شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_15

00:00
00:00
تحميل
56

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام الحافظ أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: 

باب في صوم أشهر الحرم. 

 2428- حدثنا موسى بن إسماعيل، أخبرنا حماد، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن مجيبة الباهلية، عن أبيها، أو عمها، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني، قال: «ومن أنت؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فما غيرك، وقد كنت حسن الهيئة؟» قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم عذبت نفسك، ثم قال: «صم شهر الصبر، ويومًا من كل شهر»، قال: زدني فإن بي قوة، قال: «صم يومين»، قال: زدني، قال: «صم ثلاثة أيام» قال: زدني، قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك, وقال: بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة, والمراد بالأشهر الحرم: رجب, ذو القعدة, ذو الحجة, محرم, ثلاثٌ سرد وهي: ذو القعدة, ذو الحجة, محرم, وواحد فرد وهو: رجب, الحديث ضعفه بَعْضُهُم لاضطرابه, كذلك يُنظر في حال مجيبة الباهلية, وَكَذَلِكَ أبيها وعمها, والحديث لو صح ففيه ما يوافق حديث عبد الله بْنُ عمرو بْنُ العاص أَنَّه سأل النَّبِيِّ r يومًا فَقَالَ له: «صم من الشهر ثلاثة أيام» وكان يسرد الصوم ويسرد الصلاة. 

قال: «صم شهر الصبر، ويومًا من كل شهر، قال: زدني فإن بي قوة، قال: صم يومين»، قال: زدني، قال: صم ثلاثة أيام» وفيه: أنه قَالَ: «صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك» الحُرم: يَعْنِي الأشهر الحرم, «اترك» يَعْنِي: لا تُسردها في الصيام, «وضم أصابعه» يَعْنِي: لك أن تصوم ثلاثة وتفطر في الرابع. 

وسمي رمضان شهر الصبر لما فيهِ من حبس النفس عن المشتهيات: حبس النفس عن الطعام, الشراب, وعن النساء. 

قيل لأعرابي كم الأشهر الحرم؟ قَالَ: أربعة: ثلاث سرد وواحد فرد, قوله: «أشار بأصابعه الثلاثة» يَعْنِي: إِلَى أَنَّه لا يسردها بالصوم, فإذا صام ثلاثة متوالية فَإِنَّهُ يفطر, ومن هنا المنذري تكلم عَلَى تخريج الحديث وقال: أخرجه النسائي, وابن ماجة, إِلَّا أن النسائي قَالَ فيهِ: مجيبة الباهلي عن عمه, قَالَ اِبْن ماجة: مجيبة عن أبيه أو عمه, وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة, قَالَ فيهِ: عن مجيبة الباهلية, قالت: (حدثني أبي أو عمي) وسمى أباها عبد الله بْنُ الحارث وقال: سكن البصرة وروى عن النَّبِيِّ r حديثًا وقال في موضع آخر: أبو مجيئة الباهلية, أو عمه سكن البصرة وروى عن النَّبِيِّ r حديثًا ولم يسمه وذكر هذا الحديث, وذكره اِبْن القانع في مجمع الصحابة, قَالَ فيهِ: عن مجيبة عن أبيها أو عمها, وسماه أيضًا عبد الحارث, هذا آخر كلامه. 

وقد وقع في هذا الاختلاف كما ترى وأشار بعض شيوخه إِلَى تضعيفه لذلك وهو متوجه, ماذا قَالَ عليه عندك؟. 

الطالب: إسناده ضعيف لجهالة مجيبة الباهلية, وذكر بَعْضُهُم أن مجيبة رجل, وقيل فيهِ: أبو مجيبة حماد وهو اِبْن سلمة, سعيد الجريري: هو اِبْن إياس, وأبو السليل هو: ضُريب بْنُ نُقير, وأخرجه اِبْن ماجة والنسائي في الكبرى من طريق سفيان الثوري عن سعيد الجريري بهذا الإسناد, وقال اِبْن ماجة فيهِ: عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه, وهو في مسند أحمد, وقوله: «صم ثلاثة أيام» له شاهد من حديث عبد الله بْنُ عمرو بْنُ العاص عند أحمد في المسند. 

الشيخ: هذا ما فيهِ إشكال, لَكِنْ الإشكال في قوله: «صم من الحرم واترك», وقوله «صم يوم» يوم ما يكفي في الشهر لَكِنْ ثلاثة أيام نعم. 

الطالب: ما يكون هذا خاص للباهلي؟. 

الشيخ: الشريعة ليست خاصة. 

الطالب: لِأَنّه متغير الشكل؟. 

الشيخ: لو صح, هذا فيهِ نكارة, وَكَذَلِكَ أيضًا جهالة أبيها وعمها فهو مجهول الحال, مجيبة مجهولة وأبوها مجهول وعمها مجهول, فالحديث ضعيف لا يقال: إنه يُشرع صيام الأشهر الحرم, وَإِنَّمَا يشرع فيها كغيرها, الأشهر الحرم الظلم فيها أغلظ من غيرها, قَالَ الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة/36]؛ فظلم النفس في الأشهر الحرم أغلظ, لَكِنْ مزية الصيام كغيرها إِلَّا محرم, محرم معروف وجاءت فيهِ أدلة خاصة وترجم له المؤلف رحمه الله باب مستقل, لَكِنْ بقية الأشهر الحرم: ذو القعدة, ذو الحجة, رجب, ما في شيء يخصها, هذا الحديث لا يصلح بتخصيص الأشهر الحرم بالصيام. 

(المتن) 

باب في صوم المحرم. 

2429- حدثنا مسدد، وقتيبة بن سعيد، قالا: أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل»، لم يقل قتيبة: «شهر»، قال «رمضان». 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه: الإمام مسلم, والترمذي, والنسائي وابن ماجة, وفيه: فضيلة الصيام في شهر محرم, وأنه أفضل الصيام بعد شهر رمضان, وَلَكِن يبقى إشكال وهو أن النَّبِيِّ r كَانَ يُكثر الصيام في شعبان دون محرم, فما السبب في ذلك, قالت عائشة: «ما رأيته أكثر من صيامًا في شعبان» أجاب العلماء بوجهين: 

أحدهما: لعله النَّبِيِّ r إِنَّمَا علم فضله في آخر حياته, وكان قبل ذلك يصوم شعبان والله تعالى لم يُعلمه بفضيلة شهر محرم. 

الثاني: لعله يعرض فيهِ أعذار من سفر أو مرض أو غيرها. 

وأما قوله: «وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل» فهذا اُحتج بِهِ عَلَى أن التطوع في الليل أفضل من التطوع في النهار, صلاة التطوع في الليل أفضل من التطوع في النهار, احتج بِهِ أبو إسحاق المروزي ومن وافقه: عَلَى أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة, لعموم: «وإن أفضل الصلاة بعد الفريضة». 

وقال الجمهور: الرواتب أفضل لِأَنَّهَا تشبه الفرائض, قَالَ الشافعي: والأول أقوى, ونقل هذا عن النووي, يَعْنِي: يرى أن صلاة الليل أفضل من السنن الرواتب, نعم السنن الرواتب لابد منها ولا تأخذ وقت كثير وهي تكمل الفرائض, صلاة الليل وقتها واسع. 

(المتن) 

2430- حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا عيسى، أخبرنا عثمان يعني ابن حكيم، قال: سألت سعيد بن جبير، عن صيام رجب، فقال: أخبرني ابن عباس، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة, هو حديث صحيح, وفيه: أن النَّبِيِّ r كَانَ ينتهز الفرصة في وقت فراغه فيسرد الصوم حتى يقول أهل بيته: لا يفطر, وإذا انشغل بالوفود وأعمال الناس سرد الفطر حتى يقولوا: لا يصوم. 

والسؤال عن صيام رجب, فما علاقة كون النَّبِيِّ r يسرد الصوم بصيام رجب؟ سعيد بْنُ جبير قَالَ لعثمان بْنُ حكيم هذا الجواب, النووي أجاب عن هذا قَالَ: الظاهر أن مراد سعيد بْنُ جبير بهذا الاستدلال إنه لا نهي عنه ولا ندب فيهِ بعينه؛ شهر رجب, بل له حكم باقي الشهور, إذ لم يثبت في صومه نهي ولا ندب بعينه، وإن كان أصل الصوم مندوبًا إليه، وقال: وفي سنن أبي داود أن رسول الله ندب إِلَى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها؛ هذا يَعْنِي الحديث السابق حديث الباهلية لو صح. 

(المتن) 

باب في صوم شعبان. 

2431- حدثنا أحمد بن حنبل، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، سمع عائشة تقول: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان، ثم يصله برمضان». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه: النسائي, والحاكم, وصححه الذهبي, «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان» كَانَ: تنصب الاسم وترفع الخبر, أحب: اسمًا مؤخر, شعبان: هو المؤخر, والتقدير: كَانَ شعبان أحب الشهور إِلَى رسول الله أن يصومه. 

قولها: «كَانَ أحب الشهور» هذا مقيد بالصوم, كَانَ أحب الشهور إِلَى الله في الصوم خاصة, يَعْنِي: كَانَ شعبان أحب الشهور إِلَى رسول الله ليس عَلَى الإطلاق, بل في أمر الصوم فقط, فيجوز أن يكون أحب الشهور إليه r في غير أيام الصوم غير شعبان, عَلَى كل حال هو حديث مقيد بالصوم, الشارح نقل كلام في كون النَّبِيِّ r يخص شعبان بصيام التطوع فيهِ, ونقله عن الخطابي في معالم السنن, قَالَ: فَإِن قيل: كيف كَانَ رسول الله r يخص شعبان بصيام التطوع فيهِ مع أَنَّه قَالَ: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»؟. 

كما سبق, والجواب: أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح بِهِ الشافعية وغيرهم كما قَالَ النووي: أفضل الشهر للصوم بعد رمضان؛ الأشهر الحرم, وأفضلها المحرم, ويلي المحرم في الفضل رجب, والأظهر كما قَالَ بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم: أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان؛ شعبان, لمحافظته فيهِ r عَلَى صومه أو صوم أكثره, فيكون قوله: «أفضل الصيام بعد رمضان محرم» محمول عَلَى التطوع المطلق, وكذا: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل» إِنَّمَا أُريد بِهِ تقديم قيام الليل عَلَى التطوع المطلق دون السنن الرواتب الَّتِي قبل الفرائض وبعدها خلافًا لبعض الشافعية, فكذلك ما كَانَ قبل رمضان أو بعده من شوال تشبيهًا له بالسنن الرواتب. 

والحديث كما سبق أخرجه: الحاكم في المستدرك وقال: صحيح عَلَى شرط الشيخين, وأقره الذهبي, وقال المنذري: أخرجه النسائي, عَلَى كل حال الجواب كما سبق: يمكن يحتمل أن الله سبحانه وتعالى ما أطلعه عَلَى فضيلة الصيام في محرم إِلَّا في آخر حياته, أو أَنَّه كَانَ ينشغل بأسفار وغيرها مما يتعلق بمقابلة الوفود والتشريع. 

(المتن) 

باب في صوم شوال. 

2432- حدثنا محمد بن عثمان العجلي، أخبرنا عبيد الله يعني ابن موسى، عن هارون بن سلمان، عن عبيد الله بن مسلم القرشي، عن أبيه، قال: سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر، فقال: «إن لأهلك عليك حقًا، صم رمضان والذي يليه، وكل أربعاء وخميس، فإذًا أنت قد صمت الدهر». 

قال أبو داود: «وافقه زيد العكَلي، وخالفه أبو نعيم، قال مسلم بن عبيد الله». 

(الشرح) 

هذا الحديث في متنه نكارة في قوله: «صم رمضان والذي يليه» وهو شوال, «وكل أربعاء وخميس» وهذا يعارض حديث الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم, هذا أيضًا سنده فيهِ عبيد الله بْنُ مسلم, قَالَ فيهِ الحافظ في التقريب: مقبول, والمقبول ضعيف إذا لم يُتابع. 

قوله: «إن لأهلك عليك حقًا» يَعْنِي: الصوم يضعف الإنسان فلا يقدر عَلَى أداء حق الأهل, وفيه: إشعار بأن صوم الدهر من شأنه أن يفتر الهمة عن القيام بحقوق الله وحقوق عباده, فلذا كُره. 

قوله: «صم رمضان والذي يليه» قيل: أراد الست من شوال, وقيل: أراد بِهِ شعبان, لَكِنْ شعبان قبله, «وكل أربعاء وخميس إذًا أنت قد صمت الدهر» يَعْنِي: القول بأن المراد بِهِ الست من شوال نعم, ست من شوال مع رمضان كأنه صام الدهر, قَالَ الطيبي: الفاء للجزاء شرط محذوف, أي: إن فعلت ما قلت لك فقد صمت, «إذًا» جواب جيء لتأكيد الربط, والحديث أخرجه الترمذي والنسائي, قَالَ الترمذي: حديث غريب, ورواه بَعْضُهُم عن هارون بْنُ سلمان عن مسلم بْنُ عبيد الله عن أبيه, وقد أخرج النسائي الرواية الأولى والثانية الَّتِي أشار إليها الترمذي, ماذا قَالَ عليه عندك؟. 

الطالب: إسناده ضعيف لجهالة عبيد الله بْنُ مسلم القرشي, وقيل: مسلم بْنُ عبيد الله وهو الذي رجحه البغوي وغير واحد, هارون بْنُ سليمان هو القرشي المخزومي, وأخرجه الترمذي من طريقين عن عبيد الله بْنُ موسى بهذا الإسناد, وقال: حديث غريب. 

الشيخ: الحافظ قَالَ: مقبول, ما قَالَ مجهول. 

الطالب: وأخرجه النسائي في الكبرى من طريقين: عن هارون بْنُ سليمان بِهِ. 

الشيخ: قوله: قال أبو داود: «وافقه زيد العكَلي» يَعْنِي: في الاسم, في أَنَّه عبيد الله بْنُ مسلم, «وخالفه أبو نعيم، فقال مسلم بن عبيد الله» هذا يدل عَلَى أَنَّه فيهِ جهالة, إذًا الحديث ضعيف في هذا, وفي متنه نكارة من جهة الْأَمْرِ بصيام الأربعاء, أما الخميس بأحاديث أخرى, وَكَذَلِكَ أيضًا الصيام الذي يلي رمضان, أما صيام الست فله أحاديث خاصة. 

الطالب: الهاء في يليه ترجع إلى رمضان, أما يكون يقصد الذي يليه شعبان؟. 

الشيخ: ما يخالف, لَكِنْ ما الذي يلي رمضان؟ سابقًا أو لاحقًا. 

الطالب: سابقًا. 

الشيخ: ما سبب الترجيح؟. 

الطالب: «صم رمضان والذي يليه» كأنه يقصد الذي يلي هذا الشهر. 

الشيخ: ما يخالف, صيام شوال كامل هذا فيهِ إشكال أيضًا. 

الطالب: الست من شوال. 

الشيخ: اقرأ الترجمة. 

الطالب: باب في صوم ستة أيام من شوال. 

الشيخ: قف عَلَى هذا, هذا ذكر اِبْن القيم عليه ستة عشر صفحة. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد