بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
يقول الإمام أبو داود رحمه الله في سننه:
باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد.
2269- حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله بن الخليل، عن زيد بن أرقم قال: «كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليًا، يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال: لاثنين منهما طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرُع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه».
2270- حدثنا خشيش بن أصرم، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن صالح الهمداني، عن الشعبي، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم قال: «أتي علي رضي الله عنه بثلاثة، وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين فقال: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعًا، فجعل كلما سأل اثنين، قالا: لا، فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، قال: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه».
2271- حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن سلمة، أنه سمع الشعبي، عن الخليل أو ابن الخليل، قال: «أتي علي رضي الله عنه في امرأة ولدت من ثلاثة، نحوه لم يذكر اليمن، ولا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قوله طيبا بالولد».
(الشرح)
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد) يَعْنِي: إذا تنازع شركاء في الولد هل يُقرع بينهم؟ ذكر المؤلف في هذا ثلاث أحاديث, الحديث الأول عن طريق الأجلح, والطريق الثاني عن طريق عبد خير, الطريق الثالث عن الخليل أو اِبْن الخليل.
الحديث الأول: في سنده الأجلح, وهو متكلم فيهِ فهو ضعيف لا يُحتج بِهِ.
الحديث الثاني: حديث عبد خير إسناده صحيح غير أَنَّه مرسل.
الحديث الثالث: فيهِ الخليل قَالَ فيهِ الحافظ: مقبول.
ولعل هَذِه الأحاديث يشد بعضها بعضًا, اختلف العلماء في العمل بهذا الحديث قَالَ بَعْضُهُم: إنه منسوخ, وقيل: إن هذا في الآمة يَعْنِي آمة مملوكة لثلاثة فوطئها الثلاثة في طُهر, فأتت بولد فَإِنَّهُ يُقرع بينهم فمن خرجت له القرعة فله الولد, وعليه لصاحبيه ثلثا القيمة؛ لِأَنَّهَا صارت له, لما وطئها صار الولد له وجب أن يكون ملكه خاص بها فيدفع لصاحبيه كل واحد ثلث, هي بينهم أثلاث, له الثلث ولكل واحد ثلث فإذا وطأها وصار له الولد صارت أم ولدٍ له وحينئذٍ يَجِبُ عليه أن يدفع القيمة لصاحبيه, فيدفع ثلثا القيمة لكل واحد ثلث.
أما الحرة فَإِن الولد يكون للفراش, وهو الزوج, وأما الزاني والعاهر فلا يعتبر له الحجر والخيبة ولا يلحق بِهِ الولد, كما قَالَ النبي r في الحديث الصحيح: «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
الأجلح هذا سماه وذكر اِبْن القيم قَالَ: يحيى بْنُ عبد الله الكِندي, هذا فيهِ كلام, وقوله: «طيبا بالولد» يَعْنِي: من طابت نفسه بالشيء إذا سمحت من غير كراهة ولا غصب, يَعْنِي: طيبا بالولد لواحد, «فغليا» من غلت القدر أي صاح, أو غلبا, «وقال: لاثنين طيبا فغليا، فقال لهم: أنتم شركاء متشاكسون يَعْنِي:متنازعون، إني مقرع بينكم» يَعْنِي: أريد أن أُجري القرعة بينكم.
«فمن قرُع» يَعْنِي: فمن خرجت القرعة باسمه, «فهي له يكون له الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية» والمراد قيمة الأم فإنَّهَا في هَذِه الحالة انتقلت إليه من حين وقع عليها تكون له, قَالَ العلماء في هذا الحديث ذكر المنذري: قوله هنا: «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه» الأضراس: هي الأسنان سوى الثنايا الأربعة, وقيل: هي من الأسنان الضواحك الَّتِي تبدو عند الضحك, وقيل: إنها أقصى الأسنان والأقرب الأول, أنها الأضراس سوى الثنايا الأربع.
أما العلماء تكلموا عَلَى هذا الحديث من ذلك المنذري قَالَ: إن هذا الحديث فيهِ دليل عَلَى أن الولد لا يُلحق بأكثر من أب واحد, ولهذا في قصة هَذِه الآمة أُلحق بواحد, وفيه: إثبات القرعة في أمر الولد, وإحقاق القارع وأنه حق, والقرعة يُعمل بها في مواضع, كما في العتق, وإذا تساوت البينتين, في الشيء يتداعاه اثنان ولهما بينتان متساويتان فالقرعة تفصل بينهما, كذلك في الخرج بالنساء إذا كانت له عدد من الزوجات وأراد أن يسافر يقرع بينهما كما كَانَ النَّبِيِّ r يفعل, فما خرجت من القرعة سافر بها, وَكَذَلِكَ في قسمة المواريث, وفي إفراز الحصص, كل هذا وردت فيهِ القرعة.
وقال بظاهر هذا الحديث زيد بْنُ أرقم وإسحاق بْنُ راهوية, وقالوا: هو سنة في دعوى الولد, وكان الشافعي يقول بِهِ في القديم, وأما الإمام أحمد فَإِنَّهُ يرى تقديم حديث القافة, قَالَ: حديث القافة أحب إليَ وهذا الحديث قَالَ: متكلمٌ فيهِ, وقال بَعْضُهُم: إن هذا الحديث منسوخ, وقال آخرون من أهل العلم: لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة؛ لِأَنّ كل واحدٍ منهما دل عَلَى أن ما اُستعمل عليه طريق شرعي, فأيهما حصل وقع بِهِ الإلحاق, وإذا حصلا معًا فمع الاتفاق لا إشكال, لو القرعة خرجت عَلَى واحد والقافة قالوا: هو يشبهه, هذا ما فيهِ إشكال, ومع الاختلاف فالأقرب تعتبر القرعة لِأَنَّهَا طريق شرعي يثبت به الحكم.
وهذا الحديث الأول أخرجه النسائي في إسناده الأجلح اسمه: يحي بْنُ عبد الله الكندي.
الحديث الثاني: حديث خشيش بْنُ أصرم هذا صحيح إِلَّا أَنَّه مرسل.
الحديث الثالث: حديث الخليل مقبول.
الحديث الثاني؛ أخرجه النسائي وابن ماجة ورواه بَعْضُهُم مرسلًا, قَالَ النسائي: هذا هو الصواب.
عَلَى هذا تكون الخلاصة في هذا: أن الأحاديث الثلاثة يشد بعضها بعضًا, والعلماء يختلفون في العمل بهذه الأحاديث منهم من قَالَ: إنه منسوخ, ومنهم من قَالَ: إن هذا في الآمة, ومنهم من عمل بهذا الحديث, ومنهم من قَالَ: يقدم عليه حديث القافة كالإمام أحمد في إحدى الروايات, ومنهم من قَالَ: لا معارضة بينهما, فحديث القافة له وجه وهذا الحديث له وجه.
قال: لمن قرع بالبناء للفاعل, أي كانت له القرعة يقال: قارعته فقرعني أي أصابته القرعة دوني فجعله لمن قرع؟.
كأنه يطبقها, لمن قُرع.
قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: وقال أبو محمد بْنُ حزم هذا الحديث إسناده صحيح كلهم ثقات, قَالَ: فَإِن قيل: إنه خبرٌ قد اُضطرب فيهِ فأرسله شعبة عن سلمة بْنُ كُهيل عن الشعبي عن مجهول, ورواه أبو إسحاق الشيباني عن رجل من حضر موت عن زيد بْنُ أرقم, قلنا: قد وصله سفيان وليس هو بدون شعبة عن صالح بْنُ حي وهو ثقة عن عبد خير وهو ثقة عن زيد بْنُ أرقم؛ هذا آخر كلامه.
يَعْنِي: اِبْن حزم يصحح الحديث ويجيب بأن الحديث وصله سفيان بدون شعبة.
وهذا الحديث قد اشتمل على أمرين:
أحدهما: إلحاق المتنازع فيه بالقرعة , وهو مذهب إسحاق بن راهويه, قال: هو السنة في دعوى الولد, وكان الشافعي يقول به في القديم, وذهب أحمد ومالك إلى تقديم حديث القافة عليه, فقيل لأحمد في حديث زيد هذا؟ فقال: حديث القافة أحب إلي, ولم يقل أبو حنيفة بواحد من الحديثين, لا بالقرعة ولا بالقافة.
إذًا مذهب إسحاق بْنُ راهوية أَنَّه السنة في دعوى الولد بالقرعة, وهو قول الشافعي القديم إذا تنازع فيهِ اثنان أو ثلاثة يُفصل بينهما بالقرعة, وأما الإمام أحمد والإمام مالك فقالوا: بتقديم حديث القافة, قالوا: إذا حصل فيهِ نزاع نأتي بالقافة اللي يعرفون الشبه فإذا ألحقوه بواحدٍ منهما فهو له, ولهذا قَالَ الإمام أحمد: "حديث القافة أحب إليَ" وأما أبو حنيفة فلم يعمل لا بهذا ولا بهذا, لا بالقافة ولا بالقرعة, ماذا يعمل في هَذِه القضية؟ محتمل يقول أَنَّه زنا.
الأمر الثاني: جعله ثلثي الدية على من وقعت له القرعة, وهذا مما أشكل على الناس, ولم يعرف له وجه, وسألت عنه شيخنا؟ فقال : له وجه ولم يزد؛ يَعْنِي الشيخ اِبْن القيم يقول: كيف يعطى ثلثي الدية من وقعت له القرعة, إذا أقرعوا ووقعت لواحد يدفع ثلثي الدية, يقول: هذا أشكل عَلَى الناس حتى إنه أشكل عَلَى اِبْن القيم وسأل شيخ الإسلام اِبْن تيمية فَقَالَ: له وجه, ولا بين له الوجه, ثم تبين بعد ذلك أن المراد يغرم ثلثي القيمة إذا كانت آمة وعبر عن الدية لِأَنَّهَا تقوم مقام القيمة, يعطى ثلث القيمة لِأَنَّهُم ثلاثة فإذا وقعت القرعة عَلَى واحد فإنها تكون له خلاص تحررت الآن, وإذا تحررت له فيعطي شركاءه ثلثي القيمة.
ولكن قد رواه الحميدي في مسنده بلفظ آخر, يدفع الإشكال جملة قال : «وأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه» وهذا لأن الولد لما لحق به صارت أم ولد, وله فيها ثلثها, فغرمه قيمة ثلثيها اللذين أفسدهما على الشريكين بالاستيلاد, فلعل هذا هو المحفوظ؛ لِأَنَّهُ لما ولد خلاص ما تُباع, وأضاع حق الشريكين الآن صارت ام ولد له خاصة, فغُرم ثلثي القيمة وتخلصت له.
فلعل هذا هو المحفوظ وذكر ثلثي دية الولد وهم, أو يكون عبر عن قيمة الجارية بالدية, لأنها هي التي يودى بها, فلا يكون بينهما تناقض؛ والله أعلم.
(المتن)
باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.
2272- حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة بن خالد، حدثني يونس بن يزيد، قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، «أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها، ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه، فيلحق به ولدها، ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات يكن علما لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه، ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم».
(الشرح)
هذا الباب قَالَ المؤلف: (باب وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية) يَعْنِي: أنواع النكاح الذي كَانَ في الجاهلية, والحديث رواه البخاري في الصحيح؛ بأن عائشة رضي الله عنها زكرت أن أنواع النكاح في الجاهليه أربعة «النوع الأول نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل إبنته فيصدقها» يَعْنِي: يدفع لها الصداق, «ثم يتزوجها» هذا النكاح الذي جاء بِهِ الإسلام وأقره.
النوع الثاني نكاح الاستبضاع: «وذلك أن الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من حيضها: استبضعي من فلان » يَعْنِي: اطلبي المباضعة وهي الجماع, لتحمل منه فإذا طهرت من حيضها«اعتزلها، ولا يمسها وتستبضعي من هذا الرجل الذي يرجى منه نجابة الولد حتى يتبين حملها فإذا تبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإن زوجها إذا تبين حملها أصابها إن شاء، ويفعلون ذلك رغبة في نجابة الولد» يَعْنِي: تستبضع من شخص معروف بالشهامة, معروف بالرجولة, معروف بالكرم بزعمهم, معروف بالشجاعة, فيجامعها حتى تحمل منه ولدًا نجيبًا بزعمهم, هذا من عمل أهل الجاهلية وهذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع.
النوع الثالث: «نكاح يجتمع الرهط دون العشرة، تسعة عشرة خمسة سبعة يدخلون على المرأة كلهم يصيبها كلهم يجامعونها، فإذا حملت ووضعت، ومر ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم» أي أنهم كلهم جامعوها قد يكون في وقت واحد أو في أوقات متعددة لِأَنّ أهل الجاهلية هكذا شرك أعظم, «وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه، فيلحق به ولدها» هي تحتار من هؤلاء واحد وتُلحق بِهِ ولدها.
النوع الرابع: «يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا» جمع بغية وهي الزانية, « ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لها القافة» الذي يعرف شبه الولد بالوالد من الآثار الخفية, بعض القبائل مشهورة بمعرفة الشبه مثل بني مدلج, مجزز المدلجي معروف, فإذا أشكل على الناس شيئًا أتو بالقافة يعرفون الشبه «ثم يلحقون الولد بالذي يرون فالتاطه» يَعْنِي: التصق بِهِ, «ودعي ابنه فينسب إليه ولا يمتنع من ذلك».
قالت عائشة رضي الله عنها: «فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم» هدم نكاح الاستبضاع, ونكاح الرهط الذين يدخلون عليها, ونكاح البغايا.
فإن قيل: بالنسبة لنكاح الاستبضاع يُنسب للزوج؟.
نعم يُنسب للزوج, إذا طهرت من الحيض يقول لها: استبضعي من فلان, معروف بالشهامة, بالرجولة, بالشجاعة, بالكرم, رغبةً في نجابة الولد حتى تحمل منه,يعتزلها حتي يتبين حملها فإذا تبين حملها أصابها إن شاء.
(المتن)
باب الولد للفراش.
2273- حدثنا سعيد بن منصور، ومسدد، قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: «اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة، فقال سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابنه، وقال عبد بن زمعة: أخي ابن أمة أبي، ولد على فراش أبي، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهًا بينًا بعتبة، فقال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي عنه يا سودة، زاد مسدد في حديثه، وقال: هو أخوك يا عبد».
(الشرح)
هذا الحديث من أصح الأحاديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم والنسائي, وفيه أن هَذِه القصة وهذا حصلت يوم الفاتح, تروي عائشة أن: «اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة» زمعة والد أم الْمُؤْمِنِينَ سودة رضي الله عنها لها آمة يطؤها, ووطئها عتبة بْنُ أبي وقاص في الجاهلية, توفي عتبة بْنُ أبي وقاص قبل وفاته أوصى أخاه سعد بْنُ أبي وقاص قَالَ: إذا ولدت آمة زمعة ولد فاقبضه فَإِنَّهُ مني, فأردا أن ينفذ هَذِه الوصية سعد بْنُ أبي وقاص, فَلَمّا ولدت آمة زمعة ولدًا جاء سعد يريد أن يأخذه, وجاء ولد زمعة اسمه عبد أراد أن يأخذه فاختصما عبد بْنُ زمعة وسعد بْنُ أبي وقاص إِلَى رسول الله r.
فسعد بن أبي وقاص يقول يارسول الله هذا : « هذا ولد أخي أوصاني إذا ولدت أمة زمعة فاخذه فإنه ابني، وعبد زمعة قال يارسول الله: هذا أخي، ولد على فراش أبي، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى الولد رأى فيه شبهًا بينًا بعتبة» وَلَكِن الحكم الشرعي أَنَّه يكون للفراش فَقَالَ: « الولد للفراش» وهي فراش لزمعة, وفي روايه مسدد قال: هو أخوك ياعبد فأخذه عبد، قال: «وللعاهر الحجر» العاهر عتبة زنا بهى له الحجر والخيبة وليس له ولد ولكنه توفي, ولما رأى الشبه بين بعتبة قَالَ لأم الْمُؤْمِنِينَ سوده: «احتجبي منه يا سودة» من باب الاحتياط, والحكم الشرعي أَنَّه للفراش أَنَّه أخوها, وَلَكِن أمرها بالاحتجاب منه من باب الاحتياط؛ لِأَنَّهُ رأى شبهًا بينًا بعتبة فلم يرها حتى لحقت بالله عز وجل.
فالحديث فيهِ دليل عَلَى أن الولد للفراش إذا كانت زوجة أو آمة توطأ ولو تخلله زنا فَإِنَّهُ يكون للذي يطأ الزوج أو السيد, وأما الزاني فلا يعطى ولد, وَإِنَّمَا له الحجر والخيبة والخسران ويقام عليه الحد إذا اعترف ولا يُعطى ولد, وَإِنَّمَا الولد يكون للفراش.
أبو حنيفة خالف في هذا قَالَ: لا تصير فراشًا إِلَّا إذا ولدت ولدًا واستلحقه, والعاهر هو الزاني, والصواب: أنها تكون فراشك ولو لم تلد تعتبر فراش, عند الشافعي ومالك تصير الآمة فراشًا بالوطء, الصواب: أنها تكون فراشًا إن كانت زوجة بمجرد عقد النكاح, وبعضهم نقل في هذا الإجماع, بَعْضُهُم شرط إمكان الوطء, فَإِن لم يمكن الوطء, عقد عليها لَكِنْ ما يمكن الوطء فهي في المشرق وهو في المغرب وعقد عليها ولم يفارق وطئه لها ثم أتت بولد ستة أشهر أو أكثر فَإِنَّهُ لا يلحقه عند الجمهور؛ لان (.....) إمكانه, في الأول الأسفار بعيدة, رجلٌ مشرقي تزوج مغربية وأتت بولد ستة أشهر وهو ما سافر, هل يُلحق بِهِ؟ الجمهور يقول: لا يُلحق بِهِ؛ لِأَنَّهُ عقد عليها صحيح لكنه ما سافر, وهذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة.
أما أبو حنيفة فَقَالَ: لا يُشترط الإمكان, إذا عقد عليها وأتت بولد ستة أشهر من العقد يُلحق بِهِ ولو ما سافر, لم يذكر هنا لَكِنْ ذكر بعض العلماء أَنَّه قَالَ: لجواز أن يكون من أهل الخطوة, حفاظًا عَلَى نسب الولد؛ هذا في زمنهم لَكِنْ في زمننا الآن المواصلات سهلة يتزوج مشرقية مغربية ويروح يوم في الطائرة ويعود هذا ممكن, لَكِنْ في ذلك الوقت ما يمكن, صعب السفر من المشرق إِلَى المغرب, يمكن تنتهي الستة أشهر وما وصل, قد يكون بينهم بحار وأنهار قد لا يستطيع لَكِنْ الآن اختلف الْأَمْرِ.
المقصود: أن الجمهور يرون أَنَّه لا يُلحق بِهِ إِلَّا إذا أمكن اتصالها إذا أمكن وسافر هذا يلحق به, اما إذا لم يمكن فلا يُلحق بِهِ, وأما أبو حنيفة فَإِنَّهُ لا يشترط قَالَ: إذا عقد عليها للمحافظة عَلَى نسب الولد فَإِنَّهُ يُلحق بِهِ.
(المتن)
2274- حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «قام رجل فقال: يا رسول الله، إن فلانًا ابني عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا دِعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الحجر».
(الشرح)
«قول: إن فلانًا ابني عاهرت» يَعْنِي: زنيت, «بأمه في الجاهلية» يَعْنِي: يريد أن يأخذه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا دِعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الحجر» هذا يؤيد الحديث السابق, العاهر الزاني له الخيبة ما يُعطى ولد, «لا دِعوة في الجاهلية» يَعْنِي: لا دعوى نسب, الدعوى بالكسر في النسب وهو أن ينتسب الإنسان إِلَى غير أبيه وعشيرته, قد كَانُوا يفعلونه فنُهي عنه وجُعل الولد للفراش, ما في دعوى في الإسلام, كونه يدعي أَنَّه ابنه من الزنا لا دعوة في الإسلام.
وهذا الحديث من رواية: (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الاحتجاج بحديث عمرو بْنُ شعيب فيهِ كلام, فإذا لم يخالف الأحاديث فَإِنَّهُ يُحتج بِهِ, وهنا موافق للأحاديث السابقة.
(المتن)
2275- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، مولى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، عن رباح قال: «زوجني أهلي أمة لهم رومية، فوقعت عليها، فولدت غلامًا أسود مثلي فسميته عبد الله، ثم وقعت عليها فولدت غلامًا أسود مثلي، فسميته عبيد الله، ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له: يوحنه فراطنها بلسانه، فولدت غلاما كأنه وزغة من الوزغات، فقلت لها: ما هذا؟ فقالت: هذا ليوحنه، فرفعنا إلى عثمان أحسبه».
قال مهدي؛ قال: «فسألهما فاعترفا، فقال لهما: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش وأحسبه قال: فجلدها وجلده وكانا مملوكين».
(الشرح)
هَذِه القصة أيضًا موافقة للحديث الصحيح, والعمدة عَلَى الحديث الصحيح أن: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» في قصة سعد بْنُ أبي وقاص وعبد بْنُ زمعة, هذا هو العمدة وهو الأصل, وعمرو بْنُ شعيب في كلام في الاحتجاج بِهِ لكنه موافق له, وَكَذَلِكَ الحديث الثاني في هَذِه القصة فيهِ: أن رباح: «زوج أمة رومية، ، فولدت له غلامًا أسود ثم ولدت له غلامًا أسود سمى الأول عبد الله والثاني عبيد الله، ثم طبن لها غلام لأهله » يَعْنِي: أفسدها عليه من الطبانة, وراودها عن نفسها وتكلم معها حتى وقع عليها بفاحشة.
«ثم ولدت الغلام الثالث فسألها زوجها قال: لمن هذا؟ فقالت: ليوحنه هذا،الذي أفسدها عليه، فرفع أمرهما إلى عثمان, فسألهما فاعترفا» اعترفت الرومية هَذِه ويوحنه أَنَّه الفاحشة, فقال لهما: «أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش» فالولد للفراش يكون لرباح وهذا ولده الثالث,ثم قال: «وأحسبه: فجلدها وجلده » جلد الرومية وجلد يوحنه هذا لفعلهما الفاحشة وليس هناك رجم لِأَنّ الآمة لا تُرجم, الرجم هذا للحرة, وجعل الولد الثالث لرباح.
وهذا موافق للحديث الصحيح بظاهره وإن كَانَ الحديث فيهِ كلام, قوله: «كأنه وزغة» من الوزغة المعروفة, والحديث فيهِ دليل عَلَى أن الولد للفراش وأن العاهر لا يُعطى ولد, والحديث موافق للحديث الصحيح والعمدة عَلَى الحديث الأول.
قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: وقد أشكل هذا الحديث عَلَى كثير من الناس, يَعْنِي: حديث مسابقة عبد زمعة وسعد بْنُ أبي وقاص كل منهما يريد الولد, والنبي قَالَ: «الولد للفراش» وأمر سودة بالاحتجاب, قالوا: فيهِ إشكال كيف تؤمر بالاحتجاب وهو أخوها؟! هذا من باب الاحتياط, في رواية قَالَ لها: «وهو أخوكي» لَكِنْ لا تثبت.
قَالَ الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: وقد أشكل هذا الحديث عَلَى كثير من الناس من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سودة بالاحتجاب منه, وقد ألحقه بزمعة فهو أخوها, ولهذا قَالَ: «الولد للفراش» , قالوا : فكيف يكون أخاها في الحكم وتؤمر بالاحتجاب منه؟ فقال بعضهم: هذا على سبيل الورع لأجل الشبه الذي رآه بعينه وقال بعضهم: إنما جعله عبدًا لزمعة, قال: والرواية «هو لك عبد» فإنما جعله عبدًا لعبد بن زمعة لكونه رأى شبهه بعتبة, فيكون منه غير لاحق بواحد منهما فيكون عبدا لعبد ابن زمعة, إذ هو ولد زنا من جارية زمعة وهذا تصحيف منه وغلط في رواية والمعنى, فإن الرواية الصحيحة «هو لك يا عبد بن زمعة».
ولو صحت رواية «هو لك عبد» فإنما هي على إسقاط حرف النداء , كقوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}[يوسف/29],تقديره هو لك ياعبد إذا صحت الرواية ، ولا يتصور أن يجعله عبدًا له وقد أخبره أنه ولد على فراش أبيه, ويحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الولد للفراش, وهذه الزيادة التي ذكرها أبو داود وهي قوله: «وأخوك يا عبد» ترفع الإشكال ورجال إسنادها ثقات, ولو لم تأت فالحديث إنما يدل على إلحاقه بعبد أخًا له.
وأما أمره سودة وهي أخته بالاحتجاب منه فهذا يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش, فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة.
وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره ومن نبأ فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية؟ يَعْنِي: تبعضت الأحكام, فالولد من الرضاع ابنه في التحريم يَعْنِي تكشف له أمه من الرضاع ويسافر بها وتكون أبنائها أخوة له, لَكِنْ في الميراث ما يرث, والنفقة ما ينفق, والولاية ما يكون ولي, تبعضت الأحكام, فهو ابنٌ لها في المحرمية وليس ابنٌ لها في الميراث ولا ابنٌ لها في النفقة, ولا ابنٌ لها في الولاية, فكذلك هنا سودة الآن أخوها في الميراث وليس أخاها في المحرمية.
وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية؛ كذلك بنت الزاني, زنا بامرأة وأتت ببنت, هل يجوز أن يتزوجها؟ لا يجوز أن يتزوجها لِأَنَّهَا بنته, ولكنها ليست بنته في الميراث وليست بنته في النفقة ولا في المحرمية, لَكِنْ لا يجوز أن يتزوجها لِأَنَّهَا مخلوقة من مائه فتتبعض الأحكام, إِلَّا عند الشافعي خالف في هذا.
وبالجملة: فهذا من أسرار الفقه, ومراعاة الأوصاف التي تترتب ليها الأحكام, وترتيب مقتضى, كل وصف عليه, ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها, ونظير هذا: ما لو أقام شاهدًا واحدًا وحلف معه على سارق أنه سرق متاعه ثبت حكم السرقة في ضمان المال على الصحيحة ولم يثبت حكمها في وجوب القطع اتفاقًا فهذا سارق من وجه دون وجه ونظائره كثيرة.
يَعْنِي: لو سرق من إنسان شئ شخص قَالَ أن فلان سرق متاعي عندي شاهد واحد, فهذا يثبت له يضمن المال, عنده شاهد ثم يحلف فيُسلم ألف ريال لَكِنْ ما تُقطع يد السارق لَكِنْ يضمن المال, فتبعضت الأحكام, فيُحكم بأنه ماله ولا يُحكم بأنه سارق فتقطع يده؛ لِأَنَّهُ لابد من شهيدين وما يكفي كونه يحلف, لَكِنْ في رد المال يكفي, فتبعضت الأحكام.
فإن قيل: فكيف تصنعون في الرواية التي جاءت في هذا الحديث «واحتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ» قيل: هذه الزيادة لا نعلم ثبوتها ولا صحتها ولا يعارض بها ما قد عُلمت صحته, ولو صحت لكان وجهها ما ذكرناه؛ لو صحت: فَإِنَّهُ ليس لكِ بأخ في المحرمية والنظر, لا في الميراث والنسب.
ولو صحت لكان وجهها ما ذكرناه أنه ليس لها بأخ في الخلوة والنظر وتكون مفسرة لقوله: «واحتجبي منه» والله أعلم.
وهذا الولد الذي وقع فيه الاختصام هو عبد الرحمن بن زمعة مذكور في كتاب الصحابة, وهو حجة على من يقول: إن الأمة لا تكون فراشًا ويحمل قوله : «الولد للفراش» على الحرة, بعض العلماء يقول: الآمة لا تكون فراش, وأما قول النَّبِيِّ r: «الولد للفراش» يقول: هذا خاص بالحرة, وهذا ليس بجيد.
فإن سبب الحديث في الأمة فلا يتطرق إليه تخصيص لأن محل السبب فيه كالنص وما عداه في حكم الظاهر ؛ والله أعلم.
يَعْنِي: من يقول: إن الآمة لا تكون فراشًا الحديث رد عليه, فَإِن هذا الحديث نص في الآمة فجعلها النَّبِيِّ r فراشًا فَقَالَ: «الولد للفراش» دل عَلَى أن الآمة والحرة سواء في هذا, تخصيص الحرة ليس بظاهر؛ لِأَنّ القصة سببها كالنص, القصة في آمة.