شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_11

00:00
00:00
تحميل
53

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: 

 باب متى يفطر المسافر إذا خرج. 

2412- حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن يزيد، ح وأخبرنا جعفر بن مسافر، أخبرنا عبد الله بن يحيى، المعنى حدثني سعيد بن أبي أيوب، زاد جعفر، والليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره، عن عبيد، قال: جعفر ابن جبر قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فرفع ثم قرب غداه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة «أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال جعفر في حديثه: فأكل. 

(الشرح) 

فهذه الترجمة فيها: بيان (متى يفطر المسافر إذا خرج) هل يفطر وهو في البلد أو لا يفطر إِلَّا بعد أن يجاوز البيوت؟ والمؤلف رحمه الله لم يجزم بالحكم لوجود الخلاف وجعل الحكم لطالب العلم حينما يتأمل الأحاديث ويستنبط الحكم. 

قَالَ: (باب متى يفطر المسافر إذا خرج) وجاء الجمهور عَلَى أَنَّه لا يفطر إِلَّا إذا جاوز البيوت كما فعل النَّبِيِّ r في حجة الوداع فَإِنَّهُ خطب الناس بعد الظهر وهو متهيئ للسفر فصلى الظهر أربعًا, ثم أنشأ السفر بعد الظهر ونزل في ذي الحليفة فصلى العصر ركعتين, فلم يترخص حتى جاوز البيوت, وذهب جمع وبعض الصحابة إِلَى أنه له أن يترخص قبل أن يجاوز البيوت كما في هذا الحديث, كما في حديث أبي البصرة. 

ففي هذا الحديث: قال: جعفر ابن جبر قال: «كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فرفع ثم قرب غداه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال جعفر في حديثه: فأكل. 

وهذا الحديث قَالَ الشوكاني: سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص, ورجال إسناده ثقات, ماذا قَالَ في الحديث عندك؟. 

الطالب: حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لجهالة كليب بْنُ ذُهل, عبيد اِبْن جبر وهو الغفاري وثقه العجلي وذكره يعقوب بْنُ سفيان في الثقات, وسعيد بْنُ أيوب هو اِبْن مخلاص الخزاعي, والليث هو اِبْن سعد, وأخرجه أحمد في مسنده والدارمي وابن خزيمة في صحيحه والطبراني في الكبير, والبيهقي في سننه, والمزي في ترجمة عبيد بْنُ جبر من تهذيبه من طريق سعيد بْنُ أبي أيوب بهذا الإسناد, وأخرجه أحمد في مسنده من طريقين عن يزيد بْنُ أبي حبيب وفي الباب عن دحية الكلبي سيأتي عند المصنف بعد هذا الحديث. 

وأخرجه عن أنس بْنُ مالك عند الترمذي وقال: حديث حسن, قَالَ في المغني: وإذا سافر في أثناء يومٍ من رمضان فحكمه في الثاني كمن سافر ليلًا في إباحة الفطر لليوم الذي سافر فيهِ, وعن أحمد روايتان إحداها: له أن يفطر وهو قول عمر بْنُ شرحبيل والشعبي وإسحاق, وداود وابن المنذر, والرواية الثانية: لا يباح له الفطر في ذلك اليوم وهو قول مكحول والزهري, ويحي الأنصاري ومالك والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي. 

الشيخ: عَلَى كل حال يشهد له حديث الترمذي عن محمد بْنُ كعب, قَالَ: «أتيت أنس بْنُ مالك في رمضان وهو يريد سفرًا أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ثم ركب».  

ففي هذا صحابيان في هذا الحديث: أبو بصرة الغفاري وأنس بْنُ مالك, صرح بأن يفطر المسافر قبل مجاوزة البيوت وأنه من السنة, وعلى هذا فعلى ما ذهب إليه بعض الصحابة أن الفطر يكون قبل مجاوزة البيوت, وَلَكِن جمهور العلماء عَلَى أَنَّه لا يجوز الترخص له حتى يجاوز البيوت؛ وهذا هو الصواب وهو الذي عليه العمل وعليه الفتوى وفيه الاحتياط للدين, وفعل النَّبِيِّ r فَإِنَّهُ r كَانَ لا يترخص في السفر حتى يجاوز البيوت كما في حديث الوداع فَإِنَّهُ خطب الناس بعد الظهر ولم يقصر الصلاة, ثم أنشأ السفر بعد الظهر ونزل بالحليفة فصلى بها العصر ركعتين, فلم يترخص حتى فارق البيوت وهذا الذي عليه جماهير العلماء, أما هذا هنا اجتهاد منهم رضي الله عنهم, فالأحوط للمسلم أن يأخذ بقول الجمهور ولا يترخص حتى يجاوز البيوت. 

والحديث دليل عَلَى أَنَّه يجوز للمسافر الفطر في رمضان في يوم سافر في أثناءه كما ذكر اِبْن قدامة, وروي عن بعض السلف ويدل له أيضًا أن النَّبِيِّ r خرج من المدينة في رمضان إِلَى مكة في غزوة الفتح فصام ثم أفطر, وهذا هو الصواب أَنَّه يجوز للإنسان المسافر أن يفطر في نفس اليوم الذي سافر فيهِ وهو روايتين عن الإمام أحمد وهو قول داود وابن المنذر وعمرو بْنُ شرحبيل والشعبي وإسحاق, وذهب الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة إِلَى أَنَّه لا يفطر في اليوم الأول وهو قول الزهري والأوزاعي ومكحول, قالوا: لا يفطر في اليوم الأول وَإِنَّمَا يفطر في اليوم الثاني، أما اليوم الأول فإنه يتمه. 

الطالب: دليلهم؟. 

الشيخ: دليلهم الأحاديث الَّتِي فيها أن النَّبِيِّ r عندما أفطر في رمضان لم يفطر في اليوم الأول. 

وفي المسألة قول شاذ وهو: أَنَّه إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم ثم سافر في أثناءه لم يجوز له الفطر, ولا يفطر حتى يدخل عليه رمضان مسافرًا, وهذا قول عبيدة السلماني، وأبي مجوز وسويد بْنُ غفلة قالوا: إنه لا يفطر إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم ثم سافر في أثناءه لم يجوز له الفطر, ولا يفطر حتى يدخل عليه رمضان مسافرًا, وقد صح أن النَّبِيِّ r خرج إِلَى الفتح في رمضان فصام وأفطر وقد دخل عليه رمضان وهو في المدينة فهذا قول شاذ, لَكِنْ الكلام في القولين الأولين: هل له أن يفطر في اليوم الأول الذي سافر في أثناءه أو ليس له أن يفطر؟ الصواب: أَنَّه له أن يفطر. 

الطالب: من فرق بين الصيام والصلاة؟. 

الشيخ: لماذا يفرق بينهما. 

الطالب: ذكر هنا قولًا لبعض أهل العلم: وللمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة. 

الشيخ: ما الفرق بينهما, رخص السفر واحدة, عَلَى كل حال هذا قول اِبْن القيم رحمه الله ذكر وتكلم عَلَى هذا الحديث وذكر حديث أبي بصرة وحديث أنس الذي رواه الترمذي: «أتيت أنس بْنُ مالك في رمضان وهو يريد سفرًا أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ثم ركب» قَالَ الترمذي: هذا حديث حسن.  

وفيه حجة لمن جوز للمسافر الفطر في يوم سافر في أثناءه, اليوم الذي سافر في أثناءه فيهِ خلاف هل يفطر أو لا يفطر؟ وأبو بصرة وأنس أفطرا قبل مجاوزة البيوت, قَالَ: وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقول عمر بْنُ شرحبيل والشعبي وإسحاق, وحكاه عن أنس وهو قول داود وابن المنذر؛ يرون أَنَّه يجوز للمسافر الفطر في اليوم الذي سافر فيهِ, وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: لا يُفطر وهو قول الزهري والأوزاعي ومكحول, وفي المسألة قول شاذ جدًا لا يُلتفت إليه: وهو أَنَّه إذا دخل عليه الشهر وهو مقيم ثم سافر في أثناءه لم يجوز له الفطر, ولا يفطر حتى يدخل عليه رمضان مسافرًا وهذا قول عبيدة السلماني وأبي مجوز وسويدة بْنُ غفلة, وقد صح أن النَّبِيِّ r خرج إِلَى الفتح في رمضان فصام وأفطر. 

الطالب: هل العلة تبنى على المشقة 

الشيخ: العلة ليست هي مشقة؛ العلة السفر لَكِنْ السفر مظنة المشقة, إذا كانت علة غير منضبطة فإنها لا تقيد بمشقة فالمشقة قد توجد وقد لا توجد لَكِنْ العلة هي السفر سواء وُجدت المشقة أو لم توجد. 

الطالب: الصواب أَنَّه لا يفطر حتى يجاوز البيوت. 

الشيخ: هذا الذي عليه جمهور العلماء وعليه العمل أَنَّه لا يفطر حتى يجاوز البيوت. 

الطالب: يستدل بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بعدما فارق البيوت. 

الشيخ: نعم لكن بَعْضُهُم فرق بين الصيام وبين الصلاة, الجواب: أن أحكام السفر واحدة, كيف يترخص في الصيام ولا يترخص في الصلاة؟. 

قَالَ الخطابي: هذا الحديث فيهِ حجة لمن رأى للمقيم في الصيام إذا سافر من يومه أن يفطر, وهو قول الشعبي وإليه ذهب أحمد بْنُ حنبل, وعن الحسن أَنَّه قَالَ: يفطر إن شاء وهو في بيته يوم يريد أن يخرج. 

وقال إسحاق بْنُ راهوية: إذا وضع رجله في الرحل فله أن يفطر, وحكاه عن أنس بْنُ مالك وشبهوه بمن أصبح صائمًا ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر من أجل المرض, قالوا: فكذلك من أصبح صائمًا ثم سافر؛ لِأَنّ كل واحدٌ من الأمرين سببٌ للرخصة حدث بَعْدَمَا مضى شيءٌ من النهار, فكما أَنَّه إذا كَانَ حدث المرض له أن يفطر فكذلك حال السفر له أن يفطر. 

الشارح قَالَ: قلت: والسفر لا يشبه المرض لِأَنّ السفر من فعله وهو الذي ينشئه باختياره, والمرض شيء يحدث عليه لا باختياره, فهو يُعذر فيهِ ولا يُعذر في السفر الذي هو فعل نفسه, ولو كَانَ في الصلاة فمُرض كَانَ له أن يصلي قاعدًا, ولو سافر وهو صائم لم يكن له أن يفطر, هذا من فرق بينهما. 

قَالَ أبو حنيفة وأصحابه: لا يفطر إذا سافر يومه ذلك وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي, وروي ذلك عن النخعي ومكحول والزهري, قلت: وهذا أحوط الأمرين أَنَّه لا يفطر في اليوم الذي سافر فيهِ, قَالَ: والإقامة إذا اختلط حكمها بحكم السفر غُلب حكم المقام. 

عَلَى كل حال المسألة كما هو واضح في حديث أبي بصرة وحديث أنس وأن بعض الصحابة يرى أَنَّه يجوز الفطر قبل مجاوزة البيوت,كأنهم يرون أن هذا حكم يخالف حكم الصلاة وأن الصلاة لا يترخص إِلَّا إذا جاوز البيوت, فإذا اُحتج عَلَيْهِمْ بكون النَّبِيِّ r أَنَّه لم يترخص في قصر الصلاة إِلَّا بعد مجاوزة البيوت قالوا: هذا في الصلاة, والبصري يقول: أترغب عن سنة رسول الله r؟. 

كذلك أنس, وَكَذَلِكَ قول الحسن, وَكَذَلِكَ إسحاق بْنُ راهوية وجماعة, لَكِنْ الأحوط ألا يترخص حتى يجاوز البيوت وهذا هو الذي عليه الجماهير من الصحابة والتابعين والعلماء. 

الطالب: أيسر له ان يفطر في البيوت (...) 

الشيخ: ليست المسألة بالنسبة, المسألة في الاحتياط والأخذ بما دلت عليه النصوص العامة وما عليه جماهير أهل العلم وجماهير الصحابة, الصحابي قد يتبين له وقد يفهم من النصوص أو من النَّبِيِّ r أَنَّه رخص له فيجتهد فيكون اجتهاده خاص, ولا يفهم هذا غيره من الصحابة. 

(المتن) 

باب قدر مسيرة ما يفطر فيهِ. 

2413- حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث يعني ابن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن منصور الكلبي، أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة، من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته، قال: «والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أني أراه، أن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه»، يقول: ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: «اللهم اقبضني إليك». 

2414- حدثنا مسدد، قال حدثنا المعتمر، عن عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما: «كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر». 

(الشرح) 

تكلم عَلَى الحديث هذا؟. 

الطالب: قال: حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف لجهالة منصور الكلبي, وهو اِبْن سعيد بْنُ الأصبغ أبو الخير هو مرثد بْنُ عبد الله اليزني, وأخرجه أحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه والطحاوي في شرح معاني الآثار, والطبراني في الكبير, والبيهقي في الكبرى, من طريق عن الليث بْنُ سعد بهذا الإسناد, وشاهده حديث أبي بصرة الغفاري الذي سلف قبله, وأخرجه الترمذي عن محمد بْنُ كعب أَنَّه قَالَ: «أتيت أنس بْنُ مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رُحلت له راحلته ولبس ثيابه فدعا بطعام فأكل فقلت له: سنة؟ قَالَ: سنة ثم ركب» وهو حديث حسن كما قَالَ الترمذي.  

الشيخ: مقصوده: سند الحديث ضعيف, يَعْنِي: منصور بْنُ سعيد الأصبغ الكلبي لم يروي عنه غير أبي الخير: وهو مرثد بْنُ عبد الله اليزني فيكون مجهولًا كما قَالَ الخطابي مجهول فيكون ضعيف السند لَكِنْ يشهد له حديث أبي بصرة وحديث أنس السابق, والحديث في متنه نكارة أيضًا من كون دحية دعا عَلَى نفسه بالموت مع أن النَّبِيِّ r نهى عن ذلك, قَالَ: «اللهم اقبضني إليك» يَعْنِي: لما رأى ناسًا رغبوا عن السنة. 

الحديث استدل بِهِ المجوزون للفطر في مطلق السفر؛ لِأَنّ فيهِ أن دحية بن خليفة أفطر في مسيرة ثلاثة أميال, والميل يقارب الكيلوين إِلَّا ثلث تقريبًا, فتكون ثلاثة أميال تعادل خمسة كيلو تقريبًا, الحديث استدل بِهِ المجوزون للفطر في مطلق السفر وأن مطلق السفر يُترخص فيهِ بالرخص ولا يُحد بيوم وليلة ولا بيومان ولا بثلاثة أيام؛ لِأَنّ فيهِ أن دحية الصحابي أفطر بمسيرة ثلاثة أميال. 

أُجيب عنه بأجوبة هذا الحديث: 

أولًا: أَنَّه حديث ضعيف لجهالة أحد رواته فلا يُحتج بِهِ. 

ثانيًا: أَنَّه عَلَى فرض صحته فليس فيهِ أن دحية أخبر عن النَّبِيِّ r أَنَّه أفطر في السفر القصير, وَإِنَّمَا قَالَ فيهِ: «إن قومًا رغبوا عن سنة رسول الله r» فلعلهم رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار. 

ثالثًا: أَنَّه يُحمل عَلَى أن الثلاثة أميال الَّتِي أفطر فيها دحية بداية السفر لا نهايته, ما في أن السفر ما يتجاوز ثلاثة أميال, يَعْنِي: أفطر بعد ثلاثة أميال وواصل السفر, وإذا تطرق إِلَى الدليل الاحتمال بطل الاستدلال؛ قاعدة أصولية. 

رابعًا: أن دحية يحتمل أَنَّه يرى جواز الفطر في مطلق السفر استدلالًا بظاهر اسم السفر, قد خالف غير واحد من الصحابة كابن عمر وابن عباس فإنهم لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة بُرد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنن. 

اِبْن القيم رحمه الله في هذا وشيخ الإسلام يرون أن مطلق السفر يترخص فيهِ, وهذا الحديث حجة لهم, لذلك أطال اِبْن القيم رحمه الله قَالَ: قَالَ المجوزون للفطر في مطلق السفر هب أن حديث دحية لم يثبت فقد أطلقه الله تعالى ولم يقيده بحد كما أطلقه في آية التيمم فلا يجوز حده إلا بنص من الشارع أو إجماع من الأمة وكلاهما مما لا سبيل إليه, كيف وقد قصر أهل مكة مع النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة ومزدلفة, وهذه أيضًا مسألة فيها كلام لأهل العلم, الحنابلة وجماعة يقولون: أهل مكة لا يقصرون, اِبْن القيم كما أقر هنا في زاد المعاد أنهم قصروا خلفه ولم يقل لهم أتموا. 

قَالَ: ولا تأثير للنسك في القصر بحال, يَعْنِي: هذا في قول بعض العلماء إن القصر في مزدلفة ومنة نسك وليس من أجل السفر, قَالَ: فإن الشارع إنما علل القصر بالسفر فهو الوصف المؤثر فيهِ, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سمي مسيرة البريد سفرًا في قوله: «لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر بريدا إلا مع ذي محرم» وقال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}[النساء/43]. 

وهذا يدخل فيه كل سفر طويل أو قصير وقال صلى الله عليه و سلم: «إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فبادروا بها نقبها» وهذا يعم كل سفر فلم يفهم منه أحد اختصاصه باليومين, وأطال رحمه الله في هذا لِأَنَّهُ يقرر ما أقره شيخ الإسلام من أنه ليس هناك حدٌ لمسافة في السفر. 

قَالَ: ومعلوم أن شيئا من هذه الأسفار لا يختص بالطويل ولا أنه لو سافر دون اليومين لم يقرع بين نسائه ولم يقض للمقيمات, فما الذي أوجب تخصيص اسم السفر بالطويل بالنسبة إلى القصر والفطر دون غيرهما؟. 

قالوا وأين معنا في الشريعة تقسيم الشارع السفر إلى طويل وقصير واختصاص أحدهما بأحكام لا يشاركه فيها الآخر. 

قال: ومعلوم أن إطلاق السفر لا يدل على اختصاصه بالطويل ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم مقداره وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع فسكوته عن تحديده من أظهر الأدلة على أنه غير محدود شرعًا. 

 قالوا: والذين حددوه مع كثرة اختلافهم وانتشار أقوالهم ليس معهم نص بذلك وليس حد بأولى من حد ولا إجماع في المسألة فلا وجه للتحديد, وبالله التوفيق. 

قد يقال عَلَى مذهب اِبْن القيم أن اللي يسافر في الطائرة ويرجع في يومه أَنَّه ما يسمى سفرًا, يَعْنِي السفر يحتاج حمل الزاد وحمل الطعام, فيكون بعض الأسفار الآن اللي مسافتها طويلة ويرجع في نفس اليوم لا يسمى سفرًا؛ لِأَنّ العبرة بالعرف والناس لا يعدونه سفرًا, والمدرسين والمدرسات اللي يروحون للخارج مسافات ويرجعون في نفس اليوم ما يسمى سفر, عَلَى مذهب الجمهور يسمى سفر؛ لِأَنّ العبرة بالمسافة. 

عَلَى كل حال الحديث هذا ضعيف ورواه أحمد في مسنده وفي متنه نكارة لَكِنْ يشهد له حديث أبي بصرة وفعل الصحابة, والحديث الذي بعده حديث اِبْن عمر أن اِبْن عمر كَانَ يخرج إِلَى الغابة فلا يُفطر ولا يقصر, والغابة موضع قريب من المدينة, من العوالي وهي على بريد من المدينة، فلذلك لم يقصر اِبْن عمر ولم يُفطر لقصر المسافة وكونها دون مسافة القصر, يَعْنِي: هذا الحديث في أن اِبْن عمر لم يترخص بالمسافة القصيرة لِأَنَّهَا مسافة بريد, والجمهور قرروا أَنَّه لا يترخص في رخصة السفر من الفطر والقصر وغيرهما في اقل من أربعة بُرد وهي ستة عشر فرسخًا وهي يومان قاصدان للإبل المحملة, وتقارب ثمانين كيلو متر تقريباً، ولهم عَلَى ذلك أدلة كثيرة. 

من أدلة الجمهور أمران: 

الْأَمْرِ الأول: السفر، أي اسم السفر. 

الْأَمْرِ الثاني: فعل النَّبِيِّ r في حجة الوداع, استثنى أربعة أيام. 

قالوا: بالنسبة للمدة الَّتِي يقيمها المسافر إذا أقام أكثر من أربعة أيام فَإِنَّهُ يُتم, وأربعة أيام وأقل لا يُتم لفعل النَّبِيِّ r في حجة الوداع, فَإِنَّهُ قدم يوم الرابع من الحجة وانتقل إِلَى منى يوم الثامن. 

وشيخ الإسلام وجماعة يرون أَنَّه لا يزال مسافرًا حتى يعود إِلَى بلده ما لم يستوطن في البلد أيضًا, وعلى هذا العمال والطلاب اللي يأتون يعتبروا مسافرين لِأَنَّهُم ما استوطنوا ما نووا الاستوطان, وهو أن يرى أنها بلده ولا يود الانتقال عنها, والعمال وغيرهم ليسوا مستوطنين ويعودون إِلَى بلادهم, عَلَى كل حال هَذِه المسألة الخلاف فيها مشهور وجماهير العلماء والفقهاء وأهل المذاهب: الشافعية, المالكية, الأحناف, الحنابلة, وغيرهم الجماهير كلهم يرون أَنَّه لا يترخص في السفر حتى ينوي سفرًا مسافته أربعة بُرد واستدلوا بالأحاديث: «لا يحل للمرأة أن تسافر مسيرة يومين» قالوا: يومان هي للإبل المحملة تقارب ثمانين كيلو, وَكَذَلِكَ أيضًا إذا نوى الإقامة في مكان فَإِنَّهُ لا يترخص في السفر؛ لِأَنَّهُ مثل المقيم سواء, ناوي يجلس ثمان سنين يدرس ويرجع أو يطلب الرزق ويرجع لبلده هذا مسافر؟ لا, مثله مثل المقيم, عَلَى مذهب شيخ الإسلام يعتبر مسافر لِأَنَّهُ ما نوى الاستيطان فلابد أن يكون هناك حد, ومذهب الجمهور فيهِ حد, قالوا: عندنا دليلان: 

الدليل الأول: المعنى اللغوي للمسافر وهو الذي يرحل ويظعن. 

الدليل الثاني: فعل النَّبِيِّ r أربعة أيام يستثنيها, وما عدا ذلك نعتبره مقيم, إذا نوى الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام من أول الفريضة يُتم, فَإِن نوى يوم أو يومين أو ثلاثة أو أربعة فهو مسافر, لَكِنْ إذا كَانَ في البلد ليس له أن يصلي وحده, بل عليه أن يصلي في البلد, هذا هو الذي قرره جمهور العلماء. 

الطالب: البريد كم مسافته؟. 

الشيخ: ستة عشر فرسخًا, تعادل تقريبًا ثمانين كيلو. 

الطالب: من يسافر أربعين كيلو يقصر؟ 

الشيخ: على قول الجمهور لا يقصر. 

والغابة موضع قريب من المدينة من ناحية الشام, حديث اِبْن عمر الآن هل هو يؤيد الحديث الذي قبله ولا يخالفه؟ في الحديث السابق أَنَّه ثلاثة أميال, وهذا بريد, يَعْنِي أكثر, عَلَى هذا يكون يؤيد ما ذهب إليه الجمهور. 

الطالب: إِلَّا عَلَى افتراض أن دحية ليست نهايته المقصودة. 

الشيخ: محتمل هذا, هل تكلم عَلَى الخلاف. 

الطالب: تكلم عن حديث اِبْن عمر أن إسناده صحيح وهو موقوف، مسدد: هو الأسدي, عبيد الله: هو اِبْن عمر, ونافع: هو مولى اِبْن عمر, وأخرجه اِبْن أبي شيبة. 

الشيخ: ما تكلم عليه؟. 

الطالب: لا, وَلَكِن دحية دعا عَلَى نفسه أن الله يقبضه, أما كَانَ النَّبِيِّ r يخرج ويصوم في السفر؟. 

الشيخ: دحية قَالَ: «والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أني أراه» ما هو؟ «قومًا رغبوا عن هدي رسول الله r» قَالَ: أُولَئِكَ الذين صاموا, الذين صاموا رغبوا عن السنة ثم قَالَ عند ذلك: «اللهم اقبضني إليك». 

قوله: «قومًا رغبوا عن هدي رسول الله r» لعلهم إِنَّمَا رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار أصلًا, قد يحتمل أن دحية يكون إِنَّمَا صار في ذلك إِلَى ظاهر اسم السفر وقد خالفه غير واحد من الصحابة, كَانَ اِبْن عمر وابن عباس رضي الله عنهما لا يرون القصر والإفطار في أقل من أربعة بُرد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنن, هذا كلام الخطابي. 

قَالَ الخطابي: في هذا حجة لمن لم يحد السفر الذي يترخص فيهِ للإفطار إِلَّا في سفرٍ يجوز فيهِ القصر, وهو عند أهل العراق ثلاثة أيام وعند أكثر أهل الحجاز ليلتان ونحوهما, وليس الحديث بالقوي ففيه رجل ليس بمشهور, ثم إن دحية لم يذكر فيهِ أن رسول الله r أفطر في قصر السفر, وَإِنَّمَا قَالَ: «قومًا رغبوا عن هدي رسول الله r» لعلهم إِنَّمَا رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار أصلًا, قد يحتمل أن دحية يكون إِنَّمَا صار في ذلك إِلَى ظاهر اسم السفر وقد خالفه غير واحد من الصحابة, وكَانَ اِبْن عمر وابن عباس رضي الله عنهما لا يرون القصر والإفطار في أقل من أربعة بُرد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنن. 

قال الخطابي: (وليس الحديث بالقوي ففيه رجل ليس بمشهور) هو يشير إِلَى منصور الكلبي فَإِن رجال الإسناد جميعهم ثقات يُحتج بهم في الصحيح سواه, وهو مصري وروى عنه أبو الخيل يزيد بْنُ عبد الله اليزلي, يسمى يزيد هنا وعندك سماه مرثد, ولم أجد من رواه عنه سواه فيكون مجهولًا كما ذكره الخطابي. 

الطالب: لو كان دحية ملزوم باتباع عبد الله بن عمر والفقهاء لأنهم أفقه منه للزمه أن يتبعهم ولا يخالفهم. 

الشيخ: الصحابة يجتهدون ويختلفون, فإذا اختلف الصحابة رجعنا إِلَى السنة تعارضا فتساقطا, فنرجع إلى الأصل إذا كَانَ المسألة فيها قول صحابي وليس له مخالف هذا حجة عند الإمام احمد, ويرى أَنَّه أصل من الأصول, وإذا خالفه غيره تعارضا فتساقطا. 

الخلاصة في هذا: أن هذان الحديثان دلا عَلَى حكمين: 

الحكم الأول: أَنَّه إذا نوى السفر وتجهز فهل له أن يفطر وهو في البلد أو لا؟ ذهب بعض الصحابة إِلَى أنه يفطر كأبي بصرة وأنس, وذهب جماهير الصحابة إِلَى أَنَّه لا يفطر حتى يتجاوز البيوت وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور. 

الحكم الثاني: هل له أن يترخص في السفر طويله وقصيره وليس هناك حد؟ ذهب إِلَى هذا جمع من المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم واستدلوا بحديث دحية هذا ولهم أدلة في هذا, وذهب جمهور العلماء إِلَى أَنَّه لا يترخص إِلَّا إذا كَانَ السفر أربعة بُرد وهي يومان للإبل المحملة وهذا قول جمهور العلماء, وإلا المسألة فيها ما يقرب من اثني عشر قولًا بل تصل إِلَى عشرين قولًا, قَالَ بَعْضُهُم: مسافة القصر ثلاثة أيام, وقال آخرون: أربعة أيام, وقال آخرون: عشرة أيام, ومن قَالَ عشرة أيام استدلوا أن النَّبِيِّ r قام في حجة الوداع عشرة أيام, قَالَ بَعْضُهُم: تسعة عشر يومًا, وقال بَعْضُهُم: عشرين يومًا كما أقام النَّبِيِّ r في تبوك, والجواب: أَنَّه أقام في تبوك ما نوى الإقامة. 

وَكَذَلِكَ أيضًا أقام في مكة لتثبيت قواعد الدين, وإزالة معالم الشِّرْك, المدة الَّتِي أجمع فيها عَلَى الإقامة في حجة الوداع وهذه ما فيها إشكال ولا خلاف؛ لِأَنَّهُ قدم إِلَى مكة في اليوم الرابع من الحجة, وأقام في الأبطح أربعة أيام يقصر الصلاة ثم انتقل إِلَى منى في اليوم الثامن؛ هَذِه أربعة أيام اجمع عليها. 

أما في غزوة الفتح ما نوى الإقامة, وَكَذَلِكَ في تبوك ما نوى الإقامة, ما فيهِ مدة نوى الإقامة غير هذا, أما المسافر إذا لم ينوي إقامة فله أن يترخص ولو أقام مدة طويلة, هَذِه المسألة إذا نوى الإقامة في مكان, اِبْن عمر أقام في أذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة؛ لِأَنَّهُ ما نوى الإقامة كل يوم يسافر ما يستطيع, لَكِنْ إذا نوى الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام هذا هو محل الخلاف, الجمهور يحددونها بأربعة أيام, وبعضه بثلاثة أيام, وبعضهم اثني عشر يومًا, وبعضهم أربعة أيام, وبعضه عشرين يومًا, تسعة عشر يومًا, سبعة عشر يومًا, خلاف، لَكِنْ أعدل الأقوال ما ذهب إليه جمهور العلماء أربعة أيام, والدليل أمران: 

الْأَمْرِ الأول: أن المسافر الذي يرحل ويظعن. 

الْأَمْرِ الثاني: أربعة أيام لفعل النَّبِيِّ r في حجة الوداع؛ لِأَنَّهَا هي المدة الَّتِي أجمع فيها عَلَى الإقامة, وما عدا ذلك من أسفاره ما نوى الإقامة لا في غزوة الفتح ولا في تبوك ولا في غيرها. 

بهذا يتبين هَاتان المسألتان: 

المسألة الأولى: أن الأحوط هو ما ذهب إليه جمهور العلماء هو أنه لا يترخص في السفر حتى يجاوز البيوت وأنه لا فرق بين الصلاة والفطر. 

المسألة الثانية: المسافة, الصواب: أعدل الأقوال في هَذِه المسألة ما قرره جمهور العلماء من أن مسافة القصر أربعة أيام للحديث: يوم وليلة, مرحلتان: 

المرحلة الأولى: كل مرحلة أربعين كيلو تقريبًا, فهي ثمانين كيلو يوم وليلة: «لا يحل للمرأة أن تسافر يومٌ وليلة إِلَّا مع ذي محرم». 

عَلَى معنى هذا القول إذا سافرت بريد لابد لها من محرم, عَلَى قول الجمهور تحتاج لمحرم إذا كانت المسافة ثمانين كيلو أما لو أقل فلا. 

الطالب: لو كان في انتظار طائرة شهرين إلى ست شهور (...)؟. 

الشيخ: هذا لا يزال مسافر ما فيهِ إشكال مدام ما نوى الإقامة مثل اِبْن عمر ما نوى الإقامة ولو طالت المدة لا يزال يترخص برخصة السفر. 

الطالب: هنا في مطار الرياض تأخرت الرحلة إلى الفجر وهو من المغرب فهل له أن يقصر ويجمع وهو من أهل الرياض؟ 

الشيخ: هَذِه المسألة مبنية عَلَى هل المطار خارج البلد أو ليس بخارج البلد, كانت الفتوى أنه خارج البلد, وبعضهم رأى أنها كانت قاربت البنيان وأن هناك المطار وعلى هذا يرى الأحوط أَنَّه لا يترخص حتى يغادر المطار.  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد