شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_17

00:00
00:00
تحميل
84

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:  

باب في صوم العشر 

2437 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الحر بن الصياح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين من الشهر والخميس». 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب في صوم العشر), أيْ العشر من ذي الحجة, والمراد التسع من ذي الحجة واليوم العاشر لا يصام لِأَنَّهُ يوم العيد, ولكن ضم إليها تكملة العشر, ويوم عاشوراء هُوَ اليوم العاشر من شهر محرم, عِنْد جمهور العلماء من الصَّحَابَة والتابعين ومن بعدهم, وَذَهَبَ ابن عباس إِلَى أن عاشوراء هُوَ اليوم التاسع, كما سيأتي في باب صوم يوم عاشوراء. 

قَالَ بعض الصَّحَابَة: وَهُوَ يوم الحادي عشر, ولهذا يقال: صام أبو إسحاق ثلاثة أيام, وَقَالَ: إِنَّمَا أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني؛ لِأَنَّهُ يخشى أن ما يدري هَلْ اليوم العاشر هُوَ اليوم العاشر أو التاسع أو الحادي عشر فيصوم الثلاثة أيام. 

وسمي بالعاشر لِأَنَّهُ العشر من محرم وَهَذَا هُوَ الظاهر, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الله تعالى أكرم فِيهِ عشرة من الأنبياء, وقوله: (أول اثنين), يَعْنِي بالنسب بدل من قوله: وثلاثة أيام والخميس بالإفراد, وفي رواية «والخميسين», والاثنين من الشهر والخميسين ثلاثة أيام, خميس وخميس. 

في رواية المؤلف هنا الخميس وفي رواية النسائي كَذَلِكَ, وفي رواية النسائي ثلاثة أيام من كُلّ شهر أو الاثنين من الشهر وخميسين, في رواية النسائي الثانية بالتثنية, وكذا في رواية لأحمد. 

والحديث أخرجه النسائي واختلف فِيهِ عَلَى هنيدة بن خالد في إسناده, فروي عنه كما ذكر المؤلف, وروي عنه عَنْ حفصة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وروي عَنْ أبيه عَنْ أم سلمة رضي الله عنها. 

والحديث فِيهِ مشروعية صوم تسع ذي الحجة وصوم يوم العاشر من شهر محرم, وثلاثة أيام من كُلّ شهر, هنا ذكر أول اثنين من الشهر وخميسين, ثلاثة أيام من كُلّ شهر ليست محددة بالأيام البيض النَّبِيّ أوصى أبا هريرة أوصى أبا الدرداء بصلاة الضحى وأن يصوم ثلاثة أيام من كُلّ شهر غير محددة, سواء أول الشهر أو وسطها أو آخره هَذَا في الصحيحين, لكن في الحديث الحسن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر», سنده حسن لا بأس به. 

فَإِن تيسر صوم الأيام البيض فالحمد لله, وإلا يصوم ثلاثة أيام من الشهر سواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره, مجموعة أو مفرقة تحصل السُّنَّة. 

والسبت فِيهِ خلاف ولكن الصواب أن الحديث ضعيف, بعض العلماء قَالُوا: نهي عَنْ صومه مفردًا, فَإِذَا ضم إليه غيره زال المحظور, كما سبق, والصواب أن الحديث ضعيف في صيام يوم السبت لا يصح. 

(المتن) 

2438 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، ومجاهد، ومسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وَفِيهِ فضل أيام العشر من ذي الحجة وأن العمل الصالح فِيهَا أحب الأعمال إِلَى الله, ومن العمل الصالح الصيام, وَفِيهِ فضل هَذِهِ الأيام وَأَنَّهَا تعدل الجهاد في سبيل الله إِلَّا في هَذِهِ الحالة «رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء». 

هَذَا يَدُلَّ عَلَى تأكد فضل هَذِهِ الأيام العظيمة, أقسم الله بها في الْقُرْآن قَالَ: {وَالْفَجْرِ(1)وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر/1-2]. 

هِيَ الليالي الَّتِي أقسم الله بها, وقوله: « إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء», يَعْنِي قتل في سبيل الله, خرج بنفسه وماله يَعْنِي خرج بماله في سبيل الله وَكَذَلِكَ أَيْضًا سلم نفسه لله, سلم نفسه وماله لله. 

فَإِن قِيلَ: هَلْ يشترط أَنَّهُ خرج وَلَمْ يرجع من ذَلِكَ بشيء؟ هَذَا هُوَ الظاهر, ابن القيم رحمه الله علق عَلَى هَذَا الحديث قَالَ: في مسند أحمد وسنن النسائي عن حفصة رضي الله عنها قالت: «أربعٌ لَمْ يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كُلّ شهر والركعتين قبل الغداه». 

وفي مسند أحمد أَيْضًا عَنْ ابن عمر رضي الله عنهما, قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عِنْد الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هَذِهِ الأيام العشر, فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». 

(المتن) 

باب في فطر العشر 

2439 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه, قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط». 

النووي علق على هَذَا الحديث قَالَ: قَالَ العلماء هَذَا الحديث مِمَّا يوهم كراهة صوم العشر, والمراد هنا بالعشر الأيام التسع من أول ذي الحجة, قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِمَّا يتأول, فَلَيْسَ في صوم هَذِهِ التسعة كراهة, بَلْ هِيَ مستحبة استحباب شديدًا, لَاسِيَّمَا التاسع منها وَهُوَ يوم عرفة, وَقَدْ جاءت الأحاديث في فضلها, وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أفضل منه في هَذِهِ– يَعْنِي العشر الأوائل من ذي الحجة-». 

قَالَ: فيتأول قولها: (لَمْ يصم العشر), أيْ لَمْ يصمه لعارض يعرض لمرض أو سفر أو غيرهما, أو أَنَّهَا لَمْ تره صائمًا فِيهِ ولا يلزم من ذَلِكَ عدم الصيام في نفس الْأَمْرِ, هِيَ ما رأته صائمًا ولكنه صائم في نفس الوقت, أو أن المعنى أَنَّهُ لَمْ يصم لأجل العارض الَّذِي يعرض له. 

قَالَ النووي: وَيَدُلَّ عَلَى هَذَا التأويل حديث هنيدة بن خالد الَّذِي سبق, عن بعض، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كَانَ النَّبِيّ يصوم تسع ذي الحجة يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كُلّ شهر», أول اثنين من الشهر وخميسين, قَال: هَذَا يَدُلَّ عَلَى هَذَا التأويل, فيتأول أَنَّهَا لَمْ تراه يصمها لعارض, أو أَنَّهُ لَمْ تره يصومها, يَعْنِي ما رأته يفعل مفطر لكنه صائم في نفس الْأَمْرِ. 

فَإِن قِيلَ: ما يقال إِنَّهُ يكره صيام العشر؟ لا, مستحب, النووي يَقُولُ: يستحب استحبابًا شديدًا. 

(المتن) 

باب في صوم يوم عرفة بعرفة 

2440 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، حدثنا عكرمة، قال: كنا عند أبي هريرة، في بيته فحدثنا، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة». 

(الشرح) 

هَذَا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه وَفِيهِ نهى عَنْ صوم يوم عرفة بعرفة, قَالَ الخطابي تعليق عَلَى هَذَا الحديث: هَذَا نهي استحباب لا نهي إيجاب, نهى عَنْ صوم عرفة بعرفة عَلَى وجه الاستحباب وليس عَلَى وجه الإيجاب. 

قَالَ: هَذَا نهي استحباب لا نهي إيجاب, قَالَ: فَإِنّما نهي المحرم عَنْ ذَلِكَ خوفًا عَلَيْهِ أن يضعف عَنْ الدعاء والابتهال في ذَلِكَ المقام, فأما من وجد قوةً لا يخاف منها معها ضعفًا فصوم ذَلِكَ اليوم أفضل إن شاء الله. 

وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها». 

إذًا الخطابي يَقُولُ: النهي هَذَا ليس إيجاب وَإِنَّمَا هُوَ نهي استحباب, قَالَ: والحكمة في النهي أَنَّهُ يضعف عَنْ الدعاء, فالذي يجد في نفسه قوة ولا يضعف عَنْ الدعاء لا بأس أن يصوم. 

وَهَذِهِ المسألة اختلف العلماء في صيام الحاج في يوم عرفة بعرفة, فروي عَنْ عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كَانَ يصومان يوم عرفة بعرفة, قَالَ أحمد بن حنبل: إن قدر عَلَى أن يصوم صام, وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فِيهِ إِلَى قوة. 

وَكَانَ إسحاق يستحب صومه للحاج, وَكَانَ عطاء يَقُولُ: أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف, إِذَا كان عرفة في الشتاء يَقُولُ: أصومه؛ لِأَنَّ الشتاء وقت بارد فلا يضعفه عَنْ الدعاء, وفي الصيف الوقت حار فيضعفه عَنْ الدعاء. 

وَكَانَ مالك وسفيان الثوري يختاران الإفطار للحاج, وَكَذَلِكَ الشافعي, وروي عَنْ ابن عمر رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يصمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أصومه أنا. 

قَالَ الشوكاني رحمه الله: واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة عِنْد مسلم وأصحاب السنن مرفوعًا صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة, الحديث أَنَّهُ يستحب صوم يوم عرفة مطلقًا. 

وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عند أهل السنن غير بن مَاجَهْ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا, فِجَعْلِهِ قَرِيبًا فِي الذِّكْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهَا عِيدٌ وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. 

وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ بِعَرَفَاتٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ –يَعْنِي عرفة- مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَكْرُوهٌ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. 

وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْفِ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ هُنَالِكَ وَالْقِيَامِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ. 

وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ. 

وَقِيلَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ نَهَى عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ وَيَرُدُّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ مُطْلَقًا. ا. ه.ـ 

وَهَذَا الحديث ضعيف فِيهِ إسناده مهدي الهجري, الحديث ضعيف وَهُوَ مجهول, في الحديث يَقُولُ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة». 

هَذَا ضعيف؛ لِأَنَّ في سنده مهدي الهجري, ومهدي الهجري مجهول, قَالَ يحيى بن معين: لا أعرفه, وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ لَا نَهْيُ إِيجَابٍ. 

(المتن) 

2441 - حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر، عن عمير مولى عبد الله بن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث، أن ناسا، تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة «فشرب». 

(الشرح) 

الحديث في الصحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, وأم الفضل هِيَ زوجة العباس, النَّاس تماروا يَعْنِي اختلفوا في صوم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هَلْ هُوَ صائم وَهُوَ بعرفة؟ فقال بَعْضُهُمْ: صائم وَقَالَ بَعْضُهُمْ مفطر, فأرسلت أم الفضل بقدح ؛ حَتَّى تتأكد, فَإِن شرب فَهُوَ مفطر وإن رده فَهُوَ صائم, فأرسلت إليه بقدح لبن فشربه فعرفوا أَنَّهُ مفطر. 

بَعْضُهُمْ استدل بِهَذَا الحديث عَلَى جواز الأكل والشرب في المحافل من غير كراهة. 

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه على هذا الحديث: وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ صِيَام يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ آثَارٌ. 

مِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَطَاء عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ كَانَ عُمَر يَنْهَى عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي السَّوَّار قَالَ سألت بن عُمَر عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة فَنَهَانِي وَالْمُرَاد بِذَلِكَ بِعَرَفَة, بِدَلِيلِ مَا رَوَى نَافِع قَالَ سئل بن عُمَر عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة فَقَالَ لَمْ يَصُمْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر وَلَا عُثْمَان وَعَنْ عَطَاء قَالَ دَعَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس الْفَضْل بْن عَبَّاس يَوْم عَرَفَة إِلَى الطَّعَام -عبد الله بن عباس يدعو الفضل- فَقَالَ إِنِّي صَائِم. 

عبد الله دعا أخاه الفضل إِلَى الطعام يوم عرفة, فقال الفضل: إني صائم. 

فَقَالَ عَبْد اللَّه لَا تَصُمْ فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرِّبَ إِلَيْهِ حِلَاب فِيهِ لَبَن يَوْم عَرَفَة فَشَرِبَ منه فلا تصم. 

فإن الناس يستنوون بِكَمْ – يَعْنِي يقتدون بكم- رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث كُرَيْب عَنْ مَيْمُونَة بنت الحرث أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صِيَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَرَفَة فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ يَعْنِي مَيْمُونَة بِحِلَابِ لَبَن وَهُوَ وَاقِف فِي الْمَوْقِف فَشَرِبَ مِنْهُ, وَالنَّاس يَنْظُرُونَ فَقِيلَ يُحْتَمَل أَنْ تَكُون مَيْمُونَة أَرْسَلَتْ وَأُمّ الْفَضْل أَرْسَلَتْ, كُلّ مِنْهُمَا بِقَدَحٍ.  

وَيُحْتَمَل أن يكونا مجتمعين فإنها أختها فاتفقنا عَلَى الْإِرْسَال بِقَدَحٍ وَاحِدٍ فَيُنْسَب إِلَى هَذِهِ وَإِلَى هَذِهِ, فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُرْفَةِ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامه يُكَفِّر سَنَتَيْنِ. 

فَالصَّوَاب: أَنَّ الْأَفْضَل لِأَهْلِ الْآفَاق صَوْمه وَلِأَهْلِ عَرَفَة فِطْره 

لِاخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَعَمَل خُلَفَائِهِ بَعْده بِالْفِطْرِ, وَفِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الدُّعَاء الَّذِي هُوَ أَفْضَل دُعَاء الْعَبْد وَفِيهِ أَنَّ يَوْم عَرَفَة عِيد لِأَهْلِ عَرَفَة فَلَا يُسْتَحَبّ لَهُمْ صِيَامه. 

وَبَعْض النَّاس يَخْتَار الصَّوْمَ وَبَعْضهمْ يَخْتَار الْفِطْر-يَعْنِي في يوم عرفة للحاج- وَبَعْضهمْ يُفَرِّق بَيْن مَنْ يُضْعِفهُ وَمَنْ لَا يُضْعِفهُ وَهُوَ اِخْتِيَار قتادة, والصيام اختيار بن الزُّبَيْر وَعَائِشَة وَقَالَ عَطَاء أَصُومهُ فِي الشِّتَاء وَلَا أَصُومهُ فِي الصَّيْف, وَكَانَ بَعْض السَّلَف لَا يَأْمُر بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ وَيَقُول مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 

عَلَى هَذَا الصواب الَّذِي دلت عَلَيْهِ النصوص أن صوم عرفة مستحب لأهل الآفاق وأن صيامه يكفر سنتين, وَأَمَّا صوم عرفة فالأفضل عدم صيامه, لكن هَلْ هُوَ مكروه؟ نعم مكروه أقل أحواله الكراهة. 

ولكن الحديث هَذَا نهي عَنْ صوم يوم عرفة بعرفة حديث فَهِيَ ضعف, لكن يعضده أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أفطر. 

فيكون صوم يوم عرفة بعرفة خلاف الأفضل, خلاف السُّنَّة, السُّنَّة الفطر في يوم عرفة بعرفة؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مفطرًا وَلِأَنَّ يوم عرفة عيد لأهل الموقف. 

لكن هَلْ يصل النهي إِلَى درجة الحرمة؟ لو صح الحديث حديث النهي عَنْ صوم يوم عرفة بعرفة ما صح الحديث هَذَا, فِيهِ المهدي. 

وَعَلَى هَذَا يستحب صوم عرفة لغير الحاج, أَمَّا الحاج فَإِنَّهُ لا يستحب له صومه, بَلْ يكره له صومه. 

فَإِن قِيلَ: هَلْ يؤمر بالفطر أحسن الله إليك؟ نعم استحبابًا, يقال: الأفضل ألا تصوم. 

فَإِن قِيلَ: يجوز الصوم لمن لَمْ يجد الهدي ثلاثة أيام؟ نعم لمن لَمْ يجد الهدي ذكر الفقهاء الحنابلة وغيرهم أن من لَمْ يجد هدي له أن يصوم يوم عرفة واليوم الثامن والسابع, ولكن الأفضل أن يصوم قبل يوم عرفة حَتَّى يكون مفطرًا. 

فَإِن قِيلَ: ما روي أن الأنبياء يصلون في قبورهم هَلْ هَذَا ثابت؟ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مر عَلَى موسى في ليلة الإسراء وَهُوَ قائم في قبره يصلي, صلاة خاصة؛ لأنها تكليف خاص انقطع التكليف بموته, رآه قائمًا يصلي في قبره, هَذَا يحمل عَلَى أن هَذَا شَيْء خاص, وَهَذِهِ الصلاة ليست صلاة تكليف, بينما صلاة تلذذ, كما أن أهل الْجَنَّةَ يتلذذون بالتسبيح, يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس. 

فَإِن قِيلَ: صيام أيام التشريق؟ لا يجوز, يحرم صومها إِلَّا صنف واحد من النَّاس وَهُوَ المتمتع والقارن الحاج إِذَا لَمْ يجد هديًا وفاتت عَلَيْهِ صيامها قبل يوم العيد, يَعْنِي من لَمْ يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج, والأفضل أن يكون هَذَا الصيام قبل يوم العيد, فَإِن فاتت صامها أيام التشريق. 

فَإِن قِيلَ: عَلَيْهِ كفارة صيام؟ يؤجلها,يصوم الآن ثلاثة أيام بدل الهدي والكفارة يصومها فيما بَعْد, ما يصومها إِلَّا في الوقت الضيق هَذَا؟! . 

إن كَانَ المقصود شهرين متتابعين كانا عَلَيْهِ يفطر يوم الفطر ويفطر يومي العيد وأيام التشريق يفطرها, ولا يبدأ من جديد, بَلْ يبني, ما يقطع التتابع, كَذَلِكَ أيام الحيض للمرأة إِذَا كانت تصوم. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد