شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_7

00:00
00:00
تحميل
89

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربس العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

يقولَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب فيما عني به الطلاق والنيات 

2201 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثني يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب فيما عني به الطلاق والنيات), هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان ما يَعْنِي به الإنسان حينما يتلفظ بلفظ في الطلاق وفي النيات عمومًا. 

ذكر المؤلف حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى»، وفي لفظ: «لكل امرئ ما نوى», هُوَ حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.  

وَهُوَ من أصح الأحاديث مَعَ أَنَّهُ غريب فرد, لكن لا ينظر إِلَى التفرد في الطبقات الأولى, وَهُوَ حديث فرد لَمْ يروه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الصَّحَابَة إِلَّا عمر بن الخطاب, وَلَمْ يروه عَنْ عمر بن الخطاب إِلَّا علقمة بن أبي وقاص الليثي, وَلَمْ يروه عَنْ علقمه إِلَّا محمد بن إبراهيم التيمي, وَلَمْ يروه عَنْ محمد بن إبراهيم التيمي إِلَّا يحيى بن سعيد الأنصاري, ثُمَّ انتشر بَعْدَ يحيى بن سعيد الأنصاري ورواه أكثر من مائتين. 

وَهُوَ حديث صحيح, ومن أصح الأحاديث مَعَ أَنَّهُ فرد, وَهَذَا الحديث عام يدخل في جميع الأعمال؛ لِأَنَّ الأعمال لَابُدَّ فِيهَا من النية, قَالَ بعض العلماء: إِنَّهُ نصف الدين, والنصف الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هَذَا ما ليس منه فَهُوَ رد», فهذا في الأعمال الظاهرة وَهَذَا في الأعمال الباطنة. 

وَقَالَ بعض النَّاس: ثلث الدين, وَأَيْضًا حديث: «الحلال بين والحرام بين».  

والحديث دليل عَلَى أن للإنسان ما نوى من الأقوال والأعمال, فيدخل في ذَلِكَ المطلق, فَإِذَا طلق زوجته ونوى بما يحتمل الطلاق وغيره فله نيته, إِذَا طلق ونوى شَيْئًا يحتمل الطلاق ويتحمل غيره فله نيته, كأن يَقُولُ لزوجته: إلحقي بأهلك, فَإِن أراد به الطلاق وقع واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا عِنْد الجمهور عَلَى حسب نيته. 

وَعَلَى القول الآخر أَنَّهُ لا يقع إِلَّا واحدة كما لو طلق ثلاثًا بكلمة واحدة, وَهُوَ اختيار شيخ الإسلام وجماعة أَنَّهُ لا يقع إِلَّا واحدة, إِذَا نوى بها الطلاق فيقع واحدة, كما لو طلق ثلاثًا بكلمة واحدة. 

فَإِن كررها مرتين أو ثلاثًا وقعت طلقتين أو ثلاثًا, إن قَالَ: إلحقي بأهلك, إلحقي بأهلك, إلحقي بأهلك, إِلَّا إِذَا قصد الإفهام أو التأكيد, إِذَا قصد الإفهام أو سالتأكيد فإنها تكون واحدة, أَمَّا إِذَا لَمْ يقصد الإفهام والتأكيد فَإِنَّهُ يتكرر الطلاق بتكرار اللفظ. 

أَمَّا اللفظ الصريح كأن يَقُولُ: أنت طالق, هَذَا يقع الطلاق, ولا يُسأل عَنْ نيته, إِذَا قَالَ: أنت طالق أو مطلقة أو تطلقين أو تطلقتي فهذا صريح, يقع به الطلاق ولا يسأل عَنْ نيته. 

إِلَّا إِذَا ادعى أَنَّهُ ما أراد الطلاق وكانت دعواه محتملة بالقرينة الَّتِي تدل عليها, كأن يَقُولُ: أردت أَنَّهَا طالسق من وثاق, وكانت الحالة محتملة, يَعْنِي محتملة أن هناك وثاق وَأَنَّهَا تخلصت من الوثاق, فهذا له نية, وإلا فالأصل أن اللفظ صريح هُوَ الطلاق. 

قوله: «إِنَّمَا الأعمال بالنيات», في بعض النسخ: «بالنية», مَعْنَاهُ أَنَّ صِحَّةَ الْأَعْمَالِ وَوُجُوبَ أَحْكَامِهَا إِنَّمَا تَكُونُ بَالنِّيَّةِ, «وإنما لامرىء مَا نَوَى», وفي لفظ: «وَإِنَّمَا لكل امرئ ما نوى», هذا أَشَارَ إِلَى أَنَّ تَعْيِينَ الْمَنْوِيِّ شَرْطٌ, فَلَوْ كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ صَلَوَاتٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ, بَلْ شَرْطٌ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهَا ظُهْرًا أَوْ عصرا, فَلَوْلَا هَذَا الْقَوْلُ لَاقْتَضَى الْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَنْ تصح الفائتة بلا تعيين. 

وَعَلَى كُلّ حال المؤلف رحمه الله ساق الحدث ليبين ما عني به من الطلاق وَأَنَّهُ عَلَى حسب نيته, إِذَا طلق بصريح الطلاق فلا يعتبر بالنية, وَإِذَا طلق بالكناية ولو عدد من الطلاق فله ما نوى, وَإِلى هَذَا ذَهَبَ الجمهور. 

وَذَهَبَ الإمام أبو حنيفة رحمه الله والجماعة إِلَى أَنَّهُ لا يقع إِلَّا طلقة واحد. 

(المتن) 

2202 - حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، وسليمان بن داود، قالا: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب، - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالك، فساق قصته في تبوك، قال: حتى " إذا مضت أربعون من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي، فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك»، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟، قال: «لا، بل اعتزلها فلا تقربنها»، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الْأَمْرِ. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, وَهَذَا في قصة كعب من مالك رضي الله عنه لما تخلف عَنْ غزوة تبوك وصاحباه, هلال بن أمية ومرارة بن الربيع, وَلَمْ يخبروه إِلَّا بالصدق, حينما جاء المنافقون بَعْدَمَا قفل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم راجعًا, جاء المنافقون واعتذروا وحلفوا, فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل منهم وأوكل سرائرهم إِلَى الله, وَأَمَّا كعب بن مالك وصاحباه صدقوا وأخبروه أَنَّهُمْ ليس لهم عذر في هَذَا. 

وكعب رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: عنده قوة وقدرة عَلَى الجدال والحجاج, يَقُولُ للنبي صلى الله عليه وسلم: لو جلست لأحد من أهل الدنيا لاستطعت أن أخرج بحيلة, لكن يا رسول الله ليس لي عذر, فقال: «أَمَّا هَذَا فقد صدق اذهب حَتَّى يقضي الله فيك». 

فحصل ما حصل جاء الوحي وأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم النَّاس أن يهجروهم فهجروهم خمسين ليلة, حَتَّى ضاقت عَلَيْهِمْ الأرض بما رحبت, كما أخبر الله تعالى في الْقُرْآن الكريم ثُمَّ أنزل الله توبتهم, قرآن يتلى إِلَى يوم القيامة. 

في هَذَا الحديث اختصر القصة يَقُولُ: «إذا مضت أربعون من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟، قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الْأَمْرِ». 

وَهَذَا هُوَ الشاهد من الحديث قوله: «الحقي بأهلك», هَلْ يكون هَذَا طلاق؟ والصواب أَنَّهُ لا يكون طلاقًا إِذَا لَمْ ينو به طلاقًا هَذَا كناية, في الحديث دليل عَلَى أن الرجل إذا قَالَ لامرأته: الحقي بأهلك وَلَمْ يرده طلاقًا فَإِنَّهُ لا يكون طلاقًا, وَكَذَلِكَ سائر الكنايات كلها عَلَى قياسه. 

كأن يَقُولُ: الحقي بأهلك, أو اخرجي من البيت, أو الله أغناك عني, أو إن شئت فاخرجي من إحدى أبواب البيت وما أشبه ذَلِكَ هَذِهِ كنايات, لا يقع الطلاق إِلَّا بالنية, إن أراد الطلاق واحدةً أو اثنتين أو ثلاثًا وقع, وقع ذَلِكَ عِنْد جمهور العلماء, وَعِنْد شيخ الإسلام والإمام أبو حنيفة وجماعة لا يقع إِلَّا واحدة, ما لَمْ يكررها, لغير الإفهام والتأكيد, فَإِن كررها وقع. 

فَإِن كررها, قَالَ: الحقي بأهلك, والحقي بأهلك, والحقي بأهلك, وأراد الطلاق فَإِنَّهُ يقع كُلّ واحدة تعتبر طلقة, إِلَّا إِذَا قصد التأكيد والإفهام. 

(المتن) 

2203 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترناه فلم يعد ذلك شيئًا». 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف للخيار يَعْنسِي تخيير الرجل امرأته بأن تختاره أو تختار الفراق, وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة, وَهُوَ حديث صحيح, وأبو ضحى هَذَا مسلم بن صبيح بالتصغير, وَهُوَ مشهور بكنيته أكثر من اسمه. 

لِأَنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترناه فلم يعد ذلك شيئًا», وَذَلِكَ بَعْدَ أن أنزل الله تعالى في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب/28-29]. 

ومنهن عائشة وَقَالَ لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تعجلي عليك أن تشاوري أبيوك», قالت: أفي هَذَا أشاور أبوي إِنَّمَا أريد الله ورسوله والدار الآخرة رضي الله عنها, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تتابعت زوجات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلهن قلن: أردن الله ورسوله والدار الآخرة. 

فهذا التخيير هَلْ يعد طلاقًا, عائشة تقول: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم نعد ذَلِكَ شيئًا», وفي الحديث دليل عَلَى أن من خير زوجته فاختارته أن ذَلِكَ لا يكون طلاقًا, ولا تقع به الفرقة, وَهَذَا مذهب جماهير العلماء وَهُوَ الصواب الَّذِي دل عَلَيْهِ هَذَا الحديث. 

وَقَالَ بعض العلماء: إن نفس التخيير يقع به الطلاق, تبين به المرأة سَوَاءً اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا, وَهَذَا مذهب ضعيف مردود, لحديث الباب الصحيح الصريح, ولعل القائل لَمْ يبلغه الحديث كما قَالَ النووي. 

ونسب هَذَا إِلَى جماعة من الصَّحَابَة ومن غيرهم, وَهَذَا إن صح فَإِنَّهُ محمول عَلَى أَنَّهُ ما بلغهم الحديث. 

 ونسب إلى مالك قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ فهَذَا وان صح فهو محمول على انه لَمْ يَبْلُغْهُمْ, وجماهير العلماء عَلَى أن التخيير لا يقع به طلاق. 

في حديث ابن عباس قَالَ: «أتعلم أَنَّهُ كانت الثلاثة تجعل واحدة عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وثلاثًا من إمارة عمر؟ قَالَ ابن عباس: نعم». 

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْحَدِيث أَحَد مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَتَرَكَهُ الْبُخَارِيُّ, وَأَظُنّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِمُخَالَفَتِهِ سَائِر الرِّوَايَات عن بن عَبَّاس وَسَاقَ الرِّوَايَات عَنْهُ, ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعُمَر بْن دِينَار وَمَالِك بْن الْحَارِث وَمُحَمَّد بْن إِيَاس بْن الْبُكَيْر وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُعَاوِيَة بْن أَبِي عَيَّاش الْأَنْصَارِيّ, كلهم عن بن عباس أنه أجاز الثلاث وأمضاهن.  

قال ابن الْمُنْذَر: فَغَيْر جَائِز أَنْ نَظُنّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَحْفَظ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ. 

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فإن كان يعني قول ابن عَبَّاس إِنَّ الثَّلَاث كَانَتْ تُحْتَسَب عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحدة؛ يَعْنِي أَنَّهُ بِأَمْرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَاَلَّذِي يُشْبِه وَاَللَّه أَعْلَم أَنْ يَكُون بن عَبَّاس قَدْ عَلِمَ أَنْ كَانَ شَيْءٌ فَنُسِخَ. 

قال البيهقي: ورواية عكرمة عن بن عَبَّاس فِيهَا تَأْكِيد لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيل, يُرِيد الْبَيْهَقِيّ الْحَدِيث الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي بَاب نَسْخ الْمُرَاجَعَة وَقَدْ تَقَدَّمَ. 

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيْج: يُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الطَّلَاق الثَّلَاث وَهُوَ أَنْ يُفَرِّق بَيْن اللَّفْظ,كَأَنْ يَقُول: أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق وَكَانَ فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْد أَبِي بَكْر, وَالنَّاس عَلَى صِدْقهمْ وَسَلَامَتهمْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ فِيهِمْ الْخِبّ وَالْخِدَاع, فَكَانُوا يَصْدُقُونَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّوْكِيد وَلَا يُرِيدُونَ الثَّلَاث. 

وَلَمَّا رَأَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي زَمَانه أُمُورًا ظَهَرَتْ وَأَحْوَالًا تَغَيَّرَتْ مَنَعَ مِنْ حَمْل اللَّفْظ عَلَى التَّكْرَار, فَأَلْزَمهُمْ الثَّلَاث –يَعْنِي ألزمهم الثلاث من باب التعزير- وَقَالَ بَعْضهمْ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا وَذَهَبَ إلى هذا جماعة من أصحاب ابن عَبَّاسٍ, وَرَوَوْا أَنَّ الثَّلَاث لَا تَقَع عَلَى غَيْر الْمَدْخُول بِهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْوَاحِدَةِ تَبِين, فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِق بَانَتْ وَقَوْله ثَلَاثًا وَقَعَ بَعْد الْبَيْنُونَة وَلَا يُعْتَدّ بِهِ وَهَذَا مَذْهَب إِسْحَاق ابْن رَاهْوَيْهِ. 

يَعْنِي بَعْضُهُمْ قَالَ: إن هَذَا من باب التعزير ومنهم من قَالَ: إن هَذَا خاص بالمطلقة غير المدخول بها, أَمَّا المدخول بها فلا تقع عليها الثلاث. 

وَقَالَ بَعْضهمْ: قَدْ ثَبَتَ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ أَنَّ أَبَا حَفْص بْن الْمُغِيرَة طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه وَلَمْ يَجْعَل لَهَا نَفَقَة ولا سكنى, وفي حديث ابن عُمَر أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ إِذْن عَصَيْت رَبّك وَبَانَتْ مِنْك اِمْرَأَتك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. 

وَعَنْ عَلِيّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته الْبَتَّة فَغَضِبَ, وَقَالَ: «يَتَّخِذُونَ آيَات اللَّه هُزُوًا أَوْ دِين اللَّه هُزُوًا وَلَعِبًا, مَنْ طَلَّقَ الْبَتَّة أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا لَا تَحِلّ لَهُ حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا, وَهَذَا الحديث فِيهِ صحته نظر. 

قَالُوا: وَهَذِهِ الْأَحَادِيث أَكْثَر وَأَشْهَر مِنْ حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء وَقَدْ عَمِلَ بِهَا الْأَئِمَّة فَالْأَخْذ بِهَا أَوْلَى 

وَقَالَ بَعْضهمْ: الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ الْمُعْتَاد فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلِيقَة وَاحِدَة, وَقَدْ اِعْتَادَ النَّاس الْآن التَّطْلِيقَات الثَّلَاث, وَالْمَعْنَى كَانَ الطَّلَاق الْمُوَقَّع الْآن ثَلَاثًا مُوَقَّعًا فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَاحِدَة. 

يَعْنِي كَانَ الطلاق الثلاث يوقع الآن ثلاث, وفي عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كَانَ يقع واحدًا. 

وَقَالَ بَعْضهمْ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَلَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقِرّ عَلَيْهِ, وَالْحُجَّة إِنَّمَا هِيَ فِي إِقْرَاره بَعْد بُلُوغه وَلَمَّا بَلَغَهُ طَلَاق رُكَانَة اِمْرَأَته الْبَتَّة اِسْتَحْلَفَهُ مَا أَرَدْت بِهَا إِلَّا وَاحِدَة, وَلَوْ كَانَ الثَّلَاث وَاحِدَة لَمْ يَكُنْ لِاسْتِحْلَافِهِ مَعْنَى وَأَنَّهَا وَاحِدَة, سَوَاء أَرَادَ بِهَا الثَّلَاث أَوْ الواحدة. 

وَقَالَ بَعْضهمْ: الْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى خِلَاف هَذَا الْحَدِيث وَالْإِجْمَاع مَعْصُوم مِنْ الْغَلَط وَالْخَطَأ دُون خَبَر الْوَاحِد. 

وَقَالَ بَعْضهمْ: إِنَّمَا هَذَا فِي طَلَاق السُّنَّة؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاد بِهَا الواحدة كما أراد بها ركانة, ثم تتايع النَّاس فِيهَا فَأَرَادُوا بِهَا الثَّلَاث فَأَلْزَمهُمْ عُمَر إِيَّاهَا, فَهَذِهِ عَشْرَة مَسَالِك لِلنَّاسِ فِي رَدّ هَذَا الْحَدِيث. 

وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ الْمَعَافِرِيّ فِي كِتَابه النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ: (غَائِلَة) قَالَ تَعَالَى (الطَّلَاق مَرَّتَانِ) زَلَّ قَوْم فِي آخِر الزَّمَان فَقَالُوا إِنَّ الطَّلَاق الثَّلَاث فِي كَلِمَةٍ لَا يَلْزَم وَجَعَلُوهُ وَاحِدَة, وَنَسَبُوهُ إِلَى السَّلَف الْأَوَّل فَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيّ وَالزُّبَيْر وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عَبَّاس, وَعَزَوْهُ إِلَى الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ الضَّعِيف الْمَنْزِلَة الْمَغْمُوز الْمَرْتَبَة, وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا لَيْسَ لَهُ أَصْل وَغَوَى قَوْم مِنْ أَهْل الْمَسَائِل فَتَتَبَّعُوا الْأَهْوَاء الْمُبْتَدَعَة فِيهِ.  

وَقَالُوا: إِنَّ قَوْله أَنْتِ طَالِق ثَلَاثًا كَذِب؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّق ثَلَاثًا كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْت ثَلَاثًا وَلَمْ يُطَلِّق إِلَّا وَاحِدَة, وَكَمَا لَوْ قَالَ أَحْلِف ثَلَاثًا كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَة. 

يَعْنِي يريد رد هَذِهِ الأقوال كلها, يريد أَنَّهَا تقع ثلاثًا. 

(مُنْبِهَة) لَقَدْ طَوَّفْت فِي الْآفَاق وَلَقِيت مِنْ عُلَمَاء الْإِسْلَام وَأَرْبَاب الْمَذَاهِب كُلّ صَادِق, فَمَا سَمِعْت لِهَذِهِ الْمَقَالَة بِخَبَرٍ, وَلَا أَحْسَسْت لَهَا بِأَثَرِ إِلَّا الشِّيعَة الَّذِينَ يَرَوْنَ نِكَاح الْمُتْعَة جَائِزًا وَلَا يرون الطلاق واقعًا. يريد أَنَّهُ يقع ثلاثًأ. 

ولذلك قال فيهم بن سَكْرَة الْهَاشِمِيُّ: يَا مَنْ يَرَى الْمُتْعَة فِي دِينه حِلًّا وَإِنْ كَانَتْ بِلَا مَهْر, وَلَا يَرَى تِسْعِينَ تَطْلِيقَة تَبِين مِنْهُ رَبَّة الْخِدْر, من ها هنا طابت مواليدكم فاغتنموها يا بني الْقَطْر.  

وَقَدْ اِتَّفَقَ عُلَمَاء الْإِسْلَام وَأَرْبَاب الْحَلّ وَالْعَقْد فِي الْأَحْكَام عَلَى أَنَّ الطَّلَاق الثَّلَاث في كلمة, وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي قَوْل بَعْضهمْ وَبِدْعَة فِي قَوْل الْآخَرِينَ لَازِمٌ, وَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الْبُؤَسَاء مِنْ عَالِم الدِّين وَعَلَم الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ وَقَدْ قَالَ فِي صَحِيحه: بَاب جَوَاز الثَّلَاث لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ}, وَذَكَر حَدِيث اللِّعَان فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.  

وَلَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُقِرّ عَلَى الْبَاطِل؛ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ مَا فُسِحَ لَهُ فِي تَفْرِيقه فَأَلْزَمَتْهُ الشَّرِيعَة حُكْمه, وَمَا نَسَبُوهُ إِلَى الصَّحَابَة كَذِب بَحْت لَا أَصْل لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا رِوَايَة لَهُ عَنْ أَحَد, 

وَقَدْ أَدْخَلَ مَالك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَلِيّ أَنَّ الْحَرَام ثَلَاث لَازِمَةٌ فِي كَلِمَةٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهَا. 

فَكَيْف إِذَا صَرَّحَ بِهَا؟ وَأَمَّا حَدِيث الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ فَغَيْر مَقْبُول فِي الْمِلَّة وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة. 

فَإِنَّ قِيلَ: فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بن عَبَّاس وَذَكَر حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء هَذَا, قُلْنَا: هَذَا لَا مُتَعَلَّق فِيهِ مِنْ خَمْسَة أَوْجُه:  

الْأَوَّل: أَنَّهُ حَدِيث مُخْتَلَف فِي صِحَّته, فَكَيْف يُقَدَّم عَلَى إِجْمَاع الْأُمَّة وَلَمْ يُعْرَف لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة خِلَاف. 

روي عَنْ إجماع الأمة أن الثلاث تقع ثلاث, أجمعوا عَلَيْهِ في زمن عمر رضي الله عنه ألزمهم وأجمعوا عَلَى هَذَا وأخذ به الأئمة الأربعة, هَذَا كله كلام ابن العربي الآن.  

وَلَمْ يُعْرَف لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة خِلَاف إِلَّا عَنْ قَوْم اِنْحَطُّوا عَنْ رُتْبَة التَّابِعِينَ, وَقَدْ سَبَقَ الْعَصْرَانِ الْكَرِيمَانِ وَالِاتِّفَاق عَلَى لُزُوم الثَّلَاث, فَإِنْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْهُمْ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَقْبَلُونَ مِنْكُمْ نَقْل الْعَدْل عَنْ الْعَدْل, وَلَا تَجِد هَذِهِ الْمَسْأَلَة مَنْسُوبَة إِلَى أَحَد مِنْ السَّلَف أَبَدًا. 

الثَّانِي: إِنَّ هَذَا الحديث لم يرو إلا عن بن عَبَّاس وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ إِلَّا مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ. 

فَكَيْف يُقْبَل مَا لَمْ يَرْوِهِ مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا وَاحِد وَمَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيّ إِلَّا وَاحِد؟ وَكَيْف خَفِيَ عَلَى جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا ابن عباس؟ وكيف خفي على أصحاب بن عَبَّاس إِلَّا طَاوُس؟ 

وَهَذَا مثل حديث «إِنَّمَا الأعمال بالنيات كما سبق», رواية الصحابي عَنْ التابعي واحدة, لا غرابة لا يضر هَذَا كون تفرد به ابن عباس تفرد به طاوس لا يضر. 

الثَّالِث: يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهِ قَبْل الدُّخُول, وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ النَّسَائِيّ فَقَالَ 

بَاب طَلَاق الثَّلَاث الْمُتَفَرِّقَة قَبْل الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ, وَذَكَر هَذَا الْحَدِيث بِنَصِّهِ. 

الرَّابِع: أَنَّهُ يُعَارِضهُ حَدِيث مَحْمُود بْن لَبِيَدٍ قَالَ أُخْبِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُل طلق امرأته ثَلَاث تَطْلِيقَات جَمِيعًا, فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّه وَأَنَا بَيْن أَظْهُركُمْ» حَتَّى قَامَ رَجُل فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَلَا أَقْتُلهُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ. 

فَلَمْ يُرِدْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَمْضَاهُ, وَكَمَا فِي حَدِيث عُوَيْمِر الْعِجْلَانِيّ فِي اللِّعَان حَيْثُ أَمْضَى طَلَاقه الثَّلَاث وَلَمْ يَرُدّهُ. 

الْخَامِس: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَر وَالتَّأْوِيل أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الطَّلَاق الثَّلَاث عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَة, يُحْتَمَل أَنْ يُرِيد بِهِ كَانَ حُكْم الثَّلَاث إِذَا وَقَعَتْ أَنْ تُجْعَل وَاحِدَةً, وَأَنْ يُرِيد بِهِ كَانَتْ عِبَارَة الثَّلَاث عَلَى عَهْده أَنْ تُذْكَر وَاحِدَة.  

فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاس فِي الطَّلَاق وَذَكَرُوا الثَّلَاث بَدَل الْوَاحِدَة أَمْضَى ذَلِكَ عُمَر, كَمَا أَمْضَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُوَيْمِر حِين طَلَّقَ ثَلَاثًا. 

فَلَا يَبْقَى فِي الْمَسْأَلَة إِشْكَال, فَهَذَا أَقْصَى مَا يُرَدُّ بِهِ هَذَا الْحَدِيث. 

وَهَذَا الحديث مثل ما ذكر المؤلف قوي في النظر , كَانَ الطلاق في عهد النَّبِيّ واحدة, والحديث الصحيح في مسلم, ولكن لما تتابع النَّاس وتعجلوا أمرًا كَانَ لهم فِيهِ سعة أمضاه عمر رضي الله عنه وألزمهم بالثلاث تعزيرًا, وأجمع عَلَيْهِ الصَّحَابَة وَكَذَلِكَ أخذ به الأئمة الأربعة. 

أمضاها يَعْنِي من باب التعزير كما زاد عمر في جلد شارب الخمر, من أربعين إِلَى ثمانين, وَكَانَ يجلد الشارب في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدرًا من إمارة عمر, أربعين الجريد والنعال والثياب, فَلَمَّا فسق النَّاس وعثوا زاد عمر أربعين ثانية من باب التعزير. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد