شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_3

00:00
00:00
تحميل
110

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده 

2350 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده), يَعْنِي ماذا يعمل هَلْ له أن يشرب؛ لِأَنَّ المؤذن لَمْ يقضي ندائه, أو يضعه فلا يشرب؟  

ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة أن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: إذا سمع أحدكم النداء, يَعْنِي أذان الصبح والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه

 الحديث دليل عَلَى أَنَّهُ إِذَا سمع النداء بالصبح والإناء عَلَى يده فَإِنَّهُ لا يضعه حَتَّى يقضي حاجته منه, وَهَذَا إِذَا كَانَ الإناء في يده, أَمَّا إِذَا لَمْ يكن في يده فلا يأخذ الإناء ويشرب, ولا يبحث عنه, إِذَا كَانَ الإناء عَلَى يده فَإِنَّهُ لا يضعه حَتَّى يقضي حاجته منه. 

أَمَّا إِذَا لَمْ يكن بيده فلا يبحث عَنْ الإناء ويشرب, وَهَذَا أَيْضًا إِذَا شك أو ظن عدم طلوع الفجر, هَذَا محمول إِذَا ما شك أو ظن عدم طلوع الفجر, فَإِن علم طلوع الفجر فلا له أن يشرب عَلَيْهِ أن يضعه, جمعًا بينه وبين الآية الكريمة, وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة/187]. 

هَذَا لو صح الحديث هَذَا محمول عَلَى ما إِذَا كَانَ شاكًا في عدم طلوع الفجر, فَإِن علم أو تيقن طلوع الفجر بأن كَانَ في البرية وشهد الصبح أمامه فَلَيْسَ له أن يشرب بَلْ عَلَيْهِ أن يضعه, لقول الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة/187]. 

وَهَذَا الحديث أعله ابن القطان بأنه مشكوك في اتصاله فيكون منقطع أو ضعيف, قَالَ: لأن أبا داود قَالَ: (أنبأنا عبد الأعلى بن حماد)، أظنه عَنْ حماد (عن محمد بن عمرو، عن أبي هريرة), فذكره. 

وَهَذَا أَيْضًا يَعْنِي ما دل عَلَيْهِ الحديث ذَهَبَ إليه جمع من أهل العلم, روي عَنْ إسحاق بن راهوية وَعَنْ وكيع أَنَّهُ سمع الأعمش يَقُولُ: لولا الشهرة لصليت الغداء ثُمَّ تسحرت, وذكر هَذَا عَنْ إسحاق عَنْ أبي بكر الصديق وَعَنْ حذيفة, ولكن قِيلَ: إن حديث حذيفة معلول وعلته الوقف, وأن زرًا هُوَ الَّذِي تسحر مَعَ حذيفة. 

وَأَمَّا جمهور العلماء فذهبوا إِلَى امتناع السحور بطلوع الفجر وَهُوَ قول الأئمة الأربعة, أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعامة فقهاء الأمصار, وروي هَذَا بمعناه عَنْ عمر وابن عباس, وَهُوَ أَنَّهُ يمتنع عَنْ الأكل بطلوع الفجر. 

والأولون احتجوا بقول النَّبِيّ ﷺ: كلوا واشربوا حَتَّى يؤذن ابن أم مكتوم, وَلَمْ يكن يؤذن إِلَّا بَعْدَ طلوع الفجر, وفي بَعْض الروايات أَنَّهُ كَانَ رجل أعمى لا يؤذن؛ حَتَّى يقال له أصبحت أصبحت, قَالُوا: وإن النهار إِنَّمَا هُوَ من طلوع الشمس, وَعَلَى هَذَا يكون أجازوا الأكل ولو بَعْدَ طلوع الفجر إِلَى طلوع الشمس هَذَا شاذ مخالف للنصوص, وَلَمْ يصح هَذَا عَنْ حذيفة كما سبق أَنَّهُ معلول, فهذا شذوذ بَعْضُهُمْ شذوا وَقَالُوا: إِنَّمَا العبرة بطلوع الشمس, ولهذا روي عَنْ وكيع أَنَّهُ قَالَ: (لولاة الشهرة لصليت الغداء ثُمَّ تسحرت), يصلي الفجر ثُمَّ يتسحر هَذَا شذوذ مصادم لنص الآية وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة/187]. 

وعامة فقهاء الأمصار والأئمة الأربعة وسائر العلماء عَلَى الامتناع عَنْ السحور بطلوع الفجر, وأن حده طلوع الفجر ونص الآية الكريمة واضح في هذا وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة/187]. 

وَعَلَى هَذَا فَإِن هَذَا الحديث معلول لَمْ يصح ولو صح فَهُوَ محمول عَلَى ما إِذَا كَانَ شاكًا أو ظانًا عدم طلوع الفجر, فَإِن علم طلوع الفجر فَلَيْسَ له أن يشرب من الإناء الَّذِي عَلَى يده بَلْ عَلَيْهِ أن يضعه وليس له أن يشرب. 

(المتن) 

باب وقت فطر الصائم 

2351 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا هشام، ح وحدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن داود، عن هشام المعنى، قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن أبيه قال: قال النبي ﷺ: إذا جاء الليل من ها هنا، وذهب النهار من ها هنا، - زاد مسدد - وغابت الشمس فقد أفطر الصائم

(الشرح) 

هَذَا الباب لوقت فطر الصائم متى يفطر الصائم؟ هَلْ يفطر بَعْدَ غروب الشمس وقبل الصلاة أو بَعْدَ الصلاة؟ 

ذكر المؤلف رحمه الله حديث عمر قَالَ قَالَ النَّبِيّ ﷺ: إذا جاء الليل من ها هنا، يَعْنِي من جهة المشرق وذهب النهار من ها هنا، يَعْنِي من جهة المغرب, زاد مسدد في روايته وغابت الشمس فقد أفطر الصائم. وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 

قَالَ النووي: قَالَ العلماء: كُلّ واحد من هَذِهِ الثلاثة متلازمة إِذَا جاء الليل من ها هنا, من جهة المشرق, جاءت الظلمة من جهة المشرق, وَذَهَبَ النهار من ها هنا, من جهة المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم, هَذِهِ متلازمة, يَعْنِي كُلّ واحدة من هَذِهِ الثلاثة مجيء الليل وذهاب النهار وغيبوبة قوس الشمس كُلّ واحدة تتضمن الأخرى, إِذَا جاء الليل من المشرق يتضمن ذهاب النهار من المغرب وغروب الشمس, وغروب الشمس يتضمن مجيء الليل من المشرق وذهاب النهار من جهة المغرب فَهِيَ متلازمة. 

 وَإِنَّمَا جمع بينهما لِأَنَّهُ قَدْ يكون الإنسان في وادٍ ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الليل وإدبار النهار, فَإِذَا كَانَ في مكان ما يشاهد الشمس يعتمد إقبال الليل من جهة المشرق وإدبار النهار من جهة المغرب. 

ومعنى فقد أفطر الصائم, قَالَ العلماء: معناه صار في حكم المفطر وإن لَمْ يأكل, وَقِيلَ: معناه دخل في وقت الفطر وجاز أن يفطر, كما قِيلَ: أصبح الرجل إِذَا دخل في وقت الصبح, وأمسى إِذَا دخل في وقت المساء, وأظهر إِذَا دخل في وقت الظهر, أفطر الصائم يَعْنِي دخل في حكم الإفطار, يَعْنِي دخل وقت الإفطار, لا أَنَّهُ يصير مفطرًا بغيبوبة الشمس لا, قَدْ يستمر في صومه إِلَى السحر وَقَدْ يواصل, المعنى أَنَّهُ دخل وقت الإفطار, أَمَّا هُوَ فلا يصير مفطرًا بغيبوبة الشمس إِلَّا إِذَا نوى وتناول المفطر. 

وَقَالَ ابن خزيمة: الحديث لفظه لفظ الخبر ومعناه الْأَمْرِ, والمعنى فليفطر الصائم. 

(المتن) 

2352 - حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد، حدثنا سليمان الشيباني، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: سرنا مع رسول الله ﷺ، وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال: يا بلال، انزل فاجدح لنا»، قال: يا رسول الله، لو أمسيت؟ قال: «انزل فاجدح لنا»، قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا، قال: «انزل فاجدح لنا»، فنزل فجدح، فشرب رسول الله ﷺ، ثم قال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم، وأشار بأصبعه قبل المشرق. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي, والحديث فِيهِ دليل عَلَى أن الصائم يفطر إِذَا غاب قوس الشمس, وَأَنَّهُ لا عبرة بما يبقى بَعْدَ غروب الشمس من النور والحمرة الَّتِي تكون في أطراف الجدران وفوق الجبال, ولاما يبقى من الضوء ساطعًا بَعْدَ غروب الشمس, بَلْ العبرة بغيبوبة قرص الشمس, إذا غاب قرص الشمس فَإِنَّهُ يفطر الصائم ولا عبرة بما يبقى بَعْدَ غروب الشمس من النور والحمرة الَّتِي تكون في أطراف الجدران وفوق الجبال, ولا ما يبقى من الضوء ساطعًا بَعْدَ غروب الشمس. 

وقوله: «اجدح لنا»، يَعْنِي حرك السويق بالماء, يَعْنِي كَانُوا يجعلون شَيْء من السويق أحيانًا يكون به الماء وأحيانًا يكون التمر بالماء ويحركونه حَتَّى يكون حاليًا مثل المشروبات الَّتِي عندنا الآن, المشروبات عندهم التمر, التمر يأتون به ويصبون عَلَيْهِ الماء يسمون هَذَا عصير التمر, وأحيانًا يكون السويق, الحب المحبوس أو المطحون يصب الماء, فقال النَّبِيّ ﷺ لعبد الله بن أوفى: انزل فاجدح لنا، يَعْنِي حرك السويق بالماء حَتَّى يستوي, حرك مثلاً التمر بالماء حرك العصير. 

فقال الصحابي: «يا رسول الله، لو أمسيت؟», يَعْنِي لو انتظرت بعض الشيء كأنه يرى الحمرة بَعْدَ غروب الشمس, قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا», يرى الحمرة بَعْدَ غروب الشمس قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح، فالجدح تحريك السويق ونحوه بالماء.  

وَفِيهِ دليل عَلَى أَنَّهُ لا بأس بمراجعة العالم والكبير لئن يتبين من الْأَمْرِ, والإمام, هَذَا عبد الله(1) راجع النَّبِيّ مرتين أو ثلاث, يَقُولُ: يا رسول الله لو أمسيت إن عليك نهارًا, ظنًا منه رضي الله عنه أن الحمرة هَذِهِ لها تأثير بَعْدَ غياب قرص الشمس. 

ولذلك ما عتب عَلَيْهِ النَّبِيّ ﷺ, لا بأس بردة العالم والكبير والرئيس والإمام في الْأَمْرِ الَّذِي يشك فِيهِ الإنسان حَتَّى يتبين له. 

وقوله: إن عليك نهارًا, هَذَا ظنًا منه رضي الله عنه لما رأى الحمرة بَعْدَ الشمس وإن كَانَ جرمها غائبًا, إن كَانَ الجرم غائب, وكرر المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذَلِكَ نهار يحرم فِيهِ الأكل, مَعَ أَنَّهُ جوز, النَّبِيّ ﷺ لَمْ ينظر إِلَى ذَلِكَ الضوء ظن أن النَّبِيّ لَمْ ينظر إِلَى ذَلِكَ الضوء, مَعَ اعتقاده أن هَذَا نهار يحرم الأكل فِيهِ, ولهذا كرر المراجعة مرتين أو ثلاثًا؛ فبين له النَّبِيّ ﷺ أن العبرة بغيبوبة قرص الشمس, إِذَا غاب قرص الشمس فهذا هُوَ المعتمد معناه غابت, وَأَمَّا الحمرة الَّتِي تبقى بعدها فلا يعول عليها؛ لِأَنَّ الحمرة قَدْ تتأخر. 

(المتن) 

باب ما يستحب من تعجيل الفطر 

2353 - حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد يعني ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود، والنصارى يؤخرون

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه أَيْضًا الشيخان البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد والترمذي والنسائي وابن ماجه وهُوَ حديث صحيح. 

يَقُولُ النَّبِيّ ﷺ: لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود، والنصارى يؤخرون؛ يَعْنِي يؤخرون الفطر. 

والمعنى لا تزال شعائر الدين ظاهرة بمخالفة اليهود والنصارى, وَهَذَا فِيهِ دليل عَلَى أن مخالفة اليهود والنصارى مقصود للشارع, وَالنَّبِيّ ﷺ كثيرًا ما يخالف اليهود والنصارى إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم

صلوا في نعالكم فَإِن اليهود والنصارى لا يصلون في نعالهم, وَبِهَذَا قَالَ الطيبي رحمه الله في هَذَا التعليل؛ قَالَ: لِأَنَّ اليهود والنصارى لا يؤخرون دليل عَلَى أن قوام الدين الحقيقي عَلَى مخالفة الأعداء من أهل الكتاب, وأن في موافقتهم تلفًا للدين وَهَذَا كلام عظيم للطيبي رحمه الله . 

(المتن) 

2354 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية، قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا ومسروق، فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد ﷺ، أحدهما يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار، ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة؟ قلنا: عبد الله، قالت: «كذلك كان يصنع رسول الله ﷺ». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وَفِيهِ دليل عَلَى أن السُّنَّة تعجيل الفطر وتعجيل الصلاة, السُّنَّة تعجيل الفطر بَعْدَ تحقق طلوع الشمس وتعجيل الصلاة, لما قِيلَ لعائشة «أحدهما يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار، ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة؟ قلنا: عبد الله»، أيْ عبد الله بن مسعود والآخر أبو موسى الأشعري رضي الله عنهم, أصاب السُّنَّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . 

فدل عَلَى أن السُّنَّة تعجيل الفطر بَعْدَ تحقق غروب الشمس وتعجيل الصلاة؛ لِأَنَّ هَذَا من إعلان لشعائر الدين ومخالفة لليهود والنصارى وإصابةٌ للسنة, تعجيل الفطر وتعجيل الصلاة بَعْدَ غروب الشمس. 

هنا يَعْنِي بعض الأئمة الآن يتفاوتون في هَذَا, بعض الأئمة يبادر مثلاً في رمضان يبادر بحيث أن كثيرًا من المأمومين يَقُولُونَ: ما أستطيع أن أفطر ولا ألحق الصلاة, وَبَعْضُهُمْ يتأخر يجلس نصف ساعة أو ساعة إِلَى خمسة يجلس يتعشى وينتهي ويجلس مدة ما أقاموا الصلاة, يتفاوت, فالإمام يراعي المأمومين يراعي بيوتهم يراعي الذي يمشي, يعطي الفرصة ولكن لا يتأخر كثيرًا. 

(المتن) 

باب ما يفطر عليه 

2355 - حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن سلمان بن عامر، عمها قال: قال رسول الله ﷺ: إذا كان أحدكم صائمًا، فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر، فعلى الماء فإن الماء طهور

2356 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت البناني، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان رسول الله ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة عقدها المؤلف لما يفطر عَلَيْهِ, السُّنَّة لما يفطر عَلَيْهِ, ذكر فِيهِ حديثان حديث سلمان بن عامر قَالَ: « قَالَ رسول الله ﷺ: إذا كان أحدكم صائمًا، فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر، فعلى الماء فإن الماء طهور, هَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه, وَقَالَ الترمذي: حسن صحيح, والحديث سنده جيد, وَهُوَ دليل عَلَى استحباب إفطار الصائم عَلَى التمر, للأمر به في الحديث, وَالْأَمْرِ للاستحباب ليس للوجوب بَلْ هُوَ مستحب. 

يستحب أن يفطر عَلَى التمر, ولو أفطر عَلَى غيره لا حرج عَلَيْهِ ولا يأثم, لو أفطر عَلَى ماء أو أفطر عَلَى فاكهة لا حرج, لكن الأفضل والمستحب في حَقّ اَلْمُسْلِم أن يفطر عَلَى التمر, فَإِن لَمْ يجد أفطر عَلَى الماء, قَالَ: فإن الماء طهور, يَعْنِي بالغ في الطهارة, فيبتدئ به تفائلاً بطهارة الظاهر والباطن, قَالَ بعض العلماء: لِأَنَّهُ مزيل للمانع من أداء العبادة, ولهذا منَّ الله تعالى به عَلَى عباده فقال: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا[الفرقان/48]. 

وَلِأَنَّهُ يزيل العطش عَنْ النفس, وفي الحديث الآخر قَالَ النَّبِيّ: ذَهَبَ الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله

والحديث الثاني حديث أنس بن مالك, قَالَ: كان رسول الله ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء

وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي قَالَ: حسن غريب, وسنده جيد أَيْضًا وَهُوَ دليل عَلَى أن النَّبِيّ ﷺ يفطر عَلَى تمر قبل صلاة المغرب هَذِهِ هِيَ السُّنَّة, والأفضل أن يفطر عَلَى رطبات, والرطبات يَعْنِي التمر الجديد, فَإِن لَمْ يجد تمرات رطب جديد يفطر عَلَى التمر القديم, تمرات ولو من العام الماضي. 

الرطب هُوَ التمر الجديد, التمرات التمر القديم, فَإِن لَمْ يجد لا هَذَا ولا هَذَا لا تمر جديد ولا تمر قديم حسا حسوات من ماء, يَعْنِي شرب ثلاث مرات, حسوات, والحسوة هِيَ الجرعة من الشراب بقدر ما يحتمل, والحُسوة بالضم الجرعة والحَسوة بالفتح المرة, مثل الأُكلة والأَكلة, يكفي ابن آدم أُكلات, الأُكلة يَعْنِي اللقمة وَأَمَّا الأكلة فَهِيَ المرة من الأكلة, إِذَا تغديت يقال أكلة بالفتح, أَمَّا الأُكلة هِيَ اللقمة الواحدة, كَذَلِكَ الحُسوة الجرعة من الماء, والحسوة المرة من الماء الشرب. 

(المتن) 

باب القول عند الإفطار 

2357 - حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد، حدثنا علي بن الحسن، أخبرني الحسين بن واقد، حدثنا مروان يعني ابن سالم المقفع، قال: «رأيت ابن عمر يقبض على لحيته، فيقطع ما زاد على الكف» وقال: كان رسول الله ﷺ، إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه النسائي عَنْ معاذ بن زهرة, ومعاذ بن زهرة قَالَ عنه الحافظ في التقريب: مقبول, والحديث هَذَا ضعيف في سنده مروان بن سالم المقفع وَهُوَ مقبول كما قَالَ الحافظ, وَأَمَّا أخذ ابن عمر من لحيته ما زاد عَلَى القبضة يأخذ ما زاد عَلَى القبضة, المعروف عنه أن هَذَا في الحج خاصة, يأخذ ما زاد عَنْ القبضة, يبقض عَلَى يده ويأخذ ما زاد ويجعل هَذَا من التفث المذكور في الآية, في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ[الحج/29]. 

فَإِذَا حج أو اعتمر ثُمَّ طاف وسعى وأراد أن يتحلل أخذ من رأسه وأخذ من لحيته, يأخذ من رأسه يحلق رأسه ويقصر, ولحيته يقبض الكف هَذَا وما زاد أخذه, وَهَذَا اجتهاد منه رضي الله عنه, هَذَا من شوذاذات ابن عمر رضي الله عنه الَّتِي أخطأ فِيهَا وَلَمْ يفعل هَذَا النَّبِيّ ﷺ وَلَمْ يفعله كبار الصَّحَابَة كأبي بكر  

وَهُوَ متأول رضي الله عنه والفقهاء أخذوا بهذا, الفقهاء قوال: لا يكره ما زاد عَلَى القبضة منها في كُلّ وقت, مَعَ أن ابن عمر لَمْ يفعل هَذَا في كُلّ وقت, فعل هَذَا في الحاجة خاصة وتولى هَذَا من التفث. 

وهم جعلوا الباب مفتوح, فالدعوى أوسع من الدليل, كُلّ دليل له دعوى, الدعوى قَالُوا الحنابلة في الزاد: ولا يكره أخذ ما زاد عَلَى القبضة منها, لا يكره أخذ ما زاد عَلَى القبضة من اللحية مطلقًا في الحج وغيره, والدليل فعل ابن عمر أَنَّهُ كَانَ إِذَا حج أو اعتمر قبض عَلَى لحيته وأخذ ما زاد منها. 

أيهما أوسع الدليل أم الدعوى؟ الدعوى أوسع والدليل خاص بالحج والعمرة, مَعَ أن هَذَا اجتهاد منه, لو كَانَ مشروع لو كَانَ سُنَّة لفعله الرَّسُوْل, الرَّسُوْل حج واعتمر وَلَمْ يأخذ من لحيته, أبو بكر حج وَلَمْ يأخذ من لحيته, عمر حج وَلَمْ يأخذ من لحيته, عثمان حج وَلَمْ يأخذ من لحيته, عَلَى حج وَلَمْ يأخذ من لحيته هَذَا اجتهاد منه, والاجتهاد يخطئ ويصيب والحجة في كلام الله وكلام رسوله ﷺ . 

والحديث فِيهِ أَنَّهُ إِذَا أفطر قَالَ: ذَهَبَ الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله, ذَهَبَ الظمأ يَعْنِي العطش, لكن هَذَا الحديث ما صح لكن هَذَا الدعاء لا بأس به. 

(المتن) 

2358 - حدثنا مسدد، حدثنا هشيم، عن حصين، عن معاذ بن زهرة، أنه بلغه " أن النبي ﷺ كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت

(الشرح) 

هَذَا الحديث ضعيف فِيهِ علتان:  

إحدهما: معاذ بن زهرة هذا مقبول كما في التقريب. 

والثانية: الانقطاع, ويسمى إرسالًا كما قَالَ المنذري, قَالَ المنذري: هَذَا مرسل حيث أن معاذ بن زهرة رواه بلاغًا عَنْ النَّبِيّ ﷺ ولكن هَذَا اللَّهُمَّ لك صمت», مروي عَنْ بعض الصَّحَابَة عَنْ ابن عمر «اللَّهُمَّ لك صمت وَعَلَى رزقك أفطر اللَّهُمَّ فتقبل مني إنك أنت السميع العليم», فهذا دعاء حسن إِذَا قاله حسن, لكن لا عَلَى أَنَّهُ ثابت عَنْ النَّبِيّ ﷺ, فيشرع للإنسان أن يدعو عِنْد فطره. 

(المتن) 

باب الفطر قبل غروب الشمس 

2359 - حدثنا هارون بن عبد الله، ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «أفطرنا يوما في رمضان في غيم، في عهد رسول الله ﷺ، ثم طلعت الشمس»، قال أبو أسامة: قلت لهشام: " أمروا بالقضاء، قال: وبد من ذلك ". 

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة حكم الفطر قبل غروب الشمس خطئًا, إِذَا أفطر الإنسان قبل غروب الشمس, فما الحكم؟ يَعْنِي كَانَ في غيم فظن أن الشمس قَدْ غربت ثُمَّ طلعت الشمس, هَلْ يتم صومه؟ الإتمام لَابُدَّ من أن يتم صومه يمسك, لكن هَلْ يقضي ذَلِكَ اليوم أم لا يقضي؟ أو سمع نداء فتوهم أَنَّهُ المؤذن ثُمَّ تبين له أَنَّهُ بقي عَلَى الوقت ربع ساعة أو عشر دقائق, يمسك بقية اليوم, فهل يقضي ذَلِكَ اليوم أو لا يقضي؟ اختلف العلماء في وجوب القضاء في مثل هَذَا عَلَى قولين:  

أحدهما: قول جمهور العلماء أن القضاء واجب, فَإِذَا أفطر الإنسان خطئًا وجهلاً ثُمَّ تبين له أن الشمس لَمْ تغرب يمسك بقية يومه احترامًا للزمن, يقضي ذَلِكَ اليوم, هَذَا قول أكثر العلماء. 

قول جمهور العلماء: أن القضاء واجب, وَهُوَ قول هشام بن عروة راوي الحديث, حيث قَالَ لأبي أسامة وَهُوَ حماد بن سلمة لما سأله, (قال أبو أسامة: قلت لهشام: أمروا بالقضاء، قال: وبد من ذلك). 

 قَالَ: لَابُدَّ من قضاء, والمعنى هَلْ بد ٌمن قضاء؟ حرف (الاستفهام) مقدر, التقدير هَلْ بدٌ من قضاء؟ يَعْنِي لَابُدَّ من القضاء هَذَا قول هشام بن عروة وَهَذَا القول أَنَّهُ يقضي ذَلِكَ اليوم مذهب الجمهور, مذهب الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة, مذهب الأئمة الأربعة كلهم أَنَّهُ يقضي ذَلِكَ اليوم. 

ويؤيد هَذَا أن النَّاس لو لَمْ يعلموا بدخول شهر رمضان إِلَّا في أثناء النهار, فَإِنَّهُمْ يمسكون ويقضون ذَلِكَ اليوم بالاتفاق, يَعْنِي لو لَمْ يعلم النَّاس بدخول رمضان ثُمَّ جاء الخبر في الضحى أن هَذَا اليوم من رمضان, ماذا يعمل النَّاس؟ يمسكون, يَجِبُ عَلَى كُلّ واحد أن يمسك احترامًا للزمان, ويقضون هَذَا اليوم بالاتفاق, هَذَا متفق عَلَيْهِ, فكذلك إِذَا أفطر الإنسان خطئًا وتبين له أن الشمس لَمْ تغرب فَإِنَّهُ يقضي ذَلِكَ اليوم, هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الجماهير وَهَذَا هُوَ ظاهر قول ابن هشام. 

القول الثاني: أَنَّهُ لا يَجِبُ القضاء, والصوم صحيح, بَلْ يمسك بقية النَّهار يمسك عَنْ الأكل حَتَّى تغرب الشمس, والصوم صحيح ولا يقضي ذَلِكَ اليوم. 

وحكمه حكم من أكل ناسيًا, شبهوه بمن أكل ناسيًا في الصوم, وقاسوه عَلَيْهِ, قَالُوا: كما أن من أكل ناسيًا فصومه صحيح فكذلك إِذَا أخطأ وأفطر مخطئًا عَنْ جهل فَإِنَّهُ لا يقضي ذَلِكَ اليوم, وَهَذَا قول إسحاق بن راهويه وَهُوَ قول مذهب الظاهرة, وَهُوَ مروي عَنْ الحسن البصري, ومروي عَنْ مجاهد ومروي عَنْ عطاء ومروي عَنْ عورة وَهُوَ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, واختيار الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله, والقول الأول هُوَ قول الجمهور وَهُوَ قول شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وَهُوَ الَّذِي يفتي به, قَالَ: يَجِبُ عَلَى من أفطر خطئًا أن يقضي ذَلِكَ اليوم لا إثم عَلَيْهِ, لكن يَجِبُ القضاء, هَذَا هُوَ الصواب الَّذِي عَلَيْهِ الجماهير وَالَّذِي يفتي به أَنَّهُ يَجِبُ القضاء, والإثم مرفوع عَلَى كُلّ حال, لكن الكلام في وجوب القضاء. 

وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وَقَالَ البخاري: قَالَ معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا.  

وعمر رضي الله عنه اختلف في هذا هَلْ يقضي أو لا يقضي؟ عَلَى قولين: قِيلَ: إِنَّهُ يقضي, وَقِيلَ: لا يقضي. 

فالإنسان يمسك بقية اليوم احترامًا للزمان ويقضي, وابن القيم تكلم عَنْ هَذَا وَقَالَ: قَدْ اختلف النَّاس هَلْ يَجِبُ القضاء أم لا؟ فقال الأكثرون: يَجِبُ, الأكثرون يَعْنِي الجمهور, وَذَهَبَ إسحاق أَنَّهُ لا قضاء عَلَيْهِمْ وحكمه حكم من أكل ناسيًا, وأطال في هَذَا, وقرر رحمه الله أَنَّهُ لا يقضي, قَالَ هو اختيار شيخنا وقرر المذهب الثاني أنه لا يقضي وقال: أن الإنسان أمر أن يبادر بالفطر فَهُوَ معذور في هَذَا, الشارع أمره بأن يبادر إِلَى أداء ما أمر به, واستحب له الشارع تعجيل فطره فكيف يفسد صومه؟ قَالَ: فساد صوم الناسي أولى منه؛ لِأَنَّ الناسي فعله غير مأذون له, بَلْ هُوَ معفوٌ عنه, وَهَذَا المخطئ مأمور بالفطر فَهُوَ دون المخطأ الجاهل بالعذر, فكيف أن يقال: إن الناسي معذور ولا يقال المخطئ معذور هَذَا كلام ابن القيم رحمه الله. 

قَالَ: أجود ما فرق بين المسألتين بين مسألة الناسي والجاهل, هم قاسوه عَلَى الناسي, والجمهور قاسوا عَلَى من إِذَا أخبر النَّاس بأن رمضان دخل وَلَمْ يصومون, فَإِنَّهُمْ يصومون أو يقضون, والقائلون بأنه لا يقضي قاسوه عَلَى من أكل ناسيًا. 

قَالَ ابن القيم: أجود ما فرق بين المسألتين أن المخطئ كَانَ متمكنًا من إتمام صومه بأن يؤخر الفطر حَتَّى يتبين الغروب, بخلاف الناسي فَإِنَّهُ لا يضاف إليه الفعل ولا يمكن الاحتراز, وَهَذَا صحيح, الناسي ما في يده حيلة ناسي ما يدري فلا يمكن أن يتحرز, لكن المخطئ يمكن أن يتحرز, يمكن أن ينتظر ويصبر ولا يبادر حَتَّى يتحقق, هَذَا فرق جيد في المسألتين. 

ابن القيم يَقُولُ: هَذَا أجود ما فرق به بين المسألتين. 

(المتن) 

باب في الوصال 

2360 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى

2361 - حدثنا قتيبة بن سعيد، أن بكر بن مضر، حدثهم عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر» قالوا: فإنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتكم، إن لي مطعمًا يطعمني، وساقيًا يسقيني.

 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله للوصال, والوصال هُوَ أن يصل الليل بالنهار يصوم الليل مَعَ النهار, ويتابع الصوم ولا يفطر بالليل, هَذَا يقال له الوصال, يَعْنِي يصوم يومين وبينهم الليل ولا يفطر أو يصوم ثلاثة أيام لا يفطر لا في الليل ولا في النهار, أو يصوم أربعة أيام, أو يصوم خمسة أيام أو ستة أيام أو سبعة أيام, وأكثر ما قِيلَ سبعة أيام, يقال هَذَا ورد عَنْ ابن الزبير أَنَّهُ صام سبعة أيام أسبوع كامل, لا يفطر لا في الليل ولا في النهار. 

هَذَا اجتهاد وتكلف ومشقة مخالف للسنة, والأفضل أن يقال: إِنَّهُ لما صام هَذِهِ السبعة أَنَّهُ أفطر بالدهن يضعه في حلقه؛ لِأَنَّ هَذِهِ مدة طويلة الأماء يبست تحتاج إِلَى ما يلينها بالدهن, وَهَذَا تكلف, الله تعالى أمر بالمبادرة والرسول أمر بالمبادرة, إن صح هَذَا. 

فالواصل هُوَ أن يصل الليل بالنهار ولا يفطر بينهما, وَالنَّبِيّ ﷺ نهى عَنْ الوصال, في الحديث الأول حديث مالك عَنْ نافع عَنْ ابن عمر أن رسول ﷺ نهى عَنْ الوصال, قَالَوا: إنك تواصل يا رسول الله, قَالَ: إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى

الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وَفِيهِ أَنَّهُ نهى عَنْ الوصال وبين أن الوصال من خصائصه, قَالَ: إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى

والحديث الثاني حديث أبي سعيد الخدري أَنَّهُ سمع رسول الله ﷺ يَقُولُ: لا تواصلوا, هَذَا نهي, فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حَتَّى السحر, قَالُوا: فإنك تواصل يا رسول الله, قَالَ: إني لست كهيئتكم، إن لي مطعمًا يطعمني، وساقيًا يسقيني

وَهَذَا الحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم, فالحديثان دليلان عَلَى النهي عَنْ الوصال, اختلف العلماء في هَذَا النهي هَلْ هُوَ للتحريم أم للتنزيه؟ 

فقال بعض العلماء: النهي للتحريم, وأن من واصل فَإِنَّهُ آثم يحرم عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ نهى وبين أن الوصال من خصائصه عليه الصلاة والسلام. 

والقول الثاني: أَنَّهُ للتنزيه ليس حرامًا, وَهَذَا هُوَ الصواب أَنَّهُ للتنزيه لأمرين:  

الأمر الأول: أن النَّبِيّ ﷺ فعله, فَإِنَّهُ يواصل فيكون فعله صارفًا للنهي عَنْ التحريم للتنزيه عَلَى القاعدة المشهورة, إِذَا نهى النَّبِيّ عَنْ شَيْء ثُمَّ فعله دل عَلَى أن النهي ليس للتحريم وَإِنَّمَا للتنزيه, وَكَذَلِكَ إِذَا أمر بشيء ثُمَّ فعله دل عَلَى أن الْأَمْرِ ليس للوجوب بَلْ للاستحباب. 

الأمر الثاني: أَنَّهُ واصل بالصحابة عليه الصلاة والسلام فيكون فعله صارفًا للنهي عَنْ التحريم, واصل بالصحابة آخر الشهر يومين ثُمَّ رأوا الهلال, فلو كَانَ الوصال حرامًا لما فعله النَّبِيّ وَالصَّحَابَة, النَّبِيّ نهاهم عَنْ الوصال وَالصَّحَابَة لحبهم للخير أرادوا أن يقتدوا به, فَقَالُوا: يا رسول الله إنك تواصل, يَعْنِي نريد أن نقتدي بك, فقال: لا تستطيعون, يَعْنِي مشقة, قَالُوا: يا رسول الله نريد أن نواصل, فنكل بهم عليه الصلاة والسلام من باب التنكيل لأخر الشهر. 

فصام بهم اليوم الأول يوم ثمانية وعشرين, وَلَمْ يفطروا بالليل ثُمَّ صاموا اليوم الثاني يوم التاسع والعشرين يومين, ثُمَّ رؤي الهلال, فقال: لو بقي اليوم الثلاثين لزدتكم يوم آخر, كالتنكيل يبين لهم أن عَلَيْهِمْ مشقة. 

فكونه ﷺ واصل بهم دل عَلَى أَنَّهُ للتنزيه وليس للتحريم, وقول النَّبِيّ ﷺ هنا:  إني أطعم وأسقى, وفي الحديث الآخر: إن لي مطعمًا يطعمني، وساقيًا يسقيني

اختلف العلماء في معناه, فقال بَعْضُهُمْ: المعنى أَنَّهُ يؤتى بطعام وشراب من الْجَنَّةَ وَهَذَا ضعيف؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ يؤتى بطعام وشراب من الْجَنَّةَ ما كَانَ صائمًا ما كَانَ مواصلاً كَانَ مفطر. 

والقول الثاني: أن المعنى أن النَّبِيّ ﷺ يفتح الله عَلَيْهِ من مواد أنسه ونفحات قدسه ما يغنيه عَنْ الطعام والشراب, كما قَالَ الشاعر: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عَنْ الطعام وتلهيها عَنْ الزاد. 

فمعنى أن الله تعالى يفتح عَلَى النَّبِيّ ﷺ من مواد أنسه ونفحات قدسه وتلذذه بالذكر ومناجاة ربه ما يغنيه عَنْ الطعام والشراب وَهَذَا هُوَ الصواب, وَهَذَا معروف ومجرب, تجد الإنسان إِذَا جاء خبر يسره يتلذذ بِهَذَا الخبر ولا يشتهي الطعام ولا الشراب فترة, كما أن الحزين كَذَلِكَ لا يأكل ولا يشرب وَهَذَا من خصائصه عليه الصلاة والسلام, هَذَا الحديث فِيهِ نص عَلَى أن الوصال من خصائص النَّبِيّ ﷺ . 

وفي الحديث الآخر قَالَ النَّبِيّ ﷺ: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حَتَّى السحر, فِيهِ دليل عَلَى جواز الوصال إِلَى السحر, يَعْنِي يصوم إِلَى السحر, يأكل أكلة واحدة في آخر الليل, يجعل غداءه سحورًا, وسحوره غداءً مرة واحدة, هَذَا جائز. 

قَالَ: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حَتَّى السحر, لكن الأفضل المبادرة بالفطر فتكون الأحوال ثلاثة: 

الحالة الأولى: الوصال, يصل الليل بالنهار ولا يأكل في الليل وَهَذَا مكروه أو حرام والصواب أَنَّهُ مكروه. 

والحالة الثانية: أن يواصل إِلَى السحر, يصوم الليل إِلَى السحر ويأكل أكلة واحدة في آخر الليل وَهَذَا جائز, ولكنه خلاف الأولى. 

والحالة الثالثة: المبادرة بالفطر إذا تحقق غروب الشمس وَهَذَا هُوَ الأفضل, وَهَذَا هُوَ الأكمل وَهَذَا هُوَ الَّذِي حث عَلَيْهِ الشارع. 

(المتن) 

باب الغيبة للصائم 

2362 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، قال أحمد: (فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه). 

(الشرح) 

هَذَا الباب عقده المؤلف رحمه الله بيان حكم الغيبة للصائم, الغيبة وقول الزور ما حكمها للصائم, ذكر فِيهِ حديث أبي هريرة عَنْ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، (قال أحمد), يَعْنِي الراوي شيخ المؤلف أحمد بن يونس: (فهمت إسناده من ابن أبي ذئب, وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه). 

هَذَا من التحري في الرواية, يَقُولُ الراوي: أنا فهمت إسناد الحديث من شيخي ابن أبي ذئب, أَمَّا الحديث فهمته من رجل بجواره وَهُوَ ابن أخيه. 

والحديث فِيهِ دليل عَلَى تحريم قول الزور وتحريم الغيبة والنميمة للصائم والكذب وقول الزور وشهادة الزور والسباب والشتام والغيبة, وَهِيَ ذكرك أخاك بما يكره, والنميمة أن ينقل الكلام من شخص إِلَى شخص. 

وأن من فعل ذَلِكَ في الصيام فَإِنَّهُ لا ثواب له وإن كَانَ صومه مجزئًا لا يقضي عَلَى الصحيح, قَالَ بعض العلماء: إن الصائم إِذَا اغتاب فَإِنَّهُ يبطل صومه ويقضي ذَلِكَ اليوم, لكن هَذَا قول ضعيف, والصواب أَنَّهُ لا يقضي صومه صحيح لكن لا ثواب له, صومه مجزئ لكن لا ثواب له. 

قَالَ ابن بطال: ليس معناه أَنَّهُ يؤمر بأن يدع الصيام, وَإِنَّمَا نهي تحريم قول الزور وما ذكر معه, وقوله: فَلَيْسَ لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه, قال المعنى لا مفهوم له إن الله لا يحتاج إِلَى شَيْء, وَإِنَّمَا معناه فَلَيْسَ لله إرادة في صيامه, فوضع الحاجة في موضع الإرادة. 

قَالَ ابن معين: هَذَا كناية عَنْ عدم القبول, كما يَقُولُ المغضب إِذَا ردوا عَلَيْهِ شيئًا طلبه: لا حاجة لي في كذا وكذا. 

ولهذا قَالَ ابن العربي: مقتضى هَذَا الحديث أَنَّهُ لا يثاب عَلَى صيامه, ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكره معه. 

واستدل العلماء بِهَذَا الحديث عَلَى أن الكذب والغيبة والنميمة وَهَذِهِ الأفعال تنقص الثواب, يَعْنِي أَنَّهُ لا يثاب عَلَى صيامه وإن كَانَ صومه مجزئ, مثل الصلاة إِذَا كثرت الوساوس فِيهَا وَلَمْ يحضر قلبه لا ثواب له إِلَّا ما عقل من الصلاة, ولكن الصلاة مجزئة, تبرأ بها الذمة أدى الواجب الَّذِي عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الصوم, لكن الثواب لا ثواب له إِلَّا ما عقل من صلاته, كَذَلِكَ الصيام, إِذَا اشتمل عَلَى غيبة ونميمة وسباب وشتام فالصواب أَنَّهُ مجزئ؛ لِأَنَّهُ امتنع عَنْ الطعام والشراب ولكنه لا ثواب له. 

والجهل ..أَيْضًا.. كَذَلِكَ يَعْنِي يجهل عَلَى النَّاس ويخطئ عَلَيْهِمْ, فهذا كله داخل في الأمور الَّتِي تحرم عَلَى الصائم أكثر من غيره, هِيَ محرمة في كُلّ وقت يَعْنِي الغيبة والنميمة والجهل محرم حَتَّى عَلَى المفطر, هَذَا من الكبائر, لكن في حَقّ الصائم أشد؛ لِأَنَّ الصائم ممتنع عَنْ الطعام والشراب الَّذِي أحله الله في غير هَذَا الصيام, فمن باب أولى أن يتمنع عَنْ المحرمات الَّتِي حرمها الله في كُلّ وقت. 

إِذَا كَانَ الصائم يمتنع عَنْ الطعام والشراب الَّذِي أحله الله لغير الصائم فمن باب أولى أن يترك المحرمات الَّتِي حرمها الله في كُلّ وقت عَلَى الصائم والمفطر؛ لِأَنَّ المحرمات محرمة عَلَى الصائم والمفطر. 

(المتن) 

2363 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم.  

 

(الشرح) 

هَذَا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي وأخرجه أَيْضًا الشيخان والنسائي من حديث أبي صالح السمان عَنْ أبي هريرة, وقوله: «ولا يجهل», كلمة ولا يجهل هُوَ الجهل, وفي الرواية الأخرى: من لَمْ يدع قول الزور والعمل به والجهل, والجهل جاءت في هَذَا الحديث في قوله: «ولا يجهل», وفي الحديث الآخر: من لَمْ يدع قول الزور والعمل به والجهل, وهنا قَالَ: «ولا يجهل». 

والرفث يَعْنِي الفحش من الكلام, فاحش الكلام والسخط, رفث يرفث, والجهل قريب من الرفث وَهُوَ خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل هَذَا هُوَ الجهل. 

وقوله: فليقل إني صائم إني صائم, تكرار يَعْنِي يبين لهذا الشخص الَّذِي قاتله أو شاتمه أن الَّذِي يمنع من الرد عَلَيْهِ هُوَ كونه صام لا العجز, اختلف العلماء هَلْ يَقُولُ هَذَا بلسانه أم بقلبه؟ 

فمنهم من قَالَ: إِنَّهُ يقوله بقلبه, ويمتنع بجوارحه, وَقِيلَ: إِنَّهُ يقوله بلسانه وَهَذَا هُوَ الصواب أن يَقُولُ بلسانه إني صائم إني صائم للتأكيد تكرار. 

قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يَقُوله بقلبه ثُمَّ جوارحه, يحدث به نفسه حَتَّى يمنع جواره من مقابلته ومن مشاتمته, ويحمي صومه من المكدرات, والصواب أَنَّهُ يقوله بلسانه وبجوارحه يَقُولُ: إني صائم إني صائم. 

يَعْنِي يَقُولُ: ما يمنعني من الرد عليك إِلَّا أني صائم, احترم صومي وأصون صومي, وَهَذَا ممنوع منه حَتَّى غير الصائم, المفطر إِذَا شتم أحد فلا ينبغي أن يرد عَلَيْهِ, ولكن له أن يقتص منه, فَإِذَا سبه إنسان له أن يرد السبة بسبة واحدة يرد سبته عَلَيْهِ وَهَذَا قصاص, ولكن إِذَا لَمْ يرد فهذا أفضل فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[الشورى/40]. 

قَالَ عليه الصلاة والسلام: المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم, يَعْنِي إِذَا سبه وَقَالَ: قبحك الله, له أن يرد سبابه يَقُولُ: قبحك الله أنت, هَذَا قصاص, وإن عفى فَهُوَ أفضل, لكن لا يزيد فَإِن زاد قَالَ: قبحك الله, ثُمَّ قَالَ الآخر: قبحك الله قبحك الله, مرتين, فالأولى قصاص والثانية ظلم, أو قَالَ: قبحك الله, فقال له: قبحك الله وأخزاك, الثانية ظلم, الأول قصاص والثانية ظلم. 

فإن اقتص فله أن يقتص وإن عفا فَهُوَ أفضل, قَالَ تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[الشورى/40]. 

(المتن) 

باب السواك للصائم 

2364 - حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا شريك، ح وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله ﷺ: «يستاك وهو صائم»، زاد مسدد ما لا أعد، ولا أحصي. 

(الشرح) 

هَذَا الباب السواك للصائم ما حكمه؟ ذكر فيه حديث عاصم بن عبيد الله وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي وَقَالَ: حسن, لكن الحديث ضعيف, فِي إسناده عاصم بن عبيد الله, وعاصم بن عبيد الله تكلم فِيهِ غير واحد, لكن يغني عَنْ هَذَا الحديث حديث عائشة, السواك مطهرة للفم مرضاة للرب

هَذَا صحيح, وَكَذَلِكَ الحديث في الصحيحين لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواك عِنْد كُلّ صلاة, وفي رواية عِنْد كُلّ وضوء

هَذَا الحديثان يغنيان عَنْ هَذَا الحديث, وَفِيهِ من الفوائد دليل عَلَى أن استحباب السواك في كُلّ وقت للصائم وغيره, أول النهار وآخره, لعموم: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب

 لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواك عِنْد كُلّ صلاة, وفي رواية عِنْد كُلّ وضوء

دل عَلَى استحباب السواك في كُلّ وقت للصائم ولغيره, للصائم والمفطر أول النهار وآخره, وَكَانَ كثيرًا ما يستاك إِذَا دخل بيته يتأكد عِنْد دخول البيت وَعِنْد الوضوء وَعِنْد تغير الفم, وله فوائد السواك؛ حَتَّى قَالَ بعض العلماء له أكثر من مائة فائدة, ومن فوائده أَنَّهُ يذّكر بالشهادة عِنْد الموت. 

وَالنَّبِيّ ﷺ استاك في آخر حياته, والصائم يستحب له السواك في أول النهار وفي آخره, وَذَهَبَ بعض العلماء الشافعي والأوزاعي وعطاء ومجاهد إِلَى كراهة السواك للصائم آخر النهار, قَالُوا: لخلوفه, قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيّ قَالَ: لخلوف فم الصائم أطيب عَنْد الله من ريح المسك, وخلوف فمه يَعْنِي الرائحة الَّتِي تنبعث من فمه في آخر النهار. 

قَالُوا: السواك يزيل هَذِهِ الرائحة وَهَذِهِ الرائحة محبوبة عِنْد الله, فلهذا قَالُوا: يكره للصائم أن يستاك من الظهر إِلَى غروب الشمس, يكره كراهة تنزيه وليس بحرام, ويستحب أن يستاك من أول النهار إِلَى الظهر, قَالُوا: في آخر النهار يكره والصواب أَنَّهُ لا يكره, الصواب الَّذِي عَلَيْهِ المحققون أَنَّهُ لا يكره لا في أول النهار ولا في آخره. 

والخلوف لا يزيله السواك, الخلوف وَهِيَ الرائحة المنبعثة من المعدة هَذِهِ سببها خلو الطعام, خلو المعدة من الطعام والشراب, وَهَذَا موجود تسوك أم لَمْ يتسوك فلا يزيلها, وَعَلَى هَذَا فيستحب السواك لكن بشرط أن يكون السواك لين ليس صلبًا يجرح اللثة وليس ضعيفًا يتفتت ويذهب فتاته إِلَى الحق, وليس فِيهِ طعمية كما يجعل بعض النَّاس طعمية حرارة شَيْء من الفلفل أو الحر لا, يكون يغسله إِذَا كَانَ فِيهِ مواد, ولا يكون ضعيف يتفتت ولا قوي يابس يجرح اللثة, فَإِذَا كَانَ بهذه المثابة فَإِنَّهُ يستحب في أول النهار وفي آخره, والقول بالكراهة قول ضعيف. 

والتعليل الَّذِي ذكروه أَنَّهُ يزيل الخلوف لا يزيل الخلوف؛ لِأَنَّ الخلوف أو الرائحة منبعثة سببها خلو المعدة, وخلو المعدة موجود تسوك أم لَمْ يتسوك, وَعَلَى هَذَا يستحب السواك للصائم من أول النهار وآخره وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ المحققون من أهل العلم. 

أَمَّا المعجون تركه أولى؛ لِأَنَّ المعجون له قوة قَدْ تنفذ إِلَى الحلق, فالإنسان يكتفي بالسواك, لكن يجعل المعجون في الليل أو بَعْدَ السحور قبل الفجر. 

(المتن) 

باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق 

2365 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: رأيت رسول الله ﷺ أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم، وصام رسول الله ﷺ، قال أبو بكر: قال: الذي حدثني لقد رأيت رسول الله ﷺ بالعرج يصب على رأسه الماء، وهو صائم من العطش، أو من الحر. 

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة للصائم يصب عَلَيْهِ الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق, ذكر فِيهِ عَنْ بعض أصحاب النَّبِيّ ﷺ «أن النَّبِيّ ﷺ أمر النَّاس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم، وقال أبو بكر: لقد رأيت رسول الله ﷺ بالعرج», العرج: قرية بلدة عَلَى أيام من المدينة. 

يصبوا عَلَى رأسه الماء وَهُوَ صائم والحديث سنده عَلَى شرط مسلم لا بأس به, وَهُوَ دليل عَلَى جواز اغتسال الصائم وصب الماء عَلَى رأسه لتخفيف الحر والعطش, هَذَا فِيهِ دليل عَلَى جواز اغتسال الصائم سواء كَانَ غسل الواجب من الجنابة أو غسل مستحبًا كغسل الجمعة, أو غسلاً مباحًا؛ حَتَّى ولو مباح. 

الحديث دليل عَلَى جواز اغتسال الصائم وصب الماء عَلَى رأسه تخفيفًا من الحر أو العطش, وَكَذَلِكَ النوم تَحْتَ المكيف لا حرج أن ينام تَحْتَ المكيف لتخفيف الحر, ولا كراهة في ذَلِكَ, وسواء كَانَ الغسل واجبًا كغسل الجنابة أو مسنونًا كغسل الجمع أو مباح وَهَذَا هُوَ الصواب الَّذِي عَلَيْهِ جمهور العلماء ودل عَلَيْهِ هَذَا الحديث. 

وَذَهَبَ الأحناف إِلَى كراهة الاغتسال للصائم قَالُوا: يكره الاغتسال للصائم وَهَذَا ضعيف. 

والحديث فِيهِ دليل عَلَى جوب الفطر للصائم إِذَا قرب من العدو إِذَا كَانَ في الجهاد في سبيل الله, فَإِن النَّبِيّ ﷺ لما سافر عام الفتح لفتح مَكَّة أمر بالفطر وَقَالَ: تقووا لعدوكم, وأمرهم بالإفطار, فصام بعض النَّاس, ثُمَّ لما قربوا أمرهم بالإفطار, لما قربوا مَكَّة, فقيل له: إن بعض النَّاس صاموا, فقال: أُولَئِكَ العصاة, أُولَئِكَ العصاة, أُولَئِكَ العصاة

فدل عَلَى أن وجوب الفطر للصائم في الجهاد إِذَا قرب من العدو؛ لِأَنَّ الفطر أقوى عَلَى العدو, لقوله: تقووا لعدوكم, فالإنسان إِذَا كَانَ صائم يكون عنده ضعف, قَدْ يكون عطشان فيشق عَلَيْهِ حمل السلاح وَالصبر والتحمل. 

وهنا قَالَ: «ويبالغ في الاستنشاق», وثبت في الحديث الَّذِي بعده النهي المبالغة للصائم. 

(المتن) 

2366 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثني يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن صبرة قال: قال رسول الله ﷺ: بالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا

 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وَقَالَ الترمذي: حسن صحيح, والحديث فِيهِ دليل عَلَى كراهة المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم, واستحباب المبالغة لغير الصائم, والحديث دل عَلَى حكمين:  

الحكم الأول: استحباب المضمضة والاستنشاق للصائم؛ لِأَنَّهُ أبلغ في النظافة وأبلغ في امتثال الْأَمْرِ.  

الحكم الثاني: وَهُوَ دليل عَلَى كراهة المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم خشية أن يتهرب شَيْء من الماء إلى حلقه, واختلف العلماء إِذَا دخل الماء من المضمضة والاستنشاق إِلَى جوفه, هَلْ يفطر أو لا يفطر, يتهرب الماء بالغ في المضمضة والاستنشاق فتهرب الماء إِلَى حلقه. 

فَذَهَبَ بعض العلماء إِلَى أَنَّهُ يفسد الصوم, وَهَذَا مروي عَنْ الأحناف وَعَنْ مالك والشافعي في أحد قوليه أَنَّهُ يفسد الصوم. 

والقول الثاني: أَنَّهُ لا يفسد الحكم وَهَذَا يروى عَنْ الإمام أحمد وإسحاق والأوزاعي وأصحاب الشافعي, أَنَّهُ لا يفسد الصوم كالناسي, كما أن الناسي لا اختيار له ولا إرادة فكذلك أَيْضًا إذا يتهرب الماء فَإِنَّهُ لا اختيار له ولا إرادة, فالصواب أَنَّهُ لا يفسد صومه. 

وَكَذَلِكَ لو طار إِلَى حلقه غبار من دون اختيار دخل حلقه فلا يفطر وَكَذَلِكَ لو طار إِلَى حلقه حشرة ذباب أو غيره فلا يفطر؛ لِأَنَّهُ لا اختيار له, قَالَ الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[البقرة/286]. قَالَ الله قَدْ فعلت» رواه مسلم في صحيحه, وَهَذَا هُوَ الصواب. 

والطيب كَذَلِكَ له أن يتطيب لكن ليس له أن يستنشق البخور, إِذَا كَانَ صائم فلا يستنشق البخور؛ لِأَنَّه يصل إِلَى الدماغ. 

وَقَالَ الخطابي: فِيهِ من الفقه أن وصول الماء إِلَى موضع الدماغ يفطر الصائم إِذَا كَانَ ذَلِكَ بفعله, ويقاس عَلَى ذَلِكَ كُلّ ما وصل إِلَى جوفه بفعله من حقنة وغيرها, سواء كَانَ ذَلِكَ في موضع الطعام أو الغذاء, يَعْنِي مثل الإبر الَّتِي تصل إِلَى الجوف سواء كانت في العضل أو في العظم, الجمهور عَلَى أَنَّهَا تفطر الصائم؛ لأنها مثل وصول الماء إِلَى جوفه إِذَا كَانَ باختياره. 

وَذَهَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة إِلَى أَنَّهَا لا تفطر؛ لأنها ليست أكلاً ولا شربًا ولا في معنى الأكل والشرب, ولكن الاحتياط أن اَلْمُسْلِم لا يستعمل الإبرة في الصيام؛ لِأَنَّ الجمهور يرون أَنَّهَا تفطر الصائم يحتاط الإنسان لصيامه, وَكَذَلِكَ سحب الدم الكثير فَإِن هَذَا مقيس عَلَى الحجامة كما سيأتي في الباب الَّذِي بعده. 

(المتن) 

باب في الصائم يحتجم 

2367 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن هشام، ح وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا شيبان، جميعا عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء يعني الرحبي، عن ثوبان، عن النبي ﷺ قال: أفطر الحاجم والمحجوم، قال شيبان: أخبرني أبو قلابة، أن أبا أسماء الرحبي، حدثه، أن ثوبان، مولى رسول الله ﷺ أخبره، أنه سمع النبي ﷺ. 

2368 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا شيبان، عن يحيى، قال: حدثني أبو قلابة الجرمي، أنه أخبره، أن شداد بن أوس، بينما هو يمشي مع النبي ﷺ فذكر نحوه. 

(الشرح) 

يَعْنِي ذكر حديث: أفطر الحاجم والمحجوم

(المتن) 

2369 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس، أن رسول الله ﷺ أتى على رجل بالبقيع، وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم، قال أبو داود: وروى خالد الحذاء، عن أبي قلابة، بإسناد أيوب، مثله.

 (الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وَفِيهِ أن النَّبِيّ قَالَ: أفطر الحاجم والمحجوم, والحديث الثاني فِيهِ أن النَّبِيّ أتى عَلَى رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي فقال: أفطر الحاجم والمحجوم

وَهَذِهِ المسألة من المسائل الَّتِي اختلف فِيهَا العلماء اختلافًا قويًا كما سيأتي. 

(المتن) 

2370 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن بكر، وعبد الرزاق، ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم، عن ابن جريج، أخبرني مكحول، أن شيخا من الحي قال عثمان: في حديثه مصدق، أخبره، أن ثوبان مولى رسول الله ﷺ أخبره أن النبي ﷺ قال: أفطر الحاجم والمحجوم

 

(الشرح) 

وهذا الحديث ضعيف في إسناده وَفِيهِ مجهول وَهُوَ شيخه من الحي, وهو بمعنى الحديث السابق, «أفطر الحاجم والمحجوم», والرواية الأولى عَنْ أبي أسماء الرحبي وهنا قَالَ: عَنْ شيخ من الحي, وأحاديث الحجامة يشد بعضها بعضًا كما قَالَ الإمام أحمد تصلح للاحتجاج. 

(المتن) 

2371 - حدثنا محمود بن خالد، حدثنا مروان، حدثنا الهيثم بن حميد، أخبرنا العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن النبي ﷺ، قال: أفطر الحاجم والمحجوم، قال أبو داود: ورواه ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول بإسناده مثله. 

(الشرح) 

هذا كله عَنْ مكحول عَنْ ثوبان وأحاديث أفطر الحاجم والمحجوم, قَالَ الإمام أحمد: أنا أذهب إليها يشد بعضها بعضًا, ومثل ذَلِكَ حديث لا نكاح إِلَّا بولي, يشد بعضها بعضًا. 

(المتن) 

باب في الرخصة في ذلك 

2372 - حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمر، حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ احتجم وهو صائم، قال أبو داود: رواه وهيب بن خالد، عن أيوب، بإسناده مثله وجعفر بن ربيعة، وهشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله. 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وَفِيهِ أن النَّبِيّ ﷺ احتجم وَهُوَ صائم. 

(المتن) 

2373 - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ احتجم وهو صائم محرم

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وَقَالَ الترمذي: حسن صحيح, هنا قَالَ: احتجم وَهُوَ صائم محرم, والحديث الأول احتجم وَهُوَ صائم, احتجم وَهُوَ صائم محرم هَذَا محمول عَلَى أَنَّهُ في السفر؛ لِأَنَّ الإحرام لا يكون إِلَّا في السفر, احتجم وَهُوَ صائم, الثاني: احتجم وَهُوَ صائم محرم. 

(المتن) 

2374 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني رجل، من أصحاب النبي ﷺ، «أن رسول الله ﷺ نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه» فقيل له: يا رسول الله، إنك تواصل إلى السحر، فقال: إني أواصل إلى السحر، وربي يطعمني ويسقيني

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه عبد الرزاق وابن ماجه عَنْ وكيع عَنْ الثوري بإسناده, وَقَالَ الحافظ في الفتح: إسناده صحيح, وَفِيهِ أَنَّهُ ينهى عَنْ الحجامة في المواصلة, نهى عَنْ الحجامة والمواصلة يَعْنِي للصائم, المواصلة يَعْنِي الوصال, الوصال وَهُوَ صوم الليل مَعَ النهار كما سبق. 

نهى عَنْ الحجامة للصائم ونهى عَنْ الوصال للصائم, قَالَ: «وَلَمْ يحرمهما إبقاءً عَلَى أصحابه», يَعْنِي ما حَرَّمَ الحجامة ولا حَرَّمَ الوصال, «إبقاءً عَلَى أصحابه», يَعْنِي رفقًا بأصحابه. 

فقيل له: يا رسول الله، إنك تواصل إلى السحر، فقال: إني أواصل إلى السحر، وربي يطعمني ويسقيني

(المتن) 

2375 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة، عن ثابت، قال: قال أنس: «ما كنا ندع الحجامة للصائم، إلا كراهية الجهد». 

(الشرح) 

وَهَذَا الحديث أخرجه البخاري, يَعْنِي أنس يَقُولُ: ما كنا نترك الحجامة للصائم إِلَّا أَنَّهَا تشق عَلَى الصائم هَذَا اجتهاد من أنس رضي الله عنه وَهَذِهِ الأحاديث حديث الإفطار أن الصائم يفطر بالحجامة هَذَا مداره عَلَى أحاديث ثوبان رضي الله عنه. 

والعلماء اختلفوا في الحجامة هَلْ تفطر أم لا تفطر, الجمهور يرون أن الحجامة لا تفطر, الجمهور عَلَى أن الحجامة لا تفطر الصائم. 

وَذَهَبَ الإمام أحمد وجماعة إِلَى أن الحجامة تفطر الصائم, أخذًا من حديث ثوبان أفطر الحاجم والمحجوم, وَقَالُوا: إن النَّبِيّ أتى عَلَى رجل بالبقيع وَهُوَ يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم

واختلف العلماء في هَذَا كما ذكر أهل العلم, فَذَهَبَ جمع من أهل العلم إِلَى أن الحجامة تفطر الصائم, وأخذوا بظاهر هَذَا الحديث أفطر الحاجم والمحجوم

ذَهَبَ إِلَى هَذَا الإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهوية وَقَالَ: من احتجم فعليه القضاء وليست عَلَيْهِ الكفارة, وَذَهَبَ عطاء إِلَى من احتجم وَهُوَ صائم في شهر رمضان فعليه القضاء والكفارة أَيْضًا. 

والقول الثاني قول الجمهور وَهُوَ أن الحجامة لا تفطر الصائم, أنس رضي الله عنه قَالَ: ما نترك الحجامة إِلَّا من أجل الجهد من أجل الضعف, وثبت عن جمع من الصَّحَابَة أَنهم كَانُوا يحجمون ليلاً منهم ابن عمر وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك, وَكَانَ مسروق والحسن البصري لا يرون للصائم أن يحتجم والأوزاعي كَانَ يكره ذَلِكَ. 

والجمهور قَالُوا: نهي عَنْ الحجامة من أجل الضعف, فرأوا أن الحجامة لا بأس بها للصائم وَأَنَّهَا لا تفطر الصائم, ذَهَبَ إِلَى هَذَا سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وَهُوَ قول أبي حنيفة وأصحابه. 

بماذا تأولوا هَذَا الحديث؟ هَذَا الحديث «أفطر الحاجم والمحجوم تأوله بتأويلات», قَالُوا: معنى قوله: أفطر الحاجم والمحجوم قَالُوا: المعنى تعرضا للإفطار, كيف تعرضا للإفطار؟ قَالُوا: أَمَّا المحجوم فللضعف الَّذِي يلحقه من ذَلِكَ, الضعف إِذَا احتجم لحقه الضعف حَتَّى يعجز عَنْ الصوم, فيؤدي بِذَلِكَ إِلَى الفطر. 

وكانت الحجامة سابقًا عَنْ طريق المص الحاجم يمص الدم, قَالُوا: لَابُدَّ أن يصل إِلَى جوفه من طعم الدم أو من شفته (..). 

فقال النَّبِيّ: أفطر الحاجم والمحجوم, يَعْنِي تعرض للإفطار كما يقال للرجل يتعرض للمالك: هلك فلان, وإن كَانَ باقيًا سالمًا, وَإِنَّمَا يراد به قَدْ يشرف عَلَى الهلاك, وَكَذَلِكَ قِيلَ: أفطر الحاجم والمحجوم أيْ تعرضا للإفطار, أَمَّا المحجوم فلأن الضعف الَّذِي يحصل له من سحب الدم يؤدي به إِلَى العجز عَنْ الصيام, وَأَمَّا الحاجم فلأنه يمص الدم فيذهب إِلَى الحلق شَيْء من الدم. 

وإن حجم بدون مص قَالُوا أَيْضًا: إن النَّبِيّ قَالَ: أفطر عقوبةً له عَلَى المخالفة؛ حَتَّى ولو لَمْ يمص الدم, فَقَالُوا: معنى أفطر يَعْنِي تعرض للإفطار, ومثله قوله ﷺ: من جعل عَلَى قضاء فقد ذبح بغير سكين, يريد أن يتعرض للذبح. 

وَقِيلَ في تأويله وجهًا آخر, التأويل الثاني قَالُوا: معنى أفطر الحاجم والمحجوم وأن النَّبِيّ ﷺ أتى عَلَى رجل بالبقيع وَهُوَ يحتجم مر بهما مساءً فقال: أفطر الحاجم والمحجوم, كأنه عذرهما بِهَذَا القول, إِذَا كانا قَدْ أمسيا ودخلا في وقت الإفطار؛ لِأَنَّهُ مر بهما مساءً, مر بهما في المساء يَعْنِي بعض الإفطار بَعْدَ الغروب قَالَ: أفطر الحاجم والمحجوم يَعْنِي دخل في المساء, فلا حرج في الحجامة, كما يقال: أصبح الرجل إِذَا دخل في الصباح, وأمسى إذا دخل في المساء وأظهر إِذَا دخل في وقت الظهر. 

هناك تأويل ثالث هؤلاء الَّذِينَ يرون أن الحجامة لا تفطر, التأويل الثالث: قَالُوا: هَذَا محمول عَلَى التغليط لهما والدعاء عليهما, فهذا محمول عَلَى أن النَّبِيّ غليظ عليهما ودعا عليهما, كقول النَّبِيّ فيمن صام الدهر: «لا صام ولا أفطر». 

فمعنى قوله: أفطر الحاجم والمحجوم, عَلَى هَذَا التأويل يَعْنِي بطل أجر صيامهما, فكأنهما صارا مفطرين غير صائمين. 

وَفِيهِ تأويل رابع أَيْضًا قَالُوا: إن معناه جاز أن يفطرا, كقولك: أحصد الزرع إِذَا حان أن يحصد, وأركب المهر إِذَا حان أن يركب, كُلّ هَذِهِ تأويلات للجمهور الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن الحجامة لا تفطر, وَأَمَّا الَّذِينَ يرون أن الحجامة تفطر كالإمام أحمد وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وَهُوَ اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله واختيار الشيخ محمد بن عثيمين انتصروا لهذا القول, وابن القيم رحمه الله انتصر لهذا القول وكتب في هَذَا أربعة عشر صفحة كلها في الحجامة. 

والخلاصة في هَذَا أن ابن القيم رحمه الله يَقُولُ للجمهور الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن الحجامة لا تفطر لا تستطيعون أن تقولون إن الحجامة تفطر إِلَّا إذا توافرت أربعة أمور: 

الأمر الأول: أن تثبتوا أن النَّبِيّ ﷺ احتجم في صيام الفريضة, يحتمل أَنَّهُ احتجم في صيام النفل, وصيام النفل له أن يفطر. 

الأمر الثاني: أن تثبتوا أن النَّبِيّ احتجم وَهُوَ صحيح غير مريض؛ لِأَنَّ الحجامة علاج, وَهَذَا مرض له علاج, ولهذا يذكر المحدثون الحجامة في كتاب الطب, كتاب الطب في البخاري ذكر الحجامة, وَكَانَ يحتجم كُلّ عام, احتجم المريض والمريض له أن يفطر. 

الأمر الثالث: أن تثبتوا أن النَّبِيّ ﷺ احتجم في الحضر, وَالنَّبِيّ احتجم في السفر, قَالَ: احتجم وَهُوَ محرم والمحرم مسافر, والمسافر له أن يفطر, قَالَ الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة/184]؛ هَذِهِ ثلاثة أمور. 

الأمر الرابع: أن تثبتوا أن النَّبِيّ احتجم بَعْدَ قوله: أفطر الحاجم والمحجوم. 

المحتمل أن النَّبِيّ ﷺ احتجم هَذَا أول ثُمَّ نسخ فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم», فَإِذَا تمهدت هَذِهِ الأمور الأربعة أمكن أن يقال: إن الحجامة تفطر, وإلا فلا تفطر. 

يَعْنِي يحتمل أن النَّبِيّ ﷺ احتجم في صيام النفل, أو احتجم وَهُوَ مريض, أو احتجم في السفر, أو احتجم قبل قوله: أفطر الحاجم والمحجوم, فَإِذَا تمهدت هَذِهِ الأمور الأربعة أمكن أن يقال: أنها تفطر. 

كتبت رسالة من قبل سنين موجودة الآن مطبوعة في هَذَا ذكرنا فِيهَا هَذِهِ الأقوال, وَفِيهَا بعض أحكام الصيام وَهِيَ موجودة مطبوعة وَقَدْ كتبتها قبل فترة قبل مدة, والسبب في هَذَا أن الإذاعة طلبوا مني كتابة قبل سنين, كتبنا فِيهَا أكثر من ثلاثين حلقة في رمضان, فجمعت هَذِهِ الحلقات وطبعت وَهِيَ موجودة الآن ومطبوعة, وكنا كتبنا عليها الجزء الأول ولكن اقتصرنا عليها. 

شوف كلام ابن القيم رحمه الله في هَذَا كلامه كله يدور عَلَى هَذِهِ الأمور, كتب فِيهَا أربعة عشر صفحة. 

قَالَ الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله: وروى الدارقطني في سننه عَنْ أنس قَالَ: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وَهُوَ صائم, فمر به النَّبِيّ ﷺ فقال: أفطر هذان, ثُمَّ رخص النَّبِيّ ﷺ بَعْد في الحجامة للصائم, وَكَانَ أنس يحتجم وَهُوَ صائم, قَالَ الدارقطني: كلهم ثقات ولا أعلم له علة. 

وعني أبي سعيد الخدري قَالَ: رخص رسول الله ﷺ في القبلة للصائم, ورخص في الحجامة, رواه النسائي. 

وَعَلَى هَذَا فيكون سحب الدم الآن الكثير مقيس عَلَى الحجامة, فينبغي للإنسان أن يحتاط ولا يسحب الدم إِلَّا في الليل, فَإِن اضطر إِلَى سحبه في النهار يقضي هَذَا اليوم احتياط, وإلا الحجامة كما ترون الآن نفس الحجامة فِيهَا خلاف, فسحب الدم مقيس عَلَيْها, ومثله فصل العرق مقيس عَلَيْهِ, فهذا يكون من باب الاحتياط. 

قَالَ ابن القيم: فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الأحاديث جماعة من العلماء ويروي ذَلِكَ عَنْ سعد بن أبي وقاس, وابن مسعود, وابن عباس وعبد الله بن عمر والحسين بن علي وزيد بن أرقم وعائشة وأم سلمة وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهم وَهُوَ مذهب عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهما, وَبِهِ قَالَ مالك والشافعي وأبو حنيفة, وَذَهَبَ إِلَى أحاديث الفطر بها جماعة, منهم علي بن أبي طالب. 

إذًا هؤلاء يَعْنِي ذهبوا إِلَى أيْ شَيْء, إِلَى أَنَّهَا لا تفطر, يروى هَذَا عمن؟ عَنْ سعد وأنه من الصحابة وأم سلمة وَبِهِ قَالَ مالك والشافعي قَالُوا: إِنَّهَا لا تفطر, وَذَهَبَ إِلَى أحاديث الفطر بها جماعة, يَعْنِي الأولون قَالُوا إِنَّهَا لا يتفطر, هؤلاء الجمع من الصَّحَابَة, وَذَهَبَ إِلَى أحاديث الفطر بها يَعْنِي أَنَّهَا تفطر جماعة المتأخرون. 

قَالَ ابن القيم: وَذَهَبَ إِلَى أحاديث الفطر بها جماعة منهم علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري, وروى المعتمر عَنْ أبيه عَنْ الحسن عَنْ غير واحد من أصحاب النَّبِيّ ﷺ قَالُوا: أفطر الحاجم والمحجوم ذكره النسائي. 

يَعْنِي أن هناك عدد الَّذِينَ قَالُوا بأنها لا تفطر عدد كبير من الصَّحَابَة, سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر والحسن بن علي وزيد بن أرقم, وعائشة وأم سلمة, وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة, ومذهب عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهما, وَبِهِ قَالَ مالك والشافعي وأبو حنيفة, جماهير العلماء عَلَى أَنَّهَا لا تفطر الحجامة, وَالَّذِينَ ذهبوا إِلَى أَنَّهَا تفطر جماعة من أهل العلم وَهُوَ مذهب الإمام أحمد وبعض الصَّحَابَة. 

قَالَ ابن القيم: وَأَمَّا أبو هريرة فروى عنه أبو صالح أفطر الحاجم والمحجوم ذكره النسائي وروى عنه شقيق بن ثور عَنْ أبيه أَنَّهُ قَالَ: لو احتجم ما باليت, ذكره عبد الرزاق والنسائي أَيْضًا, وَأَمَّا عائشة فروى عطاء وعياض بن عروة عنها «أفطر الحاجم والمحجوم», ذكره النساء وَقَالَ البيهقي: رويت الرخصة عنها وَذَهَبَ إِلَى الفطر من التابعين عطاء بن أبي رباح والحسن وابن سيرين وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ عبد الرحمن بن مهدي والأوزاعي والإمام أحمد وإسحاق بن راهوية أبو بكر بن المندر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. 

يَعْنِي هؤلاء كلهم من التابعين, هؤلاء كلهم ذهبوا إِلَى أن الحجامة تفطر, محمد بن إسحاق وابن خزيمة من الشافعية, وَكَذَلِكَ ابن المنذر. 

قَالَ ابن القيم: وأجاب المرخصون عَنْ أحاديث الفطر, بأجوبة, يَعْنِي أجوبة الجمهور الَّذِينَ يرون أن الحجامة لا تفطر. 

أحدها: القدح في تعليلها, يعني القدح فِيهَا وتعليها, القدح في الحديث عدم صحة الحديث. 

الثاني: دعوى النسخ فِيهَا, يعني أَنَّهَا منسوخة. 

الثالث: أن الفطر فِيهَا لَمْ يكن لأجل الحجامة؛ بَلْ لأجل الغيبة وذكر الحاجم والمحجوم للتعريف لا للتعليل. 

الرابع: تأويلها عَلَى معنى أَنَّهُ قَدْ تعرض لِأَنَّ يفطر, لما يلحقه من الضعف في أفطر بمعنى يفطر. 

الخامس: أَنَّهُ عَلَى حقيقته وأنهما قَدْ أفطرا حقيقةً, ومرور النَّبِيّ ﷺ بهما كَانَ مساءً في وقت الفطر, فأخبر ﷺ أَنَّهُما قَدْ أفطرا ودخلا في وقت الفطر, يَعْنِي فليصنعا ما أحبا. 

السادس: أن هَذَا تغليظ ودعاء عليهما لا أَنَّهُ خبر عَنْ حكم شرعي بفطرهما. 

السابع: أن إفطارهما بمعنى إبطال ثواب صومهما, كما جاء «خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة والنظرة السوء, واليمين الكاذبة», وكما جاء الحديث «الحدث حدثان حدث اللسان وَهُوَ أشدهما». 

الثامن: أَنَّهُ لو قدر تعارض الأخبار جملةً لكان الأخذ بأحاديث الرخصة أولى لتأييدها بالقياس, وشواهد وصول الشريعة لها, إذ الفطر إِنَّمَا قياسه أن يكون بما يدخل الجوف لا بالخارج منه كالفصاد والتشريط ونحوه, قَالَ الْمُفْطِرُونَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَة شَيْءٌ يَصِحّ. 

يَعْنِي عَلَى هَذَا الجمهور طعنوا في أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم, وأجابوا بأجوبة. 

الأول: أَنَّهُمْ قدحوا فِيهَا وعللوها. 

الثاني: أَنَّهُمْ ادعوا أَنَّهَا منسوخة. 

الثالث: الفطر ما هُوَ من أجل الحجامة بَلْ من شَيْء آخر. 

الرابع: يتأولوها كالتأويلات الَّتِي سمعتم. 

الخامس: قَالُوا: إِنَّهُ عَلَى حقيقته لكن قوله: أفطر الحاجم والمحجوم,هَذَا في المساء في الليل. 

السادس: أَنَّهُ تغليظ ودعاء عَلَيْهِمْ. 

السابع: أن الإفطار بمعنى إبطال الثواب. 

الثامن: أن الإخبار بالأخذ بأحد الرخصة أولى؛ لِأَنَّهُ يؤيده القياس. 

كُلّ هَذِهِ ثمانية أجوبة ثُمَّ ابن القيم كلها أجاب عَنْ هَذَا وأطال فِيهَا, ثُمَّ ذكر في آخره مثل سحب الدم هَلْ يقاس أو لا يقال (ثُمَّ اختلف هؤلاء في التشريط والفصاد), اللي هُوَ مثل سحب الدم الآن, في آخره ذكر أربعة عشر صفحة ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ اختلف هؤلاء في التشريط والفصاد هَلْ يفطر أو لا يفطر؟ فصد العرق والشرط مثل سحب الدم الآن, الآن الحجامة فِيهَا خلاف, الجمهور عَلَى أَنَّهَا لا تفطر, فسحب الدم يكون أضعف.  

قَالَ ابن القيم: ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحَدهَا: أَنَّهُ لَا يُفْطِر بِهِمَا. 

أيْ لا يفطر بالشرط والفصاد, يَعْنِي إِذَا سحب الدم ما يصير مثل الحجامة, أو فصد العرق. 

قَالَ ابن القيم: الثَّانِي: يُفْطِر بِهِمَا. 

الثَّالِث يُفْطِر بِالتَّشْرِيطِ دُون الْفِصَاد لِأَنَّ التَّشْرِيط عِنْدهمْ كَالْحِجَامَةِ. 

وَاخْتَلَفُوا فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد أَيّهمَا أَوْلَى بِالْفِطْرِ؟ وَالصَّوَاب الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ وَالْفِصَاد وَالتَّشْرِيط وَهُوَ اِخْتِيَار شَيْخنَا أَبِي الْعَبَّاس بْن تَيْمِيَّةَ وَاخْتِيَار صَاحِب الْإِفْصَاح. 

إذًا المسألة فِيهَا أقوال ثلاثة:  

قِيلَ: لا يفطر, وَقِيلَ: يفطر, وَقِيلَ: فرق بين التشريط والفصاد, ففصد العرق ما يفطر والتشريط يفطر, واختار المؤلف رحمه الله أَنَّهُ يفطر في الجميع, يَعْنِي في الحجامة يفطر, في الشرط شرط الجلد ويسحب الدم يفطر, فصد العرق يفطر, قَالَ: لِأَنَّهُ في معنى الحجامة, وَقَالَ: هَذَا هُوَ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واختيار صاحب الإفصاح لماذا؟ قَالَ: لِأَنَّ المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد. 

قَالَ ابن القيم: لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْجُود فِي الْحِجَامَة مَوْجُود فِي الْفِصَاد طَبْعًا وَشَرْعًا, وَكَذَلِكَ فِي التَّشْرِيط وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّ الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاس وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن الْفِصَاد وَالتَّشْرِيط, فَبِأَيِّ وَجْه أَخْرَجَ الدَّم أَفْطَرَ بِهِ كَمَا يُفْطِر بِالِاسْتِقَاءِ, بِأَيِّ وَجْه اسْتَقَاء إِمَّا بِإِدْخَالِ يَده فِي فِيهِ أَوْ بِشَمِّهِ مَا يَقِيئهُ أَوْ بِوَضْعِ يَده عَلَى بَطْنه وَتَطَامُنِه وَغَيْر ذَلِكَ فَالْعِبْرَة بِخُرُوجِ الدَّم عَمْدًا لَا بِكَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاج كَمَا اِسْتَوَى خُرُوج الدَّم بِذَلِكَ فِي إِفْسَاد الصَّلَاة وَنَقْضِ الطَّهَارَة عِنْد الْقَائِلِينَ بِهِ. 

يَعْنِي المهم إخراج الدم سواء بالفصد أو بالحجامة أو بالتشريط مثل التقيؤ, الآن التقيؤ إِذَا تقيأ متعمد بطل صومه بأي طريقة, سواء تقيأ أدخل أصبعه في حلقه فتقيأ أو عصر بطنه فتقيأ أو شم شَيْء تقيأ به, المهم إن تقيأ عامدًا كَذَلِكَ, فكذلك إخراج الدم سواء عَنْ طريق الحجامة أو فصد العرق أو سحب الدم هَذَا كلامه. 

قَالَ ابن القيم: وَبِهَذَا يَتَبَيَّن تَوَافُق النُّصُوص وَالْقِيَاس وَشَهَادَة أُصُول الشَّرْع وَقَوَاعِده وَتَصْدِيق بَعْضهَا بَعْضًا, فَإِنْ قِيلَ: فهب أن هذا يتأتى لكم في المحجوم فَمَا الْمُوجِب لِفِطْرِ الْحَاجِم؟ 

يَعْنِي يَقُولُ: إِذَا قُلْنَا هَذَا المحجوم يَعْنِي لا بأس أن يفطر المحجوم لكن الحاجم ما الَّذِي يجعله يفطر والآن في آلات جديدة ما يمص ولا شَيْء ولا يدخل في حلقه شَيْء؟ فقال بَعْضُهُمْ: يفطر عقوبة له؛ لِأَنَّهُ خالف أمر الله وأمر رسوله. 

قَالَ ابن القيم: فَإِنْ قِيلَ: فهب أن هذا يتأتى لكم في المحجوم فَمَا الْمُوجِب لِفِطْرِ الْحَاجِم؟ 

قُلْنَا لَمَّا كَانَ الْحَاجِم يَجْتَذِب الْهَوَاء الَّذِي فِي الْقَارُورَة بِامْتِصَاصِهِ الْهَوَاء يَجْتَذِب مَا فِيهَا مِنْ الدَّم فَرُبَّمَا صَعِدَ مَعَ الْهَوَاء شَيْء مِنْ الدَّم وَدَخَلَ فِي حَلْقه وَهُوَ لَا يَشْعُر. 

هَذَا في الأول كَانَ هكذا, الآن صار في آلات جديدة ما يمص, ما يمص بيده يسحب. 

قَالَ ابن القيم: وَالْحِكْمَة إِذَا كَانَتْ خَفِيَّة عُلِّقَ الْحُكْم بِمَظِنَّتِهَا كَمَا أَنَّ النَّائِم لَمَّا كَانَ قَدْ يَخْرُج مِنْهُ الرِّيح وَلَا يَشْعُر بِهَا عُلِّقَ الْحُكْم بِالْمَظِنَّةِ وَهُوَ النَّوْم وَإِنْ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ رِيح, فَإِنْ قِيلَ فَطَرْد هَذَا أَنْ لَا يُفْطِر الشَّارِط. 

يَعْنِي الَّذِي يسحب الدم ما في فسد يشرط يأتي بموس ويشق الجلد. 

قَالَ ابن القيم: قُلْنَا نَعَمْ وَلَا الْحَاجِم الَّذِي يَشْرِط وَلَا يَمُصّ أَوْ يَمُصّهُ مُفْطِر غَيْره. 

يَعْنِي الَّذِي يمصه واحد مفطر غير صائم. 

قَالَ ابن القيم: وَلَيْسَ فِي هذا مخالفة للنص فإن كلام النبي خَرَجَ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد وَهُوَ الَّذِي يَمُصّ الدَّم وَكَلَامه إِنَّمَا يَعُمّ الْمُعْتَاد فَاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ بِقَصْرِهِ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد لَا يَكُون تَعْطِيلًا لِلنَّصِّ وَاَللَّه أَعْلَم. 

وَفِيهِ تعليل آخر ذكره بَعْضُهُمْ: أَن يفطر الحاجم عقوبةً له. 

نكمل الجزء السابع ويليه باب في الصائم يحتلم نهارًا في شهر رمضان, هذا آخر المجلد السابع من عون المعبود نقف عَلَى أول المجلد السابع انتهي المجلد الذي معنا الأن إن شاء الله يكون هَذَا بَعْدَ العيد إن شاء الله في بدأ الدراسة في آخر شهر شوال نسأل الله للجميع التوفيق والسداد. 

الراجح الَّذِي عَلَيْهِ الفتوى كما سبق أن الحجامة تفطر, هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الفتوى الآن وَالَّذِي عَلَيْهِ المحققون شيخ الإسلام ابن القيم ويفتي به الآن العلماء, الآن مشايخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين وأن سحب الدم كَذَلِكَ, سحب الدم يفطر الصائم كما قَالَ ابن القيم رحمه الله: سحب الدم سواء عَنْ طريق الحجامة أو فصد العرق, إِذَا كَانَ كثير, بمقدار أن يسحب إبرة, أَمَّا إِذَا كَانَ يأخذ على رأس الأصبع شيء يسير ما يؤثر هَذَا, لكن إِذَا سحب مثل برواز أو بروازين هَذَا هُوَ مثل الحجامة الَّذِي عَلَيْهِ الفتوى الآن. 

(..) الأقرب والله أعلم أَنَّهَا لا تفطر, كما قَالَ العلماء إِنَّمَا هَذَا خرج عَنْ الحاجم المعتاد عادة الَّذِي يمص. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد