14 - كتاب الصوم
باب مبدأ فرض الصيام
2313 - حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه، حدثني علي بن حسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[البقرة/183], " فكان الناس على عهد النبي ﷺ إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته، وقد صلى العشاء، ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ[البقرة/187]. الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخص لهم ويسر ".
(الشرح)
أبو داود رحمه الله أخر كتاب الصيام إِلَى بَعْدَ كتاب النكاح والطلاق, غريب تأخيره للصيام رحمه الله, قَالَ: (باب مبدأ فرض الصيام), ذكر حديث ابن عباس أن الصيام أول ما شرع له أطوار:
الطور الأول: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صلو العتمة أو ناموا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الطعام بالليل, يَعْنِي يباح للإنسان إِذَا صام الفطر في الليل ما لَمْ يصل العشاء أو ينام, فَإِذَا صلى العشاء أو نام حَرَّمَ عَلَيْهِ إِلَى القبالة.
فحصل من ذَلِكَ مشقة واختان تخون بعض الصَّحَابَة نفسه, فأنزل الله تعالى الرخصة, ولكن هَذَا الحديث فِيهِ ضعف, هَذَا الحديث في سنده علي بن الحسين بن واقد وَهُوَ ضعيف, لكن له شواهد واستدل بالحديث الَّذِي بعده, وَهَذَا هُوَ الطور الثاني من أطوار الصيام, أول من شرع الصيام الطور الأول هُوَ كَانَ مخير بين الإطعام وبين الصيام, ثُمَّ أوجب الله الصيام, ثُمَّ صار الفطر يكون في الليل ما لَمْ ينل أو يصلي العشاء.
أَمَّا الطور الثالث أباح الله تعالى ورخص في الفطر بالليل من غروب الشمس إِلى طلوع الفجر.
(المتن)
2314 - حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: " كان الرجل إذا صام، فنام لم يأكل إلى مثلها، وإن صرمة بن قيس الأنصاري أتى امرأته، وكان صائما، فقال: هل عندك شيء، قالت: لا، لعلي أذهب فأطلب لك شيئًا، فذهبت وغلبته عينه فجاءت، فقالت: خيبة لك فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، وكان يعمل يومه في أرضه، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فنزلت ": أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ[البقرة/187]. قرأ إلى قوله: مِنَ ٱلْفَجْرِ [البقرة: 187].
(الشرح)
وَهَذَا الحديث صحيح أخرجه البخاري والترمذي والنسائي, ويكون شاهد للحديث السابق الضعيف, وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة/183], في الحديث الأول, قَالَ العلماء: إن التشبيه إِنَّمَا هُوَ في أصل الوجوب لا في قدر الواجب, الله تعالى قَالَ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة/183], في أصل الوجوب أَمَّا القدر الواجب فَهُوَ مختلف.
وَقِيلَ: إِنَّهُ في الواجب وفي المقدار, قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لا يقتضي التسوية من جميع الوجوه, وَقِيلَ: إنها التسوية في الأصل والمقدار والوقت جميعًا, وكَانَ عَلَى الأولين صوم رمضان لكنهم زادوا في العدد ونقلو من أيام الحر إِلَى أيام الاعتدال.
وَهَذَا الحديث الثاني حديث قصة قيس بن سرمة أَنَّهُ كَانَ يعمل طول النهار وَهُوَ صائم, فجاء عِنْد الإفطار وقال لزوجته: هَلْ عندك شَيْء, قَالَت: لا, ليس عِنْدِي شَيْء, ولكن أبحث لك, فَلَمَّا ذهبت غلبته عيناه, فقالت: خيبةً لك, يَعْنِي ما يستطيع أن يأكل لما نام, فصام في اليوم الثاني فَلَمَّا انتصف النهار غشي عَلَيْهِ وسقط, وأخبر النَّبِيّ ﷺ بِذَلِكَ فأنزل الله تعالى هَذِهِ الرخصة ففرحوا بِذَلِكَ, أنزل الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ؛ وَفِيهَا فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[البقرة/187]؛ فهذا من رحمة الله تعالى بعباده.
(المتن)
2315 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر يعني ابن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، عن يزيد، مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة/184]، «كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها».
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي, والمؤلف بوب قَالَ: باب نسخ قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ[البقرة/184], والحديث دل عَلَى أن الآية منسوخة كما قَالَ سلمة, قَالَ سلمة بن الأكوع ومن وافقه من الصَّحَابَة, وَهُوَ وقول جمهور العلماء, وَهَذَا هُوَ الطور الأول من أطوار الصيام, وَهُوَ التخيير بين الصيام والفدية, والصوم أفضل, قَالَ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[البقرة/183-184].
فالله تعالى خير بين الصيام وبين الفدية والصوم أفضل, هَذَا القول الأول.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نسخ ذَلِكَ بوجوب الصوم حتما للمقيم, الآية الَّتِي بعدها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة/185].
هَذَا أمر, أمر بالصيام والآيات الَّتِي قبلها فِيهَا التخيير, فهذا هُوَ الطور الأول من أطوار الصيام, التخيير بين الصيام والفدية والصوم أفضل.
وَقَالَ ابن عباس كما سيأتي (.....) ليست منسوخة, وَإِنَّمَا بقي حكمها للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة, ويحتمل أن الآية مخصوصة خص منها القادر, هَذِهِ أقوال العلماء.
الجمهور عَلَى أَنَّهَا منسوخة وابن عباس يرى أَنَّهَا مخصخصة للشيخ الكبير, ومن العلماء من قَالَ: أَنَّهَا خص بها القادر, القادر هُوَ الَّذِي يخرج منها.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا الحديث ضعيف في سنده علي بن الحسن الواقدي ابن المسيح وَفِيهِ مقال, وَفِيهِ أن التخيير, والتخيير هَذَا ثابت في الحديث السابق, يَعْنِي الحديث (.....) ضعيف لكن يسنده الحديث السابق, وَفِيهِ أن من شاء أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه, ومن شاء أن يصوم فَهُوَ أفضل, توم له صومه يَعْنِي أجرًا, قَالَ تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[البقرة/184], يَعْنِي زاد عَلَى المسكين واحد, فأطعم عَنْ كُلّ يوم مسكين فأكثر, وَقِيلَ: من زاد عَلَى أقل الواجب, فأطعم صاعًا أو صاعين فَهُوَ خير له.
(المتن)
باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى
2317 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، حدثنا قتادة، أن عكرمة، حدثه، أن ابن عباس قال: «أثبتت للحبلى والمرضع».
2318 - حدثنا ابن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن عروة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة/ 184]، قال: «كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا»، قال أبو داود: «يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا».
(الشرح)
ابن عباس رضي الله عنه يرى أَنَّهَا باقية للشيخ الكبير والحبلى, وَأَنَّهَا لَمْ تنسخ, وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة/184]، يَعْنِي الآية ليست منسوخة بَلْ هي ثابتة للشيخ والحبلى.
والحديث الَّذِي بعده قَالَ: «كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام», يَعْنِي يتجشمان الصيام إِذَا كَانَ يشق عليهما فإنهما يفطران ويطعمان مكان كُلّ يوم مسكين.
قَالَ أبو داود كذلك أيضًا: «والحبلى والمرضع إذا خافتا», يَعْنِي عَلَى أولادهما أفطرتا وأطعمتا, والعلماء لهم كلام في هَذَا, في الحبلي والمرضع إِذَا خافت عَلَى نفسها فَهِيَ تكون بمنزلة المريض, تطعم ولا تفدي, وإن خافت عَلَى الولد فإنها تطعم, تقضي وتطعم.
ومنهم من قَالَ: ما يَجِبُ عليها إِلَّا الصيام, مذهب ابن عباس أن الرخصة مثبتة للحبلى والمرضع يَعْنِي من الحديث, إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا, وَقَدْ نُسِخَتْ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ, إِلَّا أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَإِنْ كَانَتِ الرُّخْصَةُ قَائِمَةً لَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ مَعَ الْإِطْعَامِ, ولَزِمَهُمَا الْإِطْعَامُ مَعَ الْقَضَاءِ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ.
ومالك رحمه الله يرى أن الْحُبْلَى كَالْمَرِيضِ تَقْضِي وَلَا تُطْعِمُ وَالْمُرْضِعُ تَقْضِي وَتُطْعِمُ؛ لِأَنَّهُ من أجل الولد.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال:
أَحَدهَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ قَالَهُ ابن عَبَّاس.
الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَهُ سَلَمَة وَالْجُمْهُور.
وَالثَّالِث: أَنَّهَا مَخْصُوصَة خَصَّ مِنْهَا الْقَادِر الَّذِي لَا عُذْر لَهُ وَبَقِيَتْ مُتَنَاوِلَة لِلْمُرْضِعِ وَالْحَامِل.
الرَّابِع: أَنَّ بَعْضهَا مَنْسُوخ وَبَعْضهَا مُحْكِمٌ.
(المتن)
باب الشهر يكون تسعًا وعشرين
2319 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو يعني ابن سعيد بن العاص، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا»، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني تسعًا وعشرين وثلاثين.
(الشرح)
هَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وقول النَّبِيّ ﷺ: إنا أمة أمية, يَعْنِي هَذَا وصف أغلبي وإلا في عهد النَّبِيّ ﷺ كَانَ هناك كتاب للوحي, كَانَ ابن عمر يكتب, وَكَانَ ابن عمرو, وَقَالَ أبو هريرة إن ابن عمرو كَانَ يكتب ولا أكتب, وقوله: «إن أمة أمية», هَذَا مدح لهذه الأمة, وَالرَّسُوْل ﷺ كَذَلِكَ النَّبِيّ الأمي, وَهَذِهِ صفة مدح في حقه ﷺ.
إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا, كأن الحديث فِيهِ اختصار, قَالَ: الشهر هكذا عشر, وهكذا وهكذا ثلاثين, ثُمَّ قَالَ: ويكون هكذا عشر, وهكذا وهكذا, ثُمَّ خنس بأصبعه», يَعْنِي يكون تارة ثلاثية وتارة تسع وعشرين, هنا خنس بأصبعه يَعْنِي يَقُولُ: هكذا, وهكذا وهكذا, (وخنس بأصبعه سليمان), يَعْنِي سليمان الراوي (في الثالثة), يَعْنِي تسعًا وعشرين, عشر وعشر وعشر ثلاثين وخنس يكون تسعة وعشرين, وقبلها يكون الشهر هكذا, عشر وعشر وعشر يَعْنِي ثلاثين, ويكون عشر وعشر وعشر ثُمَّ خنس بأصبعه يَعْنِي يكون تسعًا وعشرين ويكون ثلاثين.
يَعْنِي أن الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين, وَقَدْ تتوالي الشهر ثلاثين إِلَى ثلاثة أشهر إِلَى أربعة, وَقَدْ تتوالى أَيْضًا الأشهر تسعًا وعشرين, والغالب أن يكون الشهر ثلاثين أو الشهرين ثلاثيين وشهرين تسعا وعشرين.
وَفِيهِ العمل بالإشارة يَقُولُ: خنس بأصبعه, فِيهِ العمل بالإشارة.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا الحديث لابن عمر أخرجه الإمام مسلم وَفِيهِ أن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: الشهر تسعًا وعشرون, أيْ يكون تسعًا وعشرون ويكون ثلاثين, ولما هجر النَّبِيّ نسائه لما جلس في غرفة مبينة جلس تسعًا وعشرين, فقال أنس يارسول الله نزلت تسعًا وعشرين أعدها عدًا, قَالَ: الشهر تسعٌ وعشرين, صادف الشهر ذَلِكَ أن يكون تسعًا وعشرين, هُوَ بدأ من أول الشهر.
قَالَ: الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين، إِلَى هنا انتهى الحديث, فَإِن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين, يَعْنِي احسبوا له ثلاثين.
قال: (فكان ابن عمر، إذا كان شعبان تسعًا وعشرين نظر له، فإن رئي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب، ولا قترة أصبح مفطرًا، فإن حال دون منظره سحاب، أو قترة أصبح صائمًا، قال فكان ابن عمر، يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب).
هَذَا الَّذِي فعله ابن عمر من صيامه يوم الثلاثين من شعبان في يوم الغيم اجتهادٌ منه, وَهُوَ الاجتهاد يخطئ ويصيب, وَهُوَ محمول عَلَى أن السنة خفيت عَلَيْهِ, والصواب الَّذِي تكلم عَلَيْهِ الحديث أَنَّهُ لا يصام يوم الثلاثين من شعبان سواء كَانَ غيمًا أو صحوًا, ولا يصام إِلَّا بأحد أمرين:
أحدهما: رؤية هلال رمضان.
الثاني: إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.
والحجة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ, وَهُوَ الحاكم عَلَى كُلّ أحد من الصَّحَابَة, وَهَذِهِ المسألة فِيهَا كلام لأهل العلم وَهُوَ مذهب الحنابلة, ويستدلون بقوله: فاقدروا له, يَعْنِي يضيقوا له, فَإِن غم عليكم فاقدروا له ضيقوا له, يَعْنِي اجعلوه تسعًا وعشرين, والصواب أن معنى فاقدروا له يَعْنِي احسبوا له وأكملوه ثلاثين, وَيَدُلَّ عَلَيْهِ الرواية الأخرى فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا.
فكان ابن عمر رضي الله عنه يأمر أن ينظر له (فإذا كان حال دون منظره سحاب ولا قتر لم يحمل إذا كان صحوًا أصبح مفطرًا، وإن كان في غيم أصبح صائمًا)، عملاً بقوله: فاقدروا له, فهم منها فضيقوا له, ضيقوا الشهر اجعلوه تسعًا وعشرين.
والصواب: أن فاقدروا له, يَعْنِي احسبوا له, وَيَدُلَّ عَلَيْهِ الحديث الآخر فأكلموا عدة شعبان ثلاثين يومًا, وَهَذَا فِيهِ رسالة خاصة (.....) في الهلال إِذَا حصل فِيهِ غيم أو صحو, المسألة فِيهَا خلاف قوي لأهل العلم.
فَإِن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يومًا, وفي اللفظ الآخر: فأكملوا العدة ثلاثين, وَمِمَّا يَدُلَّ أيضًا عَلَى ذَلِكَ حديث عمار من صام اليوم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أبا القاسم ﷺ, هَذَا فِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ لا يصام يوم الشك.
هَذَا الحديث: أكملوا العدة ثلاثين, وحديث عمار من صام يوم الشك, يدلان عَلَى عدم جواز الصوم يوم الشك, وَعَلَى عدم جواز صوم رمضان إِذَا حال مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين.
ويروى عَنْ الإمام أحمد أَنَّهُ يصام وَهَذَا ما ذَهَبَ إليه ابن عمر وَهُوَ قول مرجوح, وقول عمار هنا له حكم الرفع من صام اليوم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أبا القاسم ﷺ.
(المتن)
2321 - حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا عبد الوهاب، حدثني أيوب، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البصرة بلغنا، عن رسول الله ﷺ نحو حديث، ابن عمر، عن النبي ﷺ زاد، وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا، فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا، إلا أن تروا الهلال قبل ذَلِكَ.
2322 - حدثنا أحمد بن منيع، عن ابن أبي زائدة، عن عيسى بن دينار، عن أبيه، عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار، عن ابن مسعود، قال: «لما صمنا مع النبي ﷺ تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين».
(الشرح)
يَعْنِي أن الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعًا وعشرين, وابن عمر رضي الله عنه قَالَ: (أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا، فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا), يَعْنِي هنا أبهم, فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا يَعْنِي بحساب الثلاثين (إلا أن رأوا الهلال قبل ذَلِكَ), فيكون الصوم تسعًا وعشرين.
قوله: (زاد), يَعْنِي زاد أيوب في رواية عبد الوهاب (وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا، فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا)، يَعْنِي بحساب الثلاثين (إلا أن يروا الهلال قبل ذَلِكَ), أيْ الثلاثين, فيكون الصوم بحساب تسعة وعشرين, وَهَذَا صحيح, وابن عمر رضي الله عنه ذَهَبَ إِلَى القول الثاني.
هَذَا عمر بن عبد العزيز يَقُولُ: إِذَا لَمْ نر الهلال صمنا ثلاثين وإن رأى الهلال فإنا نصوم بالرؤيا.
وحديث ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: «لما صمنا مع النبي ﷺ تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين», يَعْنِي برؤية الهلال, يرى الهلال كثيرًا ما يكون رمضان تسعًا وعشرين, المهم الرؤيا, إِذَا رؤي يصام فَإِن لَمْ ير يكمل الشهر السابق هَذَا هُوَ الصواب.
والصواب أَنَّهُ لا يعمل بالحساب الفلكي هَذَا باطل لا يجوز.
(المتن)
(الشرح)
وَهَذَا الحديث حديث الصحيح أخرجه الشيخان الترمذي والنسائي وَهَذَا الحديث في معنى الحديث قولان مشهوران لأهل العلم:
الأول: أنهما لا يجتمعان ناقصين في سنة واحدة, إِذَا نقص أحدهما تم الآخر, إِذَا نقص رمضان لَابُدَّ أن يتم شهر ذي الحجة يكون ثلاثين, وَإِذَا تم رمضان وَكَذَلِكَ العكس, وَإِذَا تم رمضان فقد يقصر ذي الحجة, وَهَذَا ذَهَبَ إليه بعض العلماء أظن البخاري وجماعة وَهَذَا قول مرجوح.
الثاني: أن معنى لا ينقصان في الأجر والثواب, وإن نقصا في العدد, وَهَذَا هُوَ الراجح؛ لِأَنَّ الواقع قَدْ يجتمعان تسعًا وعشرين, قَدْ يكون رمضان تسعًا وعشرين, وذي الحجة تسعًا وعشرين, معنى لا ينقصان يعني في الأجر والثواب, وإن نقصا في العدد.
أَمَّا القول الأول لا يجتمعان ناقصان هَذَا مرجوح؛ لِأَنَّهُ يخالف الواقع؛ فقد يجتمعان ناقصين, قَدْ يكونا في سنة واحدة رمضان تسعًا وعشرين, وذي الحجة تسعًا وعشرين.
أظن أحدهما قول البخاري والثاني الإمام أحمد.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: وَفِي مَعْنَاهُ أَقْوَال:
أَحَدهَا: لَا يَجْتَمِع نَقْصهمَا مَعًا فِي سَنَة وَاحِدَة وَهَذَا مَنْصُوص الْإِمَام أَحْمَد.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِب وَالْغَالِب أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّقْص وَإِنْ وَقَعَ نَادِرًا.
وَالثَّالِث: أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تِلْكَ السَّنَة وَحْدهَا ذَكَره جَمَاعَة.
الرَّابِع: أَنَّهُمَا لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَجْر وَالثَّوَاب وَإِنْ كَانَ رَمَضَان تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَامِل فِي الْأَجْر.
الْخَامِس: أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تَفْضِيل الْعَمَل فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَنَّهُ لَا يَنْقُص أَجْره وَثَوَابه عَنْ ثَوَاب شَهْر رَمَضَان.
عَلَى كُلّ حال هما قولان مشهوران أحدهما للبخاري والثاني لأحمد, والصواب من القولين أن المعنى لا ينقصان في الأجر والثواب.
(المتن)
باب إذا أخطأ القوم الهلال
2324 - حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد، في حديث أيوب، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، ذكر النبي ﷺ فيه قال: وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف.
(الشرح)
هَذَا الباب في إِذَا أخطأ القوم الهلال, قَالَ: وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف.
الحديث منقطع هَذَا؛ لِأَنَّ ابن المنكدر لَمْ يسمع من أبي هريرة, وَلَمْ يلقه, عَنْ يحيى بن معين وأبو زرعة, لكن أخرجه الترمذي من حديث سعيد بن سعيد المقبري عَنْ أبي هريرة قَالَ: حسن غريب, والحديث كما قَالَ الخطابي دليل عَلَى أن الخطأ مَرْفُوع عَنْ النَّاس فِيمَا كَانَ سَبِيله الِاجْتِهَاد, ولهذا قَالَ: فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون, دليل عَلَى أن الخطأ مرفوع عَنْ النَّاس فيما كَانَ سبيله الاجتهاد, فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اِجْتَهَدُوا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَال إِلَّا بَعْد الثَّلَاثِينَ, فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اِسْتَوْفَوْا الْعَدَد, ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدهمْ أَنَّ الشَّهْر كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمهمْ وَفِطْرهمْ مَاضٍ لَا شَيْء عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْر ولا عَنَتٍ, وَكَذَلِكَ فِي الْحَجّ إِذَا أَخْطَأ الناس يَوْم عَرَفَة لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَة, ويجزيهم أضحاهم, فلو وقفوا بعرفة اليوم الثامن أو وقفوا اليوم العاشر وأجمعوا عَلَى هَذَا خطئًا فحجهم صحيح, وأضحيتهم صحيحة.
وَقِيلَ: فإن فيه الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ يَوْم الشَّكِّ لَا يُصَام اِحْتِيَاطًا, وَإِنَّمَا يُصَام يَوْم يَصُوم النَّاس, قَالَ: وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف.
قِيلَ: فَإِن هَذَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ يَوْم الشَّكِّ لَا يُصَام اِحْتِيَاطًا, وَإِنَّمَا يُصَام يَوْم يَصُوم النَّاس.
وَقِيلَ: فِيهِ الرَّدّ عَلَى مَنْ يَقُول إِنَّ مَنْ عَرَفَ طُلُوع الْقَمَر بِتَقْدِيرِ حِسَاب الْمَنَازِل جَازَ لَهُ أَنْ يَصُوم وَيُفْطِر دُون مَنْ لم يَعْلَم, وهذا ليس صحيح كما سيأتي أن العمل بالحساب لا وجه, وفي الحديث دل على أن المنفرد بالرؤية لا يلزمه حكمها لا في الصوم ولا في الفطر ولا في التعريف بعرفة, شخص انفرد قال: رأيت الصوم, رأيت الهلال وحده ورد قوله لا يعمل به.
وكذلك في هلال ذي الحجة رأوا ضد قوله لا يعمل ولا يقف بعرفة وحده بل يكون مع الناس, لا يقبل حكمه لا في الصوم ولا في الفطر ولا في التعريف بعرفة.
ولهذا قال النبي ﷺ: فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، أيْ مكان من منى ينحر, الآن صار النحر في أمكنة خاصة وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف, جمع يَعْنِي مزدلفة كلها في أيْ مكان يقف في مزلفة وفي أيْ مكان يقف في عرفة, وفي أيْ مكان ينحر في منى, الأفضل في منى ويجوز النحر في جميع حدود الحرم.