بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله:
(المتن)
قال الإمام أبو داود في سننه:
في باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي.
2210 - حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، ح وحدثنا أبو كامل، قال: حدثنا عبد الواحد، وخالد الطحان، المعنى كلهم عن خالد، عن أبي تميمة الهجيمي، «أن رجلًا قال لامرأته: يا أخية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أختك هي؟ فكره ذلك ونهى عنه».
(الشرح)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي) يَعْنِي: هل يعتبر هذا ظهارا أو لا يعتبر ظهارا؟ وسيأتي التفصيل, ذكر المؤلف رحمه الله حديث أي تميمة هنا وهذا مرسل كما قَالَ المنذري؛ لِأَنّ أبا تميمة تابعي فهذا مرسل.
(المتن)
2211- حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب، عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة، عن رجل من قومه «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، سمع رجلًا يقول لامرأته: يا أخية، فنهاه».
(الشرح)
وهذا متصل, فالأول مرسل (.....).
(المتن)
قال أبو داود: ورواه عبد العزيز بن المختار، عن خالد، عن أبي عثمان، عن أبي تميمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه شعبة، عن خالد، عن رجل، عن أبي تميمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
وهذا مرسل, بهذا يتبين أن هذا الحديث روي مرةً مرسلًا ومرة متصلًا, وهذا الحديث روي مرسلا وروي متصلا، لأن أبو تميمة الهجيمي تابعي، وهذا يؤكد كراهة قول الرجل لزوجته: «يا أختي» فيكون النهي للكراهة سدًا للباب؛ لئلا يُتلفظ بلفظ يؤدي إِلَى الظهار فتحرم عليه وتجب الكفارة أو الفراق, أما من قَالَ لامرأته: إنها أختي, أو قَالَ: أمي, عَلَى سبيل الكرامة والتوقير فهذا لا يكون مظاهرًا, وكذا لو قَالَ: أختي وأراد أنها أخته في الإسلام فلا يكون مظاهرًا كما في قصة إبراهيم عليه السلام كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا فَإِن إبراهيم لما جاء عند الملك الظالم قَالَ: إنها أختي؛ لِأَنَّهُ أراد أنها أخته في الدين, لَكِنْ ينبغي ألا يعتاد اَلْمُسْلِم عَلَى ذلك ولا يتكلم بِهِ, يقول لزوجته: يا أختي أو يا أمي إلا لضرورة دعت إليه, وأما من غيره ضرورة فيُكره التكلم بِذَلِك.
جمعًا بين قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام, وحديث أبي تميمة هذا الهجيمي, فَإِن قصة إبراهيم دليلٌ عَلَى الجواز, والنهي في حديث أبي تميمة محمول عَلَى الكراهة, والذي صرفه عن التحريم إِلَى الكراهة قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام, وعلى هذا فيُكره للإنسان أن يقول لزوجته: يا أمي أو يا أختي ولا يحرم إذا أراد التوقير والاحترام بل هو جائز, والدليل عَلَى هذا قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ قَالَ لزوجته: إنها أختي, وتأول أنها أخته في الدين والإسلام.
(.....) مثل هذا، لكن إذا أراد بالاحترام والتوقير فلا بأس.
فيُكره هذا من أجل أَنَّه مظنة للتحريم, وأما من قالها وأراد بها الظهار فَإِنَّهُ يكون مظاهرًا, وَكَذَلِكَ إذا كانت لكل امرأة من محارمه, لو قَالَ: يا عمتي, يا خالتي, وشبهها بِهِ, إذا أراد الاحترام والتوقير فلا بأس, وهذا عليه عامة أهل العلم أنهم متفقون عَلَى أَنَّه إذا نوى بهذا الكلام قال: يا أمي، يا أختي الكرامة فلا يلزمه الظهار, وأما إِنَّمَا اختلفوا فيما إذا كَانَ له نية فهل يكون مظاهرًا؟ فَقَالَ بَعْضُهُم: لا يلزمه شيء إذا كَانَ له نية, وقال آخرون: إذا كَانَ له نية فهو تحريم, ويروي هذا عن أبي يوسف, وقال محمد بْنُ حسن: يكون ظهار.
فعلى هذا إن لم يكن له نية فهذا ليس فيهِ شيء عند عامة أهل العلم, وإذا كَانَ له نية فَقَالَ بَعْضُهُم: يكون تحريم وعلى هذا يكفر كفارة يمين كما قَالَ أبو يوسف، الصاحب الأول لأبي حنيفة, وقيل: يكون ظهار فيكفر كفارة الظهار, ولهذا كره له رسول الله r في حديث أبي تميمة الهجيمي قَالَ: «فكره النَّبِيِّ r ذلك» كرهه لئلا يلحقه بِذَلِكَ ضرر في أهله أو يلزمه كفارة في ماله.
الحديث الثاني: «أنه سمع رجلًا يقول لامرأته: يا أخية، فنهاه» ذكر اِبْن بطال أن جماعة من العلماء قالوا: يصير بِذَلِكَ مظاهرًا إذا قصد ذلك, فأرشده النَّبِيِّ r إِلَى اجتناب اللفظ المشكل.
وعلى هذا فالخلاصة في هذا: أَنَّه إن أراد الظهار فَإِنَّهُ يكون ظهارً؛ هذا هو الصواب, وإن لم يُرد ظهارً وَلَكِن أراد التوقير فَإِنَّهُ لا يكون ظهارً لَكِنْ الأولى ألا يعود لسانه عَلَى هَذِه الكلمات وينسبها لزوجته.
(المتن)
2212- حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط، إلا ثلاثًا: ثنتان في ذات الله تعالى: قوله: {إني سقيم}[الصافات/89]، وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا}[الأنبياء/63]، وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلا، فأتي الجبار، فقيل له: إنه نزل هاهنا رجل معه امرأة هي أحسن الناس، قال فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: إنها أختي، فلما رجع إليها، قال: إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك، وإنك أختي في كتاب الله، فلا تكذبيني عنده، وساق الحديث، قال أبو داود: روى هذا الحديث شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
(الشرح)
وهذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي, وهو حديث صحيح, وهذه الثلاثة, قَالَ: «ثنتان في ذات الله», وأخذ الثالثة وكلها في ذات لَكِنْ هذا الثنتان الأُوليان قَالَ في ذات الله لِأَنَّهُ ليس له حظ, ليس هناك حظ في النفس بخلاف الزوجة فَإِنه لحظ يتعلق بنفسه لهذا قَالَ: «ثنتان في ذات الله» يَعْنِي: في طلب رضاه, والثالثة أيضًا كانت لدفع الفساد عن سارة رضي الله عنها لَكِنْ لما كان له حظ ونفعٌ طبيعي خص الثنتين بذات الله.
وقوله { إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات/89]؛ تأوله قال: إن قلبي سقيم بكفركم, أو مراده الاستقبال, وكذا قوله: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء/63]؛ هذا أراد بِهِ التورية, يَعْنِي: إن كَانُوا يدفعون عن أنفسهم فهذا الفأس عَلَى الكبير, يَعْنِي: أسند الفعل إِلَى سببه لِأَنَّهُ كبيرهم هذا كَانَ حاملًا له عَلَى ذلك, يقول: هذا مراد إبراهيم التأويل ليس كذبًا صريحًا, وقال بَعْضُهُم: أَنَّه أراد بكبيرهم يَعْنِي: متكبرهم وعلى هذا يكون الإسناد حقيقي.
والحديث فيهِ دليل عَلَى أن الرجل إذا قَالَ لامرأته: أختي ولم يرد ظهارًا فَإِنَّهُ لا يكون مظاهرًا كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وورد إشكال في قول إبراهيم عليه السلام؛ «وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك» مع أن لوط عليه السلام اِبْن أخيه نبي مسلم في زمانه, وأُجيب بأنه ليس معه في ذلك المكان ولا في تلك الأرض الَّتِي وقع فيها ما وقع، أن لوط ليس معه.
قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله تعالى: وفيه دليل عَلَى أن من قَالَ لامرأته إنها أختي أو أمي عَلَى سبيل الكرامة والتوقير لا يكون مظاهرًا, وعلى هذا فإذا قَالَ لعبده هو حر يَعْنِي: أَنَّه ليس بفاجر لم يعتق؛ من جنسه, إذا قَالَ له حر يَعْنِي: ليس المراد الحرية الَّتِي ضد الرق وَإِنَّمَا المراد ليس بفاجر, يقال للفاجر وغير الفاجر حر فلا يعتق؛ لِأَنَّهُ ما أراد العتق من الرق.
وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي أن يُفتى بخلافه, فَإِن السيد إذا قيل له: عبدك فاجر زان فقال ما هو إلا حر قطع سامعه أنه إنما أراد الصفة لا العين وكذلك إذا قيل له جاريتك تبغي فقال إنما هي حرة, يَعْنِي: ليست باغية, وسمي قول إبراهيم هذا كذبًا لأنها تورية, تورية وهو أن يوري ويُظهر للسامع خلاف ما يريد, فَقَالَ: إنها أختي وأراد أخته في الإسلام, قَالَ: {َإِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات/89]؛ وأراد أن قلبه سقيم بكفرهم, {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء/63]؛ عندما جعل الفأس عليه وأسند الفعل إِلَى سببه.
وقد أشكل على الناس تسميتها كذبة لكون المتكلم إنما أراد باللفظ المعنى الذي قصده فكيف يكون كذبًا والتحقيق في ذلك أنها كذب بالنسبة إلى إفهام المخاطب لا بالنسبة إلى غاية المتكلم؛ يَعْنِي: هذا يكون كذب بالنسبة لفهم المخاطب, وبالنسبة لغاية المتكلم لا يكون كذبًا وهذا هو التورية.
فإن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم ونسبة إلى المخاطب, فلما أراد الموري أن يُفهم المخاطب خلاف ما قصده بلفظه أطلق الكذب عليه بهذا الاعتبار وإن كان المتكلم صادقًا باعتبار قصده ومراده.
(المتن)
باب في الظهار.
2213- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن العلاء، المعنى، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر قال: ابن العلاء البياضي قال: «كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئًا يتابع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة، إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا سلمة؟ قلت: أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله، فاحكم فيَ ما أراك الله، قال: حرر رقبة، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: فأطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة، وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم» زاد ابن العلاء، قال ابن إدريس: «بياضة بطن من بني زريق».
(الشرح)
هذا الحديث مشهور أخرجه الترمذي وجماعة, واُستدل بِهِ عَلَى كفارة الظهار, والظِهار بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته: أنتِ عليَ كظهر أمي, أو كظهر أختي, أما تعيين الأم فهذا متفق عليه أَنَّه ظهار, إذا قَالَ: أنتِ عليَ كظهر أمي هذا متفق عليه أَنَّه ظهار, واُختلف فيما إذا لم يعين الأم, كمن قَالَ: كظهر أختي, فذهب بعض العلماء إِلَى أَنَّه لا يكون ظهارً وهو مروي عن الشافعي في القديم, وأن هذا يختص بالأم كما ورد في الْقُرْآن: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}[المجادلة/2].
وَكَذَلِكَ في حديث خولة الحديث اللي بعد هذا: ظاهر منها أوس, وذهب الشافعي في الجديد إِلَى أَنَّه يكون ظهارًا وهو قول الجمهور والصواب: أَنَّه يكون ظهارًا, سواء قَالَ: أنت عليَ كظهر أمي أو أختي أو عمتي أو خالتي الحكم واحد؛ هذا قول الجمهور, خلافًا لما قرره الشافعي في قوله القديم.
وهذا الحديث فيهِ: أن سلمة بن صخر البياضي كان يصيب النساء له شهوة كما قال: , «أصيب من النساء ما لا يصيب غيري» يَعْنِي: كناية عن كثرة شهوته ووفور قوته, «فلما دخل شهر رمضان» خشي إذا جامع يتتابع ولا يصبر فظاهر من امرأته حتى يمنع نفسه بزعمه, قَالَ لامرأته: أنت عليَ كظهر أمي, خشي من أن يتابع يَعْنِي: يلازمني ملازمة الشر, أو يتتايع: وهو الوقوع في الشر من غير فكر, فظاهر من امرأته حتى ينسلخ شهر رمضان، قَالَ: هي عليه كظهر أمه في شهر رمضان, وهذا فيهِ أن الظهار المؤقت كالظهار المطلق, إذا ظاهر من امرأته شهرًا أو شهرين الحكم واحد أو ظاهر عنها مطلقًا. سلمة ظاهر من امرأته شهر رمضان حتى ينسلخ الشهر، (.....)، حتى يمنع نفسه حتى لا يتتابع لأنه إذا جامع تتابع ولم يملك نفسه فأراد يمنع نفسه وأن يحرم زوجته في شهر رمضان خاصة.
قَالَ: «فبينا هي تخدمني ذات ليلة، إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبح خرج إلى قومه فأخبرهم الخبر، وقال امشوا معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا والله ما نمشي معك» استعظموا الْأَمْرِ, فذهب وحده «وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت بذاك يا سلمة؟» يَعْنِي: أنت الملم بهذا والمرتكب له؟, «قال: أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله، فاحكم فيَ ما أراك الله، قال: حرر رقبة» يَعْنِي: أعتق رقبة.
«قال: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: فأطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين» أو وحيشين, « ليس عندنا طعام قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها» يَعْنِي: قسمها قسمين قسم تصدق بِهِ وقسم تأكله أنت.
«فرجع إلى قومي فقال: وجدت عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة، وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم» وهذا الحديث ضعيف لِأَنّ في سنده محمد بْنُ إسحاق مدلس وقد عنعن, والحديث مرسل يَعْنِي: أَنَّه منقطع أيضًا لِأَنّ سليمان بْنُ يسار لم يدرك سلمة بْنُ صخر ولم يسمع منه, وَلَكِن يشهد له حديث أوس بْنُ الصامت الحديث الذي بعده فَإِنَّهُ حديث صحيح ويتقوى أحدهما بالآخر, وَكَذَلِكَ الشواهد الَّتِي ذكرها المؤلف رحمه الله, وكفارة الظهار ثابتة في الْقُرْآن الكريم في سورة المجادلة, حتى لو لم يصح شيءٌ من الأحاديث فكفارة الظهار واضحة وأن الله تعالى ذكر في كفارة الظهار في مطلع سورة المجادلة: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}[المجادلة/3-4].
فكفارة الظهار مرتبة: أولًا عتق رقبة, فَإِن لم يجد الرقبة أو لم يجد ثمنها انتقل إِلَى الصيام وصام شهرين متتابعين, فَإِن لم يستطع لكونه مريض أو لا يتحمل أو أن الصيام يمنعه من التكسب لأهله فَإِنَّهُ ينتقل إِلَى الإطعام, فَإِن لم يجد, واختلف العلماء منهم من قَالَ: إنها تسقط, ومنهم من قَالَ: تبقى في ذمته حتى يوسر, وعلى كل حال الحديث وإن كَانَ ضعيف لكنه يشهد له الحديث الذي بعده, والشواهد الأخرى الَّتِي ذكرها المؤلف ويتقوى, والقرآن الكريم فيهِ ذكر الكفارة واضح في هذا.
وفيه: أن الظهار بالأم: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ }[المجادلة/2], ولهذا قَالَ الشافعي رحمه الله في القديم: أَنَّه إذا ظاهر وشبهها بغير الأم فَإِنَّهُ لا يكون ظهارً والصواب: أَنَّه يكون ظهارً, إذا شبهها بواحدة من محارمه أو بعضو من أعضاءها سواء عمته أو خالته أو أخته أو بنت أخته أو بنت أخيه, أي واحدة من محارمه شبهها بِهِ أو بعضو منها فَإِنَّهُ يكون ظهارً, وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة.