شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_4

00:00
00:00
تحميل
110

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب في الصائم يحتلم نهارًا في شهر رمضان 

2376 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من أصحابه، عن رجل، من أصحاب النبي ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب في الصائم يحتلم نهارًا في رمضان), يَعْنِي ما حكمه؟ هَلْ يكون الاحتلام سببًا في فطره أو أن صومه صحيح؟ 

ذكر المؤلف رحمه الله حديث زيد بن أسلم عَنْ رجل من أصحاب النَّبِيّ ﷺ قَالَ: قال رسول الله ﷺ: لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم

من قاء يَعْنِي من القيء من أخرج القيء أو من تقيء لا يفطر من قاء يَعْنِي من تقيأ وَهُوَ أن يخرج ما في بطنه, ولا من احتلم ولا من احتجم, ولكن الحديث ضعيف في سنده رجل مبهم, قَالَ: عَنْ رجل من أصحاب النَّبِيّ, فهذا الحديث ضعيف بِهَذَا السند ولكن ما دل عَلَيْهِ صحيح, ففيه تفصيل. 

ما دل عَلَيْهِ الحديث فَهُوَ صحيح فَإِن من قاء غير متعمد لا يفطر كما سيأتي في الأحاديث, وَكَذَلِكَ من احتلم لا يفطر؛ لِأَنَّهُ ليس له اختيار, من قاء يَعْنِي خرج القيء منه بدون اختياره يَعْنِي ذرعه القيء لا يفطر, أَمَّا من استمرأ القيء واستخرج القيء فَإِنَّهُ يفطر كما سيأتي في الأحاديث, وَكَذَلِكَ من احتلم فَإِنَّهُ يغتسل وصومه صحيح؛ لِأَنَّهُ ليس له اختيار. 

أَمَّا الحجامة للصائم ففيها أقوال لأهل العلم: 

الجمهور عَلَى أَنَّهَا لا تفطر. 

القول الثاني: وَهُوَ الصحيح أن الحجامة تفطر كما سبق في الأبواب السابقة, عِنْد أبي داود وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الفتوى أن الحجامة تفطر, ومثله سحب الدم الكثير, فَإِنَّهُ مقيس عَلَى الحجامة, وَكَذَلِكَ الفصد في العرق, أَمَّا الشيء القليل الَّذِي يؤخذ من رأس الأصبع يؤخذ شَيْء قليل هَذَا ما يؤثر, لكن سحب الدم إبرة أو إبرتين فهذا مقيس عَلَى الحجامة فَإِن الصائم يقضي احتياطًا. 

وَهَذَا الحديث ذكر الشارح رحمه الله أن أَيْضًا روي هَذَا الحديث بسند آخر عِنْد عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار, إلا أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف ضعف الحديث, وَقَالَ الترمذي بعد أن أخرجه: أخطأ فِيهِ عبد الرحمن ورواه غير واحد عَنْ زيد بن أسلم فَهُوَ مرسل, وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ذاهب الحديث, قَالَ يحيى ابن معين: حديث ابن أسلم ليس بشيء, وَقَالَ المنذري: لا يثبت, وأخرجه الدارقطني من حديث هشام بن سعيد عَنْ زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ أبي سعيد الخدري, قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: ثلاثة لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام

وهشام بن سعيد تكلم فِيهِ غير واحد لكن احتج به مسلم واستشهد به البخاري, والحديث روي عَنْ زيد بن أسلم مرسل, وأخرجه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن زيد أَيْضًا عَنْ أبيه, وَقَالَ: إِنَّهُ غير محفوظ, وذكر أن عبد الرحمن بن زيد ضعف الحديث. 

الحاصل أن الحديث ضعيف وَكَذَلِكَ المروي في هَذَا ضعيف, لكن هَذِهِ المسائل الثلاث جاء ذكرها في أحاديث أخرى, جاء في أحاديث أخرى صحيحة, وَهُوَ أن القيء لا يفطر إِذَا كَانَ عَنْ غير اختيار. 

أَمَّا إذا استذرع القيء واستخرجه بإدخال أصابعه في حلقه أو عصر بطنه ليتقيأ أو شم شَيْء ليتقيأ فهذا أفطر عَلَى الصحيح كما سيأتي في الحديث الآخر من ذرعه القيء فلا قضاء عَلَيْهِ,ومن استقاء فليقضي

تكلم ابن القيم رحمه الله عَلَى هَذَا الحديث قَالَ: هَذَا الحديث اختلف في إسناده ووصله وإرساله, واختلف في متنه, وتكلم عَلَيْهِ بنحو ما تكلم الشارح, قَالَ: إن هَذَا الحديث ضعيف وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أَيْضًا ضعيف لِأَنَّهُ ضعف الحديث, وَقَالَ: سمعت أبا داود والسجزي يَقُولُ: سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقَالَ: أخوه عبد الله بن زيد لا بأس به, قَالَ: قَدْ سمعت محمدًا يذكره عَنْ علي بن عبد الله, قَالَ: عبد الله بن زيد بن أسلم ثقة, وعبد الرحمن بن زيد يضعف, زيد بن أسلم له أولاد كلهم ضعفاء بَعْضُهُمْ أشد من بعض, عبد الرحمن أشد من ضعف الحديث. 

الحاصل: أن الحديث هَذَا ضعيف وما روي في الباب ضعيف, ولكن المسائل الثلاث جاء ذكرها في أحاديث أخرى كما سبق. 

(المتن) 

باب في الكحل عند النوم للصائم 

2377 - حدثنا النفيلي، حدثنا علي بن ثابت، حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم "، وقال: ليتقه الصائم، قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين هو حديث منكر يعني حديث الكحل ".

 

(الشرح) 

هَذَا الحديث ذكره في هَذَا الباب (باب في الكحل عِنْد النوم للصائم), يَعْنِي ما حكمه هَلْ يفطر الصائم أو لا يفطر؟  

ذكر فِيهِ حديث هوذة عَنْ النَّبِيّ ﷺ أَنَّهُ أمر بالإثمد المروح عِنْد النوم وَقَالَ: ليتقه الصائم, والمروح الَّذِي له رائحة, الحديث حكم عَلَيْهِ المصنف بأنه ضعيف, قَالَ أبو داود: قَالَ يحيى بن معين: هُوَ حديث منكر يعني حديث الكحل, فالحديث ضعيف في سنده عبد الرحمن بن النعمان بن معبد, وَهُوَ ضعيف كما قَالَ يحيى بن معين. 

والحديث منكر كما قاله أَيْضًا يحيى بن معين لأبي داود المصنف, وَعَلَيْهِ فلا حجة في هَذَا الحديث عَلَى اجتناب الصائم للكحل وَأَنَّهُ يفسد الصوم, عَلَى هَذَا ما دام الحديث لا يصح فلا حجة في الحديث ما يكون فِيهِ دليل عَلَى أن الكحل يفطر الصائم وَعَلَى أن الصائم يجتنب الكحل, وَهَذَا هُوَ الصواب الَّذِي عَلَيْهِ جمهور العلماء, أن الكحل لا يفطر الصائم. 

وَذَهَبَ بعض العلماء كابن ابن شيبة وابن أبي ليلى إِلَى أن الكحل يفسد الصوم, احتجاجًا بِهَذَا  الحديث, واستدلوا بحديث آخر: الفطر مِمَّا دخل والوضوء مِمَّا خرج

قَالُوا: هَذَا الحديث يَدُلَّ عَلَى أن الكحل يفسد الصوم ويضم إليه حديث الفطر مِمَّا دخل والوضوء مِمَّا خرج

وَأَيْضًا هَذَا الحديث ضعيف, الفطر مِمَّا دخل يَعْنِي ما يدخل الجسد هَذَا يفطر الصائم, والوضوء يكون مِمَّا يخرج كالبول والغائط, توضأ مِمَّا خرج , والفطر يكون مِمَّا دخل, لكن الحديث ضعيف أَيْضًا في سنده الفضل بن مختار وَهُوَ ضعيف أَيْضًا. 

هَذَا الحديث احتج به ابن أبي شيبة وابن أبي ليلى فقالا: إن الكحل يفسد الصوم وخالفهم الجمهور, جمهور الفقهاء, قَالُوا: الكحل لا يفسد الصوم, وَكَذَلِكَ قَالَ هَذَا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وأجابوا عَنْ الحديث بأنه ضعيف لا ينتهض إِلَى الاحتجاج. 

وجاء أَيْضًا هَذَا الحديث موصول أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة بلفظ: الفطر مِمَّا دخل والوضوء مِمَّا خرج, قَالُوا: إِذَا وجد طعمه في حلقه فقد دخل, ويجاب بأن في إسناده المختار بن الفضل وَهُوَ ضعيف أَيْضًا. 

والحنابلة والجماعة يَقُولُونَ: القطرة في العين والكحل في العين إِذَا وجد طعمه في حلقه أفطر, وَإِذَا لَمْ يجد طعمه في حلقه فلا يفطر. 

فَذَهَبَ شيخ الإسلام ابن تيمية وجمع من المحققين إِلَى أَنَّهُ لا يفطر ولو وجد طعمه في حلقه؛ لِأَنَّهُ ليس أكلاً ولا شربًا ولا في معنى الأكل والشرب. 

واحتج الجمهور عَلَى أن الكحل لا يفسد الصوم بحديث أخرجه ابن ماجه عَنْ عائشة رضي الله عنها أن النَّبِيّ ﷺ اكتحل في رمضان وَهُوَ صائم, لكن الحديث في إسناده بقية عَنْ الزبيدي عَنْ هشام, والزبيدي ذكره ابن عدي في ترجمته وَكَذَلِكَ البيهقي, وَقَالوا: إِنَّهُ مجهول. 

عَلَى كُلّ حال الجمهور يَقُولُونَ: الحديث هَذَا ضعيف, وَهَذَا الحديث الَّذِي فِيهِ الكحل ضعيف, فنرجع إِلَى الأصل, الأصل أن الصوم صحيح, الجمهور استدلوا بحديث ضعيف, ومن قَالَ إن الكحل يفطر استدل بحديث ضعيف, فيرجع إِلَى الأصل, والأصل أن الصوم صحيح, ولا يفسد الصوم إِلَّا بدليل. 

وقوله: عليكم بالإثمد المروح, المراد المطيب الممسك, كأنه جعل له رائحة تفوح بَعْدَ أن لَمْ تكن له رائحة. 

عبد الرحمن بن النعمان هَذَا ابن معين قَالَ: إِنَّهُ ضعيف, وأبو حاتم الرازي قَالَ: إِنَّهُ صدوق. 

(المتن) 

2378 - حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا أبو معاوية، عن عتبة أبي معاذ، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس بن مالك، أنه كان يكتحل وهو صائم

(الشرح) 

وَهَذَا سكت عنه المنذري. 

(المتن) 

2379 - حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، ويحيى بن موسى البلخي، قالا: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش قال: «ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم». «وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر». 

(الشرح) 

المخرَمي أو بالتشديد المخرّمي ضم الميم وفتح الخاء. 

الأثر الأول أثر أنس بن مالك كَانَ يكحتل وَهُوَ صائم وَهَذَا سكت عنه المنذري, والأثر الثاني عَنْ الأعمش قَالَ: (ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يعني النخعي يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر), هَذَا الأثر فِيهَا دليل لمذهب الجمهور عَلَى أن الكحل لا يفطر الصائم, ولكن إِذَا كَانَ الكحل يخشى أَنَّهُ يذهب إِلَى الحلق وتركه من باب الاحتياط فحسن, ولو اكتحل فلا يقال إِنَّهُ يفطر الصائم لِأَنَّهُ ليس فِيهِ حديث صحيح عَلَى تفطير الصائم, شيخ الإسلام تكلم بِهَذَا في رسالته حقيقة الصيام, وَقَالَ: إن الحديث ضعيف ولا يعمل به. 

(المتن) 

باب الصائم يستقيء عامدًا 

(الشرح) 

هَذَا من قاء متعمدًا فإنه يفطر ومن قاء وليس متعمد فلا يفطر. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد