شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_8

00:00
00:00
تحميل
86

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد: 

(المتن) 

قال الإمام أبو داود رحمنا الله وإياه: 

باب في أمرك بيدك. 

2204- حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب: «هل تعلم أحدًا قال بقول الحسن في أمرك بيدك؟ قال: لا، إلا شيئًا حدثناه قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، قال أيوب، فقدم علينا كثير فسألته، فقال: ما حدثت بهذا قط، فذكرته لقتادة فقال: بلى، ولكنه نسي». 

(الشرح) 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد: 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب في أمرك بيدك) هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله للرجل إذا جعل طلاق زوجتها بيدها, فَقَالَ: «أمرك بيدك» هل تطلق إذا طلقت نفسها أو لا؟ ذكر هذا الحديث (قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة، عن أبي سلمة) وهو حديث ضعيف في سنده كثير مولى بني سمرة وهو مجهول, والحديث أخرجه الترمذي والنسائي, وقد استدل بهذا الحديث من قَالَ: إذا قَالَ لامرأته طلاقك بيدك كَانَ ذلك طلاقًا ثلاثًا, إذا اختارت تقع الثلاث وهذا قول الحسن وهو منسوب إِلَى قول عثمان وزيد بْنُ ثابت وهو قول مالك وأحمد. 

وقال آخرون من أهل العلم: تكون واحدة, إذا قَالَ: أمرك بيدك, فطلقت نفسها تكون واحدة, وهذا قول عمر وابن مسعود وهو الصواب, وقال آخرون من أهل العلم: يرجع هذا إلى نية الزوج, فإذا نوى واحدة وقال: ما أردت إِلَّا واحدة فالقول قوله مع يمينه. 

والصواب: قول عمر وابن مسعود أنها لا تكون إِلَّا واحدة مطلقًا قصد الثلاثة أو لم يقصد. 

والترمذي رحمه الله ذكر الخلاف في هَذِه المسألة, ذكر القول بأنها واحدة وأن هذا المعروف عن الصحابة منهم عمر وابن مسعود, وهو قول جماعة من التابعين, وأن القول الثاني أنها تقع الثلاث أن هذا مروي عن عثمان وزيد وأنه يقول: القضاء ما قضت, يَعْنِي: ما أرادت. 

اِبْن القيم رحمه الله ذكر أن هذا الحديث فيهِ اختصار, قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: 

هكذا وقع في سنن أبي داود ولم يفسر قول الحسن في حديثه, ورواه الترمذي مفسرًا عن حماد بْنُ زيد قَالَ: قلت لأيوب هل علمت أحدا قال أمرك بيدك ثلاثًا إلا الحسن؟ قال لا ثم قال اللهم غفرًا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى بني سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاث ثم ذكر الترمذي عن البخاري أنما هو موقوف . 

قال أبو محمد بن حزم وكثير مولى بني سلمة مجهول وعن الحسن في أمرك بيدك قال ثلاث. 

وعلى هذا فعلى هذا خلاف العلماء لهم في هذا أقوال ثلاثة: أرجحها: أَنَّه تقع واحدة مطلقًا. 

(المتن) 

2205- حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشام، عن قتادة، عن الحسن في: «أمرك بيدك» قال: ثلاث. 

(الشرح) 

هذا عَلَى أحد الأقوال, والحديث سكت عنه المنذري, البخاري ذكر إِنَّمَا هو من قول أبي هريرة موقوف ولم يُعرف عن أبي هريرة مرفوعًا, فالحديث الأول في رفعه ليس بصحيح فهو موقوف, وقال النسائي: هذا حديث منكر. 

(المتن) 

باب في البتة. 

2206- حدثنا ابن السرح، وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور، في آخرين قالوا: أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني عمي محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة، «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: والله ما أردتَ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان»، قال أبو داود: أوله لفظ إبراهيم، وآخره لفظ ابن السرح. 

2207- حدثنا محمد بن يونس النسائي، أن عبد الله بن الزبير حدثهم، عن محمد بن إدريس، قال: حدثني عمي محمد بن علي، عن ابن السائب، عن نافع بن عجير، عن ركانة بن عبد يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث. 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله بقوله: (بابٌ في البتة) إذا طلق رجل امرأته البتة, إذا قَالَ: أنتِ طالق البتة, ذكر في هذا الحديث حديث نافع بْنُ عجير وهو حديث ضعيف مضطرب, ولا يصح في باب البتة حديث, حديث اِبْن عجير هذا طرقه ضعيفة وفيه اضطراب في سنده وفي متنه كما قَالَ الإمام أحمد, الإمام أحمد يقول: إن هذا الحديث ضعيف وفيه اضطرابٌ في سنده وفي متنه. 

محمد بْنُ إدريس هو الإمام الشافعي المعروف صاحب المذهب, وفي هذا الحديث: عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة، «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة» سهيمة بالتصغير, يَعْنِي قَالَ لها: أنتِ طالقٌ البتة, «فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: والله ما أردتَ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان». 

لَكِنْ الحديث ضعيف, واستدل بالحديث من قَالَ: إن الطلاق ثلاثة مجموعة تقع ثلاثًا, وأنه إذا قَالَ: البتة, تقع ثلاثًا, وأُجيب بأن الحديث ضعيف مضطرب. 

(المتن) 

2208 - حدثنا سليمان بن داود العتكي، قال: أخبرنا جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده: «أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت، قال: واحدة، قال: آلله؟ قال: آلله، قال: هو على ما أردت»، قال أبو داود: وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع، عن عكرمة، عن ابن عباس. 

(الشرح) 

هذا الحديث أيضًا ضعيف وفيه اضطراب كما قَالَ البخاري, وفي إسناده الزبير بْنُ سعيد وهو ضعيف وضعفه غير واحد, وعليه فلا يصح في البتة حديث, وأما العلماء فلهم مذاهب في هَذِه المسألة, إذا قَالَ لزوجته: أنتِ طالقٌ البتة, فإذا قَالَ هذا فهذا كناية من الكنايات للطلاق, يقع بها الطلاق إذا نوى بها الطلاق, فَإِن لم ينوي بها الطلاق فلا يقع بها الطلاق, هكذا ذهب جمع من أهل العلم. 

وقال آخرون من أهل العلم: يقع بها الثلاث أو واحدة عَلَى حسب نيته, والجمهور عَلَى أَنَّه يقع بها ثلاث إِلَّا إذا نوى واحدة أو اثنتين فَإِنَّهُ يقع بها ما نواه, الجمهور قالوا: عَلَى حسب نيته فَإِن أراد بها الثلاث وقعت ثلاث وإن أراد بها واحدة فهي واحدة, وإن أراد بها اثنتين فهي اثنتين. 

وقال آخرون من أهل العلم: لا يقع بها إِلَّا واحدة حتى ولو نوى بها الثلاث فلا يقع إِلَّا واحدة, قالوا: وإذا كَانَ طلاق الثلاث بكلمة واحدة يكون واحدة فهذه أولى, إذا قَالَ: أنتِ طالق بالثلاث لا يقع إِلَّا واحدة فالكناية من باب أولى لا يقع بها إِلَّا واحدة لحديث اِبْن عباس في صحيح مسلم: «كَانَ طلاق الثلاث عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر كَانَ طلاق الثلاث واحدة» هذا هو دليلهم وهذا هو الصواب أَنَّه لا يقع إِلَّا واحدة, وهذا اختيار شيخ الإسلام اِبْن تيمية رحمه الله وجماعة, وهو اختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بْنُ باز رحمه الله أَنَّه لا يقع إِلَّا واحدة ولو أراد الثلاث. 

وأما الجمهور يقسمون الكناية إِلَى كناية صريحة وكناية خفية, فالصريحة يقع بها ثلاث مثل إذا قَالَ: أنتِ طالق البتة هذا صريح, وهناك كناية خفية ولا يقع بها الثلاث إِلَّا بنيته, وأما الصريح فَإِنَّهُ يقع بِهِ الثلاث, هكذا الجمهور يفصل, والصواب: أَنَّه لا يقع منها إِلَّا واحدة إذا نوى الطلاق, إذا كررها قَالَ: أنتِ طالق البتة, البتة, البتة, فهذه كما سبق إن أراد التأكيد أو الإفهام فواحدة, كما يكون في الطلاق الصريح, وإن أراد الثلاثة وقع بالثلاث, أما لو كررها بالواو: أنتِ طالق البتة والبتة والبتة, هَذِه يقع بها الثلاث, أو كررها بالفاء قَالَ: أنتِ طالق البتة فالبتة فالبتة, يقع بها ثلاث، أو قَالَ: أنت طالق البتة ثم البتة ثم البتة يقع بها الثلاث مثل الطلاق. 

قال أبو داود: (وهذا أصح من حديث ابن جريج) يَعْنِي: أَنَّه أصح الضعيفين, (أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، لأنهم أهل بيته، وهم أعلم بِهِ) هذا الحديث أصح لِأَنَّهُ من رواية أهل بيته وهم أعلم بِهِ, (وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع، عن عكرمة، عن ابن عباس) يَعْنِي: فيهِ مجهول, وليس المراد أن هذا الحديث صحيح بل المراد هو أصح الضعيفين, كلاهما ضعيف لَكِنْ هذا أصح الضعيفين. 

(.....) وعند من لا يقول إِلَّا واحدة إذا كررها صارت ثلاث وإذا لم يكررها تكون واحدة. 

اِبْن القيم رحمه الله يقول: إن أبا داود إِنَّمَا رجح حديث البتة عَلَى حديث اِبْن جريج لِأَنَّهُ روى حديث اِبْن جريج من طريق فيها مجهول, (عن بعض بني أبي رافع) ولم يروي أبو داود الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بْنُ إسحاق, (أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد) فلذا رجح أبا داود حديث البتة ولم يتعرض لهذا الحديث, ولا رواه في سننه. 

قَالَ: ولا ريب أَنَّه اصح من الحديثين, ويكون حديث اِبْن جريج شاهدٌ له, اِبْن القيم يقول: الحديث الصحيح في هذا ما رواه أبو داود, وهو الحديث الذي رواه أحمد في مسنده, «أَنَّ ركانة طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد وليس فيها البتة» حديث البتة لا يصح, لَكِنْ الحديث الصحيح هنا: «أَنَّه طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد» هذا من رواية محمد بْنُ إسحاق ما رواها أبو داود, ولهذا قَالَ: (إن هذا أصح الحديثين) لِأَنَّهُ ما روى إِلَّا حديثين ضعيفين ولم يروي الحديث الصحيح. 

(المتن) 

باب في الوسوسة بالطلاق. 

2209- حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا هشام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به، أو تعمل به، وبما حدثت به أنفسها». 

(الشرح) 

هذا الباب عقده المؤلف: (باب في الوسوسة بالطلاق) الوسوسة حديث النفس والشيطان بشيء لا نفع فيهِ ولا خير يُقال: الوسوسة, والوسواس بالكسر هو الاسم, وبالفتح: (.....) والباب في الوسوسة عام, في وسوسة الطلاق, ذكر حديث عام, فالترجمة خاصة والحديث عام: «إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به، أو تعمل به، وبما حدثت به أنفسها». 

هذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, والترمذي والنسائي وابن ماجة, والحديث دليل عَلَى أن الإنسان إذا وسوس في نفسه بأنه طلق أو لم يطلق فَإِنَّهُ لا يعتبر طلاقًا ؛ لِأَنَّ الله تعالى عفا عن حديث النفس ما لم يُتكلم بِهِ: «إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به، أو تعمل به، وبما حدثت به أنفسها». 

وكذلك لو وسوس في الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالجنة والنار فَإِنَّهُ معفوٌ عنه لِأَنَّهُ حديث نفسه وعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان, إذا وسوس له الشيطان وشك في البعث أو في الجنة أو النار يستعيذ بالله من الشيطان يقول: "آمنت بالله ورسله" ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص/1-4]. 

وعليه أن ينتهي ويقطع التفكير في ذلك, كل ذلك جاء في الحديث, ويشمل بعموم هذا الوسوسة بالطلاق, إذا وسوس بالطلاق هل طلق أو لم يطلق فَإِنَّهُ معفوٌ عنه؛ هذا هو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم. 

وقال الزهري: إذا عزم عَلَى الطلاق وقع الطلاق لفظ بِهِ أو لم يلفظ, ويروى هذا عن مالك وَلَكِن هذا ضعيف, يَعْنِي: إذا عزم عَلَى الطلاق في نفسه ولم يتكلم نقول: إنه يقع الطلاق. 

قَالَ الخطابي: الحديث فيهِ أَنَّه إذا طلق امرأته بقلبه ولم يتكلم بِهِ بلسانه فَإِن الطلاق غير واقع؛ وهذا هو الصواب, وهذا قول الجمهور الشافعي, وأحمد, وإسحاق, أما قول الزهري هذا فهو ضعيف غير مُعول عليه, واُستدل بهذا الحديث عَلَى أن من كتب الطلاق طلقت امرأته, إذا كتب بيده امرأتي طالق أو كتب رسالة جوال وأرسلها إِلَى زوجته أنها طالق تطلق؛ لِأَنَّهُ عزم بقلبه وعمل بكتابته, وهذا قول الجمهور, واشترط الإمام مالك الإشهاد. 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد