بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
(المتن)
قَالَ أبو داود في سننه:
بابٌ في صوم الدهر تطوعًا.
2425- حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزِماني، عن أبي قتادة، أن رجلًا، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى ذلك عمر قال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، نعوذ بالله من غضب الله، ومن غضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: «لا صام ولا أفطر»، قال مسدد: «لم يصم ولم يفطر»، أو «ما صام ولا أفطر».
شك غيلان, قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟، قال: «أو يطيق ذلك أحد؟»، قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومًا؟، قال: «ذلك صوم داود»، قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، وصيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».
2426- حدثنا موسى بن إسماعيل قال، حدثنا مهدي، حدثنا غيلان، عن عبد الله بن معبد الزِماني، عن أبي قتادة، بهذا الحديث. زاد قال: يا رسول الله، أرأيت صوم يوم الاثنين، ويوم الخميس قال فيه: «ولدت وفيه أُنزل عليَّ القرآن».
(الشرح)
قَالَ المؤلف رحمه الله تعالى: (بابٌ في صوم الدهر تطوعًا) ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي قتادة: «أن رجلًا، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله» إِلَى آخر الحديث, والحديث أخرجه: الترمذي, والنسائي, وابن ماجة مختصرًا, والحديث اُستدل بِهِ عَلَى أن نِعم الصيام الدهر, وهل هو مكروه أو محرم؟ قولان لأهل العلم:
الأول وأقربهما: أَنَّه محرم وهو قول الظاهرية.
القول الثاني: هو قول الجمهور وأنه مكروه كراهة تنزيه.
وفي الحديث: فضل صوم يوم وإفطار يوم وأنه أفضل الصيام, وفي الحديث: الحث عَلَى صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء و بيان ما فيهما من الفضل, وفيه زيادة: صوم يوم الاثنين والخميس, والنبي r قَالَ: «فيها ولُدت وفيها أُنزل عليَ الْقُرْآن».
في بعض هذا الحديث له شواهد في الصحيحين وفي غيرها في حديث عبد الله بْنُ عمرو بْنُ العاص, لما قَالَ: «فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومًا؟، قال: ذلك صوم داود، قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك».
وقد نقل الشارح كلام النووي في قوله لما سأله الرجل: «كيف تصم؟ فغضب رسول الله r من قوله» نقل كلام النووي, قَالَ العلماء: سبب غضبه r أَنَّه كره مسألته؛ لِأَنَّهُ يحتاج إِلَى أن يُجيبه ويخشى من جوابه مفسدة وهي أَنَّه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه, وكان يقتضي حاله أكثر من ذلك, وَإِنَّمَا اقتصر عليه النَّبِيِّ r لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه, ولئلا يقتدي بِهِ كل أحد فيؤدي إِلَى الضرر في حق بَعْضُهُم, وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم؟ وكيف أصوم؟ فيخص السائل بنفسه فيجيبه بما تقضيه حاله, كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم.
والنبي r كَانَ يطيق من العبادات ما لا يطيقه غيره, وَلَكِن النووي رحمه الله أشار إِلَى أن النَّبِيِّ r مشغول بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه, ولئلا يقتدي بِهِ كل أحد فيؤدي إِلَى الضرر في حق بَعْضُهُم, يَعْنِي: لو زاد في العبادة.
قوله: «لا صام ولا أفطر» معناه: لم يصم ولم يفطر, وهذا ظاهره أَنَّه ظاهر المنع من صوم الدهر, وبعضهم تأوله: عَلَى أَنَّه إذا نُهي عن صوم الدهر هو أن يصوم السنة لا يفطر منها الأيام المنهي عن صيامها, كما ذكر الخطابي: أن المنهي عن صوم الدهر هو أن يسرد الصوم أيام السنة كلها لا يفطر منها الأيام المنهي عن صيامها وهي يوم العيدين وأيام التشريق, قَالَ: وقد سرد الصوم دهره أبو طلحة الأنصاري, وكان لا يفطر في سفر ولا حضر فلم يعبه رسول الله r ولا نهاه عن ذلك, هذا يحتاج إِلَى إثبات, «قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟، قال: أو يطيق ذلك أحد؟ قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومًا؟، قال: ذلك صوم داود»، وهذا له شواهد في الصحيحين.
«قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا، ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك» بصيغة المجهول, قَالَ الخطابي: يحتمل أن يكون إِنَّمَا خاف العجز عن ذلك للحقوق الَّتِي تلزمه لنسائه؛ لِأَنّ ذلك يُخل بحضورهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة الصبر عن الطعام في هَذِه المدة, وقال النووي: قيل معناه: وددت أن أمتي تطوقه؛ لِأَنَّهُ r كَانَ يُطيقه وأكثر منه, وكان يواصل الصيام ويقول: «لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».
أو يُقال: إِنَّمَا قاله بسبب نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين بِهِ والقاصدين إليه, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله» صيام رمضان هذا هو الفضل الواجب, وصيام ثلاثة أيام من كل شهر لِأَنّ الحسنة بعشرة أمثالها فيكون كصيام الدهر, هذا إرشاد لهذا السائل أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إِلَى رمضان.
قَالَ: «وصيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده» يَعْنِي: يكفر الذنوب الصغائر, هذا المعروف عند أهل العلم, أما الكبائر فلابد لها من توبة, والنووي قَالَ: معناه يكفر ذنوب صائميه في السنتين والمراد بها الصغائر وإن لم يكن صغائر يوجد تخفيف من الكبائر فَإِن لم يكن رفُعت الدرجات, لَكِنْ هل هناك أحد يسلم من الصغائر؟ النَّبِيِّ r قَالَ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: «الصلوات الخمس والجمعة إِلَى الجمعة ورمضان إِلَى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اُجتنبت الكبائر» .
فقوله: (والمراد بها الصغائر وإن لم يكن صغائر يوجد تخفيف من الكبائر فَإِن لم يكن رفُعت الدرجات) ممكن بالنسبة للأنبياء لِأَنّ الأنبياء معصومون من الكبائر.
الطالب: الصلاة تكفر الصغائر؟
الشيخ: «الصلوات الخمس والجمعة إِلَى الجمعة ورمضان إِلَى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اُجتنبت الكبائر» بشرطين: إذا فعل الفرائض واجتنب الكبائر كُفرت الصغائر.
الطالب: من لم يكن عنده صغائر.
الشيخ: يقول النووي: (يوجد تخفيف من الكبائر فَإِن لم يكن رفُعت الدرجات) هذا قد يقال بالنسبة للأنبياء أما غيرهم فلا, من يسلم من الصغائر؟! تكلم عَلَى تخريج الحديث عندك؟.
الطالب: إسناده صحيح مسدد هو: اِبْن مسرهد, وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم, وابن ماجة, والترمذي, والنسائي في الكبرى من طرق عن حماد بْنُ زيد بهذا الإسناد, وأخرجه النسائي من طريق شعبة عن غيلان بِهِ مختصرًا, وهو في مسند أحمد وصحيح ابْنُ حبان وانظر ما بعده.
(المتن)
2427- حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، وأبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألم أحدَث أنك تقول: لأقومن الليل، ولأصومن النهار؟ قال: أحسبه قال: نعم يا رسول الله، قد قلت ذاك، قال: قم ونم، وصم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام، وذاك مثل صيام الدهر، قال: قلت: يا رسول الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يومًا، وأفطر يومين، قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يومًا، وهو أعدل الصيام، وهو صيام داود، قلت إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك».
(الشرح)
الحديث أخرجه الشيخان, والنسائي, وهو حديث صحيح, وهو يشهد للحديث السابق أيضًا فيما دل عليه من أن أفضلية الصيام يوم وإفطار يوم وأنه صيام داود عليه الصلاة والسلام, وَكَذَلِكَ صيام ثلاثة أيام من كل شهر, كل هذا يشهد له الحديث السابق, وفيه: أن النَّبِيِّ r قَالَ: لما قَالَ له: «قلت إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك».
والعلماء تكلموا عَلَى قوله: «لا أفضل من ذلك» كالنووي وجماعة واختلف العلماء, قَالَ بَعْضُهُم: هو أفضل من السرد بظاهر هذا الحديث, يَعْنِي: صوم يوم إفطار يوم أفضل من سرد الدهر.
وقال بَعْضُهُم: إن السرد أفضل, وقالوا: إن هذا الحديث خاصٌ بعبد الله بْنُ عمرو ومن في معناه, وتقديره: لا أفضل من هذا في حقك, قَالَوا: ويؤيد هذا أَنَّه r لم ينهى حمزة بْنُ عمرو عن السرد ولو كَانَ أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له, وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقال السندي: ظاهره أَنَّه أفضل من صوم يومين وإفطار يوم, ومن صيام يومٍ الدهر بلا صيام أيام الكراهة, وبه قَالَ بعض أهل العلم قَالَ: وهذا أشد الصيام عَلَى النفس, يَعْنِي: صوم يوم وإفطار يوم أشد الصيام عَلَى النفس, فَإِنَّهُ لا يعتاد الصوم ولا الإفطار فيصعب عليه كلٌ منهما.
وَلَكِن القول: بأن هذا خاص بعبد الله بْنُ عمرو ليس بوجيه, الشريعة الأصل فيها عدم الخصوصية إِلَّا بدليل كما سبق, اِبْن القيم رحمه الله رد عَلَى هذا القول من وجوه متعددة, وأشار إِلَى ما أشار إليه النووي رحمه الله, قَالَ الحافظ بْنُ القيم رحمه الله: هذا الحديث نص في أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصيام, سرد الصيام كما سبق وصيام الدهر قيل: إنه مكروه, وقيل: إنه حرام, قولان لأهل العلم, والقول بالتحريم قول له وجاهته, جاء في سنده مقال: أن من أسرد الدهر ضُيقت عليه جهنم وحُصرت عليه جهنم كما ذكره اِبْن القيم في زاد المعاد, وهنا قَالَ اِبْن القيم: هذا الحديث نص في أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصيام, ولو كَانَ سرد الصيام مشروعًا أو مستحبًا لكان أكثر عملًا فيكون أفضل, هَذِه العبادة لا تكون إِلَّا راجحة فلو كانت عبادة لم يكن مرجوحًا.
يَعْنِي الرسول قَالَ: «لا أفضل من ذلك» إذًا سرد الصيام يكون مرجوح, وصيام يوم وفطر يوم يكون راجح, والعبادة لا تكون إِلَّا راجحة ما تكون مرجوحة, فدل عَلَى أَنَّ صيام يوم وفطر يوم أفضل الصيام أو أفضل من سرد الصيام عَلَى القول بجوازه.
قَالَ: وقد تأول قومٌ هذا عَلَى أن المعنى: لا أفضل من ذلك للمخاطب وحده, لما علم من حاله ومنتهى قوته, وأن ما هو أكثر من ذلك يضعفه عن فرائضه ويقطعه عن القيام بما عليه من الحقوق, قَالَ: وهذا تأويل باطل من وجوه كالقول بأنه خاص بعبد الله بْنُ عمرو:
أحدها: أن سياق الحديث يرده لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ عن المطيق, لِأَنَّهُ قَالَ: فإني أطيق أفضل من ذلك, وسبب الحديث في المطيق, القائلون بأنه خاص بعبد الله بْنُ عمرو, قالوا: غيره لا يطيق أكثر من ذلك, فأخبر أَنَّه لا أفضل من ذلك للمطيق الذي سأل, ولو أن رجلًا سأل من يفضل السرد وقال: إني أطيق أفضل من صوم يوم وفطر يوم لقال له: السرد أفضل.
الثاني: أنه أخبر عنه بثلاث جمل : إحداها : أنه أعدل الصيام, والثانية : أنه صوم داود, والثالثة : أنه لا أفضل منه, أعدل الصيام: صوم يوم وفطر يوم وهو صيام داود, وقال: إنه لا أفضل منه.
وهذه الأخبار تمنع تخصيصه بالسائل.
الثالث: أن في بعض ألفاظ مسلم فيه : «فإني أقوى, قال : فلم يزل يرفعني , حتى قال: صم يومًا وأفطر يومًا فإنه أفضل الصيام».
الرابع: أن هذا موافق لقوله فيمن صام الأبد : «لا صام ولا أفطر».
الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر «أن أحب الصيام إلى الله: صيام داود, وأحب القيام إلى الله قيام داود», قَالَ: «أحب الصيام إِلَى الله صيام داود كَانَ يصوم يومًا ويفطر يومًا, وأحب الصلاة إِلَى الله صلاة داود كَانَ ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» يقوم الجزء الرابع والخامس, وينام السادس ليستعين بِهِ عَلَى عمل النهار لِأَنَّهُ كَانَ قاضيًا يقضي بين الناس, وأتاه الله من الحكم والنبوة, فاشتهر بالصيام كَانَ يصوم يومًا ويفطر يومًا مع ما فيهِ من الحكم والملك, كذلك الصلاة يقول النَّبِيِّ r: «أفضل الصلاة صلاة داود كَانَ ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا»
إذًا كَانَ يصلي الليل, وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا, وكان لا يفر إذا لاقى, وكان أيضًا يصنع الدروع, وكان يحكم بين الناس: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص/26]؛ فهذا النَّبِيِّ اشتهر بهذه العبادات العظيمة مع ما أتاه الله من الملك والنبوة.
وفي يوم الاثنين جاءت فيهِ أحاديث قَالَ: «يومٌ ولدتُ فيهِ وفيه أُنزل عليَ الْقُرْآن», ما تكلم عَلَى الحديث عندك؟.
الطالب: إسناده صحيح, عبد الرزاق هو: اِبْن همام الصنعاني, ومعمر هو: اِبْن راشد, والزهري: هو محمد بْنُ مسلم بْنُ شهاب, وابن المسيب هو: سعيد, وأبو سلمة هو: اِبْن عبد الرحمن بْنُ عوف الزهري, وهو عند عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه أخرجه البخاري, وأخرجه البخاري ومسلم, والنسائي في الكبرى من طريق الزهري بِهِ, وأخرجه البخاري ومسلم من طريق يحي بْنُ أبي كثير, والنسائي من طريق محمد بْنُ إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة وحده, وأخرجه مختصرًا البخاري ومسلم والنسائي في الكبرى من طريق عبد الله بْنُ عمرو بَعْضُهُم يزيد فيهِ عَلَى بعض, وهو في مسند أحمد وصحيح بْنُ حبان.
الشيخ: عَلَى كل حال الخلاصة: أن سرد الدهر من العلماء من أجازه مع الكراهة, ومنهم من منعه, والجمهور عَلَى الكراهة إذا أفطر الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق, والصواب: أن صيام الدهر ممنوعٌ منه, وأن أفضل الصيام صيام داود, كَانَ يصوم نصف الدهر ويفطر نصف الدهر, وأما صوم الدهر فهو إما مكروه أو محرم.
الطالب: إذا وافق الأعياد توقف عن الصيام؟.
الشيخ: نعم هكذا قَالَ العلماء, اللي يصوم يوم ويفطر يوم لاشك معلوم يوم العيدين لا يجوز صومهما, كذلك يوم التشريق إِلَّا لمن لم يجد الهدي.
الطالب: وصف قيام داود؟.
الشيخ: قَالَ النَّبِيِّ: «كَانَ ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» يَعْنِي: يقوم السدس الرابع والسدس الخامس, والسدس السادس ينام يستعين بِهِ عَلَى أعمال النهار لِأَنَّهُ قاضي يحكم بين الناس, وثبت في الصحيحين أن النَّبِيِّ r قَالَ: «ينزل ربنا كل ليلة إِلَى السَّمَاء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر» وهذا الحديث رواه في الصحيحين, ورواه أصحاب السنن, وغيرهم فهو حديث متواتر, فيهِ: أن الثلث الأخير هو وقت التنزل الإلهي, السدس الخامس والسادس, وعلى هذا فيكون النصف الثاني فاضل, السدس الرابع والخامس قيام داود, والسدس الخامس والسادس وقت التنزل الإلهي, فكله فاضل.
الطالب: يعني ننام من بعد العشاء إلى منتصف الليل؟
الشيخ: نعم السدس الرابع والخامس هذا قيام داود والخامس والسادس هذا وقت تنزل الله.
الطالب: يحسب من آذان المغرب؟.
الشيخ: نعم, من آذان المغرب إِلَى آذان الفجر, هذا الليل.
والحديث فيهِ: إثبات الغضب لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته, والغضب للنبي r, غضب الله يليق بجلاله وعظمته كسائر صفاته, لا يماثل صفات المخلوقين, قَالَ عمر: «نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله» وفيه: أَنَّه غضب لما قَالَ هذا الرجل: كيف تصوم, وذكر الشراح والعلماء السبب في ذلك أَنَّه: ما يُخشى عَلَى السائل من كونه ربما يعتقد وجوبه, أو يستقله, أو اعتقد وجوبه واقتصر عليه, والنبي r هو المشرع وتتعلق بِهِ مصالح الأمة كلها, فهو مشغول بمصالح المسلمين وحقوقهم, وحقوق أزواجه وأضيافه, والوافدين عليه, فحقوق وأعمال متعددة.
قالوا: أيضًا لئلا يقتدي بِهِ كل أحد فيؤدي إِلَى ضرر في حق بعضهم, فلهذا غضب من سؤاله, وقوله: «لا صام ولا أفطر» هذا دليل عَلَى المنع من صيام الدهر وأنه لا ينبغي وأنه أقل أحواله: الكراهة الشديدة, والصواب: أن النهي للتحريم وهذا هو الأصل إِلَّا بصارف.
وفيه: فضل صيام يوم عرفة, وثلاثة أيام من كل شهر, وفيه: صوم يوم عاشوراء, وفيه: أن الَّتِي تُكفر هي الصغائر وأما الكبائر فلابد لها من توبة لقول الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء/31].
{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يَعْنِي: نكفر عنكم الصغائر, ولابد لتكفير الصغائر من فعل الفرائض مع ترك الكبائر, وترك الفرائض من الكبائر, ترك الفرائض أو تأخيرها عن وقتها من الكبائر فلابد من اجتناب الكبائر وفعل الفرائض حتى تُكفر الصغائر.
الصواب: أن خطاب النَّبِيِّ r وإرشاد النَّبِيِّ لعبد الله بْنُ عمرو عامٌ للأمة كلها وليس خاصًا بِهِ, وفيه: أن أفضل الصيام وأعدل الصيام؛ صيام داود, لا شيء أفضل منه, وأن سرد صيام الدهر إما مكروه وإما محرم إذا أفطر الأيام المنهي عنه, أما صيام الأيام المنهي عنه فهذا لا يجوز, صيام أيام العيد وأيام التشريق.
وفيه: فضل صوم يوم الاثنين والخميس, لَكِنْ ذكر في رواية شعبة قَالَ: «وسُئل عن صوم الاثنين والخميس» فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهمًا, وأخرجه الترمذي والنسائي, تكلم عَلَى رواية شعبة؟.
الطالب: ذكر أن إسناده صحيح, مهدي هو: اِبْن ميمون الأزدي, وأخرجه مسلم والنسائي في الكبرى من طريق مهدي بهذا الإسناد, وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن غيلان بِهِ, وهو في مسند أحمد وصحيح اِبْن حبان, انظر الحديث الذي قبله.
الشيخ: بعض المعاصرين المحدثين أشاروا إِلَى هَذِه الرواية قالوا: في صوم الاثنين, أما صوم الخميس فيرون أَنَّه غير ثابت.
الطالب: لعله شرحها في مسند أحمد.
الشيخ: لَكِنْ ذكر في رواية شعبة قَالَ: «وسُئل عن صوم الاثنين والخميس» فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهمًا.
الطالب: الخميس والاثنين ما ذكر في أحاديث أخرى؟.
الشيخ: ذكر لَكِنْ,,
الطالب: كيف وهم إذًا؟.
الشيخ: من رواية شعبة.
الطالب: (...)؟.
الشيخ: لا بأس الصيام من محرم مشروع مرغب فيهِ, إذا صام يوم وأفطر يوم هذا جيد.
الطالب: (...)؟.
الشيخ: كله ليس بواجب الحمد لله, الصوم عَلَى حسب استطاعته وقدرته وفراغه, مثلما قَالَ النَّبِيِّ r لعبد الله بْنُ عمرة: «صم ثلاثة أيام من كل شهر فهذا صوم الدهر» لِأَنّ الحسن بعشرة أمثالها, كل يوم بعشرة أيام, هذا فيهِ خير, وإذا كان عنده نشاط يصوم معها يوم الاثنين والخميس, وإذا كَانَ عنده نشاط يصوم يوم ويفطر يومين, وإذا كَانَ عنده نشاط وفراغ يصوم يوم ويفطر يوم, وهذا النهاية, وهذا أعدل وأفضل الصيام, وَلَكِن ينبغي له ألا يُخل بعمله إذا كَانَ يعمل ويكتسب, ويعمل بطلب الرزق له ولأولاده, فإذا كَانَ الصيام يضعفه فيصوم عَلَى حسب استطاعته وقدرته والحمد لله.