُولُونَ: فليراجعها يَعْنِي رجعة بَعْدَ طلاق.
وَمِنْهَا أَنَّهُ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِوُقُوعِهِ قَالُوا لِأَنَّ الرَّجْعَة إِنَّمَا تَكُون بَعْد الطَّلَاق, هَذَا قول الجماهير, وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ, اللي هم الظاهرية وابن القيم نازعوهم في هَذَا الاستدلال.
وَقَالُوا: لَا مَعْنَى لِوُقُوعِ الطَّلَاق وَالْأَمْر بِالْمُرَاجَعَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدّ الطَّلَاق لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ بِالرَّجْعَةِ مَعْنًى, بَلْ أَمَرَهُ بِارْتِجَاعِهَا وَهُوَ رَدّهَا إِلَى حَالهَا الْأُولَى قَبْل تَطْلِيقهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّلَاق لَمْ يَقَع.
قَالُوا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي حَدِيث أَبِي الزُّبَيْر الْمَذْكُور آنِفًا, في قوله: «وَلَمْ يرها شَيْئًا», لكن الزبير انفرد (.....) .
قَالُوا: وَأَبُو الزُّبَيْر ثِقَة فِي نَفْسه صَدُوق حَافِظ إِنَّمَا تكلم فِي بَعْض مَا رَوَاهُ عَنْ جَابِر مُعَنْعَنًا لَمْ يُصَرِّح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ, وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيث بِسَمَاعِهِ مِنْ بن عُمَر فَلَا وَجْه لِرَدِّهِ.
لكن قَالُوا: إِنَّهُ خالف الحفاظ فسقطت روايته, صارت منكرة.
قَالُوا: وَلَا يُنَاقِض حديثه ما تقدم من قول بن عُمَر فِيهِ أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ, هَذَا كله الآن تأييد لمذهب الظاهرية في أَنَّهُ لا يقع الطلاق, وبأنها لا تحسب طلقة.
قَوْله: فَحَسِبْت مِنْ طَلَاقهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ لفظ مرفوع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
وقَوْله: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مَرْفُوع صَرِيح فِي عَدَم الْوُقُوع, قَالُوا وَهَذَا مُقْتَضَى قَوَاعِد الشَّرِيعَة, الاستدلال بقواعد الشريعة, ضم إليها قواعد الشريعة, أَمَّا وحدها اللفظ وحدها من جهة الصناعة الحديثية لا تصح شاذة ومنكرة, إِلَّا عِنْد المتأخرين فَإِنَّهُمْ يرون أن الزيادة من الثقة مقبولة كما قَالَ الحافظ في النخبة, قَالَ: وزيادة راوية منقولة ما لَمْ تقع منافية لمن هُوَ أوثق, زيادة راويهما يَعْنِي الحديث الصحيح والحسن, مقبولة ما لَمْ تقع منافية لمن هُوَ أوثق, فَقَالُوا: هَذَا زيادة من الثقة فَهِيَ مقبولة ولا تكون منافية, ولكن يَقُولُونَ: منافية الآن.
لكن هُوَ هنا حكم عَنْ فحسبت من طلاقها ليس مرفوعًا وَلَمْ يرها شَيْئًا مرفوعًا العبارتين؟ حسبت من طلاقها قالها ابن عمر قَالَ: حسبت عَلَيْهِ, وَلَمْ يرها شَيْئًا مرفوع.
قَالُوا: وَهَذَا مُقْتَضَى قَوَاعِد الشَّرِيعَة, فَإِنَّ الطَّلَاق لَمَّا كَانَ مُنْقَسِمًا إِلَى حَلَال وَحَرَام كَانَ قِيَاس قَوَاعِد الشَّرْع أَنَّ حَرَامه بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ, كَالنِّكَاحِ وَسَائِر الْعُقُود الَّتِي تَنْقَسِم إِلَى حَلَال وَحَرَام وَلَا يَرِد عَلَى ذَلِكَ الظِّهَار؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُون قَطّ إِلَّا حَرَامًا لِأَنَّهُ مُنْكَر مِنْ الْقَوْل وَزُور, فَلَوْ قِيلَ لَا يَصِحّ لَمْ يَكُنْ لِلظِّهَارِ حُكْم أَصْلًا.
إذًا الدليل الأول: قَالُوا: إن أبو الزبير ثقة في نفسه وَقَدْ صرح بالسماع منه, والزيادة من الثقة مقبولة.
والدليل الثاني: أَنَّهُ مقتضى قواعد الشريعة أن الطلاق لا يقع؛ لِأَنَّهُ في الحيض.
قَالُوا: وَكَمَا أَنَّ قَوَاعِد الشَّرِيعَة أَنَّ النَّهْي يَقْتَضِي التَّحْرِيم فَكَذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَسَاد وَلَيْسَ مَعَنَا مَا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى فَسَاد الْعَقْد إِلَّا النَّهْي عَنْهُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ هَذَا طَلَاق مَنَعَ مِنْهُ صَاحِب الشَّرْع وَحُجِرَ عَلَى الْعَبْد فِي اِتِّبَاعه فَكَمَا أَفَادَ مَنْعه وَحَجْره عَدَم جَوَاز الْإِيقَاع أَفَادَ عَدَم نُفُوذه -نعم كما أَنَّهُ لا يقع فلا ينفذ, يَعْنِي ما يعتبر طلاقًا- وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَجْرِ فَائِدَة وَإِنَّمَا فَائِدَة الْحَجْر عَدَم صِحَّة مَا حُجِرَ عَلَى الْمُكَلَّف فِيهِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الزَّوْج لَوْ أَذِنَ لَهُ رَجُل بِطَرِيقِ الْوَكَالَة أَنْ يُطَلِّق اِمْرَأَته طَلَاقًا مُعَيَّنًا فَطَلَّقَ غَيْر مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ لَمْ يُنَفَّذ لِعَدَمِ إِذْنه -والله تعالى لَمْ يأذن في الطلاق في الحيض فلا ينفذ- وَاَللَّه سُبْحَانه إِنَّمَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي الطَّلَاق الْمُبَاح وَلَمْ يَأْذَن لَهُ فِي الْمُحَرَّم فَكَيْف تُصَحِّحُونَ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ وَتُوقِعُونَهُ وَتَجْعَلُونَهُ مِنْ صَحِيح أَحْكَام الشَّرْع.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاق نَافِذًا فِي الْحَيْض لَكَانَ الْأَمْر بِالْمُرَاجَعَةِ وَالتَّطْلِيق بَعْده تَكْثِيرًا مِنْ الطَّلَاق الْبَغِيض إِلَى اللَّه, وَتَقْلِيلًا لِمَا بَقِيَ مِنْ عَدَده الَّذِي يَتَمَكَّن مِنْ الْمُرَاجَعَة مَعَهُ, وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا مَصْلَحَة فِي ذَلِكَ.
يَعْنِي لو كَانَ الطلاق واقع والرجعة واقعة ويطلق مرة ثانية صار تكثير للطلاق, والطلاق مبغوض إِلَى الله.
قَالُوا: وَإِنَّ مَفْسَدَة الطَّلَاق الْوَاقِع فِي الْحَيْض لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَا يَرْتَفِع بِالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاق بَعْدهَا, بَلْ إِنَّمَا يَرْتَفِع بِالرَّجْعَةِ الْمُسْتَمِرَّة الَّتِي تَلُمّ شَعَث النِّكَاح وَتُرَقِّع خِرَقه, فَأَمَّا رَجْعَة يَعْقُبهَا طَلَاق فَلَا تُزِيل مَفْسَدَة الطَّلَاق الْأَوَّل لَوْ كَانَ وَاقِعًا.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَمَا حَرَّمَهُ اللَّه سُبْحَانه مِنْ الْعُقُود فَهُوَ مَطْلُوب الْإِعْدَام بِكُلِّ طَرِيق حَتَّى يُجْعَل وُجُوده كَعَدَمِهِ فِي حُكْم الشَّرْع, وَلِهَذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ فِعْله بَاطِلًا فِي حُكْم الشَّرْع, وَالْبَاطِل شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ
وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا هُوَ مَقْصُود الشَّارِع مِمَّا حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ, فَالْحُكْم بِبُطْلَانِ مَا حَرَّمَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ أَدْنَى إِلَى تَحْصِيل هَذَا الْمَطْلُوب وَأَقْرَب بِخِلَافِ مَا إِذَا صَحَّحَ فَإِنَّهُ يَثْبُت لَهُ حُكْم الْوُجُود.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ إِذَا صُحِّحَ اِسْتَوَى هُوَ وَالْحَلَال فِي الْحُكْم الشَّرْعِيّ وَهُوَ الصِّحَّة, وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي مُوجِب ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالذَّمّ, وَمَعْلُوم أَنَّ الْحَلَال الْمَأْذُون فِيهِ لَا يُسَاوِي الْمُحَرَّم الْمَمْنُوع مِنْهُ الْبَتَّة.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّمَا حَرَّمَ لِئَلَّا يَنْفُذ وَلَا يَصِحّ, فَإِذَا نَفَذَ وَصَحَّ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْم الصَّحِيح كَانَ ذَلِكَ عَائِدًا عَلَى مُقْتَضَى النَّهْي بِالْإِبْطَالِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشَّارِع إِنَّمَا حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ؛ لِأَجْلِ الْمَفْسَدَة الَّتِي تَنْشَأ مِنْ وُقُوعه, فَإِنَّ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّرْع وَحَرَّمَهُ لَا يَكُون قَطُّ إِلَّا مُشْتَمِلًا عَنْ مَفْسَدَة خَالِصَة أَوْ رَاجِحَة فَنَهَى عَنْهُ قَصْدًا لِإِعْدَامِ تَلِك الْمَفْسَدَة.
فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَنُفُوذه لَكَانَ ذَلِكَ تَحْصِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ الَّتِي قَصَدَ الشَّارِع إِعْدَامهَا وَإِثْبَاتًا لَهَا.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْعَقْد الصَّحِيح هُوَ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَثَره وَيَحْصُل مِنْهُ مَقْصُوده.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشَّارِع إِنَّمَا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ مُبَاشَرَة الْأَسْبَاب فَقَطْ وَأَمَّا أَحْكَامهَا الْمُتَرَتِّبَة عَلَيْهَا فَلَيْسَتْ إِلَى الْمُكَلَّف.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَصِحَّة الْعَقْد هُوَ عِبَارَة عَنْ تَرَتُّب أَثَره الْمَقْصُود لِلْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ وَهَذَا التَّرَتُّب نِعْمَة مِنْ الشَّارِع أَنْعَمَ بِهَا عَلَى الْعَبْد وَجَعَلَ لَهُ طَرِيقًا إِلَى حُصُولهَا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَاب؛ الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِيهَا.
قَالُوا: وَقَدْ عَلَّلَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاق وَأَوْجَبَ الرَّجْعَة إِيجَاب الرَّجْعَة بِهَذِهِ الْعِلَّة بِعَيْنِهَا.
قَالُوا: فَمَا جَعَلْتُمُوهُ أَنْتُمْ عِلَّة لِإِيجَابِ الرَّجْعَة فَهُوَ بِعَيْنِهِ عِلَّة لِعَدَمِ وُقُوع الطَّلَاق الَّذِي قَصَدَهُ الْمُكَلَّف بِارْتِكَابِهِ مَا حَرَّمَه اللَّه.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلِلَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاق الْمُبَاح حُكْمَانِ:
أَحَدهمَا: إِبَاحَته وَالْإِذْن فِيهِ.
وَالثَّانِي: جَعْله سَبَبًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الزَّوْجَة.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي لَفْظ الشَّارِع يَصِحّ كَذَا وَلَا يَصِحّ, وَإِنَّمَا يُسْتَفَاد ذَلِكَ مِنْ إِطْلَاقه وَمَنْعه فَمَا أَطْلَقَهُ وَأَبَاحَهُ فباشره المكلف حكم بصحته.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ», وَفِي لَفْظ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ», وَالرَّدّ فِعْل بِمَعْنَى الْمَفْعُول أَيْ فَهُوَ مَرْدُود.
قَالُوا: فَالْمُطَلِّق فِي الْحَيْض قَدْ طَلَّقَ طَلَاقًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْر الشَّارِع فَيَكُون مَرْدُودًا, فَلَوْ صَحَّ وَلَزِمَ لَكَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ وَهُوَ خِلَاف النَّصّ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشَّارِع أَبَاحَ لِلْمُكَلَّفِ مِنْ الطَّلَاق قَدْرًا مَعْلُومًا فِي زَمَن مَخْصُوص, وَلَمْ يُمَلِّكهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْقَدْر الَّذِي حَدَّ لَهُ وَلَا الزَّمَن الَّذِي عَيَّنَ لَهُ.
قَالُوا: وَهَذَا كَمَا أَنَّ الشَّارِع حَدَّ لَهُ عَدَدًا مِنْ النِّسَاء مُعَيَّنًا فِي وَقْت مُعَيَّن فَلَوْ تَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْعَدَد كَانَ لَغْوًا وَبَاطِلًا.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالصِّحَّة إِمَّا أَنْ تُفَسَّر بِمُوَافَقَةِ أَمْر الشَّارِع وَإِمَّا أَنْ تُفَسَّر بِتَرَتُّبِ أَثَر الْفِعْل عَلَيْهِ, فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيح هَذَا الطَّلَاق مُمْكِنًا, وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالثَّانِي وَجَبَ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُون الْعَقْد الْمُحَرَّم صَحِيحًا.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَوُصِفَ الْعَقْد الْمُحَرَّم بِالصِّحَّةِ مَعَ كَوْنه مُنْشِئًا لِلْمَفْسَدَةِ وَمُشْتَمِلًا عَلَى الْوَصْف الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهِ وَفَسَاده جَمَعَ بَيْن النَّقِيضَيْنِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَوَصْف الْعَقْد الْمُحَرَّم بِالصِّحَّةِ إِمَّا أَنْ يُعْلَم بِنَصٍّ مِنْ الشَّارِع أَوْ مِنْ قِيَاسه, أَوْ مِنْ تَوَارُد عُرْفه فِي محال حُكْمه بِالصِّحَّةِ أَوْ مِنْ إِجْمَاع الْأُمَّة, وَلَا يُمْكِن إِثْبَات شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي مَحَلّ النِّزَاع.
قَالُوا" وَأَمَّا قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا», فَهَذَا حُجَّة لَنَا عَلَى عَدَم الْوُقُوع؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَالرَّجُل مِنْ عَادَته إِذَا طَلَّقَ اِمْرَأَته أَنْ يُخْرِجهَا عَنْهُ, أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَاجِعهَا وَيُمْسِكهَا فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاق الَّذِي أَوْقَعَهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ شَرْعًا, وَلَا تَخْرُج الْمَرْأَة عن الزوجية بسببه.
قَالُوا فَقَدْ وَفَّيْنَا اللَّفْظ حَقِيقَته الَّتِي وُضِعَ لَهَا.
قَالُوا: وَأَيْضًا فقد صرح بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا, وَتَعَلُّقكُمْ عَلَى أَبِي الزُّبَيْر مِمَّا لَا مُتَعَلِّق فِيهِ, فَإِنَّ أَبَا الزُّبَيْر إِنَّمَا يَخَاف مِنْ تَدْلِيسه وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا بِالسَّمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِمُرَاجَعَتِهَا لَا يَسْتَلْزِم نُفُوذ الطَّلَاق.
شوف كلام ابن القيم يَقُولُ: أنكم تعلقتم, يَعْنِي يخاطب الجمهور, تَعَلُّقكُمْ عَلَى أَبِي الزُّبَيْر, يَقُولُ: أبو الزبير روايته غير ثابتة, وأبو الزبير يخاف من تدليسه وَهُوَ صرح بالسماع, فدل عَلَى أن مراجعتها لا يستلزم نفوذ الطلاق.
لكن الجمهور يَقُولُونَ: روايته شاذة خالف الحفاظ ولو صرح بالسماع, خالف الحافظ خالف الرواة, خالف زملائه الرواة, وأتى بشيء خاص, أين الحافظ عَنْ هَذِهِ اللفظة الَّذِينَ يلازمون ابن عمر في مجالسه؟ يَعْنِي كلهم تخفى عَلَيْهِمْ هَذِهِ الزيادة ولا يحفظها إِلَّا أبو الزبير الضعيف, أين الحافظ اللي ذكرهم المؤلف الآن؟ فلان وفلان وفلان أين هم عَنْ هَذِهِ الفظة فينفرد بها أبو الزبير؟ ليس المراد أَنَّهُ صرح أو لَمْ يصرح بالسماع, هُوَ صرح بالسماع, لكن يَقُولُونَ: هَذِهِ وهم منه خالف الحفاظ.
قَالُوا: والذي يدل عليه أن بن عُمَر قَالَ فِي الرَّجُل يُطَلِّق اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض لَا يُعْتَدّ بِذَلِكَ, ذَكَرَهُ الْإِشْبِيلِيّ فِي الْأَحْكَام مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام الْخُشَنِيِّ.
قَالُوا: وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنه بِإِسْنَادٍ شِيعِيّ عَنْ أَبِي الزبير قال سألت بن عُمَر عَنْ رَجُل طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِض, فَقَالَ لِي أَتَعْرِفُ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قُلْت نَعَمْ قَالَ طَلَّقْت اِمْرَأَتِي ثَلَاثًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فَرَدَّهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى السُّنَّة, قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كُلّهمْ شِيعَة وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا, وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيث بَاطِل قَطْعًا وَلَا يحْتَجّ بِهِ, وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِلتَّعْرِيفِ بِحَالِهِ وَلَوْ كَانَ إِسْنَاده ثِقَات لَكَانَ غَلَطًا.
وَبَعْد فَفِي مُعَارَضَته بِحَدِيثِ يُونُس بْن جُبَيْر أَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَة كَلَام لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه, فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ الثَّلَاث وَاحِدَة قَالَ هِيَ ثَلَاث فِي اللَّفْظ وَهِيَ وَاحِدَة فِي الْحُكْم عَلَى مَا فِي حَدِيث أبي الصهباء عن بن عَبَّاس.
يَعْنِي رواية يونس بن جبير قَالَ: طلقها تطليقة, هَذَا صريح في أَنَّهَا طلقة, طلقها تطليقة مصدر تأكيد, طلقها تطليقة, والظاهرية يَقُولُونَ: لا, أَنَّهُ طلقها وأمره بردها, يَعْنِي ليس المراد الرجعة وَإِنَّمَا المراد الارتجاع, مثل قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}[التوبة/83], يَعْنِي فَإِن ردك الله, أمره بردها وَهِيَ باقية في عصمة النكاح, لكن لو طلقها تطليقة المصدر يزيل الإيهام.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ نافعا أثبت في بن عُمَر وَأَوْلَى بِهِ مِنْ أَبِي الزُّبَيْر وَأَخَصّ فَرِوَايَته أَوْلَى أَنْ نَأْخُذ بِهَا, فَهَذَا إِنَّمَا يُحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد التَّعَارُض فَكَيْفَ وَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا.
شوف كيف أجاب عنه, قَالَ: صحيح أَنَّهُ أثبت, لكن في تعارض ولا ما في تعارض؟ عِنْد الجمهور في تعارض, يقول: لَمْ يرها شَيْئًا.
فَإِنَّ رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر صَرِيحَة فِي أَنَّهَا لَمْ تُحْسَب عَلَيْهِ وَأَمَّا نَافِع فَرِوَايَاته لَيْسَ فِيهَا شَيْء صَرِيح قَطّ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَسِبَهَا عَلَيْهِ؛ بَلْ مَرَّة قَالَ فَمَهْ أَيْ فَمَا يَكُون وَهَذَا لَيْسَ بِإِخْبَارٍ عَنْ النَّبِيّ أَنَّهُ حَسِبَهَا, وَمَرَّة قَالَ: أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ, وَهَذَا رَأْي مَحْض وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رَكِبَ خُطَّة عَجْز وَاسْتَحْمَقَ أَيْ رَكِبَ أُحْمُوقَة وَجَهَالَة.
فَطَلَّقَ فِي زَمَن لَمْ يُؤْذَن لَهُ فِي الطَّلَاق فِيهِ, وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم حَسِبَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُول لِلسَّائِلِ: أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى وُقُوع الطَّلَاق فَإِنَّ مَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ يُرَدّ إِلَى الْعِلْم وَالسُّنَّة الَّتِي سَنَّهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَكَيْف يُظَنّ بِابْنِ عُمَر أَنَّهُ يَكْتُم نَصًّا عن رسول الله فِي الِاعْتِدَاد بِتِلْكَ الطَّلْقَة ثُمَّ يُحْتَجّ بِقَوْلِهِ أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟
وَقَدْ سَأَلَهُ مَرَّة رَجُل عَنْ شَيْء فَأَجَابَهُ بِالنَّصِّ فَقَالَ السَّائِل أَرَأَيْت إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا قَالَ اِجْعَلْ أَرَأَيْت بِالْيَمَنِ, وَمَرَّة قَالَ تُحْسَب مِنْ طَلَاقهَا وهذا قول نافع ليس قول بن عُمَر, كَذَلِكَ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عَبْد اللَّه لِنَافِعٍ: مَا فَعَلَتْ التَّطْلِيقَة؟ قَالَ: وَاحِدَة أَعْتَدّ بِهَا.
وَفِي بَعْض أَلْفَاظه فَحُسِبَتْ تَطْلِيقَة, وَفِي لَفْظ للبخاري عن سعيد بن جبير عن بن عُمَر فَحُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ, وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة اِنْفَرَدَ بِهَا سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْهُ, وَخَالَفَ نَافِع وَأَنَس بْن سِيرِينَ وَيُونُس بْن جُبَيْر وسائر الرواة عن بن عمر, فلم يذكروا فحسبت علي وانفراد بن جُبَيْر بِهَا كَانْفِرَادِ أَبِي الزُّبَيْر بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا.
ابن جبير حسبت عَلَي, وفي رواية أبي الزبير وَلَمْ يرها شَيْئًا.
فَإِنْ تَسَاقَطَتْ الرِّوَايَتَانِ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِر الْأَلْفَاظ دَلِيل عَلَى الْوُقُوع وَإِنْ رُجِّحَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَرِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر صَرِيحَة فِي الرَّفْع, وَرِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر غَيْر صَرِيحَة فِي الرَّفْع, فَإِنَّهُ لم يذكر فاعل الحساب, فلعل أباه رضي الله عنه حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فِي الْوَقْت الَّذِي أَلْزَمَ النَّاس فِيهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث, وَحَسِبَهُ عَلَيْهِمْ اِجْتِهَادًا مِنْهُ وَمَصْلَحَة رَآهَا لِلْأُمَّةِ؛ لِئَلَّا يَتَتَابَعُوا فِي الطَّلَاق الْمُحَرَّم.
قَالُوا: وَبِهَذَا تَأْتَلِف الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب وَيَتَبَيَّن وَجْههَا وَيَزُول عَنْهَا التَّنَاقُض وَالِاضْطِرَاب, وَيُسْتَغْنَى عَنْ تَكَلُّف التَّأْوِيلَات الْمُسْتَكْرَهَة لَهَا وَيَتَبَيَّن مُوَافَقَتهَا لِقَوَاعِد الشَّرْع وَأُصُوله.
الآن هَذَا فِيهِ جمع بين النصوص وبين الروايات.
قَالُوا: وَهَذَا الظَّنّ بِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا اِحْتَسَبَ عَلَى النَّاس بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث اِحْتَسَبَ عَلَى اِبْنه بِتَطْلِيقَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْض.
لِأَنَّ عمر رضي الله عنه في زمنه لما تتابع النَّاس في الطلاق الثلاثة أوجبها عَلَيْهِمْ, كَانَ الطلاق الثلاث بكلمة واحدة, إذا طلقها بالثلاث عَلَى عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وصدر من ولاية عمر واحدة, فَلَمَّا تتابع النَّاس عَلَى الطلاق ألزمهم عمر من باب التعزير, ألزمهم بالثلاث.
وأجمع الصَّحَابَة عَلَى هَذَا وأجمع عَلَيْهِ الأئمة الأربعة إِلَى يومنا هَذَا, صارت الثلاث ثلاثة عَلَى قول الجماهير من باب التعزير, كما أن شارب الخمر كَانَ عَلَى عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر يجلد أربعين بالنعال والجليد, ثُمَّ لما تتابع النَّاس اجتهد, فقال عمر لعلي احكم فيها, فقال: أخف الحدود ثمانين, فجعلها ثمانين يَعْنِي أوصلها إِلَى ثمانين؛ لأنها أخف الحدود جلدًا القذف ثمانين.
قَالُوا: وَهَذَا الظَّنّ بِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا اِحْتَسَبَ عَلَى النَّاس بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث اِحْتَسَبَ عَلَى اِبْنه بِتَطْلِيقَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْض, وَكَوْن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَهَا شَيْئًا مِثْل كَوْن الطَّلَاق الثَّلَاث عَلَى عَهْده كَانَ وَاحِدَة.
وَإِلْزَام عُمَر النَّاس بِذَلِكَ كَإِلْزَامِهِ لَهُ بِهَذَا وَأَدَّاهُ اِجْتِهَاده رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا وَرِفْقًا بِالْأُمَّةِ.
قَالُوا: وَتَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّا خَالَفْنَا الْإِجْمَاع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة غَلَط, يَعْنِي بعض النَّاس يَقُولُونَ: ابن القيم خالف الإجماع, فيقول: ليس بصحيح.
فَإِنَّ الْخِلَاف فِيهَا أَشْهَر مِنْ أَنْ يُجْحَد وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُسْتَر, وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَة مِنْ مَوَارِد النِّزَاع فَالْوَاجِب فِيهَا اِمْتِثَال مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُوله, مِنْ رَدِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاء إِلَى اللَّه وَرَسُوله وَتَحْكِيم اللَّه وَرَسُوله, دُون تَحْكِيم أَحَد مِنْ الْخَلْق قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر ذَلِكَ خَيْر وَأَحْسَن تَأْوِيلًا}[النساء/59].
فَهَذِهِ بَعْض كَلِمَات الْمَانِعِينَ مِنْ الْوُقُوع, وَلَوْ اِسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة لَاحْتَمَلَتْ سَفَرًا كَبِيرًا, فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى فَوَائِد الْحَدِيث.
يَقُولُ: هَذِهِ كلمات لو استوفيناها تحتاج إِلَى مجلد, بقي مباحث تتعلق بالحديث, عَلَى كُلّ حال الخلاف الآن كما هُوَ معروف الجماهير عَلَى الوقوع, والظاهرية وابن القيم يرون عدم الوقوع, والشيخ ابن باز كَانَ يرها ويفتي بها, والشيخ محمد بن عثيمين كَذَلِكَ.
فَإِن قِيلَ: (.....) هذا قول الجمهور, لكن يقولون المراجعة بمعنى الرجعة بمعنى الارتجاع والرد, وليس المراد المراجعة الشرعية, المراد ردها إليه إلى عصمته, كقوله: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ}[التوبة/83].