شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سنن أبي داود_11

00:00
00:00
تحميل
106

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد: 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمنا الله وإياه: 

بابٌ في الخُلع. 

2226- حدثنا سليمان بن حرب، قال: أخبرنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة». 

(الشرح) 

سبق الكلام عَلَى هذا الحديث, وسبق الكلام عَلَى الخُلع, وأن الخُلع هو فراق الزوجة عَلَى مال, وهذا الحديث فيهِ الوعيد الشديد عَلَى سؤال المرأة الطلاق من غير سبب, وهو يدل عَلَى أَنَّه من كبائر الذنوب لِأَنَّهُ تُوعد عليه قَالَ: «فحرامٌ عليها رائحة الجنة» وهذا من أدلة الوعيد ودليل عَلَى أَنَّه من الكبائر, وأن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق بغير سبب فقد ارتكبت كبيرة من كبائر الذنوب وعليها الوعيد الشديد, أما إذا كَانَ هناك سبب فهي معذورة, يَعْنِي: كأن يكون يؤذيها أو يضربها أو يسبها أو يقصر في نفقتها أو كَانَ مرتكب للكبائر ويشرب الخمر وغير ذلك من الكبائر فهذا عذرٌ لها، ولا يشمله الوعيد. 

هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وسنده لا بأس بِهِ, ويدل عَلَى الوعيد الشديد للمرأة الَّتِي تسأل زوجها الطلاق من غير سبب, وهل الخُلع فسخ أو طلاق؟ من العلماء من قَالَ: إنه فسخ لا ينقص عن الطلاق, واستدل بأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين ثم ذكر الطلقة الثالثة فدل عَلَى أَنَّه فسخ لا ينقص عن الطلاق. 

ومنهم من قَالَ: إنه طلاقٌ عَلَى عِوض؛ لِأَنّ الله تعالى قَالَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة/229]؛ هذا الخُلع, ثم قَالَ بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة/230].  

فذكر الطلاق مرتان ثم ذكر الخُلع ثم ذكر الطلقة الثالثة, قوله: «من غير ما بأس» ما زائدة للتأكيد, تقديره: في غير بأسٍ. 

(المتن) 

2227- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنها أخبرته، «عن حبيبة بنت سهل الأنصارية، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء ثابت بن قيس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، وذكرت ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: خذ منها، فأخذ منها، وجلست في أهلها». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي, وفيه: أن حبيبة بنت سهل جاءت عند باب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وذلك في وقت صلاة الصبح بغلس, يَعْنِي: اختلاط ظلمة آخر الليل بضياء الصبح, فسألها النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: «لا أنا ولا ثابت» يَعْنِي: لا يمكن الاجتماع بيننا, «فلما جاء ثابت بن قيس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، وذكرت ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي» يَعْنِي: أرده عليه, فيكون الفسخ عَلَى عِوض, «كل ما أعطاني عندي» مبتدأ وخبر. يَعْنِي: كل ما أعطاني من المهر موجود عندي وسوف أعطيه إياه, فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «خذ منها» يَعْنِي: ما أعطت وفارقها, فأخذ منها جميع ما أعطاها. 

وهذا استدل بِهِ الجمهور عَلَى أَنَّه يجوز للزوج الخالع امرأته عَلَى المهر الذي أعطاها وله أن يزيد أيضًا عَلَى هذا, وأنه يجوز خُلع المرأة عَلَى ما تراضيا سواءٌ كَانَ بالمهر أو أكثر أو أقل, وذهب بعض العلماء إِلَى أَنَّه لا يجوز أن يزيد عَلَى المهر, بل قَالَ بَعْضُهُم: لا يَجِوز أن يأخذ جميع ما أعطاها, والصواب: الجواز وأنه عَلَى ما تراضيا عليه وهذا هو الذي أقره جمهور العلماء, ويدل عليه الحديث فإنها قالت: «كل ما أعطاني عندي». 

وفيه: دليل عَلَى أَنَّه لا سكنى للمختلعة ولا نفقة, لِأَنَّهَا قَالَ: «وجلست في أهلها» بعد الفراق ليس لها سكنى ولا نفقة, استدل بِهِ جمع من أهل العلم عَلَى أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاق, قالوا: ولو كَانَ طلاقًا لاُعتبرت فيهِ شروط الطلاق من كونه لابد أن يقع في طُهر لم يمسها فيهِ, ومن كونه ليس من الزوج من دون اختيار الزوجة. 

وفي هذا الحديث أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخالع في مكانها ولم يسألها ولم يقل لثابت: هل هي في طُهر؟ أو في حيض؟ وكان أيضًا باتفاق ورضا من زوجها ولو كَانَ طلاقًا لما احتاج إِلَى سؤال الزوجة وإلى هذا ذهب اِبْن عباس وجماعة، قالوا القرآن الكريم يدل على هذا, {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة/229]؛ هذا الخُلع, ثم قَالَ بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة/230].  

فذكر الطلاق مرتان ثم ذكر الخُلع ثم ذكر الطلقة الثالثة, قالوا: لو كَانَ الخُلع طلاقًا لكان الطلاق أربعًا, وإلى هذا ذهب طاوس, وهو أحد أقوال الشافعي, وذهب إِلَى هذا أحمد في رواية وجماعة. 

وذهب آخرون من أهل العلم إِلَى أن الخُلع تطليقة بائنة, وذهب إِلَى هذا أصحاب الرأس أبو حنيفة وأصحابه, وروي هذا عن مالك والأوزاعي. 

(المتن) 

2228 - حدثنا محمد بن معمر، قال: أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، قال: أخبرنا أبو عمرو السدوسي المديني، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، «أن حبيبة بنت سهل، كانت عند ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح، فاشتكته إليه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثابتًا، فقال: خذ بعض مالها وفارقها، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فإني أصدقتها حديقتين، وهما بيدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذهما وفارقها، ففعل». 

(الشرح) 

هَذِه القصة مع حبيبة بنت سهل فيها: «ضربها فكسر بعضها», وفي رواية النسائي: «أَنَّه كسر يدها», «فاشتكته للنبي صلى الله عليه وسلم » وظاهر هَذِه الرواية أنها اشتكت لأجل الضرب, وَلَكِن جاء في صحيح البخاري أنها قالت: «إني ما أعتب عليه في خُلقٍ ولا دين وإني أكره الكفر بعد الإسلام» هي تبغضه, وكان رجلًا دميمًا كما في حديث عمرو بْنُ شعيب أنها قالت: «كَانَ رجلًا دميمًا, ولولا مخافت الله إذا دخل عليَ لبصقت في وجهه». 

وجاء في رواية عبد الرزاق أنها قالت: «يا رسول الله إن بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم», فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لثابت: «خذ بعض مالها وفارقها، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟» يَعْنِي: هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، قال: فإني أصدقتها حديقتين» والحديقة هي البستان, فالشارح يرى أن هَذِه الرواية معارضة لما في البخاري, فَإِن الذي في البخاري أنها قالت: «إني ما أعتب عليه في خُلقٍ ولا دين» وفي هَذِه الرواية: «أَنَّه ضربها وكسر يدها» والظاهر والله أعلم أنهما قصتان مع امرأتان وأن الذي في صحيح البخاري مع جميلة بنت أُبي بْنُ سلول أخت عبد الله بْنُ أبي بْنُ سلول, وأنها خلعته لبغضها له لدمامة خِلقته, وأما هذا الحديث فهو مع حبيبة بنت سهل وأنها خلعته لسوء عشرته وأنه ضربها وكسر يدها فخلعت, فهما قصتان, فقد تزوج امرأتين. 

وفي بعض الروايات أَنَّه قَالَ: «أتردين عليه حديقته؟ قالت: لا, قَالَ: خذي الحديقة وطلقها تطليقة» وكان ثابت بْنُ قيس هو خطيب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يخطب بين يديه ويرفع صوته في الخطبة, فَلَمّا نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات/2], جلس في بيته ولم يأتي وخاف أن يحبط عمله وجعل يبكي فتفقده النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وسأل عنه, فأُتي إليه فَقَالَ: إنه حبط عمله وأنه من أهل النار, فأُخبر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: «أخبروه أَنَّه من أهل الجنة وليس من أهل النار» فهذه شهادة له بالجنة رضي الله عنه.  

(المتن) 

2229- حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز، قال: أخبرنا علي بن بحر القطان، قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، «أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة»، قال أبو داود: وهذا الحديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. 

(الشرح) 

وهذا حديث عكرمة عن ابن عباس، «أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة» سكت عنه المنذري هذا, قال أبو داود: (وهذا الحديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا). 

وأخرجه الترمذي مسندًا, فهذا الحديث حديث عكرمة عن اِبْن عباس, وحديث عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بْنُ مسلم عن عكرمة, فيهِ: أن عدة المختلعة حيضة واحدة, وإلى هذا ذهب بعض العلماء واستدلوا بِهِ عَلَى أن الخُلع فسخ وليس بطلاق, قالوا: هذا دليل عَلَى أَنَّه لو كَانَ طلاقًا لكانت عدتها ثلاث حيضات, فَلَمّا جُعلت عدتها حيضة دل عَلَى أَنَّه فسخ وليس بطلاق. 

وذهب جمهور العلماء إِلَى أنها تعتد بثلاث حيض كغيرها من المطلقات, قالوا: والخُلع ليس فسخًا ولكنه طلاقًا عَلَى عِوض, ولهذا قالوا: ينبغي أن يطلقها طلقة واحدة قطعًا للنزاع, فيكون طلاقًا عَلَى عِوض وتحل له بعقدٍ ومهر جديدين, وهذا هو الأرجح من القولين؛ أنها تعتد بثلاث حيضات كسائر المطلقات, أما هذا والحديث الذي بعده فَإِنَّهُ مرسل وَكَذَلِكَ أيضًا موقوف عَلَى اِبْن عباس وفيه صحته نظر, ولهذا الجمهور لم يعملوا بهذين الحديثين وقالوا: إنها تعتد بثلاثة حيضات, وينبغي أن يطلقها. 

قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: روي النسائي حديث امرأة ثابت بْنُ قيس موصولًا مطولًا عن الربيع بنت معوذ : «أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي, وأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت, فقال له : خذ الذي لها عليك, وخل سبيلها قال: نعم, فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة , وتلحق بأهلها».  

قال الترمذي في جامعه : الصحيح في حديث الربيع : «أنها أُمرت أن تعتد», وهذا مرفوع وقد صرح في الرواية الأخرى أن الذي أمرها بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر الترمذي حديث ابن عباس : «أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة» وقال: هذا حديث حسن غريب . 

والمعروف عن إسحاق: أن عدتها حيضة, وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد, نقلها عنه أبو القاسم, وهو قول عثمان بن عفان وعبد الله من عباس, وعن ابن عمر روايتان :  

إحداهما: أن عدتها عدة المطلقة, ذكره مالك في الموطأ عن نافع عنه.  

والثانية: حيضة , نقلها ابن المنذر عنه وهي رواية القعنبي عنه.  

قال أبو داود عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال : "عدة المختلعة حيضة", اختار ابن المنذر أن عدتها حيضة, وقد ذكر الله تعالى في آية الطلاق ثلاثة أحكام: 

أحدها: أن التربص فيه ثلاثة قروء. 

الثاني: أنه مرتان. 

الثالث: أن الزوج أحق برد امرأته في المرتين.  

يَعْنِي: في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة/228]. 

الحكم الثاني في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة/229]. 

الحكم الثالث في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا}[البقرة/228], فكأن اِبْن القيم رحمه الله يميل إِلَى أن عدتها حيضة وأن الَّتِي تتربص ثلاثة قروء بعلها أحق بردها. 

فالخلع ليس بداخل في الحكم الثالث اتفاقًا, وقد دلت السنة أنه ليس داخلًا في الحكم الأول؛ التربص في ثلاثة قروء, دلت السنة عَلَى أَنَّه ليس داخلًا في هذا, وهذا خلاف الجمهور كأنه يريد أن يرجح أنها حيضة. 

وذلك يدل على عدم دخوله في حكم العدد, في قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فيكون فسخًا, وهذا من أحسن ما يُحتج به على ذلك.  

قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله: هكذا الرواية «وأمرها أن تعتد» وزاد الدارقطني : «عدة الحرة»؛ يَعْنِي: ثلاثة, وهذا قَالَ: ولعله مدرج من تفسير بعض الرواة, فيميل إِلَى أنها تعتد بحيضة. 

وقد روى ابن ماجة في سننه: قال: أخبرنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : «أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض» وهذا مع أنه إسناد الصحيحين, فلم يروه أحد من أهل الكتب الستة إلا ابن ماجة, ويبعد أن تكون الثلاث حيض محفوظة, فإن مذهب عائشة: أن الأقراء الأطهار, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تستبرئ بحيضة كما تقدم, فهذه أولى, ولأن الأقراء الثلاث إنما جُعلت في حق المطلقة ليطول زمن الرجعة, فيتمكن زوجها من رجعتها متى شاء, ثم أجرى الطلاق كله مجرى واحدًا.  

وطرد هذا: أن المزني بها تستبرأ بحيضة, وقد نص عليه أحمد, وبالجملة: فالأمر بالتربص ثلاثة قروء إنما هو للمطلقة والمعتقة, قالوا: الآثار لا تصح في أنها تعتد بحيضة, اِبْن القيم رحمه الله يبدأ ويعيد في ترجيح أنها تعتد بحيضة. 

وبالجملة: فالأمر بالتربص ثلاثة قروء إنما هو للمطلقة والمعتق إذا فُسخت فهي بالمختلعة والأمة المستبرأة أشبه, إذ المقصود براءة رحمها, فالاستدلال على تعدد الأقراء في حقها بالآية غير صحيح, لأنها ليست مطلقة, ولو كانت مطلقة لثبت لزوجها عليها الرجعة, وأما الأحاديث في هذه اللفظة ففي صحتها نظر, وحديث الدارقطني, المعروف أن الحسن رواه مرسلًا «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة» ورواه البيهقي في سننه من حديث عكرمة عن ابن عباس, وفيه وجه رابع: وهو أنه جعل عدتها عدة المطلقة, رواه البيهقي من حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة, ورواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن بكار عن أبي معشر, فهذه أربعة أوجه: أحدها: أن تعتد. الثاني: عدة الحرة. الثالث: عدة المطلقة. الرابع: بثلاث حيض.  

عَلَى كل حال: المسألة فيها كلام لأهل العلم, والجمهور قرروا أنها تعتد ثلاث حيض ولم يصح عندهم رواية عكرمة أن امرأة ثابت جعل النَّبِيِّ عدتها حيضة. 

(المتن) 

2230- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: «عدة المختلعة حيضة». 

(الشرح) 

هذا مروي عن اِبْن عمر,وفي صحته نظر, ولو صح فهو محمول عَلَى أن هذا من اجتهاده, الترمذي رحمه الله ذكر الخلاف ونقل عن أهل العلم أن أكثر أهل العلم قالوا: عدة المختلعة عدة المطلقة, قَالَ الترمذي: اختلف أهل العلم في عدة المختلعة فَقَالَ أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة المطلقة, يَعْنِي: ثلاث حيض, قَالَ: وهو قول الثوري, وأهل الكوفة, وبه يقول أحمد وإسحاق. 

وقال بعض أهل العلم من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: عدة المختلعة حيضة, قَالَ إسحاق: وإن ذهب ذاهبٌ إِلَى هذا فهو مذهب قوي, كأنه ما رأى أحد قَالَ بِهِ, قليل من قَالَ بِهِ, قَالَ إسحاق: إن ذهب ذاهبٌ إِلَى هذا فهو مذهبٌ قوي, فيظهر أنهما ما علما أحدًا يقول بِهِ فدل عَلَى أن جماهير العلماء يرون أنها كعدة المطلقة تعتد بثلاثة حِيض. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد