شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_13

00:00
00:00
تحميل
59

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى رسول الله, اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

(المتن) 

يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: 

باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم. 

2420- حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده». 

(الشرح) 

هذا الباب في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم, ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده». 

وهذا الحديث جاء في معناه أحاديث أيضًا منها حديث في الصحيحين، حديث جابر: «أنهى النَّبِيِّ r عن صوم يوم الجمعة؟ قَالَ: نعم». 

ومنها: حديث البخاري في جويرية بنت الحارث أن النَّبِيِّ r دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فَقَالَ: «أصمتِ أمس؟ قالت: لا, قَالَ: تريدي أن تصومي غدًا؟ قالت: لا, قَالَ: فأفطري». 

ومنها: ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيِّ r قَالَ: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي, ولا تخصوا يومها بصيام من بين الأيام إِلَّا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم». 

ومنها: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيِّ r قَالَ: «يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إِلَّا أن تصوموا قبله أو بعده». 

وفي معنى هذا الحديث أحاديث أُخر وكل هَذِه الأحاديث تدل عَلَى النهي عن إفراد الجمعة بالصيام, وللعلماء قولان في هذا النهي: من العلماء من قَالَ: إنه للكراهة, ومنهم من قَالَ: إنه للتحريم, والأصل في النهي التحريم إلا بصارف, ويؤخذ من الاستثناء من قوله: «إلا أن يصوم قبله يوم أو بعده يوم» جواز الصيام لمن صام قبله أو بعده, وَكَذَلِكَ إذا اتفق وقوع يوم الجمعة في أيامٍ له عادة يصومها كمن يصوم الأيام البيض فوافق يوم الجمعة فَإِنَّهُ يصومه؛ ولأنه لا يخصه في هَذِه الحالة وَإِنَّمَا الأيام البيض يكون قبله يوم أو بعده يوم, كذلك يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة فَإِنَّهُ ما قصد يوم الجمعة وَإِنَّمَا قصد يوم عرفة, وَكَذَلِكَ إذا قصد فيهِ نذر. 

والحكمة في النهي عن صيام يوم الجمعة: ذكر النووي أن الحكمة في هذا أن يوم الجمعة يشتمل عَلَى عبادات متنوعة منها: التبكير ليوم الجمعة, والاغتسال, وقراءة الْقُرْآن وغير ذلك, فالفطر أعون له عَلَى أداء هَذِه العبادات المتنوعة من الذكر والغُسل والتبكير, وانتظار الصلاة واستماع الخطبة, وإكثار الذكر بعدها, ولقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الجمعة/10].  

وغير ذلك من العبادات الَّتِي شُرعت في يوم الجمعة فاُستحب الإفطار فيها ليكون أعون للعبد عَلَى أداء هَذِه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح صدر والتلذذ بها من غير مللٍ ولا سآمة,(...) وهو عيد الأسبوع إن كَانَ لا يسمى عيدًا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر, عيد الأضحى, تكلم عليه عندك؟. 

الطالب: إسناده صحيح مسدد هو: اِبْن مسرهد الأسدي, وأبو معاوية: هو محمد بْنُ خازم الضرير, والأعمش: هو سليمان بْنُ مهران, وأبو صالح هو: زكوان السمان, وأخرجه البخاري مسلم وابن ماجة والترمذي, ومسلم من طريق حفص بْنُ غياث عن الأعمش بِهِ, وأخرجه مسلم من طريق آخر من طريق محمد بْنُ سيرين عن أبي هريرة بِهِ, قَالَ في الفتح: ويؤخذ من استثناء جواز صومه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيامٍ له عادة؛ كما ذكرتم.  

الطالب: قَالَ: قلت: إسناده صحيح عَلَى شرط البخاري. 

الشيخ: هو أخرجه البخاري يمكن بالسند هذا؟. 

الطالب: قَالَ: قلت: إسناده صحيح عَلَى شرط.. 

الطالب: (...)؟. 

الشيخ: كذلك لا بأس لَكِنْ الأولى إن تيسر يصوم قبله يوم أولى أو بعده؛ لِأَنَّهُ ما خصه, قَالَ: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام» ما خصه من أجل أَنَّه يوم جمعة, وَإِنَّمَا هو من أجل أَنَّه يوم عرفة أو من أجل أَنَّه يوم عاشوراء أو من أجل أن نذر أو صوم واجب, لَكِنْ عَلَى كل حال الأولى أن يُصام قبله بيوم حتى لو كَانَ يوم الجمعة يوم عرفة ينبغي للإنسان أن يصوم قبله بيوم, (...) وهذا لغير الحاج, أما الحاج فَإِنَّهُ يتأكد في حقه الفطر يوم عرفة. 

الطالب: (...)؟. 

الشيخ: ظاهر الحديث أَنَّه لا بأس بِهِ لِأَنَّهُ ما خصه من أجل يوم الجمعة. 

الطالب: لو كَانَ يصوم يوم ويفطر يوم؟. 

الشيخ: كذلك, إذا صامه من أجل عادته لا من أجل يوم الجمعة فلا بأس. 

قوله: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام» هو ما خصه من أجل أنه يوم الجمعة, وَلَكِن لو أمكن أن يصوم قبله بيوم أو بعده بيوم فهذا هو الأولى. 

قوله: «لا تجعلوا يوم عيدكم يوم صومكم» يقصد عيد الأسبوع يَعْنِي. 

الطالب: (...)؟. 

الشيخ: يصوم معه الخميس والحمد لله, ويصوم معه السبت ويتحمل, أما أن يخص الجمعة فلا, وذكر اِبْن القيم أن جمع من أهل العلم ذهبوا للقول بهذه الأحاديث والعمل بها, وذهب جمع من الصحابة كذلك الإمام أحمد والشافعي, وذهب الإمام قَالَ: يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم, قَالَ مالك وأبو حنيفة: لا يُكره صوم يوم الجمعة, في الموطأ قَالَ مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى بِهِ ينهى عن صيام يوم الجمعة, وصيامه حسن, وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه, وأراه كَانَ يتحراه؛ هذا الإمام مالك. 

قَالَ الداودي: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه, وهذا أحسن ما يُحمل عليه, يُحمل عليه أَنَّه ما بلغه وإن كَانَ إمام لَكِنْ قد يفوت العلم عَلَى بعض الأئمة, مالك يعظم السنة فلو بلغه هذا الحديث ما قَالَ هذا الكلام. 

وفي رواية النسائي: «أن النَّبِيِّ r كَانَ يصوم ثلاثة أيام من كل شهر, وقلما رأيته يفطر يوم الجمعة» قَالَ اِبْن القيم: هذا ليس فيه معارضة بينه وبين أحاديث النهي؛ لِأَنَّهُ ليس فيهِ أَنَّه كَانَ يُفرده بالصوم, وهذا ليس فيهِ أَنَّه خصه بالصوم, يَعْنِي: صامه مع غيره, والنهي إِنَّمَا هو عَلَى الإفراد ثم توصله بغيره فزال النهي.  

(المتن)  

باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم. 

2421- حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا سفيان بن حبيب، ح وحدثنا يزيد بن قبيس، من أهل جبلة، قال: حدثنا الوليد جميعا، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر السلمي، عن أخته، وقال يزيد: الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه»، قال أبو داود: «وهذا حديث منسوخ». 

باب الرخصة في ذلك. 

2422- حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا همام، عن قتادة، ح وحدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا همام، قال:  حدثنا قتادة، عن أبي أيوب، قال: حفص العتكي عن جويرية بنت الحارث، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال: «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا قالت: لا، قال: فأفطري». 

2423- حدثنا عبد الملك بن شعيب، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت الليث، يحدث عن ابن شهاب، أنه كان إذا ذكر له أنه «نهى عن صيام يوم السبت» يقول ابن شهاب: هذا حديثٌ حمصي. 

2424- حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، قال: ما زلت له كاتمًا حتى رأيته انتشر يعني حديث عبد الله بن بسر هذا في صوم يوم السبت، قال أبو داود: قال مالك: «هذا كذب». 

(الشرح) 

هَذِه الأحاديث كلها في صوم يوم السبت, الحديث الأول في النهي أن يخص يوم السبت بصوم, هكذا بوب أبو داود قَالَ: (باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم) مع أن الحديث ليس فيهِ خصوصية, النهي عن صوم السبت مطلقًا إِلَّا فيما اُفترض عليك, والعلماء ترجموا قالوا: النهي أن يخص يوم السبت بصوم, جعله مثل يوم الجمعة, وهذا عَلَى قول بعض أهل العلم: إن صح هذا الحديث فإنما النهي عَلَى إفراده بالصوم فإذا صام معه يوم قبله يوم أو بعده يوم زال المحظور مثل يوم الجمعة. 

وَلَكِن الحديث ليس فيهِ تخصيص, الحديث قَالَ فيهِ: «لا تصوموا يوم السبت إلا في ما افترض عليكم» يعني في صوم الفرض وليس فيه أنه يخصه، «وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه» فهذا الحديث أشكل عَلَى الناس قديمًا وحديثًا كما قَالَ اِبْن القيم, فمن العلماء من صححه, ومنهم من ضعفه, ومنهم من قَالَ: إنه منسوخ, ومنهم من قَالَ: نهي خاص بإفراده, وأبو داود قَالَ: هذا الحديث منسوخ, والإمام مالك قَالَ: إنه كذب, كما في باب الرخصة, ويقول ابن شهاب: هذا حديثٌ حمصي؛ يريد تضعيفه, يَعْنِي: لِأَنّ في أحاديث عبد الله بْنُ بُسر راويان حمصيان: أحدهما: ثور بْنُ يزيد, والثاني: خالد بن معدان, تكلم فيهما البعض ووثقهما آخرون من أهل العلم. 

قَالَ السندي: كأنه يريد تضعيفه, وقول مالك: هذا كذب أصرح في ذلك وأبلغ, والترمذي قَالَ: الحديث حسن صحيح, وأبو داود قَالَ: إنه منسوخ, وقال جمع من أهل العلم: إنه ضعيف, ومنهم من قَالَ: إنه محكم وهو يروى عن الإمام أحمد, والأقرب أَنَّه حديث ضعيف مضطرب, لهذا أنكره مالك وقال: هو كذب, وقال أبو داود: هذا منسوخ, وقال طائفة من أهل العلم: إنه محكم وحملوا النهي عَلَى كراهة إفراده بالصوم كما بوب عليه المؤلف قَالَ: (باب النهي أن يُخص يوم السبت بالصوم) وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه, أما إذا أُفرد فَإِنَّهُ لا يُصام عندهم. 

والصواب: أن الحديث ضعيف لا تقوم بِهِ حجة لاضطرابه, ومما يدل عَلَى ضعفه حديث جويرية الذي ذكره المؤلف وهو في الصحيح, قَالَ: (باب الرخصة في ذلك) وذكر حديث جويرية: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال: «أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا قالت: لا، قال: فأفطري» الحديث أخرجه البخاري والنسائي. 

قوله: «تريدين أن تصومي غدًا» يَعْنِي: السبت, فهذا دليل عَلَى أَنَّه لا بأس أن يُصام يوم السبت مع الجمعة وهذا الحديث في البخاري. 

قوله: «أصمتِ أمس؟ قالت: لا» يَعْنِي: الخميس, وهي صائمة الجمعة «قال: تريدين أن تصومي غدًا» يَعْنِي: السبت, «قالت: لا، قال: فأفطري» دل عَلَى أَنَّه لو صامت يوم السبت فلا بأس. 

وَكَذَلِكَ أحاديث صيام الست من شوال فَإِنَّهُ يكون فيها ويصادف يوم السبت منها ولم يُنهى عنه, قَالَ: «من صام رمضان وأتبعه بستٍ من شوال كَانَ كصيام الدهر» رواه مسلم في صحيحه, ولم يقل: إِلَّا إذا كَانَ يوم السبت فلا تصوموا. 

وَكَذَلِكَ صيام تسع من ذي الحجة مشروع, كذلك اليوم العاشر من محرم, قد يصادف السبت واحدًا من هَذِه الأيام, وَكَذَلِكَ صيام الأيام البيض قد يصادف السبت, ولم يستثني النَّبِيِّ r, وأبو داود قَالَ: منسوخ, وأبلغ من هذا قول الإمام مالك: هذا كذب, وابن القيم رحمه الله أطال في هذا وتكلم عَلَى هذا الحديث وأطال في هذا وقال: إن من العلماء من ضعفه, ومنهم من صححه, ومنهم من قَالَ: إنه محكم, ومنهم من قَالَ: إنه منسوخ, ومنهم من قَالَ: إن الممنوع إفراده بالصوم كالجمعة. 

الطالب: (...) إن كان يوم عرفة؟. 

الشيخ: يُصام عَلَى الصحيح, يَعْنِي: إذا صام يوم عرفة أو صادف يوم العاشر من محرم, ما استثناها النَّبِيِّ r, فالقول بأنه محكم قولٌ مرجوح, والأقرب: أَنَّه ضعيف, ومن قَالَ: إنه يجوز صومه إذا قُرن بغيره هذا أقرب الأقوال وَلَكِن أَنَّه لا يصام مفردًا وَإِنَّمَا يُصام مع غيره, أما القول: بأنه محكم وأنه يجوز صومه هذا ظاهر النصوص والأدلة أَنَّه مرجوح, القول: بأنه ضعيف, هذا هو الأقرب لأنه مضطرب, ويؤيده حديث جويرية وكما سبق حديث صيام الست من شوال, وصيام وتسع من ذي الحجة,  وصيام العاشر من محرم, وصيام الأيام البيض, كلها يصادف يوم السبت, فالقول: بأنه لا يصوم يوم السبت يفوت عَلَى الإنسان خيرٌ كثير, والحديث لا تقوم بِهِ الحجة حتى يُمنع من صيامه. 

الشيخ الألباني أيضًا صحح بكل حال, ويرى الشيخ الألباني أَنَّه لا يُصام يوم السبت إِلَّا في الفريضة مطلقًا عَلَى ظاهره, لا يُصام يوم السبت إِلَّا في رمضان فقط وغيره فلا يُصام أخذًا بظاهر الحديث. 

الطالب: (...)؟. 

الشيخ: هذا أحد الأقوال: أَنَّه لا يُفرد بصوم وإذا صام قبله أو بعده فنعم, عندك كلام اِبْن القيم؟. 

الطالب: قال الحافظ شمس الدين اِبْن القيم رحمه الله: حديث عبد الله بْنُ بُسر هذا رواه جماعة عن خالد بْنُ معدان عن عبد الله بْنُ بُسر عن أخته الصماء, ورواه النسائي عن عبد الله بْنُ بُسر عن النَّبِيِّ r ورواه أيضًا عن الصماء عن عائشة رضي الله عنها عن النَّبِيِّ r فهذه ثلاثة أوجه. 

وقد أشكل هذا الحديث عَلَى الناس قديمًا وحديثًا, فَقَالَ أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن صيام يوم السبت يُفرد بِهِ, فَقَالَ: أما صيام يوم السبت يُفرد بِهِ فقد جاء فيه ذلك الحديث حديث الصماء يَعْنِي: حديث ثور بْنُ يزيد عن خالد بْنُ معدان عن عبد الله بْنُ بُسر عن أخته الصماء عن النَّبِيِّ r: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما اُفترض عليكم». 

الشيخ: قوله: (سمعت أبا عبد الله) يَعْنِي: الإمام أحمد. 

الطالب: قَالَ أبو عبد الله يحي بْنُ سعيد: ينفيه, أبى أن يحدثني بِهِ, وقد كَانَ سمعه من ثور, قَالَ: فسمعته من أبي عاصم, وقال الأثرم :حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر منها: حديث أم سلمة حين سُئلت: أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا لها؟ فقالت السبت والأحد.  

ومنها حديث جويرية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم جمعة: «أصمتِ أمس قالت:لا قال:أتريدين أن تصومي غدًا؟» فالغد هو يوم السبت. 

وحديث أبي هريرة: «نهى النَّبِيِّ r عن صوم يوم الجمعة إلا مقرونًا بيوم قبله أو يوم بعده», فاليوم الذي بعده هو يوم السبت, وقال: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال» وقد يكون فيها السبت, وأمر بصيام الأيام البيض وقد يكون منها السبت, ومثل هذا كثير. 

فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث وأنه رخص في صومه, حيث ذكر الحديث الذي يحتج بِهِ في الكراهة, وذَكَر أن الإمام عَلّل حديث يحيى بن سعيد وكان ينفيه وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث.  

واحتج الأثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت ، يعني أن يقال يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره ، وحديث النهي على صومه وحده ، وعلى هذا تتفق النصوص. 

الشيخ: يرى الجمع بين النصوص, النهي عن صوم السبت محمول عَلَى أنها مفردة, والجواز محمول عَلَى ما إذا ضمه مع غيره. 

الطالب: وهذه طريقة جيدة لولا أن قوله في الحديث: «لا تصوموا يوم السبت إِلَّا فيما اُفترض عليكم» دليل عَلَى المنع من صومه في غير الفرض مفردًا أو مضافًا. 

الشيخ: «لا تصوموا يوم السبت إِلَّا فيما اُفترض عليكم» ما قَالَ: إِلَّا إذا قُرن بغيره. 

الطالب: لِأَنّ الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إِلَّا صورة الفرض ولو كَانَ إِنَّمَا يتناول صورة الإفراد لقال: «لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» كما قَالَ في الجمعة, فَلَمّا خصص صورة المأذون في صومها بالفرضية عُلم تناول النهي لما قابلها, وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها كقوله في يوم الجمعة: «إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يوما بعده» فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ. 

الشيخ: وهذا هو الأقرب أَنَّه شاذ, والشاذ ضعيف فلا تقوم بِهِ حجة, فلا بأس بصوم يوم السبت مفردًا أو مقرونًا بغيره, فمن قَالَ: إنه عيد لليهود, فالأحد عيدًا للنصارى أيضًا ومع ذلك ليس فيهِ كراهة, هذا قول شاذ مخالف للحديث الصحيح. 

الطالب: وقد قال أبو داود قال مالك هذا كذب وذكر بإسناده عن الزهري أنه كان إذا ذُكر له النهي عن صيام يوم السبت يقول هذا حديث حمصي. 

الشيخ: يريد تضعيفه. 

الطالب: وعن الأوزاعي قَالَ: ما زلت كاتمًا له حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا. 

الشيخ: يَعْنِي: هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في الرخصة, قَالَ الأوزاعي: (ما زلت كاتمًا له حتى رأيته انتشر) يَعْنِي: حديث في صوم يوم السبت, ما زال كاتمًا لِأَنَّهُ يرى أَنَّه لا يصح وأنه مخالف للأحاديث حتى انتشر بين الناس. 

الطالب: وقالت طائفة منهم أبو داود هذا حديث منسوخ وقالت طائفة وهم أكثر أصحاب أحمد محكم وأخذوا به في كراهية إفراده بالصوم وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه, قالوا: وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل فإنه سئل في رواية الأثرم عنه فأجاب بالحديث وقاعدة مذهبه أنه إذا سُئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل بِهِ؛ لأنه ذكره في معرض الجواب فهو متضمن للجواب والاستدلال معًا. 

قالوا: وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث, قالوا: وإسناده صحيح ورواته غير مجروحين ولا متهمين وذلك يوجب العمل به وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدل على صومه مضافًا فيُحمل النهي على صومه مفردًا كما ثبت في يوم الجمعة ونظير هذا الحكم أيضًا كراهية إفراد رجب بالصوم وعدم كراهيته موصولًا بما قبله أو بعده, ونظيره أيضًا ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة رضي الله عنه في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول فلا يُكره. 

الشيخ: إقراء بعد عشرة أسطر. 

وأما قولكم: إن الاستثناء دليل التناول إلى آخره فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي, فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أُخرجت بالدليل الذي تقدم فكلا الصورتين مخرج أما الفرض فبالمخرج المتصل وأما صومه مضافًا. 

الشيخ: قبله بسطرين. 

الطالب: وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يُكره بخلاف قصده بعينه في النفل فإنه يُكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه أو موافقته عادة فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضُا لا المقارنة بينه وبين غيره وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك. 

قالوا وأما قولكم: إن الاستثناء دليل التناول إلى آخره فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي, فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أُخرجت بالدليل الذي تقدم فكلا الصورتين مُخرج أما الفرض فبالمخرج المتصل وأما صومه مضافًا فبالمخرج المنفصل فبقيت صورة الإفراد واللفظ متناول لها ولا مخرج لها من عمومه فيتعين حمله عليها, ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة فعللها ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك وهو ترك العمل فيه والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبهًا بهم وهذه العلة منتفية في الأحد. 

وعللته طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيمًا له فكره ذلك كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب وإفراد رجب أيضًا لما عظمه المشركون, وهذا التعليل قد تعارض بيوم الأحد فإنه يوم عيد غير للنصارى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اليوم لنا وغدًا لليهود وبعد للنصارى» ومع ذلك فلا يكره صومه. 

وأيضًا فإذا كان يوم عيد فقد يقال مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر فالصوم فيه تحقيق للمخالفة ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى ابن عباس قَالَ: «أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صيامًا؟ فقالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم». وصححه بعض الحفاظ، فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم.  

 وعلله طائفة بأنهم يتركون العمل فيه والصوم مظنة ذلك فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم وزال عنها صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المؤذن بالتعظيم فاتفقت بحمد الله الأحاديث وزال عنها الاضطراب والاختلاف وتبين تصديق بعضها بعضًا فإن قيل فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين؟. 

الشيخ: هل هذا يؤخذ منه ترجيح اِبْن القيم رحمه الله تعالى؟ أو أَنَّه يحكي عَلَى لسان من يقول بهذا؟ هنا مسألة صيام يوم النيروز والمهرجان من أعياد المشركين ما حكم صومها؟. 

الطالب: فإن قيل فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين؟ 

قيل: قد كرهه كثير من العلماء وأكثر أصحاب أحمد على الكراهة قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: حدثنا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن: أنهما كرها صوم يوم النيروز والمهرجان, قال عبد الله قال أبي الرجل أبان بن أبي عياش فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين دل ذلك على أنه اختاره وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك, وقيل: لا يكون هذا اختيًارا له ولا يُنسب إليه القول الذي حكاه وأكثر الأصحاب على الكراهة وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكُره كيوم السبت، قال صاحب المغني وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم. 

قال شيخنا أبو العباس بن تيمية قدس الله روحه: وقد يقال يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد؛ لأنه إذا قصد صوم مثل هذا الأيام العجمية أو الجاهلية كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء أمرها وإظهار حالها بخلاف السبت والأحد فإنهما من حساب المسلمين فليس في صومهما مفسدة, فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي توفيقًا بين الآثار؛ والله أعلم. 

الشيخ: يَعْنِي: يُستحب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي, وأما أعيادهم المعروفة بالحساب الجاهلي فيُكره. 

كأن ظاهر كلام اِبْن القيم رحمه الله أَنَّه يرى أَنَّه يرى أن النهي خاصٌ بالإفراد, وأنه إذا صامه مع غيره زالت الكراهة, تكلم عندك عَلَى الحديث ماذا قَالَ عليه؟. 

الطالب: قَالَ: رجاله ثقات إِلَّا أن غير واحد من الأئمة الذين يُرجع إليهم في النقد قد أعلوه بالاضطراب والمعارضة, وانظر كلامنا عليه في المسند. 

الطالب: الألباني رحمه الله تحدث عَلَى أحاديث ثلاثة كتب, اللي في صحيح أبي داود أشار إِلَى الإغواء, قَالَ الشيخ الألباني رحمه الله: عن عبد الله بْنُ بسر السلمي عن أخته, وقال يزيد الصماء أن النَّبِيِّ r قَالَ: «لا تصوموا يوم السبت إِلَّا فيما اُفترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إِلَّا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه». 

قَالَ أبو داود: وهذا حديث منسوخ, قلت: فيهِ إشعار بأن الحديث صحيح عنده وإلا لمن يكن بحاجة إِلَّا ادعاء نسخه كما هو ظاهر, وإسناده صحيح عَلَى شرط البخاري, وَكَذَلِكَ قَالَ الحاكم والذهبي وصححه أيضًا اِبْن خزيمة وابن حبان, وابن السكن, والضياء المقدسي, وقال الترمذي: حديث حسن ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام؛ لِأَنّ اليهود تعظم يوم السبت. 

قَالَ إسناده: حدثنا حُميد بْنُ مسعدة, حدثنا سفيان بْنُ حبيب ح, وحدثنا يزيد بْنُ قبيس بْنُ أهل جبلة, حدثنا الوليد جميعًا عن ثور بْنُ يزيد عن خالد بْنُ معدان, عن عبد الله بْنُ بُسر السلمي, قلت: وهذا إسنادٌ صحيح من الوجهين عن ثور بْنُ يزيد وقد جاء من وجهين آخرين عنه فهو مستفيضٌ عنه وهو ثقة من رجال البخاري, وخالد بْنُ معدان ثقة ورجال شيخين, وَكَذَلِكَ السُلمي وهو صحابي معروف, ولذلك صحح الحديث جمعٌ من الأئمة كابن خزيمة وابن حبان وغيرهم ممن ذكرنا آنفًا. 

وقد أعله بَعْضُهُم بالاضطراب وليس بشيء؛ لِأَنَّهُ اضطراب غير قادحٍ كما فصلت ذلك تفصيلًا لا تراه في مكانٍ آخر في كتاب " إرواء الغليل" وانظر الصحيح. 

الشيخ: آخر كلامع في المسند عَلَى الحديث؟. 

الطالب: ذكر هنا في المسند كلام شعيب الأرنئوط قَالَ: هذا الحديث رجاله ثقات إِلَّا أَنَّه أعل بالاضطراب والمعارضة حيث أن يحي بْنُ حسان هو البكري الفلسطيني, وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق عبد الله بْنُ أحمد بْنُ حنبل عن أبيه بهذا الإسناد, وأخرجه أحمد وابن عساكر بترجمة عبد الله بْنُ بُسر من تاريخه عن علي بْنُ عياش والنسائي في الكبرى, والدولابي في الكنى, وابن قانع وابن حبان وابن عساكر من طريق مبشر بْنُ إسماعيل كلاهما عن حسان بْنُ نوح عن عبد الله بْنُ بُسر وخالفهما أبو المغيرة بْنُ عبد القدوس بْنُ الحجاج, فأخرجه من طريقه الروياني في مسنده عن حسان بْنُ نوح عن أبي أمامة, وتابعه عن أبي أمامة عبد الله بْنُ دينار البهراني لكنه ضعيف أخرجه الطبراني في الكبير من طريقه, وأخرجه عبد الحميد وابن ماجة والنسائي وأبو نعيم في الحلية من طريق عيسى بْنُ يونس, وتمام في الفوائد من طريق عتبة بْنُ السكن كلاهما عن ثور بْنُ يزيد عن خالد بْنُ معدان عن عبد الله بْنُ بُسر وعتبة بْنُ السكن وإن كَانَ ضعيفًا يُعتبر بِهِ. 

وتابعه ثور عليه عامر بْنُ جُشيب عند النسائي والطبراني في الشاميين من طريق بقية, والطبراني من طريق يحي بْنُ حمزة الدمشقي كلاهما عن الزبيدي عن لقمان عن عامر بم جوشيب بِهِ, وكلا الطريقين فيها مقال, وخالف جمعٌ عيسى بْنُ يونس وعتبة بْنُ السكن. 

الشيخ: الصواب والأقرب والله أعلم أَنَّه ضعيف وأنه بِهِ اضطراب ومعارضة للأحاديث الصحيحة, فالأقرب وأنه لا بأس بصيام يوم السبت سواء مفردًا أو مقرونًا. 

الطالب: ما يعارضه حديث النَّبِيِّ r في صيام داود أَنَّه كَانَ يصوم يوم ويفطر يوم وهو أفضل الصيام؟. 

الشيخ: لِأَنَّهُ قد يوافق الجمعة وقد يوافق السبت, وصيام الأيام البيض, ويوم عاشوراء, وحديث جويرية. 

الطالب: لا يكون منسوخ؟. 

الشيخ: أبو داود يقول: إنه منسوخ, والألباني قَالَ: قول أبو داود: منسوخ هذا دليل عَلَى صحته, يقول الشيخ الألباني: من ضعفه فهو الضعيف المضعف. 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد