بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:
باب التغليظ في من أفطر عمدًا
2396 - حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة، ح وحدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمارة بن عمير، عن ابن مطوس، عن أبيه، قال ابن كثير: عن أبي المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفطر يومًا من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر».
2397 - حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني حبيب، عن عمارة، عن ابن المطوس، قال: فلقيت ابن المطوس، فحدثني عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن كثير، وسليمان، قال أبو داود: «واختلف على سفيان، وشعبة، عنهما ابن المطوس، وأبو المطوس».
(الشرح)
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (باب التغليظ في من أفطر عمدًا), يَعْنِي باب ما جاء من الشدة والغلظة في الشخص الَّذِي يفطر عامدًا في نهار رمضان.
ذكر فِيهِ حديث أبي هريرة عَنْ أبي المطوس «من أفطر يومًا من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر».
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وذكره البخاري تعليقًا, والحديث ضعيف السند منكر المتن, وَهُوَ حديث غير صحيح, ومن أفطر يومًا من رمضان فعليه القضاء, عَلَيْهِ قضاء ذَلِكَ اليوم وَعَلَيْهِ التوبة والندم والاستغفار.
أَمَّا ضعف السند في هَذَا الحديث فَإِنَّهُ مضطرب, حيث روى أبو المطوس وروي ابن المطوس وروي المطوس قَالَ ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الروايات, وَقَالَ البخاري: تفرد أبي المطوس بِهَذَا الحديث ولا يعرف له غيره, ولا أدري أسمع أبوه من أبي هريرة أم لا.
قَالَ الترمذي: لا نعرفه إِلَّا من هَذَا والوجه, قَالَ أبو الحسن عدي بن خلف هُوَ حديث ضعيف لا يحتج بمثله.
وَأَيْضًا نقول: في سنده حبيب بن أبي ثابت مدلس وَقَدْ عنعن ولكنه قَدْ صرح بالتحديث في رواية الترمذي فزال المحظور من تدليسه, بقي ضعف السند وَأَمَّا نكارة المتن فَإِن فِيهَا أن إفطار يوم لا يقضي عنه صيام الدهر, وَهَذَا مخالف للأحاديث الصحيحة, فَإِن المجامع في صيام رمضان كما سبق يجزئه أن يكفر كفارة الظهار كما ثبت في الصحيحين وفي السنن والمسانيد, وجاء في بعض روايات الحديث في سنن أبي داود قبل هَذَا الحديث «وصم يومًا واستغفر الله», وأخذ به الأئمة الأربعة.
وَلِأَنَّ الله أوجب عَلَى المريض والمسافر إِذَا أفطرا أن يقضي عدد أيام فطره, وَأَمَّا فقه الحديث فقال بظاهر هَذَا الحديث بعض العلماء, قَالُوا: إن صوم الدهر لا يجزئه, هَذَا نسب إِلَى علي وابن مسعود, وَالَّذِي عَلَيْهِ أكثر السَّلَف أَنَّهُ يجزئه يومٌ بدل يوم, هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أكثر السَّلَف.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمًا قَضَى اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ اخْتَارَهُ شَهْرًا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِي بَدَلًا مِنْ كُلِّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رد عَلَيْهِ- يَلْزَمُهُ مَنْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ تِلْكَ الصلاة ألف شهر لأن الله عز وجل يَقُولُ {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قياسا على ذلك. ليوم اثني عشر يوما بالنسبة لأن
لِأَنَّ شهر رمضان شَهْرًا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فيلزم فيه الصيام اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا, إذن إِذَا ترك صلاةً في ليلة القدر يلزمه أن يقضي بدلها ألف صلاة, وَهَذَا ضعيف.
الصواب: أَنَّهُ يجزئه يوم مَعَ التوبة والاستغفار والندم.
وفي الرواية الثانية قَالَ أبو داود: اختلف عَلَى سفيان وشعبة عنهما ابن المطوس أو أبو المطوس, قَالَ حبيب بن أبي ثابت: فلقيت ابن المطوس، قَاله المزي, ولفظ الترمذي عَنْ حبيب بن أبي ثابت قَالَ: حدثني أبو المطوس عَنْ أبيه.
كُلّ هَذَا من الاضطراب في الحديث, وَعَلَى كُلّ حال الحديث ضعيف والصواب: أن من أفطر يومًا من رمضان عَلَيْهِ التوبة والاستغفار والندم وَعَلَيْهِ قضاء ذَلِكَ اليوم, مثل من ترك صلاةً عمدًا.
قَالَ بعض العلماء: من تركها لا تجزيه, ولا يدركها, ما دام متعمدًا بَعْدَ خروج الوقت, وَقَالَ آخرون: يقضيها ولو بَعْدَ خروج الوقت مَعَ التوبة والاستغفار, فَإِذَا تاب فالحمد لله.
قَالَ ملا علي القاري: الظاهر أن الصلاة في معنى الصوم فَإِنَّهُ لا فرق بينهما بَلْ هِيَ أفضل عِنْد جمهور العلماء.
قَالَ بعض العلماء في الحديث السابق حديث أبي المطوس: معنى قوله: لَمْ يقض عنه صوم الدهر من أفطر في غير رخصة يَعْنِي كسفر ومرض وهو محل للفطر لَمْ يقض عنه يَعْنِي ثواب ذَلِكَ اليوم صيام الدهر يَعْنِي صيامه فِيهِ, قَالَ الطيبي: معناه أَنَّهُ لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النفل وإن سقط قضاء صوم يوم واحد.
وَقَالَ بعض العلماء: الظاهر أن صوم الدهر كله بنية القضاء عما أفطره من رمضان لا يجزئه, وَالَّذِي عَلَيْهِ أكثر السَّلَف أَنَّهُ يجزئه يوم بدل يوم.
ولا يكره قضاء رمضان في زمن من الأزمان, وشذ بعض العلماء فكره في شهر ذي الحجة, ومن أفطر بغير عذر قَالَ: يلزمه القضاء فورًا عقب يوم عيد الفطر, يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ هَذَا من المباشرة.
وَأَمَّا من أفطر لعذر فَإِنَّهُ يسن له ذَلِكَ ولا يَجِبُ, فالوقت موسع حقه, قَالَ القاري: والظاهر أن الصلاة بمعنى الصوم, فَإِنَّهُ لا فرق بينهم, بَلْ هِيَ أفضل منه عِنْد جمهور العلماء.
قَالَ الأرنؤوط: إسناده ضعيف لضعف ابن المطوس واسمه يزيد بن المطوس وجهالة أبيه, وأخرجه النسائي في الكبرى من طريق شعبة بِهَذَا الإسناد وَهُوَ في مسند أحمد. ا. ه.ـ
جهالة أبيه كَذَلِكَ المطوس عَنْ أبيه مجهول.
قَالَ الشيخ الألباني رحمه الله: قلت: إسناده ضعيف ابن المطوس أو أبو المطوس لا يعرف له ولا أبوه, وَقَدْ أشار الإمام البخاري إِلَى تضعيفه وصرح بِذَلِكَ القرطبي وغيره.
قَالَ: إسناده حدثنا سليمان بن حرب قَالَ حدثنا شعبة وَقَالَ ح وحدثنا محمد بن كثير قَالَ: أخبرنا شعبة عَنْ حبيب بن أبي ثابت عَنْ عمارة بن عمير عَنْ ابن المطوس, قَالَ: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عَنْ سفيان حدثني حبيب عَنْ عمارة عَنْ ابن المطوس قَالَ: فلقيت ابن المطوس حدثني عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة, قَالَ قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث مثل حديث ابن كثير وسليمان.
قَالَ أبو داود: واختلف عَلَى سفيان وشعبة عنهما ابن المطوس وأبو المطوس, قَالَ الألباني رحمه الله: وَهَذَا إسناد ضعيف وَقَدْ أعل بثلاث علل:
الأولى: الاضطراب في سنده عَلَى ثلاثة أقوال:
الأول: أبو المطوس.
والثاني: ابن المطوس وَقَدْ ذكرهما المؤلف.
والثالث: المطوس, ذكره المنذري في الترغيب والتهريب.
قَالَ: الثانية والثالثة جهالة المذكور وجهالة أبيه, قَالَ الذهبي: اسمه يزيد بن المطوس ضعيف روى عنه حبيب بن أبي ثابت تفرد بحديث عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة.
يَعْنِي الاضطراب في ابن المطوس وجهالة ابن المطوس وجهالة أبيه, أَمَّا حبيب بن ثابت فَإِنَّهُ صرح في رواية الترمذي بالسماع, فزال المحذور, عَلَى كُلّ حال الحديث كما هو معلوم ضعيف السند منكر المتن.
قَالَ البخاري في التاريخ أَيْضًا: تفرد به أبو المطوس الحديث ولا أدري سمعه أبوه من أبي هريرة أم لا, قلت: واختلف فِيهِ عَلَى حبيب بن ثابت, وذكر هنا وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عَنْ حبيب بن أبي ثابت, ابن عمير عَنْ أبي المطوس عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة نحوه.
نشوف كلام عطاء (.....) نقل كلام ابن خزيمة قال إن صح الخبر.
قَالَ ابن خزيمة في صحيحه: إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ ابْنَ الْمُطَوِّسِ، وَلَا أَبَاهُ.
(المتن)
باب من أكل ناسيًا
2398 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن أيوب، وحبيب، وهشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أكلت وشربت ناسيًا، وأنا صائم؟ فقال: «الله أطعمك وسقاك».
(الشرح)
الباب الثاني باب من أكل ناسيًا ذكر فِيهِ حديث أبي هريرة أَيْضًا, قَالَ: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أكلت وشربت ناسيا، وأنا صائم؟ فقال: «الله أطعمك وسقاك».
الحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه, والحديث دليل عَلَى أن من أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح, ولا إثم عَلَيْهِ ولا قضاء ولا كفارة, سواء كَانَ في فرض أو نفل.
هَذَا هُوَ الَّذِي دل عَلَيْهِ, الحديث دل عَلَى أن من أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح ولا إثم عَلَيْهِ ولا قضاء ولا كفارة, سواء كَانَ هَذَا في الفرض أو النفل, هَذَا هُوَ الصواب والَّذِي عَلَيْهِ جمهور العلماء, وَالَّذِي دل عَلَيْهِ الحديث.
وَذَهَبَ الإمام مالك رحمه الله إِلَى أن الصوم يبطل بالنسيان ويجب القضاء, وَهَذَا ضعيف ولعل الحديث لَمْ يبلغه, الحديث لَمْ يبلغ مالك رحمه الله, ولا يمكن أن يكون بلغه الحديث ثُمَّ يَقُولُ: إن الصيام يبطل, هَذَا محمول عَلَى أَنَّهُ ما بلغه, وَكَذَلِكَ عن صيام من جامع ناسيًا فصومه صحيح, ولا قضاء عَلَيْهِ ولا كفارة عَلَى الصحيح, وَقِيلَ: عَلَيْهِ القضاء في الجماع.
قَالَ الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة/286]؛ جاء في صحيح مسلم قَالَ الله: «قَدْ فعلت».
وفي الحديث: «رفع عَنْ أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عَلَيْهِ».
فَإِن قِيلَ: يفرق بين الأكل والجماع الجماع يحتاج إِلَى فترة طويلة؟ الكلام في النسيان إِذَا كَانَ ناسي سواء كانت فترة طويلة أو كانت قصيرة, النسيان ما فِيهِ حيلة.
أَمَّا الجاهل ففيه خلاف فِيهِ تفصيل, ابن القيم رحمه الله ذكر: الحديث في الصحيحين حديث أبي هريرة, قَالَ: روى الدارقطني عَنْ أبي هريرة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هُوَ رزق الله ساقه الله إليه ولا قضاء عَلَيْهِ», وَقَالَ: هَذَا إسناد صحيح وكلهم ثقات, وفي رواية أخرى: «لا قضاء عَلَيْهِ ولا كفارة», قَالَ: وَهَذَا صحيح أَيْضًا.
وَقَالَ الخطابي: النسيان ضرورة والأفعال الضرورية غير مضافة للحكم إِلَى فاعلها, ولا يؤاخذ بها, وَهَذَا الحديث فِيهِ رد عَلَى الإمام مالك حديث قَالَ: إن الصوم يبطل بالنسيان, ويجب القضاء, وَهَذَا عَلَى كُلّ حال محمول عَلَى أَنَّهُ لَمْ يبلغه.
وفي رواية البخاري: «إِذَا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه».
وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ أَيْ مَا أَطْعَمَهُ أَحَدٌ وَلَا سَقَاهُ إِلَّا اللَّهُ.
فَدَلَّ هذا عَلَى أَنَّ هَذَا النِّسْيَانَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ لُطْفِهِ فِي حَقِّ عِبَادِهِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: النِّسْيَانُ ضَرُورَةٌ وَالْأَفْعَالُ الضَّرُورِيَّةُ غَيْرُ مُضَافَةٍ فِي الْحُكْمِ إِلَى فَاعِلِهَا وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا. وَهَذَا هُوَ الصواب.
وفي حديث أبي هريرة قَالَ: روى عبد الرزاق عَنْ عمرو بن دينار أن إنسان جاء إِلَى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أصبحت صائمًا فنسيت فطعمت, فقال: لا بأس, قَالَ: ثُمَّ دخلت إِلَى إنسان فنسيت وطعمت وشربت.
نسي مرة ثانية في نفس اليوم, قَالَ: لا بأس الله أطعمك وسقاك, قَالَ: ثُمَّ دخلت عَلَى آخر فنسيت وطعمت – مرة ثالثة في نفس اليوم- فقال أبو هريرة: أنت إنسان لَمْ تتعود الصيام.
ويروى: أو شربت اختصر عَلَيْهِ دون باقي المفطرات.
(المتن)
باب تأخير قضاء رمضان
2399 - حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: «إن كان ليكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان».
(الشرح)
هَذَا الباب في تأخير قضاء رمضان إِلَى شعبان ذكر فِيهِ حديث عائشة وَهُوَ حديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
والحديث فِيهِ دليل عَلَى أن قضاء رمضان في حَقّ من أفطر بعذر كحيض وسفر ومرض يَجِبُ عَلَى التراخي, ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان لكن يستحب المبادرة به, فَهُوَ دليل عَلَى أن قضاء رمضان في حَقّ من أفطر بعذر كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة والسفر والمرض يَجِبُ عَلَى التراخي إِلَى رمضان ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان ولكن يستحب المبادرة وَهَذَا مذهب الأئمة الأربعة والجماهير, وَهُوَ الَّذِي دل عَلَيْهِ الحديث.
وَقَالَ داود الظاهري: يَجِبُ المبادرة في أول يوم بَعْدَ العيد من شوال, وحديث عائشة يرد عَلَيْهِ عائشة أخرت القضاء إِلَى آخر شعبان.
الصواب قول الجماهير, ولكن لا يجوز تأخره عَنْ شعبان, فَإِن أخره فللعلماء أقوال, إِذَا أخر قضاء رمضان إِلَى ما بَعْدَ رمضان إِلَى رمضان الثاني, إن كَانَ بعذر هَذَا ما فِيهِ إشكال, معذور ما استطاع هَذَا يقضي بَعْدَ رمضان, لكن إِذَا كَانَ بغير عذر, للعلماء ثلاثة أقوال:
أحدهما: يقضي ويطعم عَنْ كُلّ يوم مسكينًا, يَعْنِي يقضي اليوم وكل يوم يطعم معه مسكين, أفتى بِذَلِكَ جماعة من الصَّحَابَة والتابعين, والفقهاء أَيْضًا, كالشافعي وأحمد ومالك وإسحاق, يقضي ويطعم عَنْ كُلّ يوم مسكين, الإطعام بسبب التأخير.
والثاني: أَنَّهُ يقضي وليس عَلَيْهِ فدية, ما عَلَيْهِ شَيْء يقضي فقط, قَالَ به بعض التابعين وَهُوَ مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحاب الرأي, أَنَّهُ يقضي بلا إطعام.
الثالث: المذهب الثالث قَالَ به طائفة من أهل العلم يطعم ولا يقضي, منهم سعيد بن جبير وقتادة قَالُوا: يطعم ولا يقضي, يَعْنِي يكفر عَنْ كُلّ يوم مسكين ولا يقضي.
والقول الأول قول وجيه؛ لِأَنَّ فِيهِ القول بأن عَلَيْهِ أن يطعم تربية له, فِيهِ تربية له؛ لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ له: اقضي ولا عليك شَيْء, صار يتساهل ولا يبالي, صار ما في فرق بين أن يقضي رمضان يؤخر سنة أو سنتين, لكن إِذَا قِيلَ: عليك كفارة فدية هَذَا فِيهِ تربية له, فالقول الأول قول حسن أفتى بها جمع من الصَّحَابَة والتابعين والفقهاء.
فَإِن قِيلَ: صيام الست من شوال, هَلْ يصومها ثُمَّ يقضي فيما بَعْدَ؟ الصواب أَنَّهُ يقدم القضاء؛ لِأَنَّهُ ما يسأله عَنْ الست وَإِنَّمَا يسأله عَنْ الواجب, هَذَا قَالَ به بعض العلماء, قَالَ: إِنَّهُ يصوم الست ويقضي, أو يصوم الاثنين والخميس ثُمَّ يقضي, لكن كيف الآن وفي ذمته الفرض والواجب وَهُوَ يتنفل؟!.
ثُمَّ أَيْضًا قضاء الست إِنَّمَا يكون بَعْدَ قضاء رمضان «من صام رمضان وأتبعه
ستًا من شوال», وَهَذَا ما صام رمضان, صام بعض رمضان, فكان جزء من رمضان, ما يتحقق في حقه صيام الست حَتَّى يكمل رمضان ويقضي ما عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصواب.
والظاهر أن عائشة كانت تصوت الست, لو كانت تصوم الست لأنها صامت رمضان, هَذَا محتمل أن يكون إِمَّا أَنَّهَا لا تتمكن, إِذَا لَمْ تتمكن من قضاء رمضان فالست من باب أولى, أو أن سنيتها في ذَلِكَ الوقت ما سنها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ قبل أن تشرع صيام الست.
ابن القيم رحمه الله أشار إِلَى هَذَا الخلاف فِي من أخر رمضان قَالَ: وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيث الشَّغْل بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة مُدْرَجَة فِي الْحَدِيث مِنْ كَلَام يَحْيَى بْن سَعِيد, قَالَ وَقَالَ يَحْيَى الشَّغْل مِنْ النبي أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي لَفْظ قَالَ يَحْيَى فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَفِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة أَيْضًا قَالَتْ إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لِتُفْطِر فِي رَمَضَان فِي زَمَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَقْدِر أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِي شَعْبَان.
والنية ما يتلفظ بها, النية في القلب محلها القلب, لا يتلفظ بها لا سرية ولا جهرية, وَإِنَّمَا محلها القلب, سواء في الصيام أو في الصلاة أو في غيرها.
أَمَّا قول بعض الفقهاء: أَنَّهُ يستحب أن ينطق بها سرًا, قَالَ بعض المتأخرين من الفقهاء: أَنَّهُ يستحب أن ينطق بها سرًا حَتَّى ينطق بها اللسان فهذا ضعيف, ما ثبت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا عَنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ كَانُوا يتلفظون بالنية, لا في الصلاة وفي الصيام ولا في الحج, حَتَّى في الحج ما يَقُولُ: اللَّهُمَّ نويت أن أحرم, ولكن في الحج يذكر نسكه في تلبيته, فيقول: لبيك عمرة لبيك حجة, لبيك عمرةً وحجة, لكن ما يَقُولُ: اللَّهُمَّ إني نويت الحج, أو نويت الصيام, ولهذا يتجه بعض النَّاس للأخذ بقول بعض المتأخرين من الفقهاء أن ينطبق بها سرًا تجده من بجواره يسمع: نويت أن أصلي فرض هَذَا اليوم فرض صلاة الفجر ركعتان خلف هَذَا الإمام, وَيَقُولُ: نويت أن أصوم هَذَا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إِلَى غروب الشمس, وَيَقُولُ: نويت العمرة أو نويت الحج, كُلّ هَذَا من النطق بالنية وَهَذَا غير مشروع.
النطق بالنية لا سرًا ولا جهرًا وَإِنَّمَا النية محلها القلب النية موجودة في القلب ينوي بقلبه بدون أن يتلفظ.