شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_16

00:00
00:00
تحميل
87

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب في صوم ستة أيام من شوال 

2433 - حدثنا النفيلي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت الأنصاري، عن أبي أيوب، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر». 

(الشرح) 

قَالَ المصنف رحمه الله تعالى: (باب في صوم ستة أيام من شوال), ذكر المؤلف حديث أبي أيوب الأنصاري قَالَ: «من صام رمضان، ثم أتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر». 

هَذَا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه, والحديث دليل عَلَى استحباب صوم ستة أيام من شوال, كما هُوَ قول الجمهور, الشافعي وأحمد وأبي داود وغيرهم, خلافًا للإمام مالك وأبي حنيفة في كراهة صومهما, فَإِن الإمام مالك والإمام أبا حنيفة كرها صومهما وهما محجوجان بِهَذَا الحديث. 

واستدل للإمام مالك وأبي حنيفة في كراهة صومها أَنَّهُ ربما ظن وجوبها, قَالَ: لو صامها ربما يظن أن صومها واجب, لكن هَذَا ليس بصحيح, هَذَا تعليل في مقابل السُّنَّة الصحيحة الصريحة. 

وَأَيْضًا يلزم مثل هَذَا في سائر أنواع الصوم المرغب فِيهَا, يلزم هَذَا في صوم الأيام البيض ويلزم هَذَا في صوم الاثنين والخميس ربما يظن وجوبها ولا قائل بِهَذَا. 

الإمام مالك رحمه الله استدل عَلَى كراهة صوم ستٍ من شوال بما قَالَ في الموطأ أَنَّهُ ما رأى أحدًا من أهل العلم يصومها, وَقَالَ الشارح: ولا يخفى أن النَّاس إِذَا تركوا العمل بالسنة لَمْ يكن تركها دليلاً ترد به السُّنَّة. 

وَقَالَ النووي رحمه الله في شرح مسلم: قَالَ أصحابنا والأفضل ِأن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر, قَالَ: فَإِن فرقها أو أخرها عَنْ أوائل شوال إِلَى آخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لِأَنَّهُ يصدق أَنَّهُ يتبعه ستًا من شوال. 

قَالَ: وَقَالَ العلماء إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كصيام الدهر؛ لِأَنَّ الحسنة بعشر أمثالها, فرمضان بعشر أشهر والستة بشهرين, قَدْ جاء هَذَا في حديث مرفوعًا في كتاب النسائي والإمام ابن القيم رحمه الله تكلم على هَذَا الحديث وأطال. 

أطال فِيهِ إطالة طويلة بما يقرب من أربعة وعشرين صفحة أو كذا, قَالَ في أول الكلام عَلَيْهِ قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه: هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَوْرَدَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه, وَضَعَّفَهُ غَيْره وَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد أَخِي يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه: سَعْد بْن سَعِيد ضَعِيف كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يَحْيَى بْن سَعِيد الثِّقَة الْمَأْمُون أَحَد الْأَئِمَّة, وَعَبْد رَبّه بْن سَعِيد لَا بَأْس بِهِ وَسَعْد بْن سَعِيد ثَالِثهمْ ضَعِيف. 

وَذَكَر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر الْحُمَيْدِيّ هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْنَده وَقَالَ الصَّحِيح مَوْقُوفًا, وَقَدْ يرَوَى الْإِخْوَة الثَّلَاثَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ عُمَر بْن ثَابِت. 

يَعْنِي يحيى بن سعيد وسعد بن سعيد يكونوا أخوة, وَقَدْ أعل حديث أبي أيوب هَذَا من جهة طرقه كلها, رواية مسلم أعل من طريق سعد بن سعيد, ورواية أخيه عبد ربه قَالَ النسائي: فِيهِ عتبة ليس بالقوي, يَعْنِي راويه عَنْ عبد الملك بن أبي بكر عَنْ يحيى, وَأَمَّا حديث عبد ربه فَإِني أراه موقوفًا. 

قَالَ: وَهَذِهِ الْعِلَل وَإِنْ مَنَعَتْهُ أَنْ يَكُون فِي أَعْلَى دَرَجَات الصَّحِيح فَإِنَّهَا لَا تُوجِب وَهَنَه, يَعْنِي ضعفه, وَقَدْ تَابَعَ سَعْدًا وَيَحْيَى وَعَبْد رَبّه عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ عَنْ عُمَر لَكِنْ قَالَ عَنْ عُمَر عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب 

وَرَوَاهُ أَيْضًا صَفْوَان بْن سليم عن عمر بن ثابت ذكره بن حِبَّان فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة يَحْيَى وَسَعِيد وَعَبْد رَبّه بَنُو سَعِيد وَصَفْوَان بْن سليم وَعُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ كُلّهمْ رَوَوْهُ عَنْ عَمْر, فَالْحَدِيث صَحِيح. 

وَأَمَّا حديث ثوبان فقد رواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه, وَلَفْظه «مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتًّا مِنْ شَوَّال فَقَدْ صَامَ السَّنَة» وَرَوَاهُ بن مَاجَةَ وَلَفْظه «مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر كَانَ تَمَام السَّنَة», مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا. 

ثُمَّ ذكر حديث جابر وحديث أبي هريرة ثُمَّ قَالَ: فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْقَوْل بِمُوجَبِ هَذِهِ الأحاديث, فَذَهَبَ أكثرهم إِلَى القول باستحباب صومها, منهم الشافعي وأحمد وابن المبارك وغيره, وكره آخرون منهم مالك, وَقَالَ مطرف: كَانَ مالك يصومها في خاصة نفسه. 

مطرف يَقُولُ: ملك كَانَ يصومها في خاصة نفسه ولكن لا يفتي النَّاس, كَانَ يصوم في خاصة نفسه قَالَ: وإِنَّمَا كره صومها لئلا يحلق أهل الجاهلية ذَلِكَ برمضان. 

فأما من يرغب في ذَلِكَ لما جاء فِيهِ فلم ينهه, قَالَ ابن القيم رحمه الله: وَقَدْ اعترض بعض النَّاس عَلَى هَذِهِ الأحاديث باعتراضات نذكرها ونذكر الجواب عنها إن شاء الله. 

الاعتراض الأول: تضعيفها, قَالَ: وأشهرها حديث أيوب. 

ثُمَّ أجاب عَنْ هَذَا الاعتراض باعتراضات طويلة, ثُمَّ قَالَ ابن القيم رحمه الله: وهنا دقيقة ينبغي التفطن لها وَهِيَ وأن هَذَا الحديث الَّذِي روياه أو أحدهما يَعْنِي البخاري ومسلم واحتج برجالة شوف هَذِهِ فائدة, هنا دقيقة ينبغي التفطن لها وَهِيَ أن الحديث الَّذِي روياه الشيخان أو أحدهما واحتج برجاله أقوى من حديث احتج برجاله وَلَمْ يخرجاه, يَعْنِي في حديث خرجاه واحتج برجاله, وحديث احج برجاله وَلَمْ يخرجاه أيهما أقوى؟ 

الأول أقوى, فتصحيح الحديث أقوى من تصحيح السند, فَإِن قِيلَ: فلمَ لَمْ يخرجه البخاري؟  

قِيلَ: هَذَا لَا يَلْزَم لِأَنَّهُ رَحِمه اللَّه لَمْ يَسْتَوْعِب الصَّحِيح, البخاري ما قَالَ أنا ألتزم بأن كُلّ صحيح أخرجه, وَكَذَلِكَ مسلم, الأحاديث الصحيحة كثيرة, لو خرج كُلّ حديث صحيح صار الكتاب كبير. 

قَالَ: وَلَيْسَ سَعْد بْن سَعِيد مِنْ شَرْطه, عَلَى أَنَّهُ قَدْ اِسْتَشْهَدَ بِهِ فِي صَحِيحه فَقَالَ فِي كِتَاب الزَّكَاة وَقَالَ سُلَيْمَان عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عمارة بن غزية عن بن عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. 

الِاعْتِرَاض الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عُمَر بْن ثَابِت.  

ثُمَّ أطال الكلام وأجاب عَنْ هَذِهِ الاعتراض. 

ثُمَّ قَالَ: الِاعْتِرَاض الثَّالِث أَنَّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم. 

قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه يَصُومهَا وَلَمْ يَبْلُغنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف وَإِنَّ أَهْل الْعِلْم يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَته وَأَنْ يُلْحِق بِرَمَضَان مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء, لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَة عَنْ أَهْل الْعِلْم وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ تَمَّ كَلَامُهُ. 

قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ وَاَلَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِك قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَالنَّوَاقِيس وَشَعَائِر رَمَضَان إِلَى آخِر السِّتَّة الْأَيَّام فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِر الْعِيد...إلخ 

وأطال الكلام في هَذَا ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ سِتّ وَالْأَيَّام مُذَكَّرَة فَالْأَصْل أَنْ يُقَال سِتَّة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام}؛ وَهَلْ لِشَوَّال بِخُصُوصِهِ مَزِيَّة عَلَى غَيْره فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلسِّتِّ خُصُوصِيَّة عَلَى مَا دُونهَا وَأَكْثَر مِنْهَا أَمْ لَا وَكَيْف شَبَّهَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصِيَامِ الدَّهْر فَيَكُون الْعَمَل الْيَسِير مُشَبَّهًا بِالْعَمَلِ الْكَثِير وَمِنْ جِنْسه وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا وَعَمِلَ الْآخَر بِقَدْرِهِ مَرَّتَيْنِ لَا يَسْتَوِيَانِ, فَكَيْف يَكُون بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات؟  

وَهَلْ فَرْقٌ بَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر وَبَيْن أَنْ يُقَال فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر وَهَلْ يَدُلّ الْحَدِيث عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر لِأَجْلِ هَذَا التَّشْبِيه أَمْ لَا؟ 

ثُمَّ أجاب عَنْ هَذِهِ الأسئلة وذكر في هَذَا أسئلة متعددة ومنها السؤال الثاني اختصاص شوال, السؤال الثالث اختصاصه بِهَذَا العدد السؤال الرابع تشبيه هَذِهِ الصيام بصيام الدهر, والسؤال الخامس: هُوَ الفرق بين أن نقول: فَرْقٌ بَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر, السؤال السادس: الاستدلال له عَلَى استحباب صيام الدهر. ..إلخ 

المقصود أن ابن القيم أطال إطالة قوية في هَذَا والخلاصة في هَذَا أن الصواب ما ذَهَبَ إليه الجمهور, الحديث صحيح أَنَّهُ يستحب صيامها وَهَذَا هُوَ الَّذِي دل عَلَيْهِ الحديث, والقاعدة أن الحجة في كلام الله وكلام رسوله, وَأَمَّا ما لَمْ يعمل به من العلم يعتذر عنه ويترحم عَلَيْهِ؛ لكن العمال إِنَّمَا هو بالكتاب وَالسُّنَّة. 

صحيح مسلم تلقته الأمة بالقبول, وعَلَى استحبابها وَهُوَ أَيْضًا قَالَ به الجمهور, فالصواب كما سبق أن الحديث دليل استحباب صيام الستة أيام من شوال وَهُوَ قول الجمهور, وَأَمَّا مالك وأبو حنيفة يعتذر لهما أو يترحم عليهما, لهما اجتهادهما ولكن الحجة إِنَّمَا هِيَ في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. 

قال الأرنؤوط: هَذَا الحديث صحيح وإسناده قوي من جهة صفوان بن سليم, حسن من جهة سعد بن سعيد وَهُوَ ابن قيس الأنصاري عبد العزيز بن محمد وَهُوَ الدراوردي صدوق لا بأس به, وسعد بن سعيد حسن الحديث في المتابعات, وَقَدْ توبع وأخرجه النسائي في الكبرى من طريق عبد العزيز بن محمد بِهَذَا الإسناد وأخرجه مسلم وابن ماجة والترمذي والنسائي في الكبرى من طريق عَنْ سعد بن سعيد به. 

وأخرجه البخاري من طريق يحيى بن سعيد عَنْ عمر بن ثابت به, وأخرجه النسائي أَيْضًا من طريق عبد ربه بن سعيد عَنْ عمرو بن ثابت به موقوفًا, وَهُوَ في مسند أحمد وصحيح ابن حبان وانظر تمام كلامنا عَلَيْهِ في المسند. ويشهد له حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد ابن ماجة والنسائي في الكبرى وإسناده عِنْد النسائي صحيح, وَهُوَ في مسند أحمد ولفظ النسائي الأول: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر, وصيام ستة أيام من شوال بشهرين, فذلك صيام سنة». 

قُلْنَا: وفي هَذِهِ الرواية تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: «فكأنهما صام الدهر يَعْنِي السنة». ا. ه.ـ 

عَلَى كُلّ حال ابن القيم ما في أحد أكثر من كلام ابن القيم عليها وأطال في هَذَا, عَلَى كُلّ حال كما سبق الحديث والحمد لله لا إشكال فِيهِ والحديث صحيح والعمل به هُوَ متعين وَهُوَ قول الجمهور. 

(المتن) 

باب كيف كان يصوم النبي صلى الله عليه وسلم 

2434 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان. 

(الشرح) 

هَذِهِ الترجمة في كيف كَانَ يصوم النبي صلى الله عليه وسلم, كيفية صيام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذكرت عائشة رضي الله عنها أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام كَانَ يصوم حَتَّى نقول إِنَّهُ لا يفطر, ويفطر حَتَّى نقول إِنَّهُ لا يصوم؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ ينتهز الفرصة فيصوم في وقت الفراغ والنشاط ويفطر في وقته الشغل, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مشغول بالدعوة إِلَى الله ومقابلة الوفود والجهاد في سبيل الله, وتعليم النَّاس, إِلَى غير ذَلِكَ من الأعمال فأحيانا ينشغل عَلَيْهِ السلام فيفطر فيسرد الفطر, وأحيانًا يكون عنده فراغ فيسرد الصوم, فكان عليه الصلاة والسلام ينتهز الفرصة يصوم في وقت الفراغ والنشاط ويفطر في وقت الشغل, ولهذا قَالَ عائشة: كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوم حَتَّى نقول لا يفطر, يَعْنِي يسرد الصوم, ويفطر حَتَّى نقول: لا يصوم يسرد الفطر عَلَى حسب الفراغ والنشاط. 

قَالَت: «وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إِلَّا رمضان», يَعْنِي يصوم من الشهر وَقَدْ يصوم كثيرًا منه لكن لا يستكمله في الغالب. 

«وما رأيت أكثر صياما منه في شعبان», وَهَذَا سبق الكلام عَلَيْهِ أَنَّهُ في شعبان قَدْ يجمع الأيام الَّتِي كَانَ يصومها (.....) وغيره, فيجمعها في شعبان. 

وَلِأَنَّ شهر شعبان كَانَ مقدمة لرمضان كالنافلة, واستدل بِهَذَا الحديث عَلَى أَنَّهُ يستحب ألا يخلي شهرًا من صيام, يَعْنِي لا يخلي شهرًا من صيام كالأيام البيض أو الاثنين والخميس, وأن صوم النفل غير مختص بزمان معين, بَلْ كُلّ السنة صالحة له, إِلَّا رمضان والعيد والتشريق. 

رمضان هُوَ صوم الفريضة وأيام العيدين والتشريق هَذِهِ يحرم صومها, خمسة أيام في السنة, عيد الفطر وعيد الأضحى وثلاثة أيام التشريق, ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر من ذي الحجة إِلَّا لمن يجد الهدي وَلَمْ يصمها قبل العيد فَإِنَّهُ يصومها ثلاثة أيام التشريق. 

رمضان وعيد الأضحى وعيد الفطر هَذِهِ لا يصح صومها بحال, وأيام صيام التشريق فيجوز صيام هَذَا الصنف من النَّاس, وَهُوَ الحاج المتمتع والقارن الَّذِي لَمْ يجد الهدي وَلَمْ يصم وفاتت عَلَيْهِ الأيام لَمْ يصمها قبل العيد, فَإِنَّهُ يصومها في أيام التشريق, لحديث عائشة وأبي هريرة قالا: لَمْ يرخص في أيام التشريق أن يصمن إِلَّا لمن لَمْ يجد الهدي فهذا خاص. 

فتكون خمسة أيام يحرم صومها في السنة, لكن العيدين يحرم صومه بكل حال, لا يجوز صومها لا عَنْ قضاء ولا تطوع ولاشيء مطلقًا, يحرم صومها ومن صام فَهُوَ آثم عاصي لله ولرسوله. 

وَقِيلَ: كَانَ يصوم شعبان كله في وقت, « وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان». 

قِيلَ: كَانَ يصوم شعبان كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى, وَقِيلَ: كَانَ يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارةً بينهما, وما يخلي منه شيئًا بلا صيام, وَقِيلَ في تخصيص شهر شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فِيهِ أعمال العباد, جاء في الحديث أَنَّهُ ترفع فِيهِ أعمال العباد. 

فَإِنْ قِيلَ لقد تَقَدَّمَ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ.  

فَالْجَوَابُ قيل لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ. 

يَعْنِي في آخر حياته علمه الله أن صوم المحرم أفضل, ولذلك كَانَ يصوم في أول شعبان, وَقِيلَ: لعله كَانَ يعرض فِيهِ أعذار تمنع من إكثار الصوم فِيهِ محرم يَعْنِي كسفر ومرض وغيرهما. 

قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لم يَسْتَكْمِلُ غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ. 

يَعْنِي ما يستكمل الشهر يفطر أيام قليلة منها هَذَا هُوَ الأفضل إِذَا صام شعبان أو محرم يفطر أيام قليلة منه, قِيلَ: الحكمة من ذَلِكَ لئلا يظن وجوبه. 

قَالَ ابن القيم رحمه الله: وَفِي صَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْبَان أَكْثَر مِنْ غَيْره ثَلَاث مَعَانٍ: 

أَحَدهَا: أَنَّهُ كَانَ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر فَرُبَّمَا شُغِلَ عَنْ الصِّيَام أَشْهُرًا فَجَمَعَ ذَلِكَ فِي شَعْبَان لِيُدْرِكَهُ قَبْل صِيَام الْفَرْض. 

الثَّانِي: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِرَمَضَان وَهَذَا الصَّوْم يُشْبِه سُنَّة فَرْض الصَّلَاة قَبْلهَا تَعْظِيمًا لِحَقِّهَا. 

الثَّالِث: أَنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال.  

أيْ اجتمعت فِيهِ الأمور الثلاثة: 

أَنَّهَا ربما يشغل عَنْ الصيام أيام البيض في الأشهر السابقة فيجمعها في شعبان. 

الثاني: أَنَّهُ تعظيمًا لرمضان كالراتبة الفريضة فَهُوَ يصوم . 

الثالث: أَنَّهُ ترفع فِيهِ الأعمال, قَالَ: الثَّالِث: أَنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال, فَأَحَبَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَع عَمَله وَهُوَ صَائِم. 

(المتن) 

2435 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه زاد «كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله». 

(الشرح) 

وَهَذِهِ الزيادة أخرجها مسلم «بَلْ كَانَ يصومه كله», يَعْنِي«كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله», يحتمل أَنَّهُ مرة كَانَ يصومه كامل ومرة يصوم بعضه, ويحتمل أَنَّهُ كَانَ يصومه كله إِلَّا قليلاً, أن من أفطر أيام قليلة من الشهر يصدق عَلَيْهِ أَنَّهُ صامه كله, فمن أفطر أيام يسيرة ثلاثة أيام أربعة أيام في آخر الشهر كأنه صامه. 

(المتن) 

باب في صوم الاثنين والخميس 

2436 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، عن عمر بن أبي الحكم بن ثوبان، عن مولى قدامة بن مظعون، عن مولى أسامة بن زيد، أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فقال له مولاه: لم تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وأنت شيخ كبير؟، فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك، فقال: «إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس»، قال أبو داود: كذا قال هشام الدستوائي، عن يحيى، عن عمر بن أبي الحكم. 

(الشرح) 

الحديث أخرجه النسائي والحديث ضعيف فِيهِ سنده رجلان مجهولان وهما مولى قدامة ومولى أسامة, من هُوَ مولى قدامة وَكَذَلِكَ مولى أسامة؟ وَفِيهِ عنعنة يحيى بن كثير, لكن الحديث صيام يوم الاثنين ثابت. 

قوله: «عَنْ مولى أسامة», قَالَ: مجهول, وَقَالَ المزي: روى عَنْ حرملة مولى أسامة بن زيد حديث غير هَذَا, وادى القرى وادٍ بين المدينة والشام. 

الحديث يَدُلَّ عَلَى استحباب صوم يوم الاثنين والخميس لأنهما يومان ترفع فيهما الأعمال, قال في فتح الودود: قَدْ جاء في الصحيحين يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل, فيحتمل أَنَّهُ يعرض عَلَيْهِ تعالى أعمال العباد كُلّ يوم, ثُمَّ يعرض عَلَيْهِ أعمال الجمعة في يوم الاثنين والخميس, ثُمَّ أعمال السُّنَّة في شعبان, ولكل عرض حكمة, ويحتمل أَنَّهَا تعرض كُلّ يوم تفصيلاً وفي الجمعة إجمال أو العكس, كذا قَالَ هشام الدستوائي, وهكذا روى أبو نعيم في الحلية عَنْ أبي كثير عَنْ عمر بن أبي الحكم. 

والحديث تكلم عَلَيْهِ ابن القيم رحمه الله قَالَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث الْمُسَيَّب بْن رَافِع عَنْ سَوَاد الْخُزَاعِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس».  

وَأَخْرَجَ عَنْ الْمُسَيَّب عَنْ حَفْصَة قَالَتْ: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس». 

وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة قَالَ سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَام الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: «ذَاكَ يَوْم وُلِدْت فِيهِ وَيَوْم بُعِثْت أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».  

وَفِيهِ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة وَسُئِلَ عَنْ صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس قَالَ مُسْلِم فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْر الْخَمِيس لِمَا نراه وهمًا. 

عَلَى كُلّ حال الحديث هَذَا ضعيف لكن ليس العمدة عَلَيْهِ العمدة عَلَى الأحاديث الأخرى كما ذكر ابن القيم رحمه الله عِنْد النسائي وفي صحيح مسلم, فيشرع صيام يوم الاثنين والخميس يستحب صومهما, فَهُوَ ثابت وَهَذَا الحديث يعتبر شاهد, حديث ضعيف, لكن حديث مسلم حديث النسائي. 

قوله: (لما نراه وهمًا), بعض أهل العلم قَالَ: إن هَذَا يَدُلَّ عَلَى ضعف أو عدم استحباب صيام يوم الخميس لقوله: لما نراه وهمًا, وَكَذَلِكَ أَيْضًا بعض المتأخرين قَالُوا: لا يستحب صيام الخميس ولا الاثنين, ولكن نقول: حَتَّى لو كان وهمًا فصيام يوم الخميس ليس منهيًا عنه, وَإِذَا لَمْ يكن منهيًا عنه فَإِذَا صام لا ينهى, بعض المتأخرين يَقُولُونَ: لا تصوموا الخميس لِأَنَّهُ ما ثبت إِنَّمَا الثابت يوم الاثنين هَذَا ليس بصحيح, الأيام كلها مستحبة ما عدا يوم الجمعة إِذَا أصابه منفردًا رغم ثبوت الخلاف فِيهِ. 

قال الأرنؤوط: المرفوع منه صحيح وَهَذَا إسناد ضعيف لجهالة مولى قدامة وجهالة مولى أسامة عَنْ عمر بن أبي الحكم بن ثوبان كذا جاء اسمه في أصولنا الخطية, لكن جاء في هامش ألف وهاء من الخطية أن صوابه عمر بن الحكم. 

قُلْنَا: كذا سماه أبان وَهُوَ ابن يزيد العطار, يَقُولُ صوابه بدون أبي يَعْنِي, قَالَ: وَهُوَ ابن يزيد العطار فقد جاء اسمه كَذَلِكَ في مسند أحمد, عمر بن أبي الحكم, لكن خالفه هشام الدستوائي فسماه عمر بن الحكم, وذكر صاحب بذل المجهود: أن كلاهما صواب, فأحدهما نسبةٌ إِلَى أبيه والآخر إِلَى جده. 

نسبة إِلَى جده ونسبة إِلَى أبيه, كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ينتسب إِلَى جده «أنا ابن عبد المطلب». 

قَالَ: لِأَنَّهُ عمر بن الحكم بن أبي الحكم ثوبان, إِلَّا أن ما جاء في الأصول الخطية هنا من زيادة ابن ثواب فخطأ؛ لِأَنَّ ثوبان نفسه هُوَ أبو الحكم, وأخرجه النسائي في الكبرى من طريق هشام الدستوائي عَنْ يحيى بن أبي كثير بِهَذَا الإسناد, وأخرجه النسائي من طريق أبي سعيد المقبري عَنْ أسامة بن زيد به وإسناده حسن وَهُوَ في مسند أحمد وانظر تمام تخريجه فِيهِ, ويشهد للمرفوع منه حديث أبي هريرة الآتي عِنْد المصنف.اهـ 

المقصود أن صوم الاثنين والخميس ما غبار عَلَيْهِ, ما رآه بَعْضُهُمْ كونه لا يستحب صوم الخميس ليس بجيد, بَلْ يستحب صوم الخميس مَعَ الاثنين. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد