بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه:
باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس
2291 - حدثنا نصر بن علي، أخبرني أبو أحمد، حدثنا عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود، فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: «ما كنا لندع كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري أحفظت ذلك أم لا».
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي مختصرًا, وَهَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان من خالف فاطمة بنت قيس, والصواب مَعَ فاطمة بنت قيس؛ لِأَنَّ السنة معها, السنة مقدمة عَلَى من خالفها.
وَهَذَا الحديث فِيهِ أن عمر رضي الله عنه اجتهد وَقَالَ: «ما كنا لندع كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري أحفظت ذلك أم لا».
ومقصود كتاب ربنا قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق/1], وأن المطلقة لها السكنى, وَأَمَّا قوله: «وَسُنَّة نَبِيّنَا», فهذه اللفظة قَالَ العلماء: لا تصح وإن كَانت (.....) عَنْ عمر.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ: وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ ذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ.
وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ, قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا -لانه واضح وَالْأَمْرِ متعلق بفاطمة- وَأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ المروية عن عمر انه قال يكون لها السكنى والنفقة هذه الرواية مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ, يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ ما ثبت (.....) لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ ذَلِكَ أَمْ لا.
قَالَ الدارقطني: اذا قُلْتَ: إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ عُمَرَ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى رِوَايَةِ فَاطِمَةَ, قُلْتُ: هَذَا مَطْعَنٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ, لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً.
فَكَمْ مِنْ سُنَّةٍ قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بَالْقَبُولِ عَنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, وَهَذَا لَا يُنْكِرهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ –هَذَا كلام جيد, عائشة رضي الله عنها كما تروي من الأحاديث وغيرها من الصحابيات- وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْخَبَرَ بِمُجَرَّدِ تَجْوِيزِ نِسْيَانِ نَاقِلِهِ -يَقُولُ: لا ندري لقول امرأة نسيت أم حفظت -وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْدَحُ بِهِ لَمْ يَبْقَ حَدِيثٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا وَكَانَ مَقْدُوحًا فِيهِ لِأَنَّ تَجْوِيزَ النِّسْيَانِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ –لو فتح هَذَا الباب ضاعت السنة- فَيَكُونُ ذَلِكَ مُفْضِيًا إِلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ بِأَسْرِهَا مَعَ كَوْنِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ بَالْحِفْظِ كما قال الدارقطني, كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهَا الطَّوِيلُ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَوَعَتْهُ جَمِيعَهُ –يَدُلَّ عَلَى أَنَّهَا حافظة- فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا أَنْ تَحْفَظَ مِثْلَ هَذَا وَتَنْسَى أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِهَا مُقْتَرِنًا بِفِرَاقِ زَوْجِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهِ؟
هَذَا كلام جيد.
وابن القيم رحمه الله ذكر هَذَا, نقل كلام الدارقطني وَقَالَ: إِنَّهُ لا يصح عَنْ عمر قوله: (من سنة نَبِيّنَا), ونقل هَذَا عَنْ الإمام أحمد, والعلماء لهم في هَذِهِ المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى, وَهَذَا هُوَ الصواب الَّذِي دل عَلَيْهِ الحديث الصحيح.
الثاني: أن لها السكنى والنفقة وَهَذَا قول لأهل الكوفة.
الثالث: أن لها سكنى دون النفقة وَهَذَا مروي عَنْ عمر وجماعة.
والصواب القول الأول من هَذِهِ الأقوال.
(المتن)
2292 - حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب - يعني حديث فاطمة بنت قيس - وقالت: «إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه ابن ماجة والبخاري تعليقًا, وَفِيهِ أن عائشة رضي الله عنها تأولت, عائشة ترى أن لها السكنى يَعْنِي المبتوتة, وتأولت قول فاطمة (لقد عابت ذَلِكَ), يَعْنِي قول فاطمة, في أَنَّهُ لا نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن, عابت أشد العيب, يَعْنِي حديث فاطمة, وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش, فخيف عَلَى ناحيتها, ولذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج من البيت؛ لِأَنَّهُ مكان مستوحش وَهَذَا تأويل من عائشة رضي الله عنها, السنة الَّتِي دل عليها حديث فاطمة بنت قيس مقدم عَلَى قول عائشة واجتهاد عائشة.
القاعدة أن السنة حاكمة عَلَى قول كُلّ أحد من الصَّحَابَة وغيرهم, هَذَا اجتهاد من عائشة, عائشة لها اجتهادات رضي الله عنها مثل مرور المرأة لا يقطع الصلاة.
قالت: شبهتمونا بالكلام والحمير, كنت (.....) تأولت قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عَلَيْهِ», قالت: وهم (.....) «إن اليهود يعذبون في قبورهم», لها أوهام رضي الله عنها وإن كانت أفقه امرأة, أفقه امرأة هِيَ عائشة رضي الله عنها.
وَمَعَ ذَلِكَ ليست معصومة قَدْ تجتهد وتصيب وتخطئ, من ذَلِكَ هَذِهِ المسألة, اجتهدت فقالت: إن المبتوتة لها النفقة ولها السكنى وَأَمَّا فاطمة بنت قيس السبب في إخراجها من بيتها أَنَّهَا كانت في مكان موحش, فلذلك رخص لها النبي في الخروج من بيتها, هَذَا اجتهاد منها, وَالسُّنَّة الَّذِي دلت عليها فاطمة يقدم عَلَى اجتهاد عائشة رضي الله عنها.
(المتن)
2293 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، أنه قيل لعائشة: ألم تري إلى قول فاطمة؟ قالت: أما إنه لا خير لها في ذَلِكَ.
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري ومسلم اجتهاد من عائشة رضي الله عنها .
(المتن)
2294 - حدثنا هارون بن زيد، حدثنا أبي، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، في خروج فاطمة، قال: إنما كان ذلك من سوء الخلق.
(الشرح)
سليمان بن يسار قَالَ: إِنَّمَا كَانَ انتقال فاطمة من مسكن الزوج من سوء الخلق, هَذَا مرسل ولا حجة فِيهِ والحجة في حديث فاطمة المسند, والحديث مقدم عَلَى قول سليمان بن يسار.
(المتن)
2295 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، أنه سمعهما يذكران، أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة، فقالت له: «اتق الله، واردد المرأة إلى بيتها»، فقال مروان - في حديث سليمان -: إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان - في حديث القاسم -: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة: «لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة»، فقال مروان: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر.
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم بمعناه مختصر, هَذِهِ القصة فِيهَا ان القاسم بن محمد وسليمان بن يسار يرويان عَنْ يحيى بن سعيد بن العاص, وكانت تحته بنت عبد الرحمن بن الحكم, فطلقها البتة ثلاثًا وأخرجها من البيت, انتقلها عبد الرحمن يَعْنِي طلعها من البيت, نقلها من مسكنها الَّذِي طلقت فِيهِ.
فبلغ ذَلِكَ عائشة فأنكرت هَذَا «فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة»، من قبل معاوية «فقالت له: اتق الله، واردد المرأة إلى بيتها»، هِيَ ترى لها السكنى «فقال مروان - في حديث سليمان -: إن عبد الرحمن غلبني»، ما أطاع يريد أن يطلعها, القاسم يَقُولُ: إن عبد الرحمن غلبني في حديث سليمان, ومروان يَقُولُ: «أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟», كأن مروان رجع, ما بلغه حديث فاطمة بنت قيس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يجعل لها نفقة ولا سكنى «فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر».
يَعْنِي يَقُولُ مروان: إن كَانَ عندك يَعْنِي سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر, فهذا السبب موجود في زوجة بنت عبد الرحمن في زوجة يحيى بن سعيد, إن كَانَ السبب أخرجها معاوية من الشر هَذَا نفس الشيء.
هَذَا السبب موجود ولذلك قَالَ: فحسبك أي يكفيك ما كَانَ بين هَذَيْنِ أيْ عمرة وزجها يحيى, وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ مَرْوَانَ إِلَى الرُّجُوعِ عَنْ رَدِّ خَبَرِ فَاطِمَةَ, سبق أَنَّهُ رد فاطمة هنا كأنه رجع, فَقَدْ أَنْكَرَ, الأول أنكر الخروج مطلقًا, ثُمَّ رجع إِلَى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز الخروج من منزل الطلاق.
وَالسُّنَّة الَّتِي دل عليها فاطمة بنت قيس يَعْنِي المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى مقدم عَلَى قول عائشة واجتهادها, هَذَا اجتهاد من عائشة رضي الله عنها .
الطالب: (.....).
(المتن)
2296 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا جعفر بن برقان، حدثنا ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب فقلت فاطمة بنت قيس: طلقت فخرجت من بيتها، فقال سعيد: «تلك امرأة فتنت الناس، إنها كانت لسنة، فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى».
(الشرح)
قوله: «تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ النَّاسَ» أَيْ بِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ النَّاسُ فِي الْخَطَأِ, «كَانَتْ لَسِنَةً», أَيْ كَانَتْ تَأْخُذُ النَّاسَ وَتَجْرَحُهُمْ بِلِسَانِهَا, فلهذا أخرجت «فَوُضِعَتْ», أَيْ أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ زوجها وجعلت كالوديعة عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ.
هَذَا كلام سعيد بن المسيب لا يعول عَلَيْهِ وإن كَانَ من التابعين الأجلاء, لكن كونه يتأول هَذَا أَنَّهَا أخرجت بسبب لسانها هَذَا ليس السبب, الحديث واضح في أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى, وَهَذَا مقدم عَلَى قول سعيد, ورأيه لو صح (.....).
(المتن)
باب في المبتوتة تخرج بالنهار
2297 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر قال: طلقت خالتي ثلاثًا، فخرجت تجد نخلاً لها، فلقيها رجل، فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال لها: «اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وَفِيهِ أن خالة جابر طلقت ثلاثًا, فلها نخل فخرجت تجد نخلها, يَعْنِي تقطع ثمر النخل, وَكَانَ النخل قريب, سكة المدينة كلها قريبة يَعْنِي بجوارهم, تجد في النهار وترجع في الليل,.
ووجه استدلال المؤلف كما أشار أبو داود عَنْ هَذَا الحديث: أَنَّ الْمُعْتَدَّةِ فِي الطَّلَاقِ لها أَنْ تَخْرُجَ بَالنَّهَارِ هُوَ أَنَّ جِدَادَ النَّخْلِ فِي الغَالِبِ لَا يَكُونُ إِلَّا نَهَارًا, وَقَدْ نُهِيَ عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ.
والله تعالى عاقب أصحاب البستان الَّذِينَ جدوا بالليل ومنعوا المساكين, {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}[القلم/17-20]. أهلكها الله, عِنْد ذَلِكَ عرفوا قَالُوا: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[القلم/29].
منهي عَنْ الجداد بالليل لِأَنَّ هَذَا فِيهِ منع للمساكين, الجداد بالنهار؛ حَتَّى يتصدق عَلَى المساكين ويأتي المساكين بالنهار.
وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ دُورِهِمْ, بستان أبي طلحة كَانَ قريب من المسجد النبوي وَالنَّبِيّ يتوضأ منه ويشرب ماء فيها طيب, المدينة كلها صغيرة ما كَانَ في شوارع مثل الآن, شوارع واسعة, (.....) نفس التوسعة للمسجد النبوي الآن هُوَ المدينة كلها ما تتجاوزه.
كانت فِيهَا قبائل عظيمة, كانت البيوت متقاربة ما كانت البيوت فلل وبيوت ملوك, بيوت ملوك الموجودة في بيوتنا الآن, كَانَ البيت صغير حجر, وَكَانَ يتكلم الجار مَعَ جاره, تجد البيت الآن عندنا يكفي عشرة بيوت, والشوارع صغيرة يمر بها الإنسان, إِلَى عهد قريب كَانَ أكبر شارع يمر به البعير عَلَيْهِ حمل الحطب هَذَا أكبر شارع, وليس كُلّ شارع يكون مثل الآن, ما في شوارع تمشي السيارات وكذا, والآن توسع النَّاس.
وَكَانَ النَّاس مَعَ آبائهم كلهم مجتمعون مع العائلة, الآن صار كُلّ واحد مَعَ سيارته ترك أهله ووالديه كلٌ مستقل الآن؛ بسبب التوسع الآن وانفتاح الدنيا عَلَى النَّاس.
فكانت نخلها قريب, تجد نخلها وترجع, فَتخرج بكرة للجداد ويمكنها أن تسمي فِي بَيْتِهَا, وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ, وَهِيَ المبتوتة, فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا إِلَّا بإذن زوجها؛ لأنها زوجة.
وَذَهَبَ الإمام أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ الْمَبْتُوتَةُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا كَالرَّجْعِيَّةِ, فهذا معارض للحديث.
وقال الشافعي: تَخْرُجُ نَهَارًا وَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا, هَذَا هُوَ الَّذِي دل عَلَيْهِ الحديث.
وَالنَّبِيّ علل لها, فقال: «اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا», هَذَا فِيهِ مصلحة وَفِيهِ خير.
وَفِيهِ أن حفظ المال واقتنائه لفعل المعروف مرخص فِيهِ, وَعَلَى كُلّ حال حديث فاطمة الآن واضح فِيهِ أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى.
شوف أول كلام ابن القيم ذكر الخلاف, قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَسَائِل: سَمِعْت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة, فَلَمْ يُصَحَّح هَذَا عَنْ عُمَر, الإمام أحمد يقول لَمْ يصح عَنْ عمر قول كتاب ربنا وَسُنَّة بنينا, نعم قَالَ: كتاب ربنا, وَأَمَّا سنة نَبِيّنَا ما في سنة تخالف, ما ثبت عَنْ عمر هَذَا.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْكَلَام لَا يَثْبُت عَنْ عُمَر يَعْنِي قَوْله سُنَّة نَبِيّنَا ثُمَّ ذَكَر أَحَادِيث الْبَاب, ثُمَّ قَالَ بَعْد اِنْتِهَاء آخِر الْبَاب اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمَبْتُوتَة هَلْ لَهَا نَفَقَة أَوْ سُكْنَى عَلَى ثَلَاثَة مَذَاهِب وَعَلَى ثَلَاثة رِوَايَات عَنْ أَحْمَد:
أَحَدهَا: أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه, وَهَذَا قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة وَمَيْمُون بْن مِهْرَانَ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وداود بْن عَلِيّ, وَأَكْثَر فُقَهَاء الْحَدِيث, وَهُوَ مَذْهَب صَاحِبَة الْقِصَّة فَاطِمَة بِنْت قَيْس وَكَانَتْ تُنَاظِر عَلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ الصواب.
وَالثَّانِي: وَيُرْوَى عَنْ عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة, وَهُوَ قول أكثر أهل العراق وقول بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن أَبِي صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَعُثْمَان الْبَتِّيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ.
وَحَكَاهُ أَبُو يَعْلَى الْقَاضِي فِي مُفْرَدَاته رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَهِيَ غَرِيبَة جِدًّا.
وَالثَّالِث: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُون النَّفَقَة وَهَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة, وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْخَبَر مَنْ قال بِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنَى –الصواب أَنَّهُ لا نفقة لها ولا سكنى كما دل عَلَيْهِ الحديث- وَلَيْسَ مَعَ رَدّه حُجَّة تُقَاوِمهُ وَلَا تُقَارِبهُ.
قال ابن عَبْد الْبَرّ: أَمَّا مِنْ طَرِيق الْحُجَّة وَمَا يَلْزَم مِنْهَا؛ فَقَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمَنْ تَابَعَهُ أَصِحّ وَأَرْجَح؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا صَرِيحًا, فَأَيّ شَيْء يُعَارِض هَذَا إِلَّا مِثْله عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّن عَنْ اللَّه مُرَاده؟ وَلَا شَيْء يَدْفَع ذَلِكَ وَمَعْلُوم أَنَّهُ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ قَوْل اللَّه تَعَالَى {أُسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}[الطلاق/6]؛ يَعْنِي الرَّسُوْل يعلم تأويل الآية.
وَأَمَّا قَوْل عُمَر وَمَنْ وَافَقَهُ فقد خالفه علي وابن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُمَا, وَالْحُجَّة مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُمْ أَحَد مِنْهُمْ لَمَا قُبِلَ قَوْل الْمُخَالِف لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَإِنَّ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّة عَلَى عُمَر وَعَلَى غَيْره.
وَلَمْ يَصِحّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَإِنَّ أَحْمَد أَنْكَرَهُ. وَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَا, وَلَكِنْ قَالَ لَا نَقْبَل فِي دِينِنَا قَوْل اِمْرَأَة, وَهَذَا أَمْر يَرُدّهُ الْإِجْمَاع عَلَى قَبُول قول الْمَرْأَة فِي الرِّوَايَة, فَأَيّ حُجَّة فِي شَيْء يُخَالِفهُ الْإِجْمَاع, وَتَرُدّهُ السُّنَّة, وَيُخَالِفهُ فِيهِ عُلَمَاء الصَّحَابَة, يكفي هَذَا ابن القيم أطال في هَذَا صفحات كثير.
(المتن)
باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث
2298 - حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثني علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240]، «فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرًا».
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وَفِيهِ أن المتوفى عنها زوجها ليس لها متاع, قَالَ تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة/241].
كُلّ مطلقة لها متاع يمتعها الزوج عَلَى حسب يسره وعسره, قَالَ بضعهم: أقله كسوة وأعلاه خادم, لكن المتوفى عنها ليس لها متعة يكفيها, نسخ المتعة الَّتِي تعطاها بما فرضه الله تعالى من الميراث, يكفيها ما فرضها الله لها من الميراث, والله تعالى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240]، آيتان الآن أحداهما نسخت الأخرى.
هَذِهِ الآية وإن كانت متأخرة في المصحف إِلَّا أَنَّهَا منسوخة بالآية الَّتِي قبلها, قَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}؛ أيْ يتركون {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ}, بَالنَّصْبِ أَيْ فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}, يَعْنِي فتعوض متاعًا وَهُوَ نفقة سنة لطعامها وكسوتها وسكناها, وما تحتاج إليه {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240]؛ حال يَعْنِي غير مخرجات من مسكنهم, هَذَا معنى الآية.
{وَيَذَرُونَ}؛ أَيْ يَتْرُكُونَ, في أول الْأَمْرِ كانت المرأة تجلس سنة إِذَا مات عنها زوجها, تعتد سنة, وتمتع تعطى نفقة سنة, نسخ الله تعالى ذَلِكَ في الآية الَّتِي قبلها: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة/234].
فنسخ تربص المرأة بسنة بتربص المرأة بأربعة أشهر وعشرة أيام, وبقية السنة تخرج, وَكَذَلِكَ الطعام والمتاع الَّتِي يُعطاها.
وَهَذَا الحديث في سنده علي بن الحسين بن واقد وَفِيهِ مقال, فهذا الحديث فِيهِ بيان أن المتاع الَّذِي يكون المتوفى عنها زوجها أَنَّهَا تمتع وتعطى نفقة سنة نسخ, نسخ تربص سنة بالتربص أربعة أشهر, ونسخ المتاع الَّذِي يعطى لها بالميراث, فَلَيْسَ لها متاع وَإِنَّمَا تعطى من الميراث.
(المتن)
باب إحداد المتوفى عنها زوجها
2299 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب: دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا».
2299 - قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا».
2299 - قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا»، مرتين أو ثلاثًا كل ذلك، يقول: «لا»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول»، قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: «كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا ولا شيئًا، حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم بعد ما شاءت من طيب أو غيره»، قال أبو داود: " الحفش: بيت صغير ".
(الشرح)
هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله في حداد المرأة الَّتِي توفى عنها زوجها, والإحداد والحداد مشتق من الحد وَهُوَ المنع؛ لأنها تمنع الزينة والطيب, يُقَالُ: أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ تُحِدُّ إِحْدَادًا, وَحَدَّتْ تَحُدُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَحِدُّ بِكَسْرِهَا.
وشرعًا ترك الطيب والزينة, وَهَذَا الحديث حديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة, وَفِيهِ من الوفائد أن المتوفى عنها زوجها تحد عَلَى زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لِأَنَّ المتوفى عنها زوجها تحد عَلَى زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام, وَأَمَّا غير الزوج فلا يجوز الإحداد عَلَيْهِ أكثر من ثلاثة أيام, إِذَا توفي أبوها أو أخوها أو ابن أخيها لها أن تحد يوم ويومين وثلاثة, ولا تزيد عَنْ ثلاثة أيام, أَمَّا الزوج فتحد أربعة أشهر وعشرة أيام.
حميد بن نافع يروي عَنْ زينب بنت أبي سلمة أَنَّهَا أخبرته في هَذَا الحديث ثلاثة:
الحديث الأول: «عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ» وهي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ, حين توفى أبوها أبو سفيان «فَدَعَتْ بِطِيبٍ فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا».
يَعْنِي تقول: أنا ما لي حاجة بالطيب لكن أريد أن أبين أني لست بحادة عَلَى والدي, مضت المدة خلاص تطيبت, تريد ترك الإحداد وَأَنَّهَا ليست بحادة, قالت: لأني سمعت الرَّسُوْل يَقُولُ: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا».
تقول: مات أبو سفيان فتطيبت حَتَّى يعلم النَّاس أَنَّهَا ليست بحادة عَلَى أبيها أكثر من ثلاثة أيام, هَذَا الحديث الأول.
والحديث الثاني: قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا».
يَعْنِي أم الْمُؤْمِنِينَ زينب لما توفي أخوها تطيبت حَتَّى تزيل الإحداد, يَعْنِي أَنَّهَا ليست بحادة.
والحديث الثالث: قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا»، مرتين أو ثلاثًا كل ذلك، يقول: «لا».
الحديث فِيهِ دليل عَلَى تحريم الاكتحال عَلَى الحادة, سواء احتاجت إليه أم لا, لا يجوز لها أن تكتحل؛ لِأَنَّهُ من الزينة, وَإِذَا اضطرت إليه للعلاج فإِنه تعجله بالليل وتغسله بالنهار, كما جاء في الحديث: «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار», إِذَا اضطرت للعلاج؛ لِأَنَّهُ من الجمال.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعة أشهر وعشر»، يَعْنِي مدة ليست طويلة «وقد كانت إحداكن في الجاهلية», تجلس سنة كاملة وتجلس عَلَى أيْ حالة ثم «ترمي بالبعرة على رأس الحول».
«قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟» حميد بن نافع يروي عَنْ زينب, يَعْنِي المحدثين لهم شيخات يروي عنها, «فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا»، والحفش فسره أبو داود بأنه البيت الصغير, الغرفة الصغيرة المستقلة.
«ولبست شر ثيابها»، ما تلبس ثياب جميلة «ولم تمس طيبًا ولا شيئًا، حتى تمر بها سنة»، منعزلة في هَذِهِ الغرفة, سنة كاملة, ما تمس طيب ولا تمس ماء, إيش تكون حالتها؟ سنة كاملة اثنا عشر شهر, ما تمس الطيب ولا الماء إيش تكون حالتها؟ يَعْنِي حالة مزرية شديدة, يَعْنِي كيف تعيش هَذِهِ المدة عَلَى هَذِهِ الحالة السيئة, ثياب وسخة ولا تمس الطيب ولا تمس الماء حَتَّى يمر عليها سنة وَهِيَ بهذه الحالة.
«ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به»، والافتضاض معناه تمسح به قبلها أيْ فرجها.
«فقلما تفتض بشيء إلا مات»، يَعْنِي من شدة نتن رائحة فرجها؛ لِأَنَّ في هَذِهِ المدة سنة كاملة لا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا, ثُمَّ تخرج بَعْدَ الحول بأقبح منظر, فتكسر ما هِيَ فِيهِ من العدة بطائر, أو دابة, تمسح به قبلها ثُمَّ تنبذه فلا يكاد يعيش بَعْدَ ذَلِكَ من شدة الرائحة, وَهَذِهِ من الآصار والأغلال الَّتِي وضعها أهل الجاهلية عَلَى أنفسهم, فأزالها الإسلام وأبطلها والحمد لله.
والخلاصة أن الحادة تراعي خمسة أمور:
الأول: لزوم البيت, المكث فِيهِ حَتَّى يبلغ الكتاب أجله كما سيأتي.
الثاني: اجتناب الطيب بأنواع.
الثالث: اجتناب الحلي في يديها وفي عنقها وفي أذنيها.
الرابع: اجتناب الثياب الجميلة والزينة, لكن لها أن تغسل ثيابها.
الخامس: اجتناب الخضاب والكحل وغيرها مِمَّا تتزين به المرأة كتحمير الشفتين وغيرها.
وما عدى ذَلِكَ لها أن تغسل ثيابها تعجن تطبخ تخرج إِلَى السطح, تتكلم في الهاتف تخرج إِلَى الحديقة, بَعْضُهُمْ يشدد أَنَّهَا ما تخرج إِلَى السطح ولا إِلَى الحديقة ولا يراها أحد ولا تكلم أحد كُلّ هَذَا لا أصل له, تطبخ وتعجن وتتكلم وتغسل ثيابها إِنَّمَا تراعى هَذِهِ الأمور الخمسة, لزوم البيت، اجتناب الطيب بأنواع, اجتناب الحلي, اجتناب الثياب الجميلة والزينة, اجتناب أدوات التحسين كالخضاب في يديها والكحل في عينيها والحمرة في شفتيها وما أشبه ذَلِكَ.
وسيأتي أَنَّهَا لا تخرج إِلَّا لحاجة لَابُدَّ أن تكون ضرورة, يَعْنِي تخرج مثلاً إِذَا احتاجت العلاج, أو احتاج أن تخرج إِلَى المحكمة؛ لأنها طلبت في المحكمة وما أشبه ذَلِكَ, ولو احتاجت اضطرت إِلَى أن تَأْتِيَ بطعام من الشارع الخبر نهارًا لا ليلاً وما أشبه ذلكِ, الحاجة الَّتِي لَابُدَّ منها, أَمَّا الخروج للجيران أو للكشتات أو للحدائق والاستراحات لا؛ حَتَّى السفر إِلَى الحج ما تسافر.
والعمل الأولى أن تأخذ إجازة فَهُوَ أولى, وَإِذَا احتاجت مثل الحاجة إِذَا اضطرت إِلَى هَذَا أَنَّهُ لَابُدَّ منه فلا بأس, يَعْنِي مصدر زرقها, لكن لو أخذت إجازة فيكون طيب.
وَهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي تفعله أهل الجاهلية والرمي بالعبرة يكون ذَلِكَ إحلال لها, إِذَا رمت بالبعرة راجعت ما شاءت من طيب أو غيره.
(المتن)
باب في المتوفى عنها تنتقل
2300 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها، أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أرجع إلى أهلي، فإني لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة؟ قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة، أو في المسجد، دعاني، أو أمر بي، فدعيت له، فقال: «كيف قلت؟»، فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به.
(الشرح)
وَهَذَا الباب عقده المؤلف للمتوفى عنها هَلْ تنتقل من بيتها أو لا تنتقل؟ ذكر حديث فريعة أخرجه الترمذي وابن ماجة قَالَ الترمذي: حسن صحيح, هَذِهِ الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري.
وَهَذِهِ أحد الأمور الخمسة الَّتِي يَجِبُ أن تراعيها, قَالَ: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، لزوم البيت, وَذَلِكَ أن زوجها له أعبد عدة عبيد هربوا, هُوَ خرج يطلبهم حَتَّى إِذَا كَانَ في مكان يسمى القدوم, يقال: إِنَّهُ موضع عَلَى ستة أميال من المدينة أدركهم فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وقتلوه وهربوا.
العبيد شياطين, يَعْنِي قتلوا سيدهم هربوا راح يطلبهم هم هاربون فَلَمَّا أدركهم هم عدد وَهُوَ واحد قتلوه وهربوا, ففريعة سألت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: هَلْ تنتقل من بيتها؟ تقول: زوجي ما ترك لي مسكن ولا نفقة, هَلْ أنتقل عِنْد أهلي؟ فرخص لها, فَلَمَّا وصلت الحجرة، أو في المسجد دعاها, قَالَ: «كيف قلت», فأخبرته, فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا.
هَذِهِ أحد الأمور الخمسة الَّتِي يَجِبُ أن تراعيها «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، لزوم البيت.
«قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به», فاستدل العلماء بحديث فريعة عَلَى أن المتوفى عنها زوجها تعتد في المنزل الَّذِي بلغها نعي زوجها وَهِيَ فِيهَ, المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في المنزل الَّذِي بلغها نعي زوجها فِيهِ ولا تخرج منه إِلَى غيره, وَذَهَبَ إِلَى هَذَا جماعة من الصَّحَابَة والتابعين وَهَذَا هُوَ الصواب, وحديث فريعة حجة في هَذَا وَلَمْ يأت من خالف بما يَدُلَّ له.
قوله: «حَتَّى يبلغ الكتاب», يَعْنِي العدة المكتوبة فِيهَا المفروضة, وأخذ من قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}[البقرة/235], لما كانت في خلافة عثمان تبعه وقضى به, يَعْنِي عثمان أخبرته وحكم به.
(المتن)
باب من رأى التحول
2301 - حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثنا موسى بن مسعود، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، قال: قال عطاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " نسخت هذه الآية: عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله تعالى: غير إخراج "، قال عطاء: " إن شاءت اعتدت عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن}، قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت ".
(الشرح)
وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري والنسائي وَهَذَا قول عطاء ليس بجيد, الصواب ما دل عَلَيْهِ الحديث الأول من أَنَّهَا تمكث في بيتها حَتَّى يبلغ الكتاب أجله.
قوله: (باب من رأى التحول), يَعْنِي المتوفى عنها زوجها إِلَى مكان آخر, وبوب النسائي قَالَ: (باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت).
قال ابن عباس: نسخت هذه الآية: عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }[البقرة/240].
قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله، وسكنت في وصيتها، قَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240].
وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ}[البقرة/240].
قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت.
وَهَذَا ليس بجيد, قول عطاء والصواب ما دل عَلَيْهِ الحديث الأول من أَنَّهَا تمكث في بيتها, وَعَلَى هَذَا فالمتوفى عنها زوجها لها السكنى, وَهَلْ لها نفقة أو ليس لها نفقة؟
يَعْنِي قوله: (عدتها), يَعْنِي المرأة المتوفى عنها زوجها, المذكورة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}[البقرة/240].
(فتعتد حيث شاءت), يَعْنِي السكنى تبعًا للعدة, فَلَمَّا نسخ الحول بأربعة أشهر وعشرًا, نسخت السكنى أَيْضًا.
(.....) حكم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240].
هَذِهِ الآية الثانية الَّتِي فِيهَا غير إخراج منسوخ بالآية الأولى, ثُمَّ جاء الميراث يَعْنِي في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}[النساء/12].
والصواب أَنَّهَا تمكث في بيتها, ذكر العيني أن هَذَا قول أبي حنيفة أن المتوفى عنها زوجها لا سكنى لها, وَهُوَ أحد قولي الشافعي, كالنفقة كما أَنَّهَا لا نفقة لها ولا سكنى لها, ولكن الأظهر والوجوب لحديث فريعة.
والإمام مالك يرى أن لها لسكنى إِذَا كانت الدار ملكًا للميت, عَلَى كُلّ حال يَجِبُ عليها الصواب حديث فريعة أَنَّهُ يَجِبُ عليها أن تمكث في البيت إِلَّا إِذَا أخرجت, أو خافت في مكان ما تستطيع البقاء, أو خيف من سقوطه أو أخذت بالقوة هَذَا شَيْء آخر, هَذَا عارض وإلا فالأصل أَنَّهَا تمكث في البيت.
سواء بيت مستأجر أو مملوك, لقوله: «امكثي حَتَّى يبلغ الكتاب أجله», فريعة قالت: ما ترك لي سكن, ولا نفقة, فأمرها أن تمكث, لهذا مكثت فِيهِ أربعة أشهر وعشرة أيام.
ابن بَطَّالٍ يقول: أَنَّ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}, نَزَلَتْ قَبْلَ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الوصية, ولكن ليس بصواب, الصواب أن الآية{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة/240], هَذِهِ هِيَ الَّتِي نزلت أولها ونسختها الآية الَّتِي قبلها, نسخت آية التربص بأربعة أشهر, آية التربص بحول.