شعار الموقع

شرح كتاب الصوم من سنن أبي داود_20

00:00
00:00
تحميل
101

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين. 

(المتن) 

قَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه: 

 باب النية في الصوم. 

2454- أخبرنا أحمد بن صالح، أخبرنا عبد الله بن وهب، حدثني ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له». 

قال أبو داود: رواه الليث، وإسحاق بن حازم، أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر، مثله، وأوقفه على حفصة معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، كلهم عن الزهري. 

(الشرح) 

قَالَ المؤلف رحمه الله: (باب النية في الصوم) هنا في الحديث السابق حديث عائشة باب: من قَالَ لا يبالي من أي الشهر, ذكر فيهِ حديث عائشة الذي أخرجه مسلم, وذكر اِبْن القيم رحمه الله في تهذيب السنن عن عائشة قالت: «كَانَ يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين, ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس». 

قَالَ: وروي فيهِ صفة أخرى عن اِبْن عمر أن رسول الله r: «كَانَ يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين من أول الشهر ثم الخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه» رواه النسائي. 

قَالَ: وقد جعل صفة أخرى عن هنيدة الخزاعية عن أم سلمة قالت: «كَانَ رسول الله r يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والاثنين والاثنين» رواه النسائي. 

عَلَى هذا يكون في صفات ثلاثة أيام من كل شهر بدون تحديد الأيام البيض, والأمر في هذا واسع سواء صام هَذِه الأيام أو غيرها, وسواءٌ صامها مجتمعة أو متفرقة من أول الشهر أو آخره, لَكِنْ الأفضل كما سبق إن تيسر أن تكون الأيام البيض. 

قول المؤلف رحمه الله: (باب النية في الصوم) يَعْنِي: ما حكم النية في الصوم, هل هي واجبة؟ ومتى تكون؟ ذكر حديث حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له». 

وهذا الحديث أخرجه: الترمذي, والنسائي, وابن ماجة, معنى: «من لم يُجمع الصيام» الإجماع يَعْنِي: العزم والنية, قَالَ الخطابي: معنى الإجماع: إحكام النية والعزيمة, قَالَ: أجمعت الرأي وأزمعت المعنى واحد, قوله: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له» فيهِ بيان أن من تأخرت نيته للصوم عن أول وقته فَإِن صومه فاسد, قَالَ هذا الخطابي. 

وفيه: دليل عَلَى أن تقديم نية الشهر كله في أول ليلة معه منه لا يجزئه عن الشهر كله؛ لِأَنّ صيام كل يوم من الشهر صيامٌ مفردٌ بنفسه متميزٌ عن غيره, فإذا لم ينوه في الثاني قبل فجره وفي الثالث كذلك لا يجزئه, وهذا قول جماعة من الصحابة روي عن عمر رضي الله عنه وعبد الله اِبْن عمر, وهو من مذهب الشافعي وأحمد. 

وقال أبو حنيفة: إذا نوى الفرد قبل زوال الشمس أجزأه, وقالوا في صوم النذر والكفارة والقضاء: إن عليه تقديم النية قبل الفجر. 

وقال إسحاق بْنُ راهوية: إذا قدم للشهر النية أول ليلة أجزأه للشهر كله وإن لم يجدد النية كل ليلة, والأصل في هذا الحديث هذا, وحديث حفصة هذا اُختلف في رفعه ووقفه كما ذكر المصنف أبو داود, قَالَ أبو داود: رواه الليث وإسحاق, وابن حزم جميعًا عن عبد الله بْنُ أبي بكر مثله, يَعْنِي: رواه مرفوعًا, ورواه موقفًا عَلَى حفصة: معمر, والزبيدي, وابن عيينة, ويونس الأيلي كلهم عن الزهري موقوف, إذًا اُختلف في رفعه ووقفه, والأرجح رفعه ولا منافاة لِأَنّ الزيادة من الثقة مقبولة, عند المتأخرين أن الزيادة من الثقة مقبولة وأما المتقدمون من أصحاب الحديث فهم مفصلون في الزيادة إذا زادها الثقة, أو زادها الأحفظ أو الأكثر فهي مقدمة. 

والحديث دليل عَلَى جوب تبييت نية الصيام من الليل قبل الفجر, لقوله: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له» وَلَكِن هذا خاص بالصوم الواجب كصوم رمضان أو قضاء رمضان أو صوم النذر أو صوم الكفارة, أما صوم التطوع فيجوز الصيام فيهِ من النهار إذا لم يفعل مفطرًا كما دل عليه حديث مسلم الذي أخرجه المصنف بعد هذا الحديث, فيجوز الصيام فيهِ من النهار إذا لم يفعل مفطرًا كما دل عليه حديث مسلم هذا الذي أخرجه المصنف بعد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها فيكون مخصصًا لعموم هذا الحديث. 

وهذا جمع حسن بين الحديثين؛ لِأَنّ أحدهما عام والآخر خاص والقاعدة الحديثية الأصولية: أن الخاص يقضي عَلَى العام ويخصصه فيُخرجه من عمومه, فقول النَّبِيِّ r: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له» في وقت من لم يبيت الصيام فهذا عام, ويخصصه الحديث الذي بعده أن النَّبِيِّ r صام نفلًا بعد طلوع الفجر كما سيأتي, يكون هذا عام وهذا خاص. 

قوله: «من لم يُجمع» يَعْنِي: لم ينوي والإجماع هنا: إحكام النية والعزيمة, وروي: «من لم يبيت» أو لم ينوي من الليل, والعلماء كما سمعتم لهم أقوال في هذا, الشافعي واحمد يرون أن النية لابد في كل ليلة قبل الفجر, يَعْنِي: كل يوم عبادة مستقلة, وهو المذهب عند الحنابلة, ومعنى النية: أَنَّه إذا علم أَنَّه سيصوم غدًا من الليل هَذِه النية ما هي تحتاج لصنع دروع, إذا علمت أنك ستصوم غدًا من طلوع الفجر إِلَى غروب الشمس إلى طلوع الفجر هَذِه هي النية, كذلك النية في الوضوء ما في تكلف حينما يقوم الإنسان لدورة المياه هَذِه هي النية, حينما تقوم للصلاة هَذِه هي النية. 

وقال بعض العلماء: يكفي نية واحدة للشهر كله, هذا مذهب إسحاق بْنُ راهوية, إذا قدم للشهر النية أول ليلة أجزأه الشهر كله وإن لم يجدد النية كل ليلة؛ لِأَنّ هذا يقول اَلْمُسْلِم: معلوم أَنَّه سيصوم الشهر كله فيكفي من أول ليلة, لَكِنْ الجمهور قالوا: كل يوم عبادة مستقلة, فلابد أن تبيت النية من الليل وتبييت النية كما سبق هو إذا كَانَ يعلم من نفسه أَنَّه سيصوم غدًا فهذه هي النية. 

وأبو حنيفة قَالَ: إذا نوى للفرض قبل زوال الشمس أجزأه, هذا مذهب ثالث, وإن نوى بعد زوال الشمس لم يجزأه بشرط أن لا يفعل مفطرًا, وأما في صوم النذر والكفارة والقضاء فعليه تقديم النية قبل الفجر. 

الحافظ ابن القيم رحمه الله تكلم عَلَى هذا الحديث ونقل عن النسائي, قَالَ النسائي: الصواب عندنا موقوف, يَعْنِي: هذا الحديث, ولم يصح رفعه, ومدار رفعه عَلَى اِبْن جريج وعبد الله بْنُ أبي بكر, فأما حديث عبد الله بْنُ أبي بكر فهو من رواية يحي بْنُ أيوب عنه, وحديث اِبْن جريج عن الزهري غير محفوظ. 

وقال البيهقي: عبد الله بْنُ أبي بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الأثبات, قَالَ: وروي من حديث عمرة عن عائشة واُختلف عليها في وقفه ورفعه. 

وقال الدارقطني: تفرد بِهِ عبد الله بْنُ عباد عن الفضل, يَعْنِي: بهذا الإسناد وكلهم ثقة, وغيره يرويه موقوفًا عَلَى عيسى وقاله عبد الحق. 

إذًا الحديث كما سبق مختلفٌ في رفعه ووقفه ومنهم من رجح وقفه ومنهم من رجح رفعه, والنسائي يرجح أَنَّه موقوف, لَكِنْ هذا لا يلغي حكم الرفع, حتى الموقوف لا يخالف المرفوع, يَعْنِي: مثله ما يُقال بالرأي, هذا اعتمده العلماء والأئمة فلا بأس بِهِ, إما مرفوع أو موقوف فله حكم الرفع والأرجح أَنَّه مرفوع والموقوف لا يخالف المرفوع, تكلم عليه عندك؟. 

الطالب: قَالَ: الحديث صحيح وذكر من صحح الحديث: اِبْن خزيمة, وابن حبان, والدرقطني, والخطابي, والحاكم, وابن حزم, والبيهقي, وابن العربي, وروى له الدارقطني طريقًا آخر. 

الشيخ: الحديث صحيح واعتمده الأئمة والأرجح أَنَّه مرفوع, والقول بأنه موقوف له حكم الرفع. 

الطالب: رأي الجمهور في النية؟. 

الشيخ: الجمهور عَلَى أنها واجبة كل ليلة تبييت النية, تبييت النية ما فيهِ إشكال, يَعْنِي: إذا علم أنه سيصوم غدًا فهذه النية, الجمهور يرون أن كل يوم عبادة مستقلة. 

(المتن) 

باب في الرخصة في ذلك. 

2455- حدثنا محمد بن كثير، أنبأنا سفيان، ح وأخبرنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا وكيع، جميعًا عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: «هل عندكم طعام؟»، فإذا قلنا: لا، قال: «إني صائم»، زاد وكيع، فدخل علينا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فحبسناه لك، فقال: «أدنيه» فأصبح صائمًا وأفطر. 

(الشرح) 

الحديث صحيح أخرجه الإمام مسلم, والترمذي, والنسائي, والحيس هو: تمر, وأقت, وسمن, وقد يعوض عن الأقت الدقيق . 

قوله: (باب في الرخصة في ذلك) يَعْنِي: الرخصة في ترك النية من الليل, والحديث دل عَلَى مسألتين: 

الأولى: جواز إنشاء صوم التطوع بنية من النهار إذا لم يفعل مفطرًا؛ لِأَنّ النَّبِيِّ r دخل عَلَى أهله قَالَ: «هل عندكم طعام؟ قالوا: لا، قال: إني صائم» يَعْنِي: ما أكل ولا شرب قبل ذلك, دخل ضحى, من الفجر إِلَى ذلك الوقت ما أكل ولا شرب, أما لو أكل أو شرب وفعل مفطرًا ما يصوم, إذا لم يفعل مفطرًا يصوم ويُكتب له الأجر من نيته وهذا خاص بالنفل, أما صوم النذر والكفارة وقضاء رمضان فلا. 

الطالب: (...)؟. 

الشيخ: فيهِ خلاف, هل يجوز النية بعد الزوال أو خاصة بقبل الزوال؟ الجمهور عَلَى أنه يكون قبل الزوال وهذا فعل النَّبِيِّ r, فالحديث دل عَلَى جواز إنشاء صوم التطوع بنية من النهار إذا لم يفعل مفطرًا. 

الثانية: جواز الخروج من صوم التطوع بعد الدخول فيهِ, قَالَ: «فدخل علينا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فحبسناه لك، فقال: أدنيه»، وفي لفظ: «أرنيه فأصبح صائمًا وأفطر» دل عَلَى جواز الإفطار في صوم النذر كما لو دُعي إِلَى وليمة أو جاءه ضيف وأحب أن يفطر قد يكون الفطر مستحب إذا كَانَ الضيف يشق عليه عدم فطره. 

(المتن) 

2456- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، قالت: لما كان يوم الفتح فتح مكة، جاءت فاطمة، فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه، قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب، فناولته فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ، فشربت منه، فقالت: «يا رسول الله، لقد أفطرت، وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئًا؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعًا». 

(الشرح) 

الحديث أخرجه: الترمذي, والنسائي, والحديث في إسناده مقال ولا يثبت, في إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائي, وقال ذلك المنذري, فالحديث لا يثبت لَكِنْ يُغني عنه حديث عائشة السابق عند مسلم, وأنه إذا أفطر في صوم التطوع فَإِن القضاء غير واجب وهو قول الجمهور وهو الصواب. 

قَالَ أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه القضاء. في صوم التطوع إذا أفطر يلزمه القضاء 

قَالَ مالك: يلزمه القضاء إذا أفطر من غير عذر. 

فتكون الأقوال ثلاثة: 

الأول: قول الجمهور لا يلزمه القضاء مطلقًا. 

الثاني: قَالَ أبو حنيفة: يلزمه القضاء مطلقًا. 

الثالث: قَالَ مالك: يلزمه القضاء إذا أفطر من غير عذر. 

والصواب: القول الأول كما دل عليه حديث عائشة السابق عند مسلم, والوليدة هنا: الأمة, قالت: «فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب، فناولته فشرب منه» الضمير يعود للنبي r, تقديره: ناولته الإناء, «ثم ناوله أم هانئ، فشربت منه، فقالت: يا رسول الله، لقد أفطرت، وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئًا؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك» أي ليس عليك إثم. 

قَالَ الخطابي: في هذا بيان أن القضاء غير واجب إذا أفطر في تطوع وهو قول اِبْن عباس رضي الله عنه, وإليه ذهب الشافعي وأحمد بْنُ حنبل. 

قَالَ أبو حنيفة: يلزمه القضاء إذا أفطر. 

قَالَ مالك: إذا أفطر من غير عذر. 

قَالَ المنذري: هذا الحديث في إسناده مقال ولا يثبت وفي سنده اختلاف كثير وأشار إليه النسائي, قَالَ الترمذي: في إسناده مقال, وذكر الحافظ اِبْن القيم رحمه الله نقلًا عن النسائي رواية القضاء قَالَ: إنها تصح, قَالَ الحافظ ابْنُ القيم: زاد النسائي «فأكل وقال: وَلَكِن أصوم يومًا مكانه» ثم قَالَ: هذا خطأ النسائي. 

قَالَ عبد الحق: قد روى الحديث جماعة عن طلحة فلم يذكر أحدٌ منهم: «وَلَكِن أصوم يومًا مكانه» وهذه الزيادة هي من رواية سفيان بْنُ عيينة عن طلحة ولفظ النسائي فيها عن مجاهد عن عائشة قالت: «دخل عليَ رسول الله r يومًا فَقَالَ: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا, فَقَالَ: فإني صائم, ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أُهدي لنا حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قَالَت: يا رسول الله إنه أُهدي لنا حيس فَقَالَ: أدنيه أما إني أصبحت صائمًا فأكل منه ثم قَالَ: إِنَّمَا مثل صوم المتطوع مثل الرجل يُخرج من ماله الصدقة فَإِن شاء أمضاها وإن شاء حبسها». 

وفي لفظ النسائي: «يا عائشة, إِنَّمَا منزلة من صام في غير رمضان أو في غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله فجاد منها بما شاء فأمضى وبخل بما بقي فأمسك». 

وفي لفظ عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم الْمُؤْمِنِينَ قالت: «جاء رسول الله r يومًا فَقَالَ: هل عندكم من طعام؟ قلت: لا, قَالَ: إني إذًا أصوم, قالت: ثم دخل مرة أخرى فقلت: قد أُهدي لنا حيس فَقَالَ: إذًا أُفطر وقد فرضت الصوم». 

قَالَ: وفيه حجة عَلَى المسألتين: جواز إنشاء صوم التطوع بنية من النهار, وجواز الخروج منه بعد الدخول فيهِ, وأما زيادة النسائي: «كالصدقة يخرجها الرجل» فهذا اللفظ قد رواه مسلم في صحيحه من قول مجاهد, قَالَ طلحة بْنُ يحي: فحدثت مجاهدًا بهذا الحديث فَقَالَ: «ذلك بمنزلة الرجل يُخرج الصدقة من ماله فَإِن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها» عَلَى هذا فالزيادة: «أصوم يومًا مكانه» لا تصح. 

الطالب: أجره في الصيام يُكتب من حيث أنشأ النية أو اليوم كاملًا؟. 

الشيخ: من حين أنشأ النية. 

الطالب: لا يكون كمن قَالَ فيهِ النَّبِيِّ r: «من صام يومًا في سبيل الله» هل ينطبق عليه هذا الحديث؟. 

الشيخ: هذا أقل من يوم, وَكَذَلِكَ لو كَانَ من الست من شوال ويكون الست ناقصة يومًا, وهذا أقل من يوم وينبغي أن يكون يومًا كامل. 

(المتن) 

باب من رأى عليه القضاء. 

2457- حدثنا أحمد بن صالح، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن زميل، مولى عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: يا رسول الله، إنا أهديت لنا هدية، فاشتهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عليكما صوما مكانه يومًا آخر». 

قَالَ أبو سعيد بْنُ الأعرابي: هذا الحديث لا يثبت. 

(الشرح) 

هذا الحديث أخرجه النسائي, وكما قَالَ أبو سعيد بْنُ الأعرابي: هذا الحديث لا يثبت, الحديث إسناده ضعيف في سنده: زُميل ومجهول هذا, ومدار الحديث عَلَى زُميل وهو ليس بحجة, وقال البخاري: لا يُعرف لزُميل سماع من عروة ولا ليزيد بْنُ الهاد من زُميل, ولا تقوم بِهِ الحجة, قَالَ أبو سعيد بْنُ الأعرابي: هذا الحديث لا يثبت. 

قَالَ الخطابي: إسناده ضعيف وزُميل مجهول, وعليه فالحديث ضعيف لانقطاعه وجهالة زُميل الذي مدار الحديث عليه, ولا يصح الْأَمْرِ بقضاء صوم التطوع الذي أفطر فيهِ ما يصح, ولو صح حُمل الْأَمْرِ فيهِ بالقضاء عَلَى الاستحباب جمعًا بينه وبين حديث عائشة السابق قبله عند مسلم في صحيحه؛ ولأن القضاء يحكي الأداء والأداء كَانَ نفلًا فحل القضاء محله, إذا كَانَ الأداء نفل فكذلك أيضًا القضاء نفل, ولأن بدل الشيء يحل محله أصلًا في أكثر الأحكام, فكأن اِبْن القيم رحمه الله نقل عن النسائي أَنَّه يصحح من طريق آخر هذا, ويقول: يُحمل هذا عَلَى الاستحباب, ويصح الْأَمْرِ بالقضاء لكنه يُحمل عَلَى الاستحباب؛ لِأَنّ حديث عائشة دليل عَلَى عدم الوجوب. 

قَالَ اِبْن القيم رحمه الله: قد روى النسائي حديث الْأَمْرِ بالقضاء من حديث جرير بْنُ حازم عن يحي بْنُ سعيد عن عمرة عن عائشة عن النَّبِيِّ r وتابعه الفرج بْنُ فضالة عن يحي, قَالَ الدارقطني: وهم فيهِ جرير وفرج, وخالفهما حماد بْنُ زيد, وعباد بْنُ عوام, ويحي بْنُ أيوب, فرووه عن يحي بْنُ سعيد عن الزهري مرسلا. 

قد رواه النسائي أيضًا من حديث جعفر بْنُ برقان قَالَ: أخبرنا الزهري عن عروة عن عائشة بِهِ, وقال: «اقضيا يومًا مكانه» اقضيا يومًا بعدُ, من حديث سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة بِهِ وفيه: «فأمرهما رسول الله r أن يصوما يومًا مكانه» وذكر النسائي أَنَّه أيضًا من رواية إسماعيل بْنُ عقبة وصالح بن كيسان, فقد برء زُميل من عهدة التفرد بِهِ, وتابعهم أيضًا يحي بْنُ سعيد عن اِبْن شهاب, فهؤلاء: سفيان, وجعفر بْنُ برقان, وصالح بْنُ كيسان, وإسماعيل بْنُ عقبة, ويحي بْنُ سعيد عَلَى اختلاف عنه عن اِبْن شهاب الزهري مرسًلا كلهم يذكروا الْأَمْرِ بالقضاء زيادة عَلَى رواية زُميل, فالذي يغلب عَلَى الظن أن اللفظة محفوظة في الحديث وتعليلها بما ذُكر قد تبين ضعفه وَلَكِن قد يقال: الْأَمْرِ بالقضاء أمر ندبٍ لا أمر إيجاب, وبالله التوفيق. 

كأنه يصحح هذا الحديث من طريق أخرى ويحمل الْأَمْرِ هنا عَلَى الندب, عَلَى كل حال نقول: الإفطار في صوم النفل جائز, وَلَكِن لو قضاه أفضل وإن لم يقضه فلا حرج عليه,  

ماذا قَالَ عليه؟. 

الطالب: قَالَ: إسناده ضعيف لجهالة زُميل وهو اِبْن عباس الأزدي مولى عروة بْنُ الزبير وباقي رجاله ثقات, اِبْن الهاد: هو يزيد بْنُ عبد الله الليثي, وأخرجه النسائي في الكبرى من طريق عبد الله وهب بهذا الإسناد, وله طريق آخر رجاله ثقات, وأخرجه النسائي والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن حبان وابن حزم في المحلى, وابن عبد البر في التمهيد من طريق عن اِبْن وهب: حدثني جرير بْنُ حزم عن يحي بْنُ سعيد عن عمرة عن عائشة, وهذا إسنادٌ موصول رجاله ثقات رجال صحيح إِلَى أن البيهقي قَالَ: وجرير بْنُ حازم وإن كَانَ من الثقات فهو واهمٌ فيهِ, وقد خطأه في ذلك الإمام أحمد وعلى بْنُ المديني والمحفوظ عن يحي بْنُ سعيد عن الزهري عن عائشة مرسلًا, لَكِنْ اِبْن حزم صحح الحديث في كتابه المحلى, ولم يلتفت إِلَى هَذِه العلة, فَقَالَ: لم يخفى علينا قول من قَالَ: إن جرير بْنُ حزم أخطأ في هذا الخبر إِلَّا أن هذا ليس بشيء؛ لِأَنّ جرير ثقة ودعوى الخطأ باطلة, إِلَّا أن يقيم المدعي له برهانًا عَلَى صحة دعواه, وليس انفراد جرير بإسناده علة لِأَنَّهُ ثقة وممن صحح الحديث أيضًا اِبْن حبان, وأخرج الترمذي والنسائي من طريق الزهري عن عروة عن عائشة موصولًا. 

قَالَ الترمذي: وروى صالح بْنُ أبي الأخضر ومحمد بْنُ حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مثل هذا. 

ثم ذكر هنا قولًا للإمام مالك فَقَالَ مالك وأصحابه: من أصبح صائمًا متطوعًا فأفطر متعمدًا فعليه القضاء, وَكَذَلِكَ قَالَ أبو حنيفة وأبو ثور, وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق: اُستحب له أن لا يفطر فَإِن أفطر فلا قضاء عليه. 

الشيخ: سبق أن قلنا عن الإمام مالك أنه قَالَ: من غير عذر, الخطابي كذلك يرى أن القضاء محمول عَلَى الاستحباب, نقل الشارح قَالَ الخطابي: وقد جاء في هذا الحديث رواية اِبْن جريج عن الزهري عن عروة قَالَ اِبْن جريج قلت للزهري: أسمعته من عروة؟ قَالَ: إِنَّمَا أخبرنيه رجلٌ بباب عبد الملك بْنُ مروان فيُشبه أن يكون ذلك الرجل هو زُميل هذا, قَالَ: ولو ثبت الحديث أشبه أن يكون إِنَّمَا أمرهما بِذَلِكَ استحبابًا؛ لو ثبت يُحمل عَلَى الاستحباب؛ لِأَنّ بدل الشيء في أكثر أحكام الأصول يحل محل أصله وهو في الأصل مخير فكذلك في البدل. 

قَالَ المنذري: وأخرجه النسائي وقال: زُميل ليس بمشهور, وقال البخاري: لا يُعرف لزُميل سماع من عروة ولا ليزيد بْنُ الهاد من زُميل, ولا تقوم بِهِ الحجة. 

قَالَ الخطابي: إسناده ضعيف وزُميل مجهول. 

وكما سبق الصواب في هَذِه المسألة أَنَّه يجوز للإنسان أن يُفطر في صوم النفل ولا يَجِبُ عليه القضاء, وَلَكِن إذا أحب أن يقضيه استحبابًا فهذا أفضل, وفيه خير عظيم لَكِنْ ليس عَلَى سبيل الإيجاب, والله أعلم. 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد